من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
أنشأ اليهود عصابة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي دبروها وخططوا لها، لتقرر بدء عملية تهويد فلسطين، ولتشرف على تنفيذ تلك العملية الإجرامية.
ثم دبر اليهود وخططوا للحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها أنشأوا الأمم المتحدة لتقوم بالمرحلة الثانية في جريمة اغتصاب فلسطين، بإصدار قرار تقسيمها وإنشاء دولة لليهود على أرضها المقدسة.
ومنذ إعادة تأسيس بيت صهيون باسمه الجديد (الأمم المتحدة) وهي تضم ٦٠% من موظفيها من اليهود الصهاينة مع أن نسبة عدد اليهود إلى سكان العالم لا تزيد على ٠. ٥% أي نصف في المائة.
وكانت الأمم المتحدة من إنشائها حتى يومنا هذا أداة في خدمة فكرة الصهيونية، وكل قرار لها يتعارض مع رغبة اليهود يُجمَّد، ولا تجد من يثيره أو يطالب بتنفيذه؛ لأن أكثر من ١٠٠ دولة تعترف بإسرائيل وتتبادل معها التمثيل السياسي والقنصلي وترسل سفراءها إلى مقر الحكومة اليهودية في القدس.
وليس هذا فقط وحسب، بل إن الأخطبوط اليهودي المحتل ينشب أظفاره في كيان الأمم المتحدة، يوجه نشاطها إلى مصلحة الصهيونية العنصرية، والإحصائية التالية تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، وهذه الإحصائية عن السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ م تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، الذي ما زال باسطًا أذرعه على كل إدارات الجمعية، ومسيطرًا على كل مناطق النفوذ والقرار فيها، وبيانها كما يلي:
تريجفي لي: أول سكرتير عام للمنظمة، يهودي ويظن الناس أنه عميل يهودي فقط.
بنجامين كوهين: مساعد السكرتير العام لشئون الإعلام - يهودي.
ك. ويتز: مدير المكتب الإداري - يهودي.
أ. روزنبرج: مستشار خاص للإدارة الاقتصادية - يهودي.
د. وينتروب: مدير الإدارة الاقتصادية - يهودي.
بنويت ليفي: مدير قسم الأفلام - يهودي.
ماكس أبراموفتش: نائب مدير الهيئة الإدارية - يهودي.
أ. فيلر: مدير الإدارة القانونية - يهودي.
د. زابلودسكي: مدير إدارة المطبوعات، قسم الوثائق - يهودي.
ج. رابينوفتش: مدير قسم الترجمة - يهودي.
ج. شابيرو: مدير مركز الأمم المتحدة في جنيف - يهودي.
م. بيرجمان: مدير التنفيذات - يهودي.
د. مورس: مدير عام مكتب العمل الدولي في جنيف - يهودي.
م. مندلز: سكرتير البنك الدولي - يهودي.
ك. جت: مدير إدارة الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
و. التمان: مساعد إدارة الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
م. برنشتاين: مدير الأبحاث في الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
جوزيف جولد: المستشار الثاني في الاعتمادات المالية - يهودي.
ج. ماير: المدير الفني لهيئة الصحة العالمية - يهودي.
م. كوهين: مدير مؤسسة اللاجئين الدولية - يهودي.
***
* وتم تعيين بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة وهذه أقوال صحف الغرب:
- نشرت صحيفة الفيجارو الفرنسية مقالاً تحت عنوان:
بيتر غالي الأمين العام الجديد (الرجل الذي قاد السادات إلى القدس) (١).
- وفي مقال لصحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون" (٢) تحت عنوان:
(اختيار مصري من قِبَل الأمم المتحدة ... ).
حدد الكاتب ثلاثة عناصر أساسية، هي التي أهَّلت الدكتور (بطرس) للنجاح وهي:
١ - انتماؤه إلى المسيحية:
وهو أمر جعله "مقبولاً لدى العديد من الأعضاء في الأمم المتحدة".
٢ - أن زوجته يهودية:
وهو أمر جعله مقبولاً لدى اللوبي الصهيوني الذي يحكم بيت الأمم هذا.
٣ - دوره الجهنمي:
أثناء موافقته للرئيس السادات في زيارته التاريخية للقدس ١٩٧٧ م، ثم محادثات كامب داود، ثم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
- وهي العناصر الثلاثة نفسها التي ذكرها الكاتب الإنجليزي جيمس بون في صحيفة "التايمز"اللندنية تحت عنوان: بطرس غالي يواجه تحدي الإصلاح.
.* قصاصات من الصحافة العربية والدولية:
- مجرد تساؤل: ماذا يريد بطرس غالي؟
نعم نتساءل: ماذا يريد بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة؟ قبل مدة ومع تصاعد مذابح القوات والميلشيات الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك اعتذر الأمين العام للمنظمة التي يفترض فيها أن تكون "دولية"عن عدم تمكن المنظمة من إرسال قوات سلام إلى الجمهورية "المسكينة"؛ لأنه لا يملك المال الكافي لتمويل إرسال تلك القوات، مع أن الأمين "المحترم"كان قد أرسل قبل ذلك ما يقرب من ١٤ ألف جندي إلى كرواتيا لحمايتها من الصرب! فهل مسيحو كرواتيا أكثر إنسانية من مسلمي البوسنة حتى يستحقوا إرسال قوات سلام إليهم؟!
واليوم يعلن بطرس غالي بعد اطلاعه على تقرير مبعوثه إلى يوغسلافيا "أنه لا يمكن إرسال قوات دولية إلى البوسنة بسبب غموض الموقف. كما أنه ليس بالمستطاع تلبية طلب المسئولين في البوسنة في شأن نشر هذه القوات ما دام القتال مستمرًا".
ونحن لا نفهم لماذا يصر الأمين العام على أن الموقف في البوسنة غامض؟! فأي غموض هذا الذي يتحدث عنه؟! آلاف من الأبرياء يحاصرون ويذبحون ذبح النعاج وهم لا حول لهم ولا قوة ولا يزال الموقف غامضًا؟!
ثم إذا لم يكن مستطاعًا نشر قوات السلام ما دام القتال مستمرًا، فمتى تنشر، بعد أن يبيد الصرب آخر مواطن مسلم في البوسنة ويدمروا كل قرية فيها، ويسقطوا عاصمتها؟! إنه منطق عجيب.
وأخيرا -وليس آخرًا في عجائب بطرس غالي اقتراحه أن تترك جهود التفاوض وأنشطة صيانة السلم في البوسنة للمجموعة الأوربية وليس لمجلس الأمن والأمم المتحدة ولا يستنفر مجلس الأمن لحماية مسلمي البوسنة، كما يفعل المجلس مع شعوب أخرى ليس آخرها كرواتيا وكمبوديا، أم أن مسلمي البوسنة لا يستحقون اهتمام المنظمة "الدولية"لمجرد أنهم مسلمون؟!
نعم نتساءل: ماذا يريد بطرس غالي؟ إنه يتعلل بأن المنظمة "الدولية"لا تملك المال الكافي لإرسال قوات سلام إلى البوسنة مع أن مصادر مطلعة في جامعة الدول العربية تؤكد أن السعودية عبرت عن استعدادها عبر منظمة المؤتمر الإسلامي للإسهام في توفير الإمكانات المالية اللازمة لعمليات الأمم المتحدة في البوسنة (١).
* بطرس غالي وإِريتريا المسلمة:
لم يلتفت هذا الصليبي أبدًا إلى كفاح الشعب الإريتري المسلم، مع أن كثيرين طالبوه بذلك، ولكنه عندما تأكد أن "أسياس أفورقي الصليبي"قد حسم الموقف لصالحه في إرتيريا، بدأ يهتم بالشعب المظلوم على أساس نظرته الطائفية (٢).
* بطرس الصليبي ودوره الكالح في مأساة البوسنة:
أما موقفه من البوسنة فلا يحتاج إلى إيضاح؛ لأن الدنيا كلها تعلم أن بطرس الحفيد تآمر مع سادته الذين يخدمهم حتى تم تحقيق الهدف الصليبي المرحلي للصرب والغرب .. لقد استقال رئيس المحكمة الدولية في "لاهاي"لمحاكمة مجرمي الصرب والكروات عندما تأكد من المؤامرة، ولم يحتمل ضميره أن يستمر في متابعة المهزلة" (٣).
- إن الذي لم تُفصح عنه الصحافة الغربية ولا العربية، أن القرار الدولي الصادر عن بيت صهيون بمنع السلاح، يسري على البوسنة فقط، وتلتزم به كافة الدول الإسلامية، برغم تدفق السلاح في نفس الوقت على الصرب من جمهوريات صربيا وروسيا.
كما أن طلب وقف إطلاق النار المفروض قهرًا، إنما هو للمسلمين فقط، حتى أن الرئيس البوسني علي عزت، قد اتهم مباشرة، مبعوث الأمم المتحدة (سايروس فانس) بأنه يساعد الصرب للقضاء على المسلمين، بعد أن أقر خطة الغرب لتقسيم البوسنة، وضم كل أرض يقف عليها الصربيون.
- فنقلاً عن صحيفة الاتحاد القطرية ١٧/ ١٢/١٩٩٢:
وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة خاصة إلى وزراء الخارجية ورؤساء وفود ٣٤ دولة، المجتمعون أمس في جنيف لمناقشة قضية البوسنة.
