الصدفة وحدها لعبت دوراً في دفع العماد ميشال عون الى الواجهة السياسية إذ أنه كلف في نهاية سنوات الفوضى في لبنان برئاسة مجلس الوزراء من قبل الرئيس أمين الجميل بتشكيل حكومة عسكرية بعد تعذر انتخاب رئيس للجمهورية جديد يخلفه، وكان هو في حينه قائدًا للجيش اللبناني.
وقام الرئيس الجميل بتسليمه السلطة بعد أن شكل حكومة عسكرية في 22 ايلول 1988 ، على أن يدعو مجلس النواب إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال ثلاثة اشهر كحد اقصى .
إلاان الجنرال عون عمد الى عرقلة اجتماع المجلس النيابي ومنع وصول النواب الى المجلس لئلا يصار الى انتخاب رئيس جديد مع طرح نفسه رئيساً للبلاد مصراً على انتخابه ، فعمد الى اعمال القصف بالمدفعية لشرق بيروت وغربها والإستيلاء على السلطة بالقوة الى ان تم إسقاطه عقب إتفاق الطائف بعد معارك ضارية تم إقصائه على إثرها من قصر بعبدا الرئاسي في 13 تشرين الاول / أكتوبر1990 بعمليةعسكرية لبنانية / سورية مشتركة فهرب إلى السفارة الفرنسية في بيروت وبقي هناك لفترة من الزمن حتى سمح له من بعدها بالتوجه إلى منفاه في فرنسا في 28 آب 1991.
خلال ولايته صعّد من معارضته للقوات السورية الموجودة في لبنان طالباً اليها الرحيل مما أكسبه شعبية بين فريق كبير من اللبنانيين على مختلف طوائفهم الذين رأوا ان الوجود السوري في لبنان قد تحول الى جيش احتلال مطالبين برحيله مما زاد من حدة العداء بينه وبين السوريين الى ان ادى الامر الى إخراجه من القصر وهربه الى السفارة الفرنسية بعد قصفه بالطيران السوري .
وجوده في فرنسا ادى الى مشاكل بين السكان حيثما حل ، إذ كانوا يتخوفون من هجمات محتملة على مكان سكنه من قبل عملاء سوريين ، لذا فإن الرئيس شيراك تمنى على الرئيس رفيق الحريري ان يعيده الى لبنان بعد التصالح معه .
ولكن كان هناك مشكلة قضائية وهو ان السوريين بعد رحيله ضغطوا على لبنان فاضحى مطلوباً للقضاء بتهمة اختلاس 80 مليون دولار من اموال الخزينة العامة .
إلا ان الرئيس الحريري استجابة لوساطة الرئيس الفرنسي عالج هذا الأمرمع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي لم يبد أي اعتراض على عودته شرط ضبط لسانه ومناصريه من التهجم على سوريا . وقد وعد ميشال عون الرئيس رفيق الحريري بالإستجابة للشروط السورية والعودة الى لبنان دون القيام باي نشاط ضد السوريين .
وبالفعل فقد أعلن الرئيس الحريري من بيروت نهاية العام 2004 أن لامشكلة من عودة العماد ميشال عون الى لبنان وباستطاعته ممارسة نشاطه السياسي بحرية إذ ليس هناك أي ملاحقة ضده .
إلا أن الإيرانيين اتصلوا بالرئيس الأسد رافضين عودة ميشال عون من خلال رفيق الحريري مفضلين ان يكون ذلك من خلالهم ليكون حليفاً لحزب الله الذي يحتاج الى غطاء مسيحي ماروني في مواجهة القوات اللبنانية الذي يرفضون اي تواصل مع السوريين أو حزب الله ، وفي مواجهة البطريرك صفير الذي يرفض زيارة دمشق رغم كل الدعوات التي وجهت له تكراراً، لتعاطفه مع حزب القوات اللبنانية وفق تصور السوريين .
