كانت حفلة تكريمية ناجحة جداً، يوم السبت 6-7-2014 بمنهاتن، أشكر منظميها ولاسيما: الاخ الأستاذ عبد الفتاح شبانة صاخب الفكرة والصالون والأخ الاستاذ علاء المهداوي صاحب المحل المتميز وسط منهاتن والأخ الأستاذ عصام البدري، وبحضور نخبة متميزة منهم: السفير د.محمد الحاج حمود، ممثل العراق لدى الأمم المتحدة سابقا، ود. شاكر الجنابي ود.نبيل عبد العال، د. حافظ الميرازي، والشاعرة أفين ديركي والاستاذ صلاح سالم، والأستاذ محمد السطوحي، ود. عاطف البيلي ود. محمد سعيد الوافي،وعدد من السيدات وغيرهم .
الإنسان العربيّ سجينُ سلطات متعددة ، سواء رسميّة أو مجتمعيّة، ثقافيّة ودينيّة، خارجيّة و ذاتيّة، وكلها تتعاونُ وتتفاعلُ للتأثير المركبِ على طريقة تفكيره ثم على سلوكه الاجتماعي والسياسي وتصرفه ونظرته إلى الأمور، مما يضعه في حلقة مفرغة، تعيد إنتاج فشله في اللحاق بركب الحضارة العالمية الحديثة المتفجرة.
العقلُ العربيّ سجينُ قَهره الاجتماعيّ الذي يفرضُ عليه أن يُفكِّرَ ويتصرَّفَ ويسلكَ تبعًا لِمُستلزماتٍ ومُحدَّدات ومسلمات العقل المجتمعيِّ السائد. والمفارقة الكبرى أن الإنسان العربي يخضع لهذه المسلّمات القاهرة دون وعي، بل تصبح جزءاً من عقله الواعي، يدافع عنها ويتزايد عليها باعتبارها تمثلُ قيـَّمه الخاصة
ولئن نتحدث عن احتمالات انقراض العرب كأمة، أرجو أن لا يفسره البعض بأننا نريد للعرب هذا المصير، لاسمح الله، بل أننا على العكس من ذلك نحاول دق ناقوس الخطر وتنبيه العرب إلى هذا الاحتمال الممكن ولو على المدى البعيد، إذا واصلوا مسيرتهم التخلفية الحالية بكل ما تتضمنه من خيبات وصراعات دموية داخلية وبينية مستمرة منذ سنوات طويلة
وأرجو أن لا يُفهم من ذلك أن العرب يمكن أن ينقرضوا كمجموعة بشرية، بل قد ينحدرون تدريجيا نحو الاندثار، كـ"وحدة مجتمعية متجانسة "تتحدث لغة عربية واحدة وتتميز بثقافة مشتركة وتاريخ أو تراث مشترك، فضلاً عن مشاعر وطموحات وتطلعات مشتركة؛ هذه الخصائص التي ظلت تنعكس في مشاعر وضمائر العرب في كل مكان تقريبا، من الوطن العربي الكبير، منذ ظهور الفكرة القومية العربية، التي تعني أن عناصر الدولة/الأمة كامنة في العقل المجتمعي العربي، لاسيما منذ مطلع القرن العشرين؛ أقول هذه العناصر ستتآكل تدريجياً، إذا استمر الحال على هذا المنوال. مع أننا في المؤتمر القومي العربي نكافح بضراوة لإنقاذ هذه الأمة من هذا المصير، ولاسيما من خلال الدعوة لتفعيل "المشروع النهضوي الحضاري العربي"، الذي وضعه المؤتمر هدفاً أساسياً لتحقيقه.
ومن جهة أخرى قد يتحقق الانقراض عن طريق تسرب عناصر غير عربية في جسد الأمة، بالاستيلاء على الأرض العربية تدريجياً كما يحدث اليوم في فلسطين. ويمكن أن يحدث في العراق حيث يوجد لليهود تاريخ طويل ومعقد. ولاننسى أن الحق لا يثبت إلا بالقوة عادة. ففي وقت تزداد إسرائيل قوة مادية ومعنوية: علمية وتكنولوجية وبالتالي عسكرية واقتصادية، بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية، يزداد العرب ضعفاً وتخلفاً وانبطاحاً، مما سيؤدي إلى سيطرة إسرائيل التدريجية على مختلف مفاصل المال والاقتصاد العربي الذي سيغدو تابعاً للحليف الجديد. (من كتابي الجديد : العرب بين الثورة والانقراض).