"دعا فيها لاستمرار المفاوضات، وتجنب أي شيء من شأنه تصعيد أعمال العنف -!!! - وقال: أنه يعارض الإجراءات التي قد تدفع قوى أجنبية -يقصد إسلامية- إلى التدخل في الحرب، وطالب الدول الكبرى بعدم الاستجابة للضغوط المتزايدة من أجل التدخل العسكري ضد الصرب"هكذا بوضوح شديد.
كما ناشد (سيروس فانس) مبعوث (بطرس غالي) الدول الكبرى، عدم اتخاذ أي إجراء لوقف الانتهاكات الصربية للحظر المفروض على الطيران العسكري فوق البوسنة". ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* ومن أفضح أشكال مكرهم:
أنهم عندما قرروا إسقاط المعونات الغذائية جويًا للمسلمين المحاصرين في البوسنة من ارتفاعات عالية (في أول فبراير الماضي ١٩٩٣)، ففرح وهلل المسلمون بذلك القرار، فلما جاء وقت التنفيذ، سقطت كل المعونات فوق معسكرات الصليبيين الصرب، إذ اكتشف فجأة الخبراء الأمريكان الصهاينة، أن إمكاناتهم التكنولوجية التي حددت ماركة الملابس الداخلية لصدام حسين أيام عاصفة الصحراء (!! )، لم تستطع أن تحدد موقع المتضورين جوعًا تحت حصار مجرمي الصرب والكروات على أرض البوسنة المسلمة" (١).
* قرارات الأمم المتحدة غير محترمة:
عمرو موسى - وزير الخارجية المصري (٢).
- قال عمرو موسى:
قضية البوسنة والهرسك لفهمها، تحتاج إلى أن نستخدم بعض النقاط البسيطة في التوضيح:
النقطة الأولى ودعنا نبدأ من استقلال الصرب عن يوجوسلافيا، فإن البوسنة والهرسك تطلعت هي الأخرى إلى الحصول على الاستقلال، ولكن عند النظر إلى أرضية البوسنة والهرسك، نجد أن داخلها جالية صربية يقدر عددها بنحو ١٨ في المائة من إجمالي السكان، بينما يصل عدد المسلمين إلى نحو ٥٥ في المائة والباقي من الكروات.
هذا التوزيع في السكان، لا يقابله توزيع مماثل في ملكية الأرض، فالـ ١٨% من الصرب استطاعوا بالقوة الاستيلاء على ٨٠% من مساحة الأرض، بينما الـ ٥٥ في المائة من المسلمين لا يملكون سوى خمسة في المائة من الأراضي، والباقي للكرواتين، وهذا بالطبع وضع شاذ، وهو في حقيقته أساس المشكلة، فالصرب من ناحيتها تتطلع إلى ما تسميه صربيا الكبرى، .ولذلك فهي تؤيد الأصراب في البوسنة والهرسك لتكرس الوضع الحالي، بحيث تكون مكونة من ثلاثة كانتونات، كانتون صربي وآخر مسلم وثالث كرواتي، وفي النهاية فيما بعد يمكن ضم الكانتون الصربي الذي"له تقريبًا كل أراضي البوسنة والهرسك. وهذا وضع غير عادل لا يمكن قبوله.
نقطة ثانية وهي أن الصرب في تأييدها للصربيين في البوسنة الهرسك بدأت ممارسة سياسة اسمها التطهير العرقي، هدفها القضاء على المسلمين الذين تمارس ضدهم عمليات تعذيب وقتل وحشية.
مجلس الأمن من ناحيته تدخل وعارض سياسة الصرب وفرض عليها عقوبات حظر اقتصادي، ولكنها عمليًّا غير محترمة، فليست هناك أي رقابة لتنفيذ هذه العقوبات، وبالتالي فإن الصرب رغم قرار الحظر الاقتصادي، فإنها لا تعاني عمليًّا أي نقص في إمداداتها سواء كانت هذه الإمدادات تصل إليها بالجو أو بالبحر أو بالبر.
جاء مجلس الأمن بعد ذلك وفرض حظر وصول السلاح على كل الأطراف، ولكننا اكتشفنا أن هذا الحظر أضر بالمسلمين ولم يؤثر على الصرب، لأن الصرب تصنع حاجتها من السلاح، أما المسلمون فيستوردون احتياجاتهم من السلاح، وبالتالي أصبح قرار حظر السلاح وكأنه عقوبة مفروضة على المسلمين أضعفت مقاومتهم وزادت من عمليات الوحشية التي ترتكب ضدهم، وكان رأينا، ضرورة رفع حظر جزئي على السلاح ليساعد المسلمين على حصول ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، إلا أن (سيروس فانس) و (دافيد أوين) ممثلي مجلس الأمن، يرفضان هذه الفكرة على أساس أن الحرب في صورتها الحالية وبرغم ما فيها من صعوبات، فإنها محصورة بين أطرافها، وأنه إذا تم رفع الحظر عن طرف، فإن الطرف الآخر لا بد أنه سيجد من يمده بالسلاح أيضًا، ومن ثم ترتفع حدة النزاع أكثر مما هي عليه
.ويمكن أن تتوسع لتشمل كل منطقة البلقان، ولكن هذا الرأي يظلم المسلمين، ولا بد عدلاً من تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وفرض رقابة صارمة على تنفيذ العقوبات، وفي الوقت نفسه عدم الأخذ بنظام الكانتونات القائم على استغلال الوضع الحالي، الذي يسيطر فيه الصرب على أغلبية الأرض"اهـ.
* اتهامات للدكتور غالي:
سلامة أحمد سلامة - الكاتب الصحفي بصحيفة الأهرام لقد حركت مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك قلوب لم يكن في الحسبان أن تتحرك من أجل قضية طرفاها مسلمين ونصارى، لهولها وبشاعتها من ناحية، ولتخلف بيت صهيون وممارسة الشراسة والعناد في التغافل والتآمر من ناحية أخرى، إلى حد أن كُتاب كثيرون رسميون في بلادنا، هزتهم الفجيعة فتبنوا المشاركة في طرح القضية. ومن بين هؤلاء، كان هذا المقال للكاتب المتميز، سلامة أحمد سلامة.
"تواجه الأمم المتحدة وأمينها العام الدكتور بطرس غالي، اتهامات خطيرة من جانب زعماء البوسنة المسلمين. بأن هناك تواطؤًا مؤكدًا للحيلولة دون تدخل صريح وفعال من جانب الأمم المتحدة بوقف عدوان الصرب وفظائع قواتها ضد أهالي البوسنة، وبمنع استيلائها على أراضيها.
والاتهام الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنه وقف في وجه الاتفاق الأوربي الذي كان يسعى إلى وضع الأسلحة الثقيلة تحت رقابة القوات الدولية، وأثار أزمة مع المجموعة الأوربية بحجة أن القرار اتخذ دون الرجوع إليه، وأن حجم القوات الدولية لا يكفي للقيام بهذه المهام الجديدة.
ومن الواضح أن الأمم المتحدة وأمينها العام لم تتخذ بعد ذلك أي خطوة جادة لوقف العدوان المستمر ضد جمهورية البوسنة، مما حدا بنائب رئيسها إلى التحذير أخيرًا من أن بلاده توشك أن تختفي من فوق خريطة البلقان.
وقد أصبح من المؤكد الآن أن مصير جمهورية البوسنة بمن فيها من المسلمين قد حسم لغير صالحهم وأن الصراع الراهن في البلقان يتجاوز مجرد الرغبة في اقتسام أراضي البوسنة والاستيلاء عليها من جانب الصرب أو الكروات وأن ثمة خلافًا عميق الجذور يقسم الدول الأوربية ويحمل بين جوانبه عوامل التنافس القديمة.
ويتضح الآن يومًا بعد يوم أن قرارات العقوبات الاقتصادية وحظر السلاح التي اتخذتها الأمم المتحدة ضد الصرب، وعمليات مراقبة السواحل والحدود، ليست غير إجراءات وهمية، وأن عمليات الإغاثة وإرسال الإمدادات وقبول اللاجئين والهاربين من المعارك الوحشية ليست غير مسكنات وقتية، وأن المساعدات التي تتلقاها القوات الصربية من بعض دول أوربية ما زالت تتدفق لمواجهة مساعدات مماثلة تتلقاها القوات الكرواتية والبوسنية من دول أوربية أخرى.
فالوقود والذخيرة والإمدادات العسكرية تتدفق على الصرب من رومانيا وبلغاريا واليونان والدبابات والطائرات تتدفق على الكروات من ألمانيا والنمسا والمجر .. ومعنى ذلك، أن الانشقاق الأوربي الذي ظهر منذ بادرت ألمانيا بمفردها إلى الاعتراف بسلوفينيا وكرواتيا، دون موافقة الجماعة الأوربية، يتخذ الآن أبعادًا تترجم على أرض المعارك الدائرة، في محاولة لتحديد التوازنات الأوربية الجديدة مع ألمانيا وضدها.
وإذن: هل الصراع القومي والمذابح الدامية ضد المسلمين في هذه البلاد مجرد مظهر خارجي لصراع أوربي دفين له جذوره التاريخية وحساباته الأوربية؟
وهل هذا هو السبب في عدم تدخل أمريكا؟ ومن المسئول عن شلل الأمم المتحدة؟
وهل لنا في هذا الصراع ناقة أو جمل؟؟
أسئلة يحسن الإجابة عنها من الآن؟؟ "اهـ.
