هناك حالة تكتيم و تعتيم فُرضت علينا من أعضاء شبكة الفساد التى تدير قطاع النفط المصرى جعلتنا فى عُزلة تامة، لا ندرى الحجم الحقيقى لعمليات النهب المستمرة لمواردنا الطبيعية من قبل ثورة يناير بسنوات عديدة و حتى كتابة هذا التقرير. علينا الآن إقتحام هذه العُزلة و الإلمام بمعلومات كافية عن ما لدينا من ثروات وموارد طبيعية و الدراية بحجم بالفساد الذى يلتهمها كى نتمكن من إجبار الرئيس القادم -أىً كان- على إتخاذ قرارات صارمة لوأد الفساد.
الفساد أيضاً يشوب العقود الخاصة بإستخراج الغاز الطبيعى و هو عامل أساسى فى خفض معدلات إنتاج الغاز. مثال على ذلك، فى مارس الماضى-٢٠١٤- حينما طالبت شركة آباتشى لإستخراج الغاز مصر برفع سعر شرائها للغاز الطبيعى منها - أى آباتشى- و إلا فمعدلات إنتاج الغاز -المُنخفضة أصلاً- ستواصل الإنخفاض، لقد حدث ذلك و أنخفض حجم إستخراج الغاز بنسبة ٤,٨ مليون م٣ يوميا.ً
هل العقود المبرمة بين آباتشى و مصر تسمح برفع سعر شراء الغاز؟
إن لم تكن العقود تسمح بذلك، فلماذا إذاً الإستسلام من جانب مصر؟
بعد أن كان قطاع النفط يساهم فى دخل الخزانة العامة بمبلغ ٦,٥ مليار دولار سنوياً حتى عام ٢٠٠٦، أصبح الآن غارقاً فى ديون تتعدى ٦ مليار دولار. الديون هى مستحقات شركات الإستخراج الأجنبية طبقاً لما ورد فى تصريحات رئيس مجلس الوزراء السابق د/ حازم الببلاوى فى ٢٠١٣ حينما أعلن أن لدى مصر رغبة فى جدولة تلك الديون (التى يشوبها أيضاً حالة من الفساد). مستحقات الشركات التى تراكمت لدى مصر أدت إلى حالة ركود إستثمارى نتج عنه توقف عمليات التنقيب و تراجع معدلات الإنتاج.
أولاً بالنسبة لمدى تأثير توقف عمليات التنقيب، فهى أدت إلى عدم التطور الكمى فى إحتياطيات الغاز الطبيعى و البترول التى تُعتبر ضئيلة جداً حيث أنها ستكون غير متناسبة مستقبلاً مع الزيادة المستمرة فى معدل النمو السكانى و الإستهلاكى. إحتياطياتنا المُثبتة من الغاز الطبيعى تقدر بحوالى٢,١٩ تريلون متر مكعب فقط أى ما يعادل ٣٥,٧ عاماً مما إنتاجناه فى ٢٠١١ وهو ٦١,٢٦ مليار متر مكعب تقريباً، كذلك إحتياطياتنا من النفط تقدر بحوالى ٤,٣ مليار برميل فقط أى ما يعادل ١٦ عام من الإنتاج اليومى الحالى و هو ٧٣٠٠٠٠ برميل زيت خام. فى هذه العملية الحسابية تم تحويل نسبتى إحتياطى الغاز و البترول إلى مدة زمنية دون إضافة نسبة النمو الإستهلاكى المتزايدة سنوياَ و التى ستكون تراكمية تزايدية مع مرور السنوات، لذلك فإن تلك المدة الزمنية تُعتبر إفتراضية و المدة الزمنية الفعلية ستصبح أقل بكثير.
ثانيا بالنسبة لتراجع معدلات الإنتاج الحالية التى أصبحت تغطى أقل من ٨٠ فى المائة من إحتياجات الاستهلاك المحلى والتصدير. نسبة التراجع تعتبر نقطة أساسية فى أزمة الطاقة بشكل عام أدت إلى إنخفاض الصادرات و إرتفاع الواردات (كمحاولة لتغطية نسبة العجز فى الإستهلاك المحلى) و بالتالى توتر الميزان التجارى وعجز الميزانية حيث أن هذه العوامل أدت أيضاً إلى زيادة متواصلة فى واردات النفط تقدر بأكثر من ٢ مليار دولار سنويا. عوامل إنخفاض معدلات إنتاج الغاز الطبيعى أثرت أيضاً سلبياً على إنتاج محطات التسييل بل و أدت إلى إيقاف البعضٍ منها.
أزمة الطاقة فى مصر لم تكن تقتصر فقط على العجز فى إنتاج الكهرباء وهى تُعتبر إحدى أنواع الطاقة التى تواجه جزء من الأزمة المجحفة التى يواجهها قطاع الطاقة بشتى ألوانه.