Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

الاستثمار السياسى للإرهاب

$
0
0

لابد أنه قد لفت إنتباه الكثيرين ، حالة الصمت التى أعقبت حادث "شارلى إبدو"، مع توقف الضجيج الإعلامى والسياسى حوله ، بينما يقع الإلتفاف حول النظام الفرنسى ، الذى ينتقل بسرعة إلى "ملاحقة "الإرهاب فى مناطق أخرى !

ومن الطبيعى أن تشغل الأحداث الإرهابية ، الدول والسياسات والمجتمعات ، ومن ثم تصبح جزءا من الظواهر السياسية ، مثل الانتخابات ، أو الانقلابات أو الاضطرابات الاجتماعية ...الخ ! لكن يبقى السؤال خاصا بمدى المعالجة الحقيقية ، سياسية أو أخلاقية أو اجتماعية ، لهذه الظاهرة الخطيرة ...

وتكاد تكون "الظاهرة الإرهابية "الآن ظاهرة مجتمعية فى كافة المجتمعات والثقافات ، مثلما كانت "الجماعات السرية "فى المجتمعات البدائية "مبكرا أو الجماعات الانتحارية ، مثل "الحشاشين"أو "الخوارج "فى العصور الوسيطة . وإذ بالتقنية الحديثة تتيح لعصرنا عولمة "الجماعات الإرهابية "المنظمة والمنتشرة فى كافة القارات والمجتمعات ، و يتوفر الغطاء الثقافى لذلك دائما ، ما دمنا لا نسأل لماذا؟ ففى القديم كانت الأضحية ، وفى العصرالوسيط كان الإيمان ، وفى الحديث كان التمرد أو الرفض أو الفقر إلى أن وصلت ...لآليات "المافيا"للمصالح الكبرى ...!

وبتوفر تكنولوجيا التفوق على الآليات المحلية المتخلفة ( لدى الشرطة والجيوش) تتفوق آليات "مافيا الإرهاب"، وتدخل فى خدمة قوى متنوعة الأغراض ، مثل سيطرة الشركات العابرة للقارات ومنافساتها ، أو النفوذ السياسى على هذه المنطقة أو تلك. وهذا ماتقدمه لنا معظم "الحالات الإرهابية "من أفغانستان إلى الصومال ، إلى المشرق العربى ..وإلى نيجيريا ومالى ....

ومثلما تستغل الدول الكبرى ومصالحها كل ذلك لإثارة الاضطراب أو الفوضى الخلاقة للأغراض الاقتصادية والسياسية الواضحة ، فإن نظما محلية أو إقليمية تستغلها بالمثل لأغراض مختلفة ...فأثيوبيا تستفيد من الإرهاب فى الصومال للتوسع فيه وصولا إلى موانى المحيط الهندى ( بربره – جيبوتى – ....الخ) والعسكريون فى نيجيريا يستفيدون من استمرار "بوكو حرام"فى تجارة السلاح أو السيطرة على الحكم ، ومثل ذلك حالات الشرق الأوسط فى سوريا والسودان واليمن وغيرها بالطبع .

وقد بدت لنا "المسألة الدينية "دائما لفترة تمتد من السبعينيات وما بعدها كغطاء ، مقرونة بالحديث عن الصراع الثقافى والحوار الحضارى ...الخ ، ثم يأتى استثمارها عقب ذلك من قبل قوى ما سمى "بالإسلام السياسى "كوسيلة للصعود إلى الحكم أو محاولة ذلك هنا وهنالك ( مصر- السودان- سوريا ) بل وأصبح الاستثمار شاملا نظم الحكم نفسها الراغبة فى الاستبداد . وما نراه الآن هو تطور جديد يجرى فيه الاستثمار السياسى للظاهرة ، لأبعد من حدود المسألة الدينية أو الثقافية ، وإن ظلت آليات الدين والثقافة على المحك....

فمن المدهش مثلا أننا لم نعد نسمع ضجيجا فى أوربا حول "شارلى إبدو"رغم "المهرجان"السياسى الذى أقامته السلطات الفرنسية ضد الإرهاب فى عاصمة "العقلنة والنور"، لتحشد رؤساء العالم لدعم السلطة التى تؤهل الجميع من حيث ندرى أو لا ندرى "للتكتل الدولى "لمحاربة الإرهاب لكن ,,,فى المناطق الأخرى! دون إجراء واحد لمعالجة الإرهاب وأصوله ومبرراته على الأرض الفرنسية للأن ! و أصبح المؤكد فقط هو أن "الظاهرة الإرهابية تحتاج إلى بيع وترويج السلاح وتدريب "الجيوش الأخرى"، فى المشرق العربى والصحراء الكبرى ، والشمال الأفريقى ! ما دام البتروليون سيدفعون جيدا ...!

