تأليف : محمد السويسي
يتألف الكون بما فيه الإنسان والحيوان والحجر والنبات والهواء والكواكب والنجوم وكل مانستشعره أو نراه ، إن باللمس او الشم أو النظر، بما فيه الماء والهواء والضؤ والنار، يتألف ويتكون من ذرات بالغة الصغر لاترى بالعين المجردة بحيث أن الملايين منها قد تجتمع على راس دبوس هو بمثابة ملعب كرة قدم بالنسبة لها . فأنت عندما تمشي لست سوى مجموعة أو كتلة متراصة من الذرات المتجمعة من عناصر متنوعة متعددة، أهمها الكالسيوم والحديد والكربون ، وهي مواد نجمية ، من أصل إثنان وتسعون عنصراً تملأ الأرض وتترابط فيما بينها في مواقع عدة لتكون مركباً كيمائياً يعطيها مظهراً آخر، كما الماء الذي يتكون من إتحاد ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين ، فانتقل بذلك من حالة غازية غير منظورة الى مادة سائلة منظورة وملموسة لالون لها .
وكل هذه العناصر الذرية باستثناء الهيدروجين وبعض الهليوم كانت قد "طبخت"في نوع ما من السيمياء النجمية قبل مليارات السنين فى مجاهل النجوم وفق تفاعلات نووية حرارية . فالهيدروجين الذي يشكل معظم الكون يندمج مشكلاً الكربون ، والكربون يندمج مشكلاً الأوكسجين ، وبعد ذلك تتعاقب في النجوم الكبيرة إضافات لنوى أخرى من الهليوم ، فيتشكل النيون ، والمغنيزيوم ، والسيليكون،والكبريت ..الخ . وتتم هذه الإضافات على مراحل ، بمعدل بروتونين ونيوترونين في كل مرحلة ، وتستمر هذه العملية وصولاً إلى الحديد .
فالذرة هي حجر الأساس في بناء الكيميائية والمادة بشكل عام ، وهي أصغر جزء يمكن الوصول إليه ويبقى كما هو أثناء التفاعلات الكيميائية .وبذلك فإنه عند الوصول لأي ذرة توجد بمفردها فإن هذه الذرة تعبر عن عنصر معين . وكل عنصر متفرد بعدد البروتونات الموجودة في نواة ذلك العنصر . وكل ذرة لها عدد من الألكترونات مساو لعدد البروتونات ، وفي حالة عدم وجود هذا التساوي تسمى الذرة بالأيون . ويمكن لذرات نفس العنصر أن تحتوى على عدد مختلف من النيوترونات . والذرات التي لها أعداد مختلفة من النيوترونات تسمى نظير هذا العنصر.
أما مالذي يعطي لكل ذرة شخصيتها ويميزها عن مثيلاتها لمواد أخرى ، فلا يندمج مثلاً الخشب مع الحديد ولا القماش مع الذهب ، كما مواد أخرى متعددة لاتنتهي مع تشابه الذرات في الشكل ، فلأن هناك أختلافات في المحتوى ؛ فنواة كل ذرة تحتوى نواة أخرى أصغر منها ، وهكذا دواليك بارقام لاتنتهي ولايمكن احتسابها ؛ كمن يقف أمام مرأة وخلفه مرأة أخرى فيرى تكراراً لوجهه وجسده الى مالانهاية .
وهكذا النواة ، إلا أن تكرارها يحمل مهمات عدة كالبصمة الوراثية بحيث لاتتشابه دور ومهمات ذرة مادة ما مع ذرة مادة أخرى مما يعطيها شخصيتها المستقلة . كما وأن لكل حقلها المغناطيسي الخاص بها واختصاص اللون والطعم والرائحة بتأثيراتها على الألكترونات واتحاد مادة ما أو اندماجها مع مواد أخرى لتشكيل حالة جديدة وفق مناخ ملائم لحالة كل مادة .
وهذه البصمة الوراثية هي التي تحدد نوع النباتات والزهور والروائح والعطور والألوان وسائر المخلوقات على وجه الأرض والفضاء وسائر الكون .
وهكذا فإن الذرة على دقة حجمها المتناهي في الصغر ، إن في الأرض او جسم الإنسان أو الحيوان أو الهواء أوالماء ، أو في أي مكان فإن تركيبتها وفق البصمة الوراثية أشبه بآلة مسجلة وكاميرا تلفزيونية تصور كل ماحولها إلى ماشاء الله .
ولو استطاع الإنسان أن يتوصل الى فك تركيبة الذرة وكيفية تشغيلها لاستحضر التاريخ القديم والبعيد من حبة رمل في سرد شيق بالصوت والصورة لكل ماجرى من أحداث ؟!
وكذلك لو أخذت ذرة من شخص ميت قبل مئات أو ألآف السنين لسردت كل حوار تحدث به هذا الإنسان مع الآخرين ومع نفسه طوال حياته مع صوت وصورة ؟!
فهل يتوصل الإنسان الى شفك شيفرة الذرة ليعيد كتابة التاريخ بالإستماع للعظماء والقادة بأخذ ذرة من جثامينهم أو ذرة عن الأرض من حيث مسقط رأسهم .
لذلك ستشهد ذرات الإنسان عليه يوم القيامة بالصوت والصورة وفق قوله تعالى :
"يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون".