Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

قضية بنسون ضد شركة سكك حديد بنسلفانيا

$
0
0

من أكثر ما بعث فى نفسى دهشة شديدة للغاية عندما كنت أعمل فى بداية مجيئى إلى ألمانيا مهندسا فى شركة مقاولات تعمل لصالح شركة خاصة هى شركة مانسمان لإنشاء شبكة المحمول التى تملكها هذه الشركة. فقد كنا فى عديد من الأحيان نقوم أثناء تركيب المحطات باستعمال أبراج شركة دويتشه تليكوم التى هى منافس رئيسى لشركة مانسمان. وعندما سألت عن هذا الأمر قيل لى أن هذا يأتى فى نطاق تحرير السوق ورفع درجة المنافسة بين عدد من الشركات باستعمال نفس المنشآت. والتبرير الذى يقف خلف تلك الظروف هو تبرير قانونى سهل للغاية. فشركة دويتشه تليكوم هى فى حقيقة أمرها الخليفة الخاص لهيئة الإتصالات الألمانية سابقا وهى هيئة تابعة للدولة. وبالتالى فمرافق الشبكة بأسرها قد تم إنشاؤها بأموال الدولة فى تلك الفترة وبالتالى فهى لم تعد ملكا إحتكاريا للشركة المساهمة التى آلت إليها الهيئة الحكومية بعد خصخصتها وأصبحت هذه المرافق قابلة للإيجار من كل من أراد ذلك.
إلا أن الموضوع له تاريخ طويل يعود إلى أكثر من قرن سابق على دهشتى تلك.
فمن أوائل الأحكام القضائية الفاصلة فى التاريخ حكم المحكمة الأمريكية الصادر فى سبعينات القرن التاسع عشر بأحقية شركة خط البترول تايت ووتر فى مد خط أنابيب يقطع أرض شركة السكك الحديدية رغم أنفها لأنها رفضت السماح لخط الأنابيب الجديد – وكان مجرد فكرة ليس لها سابقة – بعبور أرضها حيث أنه يحرمها من نشاط نقل البترول بالقطارات والذى كانت تحتكره. وشركة السكك الحديدية كانت مرتبطة بعقود طويلة الأجل مع صاحب أكبر إحتكار عرفه التاريخ الإنسانى غالبا - وهو روكفلر. وعندما رفضت الشركة أن يمر الخط عبر أراضيها رفع المهندس الأمريكى بايرون بنسون Byron Benson دعوى تمكينه من إقامة الخط عبر أراضيها حيث أن الخط مصلحة عامة لابد من إعطائها أولوية على مصلحة شركة السكك الحديدية.. وقد سخر كثيرون من بنسون حيث أن حق الملكية مقدس ولا يمكن جبر صاحب الأرض على القبول بما لا يريد قبوله.
وقد حكمت المحكمة بالفعل بأحقية بنسون فى تمرير خطه مشيرة إلى مبدأ المصلحة العامة وهو حكم لم تكن له سابقة لا فى الولايات المتحدة ولا فى غيرها من الدول.
وقد عانى بنسون عناءا شديدا فى إنشاء هذا الخط الذى لم يكن مدفونا داخل الأرض كما هو الحال فى أيامنا هذه ولكنه كان فوق سطح الأرض. والعناء الذى واجهه بنسون كان من جانب المليونير روكفلر الذى كان يملك شركة ستاندارد أويل وهى أكبر شركة بترول فى زمانه وأول شركة يأمر القانون الأمريكى بتفكيكها إلى عدة شركات منعا لممارساتها الإحتكارية. وهذا أيضا قانون له قصة شيقة ليس هنا محلها.
وقد حارب روكفلر الخط الجديد الذى لم يكن أكثر من فكرة بكل الطرق. فقد أوعز إلى شركة بنسلفانيا برفع الدعوى السابق ذكرها. ولما فشل هذا الطريق أخذ يدفع مبالغ طائلة فى غواية الفلاحين من أصحاب الاراضى لكى يشترى منهم عن طريق أشخاص تابعين له قطع الأراضى التى يعرف أن الخط الجديد سوف يقطعها حتى يعطل الإنشاء. وعلى الرغم من كل ذلك أعلنت شركة تايت ووتر التى يرأسها بنسون عن إفتتاح الخط الجديد فى أحد أيام مايو عام 1879 وبالفعل بدأت المضخات فى ضخ البترول فى الخط ولكن بعد فترة قصيرة إرتفع الضغط داخل الماسورة بشكل يهدد سلامة المضخات مما أدى إلى ضرورة إيقاف الضخ لفحص الخط كله. وبالفعل وجد العمال أن شخصا قد قام بوضع أحجار فى طريق البترول داخل الماسورة ويعتقد المؤرخون أنه أحد رجال روكفلر حيث أن هذا كان قد كتب إلى أحد أصدقائه قبل الإفتتاح مباشرة أنه "يعتقد"أن الخط سوف يلاقى صعوبات أثناء الإفتتاح.
والغريب فى كل هذا الأمر هو أنه بمجرد نجاح الخط ووصول البترول الذى كان مقصودا به إستعماله لإنارة المصابيح داخل المدينة كان التيار الكهربى قد تم إكتشافه وشرعت المدن جميعا فى إستبدال المصابيح الكهربية بمصابيح الغاز مما أضعف الطلب على البترول وكاد أن يجعل الخط عديم الفائدة.
ولكن إنقاذ الخط قد جاء بسبب إختراع ماكينة الإحتراق الداخلى التى تعتبر عماد صناعة السيارات مما ضاعف الطلب على البترول عشرات المرات وجعل روكفلر نفسه يشترى أسهما فى شركة تايت ووتر التى كان يحاربها قبل سنوات قليل’.
وبعد ذلك بأكثر من قرن من الزمان أصبح ما يجرى عليه العمل هو أن شبكات الإتصالات وشبكات الكهرباء وشبكات الغاز رغم أنها ملك لمن يديرها إلا أنه لابد من السماح لآخرين باستعمالها نظير أجرة متفق عليها فنشأت بذلك شركات الكهرباء المتعددة وكذلك شركات التليفون والغاز المتعددة والتى تستعمل نفس الشبكة وتتنافس على إجتذاب العملاء وهذا هو أحد مكاسب تحرير الإقتصاد من سيطرة الدولة.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles