أشرت إلي أهمية التشكيل الوزاري الحالي، ذلك أن القوم يصغون ويرقبون كيفية الاختيار، ونوعية المختارين، وأكدت علي ضرورة وضع مقاييس أساسية أهمها الكفاءة، النزاهة، الوطنية بالطبع، إنها الوزارة الأولي في ولاية الرئيس المنتخب، من المهم جداً تأكيد القيم الموضوعية واختيار الأكفأ، ورغم ثقتي في مقاصد رئيس الوزراء ونواياه، إلا أن الطريقة التي أديرت بها الأمور، تعكس استمرار الرؤية القاصرة القديمة وسلبياتها.
أبدأ بالإخفاء، لا أدري الحكمة من الالتزام به، يحضرني هنا ترشيح سفير الولايات المتحدة إلي مصر، قرأت أنه سيمثُل أمام الكونغرس ليستجوبه الأعضاء ويقفوا علي رؤيته ومهارته، لماذا لم يدع رئيس الوزراء المجلس الأعلي للثقافة علي سبيل المثال ويقف أمامهم المرشحون لتولي منصب الوزارة التي أري أنها في أهمية الوزارات السيادية. جوهر قوة مصر ثقافتها، الاختيار الدقيق هنا ضروري لمرحلة جديدة، نفس الموقف بالنسبة للإعلام، سواء استمرت الوزارة ـ وهذه مخالفة للدستور ـ أو أُنشئ المجلس القومي للإعلام، الإخفاء لا ضرورة له، خاصة أن التسريبات أثارت البلبلة والإحباط، بل الإهانة لأن بعض الأسماء التي ترددت بقوة ليس لها كفاءة ولا خبرة، بل يحيط ببعضها شُبهات. تؤكد الطريقة شخصنة الاختيار، سواء تم من رئيس الوزراء أو من أي شخصية أخري، تردد مثلاً أن الرئيس السابق أوصي علي هذا، وأن ذاك معرفة قديمة، مقاييس مملوكية.
أما رئيس الوزراء فقد أصبح خفياً، حتي مكان إقامته مجهول، من فندق في مدينة نصر، إلي عمارات عثمان في المعادي، إنها نفس الرغبة الناتجة عن متعة ممارسة السلطة، والتي تبدو عند بدء الولاية الجديدة في الزيارات المفاجئة من المسئول الأعلي إلي الموظفين الأدني، منطق «بخ.. أنا الوزير» عندئذ يرتعد الموظف الصغير خوفاً أو متظاهراً بالخوف، وشيئاً فشيئاً يُشبع المسئول الكبير رغبته وتتوقف الزيارات المفاجئة. نفس المنطق في الإخفاء، تأكيد الحضور وأن العملية كلها تتم من خلال شخص واحد، يختار هذا ويُقصي ذاك، الأمر الأخطر أن العملية استغرقت وقتاً طويلاً، كان المفروض إعلان الوزارة والفريق الرئاسي خلال ثمانٍ وأربعين ساعة علي الأكثر، كان المفروض وجود تصور سابق علي التكليف الجديد للوزارة بالاستمرار، وقبل قَسَم اليمين، هذا يعني غياب الرؤية، وهنا أستعيد طول المدة الزمنية الفاصلة بين ثورة الثلاثين من يونيو وتنفيذ الاستحقاقات الثلاثة والتي لم يتم منها مجلس الشعب حتي الآن، كان ممكناً أن يتم هذا كله في أربعة أشهر علي الأكثر، ولكن طول المدة استنفد جزءاً من الطاقة الروحية للشعب، وأسلوب تشكيل الوزارة واختفاء الوزير الأول وفجاجة بعض الأسماء، تسبب في وجود إحباط ويأس من العهد الجديد والوضع العام، بينما تُبحر مصر في بحيرة من اللهب والأخطار