تأليف : محمد السويسي
سؤال غاب عن الطرح منذ غزو المغول لبغداد واجتياحها قبل سبعة قرون عندما انتصر الشعوبيين العراقيين للمحتل المغولي الوثني على ابناء جلدتهم ودينهم معادين ربهم ومواطنيهم وبلدهم وعروبتهم ؟
وقد تكررت خيانة الشعوبيين لأبناء جلدتهم ودينهم مع مؤازرتهم للغزو الأميركي ، بحجة انهم يؤيدون إيران الشيعية التي نصرت هذا الإحتلال وأيدته .
منطق شعوبي غريب ، لأن تركيا المسلمة ثار ضدها العرب بعد 500 عام من سلبها الخلافة من العباسيين واحتلال البلاد العربية ، عندما اتيحت لهم الفرصة رافضين التخلي عن عروبتهم التي حافظوا عليها طوال تلك الفترة .
فماالذي دعا بعض الشيعة العرب الى هذه الخيانات المتوالية على مدى التاريخ عند كل غزو أجنبي للبلدان العربية وكأن العرب اعداء لهم او كأنهم ليسوا مسلمين مع تفضيلهم الوثنيين وأبناء الديانات الأخرى عليهم ؟
ولكن بعدالتدقيق والتمحيص فإننا نجد ان الخلفيات الحقيقية ليست شعوبية شيعية أو مذهبية او دينية أو سياسية ، بل إنتهازية وعمالة واضحة من عديمي الأخلاق والشرف والوطنية لأي مذهب او دين أو عرق انتموا.
وبالعودة الى الواقع العربي الحالي فإن غزو العراق واحتلاله من قبل أميركا في العام 2003 تم بتنسيق مع إيران التي عمدت الى تشكيل مليشيات إرهابية عراقية شعوبية من المذهب الشيعي حصراً عقب الإحتلال الأميركي مباشرة حيث قاموا باستهداف المسلمين السنة وارتكاب المجازر الدموية بحقهم وتهجيرهم من المدن والقرى بحقد غير مسبوق دون اي مبرر سوى انتماءهم الديني بإسلوب محاكم التفتيش الإسبانية رغم حسن الجوار فيما بينهم والمصاهرة على مدى قرون لم يعكر صفوها سوى هذا التصرف الإيراني بتشجيع من اميركا التي تسعى للفتنة ترسيخاً لاحتلالها .
أما القصد من هذا التصرف الإيراني اللاأخلاقي فهو لسعي طهران بأن تكون مرجعية الشيعة العرب في العراق وسائر العالم العربي ، لذا جندت من شاء منهم في مليشيات إرهابية لتنفيذ مخططاتها في نشر الفوضى والإرهاب ضد الأنظمة العربية لإخضاعها وتقويضها لصالحها ، على أمل ان يتحقق حلمها بأن تصبح دولة عظمى وفق تصريحاتها التي لاتنفك ترددها بأنها ، بعد غزو العراق والهيمنة على سوريا ولبنان ، أضحت دولة عظمى وأن على أميركا أن تعترف بذلك ؟!
لاشك انه قصر نظر من حكام طفوليين سياسياً لاعتقادهم ان الإمبراطوريات تبنى بالبندقية والإرهاب وتشكيل العصابات لإقلاق راحة الشعوب الأخرى دون أن يدركوا بان الدول العظمى تبنى بقوة الإقتصاد والوفرة المالية وقوة النقد والصناعة مع إكتفاء ذاتي بترافق مع تصنيع حاجتها من السلاح وليس استيراده . وهذا كله لاتملك إيران منه شيئاً لاعتمادها في كل هذا على الدول الأخرى ، ومن هنا كانت أمية حكامها وجهلهم .
ومع كل هذا فإن أمر إيران وتصريحات حكامها الإستفزازية ضد الأمة العربية لاتعنينا إلإ في الدفاع عن انفسنا من عدوانها علينا . فهي لاتفتأ تدعي بأن بغداد قد أصبحت عاصمة إيران وأن حكومات سوريا ولبنان واليمن موالية لها وتصنع بإرادتها ؟!
وذلك غير صحيح إطلاقاً إذ أنه رغم تواجدها في العراق فالكلمة الأولى ليست لها بل لأميركا وللمرجعية الدينية في النجف . فالمليشيات الشعوبية الإرهابية وإن كانت موالية لها إلا انها تخضع في النهاية للنفوذ الأميركي صاحب السلطة في بغداد .
ولكن لو تعمقنا في العلاقة التي تربط إيران بالمليشيات المذهبية الشيعية في العالم العربي فإنها نجدها علاقات مادية إنتهازية من أناس استغلوا انتسابهم للمذهب الشيعي للتقرب من إيران لعرض خدماتهم الإرهابية لقاء مبالغ مالية خيالية . وكما اشرت فإن إيران كانت سخية مع هؤلاء في محاولة لمصادرة المرجعية الشيعية العربية لصالحها .
إلا أن تظاهرات الشيعة العراقيين في بغداد التي جرت خلال شهري آب / أغسطس وايلول/سبتمبر من العام الجاري ضد إيران ودعوتها للخروج من العراق واتهام انصارها السياسين بالفساد ،قوضت كل جهود إيران في هذا الشأن وعرّتها أمام أميركا والغرب بان لاهيمنة لها على الشيعة في العالم العربي إلا بالنسبة للمأجورين بالمال إن من شيعة او من مذاهب وأديان اخرى كما علاقات المخابرات الأميركية بعملاء لها في العراق وسائر انحاء العالم من جميع المذاهب والعقائد والأديان .
