من المستطاع رؤية الأمر نفسه من زاوية اخرى، ربما تكون أكثر إثارة. من هي المنتخبات التي خرجت من الدور الأول في مونديال البرازيل 2014، خصوصاً تلك التي أثار خروجها كثيراً من الآهات والكلام وعبارات التعجب ومصطلحات التفّجع، إضافة إلى كثير من البكاء على الأطلال، وهو بكاء أوروبي يدل إلى أن العرب ليسوا متفرّدين في الرغبة في البكاء على ما فات!
خرجت انكلترة. كم لاعباً معولماً، بمعنى أنه من مُكوّن مُهاجر ومعولم، في المنتخب الإنكليزي الذي أطال بعضهم البكاء على أطلاله، على رغم أن تلك الأطلال ربما غير موجودة أصلاً! لماذا؟ لأن المنتخب الإنكليزي ليس من أصحاب السجلاّت الكبرى في المسابقات الكروية العالميّة، بل أن المرّة المفردة التي أحرز فيها كأس العالم كانت على أرضه في "ويمبلي"وهي شكّلت "مرجعاً"في الفساد، بسبب الهدف الملغي للألماني غيرد مولر على رغم أنه صحيح، والانحياز الفاضح للتحكيم في تلك المباراة، بل كثير من مباريات ذلك الفوز اليتيم.
لنعد إلى العولمة. أين هي في تركيبة المنتخب الانكليزي الذي لم يضمّ إلى الآن باكستانيين وهنود، على رغم شدّة حضور هؤلاء في انكلترا، بل أن عدد لاعبيه في النوادي الأوروبية هو أقل من أن يذكر!
ينطبق وصف مطابق، بل أكثر حدّة على المنتخبات الآسيوية الأربعة (استراليا، إيران، اليابان وكورية الجنوبيّة) التي ودّعت مونديال البرازيل في الدور الأول. أين هي المُكوّنات المُهاجرة في المنتخب الأسترالي، على رغم أن "بلاد الكنغرو"مملؤة بالمهاجرين، بل هي من نقاط جذبهم عالميّاً. كم لاعباً استراليّاً يلعب في أوروبا أو حتى في آسيا؟ لا تمثّل إيران نقطة جذب لهويات مُهاجِرة، لكن أين هم لاعبوها في الأندية العالميّة؟ مال المنتخب الإيراني بثقله على أشكان الآتي من أندية أوروبا، لكن أداؤه المميّز لم يكن كافيّاً ليحمل الفريق بأكمله. وينطبق وصف مشابه على منتخبات اليابان وكورية الجنوبيّة.
وإذ توصف كرة القدم في البرازيل بأنها من عوامل الوحدة الوطنية في بلاد السامبا، فإنها كانت مساحة لصراع المُكوّنات الأساسيّة في إسبانيا. ألم تصبح انتصارات نادي برشلونة صيحات استنفار بانفصال المُكوّن الكاتالوني عن إسبانيا؟ ثمة نقطة مهمة. في البرازيل، تظهر العولمة في كثرة اللاعبين المحترفين في نوادٍ أوروبية، وكذا الحال بالنسبة لأرجنتين، بل يتنافس البلدان على مرتبة الصدارة في "تصدير"اللاعبين الدوليين المحترفين في الغرب.
وإذاً، يكون اللعب في المركز الغربي، وهو قلب العولمة، هو المؤشر الأبرز على العولمة بالنسبة للاعبي منتخبات العالم الثالث، ونموذجها الأبرز هو أميركا اللاتينية وأفريقيا.