منذ قيام الثورة الفرنسية التي غيرت وجه الحياة في أوروبا ومنذ كتابة الدستور الأمريكي الذي سبقها بعام والذي يعد أول دستور مكتوب يحدد الحقوق والواجبات، ومصطلح دولة القانون أو دولة حكم القانون أو دولة سيادة القانون هو جزء لا يتجزأ من أي دستور ولا تكف الكتابات عنه ولا يجف ينبوع الأفكار المبنية علي اساس منه.
وتعريف دولة القانون كما إتفق عليه كل الفقهاء هو تلك الدولة التي لا تمارس سلطاتها إلا من خلال إلتزامها بتطبيق قانون معروف سلفا ومعلن للكافة.
بادئ ذي بدء لابد من البحث عن مصطلح دولة القانون داخل الدستور الألماني الصادر في عام 1949.
في توصيف الدولة الألمانية في المادة 20 من هذا الدستور لا يرد مصطلح دولة القانون بصراحة كصفة من صفات الدولة ولكنه يجئ بالإشارة في الفقرة 3 من هذه المادة إذ ينص علي أن سن القوانين لابد له أن يتم متوافقا مع النظام الدستوري وأن أعمال السلطة التنفيذية وأحكام القضاء لابد لها من الإلتزام بتطبيق القانون.
أما صفات الدولة الواردة صراحة في تلك المادة الهامة فهيالديموقراطية والإتحادية والحفاظ علي المركبة الإجتماعية أو التكافل.
ثم يرد هذا المصطلح صراحة مرتين بعد ذلك في المادة 23 والمادة 28، إذ تتناول الأولي الأسس التي تبني عليها المانيا الإتحادية لكي تحقق حلم أوروبا الموحدة، فيذكر مصطلح دولة القانون كأحد هذه الأسس، بينما تتناول المادة 28 مسألة النظام داخل الولايات الألمانية والذي يجب عليه أن يراعي الحفاظ علي هذا المبدأ، وهنا يرد أيضا هذا المصطلح بطريقة صريحة.
ومن النتائج التي تنبني علي هذا المبدأ الاساسي في كل الدول الحديثة نتيجة إمكانية رفع دعوي علي الدولة إن كانت لم تراع القانون (ومن باب أولي الدستور) في أي عمل صادر عنها سواء كان ذلك عن سلطتها التنفيذية أو التشريعية.
ومن تطبيقات هذا المبدأ الذي حرصت كل الدول الديموقراطية علي أن تنص عليه دساتيرها الدعوي التي رفعتها سيدة مسلمة تعيش في ألمانيا منذ صباها ودخلت فيها المدرسة والجامعة وتخرجت في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
تعد وظيفة التعليم في ألمانيا من الوظائف المحترمة التي لابد للحصول عليها من إجتياز إمتحان صعب تنظمه كل ولاية لنفسها وتنتقي من خلاله أفضل العناصر من المتقدمين وعند القبول يصبح المعلم موظفا من موظفي الدولة يتمتع بكل مميزات تلك الوظيفة حيث يصعب فصله (إلا في حالة الجرائم المخلة بشرف الوظيفة الحكومية) كما أن الدولة تتكفل بأقساط تأمينه الصحي وتأمين معاشه طوال فترة خدمته بحيث تكون الخصومات من مرتبه قاصرة علي الضرائب فقط. وهي لذلك من الوظائف التي يفضلها كثيرون علي وظائف القطاع الخاص. وتضع كل ولاية الشروط التي تراها مناسبة في من يعين في وظائف التدريس وذلك بسبب الأهمية القصوي لتلك الوظيفة في إعداد الأجيال القادمة وتنشئتها علي أسس من الدستور والقيم التي ضمنتها نصوصه وحافظت عليها روحه.
وهذه الشروط المناسبة توضع في قانون يصدر عن برلمان الولاية ينظم تعيين ورفت الموظفين وشروط الإلتحاق بخدمة الدولة إلخ..