من كتابي:
أهمَّ ما يُواجهُنا في فلسفة ابن خلدون التاريخيَّة أنَّه أوَّلُ مَن نظرَ إلى المجتمع باعتباره يُمثِّلُ كيانًا ديناميكيًّا مُتطوِّرًا، وذلك خلافًا لِما تصوَّره الفلاسفةُ الأقدمون، مثل أفلاطون وإخوان الصَّفا والفارابي، الذين كانوا يعتقدون أنَّ المجتمعَ يُمثِّل بناءً هندسيًّا إذا استقام تصميمُه، حافظَ على كيانه وروعته على اختلاف المَواطن وتقلُّب الأزمنة. لذلك وضع أفلاطون “جمهوريَّته” والفارابي “مدينته الفاضلة”، كما وضع ابنُ باجة كتابه في “تدبير المتوحِّد”. إلاَّ أنَّ ابنَ خلدون يعتقد أنَّ المجتمع، شأنه شأن الكائن الحَيّ، يُمثِّل كيانًا متطوِّرًا ينشأ صغيرًا، ثمَّ ينمو ويزدهر، ثمَّ يأخذ في الذواء والانحلال. وفي غضون ذلك يتعرَّض إلى عواملَ ومُؤثِّرات متعارضة ومتفاعلة ومتداخلة، تعمل على توجيه مسيرته، فلا يصحُّ التفكير في مجتمعٍ فاضل تختفي فيه جميعُ المشاكل، ويعيشُ فيه جميع الناس في سعادة دائمة.
حاول الإسلامُ أن يقضيَ على مُعظم القِيَم والأعراف المُتخلِّفة التي كانت معروفة عند البَدو في الجاهليَّة، ومنها الثأر، فقال: "ولا تِزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى" (فاطر:18)، وعلى العصبيَّة القَبَليَّة، فقال: "إنَّما المؤمنونَ إخوة " (الحجرات: 10)، و"لا فَضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ إلاَّ بالتَقوى" (حديث)، وعلى وأدِ الأبناء، فقال "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " (الإسراء: 31). بيدَ أنَّ العرب لم يتخلَّوا عن كثيرٍ من قِيَمِهم البَدويَّة حتَّى ما بعدَ الفَتح الإسلاميّ، ومنها العَصبيَّة القَبَليَّة التي ظلَّت سائدةً بشكلٍ واضح، وتَجلَّت في النزاع الدَّمَويِّ على الخلافة، فضلاً عن السلوك العامّ. يقول أحمد أمين: “...وصرنا نسمع العربيّ يفتخرُ بقَبَليَّته في الإسلام، كما كان في الجاهليَّة (من كتابي الأخير).
تتمة لمحاضرتي الأخيرة في الصالون الثقافي للأستاذ شبانة:(في7/6/ 2014):
روى لنا أستاذنا السابق، في علم الاجتماع، الدكتور"علي الوردي"، حادثـاً طريفاً يعبـِّر عن مدى احتقار العرب للعمل المنتج للمنفعة، مما يدل على تجذّر قيم البداوة في العقل المجتمعي العربي . فـقد شتمَ الملك عبد العزيز بن سعود أحدهم بقوله: "يا ابن الصانع". وسمعتْ زوجتـُه بذلك، فعادت إلى أهلها قائلة: إنني لا أستطيع أن أعاشرَ أحداً من أبناءِ الصنـّاعِ، وأنا من أبناء العشائر. ونـُلاحِظـُ أنَّ اليدَ العاملة الأجنبية أصبحتْ تشكل نسبة كبيرة جدا من السكان في الخليج، تفوق عدد السكان الأصليين أحيانا. وإلى وقت قريب، كانت لا تزالُ أَصنافٌ من المِهن مُحتَقَرة لدى بعض المجتمعات في العالم العربيّ، مثل مِهَن الحائك والحلاَّق والمُعلِّم. وكلمة "المِهْـنـَةِ"نفسها مُشتـقـَّة من فِعل مَهُنَ، أي حَــقـُرَ وضعُفَ. ويُحلِـلُ الهادي شقرون، في كتابه"نقد العقليـَّة العربية"، آثارَ ومضارَ هذه الظاهرة ويستذكِرُ شواهدَها الكثيرة التي ما بـَرِحَتْ ماثلة ً وعاملة ً حتى يومنا هذا. وهكذا نظل نتمرغ في مستنقع التخلف الحضاري.