تأليف : محمد السويسي
كانت بلدية طرابلس اللبنانية على الدوام موئلاً للمحسوبيات وموقعاً للنفوذ السياسي منذ الاستقلال وحتى الآن . مما جعل ممارساتها موقع انتقاد دائم من قبل المواطنين مع المقارنة بين اداءها خلال فترة الانتداب وبعده.
فقد كان نشاط بلدية طرابلس في الماضي وفق ماتطالعنا به الكتب والمقالات ومايرويه لنا الاباء ومن سبق من جيل الاربعينات، ان العمل البلدي كان شديد الانتظام في كل نواحي المدينة دون استثناء ،
حيث كانت النظافة من الاولويات في الشوارع والأزقة من الفجر حتى العصر مع رش الشوارع والحارات قبل الكناسة ،
بالاضافة لغسلها بخراطيم المياه بصورة مستمرة لتبقى نظيفة على الدوام .
كما كان الباعة في سوق الخضار يمتثلون لأوامر الشرطة البلدية في تواجدها الدائم بحيث لايسمح بإخراج اي صندوق خضار خارج عتبة المحل بأكثر من ١٠ سنتميترات اذا اضطر الأمر والا نظم به محضر مخالفة .
اما بالنسبة للبسطات والعربات فانه كان لايسمح لها بالعمل الا وفق ترخيص مسبق وفي امكنة محددة.
وقد بلغ التنظيم البلدي من الدقة بحيث ان كل حمال يجب ان يحصل على ترخيص عمل مع ترقيم نحاسي يضعه على ثوبه الخارجي او على حبله العريض الملقى على كتفه.
ولكن مع بداية الاستقلال غاب كل هذا النشاط الذي كان يخضع لمراقبة سلطات الانتداب ، اي من المحافظ مباشرة حيث كان المجلس البلدي واعماله تلاحق من قبله مباشرة دون القبول باي وساطات .
مع بداية الاستقلال فان الحال لم يختلف عليه عما هو عليه الان .
ان الترشح للمجلس البلدي ، منذ الماضي، تحكمت به دائماً المصلحة والتزلف بحيث لم يكن من لائحة معلنة الا بدعم سياسي وبالتالي حزبي مع موالاة الاحزاب بمعظمها لبيت كرامي وعلى راسهم الحزب الشيوعي قائد الحركة الوطنية بما كان يقدمه من منح دراسية لجميع الاطراف الموالين له وتذاكر سفر ومؤتمرات للسياحة اكثر منها للعمل .
كان الحزب الشيوعي واليسار يلوذ بالزعامات التقليدية لحماية تحركه وتظاهراته ، وكذلك كانت النقابات العمالية التي كانت تميل لليسار في نشاطها وتحركاتها وبالتالي كانت موالية الى بيت كرامي الى ان تغيرت الاحوال مع تعدد المرجعيات السياسية عقب حرب السنتين .
ومع تغير الاحوال السياسية في المدينة فان ممارسات المجتمع المدني ، من جمعيات ونواد مختلفة ونقابات وشخصيات متعلمة ومثقفة نشيطة لم تختلف في تعاطيها بالشأن البلدي الأخير عمن سبقها في التقرب للمرجعيات السياسية التي اضحت متعددة مع زوال النشاط الحزبي الذي اضحى متزلماً عند السياسيين كما معظم هيئات المجتمع المدني الحالية .
ومع هذا التزلم لهيئات المجتمع المدني لعدم الثقة بأنفسهم فقد فشلت هذه الهيئات على مدى عقود متوالية من تشكيل لائحة بلدية مستقلة كاملة عند كل استحقاق ،
اذ كانت جميعها تسعى للإنضواء تحت جناح المرجعيات السياسية وفي ذلك امر غريب لانه لافائدة مادية يجنيها عضو المجلس باستثناء الرئيس ونائبه الذين يتقاضون تعويضات مادية لقاء تفرغهم للعمل البلدي في سبيل خدمة المدينة .
والسؤال المطروح هو لما تتحمل المرجعيات السياسية وزر تقصير العمل البلدي في تدخلهم بتشكيل اللوائح البلدية بما يتعارض مع حرية الرأي في اختيار المواطنين لما يرونه مناسباً للشأن البلدي ؟ .
والجواب ان التدخل المعيب في الشأن البلدي من قبل السياسيين يتيح لهم توظيف اتباعهم والضغط لعقد صفقات الاشغال لازلامهم .
ولنا اكبر مثل في مشكلة توظيف الحراس البلديين الأخيرة من قبل المجلس السابق ، الذين فازوا في المباراة ومع ذلك فقد تأخر تعيينهم لفترة طويلة بسبب الخلاف على توزيع الحصص بين هذه المرجعيات لقصر نظرهم ، وكأن هذا الحارس موظف لديهم وليس لدى المواطن الذي يدفع له راتبه .
مع كل هذه السلبيات استطاعت هيئات المجتمع المدني ان تشكل في العام ٢٠١٦ لائحة بلدية مستقلة كاملة خارج اطار المرجعيات السياسية التقليدية التي هزمت هزيمة شنعاء امام عناد هيئات المجمتع المدني واستقلالها.
الا ان هذا النجاح اصاب هذا المجلس المنتصر بالشلل لعدم مد يد المساعدة له من قبل السياسيين الخاسرين ولعشوائية انتقاء اعضاء هذا المجلس مع رفض اصحاب الكفاءة والخبرة الانضمام اليه منتظرين من المرجعيات السياسية ان تتصل بهم وتضمهم الى لائحتها ،
وبذلك خسرت المدينة فرصة ذهبية بوصول مجلس كفؤ وخبير الى موقع القيادة البلدية للنهوض بالمدينة وتحسين وضعها ليغرق المجلس الجديد في الضياع لفقدانه الممارسة الادارية والخبرة والمعرفة .
وللتاريخ فإن أسوأ ممارسة من السياسيين عند اعدادهم اللائحة البلدية الأخيرة الخاصة بهم إعلانهم بانهم يسعون الى تشكيل لائحة بلدية من العائلات (الارستقراطية) ؟!
وفي ذلك أمر معيب يدل على قصر نظرهم اذ كان يجب ان يسعوا الى اصحاب العلم والخبرة لا إحياء التمييز الطبقي والمجتمعي الذي ولى ولم يعد له مكان في العالم .
↧
هيئات المجتمع المدني وبلدية طرابلس
↧