* أيقظوا بطرس غالي:
كتبت جريدة الرياض في ١٥/ ١/١٩٩٣:
شنت صحيفة "ملييت"الواسعة الانتشار أمس حملة ضد بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة الذي تعرّض لغضب عام في تركيا بسبب ما يُنَسب إليه من لا مبالاة بنزيف الدماء الذيَ تعاني منه جمهورية البوسنة والهرسك من جرّاء العدوان الصربي المستمر. فتحت عنوان "أيقظوا هذا الرجل"دعت الصحيفة التي يبلغ توزيعها نحو مليون نسخة قراءها إلى إرسال خطاب معد مسبقًا باللغتين التركية والإنجليزية إلى غالي بالتليفاكس حول البوسنة.
وكتبت الصحيفة شرحًا تحت صورة كبيرة ملونة لغالي تقول فيه: "يقتلون المسلمين وبطرس غالي لا يرى، الصرب يغتصبون السيدات والأطفال وغالي لا يسمع، الصرب يحرقون ويمزقون كل شيء ويجعلون الناس يتضورون جوعًا وغالي لا يتكلم".
* بطرس غالي حصاد سنة مرة (١):
بقلم: فهمي هويدي - كاتب مصري عربي بارز كانت مناسبة مرور عام على تعيين الدكتور بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة فرصة استغلها كثيرون لتقييم تجربة أول عربي يشغل منصب دبلوماسي في العالم. وفي هذه المناسبة قرأت كتابات كثيرة عن الرجل،. .بعضها ركز على شخصه، وانتقد موقفه من قضية البوسنة والهرسك بوجه أخص، انطلاقًا من تحيزه العقيدي، بينما سجل البعض الآخر انطباعات عن إدانات تراوحت بين الإيجابية والسلبية.
وجدتني متحفظًا كقارئ على هذين النهجين، فقد تمنيت أن يتم تقييم تجربة الرجل على أساس موضوعي وليس شخصي أولاً، وبناء على معلومات وليس انطباعات ثانيًا.
وإذ لا أغفل الاعتبارات الإنسانية في تقييم المواقف، إلا أن حجم الدور الذي تؤثر به تلك الاعتبارات يختلف من شخص إلى آخر، وقياس ذلك الدور يقتضي غوصًا في النوايا والأعماق، وهي مساحات مجهولة يتعذر سبرها على كثيرين.
من ناحية ثانية فالانطباعات عادة تعتمد كثيرًا على تقدير قد تلعب فيه المشاعر والعواطف الإيجابية والسلبية دورها في هذا الاتجاه أو ذاك.
بسبب ذلك، فقد تمنيت أن يتم أولاً "تحرير"موضوع المناقشة على طريقة فقهائنا، بمعنى إثبات حقائقه وتقديم معلوماته الأساسية، قبل أي تقييم أو اجتهاد في تفسير الوقائع وظل ذلك بدوره انطباعًا من جانبي ساد حينًا، حتى قرأت مقالاً كتبه الدكتور غالي في إحدى الصحف الفرنسية حول وجود الأمم المتحدة في الصومال، وبعده حديثًا أجرته معه مجلة تايم الأمريكية.
وجدت كلامه ظاهر التغليظ بحيث يحتاج إلى رد ومناقشة، الأمر الذي دفعني إلى الكتابة في الموضوع، ومن ثم فتح ملف الدكتور غالي في الأمم المتحدة.
ثمة انطباع شائع خلاصته أن الرجل يعرف إنه لكبر سنه انتخب لمرة واحدة، من ثم فإنه لن يبقى في منصبه أكثر من خمس سنوات، ولذلك فهو حريص على أن يتصرف بشكل مستقل، لا يبالي فيه بآراء الدول الكبرى، ولذا يبدو فيه الإصرار على ترك بصماته على جدران المنظمة الدولية؛ ولأن وقدم (خافيير بيريز دي كويار) تقريرًا واحدًا أما الدكتور بطرس غالي فلم يقدم أي تقرير حتى الآن.
يضاف إلى ذلك أن تقليد ذكر القرار ٤٢٥ في تقارير الأمين العام السنوية عن أعمال المنظمة، غاب عن تقرير الدكتور غالي، وهذا الغياب يتعذر تفسيره تحت أي ظرف، خصوصًا وأن القرار يطالب بانسحاب إسرائيل بالكامل من لبنان، وهو جزء مهم في المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية.
ويؤثر على المفاوضات اللبنانية يقينًا، ألا يساهم الأمين العام في إغفال قرار بهذه الأهمية، أصدره مجلس الأمن، خصوصًا وأن إسرائيل تتملص منه، والولايات المتحدة تغض الطرف عنه في المفاوضات.
يلاحظ كذلك أن الأمين العام قَدَّم تقارير عدة في شأن مختلف فقرات القرار ٦٨٧، الذي وضع شروط إطلاق النار على العراق، لكنه تجاهل الآن الإشارة إلى الفقرة التي نصت على أن إزالة أسلحة الدمار العراقية تمثل خطوة نحو هدف جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهذا الإهمال يتم في الوقت الذي يتأكد فيه خلل موازين القوى في المنطقة لمصلحة إسرائيل.
- على الصعيد الأفريقي هناك نموذج آخر يثير المزيد من علامات الاستفهام حول موقف الدكتور غالي، بل ويعزز الشك في مصداقية مقولة استقلاله عن الخط الأمريكي.
فالمعروف أن ثمة صراعًا قائمًا من أكثر من ١٦ عامًا بين الحركة الشعبية لتحرير أنجولا التي يقودها "خوزيه سانتوس"، وبين حركة يونيتا التي يقودها (جوناس سافيمي) غير أن الطرفين وقعا في نهاية المطاف اتفاق سلام بينهما في لشبونة عام ١٩٩١، واتفقا على إجراء انتخابات في البلاد خلال سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، لكن الذي حدث أن الحركة الشعبية لتحرير أنجولا، هي التي فازت في الانتخابات رغم أنها تمت تحت إشراف دولي. الأمر الذي دفع سافيمي إلى رفض النتيجة والعودة إلى القتال مرة أخرى.
واللافت للنظر أنه رغم أن حكومة سانتوس الراهنة تُعد حكومة شرعية ثبتتها الانتخابات الديمقراطية، ورغم أن سافيمي زعيم يونيتا هو الخارج على الشرعية الرافض لنتيجة الانتخابات بل والرافض للاشتراك في ائتلاف حكومي، فإن الأمم المتحدة وأمينها العام يمارسان ضغطهما على الحكومة الشرعية للتفاوض مع سافيمي وليس العكس، وذهب الأمين العام في ضغطه إلى حد التهديد بسحب مجموعة المراقبة الدولية، إذا لم يستطع الرئيس المنتخب أن يصل إلى حل وسط مع سافيمي المتمرد والمنشق عليه.
وليس هناك من تفسير لذلك التدليل السافر لزعيم (يونيتا) سوى أن الرجل محسوب على الولايات المتحدة، وأن حركته تلقى تأييدًا ودعمًا مستمرين من واشنطن!
لأجل ذلك فإن الأمين العام بدا مستعدًا لتجاهل نتيجة الانتخابات، وضاربًا عرض الحائط بما أسفرت عنه عمليات التصويت، ومكثفًا ضغوطه وتهديداته على الطرف المنتخب، لمجرد أنه لا يلقى تعاطفًا أو تأييدًا من واشنطن.
الموقف في البوسنة كان أفدح وأغرب، فمنذ اللحظات الأولى لاندلاع القتال، الذي كان واضحًا فيه تمامًا أن الصرب مدعومون بترسانة الجيش اليوغسلافي العسكرية، وأن البوسنيين المسلمين لا يملكون أي شيء يدافعون به عن أنفسهم، مع ذلك فقد وقف الأمين العام والدول الكبرى بطبيعة الحال، ضد إرسال أية قوات تحمي المسلمين العزل من العدوان، ومع حظر السلاح على الجميع بمن فيهم الطرف المجني عليه.
وإذا أرسلت قوات رمزية، كانت مهمتها تأمين وصول الغذاء فقط، ولم. تكن بمقدورها حتى أن تدافع عن مهمتها تلك، فإنه عندما كانت العملية تواجه بأية انتهاكات من جانب الصرب، فإن الرد الوحيد كان يتمثل في إغلاق مطار سراييفو، ووقف الرحلات الجوية التي كانت تحمل المعونة إلى البوسنيين المحاصرين، وهو ما يعني: أن العقاب كان ينزل بالمسلمين البؤساء؛ لأنه كان يحرمهم من الطعام والمؤن!
لقد التزم الأمين العام الصمت، عندما كانت القوات الدولية تمنع المسلمين من ضحايا التطهير العرقي من العبور إلى كرواتيا ليفروا بحياتهم من الجحيم.
يقودنا إلى ذلك ما كتبه وصرح به الأمين العام للأمم المتحدة حديثًا، في مقاله الذي نشرته الصحيفة الفرنسية "لوجورنال دو ديمانش"في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
قال الدكتور غالي أن التدخل الدولي في البوسنة ليس ميسورًا بالمقارنة بالصومال، ففي البوسنة تتقاتل جيوش حديثة فائقة التدريب ويدعمها المواطنون بقوة وبسبب ذلك التشابك العسكري الكبير، فإن التدخل الدولي قد يزيد الأمر سوءًا.
