Quod scripsi, scripsi
تركت وقائع ما حدث فى مدينة القدس فى عام 31 أو 32 أثرا عميقا على علاقات الشعوب والدول يمكن رؤيته حتى اليوم. فالثابت هو أن يسوع عندما وقعت الفتنة التى تصاعدت أحداثها حتى وصلت إلى الصلب أو الرفع كان واحدا من أفراد الشعب اليهودى فى تلك البلاد. وقد كانت التهمة المنسوبة إليه هى أنه إدعى أنه ملكا على اليهود. وتشير أحداث القصة المتناقلة عبر التاريخ إلى أن التهمة كانت ذات طبيعة سياسية حيث أن البلاد كات تحكم من قبل بونتيوس بيلاتس ممثل القيصر الرومانى والذى يمسك فى يده سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء. وبالتالى لم يكن من الممكن مرور إدعاء كهذا بلا محاسبة. فمقولة أن عيسى ملك على اليهود تعنى معارضة صريحة لسطة الإمبراطور الرومانى وهو ما كان يوجب عقوبة الإعدام فى ذلك الزمان.
وتمضى القصة لتشير أن يسوع عندما قبض عليه سئل إن كان هو ملك اليهود فأجاب بالإيجاب. وقد روى أن الحاكم بيلاتوس كان مترددا فى أمره فقرر عرضه على الشعب فى الميدان العام حيث حلت مناسبة أحد الأعياد التى يفرج فيها عن المساجين بعد قضاء مدة فى السجن. وقد قام بونتيوس بيلاتوس بسؤال الشعب عن الشخص الذى يستحق الإفراج وكان المرشحان رجلين، يسوع ورجل يدعى باراباس. وهنا هللت الجماهير الغاضبة فى الميدان صارخة أن من يفرج عنه هو باراباس وأن الحل مع يسوع هو الصلب. فقرر بونتيوس بيلاتوس النزول على رغبة الجمهور وأصدر حكما بصلب يسوع وأمر الحرس باقتياده للتنفيذ.
إلا أنه فيما بعد قد صرح أنه يغسل يديه فى ماء البراءة من دم يسوع حيث أنه لم يكن يريد ذلك وإنما كان الشعب هو من أراد ذلك. والشعب كان يهوديا فى معظمه.
وعندما جاء وقت التنفيذ أمر بيلاتوس بأن يسجل نوع الجريمة على أداة التنفيذ حسب التقليد الرومانى. فأمر بنقش عبارة عيسى من الناصرة، ملك اليهود.
(Iesus Nazarenus Rex Iudaeorum)
I N R I
ولعل بعض من سافر للخارج قد قرأها على أى صليب فى أى كنيسة فى أوروبا أو أمريكا فهى واسعة الإنتشار جدا، وهى تصف تهمة سياسية كما أسلفت.. مما يعتبر تهديدا لأمن الدولة..
وهذا هو سر إتهام اليهود طوال القرون بأنهم هم من تسبب فى صلب المسيح رغم أن الحكم كان رومانيا .. ولم يتعرض أحد بأى إتهام للرومان الذين أصدر واليهم على القدس بونتيوس بيلاطس هذا الحكم.. إذ أنه كما أسلفت أعلن أنه يغسل يديه فى ماء البراءة وأنه ليس المتسبب فيما حدث..
وقد طلب كهنة المعبد من اليهود الرافضين ليسوع، طلبوا من بونتيوس بيلاتوس أن يغير النقش الذى أمر بكتابته على الصليب من عبارة "ملك اليهود"إلى عبارة "يدعى أنه ملك اليهود"ولكنه رفض وقال عبارته الشهيرةأن ما كتب قد كتب وانتهى الأمر. Quod scripsi, scripsi
والواقع هو أن اليهود بسبب الكتابة التاريخية لما وقع (او لم يقع) فى القدس فى العام 31 بعد الميلاد من جريمة صلب كانوا يعتبرون شعبا محملا بالذنب التاريخى الذى لا يمح ولو مرت آلاف السنين. وقد رأينا كيف تم طمس حقيقة أن من قام بإصدار الحكم وتنفيذه هو الحاكم الرومانى الذى كان يحكم باسم الإمبراطور الرومانى، بل أن تهمة المسيح كانت الإدعاء بأنه ملك على اليهود، وهى تهمة سياسية فى طبيعتها. حتى أن تهمته قد نقشت على الصليب الذى تم التنفيذ عليه.