الأول: ويبدأ من "افتتاحية"أو مقدمة الرواية، ويستمر حتى الفصل الرابع، أو هو تفصيلاً:
٢ - أدهم، أي آدم عليه السلام.
٣ - جبل: أي موسى عليه السلام.
٤ - رفاعة: أي عيسى عليه السلام.
٥ - قاسم: أي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أما القسم الثاني: فهو مكوَّن من فصل واحد هو: عرفة، وقد جعله المؤلف رمزًا للعلم الحديث كما تقدم.
إن مادة القسم الأول شاملاً المقدمة والفصول الأربعة المتقدم ذكرها، هي -بلا جدال- وقائع التاريخ الديني النبوي، ممثلاً في أبي البَشر آدم (أدهم في الرواية) ثم الرُّسُل الثلاثة الكبار:
موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، والمرموز لهم في الرواية بـ: جبل، ورفاعة، وقاسم. وقد أقمنا على صحة هذا "الفهم"عشرات الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، والحجج الدامغة التي لا تقبل أدنى نزاع مهما أوتي المدافعون عن الرواية من مهارة في المغالطات، ومن أساليب الخداع والتمويه.
إن "الحارة"رمز للدنيا كلها، وليست "حارة"بالمعنى الضيق المعروف للناس.
إن "أولاد الحارة"هم البَشر جميعًا من لدن آدم عليه السلام إلى العصر الحاضر، وربما دخل فيهم -عند المؤلف- الملائكة والشيطان!
* الجبلاوي:
الجبلاوي في الرواية هو قطب الأقطاب، والمصدر الوحيد للتاريخ الديني النبوي، وهو في الرواية رمز لـ "الله"سبحانه وتعالى" (١).
الدليل الأول: لغز من الألغاز:
مهد المؤلف برمز آخر هو "جَدنا"مقصود منه "الله"كدْلك. قال المؤلف.
"وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات، كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة: "هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه .. " (١).
- في هذا النص ثلاثة رموز:
البيت الكبير، وهو مستودع الأسرار الإلهية، أو العرش.
و"جَدُّنا"، وهذا الرمز جاء على تشبيه "الخالق"بوالد الأبناء، فيكون معناه: خالق أبينا آدم.
والثالث: "من صلبه"أي: من خلقه وإيجاده، فليس مراد الكاتب المعاني الحقيقية الظاهرة للألفاظ، بل مراده معاني أُخرى تربطها بالمعاني الحقيقية الظاهرة أنماط من العلاقات، مثل علاقة التشبيه التي أشرنا إليها الآن.
- وبعد هذه الرموز التمهيدية ورد رمز "الجبلاوي"لأول مرة في قول المؤلف:
"وجَدُّنا هذا لغز من الألغاز، عُمِّر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور، حتى ضُرب المثل بطول عمره، واعتزل في بيته لكبره منذ عهد بعيد، فلم يره منذ اعتزاله أحد .. على أي حال كان يُدْعَى الجبلاوي، وبامسه سميت. حارتنا، وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (١).
* الاعتزال:
هذا رمز ثان وصف به الكاتب "الجبلاوي"رمز الألوهية "الله"، فقال: إنه اعتزل منذ عهد بعيد، والذي فهمناه من هذا الرمز أن المؤلف يقصد به انقطاع الوحي وتوقف الرسالات السماوية، بعد أن جاء الإسلام حاملاً الكلمة الأخيرة لله في توجيه الإنسانية جمعاء إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.
أما قوله بعد ذلك:
"فلم يره أحد منذ اعتزاله"فقد رمز به لعدم سماع كلام جديد له بعد توقف الرسالات مشبها السماع بالرؤية في سياق نفي كل منهما.
الدليل الثاني: مالك الملك:
قال المؤلف يصف "الجبلاوي"رمز الألوهية: "الله":
"وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (٢).
سبق أن استدللنا على أن المراد من الحارة فى "أولاد حارتنا"هي الدنيا أو الوجود بأسره، فإذا قال المؤلف بعد ذلك:
"وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها .. "كان معناه: "مالك الملك"، ولن يكون صاحب هذا الوصف إلا الله.
الله هو الأول بلا بداية، الأول الذي لم يسبق وجوده عدم، هذا المعنى أو هذه المعاني التي يؤمن بها المؤمنون الصحيحو الإيمان السليمو الاعتقاد في الله، أشار إليها مؤلف "أولاد حارتنا"، فقال: "عاش فيها -أي في الحارة- وحده، وهي خلاء" (١).