وفي حديثه الأخير إلى مجلة "تايم"في ١٨ يناير (كانون الثاني) سئل عن مبرر دعمه للتدخل الدولي في الصومال، ومعارضته التدخل في البوسنة فقال ما نصه:
هناك فرق بين الحالتين ففي الصومال كنا عاجزين عن تقديم المساعدات الإنسانية؛ لأنه لم تكن هناك سلطة في البلاد يمكن الحوار معها حول قضية السلام، أما في يوغوسلافيا فتد كانت هناك أطراف تَحدثنا إليها وأمكننا أن نتفق على مبادئ لحل النزاع، وإطار عام لتحقيقه.
ومن أسف أن ما قاله الدكتور غالي يفتقد الصواب ولا أقول الأمانة! فالقدر المتيقن أن القتال الدائر في البوسنة لا يتم بين جيوش حديثة فائقة التدريب، وإذا صح ذلك بصورة نسبية على القتال بين الصرب والكروات فإنه لا ينطبق بأي حال على البوسنويين المسلمين، الذين يعرف القاصي والداني أنهم عُزل لا يملكون سلاحًا، وأن بعضهم يحارب ببنادق الصيد، وأكثر من ذلك فالمسلمون لم يكن لهم جيش أساسًا، حيث لم يكن ذلك مسموحًا لهم، وكان ممنوعًا عليهم إذا ما انخرطوا أو جندوا في الجيش اليوغسلافي أن يرتقوا إلى مراتب الضباط، ومن ثم فقد كتب عليهم أن يظلوا جنودًا يؤمرون فيطيعون، بسبب من ذلك فإن نواة المقاتلين البوسنويين كانوا بضع مئات معدودة من رجال الشرطة.
هذه المعلومات يعرفها القاصي والداني وهي منشورة في جهات الكرة الأرضية الأربع، فما من تقرير عن الوضع العسكري في البوسنة إلا وأشار إلى أن المسلمين أصبحوا يملكون دبابتين فقط. بينما الصرب وراءهم كل مخازن الجيش اليوغسلافي، فضلاً عن أن السلاح الجوي هو أداتهم الفعالة التي مكنتهم من هزيمة المسلمين.
هل يعقل أن يصبح الأمين العام للأمم المتحدة الوحيد في الكرة الأرضية الذي لا يعلم أن البوسنويين لا يملكون جيشًا حديثًا وفائق التدريب، بل إنهم لا يملكون جيشًا على الإطلاق؟.
كلامه في مجلة. "تايم"يثير الدهشة بذات القدر حين برر التدخل في الصومال بانهيار السلطة في البلاد، وقال: إن ما حدث في يوغسلافيا عكس ذلك.
لأنه لم يذكر ما هو موقف تلك السلطة القائمة في يوغوسلافيا، التي ماطلت وتجاهلت مختلف قرارات الأمم المتحدة، حتى قتلت نائب رئيس وزارة البوسنة بينما كان في حراسة القوات الدولية وهو ما لم يحدث في الوضع المنفلت في الصومال! نعم وجود السلطة مهم، ولكن الأهم منه هو موقف هذه السلطة واستعدادها لإقرار السلام والامتثال لقرارات الأمم المتحدة، ففي العراق على سبيل المثال هناك سلطة قائمة، ومع ذلك فقد فرض عليه الالتزام بالشرعية الدولية بالقوة المسلحة وجرى تأديبها وقمعها عدة مرات.
إن الذرائع التي ساقها الدكتور غالي هي ذاتها التي مكنت الصرب من التوسع وممارسة التطهير العرقي، وغير ذلك من الآثام والفظائع التي أرجو أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة قد سمع بها.
قد كان استقبال الدكتور بطرس غالي في سراييفو ومقديشيو ناطقًا بحقيقة المشاعر التي تبلورت إزائه بعد سنة من توليه منصبه، وأدع وصف الزيارة للصحف الأمريكية التي رافقته في رحلته وسجلت وقائعها بدقة.
فتقرير الواشنطن بوست نشر تحت عنوان:
"المسلمون البوسنويون يتهمون بطرس غالي بالإسهام في بؤسهم".
وتحت العنوان ذكرت أن الأمين العام
"استقبل بعاصفة من الاستنكار والشتائم من مدينة سراييفو المحاصرة، والتي اعتقد أهلها أن الأمم المتحدة ضاعفت من محنتهم، وذلك خلال زيارة استغرقت ست ساعات ناشد فيها البوسنويين أن يضعوا ثقتهم في المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة، وقال: إن استخدام القوة ضد الصرب الذين يقصفون العاصمة ليس مستحبًا الآن!
وبينما كان بطرس غالي يشرح ذلك لممثل الحكومة البوسنية، تعالى الهتاف من الشارع:
"مُجرِم قَاتِل فاشي، ساعِدنا أو عد لبلادك".
وخرج بطرس غالي من البنى تحت حراسة مشددة حيث ذهب لزيارة المستشفى، وعلى الطريق قابلته هتافات أكثر عدائية من السكان الجياع في. المدينة المنكوبة الذين يتعرضون لقصف مستمر من الصرب لمدة تسعة أشهر ويعيشون بلا تدفئة ولا كهرباء ولا مياه جارية منذ ثلاثة أسابيع.
- وفي المؤتمر الصحفي وقفت صحفية من البوسنة وقالت للأمين العام:
"أنت أيضًا مذنب ومسئول عن كل سيدة اغتصبت، وكل رجل قتل".
- وسألته:
كم تطلبون من ضحايا في سراييفو قبل أن تتحركوا، ألا يكفيكم ١٢ ألفًا؟
- ورد بطرس غالي:
إذا كنت مجرمًا فهذه مشكلتي، أنا أشاركك آلامك ولكن حالكم أفضل بكثير من عشرة أماكن يمكن بيانها لكم.
- وقد علقت صحيفة واشنطن تايمز على هذا الرد بقولها:
"إذا كان هذا هو كلام الصديق فلا لوم على العدو".
جاء ذلك في افتتاحية شديدة اللهجة ضد الأمين العام تحت عنوان "ليست قضية معنويات"، وقالت:
"إن زيارة الدكتور غالي للمدينة التي أراد أن يعلن بها عن تضامنه مع شعبها المحاصر زادت آلامهم"، أو بنص ألفاظ الجريدة: "وَضَعَت ملحًا في جراحهم".
إذ بينما يؤيد غالي بشدة التدخل العسكري في الصومال، نراه يعارض نفس الإجراء في البوسنة! إنه يطالب بفرصة لمحادثات السلام (١) في جنيف، ولكن على. .ضوء التجربة لا يجوز أن نتوقع نجاحًا، والحقيقة المؤكدة هي استمرار وحشية القرون الوسطى في قلب أوربا المعاصرة.
وعندما حاول الدكتور مجاملة جريح في مستشفى سراييفو، فسأله عن معنوياته رد الرجل:
إنها ليست قضية معنويات.
أوقف القصف. يا بطرس.
أنت المسئول عن استمرار محنتنا.
من ناحية ثانية فقد نقلت وسائل الإعلام العالمية مظاهر الاستقبال الغاضب الذي لقيه الدكتور بطرس في العاصمة الصومالية (مقديشيو) الأمر الذي اضطره إلى اختصار زيارته.
- قالت الواشنطن بوست: إن المتظاهرين وهم من أنصار الجنرال عيديد، إلا أنهم يتمتعون بتأييد الصوماليين الذين يعتقدون أن الأمم المتحدة قد خذلتهم. وهي أول مرة في تاريخ المنظمة العالمية يستقبل سكرتيرها على هذا النحو من بلدين يفترض أنهم يحظيان بمساعدة المنظمة.
- وقد حاولت "الأسوشيتد برس"تفسير عزلة الأمين العام بنقلها عنه قوله:
إنه سياسي وليس دبلوماسيًا، وقالت: إنه نقد ذاتي صريح من الرجل الذي يشغل أعلى منصب دبلوماسي في العالم! واستعرضت بعض مظاهر قصوره الدبلوماسي فقالت:
"إنه بينما يشكر الأمين المصري من أجل جهوده في سبيل السلام، إلا أنه أثار ضده قوى كان يفترض أن تكون إلى جانبه سواء في الغرب أو الشرق أو دول العالم الثالث فمثلاً: أغضب سكان سراييفو عندما اعترض على تدخل الغرب العسكري.
وأغضب الأفريقيين والعالم الثالث كله عندما صرح لصحيفة ألمانية قائلاً: "أريد أن أوضح تمامًا للرأي العام في الغرب إنني لست شديد الاهتمام كما تظنون بتوفير المساعدات المالية والفنية للعالم الثالث، إن مواطنيكم يشعرون بالقرف من مطالبتهم بالتبرع بالمال والطعام".
وأغضب الحكومات الغربية في الصيف الماضي عندما اتهمها بالاهتمام بحرب الأغنياء.
وأزعج الدول العربية بتصريحه عن القرار ٢٤٢ إلى آخره.
- هذا هو حصاد سنة واحدة أمضاها الدكتور بطرس غالي في منصبه، فما بالكم به إذا استمر على منواله طيلة السنوات الأربع المتبقية له؟!
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه.
* نقابة الأطباء تكشف: طائرات الأمم المتحدة تزود الصوماليين بالأسلحة (١):
كشف وفد نقابة الأطباء الثاني، الذى عاد من الصومال مؤخرًا، عن قيام طائرات الأمم المتحدة بتزويد القوى المتحاربة في الصومال بالأسلحة والمعدات الثقيلة.
