تأليف : محمد السويسي
"لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"
هذا الحديث يتمسك به الشعوبيين الأعاجم على محتلف الجنسيات والبعد لمساواة أنفسهم بالعرب ، وبالتالي التسلل الى الأمة العربية وتولي حكمها والسيطرة عليها وعلى مواردها ، دون استطاعة أحد التثبت من صحة هذا الحديث أو بطلانه ، إذ كتب بعد مئة وستون عاماً من وفاة الرسول الكريم .
ومن هنا سقطت الإمبراطورة العربية في العهد العباسي على غير تعاليم الإسلام لِتحَكَّم الأعاجم بها زوراً .. ولتنتهي ويأتي الأتراك من بعدها.
لذا فإن الحكم العثماني وما سبقه من أنظمة وسلطات ، كان لاشرعياً وباطلاً في كل مفاعليه في حكم العرب ، لعدم تولي العرب حكم الإمبراطورية الإسلامية بأنفسهم ، ولعدم تكلم سلاطين بني عثمان اللغة العربية وامتناعهم عن نشر اللغة العربية بين شعوبهم وفي جميع الولايات التابعة لسلطتهم بما يتعارض ولغة القرآن العربية .
لذا فإنه الخلافة العثمانية على بلاد العرب في مضمونها لم تكن سوى احتلالاً للأمة العربية عمل على تأخيرها وأساء اليها . إذ أن الخليفة العثماني أو التركي كان يجب أن يكون عربياً ، إذ لم يكن من الجائز على الخليفة العباسي التنازل عن الخلافة لأعجمي ، لتجاوز حد السلطة المخولة له دينياً مع إفراطه بحق العرب في الأرض والحكم والولاية ، لأن التنازل عن الولاية فيه تنازل عن الأرض خاصة وأنه حصل دون مبايعة من أصحاب الشأن ، خاصة في الجزيرة العربية .
وعليه فإن تولي الأتراك الخلافة في السلطة على العرب في العام 1519 ميلادية يتعارض وتوجه الدولة العربية الإسلامية التي وضع أسسها وأرسى دعائمها وفق شروط أساسية خليفة الرسول الثاني وإمام المسلمين الشيخ عمر بن الخطاب الذي جمع القرأن ومنع كتابة الحديث حتى لايطغى على النص القرآني الأصيل بما سمح بتسرب الأعاجم الى الدين الإسلامي والطعن به بالأباطيل المعادية له ، إذ اعتبر عمر بن الخطاب أن القرأن كاف لإدارة أمورالمسلمين من قبل الراسخين به ن ، وقد ترك لنا نهجه في ذلك في تولية الأئمة والقضاة وقادة الجيوش في سؤال وجواب ، كان فحواه النص القرآني والإجتهاد والقياس وليس الحديث على الإطلاق .
كما أنه حذر من إدخال أي عنصر عربي الى الجيش الإسلامي ، خاصة القادة والضباط وإلا فقدت الدولة قوتها وتراجع الدين الإسلامي الذي لايمكن أن ينهض ويقوى إلا على أكتاف العرب .وقد صدق في حدسه وتوجهه وتوجيهاته ، إذ لم تعان الأمة العربية وتتراجع قوتها وعنفوانها بما عليه الحال الآن ،إلا بعد ان وضع عليها الأعاجم والشعوبيين يدهم خلال الولاية العباسية فإذا بهم حاقدون على العرب يعملون بهم وبدينهم تهديماً وإضعافاً دون ان يأخذوا بهذا الحديث أو مضمونه أو أحاديث أخرى موضوعة إلا بما يتناسب ومصلحتهم وقد تجاهلوا النص القرىني تماماً ، رافضين أن يحصر الحكم والسلطة في العرب دونهم على بلاد العرب والمسلمين .
وكان أول تدخلهم وتسللهم للدين الإسلامي لتشويه صورته والعمل على تهديمه هو بكتابة الحديث بشكل خجول مع بداية الدولة العباسية ومن ثم لينشط بالتواتر بعد مئتي عام مع ضعف الخلافة العباسية وعدم قدرتها على تطبيق تعاليم الإسلام وقد استبدوا بوزاراتها وبلاطها ورئاسة الجند والأفراد والشرطة ، وشجعوا جماعاتهم على كتابة الحديث واجزلوا لهم العطاء في محاولة لتغليبه على النص القرأني والإكتفاء به بما يتلائم ووضع يدهم على السلطة والحكم تحت عنوان أنه "لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" .
ولو افترضنا صحة هذا الحديث فإن هذا لايعني تقدمهم على العرب في حكم بلادهم والفتيا والإجتهاد وتفسير القرآن ، بل أن المعنى واضح وهو أنه لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، أي في العمل الصالح الذي يجزى عليه الإنسان يوم القيامة وليس الحق في تولية أمور العرب .
ولولا أن الله قد فضل العرب على جميع الأمم وأعطاهم القيادة والنصر على الأمتين الفارسية والرومانية لما أنزل عليهم القرأن ولما أنزله باللغة العربية تكريماً لهم لما عندهم من شآمة وعنفوان ورحمة تفتقدها الشعوب الأخرى . ولقد أثبت العرب في حروبهم أنهم الأكثر رحمة وإنسانية في تعاملهم مع الأمم الأخرى بما لم يسبق له مثيل في التاريخ البعيد والقريب .