وعليه فإنه اللواء غازي كنعان رئيس فرع المخابرت السورية في لبنان اعلن بعد ايام من تصريح الحريري انه في حال مجىء ميشال عون الى لبنان فهناك ملف اختلاس مالي بانتظاره وسيتم اعتقاله فوراً في المطار وسوقه للسجن والمحاكمه ، مما اجهض مبادرة الرئيس رفيق الحريري لعودة عون الى لبنان قبل نهاية العام 2004 .لينشط بعدها حزب بالله من خلال وسطاء عدة بدعوة ميشال عون الى لبنان مع ضمان حمايته وعدم ملاحقته نظراً لعلاقتهم الوثيقة بسوريا مع وعدهم له بانتخابه رئيساً للجمهورية ان عقد تحالفاَ معهم إلى جانب تلقيه مخابرة هاتفية من اللواء كنعان شخصياً بعدم ملاحقته طالما انه على علاقة مع الحزب الذي اضحى ملفه بعهدتهم.
وبالفعل فقد عاد ميشال عون الى لبنان في 7 أيار/مايو 2005 من منفاه في فرنسا التي قضى فيها 15 عامًا، وعند عودته إلى لبنان استقبله عدد كبير من مناصريه في المطار. وخاض بعدها الانتخابات النيابية التي أجريت في شهري ايار/ مايو وحزيران/ يونيو من العام 2005 ودخل البرلمان بكتلة نيابية مؤلفة من إحدى وعشرين نائبًا وهي ثاني أكبر كتلة في البرلمان تحت عنوان التيار الوطني الحر.
وقد قام خلال هذه الفترة بالتوقيع على وثيقة تفاهم مع حزب الله في 6 شباط / فبراير 2006 في كنيسة مار مخايل.
ثم شارك في مؤتمر الدوحة الذي انتهى بالتوقيع على اتفاق الدوحة في أيار 2008، ليتم بعد توقيع اتفاق الدوحة تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل الفئات اللبنانية حيث نالت كتلته النيابية خمسة وزراء بدعم من حزب الله .
ثم سعى إلى إقامة علاقة حسن الجوار مع سوريا ، بدفع من حزب الله ،بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، لينسج معها أفضل العلاقات. وتوج التحسن الكبير في العلاقة مع سوريا بزيارته لها في 3 كانون أول / ديسمبر 2008 ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد . وفي انتخابات عام 2009 تمكن من زيادة عدد نواب تكتل التغيير والإصلاح إلى 27 نائباً .
لذا فإن تحالف ميشال عون مع حزب الله هو تحالف قسري قهري ، ليس طمعاً في دعمهم لرئاسة الجمهورية فقط ، بل لتهديدهم الدائم له بإحالته للمحاكمة بتهمة إلإختلاس وسجنه إن حاول فك تحالفه معهم ، لذا فإنه تحالفه هذا هو استسلام لهم بحيث لايستطيع مخالفتهم او معارضتهم او فك ارتباطه بهم خوفاً من تحريك ملف الإختلاس ضده ، لذا يصرون على إيصاله لرئاسة الجمهورية لانه القيادي الماروني الوحيد الذين يستطيعون التحكم به وفق إرادتهم لخوفه منهم ، بحيث يكون رئيس صوري ليحكموا لبنان من خلاله كما حال الرئيس الجزائري الذي ليس سوى دمية بيد العسكر الذين اتوا به واصروا عليه على كبر سنه وضياعه الدائم ومرضه .
ولو وصل ميشال عون الى سدة الرئاسة لاضطر إلى تسليم امور لبنان مكرهاً الى إيران لتغزوه ، كما فعل على عبدالله صالح وبشار الاسد قبل ان ينحاز للروس ،ليتحول لبنان عندها الى ساحة حربية دموية بأعمال التفجير والإبادة للشعب اللبناني وتهجيره وقتله وتدمير مدنه وقراه من خلال المليشيات الإيرانية العراقية بترافق مع تنظيم داعش والقاعدة وجميع التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في العالم الموالية جميعها لإيران والممولة منها كما هو حال سوريا والعراق ، بحيث لن يبق من لبنان سوى الخراب والدمار ، عدا جحافل الجيش الإسرائيلي التي ستسرع لاقتسام حصتها من لبنان طمعاً في اراضية ومياهه وجباله وجنوبه في تنافس مع المحتل الإيراني .