خللى السلاح صاحى، صاحى صاحى
أبدأ الحديث بالإعتذار عن إستخدام المقطع المشهور من أغنية عبد الحليم حافظ الوطنية كعنوان لهذه الملاحظات وذلك دون إستئذان مؤلفها..
فى حديث نهاية مدته الرئاسية بداية عام 1961 عندما أراد أن يودع الأمة بعد قضاء 8 سنوات فى منصب الرئيس الأمريكى قال الرئيس دوايت آيزنهاور بطل معركة تحرير أوروبا والأطلنطي ومخطط غزوتى النورماندى وصقلية، قال أنه يري خطرا على قيم الحرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تعاظم نفوذ شركات إنتاج السلاح مدعومة بالبنوك التى تمولها وهو ما جعل غواية خوض حروب باستمرار خطرا يهدد قيم الحرية فى الولايات المتحدة التى تعتز أكثر ما تعتز بقيمة الحرية منذ وضع الدستور الأول قبل إذاعة ذلك الخطاب بأكثر من 170 عاما.
وقد قال أن الولايات المتحدة حتى بداية القرن العشرين لم تكن مهتمة ولا راغبة فى إنشاء صناعة حربية لها وزنها حيث أن الأخطار المحيقة بها لم تكن موجودة.
كان آيزنهاور رجلا ذا طباع مختلفة عن طباع الجنرال ماك آرثر رغم أنهما جنرالان أمريكيان من نفس الجيل. فقد كان آيزنهاور متعقلا فى قراراته ولا يميل لدفع الأمور إلى حافة الهاوية مثل ماك آرثر. وماك أرثر كان أكبر منه بعشر سنوات وكان من العجيب ان يظل فى الخدمة حتى سن السبعين وما بعدها
ولكن عقب التهديد النازى لأوروبا كلها وعدم وجود قوة يمكنها تجهيز ما يمكن له أن يعادل القوة الألمانية سوى الولايات المتحدة فقد تنبهت الولايات المتحدة إلى أهمية القوة العسكرية وإلى الثقل الهائل للصناعة العسكرية سواء فى المجال الإقتصادى أو الستراتيجى.
والواقع أن هذا يعود الفضل فيه إلى ضربة بيرل هاربور التى أوقظت ماردا نائما وجعلته ماردا متيقظا ومستعدا فى كل ركن من أركان العالم.
وأمريكا لم تكن مستعدة لأى حرب قبل بداية عام 1942 عندما كانت ضربة اليابان قد دخلت أسبوعها الرابع. وكان على الأمريكيين أن يعملوا بسرعة وخفة وكفاءة حتى يعوضوا النقص الحاد فى دفاعاتهم إذ أن اليابان كانت أكثر جاهزية من الولايات المتحدة 100 مرة وألمانيا 200 مرة !!!
وهكذا كان على الأمريكيين أن يقوموا بشيئين أساسيين، تحويل كل المصانع الموجودة فى أمريكا للإنتاج الحربى وتدبير التمويل اللازم لهذا الإنتاج.
فكيف تسنى لهم ذلك؟
كانت المأساة الناتجة عن ضرب بيرل هابور بطريقة مباغتة مأساة قومية شعر خلالها كل أمريكي أن حياته وحياة أولاده مهددة بغزو اليابانيين. ولعل هذه الغارة التى قام بها عرق مختلف عن العرق الأبيض قد أيقظت فى وجدان الأمريكيين تخوفهم الغريزى من الأجناس الأخرى حيث أن أمريكا بأسرها قامت على إحلال الجنس الأبيض محل الجنس الأصلى للهنود. ولا ينس المرء أن أمريكا فى تلك الفترة كانت شبه مغلقة على نفسها ولا تعرف من العالم الخارجى سوى الإحتكاك اليسير عن طريق المؤسسة الشرقية، أى الجامعات والحكومة الفيدرالية التى تتركز على الساحل الشرقى للبلاد ولا يتعدى أثرها تلك المنطقة. أما داخل البلاد فكات لا يعرف سوى العزب والكفور التى هى أساس الحياة الإجتماعية الأمريكية. فالشعب الأمريكى لا يزال حتى اليوم يعيش أكثر من 70% من سكانه فى تلك العزب والكفور الصغيرة المحدودة أفقا وثقافة.
وهذه المجتمعات الوادعة النائمة لا تحتمل فكرة مجىء قوة أجنبية لغزو الولايات المتحدة وإخراجهم من بيوتهم لكي يحل محلهم شعب آخر كاليابانيين. ومن حظ حكومة الولايات المتحدة أن كمية الحشد النفسى للحرب وتأهيل الكتل البشرية لقبول تضحياتها لم تكن مهمة صعبة إطلاقا. فهاهو الأسطول الباسيفيكي قد تحطم دونما إعلان لحالة الحرب من جانب اليابان، وهاهى القوات اليابانية تتأهب لغزو البلاد من جهة الغرب ثم تتقدم شرقا (كان هذا هو التصور العام فى أذهان الناس بل وحتى فى أذهان بعض أعضاء الحكومة). وهكذا لم تجد إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت أى صعوبة فى إقناع الشعب بجدوي الحرب وحتميتها. هذا على الجانب الدعائى..
أما على الجانب الصناعى فقد قررت الحكومة بمباركة الكونجرس أن تحول كل المصانع المتاحة إلى مصانع حربية. ومعنى ذلك أن المصانع الخاصة أيضا كانت تستطيع التقدم بفواتيرها إلى الحكومة لكي تقبض منها تعويضات عن الربح الذى فاتها عن عدم تنفيذ غقود مدنية سابقة على الغارة أو ما لحقها من خسارة عن عدم تنفيذ هذه العقود. والحكومة كانت تقبل ذلك بالطبع لأنها لا تريد أن يعمل أصحاب المصانع بروح غاضبة أو متذمرة. وبالطبع تم تحويل خطوط الإنتاج للبضائع المدنية بسرعة إلى خطوط إنتاج لمنتجات عسكرية سواء فى الطائرات أو السيارات أو السفن أو مواد القتال الأخرى.
وكل تلك التحولات الهائلة قد تمت بسرعة فائقة عن طريق التمويل الحكومي لهذه المصانع.
فمن أين جاء التمويل؟