شاهد وفد النقابة أثناء وجوده في الصومال في مهمة إنسانية، طائرات الأمم المتحدة وهي تلقي بالأسلحة والبنادق الآلية والذخائر والقنابل إلى الفصائل المتحاربة في الصومال.
أضاف وفد النقابة أن أمريكا هي التي زودت طائرات الأمم المتحدة .بالسلاح حتى تدخل الصومال تحت شعار الرحمة الإنسانية، لتطوق العالم الإسلامي.
من ناحية أخرى كشف الوفد الطبي عن عمليات النهب والسرقة من جانب قوات الأمم المتحدة، حيث تقوم هذه القوات بالاستيلاء على الأغذية والأدوية وكافة إمدادات الإغاثة.
بسرعة يتحسر عليها أبناء البوسنة في مواجهة مجازر الصليب فيهم، صدر القرار ٧٩٤ الذي أجاز بموجبه مجلس الأمن التدخل العسكري الأمريكي السافر في الصومال، تحت غطاء إنساني يحمل اسم عملية "إعادة الأمل".
وبموجب هذه الإجازة التآمرية، انتشرت قوات المارينز (أكثر من ٣٠ ألف جندي) "جاءوا تحت مظلة بيت صهيون "الأمم المتحدة"وبموافقة القديس بيتر رسول السلام الصليبي الجالس على كرسي الطاغوتية الدولية الأزرق بعد مبادرة واتصالات أجراها بطرس بنفسه مع ١٢ رئيسًا ومسئولاً دوليًّا، تجاوزت هذه العاصفة الأمريكية أهدافها الإنسانية المعلنة".
- وكما تقول الكاتبة الصومالية راكيا عمار المديرة التنفيذية لمنظمة أفريكا روتش والكاتب إليكس ديوعال المدير المساعد لمنظمة أفريكاروتش "أي مسئول (١) يتحمّل مسئولية السماح بحدوث المجاعة معرّض لاحتمال الترقية وليس الإدانة إن هذه فضيحة" (٢).
- ربما يكون ربع أطفال الصومال قد ماتوا هذا العام، وعدد مماثل يواجهون الموت الوشيك جوعًا، وكان هذا الأمر متوقعًا منذ العام الماضي. .(١٩٩١ م) من قبل وكالات إغاثة مجربة وعلى دراية بمجريات الأمور، وبالذات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وصندوق إنقاذ الأطفال، واليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، وآخرين (١) للعمل بسرعة على تجنب وقوع الكارثة، لكن تلك الوكالات لم تفعل شيئًا، ووقعت الكارثة كما كان متوقعًا.
وليس ثمة مبررات ولا أعذار لوكالات وهيئات المنظمة الدولية تحول بينها وبين البدء في العمل الإنساني في الصومال. لقد كان المال متوفرًا، لكنهم اختاروا عدم إنفاقه.
وأسوأ ما في الأمر، أن هذه ليست المرة الأولى، فكل عامل إغاثة مجرب يمكنه أن يسرد حكايات مروعة عن العجز والتردي وحتى الفساد الذي تعاني منه وكالات الأمم المتحدة، وليس هذا سوى مأساة في طابور طويل من المآسي المماثلة.
إن الناس لن يطالبوا فقط باتخاذ الإجراءات الفورية لإنقاذ حياة الأطفال الباقين على قيد الحياة، وإنما كذلك بإجراء تحقيق عام في الخطأ الذي وقع، وطرد أو محاكمة الأطراف المخطئة" (٢).
* الخلاف بين عصمت عبد المجيد وبين غالي بسبب الصومال:
تفجرت الأوضاع بين دكتور بطرس غالي والدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام للجامعة العربية، بسبب موقف كل منهما من هذه المشكلة، فالدكتور غالي يصرّ على ضرورة حل الأزمة عن طريق الأمم المتحدة فقط، فيما يرى الدكتور عبد المجيد أن يأتي الحل من خلال الجامعة مع إمكانية اشتراك الأمم المتحدة كطرف مساعد وليس رئيسيًّا. .وقد علمت "المجلة"أن عدد كبيرًا من الفصائل الصومالية وافق على حضور مؤتمر المصالحة التمهيدي في الوقت الذي تحدده الجامعة العربية، كما أعلنت جماعة عيديد رفضها حضور أي مؤتمر مصالحة أو حوار تدعو إليه الأمم المتحدة، والتنسيق الدائم مع أمانة الجامعة العربية في أي خطوات تقرر اتخاذها. وأكدت مصادر الجامعة العربية أن التعليمات قد صدرت إلى ممثل الجامعة في الأمم المتحدة برفض جميع أشكال التنسيق والتشاور مع الأمم المتحدة وأمينها العام فيما يختص بحل الأزمة الصومالية (١).
* إِعلانهم الوقح عما يريدون:
لقد كتب (مايكل كلان) من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن في صحيفة لوس أنجلوس تايمز (عدد ٨/ ١٢/١٩٩٢) يقول صراحة:
"إن الخطوة الأمريكية الراهنة تفتح الباب لاحتمال عودة الاستعمار من جديد إلى أفريقيا، ولكن بوجه إنساني هذه المرة، وهو احتمال يراه قويًا".
"لا سيما أن هناك في الغرب شبكات واسعة من المنظمات الكنسية والخيرية التي يمكن أن تصبح مماثلة لجمعيات التنصير ومحاربة الرقيق التي شهدها القرن التاسع عشر، ومن المحتمل أن ينشأ تحالف شاذ غريب بين تلك المنظمات والمؤسسة العسكرية الأمريكية، التي تبحث عن مهمات دولية جديدة لتبرير تدخلها".
- إن التنصير وجاذبية المعادن الثمينة مثل الذهب واليورانيوم في أرض الصومال هي التي دفعت الأمريكيين والأوربيين إلى التدخل في الصومال، وقد جرت تغطية هذا الجانب المشع باعتبارات إنسانية وهي إغاثة أطفال الصومال فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة موت ربع أطفال الصومال جوعًا، ومد .الفصائل المتصارعة بالسلاح عن طريق الأمم المتحدة وأمينها الصليبي الغالي في صليبيته لقد قامت أمريكا بدورها الصليبي في مأساة الصومال.
- واخترقت القارة الأفريقية التي لم يكن للولايات المتحدة وجود عسكري على أرضها لاستلاب المعادن من أرض الصومال، وحصار المد الإسلامي الذي ظهر في المنطقة خصوصًا بعدما برز دور "جماعة الوحدة الإسلامية"في شمال الصومال، التي سيطرت على بلدة (بوساسو) وإدارة مينائها المطل على خليجي عدن، والضغط على النظام القائم في السودان عن طريق تهديده باحتمالات تدخل مماثل في جنوبه، فضلاً عن إبطال مفعول النفوذ السوداني المتزايد في شرق أفريقيا.
* رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة يفضح بطرس غالي الصليبي
ويقول: "بطرس طلب مني التنازل عن مدينة كاملة للنصارى":
أعلن رءوف دنكتاش رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة أنه لا مجال لمساومة المسلمين في قبرص على شبر واحد من أرضهم. وأن شعب قبرص المسلمة مستعد لكافة الاحتمالات جاء ذلك ردًّا على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي دعا دنكتاش للاجتماع في نيويورك مع الرئيس الجديد لقبرص الجنوبية النصرانية.
ويقول دنكتاش: إن الدكتور بطرس قدم مشروعًا يقضي بتنازل القبارصة المسلمين عن مدينة (جوزيل يورت) بكاملها للقبارصة النصارى بدعوى أن هذه المدينة نصرانية. كما اقترح بطرس على الرئيس دنكتاش أن تدفع له قبرص الجنوبية تعويضات مادية إذا ما تنازل عن هذه المدينة.
ويرى المراقبون أن بطرس غالي من خلال مشروعه هذا يقوم بدور السمسار ولا يبحث عن حل يرضي طرفي النزاع كما أنه بذلك يهدف إلى. تغليب الطرف الأرثوذكسي على الطرف الإسلامي في قبرص.
ويذكر أن مدينة (جوزيل يورت) تعتبر موقعًا استراتيجيًّا مهمًا وتوصف بأنها أجمل المدن القبرصية.
وفي تطور آخر طالبت أحزاب المعارضة التركية لحضور ما أسموه بمسرحية الدكتور غالي (١).
* أحزان كشمير على يد بطرس اللئيم:
بقلم د. عبد القادر طاش - رئيس تحرير صحيفة "المسلمون"
من الحقوق التي أقرها القانون الدولي حق تقرير المصير للأمم والشعوب، وقد استفادت أمم كثيرة من هذا الحق فنالت استقلالها وأقامت دولاً وكيانات يعترف بها المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن المسلمين هم الوحيدون في هذا العالم الذين لا ينطبق عليهم دائمًا هذا الحق!
والشواهد التي تؤكد ذلك كثيرة، ولكن أبرزها وأشدها مفارقة هو ما يعانيه الشعب الكشميري المسلم في ظل العنف الطائفي الهندي المستمر الذي ينتهِك صباح مساء، أدنى حقوق الإنسان في ذلك البلد المنكوب.