عبارته هذه تعني أن "الحارة"هي الكون، ولما كان رمز"الجبلاوي"يعني عند المؤلف "الله"كان معنى عبارته أن الله كان والكون خلاء، ليس فيه سواه.
وهكذا تتضح حقيقة "الجبلاوي"في الرواية، طورًا بعد طور ويزيد المسألة وضوحًا هنا، قوله واصفا "الجبلاوي".
"وكان بالضعفاء رحيمًا" (٢).
الدليل الرابع - ضلال بعض الطوائف في الاعتقاد:
قال المؤلف: "ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته، وهكذا حال الدنيا" (٣).
الذي فهمناه من هذه العبارة في وصف "الجبلاوي"ومز الألوهية "الله"عند المؤلف احتمالين:
أحدهما: الإشارة إلى العقائد الوضعية البدائية حول نشأة العقيدة في الله، مثل أديان الهند، والفُرس، واليونان القدماء، وعقائد مصر في عهدالفراعنة قبل عصر الرسالات؛ لأن هذه العقائد كلها لم تصل إلى العقيدة المثلى في الإيمان بالله، وقد تكلم فيه أصحاب هذه النِّحل الوضعية بكلام لا يليق بقدره ومكانته، كما قال المؤلف. وهذا الاحتمال هو الراجح عندنا؛ لأن المؤلف يتحدث هنا عن عصر ما قبل الرسالات.
الثاني: أن يكون مراده الإشارة إلى الطوائف التي حرَّفَتْ حقيقة الرسالات التي جاءتهم بها رُسُلهم، فهم -كأولئك- نسبوا إلى الله ما لا يليق به، كنسبة الصاحبة والولد، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وأيًّا كان مراده فإن هذه العبارة -على قصرها- دليل رابع على أن المراد بالجبلاوي هو الله.
الدليل الخامس - وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إِلا هو:
هكذا وصف الله نفسه:
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: ٥٩].
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: ٢٦].
وهذه هي عقيدة المؤمنين: لا يَعْلمُ الغيبَ إلا الله.
قارن هذا الوصف بما جاء في قول المؤلف يصف "الجبلاوي":
"أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق، وأن نعيش نحن في التراب" (١).
إذا أحسنت المقارنة والفهم تبيَّن لك في الحال أنها عبارة تشير إلى استئثار الله بعلم الغيب، يدلك على هذا وصف البيت الكبير -بيت الجبلاوي- بأنه مغلق، وموظفًا هذا الرمز "مغلق"في الدلالة على الحيلولة بين الخلق وبين ما. .هو كائن في علم الله، كما قال عيسى بن مريم عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١١٦].
أليس هذا دليلاً من أقوى الأدلة على أن "الجبلاوي"في "أولاد حارتنا"المراد به عند المؤلف هو "الله"سبحانه.
الدليل السادس - الرسل أعلم الناس بالله:
أي نزاع ينشأ حول أُصول الدين أو فروعه، فالفزع فيه إلى رُسُلِ الله، وما أنزل إليهم من ربهم، مصداق ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١٣].
احتفظ بهذه الحقيقة في ذهنك، ثم اقرأ ما قاله المؤلف في هذه الفقرة: "وإذا تساءلت عما صار به -يعني الجبلاوي- وبنا إلى هذه الحال، سمعت من فورك القصصي -أي الديني النبوي- وترددت على أُذنيك أسماء: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم. ولن تظفر بما يبل الصدر -لعله الصدى- أو يريح العقل؟! " (١).
يقرر الكاتب -هنا- ما أشرنا إليه من فزع الناس إلى ما جاء به الرُّسُل إذا شب بينهم نزاع حول مسألة من أُصول الدين أو فروعه، تضمن هذا قوله الذي نقلناه من سماع القصص أو ذكر ما جاء به الرُّسُل الذين رمز إليهم بـ "أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم: أي آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذه الرموز الأربعة تعني الرُّسُل الأربعة، المذكورين. .الدليل السابع - اللجوء إِلى الله في الشدائد:
من الأمور المركوزة في الطبع، المتأصلة في الفِطرة الإنسانية الفزع إلى الله واللياذ به، واللجوء إليه في الشدائد والمحن حتى غير المؤمنين بالله إذا أفزعهم خطر، نسوا كفرهم وجاروا إلى الله ليكشف كربهم، ويزيح غمتهم هاتفين بلسان حالهم ومقالهم: يا رب.
مصداق هذا قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: ٥٣].
ومؤلف "أولاد حارتنا"يدرك أن مفزع الناس في الكوارث والمحن إنما هو الله، ترى ذلك واضحًا في قوله:
"وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات -يعني القصص الديني النبوي- كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم، أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة:
"هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه!! (١)، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟ " (٢).
