تأليف : محمد السويسي
إن السؤال المطروح دائماً لدى هيئات المجتمع المدني وفعاليات المدينة والسياسيين والحكومة هو :
من أين نبدأ لإعادة إعمار مدينة طرابلس و النهوض بها ؟
من المفترض ان يكون الجواب التلقائي البديهي هو أن نبدأ من منطقة التبانة الجريحة المهدمة ، وهو كلام سليم مئة بالمئة إذ أن التبانة تاريخياً كانت تلقب بسوق الذهب لأنها كانت ملتقى جميع الأنشطة التجارية لمحافظة الشمال للوافدين من عكار والكورة والبترون وجبيل وجونية ، حتى الداخل السوري المجاور من حمص حتى حدود تركيا حيث كانوا يشترون منها البضائع لمخازنهم .
ولكن بعد حرب السنتين تغير كل شيء على الأرض ، إذ عُطلت جميع مرافق مدينة طرابلس الحيوية من قبل الدولة بتواطىء مع الإقطاع المالي الحاكم صاحب النفوذ الأقوى في لبنان ليعيد احتكارها في العاصمة وجوارها ، بشركات وإنشاءات ومصانع مماثلة ، بشراكة مع المليشيات والأحزاب المسلحة دون وازع أو ضمير مع إفتقاد الحد الأدنى من الوطنية والشعور بالمسؤولية والأخلاق وقد استبد بهم الطمع للمتاجرة بمصالح المدينة التي استبد بها الفقر والعوز والجوع من جراء ذلك ، إلى حد استعانة بعض الفقراء من أبنائها بمستوعبات الزبالة لتأمين لقمة عيشهم اليومي وسد جوعهم كيفما اتفق مع تفشي البطالة تحت أعين المسؤولين والمعنيين دون أن يلقوا بالاً للأمر لسؤ حظ المدينة وقد ابتليت بنواب اضحوا نوائباً بعد وصولهم للبرلمان بأصواتها ليستغلوا موقعها في المعادلة اللبنانية للوصول الى مواقع وزارية دون أن يلقوا بالاً للإهتمام بمدينتهم لإعادة تشغيل مرافقها المعطلة لوضع حد للفقر والعوز فيها ، مرتاحين لدجل زمرة من المنافقين والمستشارين المداهنين حولهم من عديمي الخبرة والأخلاق كما ممارسات أزلام الإقطاع السياسي البائد ، ولا أظلمهم وإلا لما كانت المدينة على هذا المستوى من الإهمال والتخلف والفقر .
لقد كنت فيما مضى في موقعهم السياسي والوظيفي الحكومي الرسمي لزعامات سبقت فقدمنا للمدينة والدولة والخزينة والعمال والشعب على صعيد لبنان ، خدمات قصرت عنها كل هذه الفعاليات مجتمعة وأزلامها . لذا أدرك تماماَ الفرق بين مستشار السؤ والمستشار الحسن الخبير الذي على خلق ؛ ولكن أمثال هذا المستشار اضحى نادر الوجود لدى القيادات السياسية الحالية .
إلا أن النجاح في خدمة المدينة والعمل من أجلها يتطلب التعفف والإيثار والسهر ونظافة الكف اولاً وأخيراً ؛ وإلا فالفشل هو العنوان كما حال إداء نواب طرابلس والشمال الحاليين ومعاونيهم ، وقد أشكل على بعضهم الأولويات الى حد الإضرار الشديد بالمدينة وأهلها كما حال مشروع النائب روبير الفاضل وللأسف الذي يصر عليه دون أن يأخذ برأي اهل المدينة وهيئات المجتمع بضرروة التخلي عنه ، ولاغرابة في ذلك إذ أنه ولد على عكس والده ، وفي فمه ملعقة من الذهب ، لذا عجز عن تحديد اولويات المدينة وحاجاتها الضرورية .وقد اعتمدته مثلاً يُضرب في سؤ إداء نواب طرابلس وفهمهم لمشاكل أبناء مدينتهم وحاجاتها .
إن مشروع النائب روبير الفاضل البحري هو ترف لغني يريد أن يلهو بين الفقراء ، في غير الزمان والمكان والأوان ، كالثري يدعو اهل التبانة الفقراء المعدمين إلى عشاء من الكافيار لسد جوعهم بدل ان يطعمهم على مدى شهر كامل أرزاً ولحماً وخضاًراً بكلفة هذا العشاء ، ومن هنا عارضت المدينة مشروعه المؤذي إلى أقصى الحدود ، مستنكفاً التحدث عن خلفياته المعيبة ومراميه .
ونعود الى الأوليات التي يجب ان نبدأ بها للنهوض بمدينة طرابلس ، فإنه مع تعذر البدء في بناء التبانة لعدم وجود خطة إنمائية شاملة بشأنها ، فإن كل الأموال والهبات التي تمنح وتخصص لها لن تجدي نفعاً ، لأنها ستقتصر عندها على الترقيع والتصليح وبعثرة المال وضياعه مع إعلام مضلل مخادع بالوعود الوردية ، ولكن ليس لإعادة البناء .
وعند التمعن بحال المدينة نجد ان نواب طرابلس وفعالياتها وهيئات المجتمع المدني التي اضحت بممعظمها موالية وأزلام للفعاليات السياسية التي تنظر كنظرتها وتعمل كعملها لانتهازيتها وضعف شخصيتها ، بما يعني تضاعف البلاء على أهل المدينة نحو مزيد من الفقر والتخلف والإهمال .
لذا كانت افضل واقرب واسهل الأولويات للنهوض بطرابلس ، إلى حين وضع خطة ملائمة جدية لإعادة إعمار التبانة ، هو أن يبدأ إعادة الإعمار بتشغيل مرافق طرابلس المعطلة ، وأولها المعرض لسهولة تشغيله . وقد استمعنا في إحدى الإذاعات ، الى ان احد فعاليات طرابلس السياسيين قد كلف لجنة لإعداد خطة لتشغيل معرض طرابلس .وهذا عمل وتصرف جيد ،ولكن لننتظر جدية هذا التكليف وما سيصدر عنه من إيجاب ، نتمنى ان يكون قبل قيام الساعة .
وعليه فإننا نجد انه من الضروري عرض الوسائل والأفكار الأفضل لتشغيل هذه المرفق الهام بما له من نتيجية إيجابية في التخفيف من حدة الفقر والنهوض بالمدينة .
أفضل الخطط لتشغيل المعرض :
من المؤسف ان الخشب المُسنّدة التي تتولى إدارة المعرض لم تستطع ان تتقدم بأي خطة لتشغيله حتى الآن ، وقد جاء السياسيين بهذه الإدارة المعاقة على شاكلتهم ، الذين كان يجب ان يعتذروا عن مناصبهم طالما أنهم عاجزون عن القيام بمهماتهم في التقدم بأي مشروع أو اقتراح لتشغيله منذ أن تولوا مسؤولياتهم وحتى الآن ، فكانوا كما خيال المآتة في سهل واسع منبسط .
لابد ان اعطي فكرة بعدة اسطر عن المعرض قبل تقديم إقتراح تشغيله . إذ أنه يشغل حوالي مليون متر مربع تقريباً اقتطعت من بساتين طرابلس التي اضمحلت من بعده وبارت . فضاعت البساتين ومواردها ، كما ضاعت الأراضي في مشروع اثبتت الأيام انه مشروع وهمي ، لتعنت إقطاعيي بيروت بعرقلة تشغيله ، بتواطىء مع المليشيات المسلحة على مختلف إنتماءاتها وشعاراتها ، إذ ان المعرض قد انتهى العمل من تجهيزه بداية العام 1975 وحُدد افتتاحه في حزيران من نفس العام لتنفجر حرب السنتين قبل شهرين من تدشينه وذلك بتخطيط من الإقطاع المالي في العاصمة وجوارها المعارضة لافتتاحه على غير رضاها . إذ اعتبرته مضراً بمصالحها ووكالاتها الحصرية في بيروت لمختلف أنواع السلع التي يعتمدن على تصريف معظمها في طرابلس ومحافظة الشمال .ولو افتتح هذا المعرض وقتذاك فإن تجار طرابلس كانوا سيستغنون عن تجار العاصمة ليستوردوا مباشرة من الشركات العارضة في المعرض بأقل من أسعار تجار العاصمة بنسبة بمعدل خمسون بالمئة وما فوق . عدا عن أن تشغيل المعرض سيستقطب عشرات الآلآف من مختلف أنحاء العالم سيوصون بطلباتهم التي ستكون على حساب مصالح الإقطاع المالي في الحد من أرباحهم ، لذا تعاقدوا مع بعض المليشيات المسلحة لتفجير حرب السنتين وسرقة محتويات المعرض وتجهيزاته بأكملها لتعطيل تشغيله .
وبالفعل انتهت الحرب وعجزت الدولة عن تأمين المال اللازم لإعادة تجهيز المعرض وتشغيله خوفاً من تجدد الحرب لتقيم فيه قوات الردع العربية المؤلفة من الجيش السوري وتجعله ثكنة عسكرية لها ، بما قطع الأمل من تشغيله نهائياً .