أما وجه المفارقة فهو أن منظمة الأمم المتحدة -وهي المنوط بها حماية الحقوق التي أقرها القانون الدولي- لا تزال تتباطأ في حل القضية الكشميرية، وتحاول التخلي عن مسئوليتها التي تحملتها عام ١٩٤٧ م عندما أصدرت قرارها الخاص بتقسيم شبه قارة جنوب آسيا الذي ينص على أن:
"المناطق ذات الأغلبية الإسلامية تنضم إلى جمهورية باكستان الإسلامية على أن تنضم المناطق ذات الأغلبية غير الإسلامية إلى دولة الهند العلمانية. .وقد كان طبيعيًّا أن تنضم ولاية جامو وكشمير المسلمة إلى باكستان، وهو ما طالب به حزب مؤتمر مسلمي كشمير الذي كان يعد بمثابة البرلمان الشعبي الكشميري آنذاك، وذلك في ١٩ يوليو ١٩٤٧ م.
كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارًا آخر حول كشمير في ٥ يناير ١٩٤٩ م يقضي بإجراء استفتاء عام بين الكشميريين لتقرير مصير الولاية بين انضمامها إلى الهند أو إلى الباكستان.
وقد وافقت الهند على إجراء الاستفتاء ولكنها تراجعت عن موافقتها وبدأت تماطل في تنفيذ الاستفتاء، ثم ادعت -دون مسوغ قانوني- أن قضية كشمير قد أصبحت قضية داخلية متجاهلة بذلك قرارات الأمم المتحدة.
وتبلغ المفارقات ذروتها المأساوية بالموقف العجيب للأمين العام للأمم المتحدة (بطرس غالي) -وما أكثر عجائبه منذ تولى هذا المنصب الدولي! -
- حيث قال في تصريح له:
"إن قرارت هيئة الأمم المتحدة غير ملزمة إلا إذا صدرت عن مجلس الأمن استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
مع أن البند رقم ٣٤ من ذلك الميثاق ينص على أنه "يحق لمجلس الأمن التحقيق في أي نزاع أو أي وضع ينذر بنشوب نزاع أو خلاف دولي".
وقضية كشمير هي قضية دولية، وليست قضية داخلية، وقد اتخذت فيها المنظمة الدولية عدة قرارات سابقة، فلماذا يتنصل (بطرس غاني) من مسئولية الأمم المتحدة في قضية واضحة المعالم؟!
إن كشمير قد أصبحت ولاية إسلامية منذ أسلم ملكها البوذي (رينجن شافي) عام ١٢٢٠ م، ولكن طائفة (السيخ) الهندية استولت على الولاية عام ١٩١٨ م، ثم سيطر عليها الاستعمار البريطاني الذي قام ببيع كشمير -وكأنها. سلعة يتاجر فيها- إلى طائانه (الدوجرة) الهندوسية بمبلغ سبعة ملايين ونصف المليون روبية ..
"أي أن سعر المواطن الكشميري لم يتجاوز سبع روبيات".
وهو ما يعادل ثلث الدولار الأمريكي!!
وقد سميت هذه الصفقة المخزية باتفاقية (امرتسار)، وهي صفقة غير قانونية، لأن البائع فيها هو المحتل الذي لا يملك الأرض التي باعها؛ ولأن الشعب الكشميري وهو صاحب الحق لم يستشر في هذه الصفقة، بل إن هذا الشعب المجاهد عبر عن رفضه للخضوع للملك الهندوسي عندما انطلقت حركة تحرير كشمير عام ١٩٣١ م.
ولما اشتدت مقاومة المسلمين للحكم الهندوسي الظالم اضطر الملك الهندوسي (هري سنغ) إلى الفرار، حيث قدم للحاكم العام للهند طالبًا للموافقة على انضمام الولاية إلى الهند، وهو أمر مرفوض وغير قانوني، إذ لا يملك الحاكم الهندوسي الحق في بيع كشمير مرة أخرى إلى الهند، فهو لم يكن حاكمًا شرعيًا للولاية.
كما أن الشعب الكشميري كان غائبًا عن الصفقة، بل عبر عن رفضه مرة أخرى لهذه الصفقة وواصل جهاده ضد الاستعمار الهندي منذ أول يوم وحتى الآن.
لقد تحولت كشمير التي كانت تسمى "جنة الله في الأرض"إلى سجن كبير لشعب أعزل يبلغ تعداده ١٢ مليونًا (٨٥% منهم مسلمون).
ويمارس الهنود على مرأى ومسمع من العالم أجمع أبشع ألوان الظلم والقتل والإبادة. وتنقل بعض المصادر الصحفية إلى العالم تقارير مفجعة وصورًا مأساوية لما يجري لأبناء الشعب الكشميري المسلم في السجن الكبير. فقد نقلت صحيفة "تورنتو صن"الكندية عن مراسلها في سرينجار -عاصمة كشمير- أن إحدى فرق القوات الهندية قامت مؤخرًا باقتحام قرية "كونن بوشبورا"فاعتقل أفرادها كافة الرجال في القرية، ووضعوهم في أحد معسكرات التحقيق وأخضعوهم للضرب والتعذيب لعدة ساعات، ثم عاد جنود تلك الفرقة إلى القرية واقتحموا البيوت وقاموا باغتصاب النساء بما فيهن كبار السن والفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على عشر سنوات!!.
ويتعاون الجيش الهندي النظامي مع المنظمات الهندوسية المتطرفة لقمع انتفاضة الشعب الكشميري المسلم ضد التسلط الهندي.
إن هذه الصورة الدامية: ما هي إلا واحدة من سلسلة طويلة من الصور التي تتكرر يوميًّا.
وما تقدمه بعض وسائل الإعلام من صور وأخبار عن هذه المأساة، ليس إلا غيضًا من فيض، وهو -على محدوديته- يدفي القلب ويثير الغضب ..
ومع كل ذلك فلا تزال المأساة تتوالى فصولها دون أن يحرك ذلك ساكنًا، فهل كتبَ على المسلمين أن يعانوا في صمت. وأن يكتموا أحزانهم إلى ما لا نهاية (١).
مسلسل من الحقد الصليبي أفرزه بطرس (بيتر) غالي لكل قضية أساء فيها إلى الموحدين كل الإساءة .. {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
* وأخيرًا:
أقول للذين يحاولون أن يثيروا الشبهات حول الإسلام، إنهم كمثلالذين يحاولون أن يثيروا التراب على السماء، فلسوف يثيرونه على أنفسهم، وتبقى السماء هي السماء ضاحكة السن بسّامة المحيا. والله تعالى يقول لهم ولأمثالهم إلى يوم القيامة {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} تباركت وتعاليت فإنهم في غيهم يعمهون وفي غيّهم يترددون {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: ١٢١ - ١٢٣].
ما يضرُّ البحر أمسى زاخرًا ... أن رمى فيه غلام بحجرْ
أو:
وما ضرّ الورود وما عليها ... إِذا المزكوم لم يطعم شذاها (١)
***
صليبيون حتى النخاع قد بدت البغضاء من أفواههم
من أصدق من الله قيلا؟! ومن أصدق من الله حديثًا؟!
* قال الله عز وجل وكلام الملوك ملوك الكلام: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .. } [البقرة: ١٢٠].
* وقال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: ١١٨].
قلوب سوداء لا تحمل للإسلام إلا التحقير وإثارة الشبهات وخلق أجواء الريبة والاتهامات وهم طوائف مختلفة يجمعهم الحقد الشديد على الإسلام وأهله، هم رُوّاد حركة التغريب وكبار مخططيها وأبرز دعاتها الذين حملوا لواء العمل في ميادين التبشير والاستشراق والكتابات السوداء عن الإسلام منهم الحكام: ككرومر وليوتي، ومنهم دعاة التبشير أمثال لافيجري وزويمر وولكوكس، ومنهم كتّاب متعصبون للجنس الأبيض أمثال دوق داركور وهانوتو، ولويس برتران وفولتير، ومنهم مشرفون على التعليم في البلاد المستعمرة أمثال دنلوب، ومستشرقون أمثال فنسك ولويس شيخو، وهنري لامنس ومرجليوث ورينان.
وهذه المجموعة تضم الفرنسيين والإنجليز وغيرهم رابطة العقد بينهم القضاء على مقومات هذه الأمة عن طريق إثارة الشبهات في ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولقد تصدى لهم وسمهم الزعاف رجالات الإسلام مَنْ دينهم أغلى عندهم من الحياة وما فيها حملوه في سويداء قلوبهم يعطرها وينقلهم. .. .إلى الحياة الآخرة ونعيمها وهم ما بعد في دار الدنيا، فكشفوا زيف هؤلاء الدجاجلة وفندوا أخطاءهم وادعاءاتهم وكشفوا شبهاتهم .. التي ما زال العبيد والأقزام وأذناب الغرب يضعونها أمام عوام المسلمين لزعزعتهم عن دينهم ..
ومكر صبيان الغرب الذين يصدق فيهم قول القائل:
يرمرم من فتات الكفر قوتًا ... ويشرب من كئوسهم الثمالهْ
يقبل راحة الإِفرنج دوما ... ويلثم دونما خجل نعال
ومكر أولئك هو يبور .. ويبقى الإسلام بنوره وبهائه وأصالته وجذوره القوية وكلماته الطيبة وعقيدته الصافية النقية .. تزول الدنيا بأسرها ولا يزال الإسلام بتعاليمه من صدور أبنائه ومحبيه ما بقيت الدنيا.