وقال: "ولا عزاء لنا إلا أن نتطلع إلى البيت الكبير، ونقول في حزن وحسرة: "هنا يقيم الجبلاوي، صاحب الأوقاف، هو الجد، ونحن الأحفاد" (٣).
أفليس في كلام المؤلف -هنا- في الموضعين أوصاف لا يوصف بها إلا الله قيوم السموات والأرض، وليس الجبلاوي الذي لا وجود له إلا في. .خيال المؤلف؟
أما قوله: "هو الجد، ونحن الأحفاد"، فهذا لا يليق بـ: "الجبلاوي"باعتباره رمز الألوهية "الله".
ولهذا القول -عندنا- محملان:
أولهما: أنه من الفر بعد الكر، أو الإحجام بعد الإقدام، ذكره المؤلف للتمويه والتشويش على القُراء.
وثانيهما: أن يكون رمزًا مبنيًا على التشبيه، بأن جعل خالق الأب الأول -آدم- كأبي الأب، ولا غرابة في ذلك؛ لأن التعبير الرمزي في الرواية، لا يكاد يخلو منه سطر من سطورها فضلاً عن صفحاتها.
الدليل الثامن - خالق الكون:
عرفنا -قبلاً- أن الأستاذ نجيب محفوظ رمز بالحارة إلى الوجود الكوني كله، يؤكد هذا ما حكاه في الرواية من البداية إلى النهاية، فضلاً عن الأدلة التى ذكرناها من قبل.
إذا تقرر هذا فتأمل قوله في وصف "الجبلاوي"رمز الألوهية في الرواية: "هو أصل حارتنا" (١).
وما عليك إلا أن تفك الرمز "أصل"، وتقف على المعنى المتواري خلفه، وهو "خالق حارتنا"أي خالق دنيانا، ثم تضم هذا الدليل إلى الأدلة التي ذكرناها قبله، فيصبح لديك ثمانية أدلة في المقدمة وحدها على أن المراد من الجبلاوي في "أولاد حارتنا"هو الله.
الدليل التاسع - عجز الفكر عن الإدراك:
قلنا من قبل: إن الله تعالى يُعْرَف بآثاره وآلائه وآياته فى الكون ومن. .فيه وما فيه.
فتعال: اسمع ماذا قال عن "الجبلاوي"رمز الأُلوهية (الله): "كنت -وما زلت- أجد الحديث عنه شائقًا لا يُمَل، وكم دفعني ذلك إلى. الطواف ببيته الكبير لعلي أفوز بنظرة، ولكن دون جدوى" (١).
لقد رمز المؤلف بالطواف عن "التفكر"في ذات الله المجيد وفي صفاته المقدَّسة، راجيًا أن يقف على حقيقتها أو بعض حقيقتها، ولكن عاد بخفي حنين لا بحنين نفسه، حيث تجاوز المتاح اليسير، وهو معرفة الله بآياته في الكون والنفوس - إلى غير المتاح العسير، وهو الإحاطة بحقيقة الذات العلية!!
الدليل العاشر - غيب ما وراء الطبيعة:
ما وراء الطبيعة اصطلاح فلسفي يراد به العالم المعنوي، مما لا يدرك بأي حاسة من الحواس الخمس، ويقابله العالم الحسي المادي، وهو ما له وجود يدرك بالحواس الخمس، ويشغل حيزًا من الفراغ، سواء كان حيوانًا، أو نباتًا، أو جمادًا.
ومن لطف الله بعباده أن جعل ما وراء الطبيعة من اختصاص الوحي الأمين، وما صح من كلام الرُّسُل المكرمين.
والأستاذ نجيب محفوظ في الفترة التي نقلناها عنه من قبل اعترف أن تجاربه الفكرية حول معرفة ما وراء الحس قد فشلت وعجزت عن الوصول إلى أي شيء!!
- ثم عاد فكرر الإشارة إلى هذا العجز حين قال:
"وكم وقفت أمام بابه الضخم أرنو إلى التمساح المحنَّط المركب أعلاه!!
وكم جلست في صحراء المقطم غير بعيد من سوره الكبير، فلا أرى إلا رءوس أشجار التوت والجميز والنخيل تكتنف البيت، ونوافذ مغلقة لا تنم عن أثر الحياة!! " (١).
- قال الدكتور المطعني في كتابه القيم (ص ٢٣):
وأقسم برب السموات والأرض، وعالم الغيب والشهادة لو أن مسلمًا أقسم بالله أن الكاتب لم يقصد من "الجبلاوي"إلا الله ما حنث في يمينه، ولكان صادقًا كل الصدق.
