تأليف : محمد السويسي
التلاعب بالعقول ينطلق من مبدأ الخداع وتغيير الحقيقة والواقع بحجج ومفاهيم خاطئة تعتمد على المراوغة والكذب والإحتيال تصدر عن مجموعة أو عن شخص ما لإقناع شخص آخر غالباً ما يكون قليل الخبرة والتجربة ، وهو علم قديم قدم الإنسان منذ أن خلق .
وأول من مارسه بمكر وغباء هو إبليس عندما خدع آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها ، وإلا تعرضا للعقاب الشديد فأزلهما عنها فأخرجهما مما كانا فيه من نعيم مقيم إلى الأرض حسداً منه لهما بما كرمهما الله في تسخيره الجنة لهما قبل أن يتلاعب الشيطان بهما ويضللهما ويتسبب بطردهما منها. إلا ان الإنسان لم يتعظ بما حل به مع نزوله من نعيم الجنة إلى جحيم الأرض إذ لازال الكثير من البشر يتبعون خطوات الشيطان المؤذية وقد تفوق بعضهم عليه في سؤ التعامل فيما بينهم والإضرار بالآخرين إلى حد تبنى أفكاره وخطواته من كتاب مشهورين عالميين غربيين ، ولاأقول عظام لأنه لاعظمة لأفكار الشر ومروجيها ، ومن أحزاب وقيادات سياسية وفعاليات إقتصادية ومالية ورؤساء دول واصحاب مصالح في كل أنحاء العالم بما يتلائم ومصالحهم الدنيوية ، مع انعدام الأخلاق والإيمان لديهم .
الأعلام والتلاعب بالعقول : يعتبر الإعلام المكتوب والمرئي أهم مواقع التلاعب بالعقول ، فما من صحيفة إلا وتنتمي لخط أو فكر معين تسوّقه بأجر ، إذ يلعب المال الدور الرئيسي في تجنيد المتلاعبين بالعقول وحرف الصواب أو القناعات الفردية أو العامة بالبعد عن الحقيقة وطمسها ، خاصة زمن الحروب الباردة او الساخنة . ونجد هذا التلاعب واضحاً وجلياً في برامج الأحزاب في كل بلد ودولة أو مدينة أو قرية . وقد برع الحزب الشيوعي فيما مضى بهذا الفن من التلاعب بالعقول إلى حد إقصاء القيصر عن الحكم وإعدامه وقد وعد الشعب بالحرية والأمان والبحبوحة المالية وحرية الفكر التي كانت منعدمة في العهد القيصري الظالم ، إلا أنه عند التطبيق تبين خداع كل ماطرح ، إذ انعدمت الحريات بشكل مخيف إلى حد المحاسبة على أي كلمة نقد للنظام أو تعبير عن الرأي قد تودي بصاحبها إلى السجن المؤبد أو الموت بينما كان الناس الذين أيدوا الثورة يتوقعون غير ذلك وقد صودرت قناعاتهم وحرياتهم الفكرية والدينية بأخلاقياته وقوانينه في التعامل المجتمعي بفرض الإنكار للخالق ، وذلك قمع للحرية الشخصية مع قمع حرية الفكر والمعتقد .
ومع السخرية من الأفكار الدينية السماوية تحول الحزب إلى دين أرضي يقدس الحاكم إلى حد العبادة مع اعتماد فكره ، في كتاب وضعي مقدس كما الكتب السماوية ، نهجاً للتعامل والحكم والحياة الذي ظهر جلياً في ممارسات الحزب الشيوعي الكوري زمن رئيسه "كيم إيل سونغ "؛ فمن يقرأ الكتب الحزبية أو المدرسية أو الأدبية العائدة لهذا النظام فإنه سيطالع مقدمة من ثلاث صفحات من الورق الفاخر بتمجيد هذا الزعيم وتصنيفه بكل الصفات الإلهية النورانية التي تنبع من وجهه وتغلب على نور الشمس والقمر وقد خلقت الدنيا من أجله ؟! كما قدرات خارقة لديه تحيط بالكون وتلين لها الطبيعة والوحوش باستثناء إدعاء قدرته على الخلق والبعث أوإدعاء الألوهية وإن كانوا قد مارسوها دون أن يعلنوا عنها جهاراً ، وفي ذلك إنتهازية مطلقة بعد أن تلاعبوا بعقول الناس بمبادىء سامية لرفض الأديان لاستعبادها الناس ، ثم تحولوا إلى طغاة مجرمين وسفاحين وقد قدسوا أنفسهم وحجبوا شخصياتهم عن مواطنيهم إلا فيما ندر واختفت الإبتسامة عن وجوههم ليحل محلها العبوس ترهيباً للناس وتخويفاً .
إستغلال الدين: يعتبر الدين هو الأوسع مجالاً للتلاعب بالعقول لأنه يعتمد على العاطفة وجهل العوام في فهم دينهم فيضحوا كالعجينة تشكل كيفما اتفق من أقطاب السياسة ورجال الدين المنحرفين للتلاعب بعقولهم وحرفها عن طريق الصواب بما يخدم مصالحهم وأضاليلهم ، وليس من الضرورة أن يكون ديناً سماوياً بل قد يكون ديناً وضعياً من قبل البشر كما الأديان الوثنية الآسيوية والديانات المصرية القديمة وقوانين الأحزاب الشمولية .
وقد يقسم الدين إلى مذاهب من قبل بعض الدول تحت عنوان التفسير والإجتهاد في أحاديث الرسل ونصوص الكتب السماوية من قبل رجال الدين بما يخدم مصالح هذه الدول أو رجال السياسة فيها .
وقد شهدنا فيما مضى الحملات الصليبية من ملوك أوروبا لاحتلال البلاد العربية تحت حجة تحرير مدينة القدس من المسلمين لتجنيد أكبر عدد من مواطنيهم لشن حروبهم في احتلال بلدان أخرى ونهب مواردها ؟! بينما نراهم غير محرجين في وقت متأخر من تسليم القدس مهد المسيح وكنيسته لليهود الذين سعوا إلى صلبه ؟! ولم يكتفوا بذلك بل ضغطوا على الفاتيكان لاستصدار مرسوم بابوي مطلع الستينات من القرن الماضي ببراءة اليهود من دم المسيح ؟! بما يخدم مصالح الرأسمالية الغربية التي لاتقيم وزناً للدين إلا وفق مصالحها .