ومع خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 فإن الدولة اللبنانية لاتزال على امتناعها من تشغيله ، إلا أنه كان قد تم تأجيره في العام 2004 لشركة "هوليدنغ"الصينية بمبلغ مليون دولار سنوياً بشراكة مع بعض وكلاء البضائع الصينية في لبنان منذ خمسينات القرن الماضي ، فجن جنون الإقطاع المالي المتحالف مع المليشيات الشعوبية لتبدأ أعمال الإرهاب في مدينة طرابلس دون توقف الى حد القصف من جبل محسن للمدينة ، الموالي للمليشيات الشعوبية ، بتناغم مع مجموعات مسلحة ممولة في التبانة من نفس الإقطاع المالي لتتناغم مع قصف الحبل لاعطائه شرعية إستمراره بحجة الدفاع عن المدينة ، بما لاحاجة له مطلقاً مع وجود الجيش اللبناني الذي حسم المعركة مؤخراً خلال أيام ووضع حد لهذه المأساة الدموية التي أوقعت آلآف القتلى والجرحى على أسس مذهبية طائفية شعوبية بغيضة لم تعرفها طرابلس في تاريخها القريب والبعيد لحسّها العروبي الوطني .
وكانت أشرس معركة عدائية ضد المدينة قد جاءت مع إعلان الشركة الصينية ، المشار اليها أعلاه ، انها خلال اسابيع ستعمد إلى افتتاح المعرض للبضائع الصينية مما زاد من أوار القصف من جبل محسن . ولم يتوقف إلا بعد أن اعلنت الشركة الصينية انه لم يعد لها من مصلحة لافتتاح المعرض نظراً لانتشار الإرهاب والقصف وتردي الأمن في المدينة، لينتهي القصف على إثرها وتنسحب المليشيات الطائفية من الجبل مع بداية عهد حكومة تمام سلام .
وأهمية المعرض الصيني الذي حاربته المليشيات المسلحة العدوانية المافياوية شريكة الإقطاع المالي الحاكم ، هو أنه كان قد أعلن بأنه سيصبح ممثلاً تجارياً للشركات الصينية لجميع دول البحر المتوسط وكافة الدول العربية وجزء من افريقيا وأوروبا ، بحيث انه إذا توجه احد التجار من هذه الدول المحددة للصين لاستيراد سلعة ما، فإنهم يمتنعون عن بيعه وإعادته الى معرض طرابلس لشراء حاجاته بعد فتح الإعتمادات اللازمة .
إلا أن أرباح المعرض بما سيجلب من آلاف الزبائن للشراء منه عدا مئات الاف السياح كل عام من مختلف الجنسيات ، سيحقق عشرات الملايين من الدولارات بدءاً ومن ثم مئات الملايين بعد سنوات ثلاث ، مما اغضب المليشيات المسلحة لان لاحصة لها فيها فعمدت الى تعطيل مشروع الشركات الصينية قصداً بتفجير الوضع في طرابلس على حساب دماء الشهداء الأبرياء وتدمير البيوت دون وازع أو ضمير .
ا-لذا فإن افضل الخطط لتشغيل المعرض وقد إستتبب الأمن هو أن تقوم مجموعة مليئة بدعم من النواب الثلاث ، ميقاتي ، صفدي ، فاضل ، متحدين أو منفردين ، بتأسيس شركة تجارية تضم بعضاً من أبناء المدينة تقوم باستثمار المعرض بنفس السعر الذي سبق ان استأجرته الشركة الصينية وهو مليون دولار سنوياً لتشجيع استثماره ، على أن تعمد هذه الشركة الى استقدام الشركات العالمية من كافة انحاء العالم كوكلاء لها ، خاصة الشركات الصينية مما سيخلق الآف فرص العمل ، بشكل مباشر وغير مباشر ، من آلاف المحلات التجارية والمؤسسات في طرابلس وسائر محافظة الشمال التي سينشط عملها مع توفر السياح بمئات الالآف سنوياً ،مما سيعيد مجد مدينة طرابلس التجاري والإقتصادي كما كانت قبل مئات الأعوام حيث كانت تضم الكثير من الفنادق والخانات التي اختفى معظمها لانتفاء السياح .
ب-كما أن هناك خطة أخرى وهو إجراء مزايدة عالمية لتأجير المعرض حيث سيجذب ذلك عشرات الشركات الأجنبية لما سيحقق المعرض من أرباح كبيرة ، على ان يشترط على المستثمرين جذب الشركات الصينية بشكل رئيسي ومن ثم باقي الشركات الغربية .
كانت تلك مجرد أفكار لتشغيل معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس بشكل دائم دون انقطاع طوال العالم . ولن ادخل في التفاصيل ولا في كيفية جنى الأرباح لان المستثمرين المخضرمين والشركات المعنية بهذا الأمر أكثر خبرة مني في التطبيق على الأرض بما لديهم من أموال وتسهيلات مصرفية ، إلا أنه بالإمكان بدءاً جذب جميع وكلاء السيارات لعرض سياراتهم الجديدة المستوردة ، كما تخصيص جناح ضخم للموبيليا التي اشتهرت بها طرابلس من مختلف انحاء لبنان .
وسعرتعويض الإشغال التشجيعي لعرض البضائع والسلع داخل قاعات المعرض هو من يجذب جميع الشركات في لبنان وخارجه لعرض منتوجاتهم المتنوعة ، كما ويجلب الزبائن والسياح من مختلف بلدان العالم عدا الداخل اللبناني .