ويبدو أن "الاستثمار السياسى "للحالات الإرهابية ، يمتد كل يوم وآخر إلى تفاعلات متنوعة فى كل المناطق . فالحديث حول معالجة حالات الإرهاب واستثماره فى مناطق "الجنوب"أو العالم الثالث يعالج كل الشقوق فى معسكر الشمال ، من حل مشاكل الغرب مع أوكرانيا إلى الموقف من السلاح النووى فى إيران ، إلى ما يبدو من عودة إلى الاقتراب الهادئ من قوى الإسلام السياسى فى المشرق أو الخليج , وشاهدنا هنا هو حالة "التفاوض "التى يدفع إليها الغرب فى سوريا واليمن وليبيا ، وقد يحاولون مع مصر ، ويحكم كل ذلك القدر الذى يحققه من الاستقرار للمصالح الكبرى فى كل هذه الأنحاء . وكل ذلك فى أجواء صفقات السلاح وخطوات التبعية التى لا تهدأ ...

المصالح متعددة إذن " ... فالإرهابيون"يتحركون أو يتحكمون يثروات بترولية كبيرة فى المشرق ، وفى ليبيا ، وتجارة السلاح على أشدها مع الإرهابيين أنفسهم ، أو مع الجيوش المحلية فى علاقاتها بدول تجارة السلاح الكبرى .... ويغطى ذلك عملية تشكيل قوات التحالف الدولى ، دون شرعية دولية "، وهى الظاهرة التى تبلورت من قبل من أجل الصومال ، وانتقلت إلى ليبيا ثم إلى المشرق العربى ، وبسرعة وصلت إلى نيجيريا . ويستخدم غطاء التنظيمات الاقليمية مثل الإتحاد الأفريقى والجامعة العربية فى كل تلك التحركات دون حرج مع شعوبها ....

أين الإسلام السياسى إذن فى كل ذلك ...بل وأين الدين والصراع الحضارى المنوه عنه فى أولى طلعات "المجاهدين"إلى أفغانستان فى السبعينيات والثمانينيات ؟ لا أحد يسمع بذلك الآن.
هناك فقط عصف ذهنى أوروبى حول "الدولة الإسلامية داعش" ....!. ولأن الإرهاب مافيا عالمية مقصودة ، فقد تطورت مسميات "القاعدة "المحلية ، إلى مسمى "داعش"كماركة عالمية موحدة ! لأن مصدر الاستثمار بات واحدا وعالميا بالطبع ! 

ما نأسف له حقا هو موقف أصحاب "الإسلام السياسى "الذين تم استثمارهم طوال الوقت باسم الدين ، فانتهى بهم الحال إلى جيوب صغيرة فى عدد من البلدان هنا وهنالك من الأناضول إلى جنوب البحر الأحمر ، يلهثون فى طلب هذه السلطة أو خدمة لأخرى ...ولا يذكر أحد الآن فى كل المعارك الجارية ، مسألة الدين ولا "الصحوة الإسلامية "الإسم الأصلى للإسلام السياسى ، ولا الحوار الحضارى ....وإنما هناك استثمار عالمى لمعارك باسم الدين ، واستثمار محلى فى أكثر من دولة للظاهرة الإرهابية – الملتحفة بالدين- إما للوصول للحكم عند المقاتلين أو لانجاز اجراءات الاستبداد السياسى وقهرالشعوب ، عند مقاوميهم ...!
بينما كنا نتوقع – مع الن– أن يكون هدف القوى الإسلامية والمسيحية على السواء – هو التنوير العقلانى لفهم الظواهر الدينية ، وليس حتى فكرة "التجديد"التى ستعود بنا للزعم أنها تبحث عن الأصول ، فتقع فى شباك الأصولية ، والصراع مرة أخرى 

نريد التوقف أمام هذه الصراعات ، لوقف الاستثمار السياسى للدين ، حتى لا يتحول إلى استثمار سياسى للإرهاب أو ضده باسم الدين ...أى لابد من خطاب سياسى مدنى جديد للقوى الإسلامية ، تتحول به إلى قوة وطنية مدنية – إن شاءت – بديلا لدور الغطاء السياسى للإرهاب.

 

15-2-2015


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles