الوقود الأُحفورى بمشتقاته الثلاثة فحم، غاز طبيعى و بترول هو أهم و أرخص المصادر التى تستخدم فى إنتاج أنواع عديدة من الطاقة و كان و لا يزال هو الداعم الأكبر للتنمية بشتى مجالاتها على مستوى العالم، يلعب دوراَ أساسياً فى إنتاج الطاقات المختلفة حول العالم حيث يساهم فى إنتاج حوالى ٦٧ فى المائة من إجمالى الطاقة التى يستهلكها سكان العالم. مصر هى جزء لا يتجزء من هذا العالم و الغاز الطبيعى و البترول يساهم لديها بنسبة ٨٨ فى المائة لتوليد الطاقة الكهربائية التى تُعد مصدراً حيوياً و هاماً لإنتاج الطاقة الضوئية و الحرارية و الحركية و إلخ.
أزمة الطاقة فى مصر ترجع إلى فساد نظام مبارك الذى كان يقوم بإلتهام عوائد ثرواتنا المحدودة من الغاز الطبيعى و إهدارها، كان يزود إسرائيل بحوالى ٧ مليار م٣ من الغاز الطبيعي سنوياً أى ما يعادل ٨,٣ فى المائة مما ننتجه نحن و هو ٥٨ مليار م٣ تقريباً. البيع لإسرائيل كان بسعر ١,٢٥ دولار لكل ٢٨ م٣ تقريباً من الغاز الطبيعى. الإهدار أيضاً كان يتمثل فى بيع كميات الغاز التى تُصدر إلى أسبانيا و إيطاليا لشركة بينوسا بسعر٧٥ سنتاً لكل ٢٨ م٣ تقريباً. و هناك الكثير و العديد من أمثلة الإهدار و النهب تحدث و لا يزال يتحدث عنها بالتفصيل د/إبراهيم زهران.
ننتج ٥٨ مليار م٣ غاز طبيعى و نستهلك محلياً حوالى ٤٧ مليار، عمليات الإنتاج و إستيراد و تصدير الغاز طبيعى بها حصحصات و مجاملات و سمسرة و عمليات نهب و تهليب يتم من خلالها الإستيلاء على هذه الثروة التى كانت من الممكن أن تنهض بالقطاع و تساهم بقدر كبير فى إنعاش الإقتصاد المصرى.
كل ما يطفو فوق السطح من أزمة الطاقة أمام المواطن الكادح هو إنقطاع التيار الكهربائى. نسبة العجز فى إمداد المولدات الكهربائية بكميات الوقود اللازم لم تكن هى السبب الوحيد فى إنقطاع التيار الكهربائى. القدرة إلإنتاجية لمحطات التوليد يُفترض أن تكون ٣٠٠٠٠ ميجا وات يومياً لكن الحجم المُستهدف إنتاجه هو حوالى ٢٦٠٠٠ ميجا وات يومياً بينما ينخفض حجمه كإنتاج فعلى إلى ١٨٠٠٠مج وات بنسبة عجز تُقدر بحوالى ٨٠٠٠ مج وات يومياً. السبب الأول يرجع بالطبع إلى العجز فى إمدادات الوقود و الثانى هو أنه لدينا شبكة كهرباء منخفضة الكفاءة تتسبب فى فاقد سريان تيار بنسبة ١٠,٦ فى المائة من إجمالى الإنتاج الفعلى.
الكهرباء و المحروقات يتم دعمها و مع نهاية هذه السنة المالية ٢٠١٤/٢٠١٣ نكون نحن المصريون حيث معظمنا من الفقراء و المهمشين وغير المتعلمين قد دعمنا الطاقة بحوالى ١٣٠مليار جنيه. بيانات البنك الدولى توضح أن الميسورين من الشعب حصدوا ضعف ما يحصده الفقراء من دعم الطاقة فى مصر. الميسورون من الشعب كأصحاب مصانع و متاجر و مزارع و مشاريع فى مختلف المجالات -تتحصل الدولة منهم على حفنة جنيهات كضرائب- إلتهموا ثلثى المبلغ المُخصص لدعم الطاقة. لذلك، إذا لم يتم عمل إصلاح شامل لمنظومة دعم الطاقة حتى يصل الدعم لمستحقيه، ستزداد فاتورة العام المالى ٢٠١٥/٢٠١٤ بنسبة ١٢ فى المائة و ستكلفنا ١٤٥,٦ مليار جنيه.
حلول أزمة الطاقة فى مصر لا يمكن حصرها فى ترشيد إستهلاك الكهرباء بلمبات موفرة، التى من الممكن أن تلعب دوراً بحل جزء صغير جداً من الأزمة مقارنة بحجمها، و الحل الفعلى لا يمكن أن تجده لدى الكادحين الذين لم ينالوا حقهم من الدعم كما ينبغى. الحل الجذرى سيكون متواجداً لدى الفاسدين الذين سيطروا و أهدروا و ألتهموا ثروات و مقدرات الوطن، الذين تشكلوا و أستحوذوا على كل الوزارات والهيئات، الحائزون على مرتبات ذات أرقام فلكية و الصناديق الخاصة المُكدسة بالمليارات التى تم حجبها عن الكادحين. الحل متواجد لدى الذين أفسدوا و أفشلوا الدولة و جعلوها مُترهلة.
الدولة الإفتراضية المُترهلة الفاسدة الفاشلة لا يمكن أن ترتقى لحل أى أزمة بما فيها أزمة الطاقة.
حل الأزمة يتطلب إرادة دولة قد أُعيد بنائها، دولة مشدودة البنيان قائمة على نظام مؤسسى، يحكمه دستور و قانون. إذا وُجدت إرادة الدولة فى القضاء على الفساد داخل قطاع النفط فسيلزمها فرق عمل مكونة من الشرفاء المتخصصين فى هذا المجال تقوم بعمل دراسات مُحايدة لكشف كل أعمال الفساد داخل مجالات القطاع، ما أكثر هؤلاء الشرفاء، حبذا أن يكون معظم أعضاء فرق العمل من شباب الباحثين فى مجال النفط، تُتاح لهم إمكانيات عالية التقنية ملائمة لإنجاز هذه الدراسات، شباب قوى البنيان قادر على التحرك فى ورش عمل مُتحضرة مُتنقلة تصل إلى كل منابع الإستخراج و معامل التكرير و الإسالة مع القيام بعمل تحقيقات بحثية شاملة مع و عن شركات الإستخراج و شركات الإستيراد و التصدير. على صعيد آخر يكون هناك ورش عمل تقدم تحقيقات و أبحاث شاملة عن النواحى القانونية الخاصة بالتعاقدات و حقوق الإمتياز و ورش عمل أخرى تُقدم تحقيقات و أبحاث عن الشق الإقتصادى. إذا تم إنجاز و إتمام هذه العمليات البحثية الشاقة ستكون لدى الدولة قدرة على إزاحة كل الفاسدين من القطاع و من ثم مُحاكمتهم. من هنا سيكون لنا القدرة بإذن الله تعالى على النهوض بالقطاع و حل أزمة الطاقة.
و لا يزال للحديث بقية لدى الدكتور/نايل شافعى الباحث فى مجال النفط و عن ثرواتنا المحجوبة عنا و التى تكمُن فى باطن قاع البحر المتوسط و الهميونية الجغرافية المُفتعلة إقليمياً و التى تُعد بمثابة حائل بيننا و بين ثرواتنا فى شرق المتوسط.
لدينا أيضاً ثروة تُقدر بحوالى ٥٠٠ تريليون قدم٣ من الغاز الصخرى الذى يكمُن فى أربع أحواض بِكر فى الصحراء الغربية. حجم الإحتياطى فى تلك الأحواض ليس بكبير و لكنه يُعتبر حل مستقبلى لأزمة الطاقة فى مصر أود الحديث عنه فى القريب العاجل بإذن الله.
↧
أزمة الطاقة فى مصر (٣) ، الجزء الأخير
↧