تقدمت تلك السيدة الشابة (وهي مسلمة من أصل أفغاني) بأوراقها إلي اللجنة الخاصة بتعيين المعلمين وكانت درجاتها في دراستها وفي الإمتحانات اللازم إجتيازها جيدة وتؤهلها بسهولة لأن تحصل علي تلك الوظيفة.
إلا أن اللجنة أوصت بعدم تعيين هذه الشابة المسلمة في الوظيفة التعليمية لأنها ترتدي حجابا تمتنع عن خلعه لدي القيام بعملها كمعلمة، وذكرت اللجنة في قرارها برفض التعين – رغم كفاية مؤهلاتها ودرجاتها العلمية – أن إرتداء حجاب هو مما لا يتفق مع شرط الإخلاص للدستور الالماني إذ يتعارض مع شرط الإيمان بمبدأ من المبادئ أو التوصيفات الواردة في المادة 20 من هذا الدستور وهو مبدأ الديموقراطية وكذلك يتعارض مع مبدأ النظام الديموقراطي الحر الذي كرر الدستور إستعماله في 7 من مواده الأخري كنظام عام للمجتمع الألماني..
وبطبيعة الأمور لابد للقوانين الصادرة عن الولايات أو الصادرة عن الإتحاد ألا تتعارض لا نصا ولا روحا مع نص دستوري حيث أن الدستور الإتحادي يسمو فوق جميع النصوص الألمانية داخل ألمانيا.
وكما يلحظ المرء فإن هذه القيم الدستورية (الحرية والديموقراطية والإتحادية والمركبة الإجتماعية) والتي حرص واضعو الدستور علي النص عليها في أكثر من موضع هي من الأدوات الأساسية في منع دفع المجتمع إلي الإتجاهين الذين تسببا في أكبر خراب وقع لهذا المجتمع خلال القرن العشرين، الفاشية والشيوعية.وفي نص قانون تنظيم تعيين موظفي الدولة في ولاية بادن فرتمبرج وضع المشرع هذه القيم والإيمان بها والإنصياع لها شرطا من شروط التعيين للوظيفة العامة في الولاية. وهذا التعارض إفترضت اللجنة أنه موجود بنص قانون تنظيم تعيين موظفي الدولة وحقوقهم وواجباتهم وهو قانون صادر عن برلمان ولاية بادن فرتمبرج في جنوب غرب ألمانيا، إذ أن من ترتدي حجاب يغطي الرأس لا يمكن إعتبارها ملتزمة بقيم النظام العام من الحرية والديموقراطية .
إعترضت المواطنة المسلمة علي قرار رفض تعيينها ورأت أنه يمثل إجحافا بحقها فى الوظيفة العامة طالما كانت مؤهلاتها ودرجاتها التعليمية تسمح بالتعيين. وبما أن كل من الدستور الالماني الإتحادي وكذلك قانون إنشاء المحكمة الدستورية الإتحادية يسمحان للمواطنين بإقامة الدعوي المباشرة وذلك في حالة تعرض حق من حقوقهم الأساسية الواردة في الدستور إلي التعدي عليه من أي جهة، فقد إنعقد الإختصاص للمحكمة الدستورية الإتحادية بنظر الدعوي التي رفعتها تلك المواطنة المسلمة بالفعل.
كانت وجهة نظر اللجنة أن إرتداء الحجاب بما يمثله من إعلان الإنتماء لدين معين هو تعدي علي نص وروح قانون تنظيم تعيين وقصل وحقوق موظفي الولاية حيث أن الدستور الإتحادي قد نص في مادته رقم 140 علي أن نص الدستور القديم الصادر في عام 1919 فى مادته رقم 136 يؤخذ كما هو ويصبح جزءا من الدستور الأحدث. وهذه المادة القديمة تنص علي أن الدولة لا كنيسة لها (أي لا دين). والمقصود بهذا النص هو أن الدولة لا تحبذ أو تحابي دينا معينا بذاته سواء كان مسيحيا أو يهوديا أو غير ذلك إذ أنها كما يقال فى المصطلح القانوني "تقف علي مسافة واحدة من كل الأديان"..