لا تهيىء كفني يا عاذلي ... فأنا لي مع الفجر مواثيقٌ وعهد
وها هم حملة السموم والحقد الواضح لا الدفين الذى تطفح به مواقفهم وكتاباتهم (١).
* فولتير وتعصبه الفجَّ وتطاوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في "تمثيلية محمد":
أصدر الكاتب الفرنسي المشهور بحرية الرأي (فولتير) عام ١٧٤٥ م تمثيلية أسماها "محمد والتعصب"، وأهداها إلى البابا في محاولة جريئة تكشف عن حقيقة دعوى حرية الفكر عنده، وقد واجه (توفيق الحكيم) هذه القصة فقال: قرأت قصة فولتير التمثيلية (محمد) فخجلت أن يكون كاتبها معدودًا في أصحاب الفكر الحر، فقد سب فيها النبي سبًا قبيحًا عجبت له وما أدركت له علة، لكن عجبي لم يطل فقد رأيته يهديها إلى البابا بنوا. .الرابع عشر. وعلمت أن روسو كان يتناول بالنقد أعمال فولتير التمثيلية فاطلعت على ما قال في قصة (محمد) علّني أجد ما يرد الحق إلى نصابه فلم أر هذا المفكر الحر أيضًا يدفع عن النبي ما ألصق به كذبًا، كأن الأمر لا يعنيه، وكأن ما قيل في النبي لا غبار عليه ولا حرج منه، ولم يتعرض للقصة إلا من حيث هي أدب وفن، وقد قرأت بعد ذلك رد البابا بنوا على فولتير فألفيته ردًّا رقيقًا كيسًا لا يشير بكلمة واحدة إلى الدين، وكله حديث في الأدب، فعظم عجبي لأمر فولتير وسألت نفسي طويلاً: أيستطيع عقل مثقف كعقل هذا الكاتب العظيم أن يعتقد ما يقول، دين يتبعه آلاف الملايين من البشر، على مدى الأجيال، هو في نظره حقًّا دين كاذب، ومبادئ إنسانية كالتي جاء بها الإسلام هي عنده حقًّا مبادئ بربرية، أم أنه التملق والزلفى والنفاق، وأن الزمن والتاريخ يضعان أحيانًا أقنعة زائفة على نفوس تزعم أنها خلقت للدفاع عن حرية الفكر.
منذ ذلك اليوم وأنا أحس كأني فجعت في شيء عزيز لدي: الإيمان بنزاهة الفكر الحر، ولقد كنت أحيانًا ألتمس الأعذار لفولتير وأزعم أنه قال ما قال لا عن مجاملة أو ملق، بل عن عقيدة، وحسن طوية استنادًا على علم خاطئ بأخبار النبي، ولكن كتابه إلى البابا كان يتهمه اتهامًا صارخًا، ولا يدع مجالاً للشك في دخيلة أمره، إني قرأت لفولتير كتبًا أخرى كانت تكشف عن آراء حرة حقًّا في مسائل الأديان وتنم عن روح واسعة الآفاق تكره التعصب الذميم فما باله عندما عرض لذكر "محمد والإسلام"كتب شيئًا هو التعصب بعينه، تعصب لدينه ذهب فيه إلى حد السجود وتقبيل الأقدام، لا لرب العزة والخلق، بل لبشر هو رئيس الكنيسة التي ما أرى أن فولتير كان ذات يوم من خدامها المخلصين.
وإنما هي الأطماع التي كانت تدفع فولتير -فيما أرى- إلى التمسح بأعتاب. الملوك والبابوات، ولقد يقدم ثمنًا لذلك أفكاره الحرة أحيانًا، منذ ذلك الحين وفولتير عندي متهم، ولن أبرئه أبدًا، ولن أعده أبدًا من بين أولئك العظام الذين عاشوا بالفكر وحده، وللفكر، وأحسب أن التاريخ العادل سوف يحكم عليه هذا الحكم، فينتقم للحق بما افتراه على نبي كريم ظلمًا وزورًا.
على أن الذي يدعو إلى الدهش أكثر من كل هذا أن الشرق والإسلام وقفا من هذا الأمر موقف النائم الذي لا يعي ولا يشعر بما يحدث حوله، فلم نر كاتبًا من كتاب الإسلام قام في ذلك الوقت يدفع عن دينه هذا الهراء الذي قاله فولتير، ويقذف في وجه هذا الكتاب بالحقائق الباهرة القاطعة، أو أن مؤلفًا وضع كتابًا يبرز فيه شخصية النبي الخيرة العظيمة واضحة جلية، لقد كان الشرق في ليل هادئ بهيم لم تثر فيه حركة فولتير يومئذ ساكنًا.
ولكن الأمر قد تغير اليوم ولاحت في أفق الشرق خيوط الفجر، وقام في هذا القرن كتاب يمجدون عقيدتهم وهم يعلمون أن ذلك تمجيد للحق وللشرق، فإن المسألة ليست مسألة دين فقط، وإنما هي مسألة جنس وقومية (١)، وإذ تقول أوروبا "الإسلام"قائمًا تعني في غالب الأحيان "الشرق"إن الحرب الصليبية لم تكن في حقيقتها إلا حرب الغرب على الشرق (٢)، وهذا المد والجزر بين الغرب والشرق يفهمه مفكرو الأوربيين تمام الفهم، ويحسبون له الحساب فالدفاع عن شخصيتنا وعقيدتنا دفاع عن حياتنا.
* كرومر وكتابه (مصر الحديثة) وتغريب الفكر الإِسلامي:
يعد افيلنج بارنج (كرومر) من كبار دعاة التغريب والاستعماريين في العالم الإسلامي وواحدًا من الذين وضعوا مخطط السياسة التي جرى عليها. .الاستعمار ولا يزال، في محاولة القضاء على مقومات العالم الإسلامي والأمة العربية جزء منه، والإيمان بأن هذا العمل الفكري هو أهم الأعمال القادرة على دعم نفوذ الاستعمار وتركيز قوى الغرب في قلب المنطقة، وتمثل كتاباته في تقاريره وفي كتابه "مصر الحديثة"خطة عمل كاملة، وأيدلوجيا شاملة للقضاء على مقومات الفكر العربي الإسلامي وتمزيق وحدة العالم الإسلامي، ومقاومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية.
ولقد أمضى لورد كرومر في مصر ما لا يقل عن ربع قرن قابضًا على زمام السلطات (١٨٨٢ - ١٩٠٦) وأتيح له من قبل أن يمضي وقتًا في الهند، درس في خلالها مناهج الاستعمار البريطاني هنالك، وقد عمل أول أمره في مصر مندوبًا في صندوق الدين المصري ١٨٧٧، ثم ما لبث أن عين بعد الاحتلال البريطاني مباشرة مندوبًا ساميًّا، ومعتمدًا لبريطانيا، ويهمنا في هذه الدراسة أن نتناول آثاره في مجال الفكر العربي الإسلامي ومخططه الذي سار عليه من بعده كل دعاة التغريب والذي اتخذته منظمات التبشير ومعاهد الإرساليات وكل من اشترك في مخطط العمل (دستورًا) من أجل تأكيد النفوذ الأجنبي عن طريق الفكر.
- وقد تبلورت حملات كرومر في نقاط هامة قليلة:
١ - إثارة الشبهات حول الإسلام، وذلك بالادعاء بأنه دين مناف للمدنية ولم يكن صالحًا إلا للبيئة والزمان اللذين وجد فيهما.
٢ - أن المسلمين لا يمكنهم أن يرقوا في سلم الحضارة والتمدن إلا بعد أن يتركوا دينهم وينبذوا القرآن وأوامره ظهريًا؛ لأنه يأمرهم بالخمول والتعصب، ويبث فيهم روح البغض لمن يخالفهم والشقاق وحب الانتقام وأن المانع الأعظم والعقبة الكئود في سبيل رقي الأمة هو: القرآن والإسلام.
٣ - إن الإسلام يناقض مدنية هذا العصر من حيث المرأة والرقيق وأن. الإسلام يجعل المرأة في مركز منحط.
٤ - الطعن في شريعة الإسلام وسياسته ومعاملاته.
٥ - أن الشاب المصري المسلم أثناء ممارسته التعليم الأوربي يفقد إسلامه، أو أفضل قسم منه ويقطع حبل المرساة الذي يربطه بمرفإ إيمانه. وأن الشبان الذين يتلقون علومهم في أوربا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الالتجاء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته، فيتأرجحون في الوسط ويتحولون إلى مخلوقات شاذة ممزقة نفسيًّا.
٦ - هاجم القرآن، وقال: إنه ينافي العمران وهاجم الإسلام؛ لأنه أباح الطلاق، وأنه حرم الربا والخمر.
٧ - قال: إن الإسلام خال من التسامح ويغلب عليه التعصب، وأنه يغرس في العقول الانتقام والكره اللذان يجب أن يكونا أساسًا للعلاقات بين الرجل والمرأة بدلاً من المحبة والإحسان.
٨ - دعا إلى إطلاق الحرية للمرسلين والمبشرين في مصر والسودان، وأن ينشئوا مدارسهم، وضمن تقاريره إحصائيات عن أعمال التبشير في جنوب السودان وفي تقريره عام ١٩٠٤ أعلن أنه كتب إلى جمعية تبشيرية إنكليزية يحضها على بعث مرسليها إلى جنوب السودان، وقال: إن جنوب السودان سكانه وثنيون، وإن اتصالهم بالمسلمين إنما يذكرهم بفضائح الدراويش والنخاسين من العرب، وطالب بأن يتاح للمرسلين في أن ينشئوا مدارس في الخرطوم ويدخلوا ما شاءوا من التعاليم الدينية، وقال: إن أعمال المبشرين في الجنوب (جنوبي كودوك - فاشوده) سائرة سيرًا مستمرًا، وقال: إنه لم يطلب منه حتى الآن أي ترخيص لإنشاء مدارس في جنوب السودان تعلم فيها فرائض الإسلام.