أو أن آخر أقسم بالطلاق على هذا الفهم لما حرمت عليه قرينته.
أما أولئك الزاعمون بأن "الجبلاوي"في "أولاد حارتنا"ليس المقصود منه الله، فلا يخلو حالهم من الاحتمالات الآتية:
- إما أنهم لم يقرأوا الرواية فراحوا يشهدون بما لا علم لهم به!!
- وإما أنهم قرأوا ولم يفهموا.
- وإما أنهم قرأوا وفهموا، ثم عاندوا وكابروا، وراحوا يشهدون شهادة زور، ويصرون على الحنث العظيم، ويحسبونه هينًا، وهو عند الله عظيم.
وها نحن أولاء أمام هذه المكابرة، وذلك العناد نستخرج من كلام المؤلف عشرات الأدلة التي تكشف زيفهم، وتعري مواقفهم وتسحق زورهم وبهتانهم، وترد كيدهم في نحورهم، وتظهرهم غلى حقيقتهم أمام القُراء. مهما كانت مواقعهم وانتماءاتُهم.
- يقول الدكتور المطعني:
"وقد ذكرنا -فيما تقدم- الأدلة "القطعية"على أن الجبلاوي في الرواية هو "الله "سبحانه وتعالى، ونريد هنا أن نرد -في إيجاز واف- على من أنكر هذا "الفهم "الذي فهمه بعض نقاد الرواية. وقد جاءت دراستنا هذه مناصرة لما فهموه مع إثباته بالبراهين القاطعة كما تقدم في غضون هذه الدراسة.
* شبهتان للمنكرين:
الذين أنكروا أن يكون "الجبلاوي"في الرواية هو "الله "استندوا إلى شبهتين حسبوهما دليلين، وما هما بدليلين قط:
الشبهة الأولى:
أن اسم الله قد ورد مصرحًا به في الرواية في بعض المواضع، حتى في الحديث مع "الجبلاوي "نفسه، ومن ذلك - مثلاً قول جبل للجبلاوي:
"الحمد لرب السموات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك" (١).
ومثل قول جبل: "ألا لعنة الله على الجبناء" (٢).
قلت: ليس في هذه الأقوال -وما أشبهها- دليل قط على أن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله"؛ لأن المؤلف -كعادته- في التمويه يتحدث عن "الله"باسمه الصريح حينًا، وبالرمز أحيانًا أخرى.
وهذه الشبهة كانت "تفيد"في الدفاع لو كانت التهمة الموجهة إلى المؤلف هي "إنكار وجود الله"!! لكن هذه التهمة ليس لها وجود لدينا، وإنما. التهمة هي أن المؤلف يتحدث عن "الله"الذي يؤمن به حديثًا لا يليق بجلاله ووحدانيته ومخالفته للحوادث.
الشبهة الثانية:
أما الشبهة الثانية التي استند إليها هؤلاء "المنكرون "، فهي ما أورده المؤلف على لسان إدريس (أي: إبليس) بعد أن طرده "الجبلاوي" (أي الله) من البيت الكبير - أي من الجنة:
"ما أهون الأبوَة عليك!! خُلِقْتَ جَبَّارًا فتوَة"!! (١).
وجه الاستدلال عندهم أن الجبلاوي -هنا- وُصِف بأنه مخلوق، والله ليس مخلوقًا.
هذا الدفاع مع صحته في نفسه فليس فيه دليل على أن "الجبلاوي "في الرواية ليس هو "الله "، وذلك لسببين:
الأول: ليس وصف "الجبلاوي "في الرواية بأنه مخلوق هو الوصف الوحيد الذي لا يليق بـ "الله "، فالجبلاوي في الرواية له صاحبة وولد، ويأكل ويشرب، ويرتاح وينام، ويتقدم به العمر، وله خدم وغرفة نوم، ويموت أو يُقْتل!! فلماذا يتمسك المنكرون بوصف "المخلوقية"وَيَدعُون ما عداه من الأوصاف "البشرية"؟!
أما السبب الثاني، فإن المؤلف لم يُعبر عن معنى واحد من معانيه "الجُوَانية"إلا بالرموز، وهذا ينطبق على قوله: "خُلقْتَ"وصفًا لـ "الجبلاوي"رمز الألوهية (الله) في الرواية. فليس ببعيد أن يَكون المؤلف قد أراد من "خُلقْتَ"معنى رمزيًا هو: "الوجود المطلق"، وليس الخلق بمعنى الإيجاد من العدَم، المقتضي لوجود خالق غير الله!وبهذا يتضح لنا وللقراء ضعف مستند "المنكرين"في الدفاع عن الأستاذ نجيب محفوظ وأولاد حارته.