ولنأخذ مثلاً حزب الله الشيعي الموالي لإيران في لبنان الذي رفع شعار المقاومة ضد إسرائيل لتحرير جنوب لبنان المحتل من قبل عملاء العدو الإسرائيلي الذي كان لديه مليشيا لبنانية موالية له بقيادة الرائد سعد حداد ومن ثم الجنرال انطوان لحد الذي كان ضابطاً في الجيش اللبناني إلا انه لجأ لإسرائيل وتجند لديها لمقاتلة المقاومة الفلسطينية التي كنت تنهك العدو الإسرائيلي بهجماتها المتكررة لإنهاء احتلاله لجنوب لبنان وبالتالي القيام بهجمات على مستعمرات الجليل شمالي إسرائيل مما دفعها الى تشكيل جيش موال لها من شيعة الجنوب اللبناني بقيادة الضابطين حداد ولحد على التوالي .
بعد تشكيل حزب الله من قبل إيران بمساعدة سوريا كان يجب إخراج ياسر عرفات وحركته وحلفائه من القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية المقاومة من الجنوب بعد معارك مع الشيعة ، ومن ثم إخراجه من كل لبنان منتصف ثمانينات القرن المنصرم ليخلو الجنوب اللبناني لحزب الله الذي عمد الى مقاتلة قوات الجنرال لحد الى ان انسحبت إسرائيل وسحبت معها قوات العميل لحد في العام 2000 .
القصد من هذه التوطئة إظهار دور المال في تغيير مبادىء بعض الشيعة من الشعوبيين وغيرهم .فقد قاتل بعضهم مع ياسرعرفات وقاتل بعضهم الآخر مع إسرائيل ثم انضموا جميعاً الى حزب الله لمقاتلة الفلسطينيين وجيش انطوان لحد الموالي لإسرائيل ، مقابل السخاء المالي الإيراني وقد اضحوا مأجورين لمن يدفع .
وهنا يقع خطأ إيران إذ اساءت للشيعة العرب بإنشاء حزب شيعي طائفي مذهبي بإعلام لبناني هجومي يتهم كل شيعي عربي مخالف لخطها بأنه عميل للسفارات الغربية ، كما وتتهم كل عربي ضدها بأنه عميل اميركي صهيوني ، وفي تلك الإتهامات المعيبة المغرضة محنة عظيمة ، لانها تصادر حرية الرأي .
كما أخطأ حزب الله في قبول مطلب إيران بجعل حركته مذهبية شيعية . لانهم بذلك حصروا الخيانة والعمالة بالشيعة ضد وطنهم وقومهم وأمتهم وعروبتهم ، علماً بان هناك اطرافاً مسلمة سنية موالية لإيران كما حركة حماس الإسلامية والجهاد الإسلامي وامثالهما المنبثقة عن حزب الإخوان المسلمين الأكثر تعصباً للذهب السني ، ولكن لقاء مصالحهم انحازوا الى طهران رغم مجازر المليشيات الإيرانية التي تجري ضد مسلمي العراق وسوريا مقابل إعانتها المالية لحماس والجهاد والقسّام.
بل ان أحد قادة حماس تشيّع وافتتح مكتباً له في غزة يدعو فيه الى التشيع وإلى تاييد السياست الإيرانية والإشادة بها في مزيد من التقرب من طهران لطمع من اجل الحصول على المزيد من المال .
ورغم ان حركة الإخوان المسلمين معادية للنظام السوري المدعوم من إيران فإن طهران لاتقطع الصلة بهم ولاتقطع الصلة مع حماس ، رغم رفضها تأييد النظام السوري ، فقط من اجل تعميق الخلاف بين المسلمين و بين اطراف المقاومة الفلسطينية وفق المبدأ البريطاني فرق تسد .
لذا من الخطأ اتهام جميع الشيعة العرب بالشعوبية والعمالة والخيانة والتبعية لإيران التي تنتهج نهجاً عدائياً ضد العرب والمسلمين وفق ممارساتها وتصريحاتها المعادية لهم منذ تحالفها مع اميركا على غزو العراق ودعهما حزب الله ضد الحكومة اللبنانية ومساندتها النظام السوري ضد شعبه والحوثيين الشيعة ضد حكومتهم وشعبهم ووطنهم ، طالما ان هناك مسلمين ومسيحيين موالين لطهران مقابل المال الإيراني ، وطالما ان هناك شيعة ومسلمون سنة ومسيحيين معارضين لإيران في العراق ولبنان و العالم العربي .
وأختم بجزء من مقال للدكتور نبيل الحيدري :
للأسف هناك من ينظر للشيعة العرب بأنهم جميعا في السلة الإيرانية وان عروبتهم وهويتهم مشكوك فيها، وهذا ليس دقيقا على الاطلاق، فكثير من الشيعة وقعوا ضحية التأثير الإيراني، وهم ينتظرون ان تفرز الساحة العربية مصادر قوة حقيقية لوقف المد الفارسي، فهم من قاتل الاستعمار البريطاني وقاتل في فلسطين، وقاتل إيران في حربها على العراق في الثمانينيات رغم اختلافي ومنطق الحرب الا انها كانت نتاجا لسياسة تصدير الثورة الخمينية.
Top of Form