٩ - دعا إلى خلق طبقة من المتفرنجين المستغربين من الوجهة الأوربية،. والمدنية الحديثة، وقال: إن هؤلاء جديرون بكل تنشيط ومعاونة يمكن أن تعطى لهم، وقال: إن هؤلاء هم حلفاء الأوربي المصلح ومساعدوه، وسوف يجد محبو الوطنية المصرية أحسن أمل في ترقي أتباع الشيخ محمد عبده، للحصول على مصر مستقلة بالتدريج.
وهذه النصوص المنقولة من كلمات كرومر تمثل جماع ما دعا إليه المبشرون والمستشرقون دعاة التغريب والشعوبيون وما يزالون يدعون إليه حتى الآن، وهي مجموعة من الأكاذيب المنبعثة من التعصب واستخدام سلاح الشبهات للقضاء على مقومات الأمة وقيم فكرها، بعد أن تأكد الاستعمار والنفوذ الأجنبي من أن هذه المقومات هي مصدر القوة في العالم الإسلامي لمقاومة كل ضغط أجنبي.
وقد استهدفت هذه الحملة أساسًا قتل روح المقاومة والحملة على الاستعمار وخلق روح تدعو إلى تقبله والرضا به والاستسلام له، على أساس أنه أمر لا يمكن مقاومته، ومن المصلحة الانتفاع بالمستعمرين وقبول فكرهم وحضارتهم، وتقبل الحرية والاستقلال على مراحل، وهذا التيار الذي دُعي فيما بعد بتيار التعقيل أو الالتقاء مع الإنجليز في منتصف الطريق، وقد ارتفع هذا الصوت في السنوات الأخيرة لكرومر، وحاول خلق فلسفة قوامها تقبل الاستعمار وصداقته وعدم معارضته، وذلك بتصوير الاحتلال على أنه حقيقة واقعة، وكانت حجة دعاة هذه المعركة التي تعد خطوات التغريب والشعوبية القائمة الآن في العالم الإسلامي امتدادًا لها، كانت حجة هذه الحركة في (الاعتدال)، أو التعقيل على أساس فهم سلبي قوامه أن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة ليست موجودة لدى المصريين، وأن الدعوة إلى مقاومة الاستعمار هو إنفاق للوقت فيما لا طائل تحته، وما دام الإنجليز هم الذين يمسكون زمام الأمور وحدهم فلا سبيل إلى الإصلاح إلا بمصادقتهم. والتفاهم معهم وقبول ما يتنازلون عنه.
وقد أشاد كرومر بهذه الدعوة التي حمل لواءها لطفي السيد في الجريدة. ومن هنا تعمقت الحملة على الوطنيين وعلى دعاة الجلاء والحرية وعلى أصوات الدعوة المتحمسة وهوجمت أبشع هجوم، وقد حملت هذه الدعوة: الإيمان بالفكر العربي إيمانًا كاملاً ونقله، والتشيع له، وتحقير كل مقومات الفكر العربي الإسلامي ورميه بالضعف والجمود والتخلف، كما حملت لواء التقدير لأمثال كرومر ووصفه بالبطولة والإعجاب ببريطانيا وأوربا واعتبارها رأس الأمم العظيمة، وبذلك انحرف ميزان المفاهيم بين القيم الأساسية والمفاهيم المستوردة، وقد أيد كرومر هذا الاتجاه وأطلق عليه اسم (المدرسة) وتمثل هذا الاتجاه في كتابات الجريدة، التي أنشأها الباشوات والإقطاعيون والموالون للإنجليز، وأصبح شعار هذه الدعوة: (الاعتدال، المحاسنة، التعقيل).
- ثم كان أن اتجه المخطط إلى نهايته في ظل هذه الحركة وكانت الدعوة إلى:
١ - الإقليمية الضيقة، مصر للمصريين، نحن لسنا عربًا، وليس لنا بالمسلمين أي روابط، ولا دخل لنا في أمورهم ومن هنا لا يجوز لنا أن نشارك في معارك طرابلس التي وقعت مع إيطاليا في سبيل مقاومة الاستعمار.
٢ - التعليم، لا يكون إلا لطبقة معينة من الأمة هي الطبقة الثرية التي تتأهل لولاية الحكم وإن أبناء الطبقات الفقيرة لا يجوز أن يتعلموا إلا (فك الخط).
٣ - اللغة العربية الفصحى هي مصدر التخلف، ولذلك لا بد من تحسين اللغة العامية حتى تصبح لغة الكلام والكتابة معًا.
٤ - الإنجليز يعملون لتمديننا وحمايتنا، فلا خصومة بيننا وبينهم ولكن مودة وصداقة.
٥ - الوطنية لا تكون اندفاعًا عاطفيًا، ولا ينبغي أن يتعلق بأوهام الإسلامية أو الرابطة العربية وإنما تقوم على سياسة المصالح فمصر أولاً وقبل كل شيء. وبذلك حقق كرومر هدفه في خلق تيار واضح في تعميق دعوته ونشر سمومه وقبول آرائه في ازدراء الفكر العربي الإسلامي واحتقار الإسلام والعروبة واللغة العربية والشك في صلاحية هذه المقومات لبناء أمة أو نهضة.
فاستطاع أن ينشر هذه الآراء عن طريق صحيفتين: صحيفة لها طابعها العلني في تأييد الاستعمار "المقطم"وصحيفة لها طابعها المصري الغامض "الجريدة"وقد مضى كرومر خلال فترة إقامته في مصر إلى آخر المدى في تنفيذ مخططه الاستعماري التغريبي الذي يتركز على عدة أعمال أساسية:
١ - الحملة على مركز الرابطة التي تجمع العالم الإسلامي وهي السلطنة العثمانية والخلافة والسلطان عبد الحميد وتأييد خصومها وفتح أبواب مصر لهم وإتاحة الفرصة لهم للحملة على الجامعة الإسلامية والخلافة والدولة العثمانية.
٢ - الحملة على الإسلام باعتباره تركيا وباعتبار أن الكيان القائم في تركيا بكل أخطائه ومساوئه هو "الإسلام"والتركيز على الخلافة الإسلامية باعتبارها نقطة الالتقاء للعالم الإسلامي رغبة في القضاء عليها.
٣ - الاتفاق مع فرنسا وتوقيع الاتفاق الودي وذلك حتى لا يجد المصريون مجالاً للحملة على بريطانيا ومقاومة نفوذها، وقد كشف ذلك عن أن الاستعمار ملتق على هدف واحد هو السيطرة على العالم الإسلامي.
٤ - استقدام عديد من الأجانب ومن السوريين واللبنانيين خصوم الدولة العثمانية ليصبحوا (ركائز) في دعم الحكم وإتاحة الوسائل الكفيلة لهم بالكتابة والتجارة والسيطرة على مجالات الاقتصاد والفكر والصحافة.
٥ - نشر اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية على حساب اللغة العربية والثقافة الفرنسية في محاولة القضاء على الفكر الإسلامي العربي، وبذلك أمكن تجميد اللغة العربية في المدرسة المصرية والجامعة وتجميدها عن النمو في العالم العربي والإسلامي كله.
وقد حاول كرومر تنفيذ تجربة الاستعمار البريطاني في الهند للقضاء على اللغة العربية بها، وذلك بنشر اللغة الإنجليزية حتى تكون لغة تخاطب، ففرض التدريس بها، ولقد كان الإسلام هو العامل الأساسي الذي استطاع أن يحمي اللغة العربية بوصفها لغة القرآن ولولاه لانتهت اللغة العربية في مصر.
٦ - خلق روح الإقليمية وتمصير القيم بعد أن كانت عربية أو إسلامية، وذلك لعزل كل قطر عن القطر الآخر وأقام حدود فكرية بين أجزاء الوطن العربي والعالم الإسلامي.
وقد استطاع هذا التيار أن يبتعد عن جذور الفكر العربي الإسلامي، وأن يشجبه شجبًا كاملاً، ويجعل الحديث عنه جمودًا ورجعية، كما انتشرت الحملة العنيفة المستمرة على رجال الأزهر ووصفهم بأنهم رجال الدين وإلقاء اتهامات الأكليروس على علماء المسلمين، كما نقلت الاتهامات التي وجهها الفكر الغربي إلى المسيحية الغربية على الإسلام. ولم تمر حملات كرومر دون أن تواجه بمعارضة ونقد وتشريح وكشف لما بها من أخطاء ومغالطات وتعقيب، وأبرز ثلاثة تناولوا كتابات كرومر بالرد هم: فريد وجدي، ومصطفى الغلاييني، ورشيد رضا.
وعندما صدر كتاب مصر الحديثة (مارس ١٩٠٨) نشرت اللواء والمؤيد ردودًا تفصيلية، مما جاء فيها قول المؤيد: "لم يكن كرومر من رجال العلم والفلسفة، ولا من رجال التأليف إنما كان جنديًّا يؤمن بمجد الإمبراطورية،