ولدينا رد آخر يشمل الشبهتين معًا، وهو أن هذا كله إنما ذكره المؤلف بقصد التمويه على "القُراء"ليبعد عن نفسه التهمة التي أشرنا إليها من قبل، وهي نقده أو نقضه للتاريخ الديني النبوي، ووصفه بـ "الفشل"في الريادة والإصلاح تمهيدًا للإطاحة به -دفعة واحدة- ثم إحلال العلم الحديث "محله"!!.
* دفاع مضحك:
وقد قرأت -مؤخرًا- دفاعًا من نوع جديد لصاحب منصب "أدبي رفيع"ورئيس أضخم مؤسسة في مصر تقوم على نشر المعرفة تأليفًا، وترجمة، وهي من مؤسسات الدولة الرسمية.
صاحب هذا المنصب يُنْكِر أن يكون "الجبلاوي"في الرواية هو "الله".
أما دليل إنكاره فأعجب من العجب، وخلاصته هي:
"الجبلاوي "ليس هو الله في الرواية؛ لأنه -يعني "الجبلاوي "دائمًا يُقسمُ بالله، فكيف يكون هو الله، وهو- دائما يقسم بالله؟!
هذه خلاصة أمينة لما قاله هذا "الرئيس"!! قرأت هذا الكلام فأضحكني من الأعماق، ثم قلت:
وما المانع -يا حضرة الرئيس- فالله نفسه قد أقسم بنفسه وبصفاته، وببعض مخلوقاته، وجاء ذلك كله في كتاب الله العزيز:
أقسم بنفسه فقال: {تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: ٥٦].
وقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: ٢٣].
وقال: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: ١، ٢]. ! ....وقال في الإقسام ببعض مخلوقاته -وما أكثر إقسامه بها-: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: ١، ٢].
فهل يُسْتَدل -على طريقتك- بأن الله في القرآن هو ليس الله؟! لأنه أقسم بنفسه يا حضرة الرئيس؟!
فلو فُرِضَ أن "الجبلاوي"في الرواية يُقْسم بالله -دائمًا- كما زعمت فليس في ذلك دليل على أن "الجبلاوي"في الرواية لم يرمز به "صديقك"إلى الله!!
* ولكنه لم يُقْسم:
جارينا "حضرة الرئيس"جدلاً على أن "الجبلاوي"في الرواية يُقسم بالله -دائمًا- جاريناه لنُبطلَ استدلاله على أن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله"وها نحن قد أبطلنا هذا الاستدلال كما رأيت.
بيد أن الواقع أن "الجبلاوي"لم يقسم بالله ولا حتى مرة واحدة، ولا نصف مرة إن صح هذا التعبير. فالرواية على طولها الطويل (٥٢٢ صفحة من القطع الكبير) تخلو تمامًا من إقسام "الجبلاوي"بالله، بل وبغير الله.
اللهُم إلا مرة واحدة أقسم فيها "الجبلاوي"، ولكن بالطلاق وليس بالله؟!
فقد ذكر المؤلف عبارة أسندها إلى الجبلاوي صدرت منه -كما زعمت الرواية- في حالة غضب، بعد طرد إدريس (أي إبليس) من البيت الكبير، وحذر أهل البيت من السماح بدخول إدريس فيه. قال المؤلف على لسان الجبلاوي:
"الهلاك لمن يسمح له بالعودة، أو يعينه عليها، ورفع رأسه -يعني الجبلاوي- صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أُخرى:
"وطالقة ثلاثًا من تجترئ على هذا .. " (١).
هذا هو القسم الوحيد للجبلاوي في رواية "أولاد الحارة"!!
فهل هذا قسم بالله؟ ولو فرضنا جدلا أنه قسم بالله، فأين الاستمرار والدوام الذي عبَّر عنه "حضرة الريس"بأن الجبلاوي يقسم بالله دائمًا؟!
وأكاد أقسم بالله بارًا غير آثم أن "حضرة الريس"لم يقرأ رواية: "أولاد حارتنا"قط، ولو كان قرأها لما ورَّط نفسه في هذه الورطة "البلقاء"، ويبدو لي أن كل المدافعين أو جُلهم من هذا القبيل؟!
* إِمَّا هذا، وإِمَّا ذاك:
وهل درى هؤلاء المدافعون عن الرواية، الذاهبون إلى أن "الجبلاوي"في الرواية ليس رمزًا للأُلوهية "الله "، هل دَرَوْا بأن دفاعهم هذا يُورط "المؤلف"في عقيدة الإشراك بالله -سبحانه- وأنَّه -أي المؤلف- يدعو مع الله إلهًا آخر ليس له به علم، وما أنزل الله به من سُلطان؟!
