أظن أن أهم دور كان لهذه الوثيقة هو تعريف الولايات المتحدة أن الرئيس السادات يسعي لحل سلمي سريع فى هذا الجيل ولا يريد إنتظار الأجيال القادمة لتقوم هي بحل النزاع مع إسرائيل. وكان هذا فى المرحلة الأولى من اللقاءات مع حافظ إسماعيل. ثم عندما حل موعد المرحلة الثانية بقيام المعارك كان دور هذه الإتصالات هو تعريف الولايات المتحدة أن عليكم كبح جماح إسرائيل حتى لا ينفلت الأمر حيث أننا لا نريدها حربا شاملة بل نريدها حربا محدودة ليس فيها "تعميق ولا توسيع لنطاق المعارك داخل سيناء"وهو نفس النص الذى أرسله حافظ إسماعيل للأمريكيين وقام بصياغته المستشار بالخارجية وقتها أحمد ماهر، الذى أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية. وهذه الرسالة الواضحة تقول للولايات المتحدة نحن لن نزيد الموقف إشتعالا ولكننا نريد تحريكه حتى لا تقولوا عنه أنه حصان ميت بعد أن تنتهي العمليات وبذلك عليكم أنتم أن تدفعوا إسرائيل إلى تقديم التنازلات المطلوبة للسلام. (كانت كلمة تنازلات هي نفسها التي إستعملها الرئيس نيكسون فى إجتماع مجلس الأمن القومي فى صدد بحث أزمة البترول التي نتجت عن حرب الشرق الأوسط، إذ أن المسجل عنه كتابة وصوتا أنه قال علينا أن نضغط على أصدقائنا الإسرائيليين حتي يقدموا تنازلات "مؤلمة")..
والرئيس السادات هو من جيل حضر المراحل الأولى من الحرب العالمية الثانية ثم شهد كضابط صغير الإنقلاب الذى وقع في موازينها بدخول الولايات المتحدة الحرب وكيف أنها كانت تحارب وتمول فى نفس الوقت وتنجح فى كل مرة فى فرض شروطها على كل من الإتحاد السوفيتي وبريطانيا وكيف أنها خرجت من الحرب بأقل الخسائر وأعظم المكاسب. كما أنه كأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة قد عاصر بالصوت والصورة والقرب اللصيق أيام الإعتداء الثلاثي على مصر وكيف أن التهديد الأمريكي للدول المعتدية كان هو العامل المؤثر الوحيد على الدول المغيرة على مصر وأنها رضخت للإرادة الأمريكية فى بحر أيام قليلة وأعلنت عن عزمها على الإنسحاب.
وهو أيضا – الرئيس السادات – عرف كضابط شاب أن الإتحاد السوفيتى لن يجازف بأى عمل عسكري ضد الولايات المتحدة لصالح أي بلد آخر، فقد أحجم عن التدخل فى كوريا من الأصل ولم يقم إلا بدور المورد للسلاح، رغم أنه كان خارجا من الحرب العالمية الثانية بأقوي جيش تقليدي فى العالم وقتها. وستالين يعد أكثر الرؤساء السوفيت عدوانية فقد هجم الإتحاد السوفيتي فى عهده عدة مرات كثيرة على بلاد متعددة ولكنه عندما أحس أن الأمر قد يتطور إلى حرب ضد الولايات المتحدة لم يتهور..
وفى عصر ما بعد ستالين شهد العالم المشادة شبه النووية بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وفى النهاية رضخ الإتحاد السوفيتي وسحب صواريخه من كوبا وكسبت الولايات المتحدة التي تتمتع بعبقرية دعائية كبيرة نصرا هائلا مع أنها إضطرت أيضا إلى سحب صواريخها الذرية من تركيا، إلا أن ذلك تم فى السر وبناءا على شرط وضعته أمريكا فى بنود الإتفاق لتسوية الأزمة..
والآن هاهو قد أصبح رئيسا فى وضع المسئولية وقائدا لعملية عسكرية كان يريدها محدودة وكانت إسرائيل تريد التوسع فيها لكي ينتهي أمر العناد العربيإلى الأبد..
ولكن..