وهذه المفاضلة الصريحة والواضحة بين البشر نجدها في قوله تعالى :
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {النحل:71}،
وقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}،
وقال تعالى ايضاً : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:49-50}،
وحتى ان هذه المفاضلة لم تفرق بين الأنبياء والرسل في قوله تعالى :
"تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " (البقرة 253)
"ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " (الإسراء 55 )
ويؤيد ذلك في مايحكى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال:
فما شئتَ كان وإن لم أشأ... وما شئتُ لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت...ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت...وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد... وهذا قبيح وهذا حسن
لذا فإن تكريم انسان أو تفضيله عن آخر لايمكن الإعتراض عليه كما جاء في قوله تعالى :
"فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن " (الفجر:15-16)
إلا أن مايؤلم أن بعض غلاة المسلمين الجهلة قد استدرجوا من دعوات الشعوبيين الى رفض العروبة بحجة أنها لاتأتلف والدعوة الإسلامية ، أو بالأحرى بالمبادىء الإسلامية التي لاتفرق بين عربي وأجنبي إلا بالتقوى .
في ذلك جهل ليس بعده جهل لخطأ في التفسير لايأتلف والنص القرآني وسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولا نهج الخلفاء الراشدين والدولة الأموية وفجر الدولة العباسية من قبل أن يضع الشعوبيين يدهم على السلطة والحكم فيها ويعملوا فيها تفتيتاً وتخريباً .
إذ أثبتت التجربة على مدى التاريخ أنه لا يؤمن لشعوبي أو أعجمي في حكم العرب والحفاظ على مصالحهم وقد عانوا منهم الويلات .
لذا فإن الشعوبيين فسروا كلمة العروبة بانها الدعوة الى وحدة العرب بالعودة الى سيرة السلف الصالح بحصر السلطة بالعرب وفق توصية الخليفة عمر بن الخطاب بأنها دعوة الى القومية العربية ؟! مع ان كلمة القومية العربية تعني القوم العرب ولاتحمل أي معنى آخر بما انها تعتمد وحدة الارض واللغة والتاريخ المشترك .
ومع أن أمرها لايهمنا في موضوعنا هذا بما تسبب من إنقسام حاد في الرأي لقصور في الذهن والفهم العربي ، لاعتمادها التفسير الصهيوني والشعوبي الذين حملوها طابعاً دينياً على غير واقعها وحقيقتها ، إذ ماخص الدين بمضمونها ؟! وذلك دون نقاش ورد وتصحيح ، وقد استحكم الجهل في فهم معناها من بعض المختصين في شأن الدين دون القبول بتفسيرها من فقهاء اللغة العربية .
إلا أنها مع ذلك لاتنطبق مطلقاً مع مفهوم قوميات الشعوب الأخرى التي تعني العصبية حتى بين أبناء الوطن الواحد . وليس لتفسير كلمة القومية العربية ، اي القوم العرب ، أي مثيل لها أو شبه في تفسير اللغات الأجنبية إن في المعنى او الإتجاه ، إذ لامرادف مثيل لها في قواميس جميع اللغات الأجنبية بما يتطابق ومعناها الوحدوي ..
فالعروبة عندنا تعني إبن الجزيرة وابن مصر والشام والعراق وبلاد المغرب والسودان وكل من يتكلم العربية من المحيط إلى الخليج ، اي كل القوم العرب .
إلا أن الشعوبيين واليهود يرفضون هذا التعريف الوحدوي العروبي بتشويه مضمونه وتحريفه متهمين العرب بالأنانية والعصبية في رفضهم مشاركة الآخرين في حكمهم والتسلط عليهم تحت حجة ضرورة المساواة بين العرب والمسلمين من الأعاجم ؟!.وفي ذلك تجهيل للعرب واستخفاف بهم وتحقير .
إذ هل تقبل تركيا أن تحكم من العرب وهم اصحاب الرسالة الإسلامية ؟! وهل سمحت الإمبراطوية العثمانية لعربي ، خلال مسيرة حكمها للعرب على مدة خمسمئة عام ، ان يحكم الإمبراطورية العثمانية التي كان يقوم معظم سلطتها على البلاد العربية رغم تمسكهم بالحديث الشريف بأنه لافضل لعربي على أعجمي ؟!؟
وهل تسمح إيران وفق هذا الحديث الذي تتبناه أن تٌحكم بلادهم من قبل عربي وهي التي عملت على قتل الخليفة عمر بن الخطاب ؟
بالطبع لا ؟ إذن كيف ذلك ؟أيطبقون فحوى الأحاديث علينا ويمتنعون عن تطبيقها عليهم ؟!
إنه الجهل العربي بعدم التصدي لهذا التحريف والإفتراء في النهج الشعوبي بوضع الأحاديث الضعيفة وتفسيرها وإلزام العرب بها ، مما ادى الى ضياع الحكم من أيدي العرب وأن يُحكموا من قبل الشعوبيين مما أثر على إنتشار الإسلام ونهضة العرب وتقدمهم .
ومع ذلك فإن العرب لايتعظون من ماضيهم وحاضرهم وقد تسللت الأصابع الأجنبية والشعوبية والصهيونية بالباطل والمال الى جيوب بعض من تولوا التشريع بعناوين إسلامية على مدى التاريخ العربي نزولاً عند رغبة الحكام ، والدين منها براء .