* بيان ذلك:
فقد ثبت في هذه الدراسة على وجه "اليقين "أن أدهم هو آدم، وأن "جبل"هو موسى، وأن "رفاعة"هو عيسى، وأن "قاسم"هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا صحَّ أن "الجبلاوي"في الرواية ليس رمزًا لـ "الله"، فيلزم من ذلك وجود إله آخر اسمه "الجبلاوي "مع الله الواحد الأحد قيوم السموات والأرض؟!
.ويلزم أن هذا الإِله الوهمي هو الذي:
- أخرج آدم وزوجه من الجنة!!
- وطرد إبليس ولعنه!!
- وأرسل موسى وعيسى ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -!!
- ثم هو الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن!!
فما هو رأي هؤلاء القائلين بأن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله"بعد هذا البيان؟!
- إنهم -لا محالة- مُلْزَمون بواحد من أمرين كلاهما شديد المرارة:
- فإما أن يُقروا بأن "الجبلاوي"هو "الله"في الرواية، فيلزمهم أن يوافقونا على أن الرواية أساءت -كل الإساءة- إلى الذات العلية، وإلى الرسل الكرام، وسخرت سخرية لاذعة بالتاريخ الديني النبوي!!
- وإما أن يتمسكوا -جدلاً- بأن "الجبلاوي"ليس هو "الله"في الرواية، فيلزمهم أن ينسبوا "المؤلف"إلى عقيدة الشرك والعياذ بالله!!
أمران شديدا المرارة، وخيما العاقبة، فإما هذا، وإما ذاك، ولا ثالث لهما!! فاين المفر يا حضرات المدافعين؟
ثم ما رأيكم:
ثم ما رأيكم أيها السادة القائلون بأن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله":
ْأنصدقكم أم نصدِّق المؤلف نفسه؟ أعتقد أن تصديق المؤلف هو المتعين هنا؛ لأنه كاتب "النص الروائي"لا أنتم.
فقد تخيل المؤلف أن حديثًا دار بين "عرفة"وزوجته "عواطف"، فقالت. "عواطف"هانم لزوجها "عرفة"وهي تتحدث عن "الجبلاوي"بوصف "جَدنا":
"جَدُّنا من دنيا، ونحن من دنيا أُخرى" (١).
أليست هذه العبارة دليلاً قاطعًا على أن "الجبلاوي"مُغَاير مغايرة تامة لأبناء الحارة -أي أهل الدنيا- جميعًا، فمن يكون هذا "الجبلاوي"إن لم يُرد به المؤلف "الله"؟!
نحن وأنتم نعلم أن هذا الكلام هو كلام المؤلف نفسه، سواء أسنده إلى عواطف أو إلى غير عواطف من "شخوص"روايته، ونعود مرة أُخرى فنسألكم: أنصدقكم أم نصدق المؤلف؟!
وليست هذه العبارة هي وحدها التي فلتت من "جُوَّانيات"المؤلف، فكانت وصفًا صريحًا لائقًا بـ "الجبلاوي"المرموز به لـ "الله".
فقد سبق أن قال المؤلف على لسان جبل في وصف "الجبلاوي ": "ليس كمثله أحد من أولاد حارتنا، ولا من الناس جميعًا"!!
وقد ذكرنا هذه العبارة من قبل، ونظَّرْنا بينها وبين قول الله تعالى واصفًا ذاته العلية:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].
فهل -بعد هذا- يقال، أو يُصَدَّقَ إذا قيل: إن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله"؟
وإذا ثبت يقينًا أن الجبلاوي في الرواية هو "الله"وها هو ذا قد ثبت -فإنه يثبت- يقينًا - كذلك أن:
. - "أدهم"هو آدم عليه السلام.
- وأن "جبل"هو موسى عليه السلام.
- وأن "رفاعة"هو عيسى عليه السلام.
- وأن "قاسم"هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
- وأن "الحارة"هي الدنيا بأسرها.
- وأن أولاد الحارة هم الخلق من الإنس والجن، بل والملائكة.
ويثبت تبعا لهذا كله:
أن موضوع رواية "أولاد حارتنا":
المقدمة والفصول الأربعة:
أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم هو:
وقائع التاريخ الديني النبوي.
وأن الرواية قدَمت هذا التاريخ "المقدس"في إطار رمزي مغلف، وجعلته هدفًا للنقد الساخط أو "النقض "تمهيدًا للإطاحة به، وإحلال العلم الحديث محله في الريادة والتوجيه!!
