عندما أردت إحضار إبنتى الصغيرة من مكان لعبها بعد المدرسة منذ عام قلت لها أن ترتدى ملابس الخروج لأننا سنخرج للشارع. وصعدت بالفعل للدور الأول ولكنها تأخرت قليلا فصعدت خلفها لكى أحفزها فوجدت أنها تحادث طفل فى عمرها أفريقى تماما واضح أن كل من أبيه وأمه من المهاجرين الأفارقة من الجيل الأول. ووجدتها تقول له لابد أن أمشى لأن والدى ينتظرنى وهو يطلب منها أن تبقى لتلعب معه.. وعندما رآنى سكت الطفل عن مطالباته وأخذ يلعب وحده فى بعض من حزن.. وكان الملاحظ وجود على الأقل 3 أطفال آخرين حوله.. وعندما شرعت أمل فى إرتداء معطفها سمعته يقول "لا أحد يريد اللعب معى"..
بالطبع لم أحادث إبنتى فى هذا الأمر حتى لا ألفت نظرها إليه وحتى لا ينشأ لديها شعور بالإختلاف بين الأطفال.
الواقع أن هذا الموقف قد هزنى بعنف من الداخل حيث أن هذا الطفل السكين قد قذفت به الأقدار إلى مجتمع يقوم نظريا على المواطنة والتسامح ولكنه عمليا لا يزال يفرق تفرقة عنصرية حتى فى هذه السن المبكرة جدا، ست سنوات فى العام الدراسى الأول..
وخلال عطلة نهاية نفس ذلك الأسبوع شاهدت لقاء مع الجنرال كولن باول رئيس الأركان الأمريكى الأسبق ووزير الخارجية فى عهد بوش الإبن الأول وهو أمريكى أسمر من أصول أفريقية حيث هاجر أبواه من الكاريبى.
وقد قال أنه جمهورى الهوى ولكنه قام بانتخاب أوباما الديموقراطى مرتين، مرة عام 2008 والأخرى عام 2012. وعندما سئل عن السبب قال أنه يلاحظ ميولا غير مريحة ومتطرفة داخل الحزب الجمهورى تتمثل فى عنصرية خفية وظاهرة حتى أن أحد حكام الولايات قال فى تصريح علنى أثناء الحملة الإنتخابية أن الرئيس أوباما shucks and jivesفى تصريحاته حول بنغازى.. وهذان الفعلان يستعملان للسخرية من الزنوج فى أمريكا حيث أن لهم طريقة معينة فى نطق الكلمات الإنجليزية. واستعمال هذه الألفاظ فى وصف خصم سياسى هو من باب التحقير العرقى بسبب كونه أفريقى الأصل.
والحقيقة أننى لم أكن قد سمعت بذلك التجاوز خلال الحملة الإنتخابية ولكننى عندما عدت للإنترنت وجدت أنها سارة بيلين حاكمة ولاية ألاسكا التى نطقت بهذه الكلمات البذيئة والتى تتعارض مع أى قاعدة من قواعد اللياقة السياسية political correctness والتى تحرم النطق بألفاظ جارحة أو التى إتفق على أنها جارحة أو حتى بها شبهة جرح.
كذلك قال كولن باول أنه يتحفظ على طريقة تفكير الحزب الجمهورى فى الوقت الحالى لأن هذا الحزب – أو كثير من عناصره الحالية – لا يريدون أن يعترفوا بالحقائق الديموجرافية فى الولايات المتحدة الأمريكية وأن الأمريكيين من أصل افريقى والأمريكيين من الهيسبانيك وكذلك أصحاب الأصول الآسيوية هم الآن بصدد تكوين الأغلبية العرقية فى الولايات المتحدة وسوف يصبح البيض أقلية بعد فترة من الزمن.
وهذه المشكلة تقلق المفكرين الأوروبيين منذ أواسط الثمانينات حيث أن أوروبا تشعر بذلك أكثر كثيرا من غيرها وخصوصا الدول التى لا تمتلك ماضيا إستعماريا طويلا كألمانيا والنمسا وسويسرا التى أصبح الأجانب فيها يمثلون نسبا تربو على 12% فى معظم الأحيان وفى حالة سويسرا بالذات تعدى الرقم 20% من السكان..
والحرص الأوروبى على عدم الوقوع فريسة للتغيرات الديموجرافية يبدو شديدا فى سياسات التشجيع على الإنجاب وتعويض الأمهات عن الوقت الذى يفقدنه فى فترات نهاية الحمل والوضع والرضاعة والرعاية وخلافه. ولكن الفارق فى معدلات المواليد بين البيض من الأصل الأوروبى وغيرهم من الأصول الأجنبية لا يمكن تعويضه بهذه السهولة.
لم يظهر التغير العرقى فى الولايات المتحدة بصورة أوضح من التى ظهر عليها منذ عام ونصف فى إحتفال تنصيب الرئيس.. فقد كانت نسبة الملونين إلى عدد الحاضرين أعلى كثيرا من أى نسبة سبقتها من قبل. وأنا لا أتحدث عن الحفل داخل مبنى الكونجرس، فهذا محدود بالأعضاء والسياسيين المعروفين.. ولكننى أتحدث عن الجمهور الذى حضر الحفل فى الشارع. ولا أظن أن السبب هو مجرد أن الرئيس نفسه أسود. فالرئيس نفسه عندما أدى القسم أول مرة منذ 4 سنوات كان الجمهور يمثل أطيافا متعددة من الأمريكيين وكان كثير منهم من البيض. أما بالأمس فقد لاحظت زيادة كبيرة فى أعداد السود والهيسبانيك عن المرة السابقة وأظن أن هذا هو الرد على تكتل كثير من البيض خلف المرشح رومنى خلال الإنتخابات.
كذلك فإن المطربة التى قامت بالغناء مع النشيد القومى هى أيضا من السود. ولولا تزاحم الرايات ذات الأشرطة والنجوم لاعتقد المرء أن هذا الإحتفال يقام فى جنوب أفريقيا حيث الغالبية من السود والأقلية من البيض !!