* ملاحظاتنا على القسم الأول:
ولنا عدة ملاحظات على القسم الأول نسجلها فيما يأتي في إيجاز:
الملاحظة الأولى: تحريف الوقائع:
عرض المؤلف وقائع التاريخ الديني النبوي في الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم عرضا محرَّفًا مزوَّرًا:
ففي فصل "أدهم" -آدم عليه السلام- حرَّف كثيرًا من الوقائع، حيث جعل خطيئة آدم -مثلاً- هي محاولة الاطلاع على "كتاب الحجة"بدلاً من. الأكل من الشجرة، وجعل معصية إدريس -أي إبليس- اعتراضه على إسناد إدارة الوقف إلى آدم، بدلاً من امتناع إبليس عن السجود لآدم حين أمره الله به!!
وفي فصل "جبل" -أي موسى عليه السلام- جَعل التقاط آل فرعون لموسى من حفرة بدلاً من اليم، وجعل البئر التي سقى موسى أغنام ابنتي شعيب منها، جعلها صنبورًا أو حنفية مياه، وجعل "شعيب"هو الذي جاء إلى موسى بدلا من ذهاب موسى إليه!!
وفي فصل "رفاعة"جعل الحواري الخائن الذي أرشد اليهود على المكان الذي اختفى فيه عيسى عليه السلام امرأة كان عيسى قد تزوجها، وهى جاسوس عليه.
وجعل لعيسى أبًا هو "شافعي"، وعيسى عليه السلام ليس له أب.
أما في فصل "قاسم" -أي محمد (صلى الله عليه وسلم) - فقد كثر التحريف والتزوير. من ذلك الافتراء الصارخ على السيرة النبوية الطاهرة، حيث زعم أن "قاسم"كان بيَّاع بطاطة، وأنه ضُبط متلبسًا باختلاس ثمار الجوافة من حديقة يملكها آخرون، وأنه جرى في الشارع عريان والأطفال يتضاحكون حوله.
وأنه كان تلميذًا لورقة بن نوفل، وكان يناديه بـ "يا معلمي"!!، وأن خديجة تشككت كثيرًا في أمر الرسالة .. إلخ .. إلخ.
- وسبب هذا التحريف أمران فيما قدرنا:
أحدهما: حرص المؤلف على الاستفادة من وقائع التاريخ الديني النبوي في "رسم شخصيات الرواية"، وهذا أمر ظاهر جدًا في القسم الأول من الرواية.
أرجح الأقوال أن الرجل الصالح ليس هو نبي الله شعيب. والثاني: حرص المؤلف الشديد على إخفاء "جوانياته"، وعدم ظهورها للقُراء؛ لأن الرواية -كما عرفنا من قبل- أخضعت التاريخ الديني النبوي -وهو مقدس- للنقد والنقض معًا، وهذا أمر -لو ظهر- لقابله النَّاس بالاستنكار والاستياء، بل وبالغضب والسخط.
لذلك لجأ المؤلف إلى التعببر الرمزي أولاً ثم إلى تحريف الوقائع ثانيًا، ودار التحريف في الرواية على ثلاثة محاور:
الأول: استبدال الواقعة بأُخرى شبيهة بها من بعض الوجوه، ومختلفة في الوجوه الأخرى.
الثاني: بتر جزء أو أجزاء من الواقعة المراد الاستفادة منها في رسم شخصيات الرواية.
الثالث: زيادة جزء أو أجزاء مضافة إلى الواقعة، أو يأتي بحشو مُتَعمَّد قصدًا للتمويه على القارئ.
وقد مرَّت في غضون هذه الدراسة أمثلة عديدة لكل محور من هذه المحاور.
والاعتذار عن المؤلف بأنه يكتب فنًّا لا تاريخًا مرفوض مرفوض كما تقدم توضيح ذلك.
الملاحظة الثانية: الإِساءة إِلى الذات العلية:
لم توجه رواية "أولاد حارتنا"كمًّا هائلاً من الإساءة مثلما وجهت إلى "الجبلاوي"رمز الأُلوهية (الله)، وجاءت هذه الإساءات على لساني كل من إدريس الذي هو "إبليس "في الرواية، ثم قدري الذي هو "قابيل"أحد ابني آدم، وقاتل "هابيل"أخيه وهو "همام"في الرواية.
هذا بالإضافة إلى الأوصاف البشرية التي وُصفَ بها "الجبلاوي"في. الرواية كلها من التزاوج والإنجاب والاحتياج إلى "غيره"والأكل والشرب والراحة والنوم والشيخوخة، والاعتزال، ثم القتل والموت!! وكل هذه افتراءات تكاد السموات تتفطر منها وتنشق الأرض، وتخر الجبال هَدا.
* نماذج من سباب إِدريس:
إِدريس لأدهم:
- "اخرس يا كلب يا ابن الكلب"!! (١).
- "طغيان أبيك أنطقني بالحق"!! (٢).
- "طردني أبوك بدون حياء؛ فليتحمل العواقب"!! (٣).
* إِدريس يخاطب الجبلاوي:
"وتقبع أنت وحيدًا في بيتك، تبدل وتغير في كتابك كيف شاء لك الغضب والفشل!! وتعاني وحدة الشيخوخة في الظلام حتى إذا جاء الأجل فلن تجد عينًا تبكيك"!! (٤).
وحسبنا هذا القدر من بذاءات إدريس وإساءاته الموجهة إلى الجبلاوي، ذكرناها على سبيل التمثيل لا الحصر.
* نماذج من سباب قدري:
قدري لهمام:
"أؤكد لك أن جدنا -يعني الجبلاوي- شخص شاذ لا يستحق. .الاحترام، ولو كان به ذرة من خير لما جفا لحمه هذا الجفاء الغريب!! إني أراه كما يراه عمنا -يعني إدريس- لعنة من لعنات الدهر .. لقد نال هذه الأرض هبة بلا عناء، ثم طغى واستكبر"!! (١).
قدري لأدهم:
"هذا الرجل -أي الجبلاوي- أسوأ من ابنه إدريس"!! (٢) - يعني إبليس.
قدري لهمام:
"هل وعدك البلطجي الأكبر -يعني الجبلاوي- بالحماية"؟ (٣).
وحسبنا .. كذلك - هذا القدر من بذاءات قدري الموجهة إلى الجبلاوي، وما أكثرها، وعلم الله أننا مكرهون على نقل هذه "الكفريات"لأننا نريد أن نقنع القارئ الذي لم تتح له فرصة قراءة الرواية "أولاد حارتنا"بالحكم الذي سنراه مناسبًا لهذه الرواية المشئومة.
وفي ختام هذه الملاحظة نقول:
إن رواية "أولاد حارتنا"كان ينبغي عليها أن ترعى حرمة الجبلاوي هذا ما دامت قد رمزت به إلى "الله"، وهي مسئولة عن كل كلمة وردت فيها، سواء أسندتها إلى "شخوصها"أو "أشخاصها"، وهم جميعًا -الشخوص والأشخاص- أبرياء مما أسندته الرواية إليهم، أبرياء أمام الله، وأبرياء أمام الناس؛ لأنهم لم يقولوا حرفًا واحدًا مما نُسِبَ إليهم، ويعلم الله، وتشهد ملائكته وصالحو المؤمنين أن إبليس نفسه -فيما حكاه عنه القرآن- كان أكثر. .أدبًا مع الله من رواية "أولاد حارتنا"، وأعرف بجلال الله وعظمته من هذه الرواية الطائشة الرعناء!!
* الملاحظة الثالثة: الإِساءة إِلى رسول الإِسلام - صلى الله عليه وسلم -:
تحدثت الرواية بعد حديثها عن آدم عن ثلاثة من الرُّسُل الكبار: موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثها عن الرسولين الأولين موسى وعيسى عليهما السلام كان معتدلا نوعًا مَّا، فلم يرد فيه ما يسيء إساءة جارحة لأيٍّ منهما.
- أما حديثها عن محمد رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء مليئًا بالإساءة والتجريح إلى حد الافتراء في بعض الأحيان، فقد نسبت إليه الرواية اختلاس ثمار الجوافة، والجري في الطريق العام وهو عارٍ تمامًا من ملابسه مع تضاحك الأطفال عليه!!
وهذا افتراء محض وكذب صارخ على من أرسله الله رحمة للعالمين، وصانه من "العبث"في جميع مراحل عمره المبارك قبل البعثة وبعدها.
- ثم جعلته الرواية "بياع بطاطة"ينادي على بضاعته ويقول وهو "يزق"عربة يد "كارو":
"بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن"!!
وهذا كذلك افتراء خالص، وليس له سند من الواقع ولا من الوهم!!
- وجعلته الرواية مُغْرمًا بمعاكسة الفتيات يترصدهن في الطريق العام قبيل الغروب!!
- وجعلته الرواية كسولاً لا يحب العمل، ويخلد إلى الراحة والدعة حتى أكرهته السيد خديجة على العمل في إدارة أملاكها!!
- ثم أجلسته الرواية على "المقاهي"وسقته الـ ... على الجوزة!!