Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-5

$
0
0

"هي علاقة قد لا يفهمها البعض عندنا بمقاييسنا الشرقية وذلك كما لا يفهمها أيضا البعض في أوربا المحافظة، ولكنها إحدى العلاقات التاريخية التي تقوم على أعمق وأصدق ما تقوم عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، وقد أغنت الحياة الأدبية والعاطفية للعصر كله، وهي علاقة لا بد أن يفهمها ويستشعرها شبابنا وفتياتنا لأن الثورة الاشتراكية هي أيضا ثورة في أعم علاقة إنسانية وهي العلاقة بين الرجل والمرأة".
وهذه العبارات المسمومة لا تعني أكثر من قلب للمفاهيم الأصيلة التي يعرفها الناس جميعا عن العلاقات الشرعية بين المرأة والرجل حسبما أحل الله ذلك وأن كل علاقة غير هذه، أو من هذا النوع الذي يجهر به سارتر وسيمون هو نوع من الدعارة والزنا والفساد الذي لا يقره عرف ولا شرع، والذي لا يرضى عنه أي دين أو أي مذهب، أو أي نحلة فحين يحاول أمثال محمد عودة من الشيوعيين تحسين هذه العلاقة وتصويرها على هذا النحو الفاسد إنما يروجون لمفهوم معروف في الشيوعية وفي المذاهب المادية، وهو الإباحية؛ فإذا قيل أنها أغنت الحياة الأدبية والعاطفية، فبماذا أغنتها إلا بتلك الصفحات المسمومة السوداء التي تصور علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، والتي تصور أسوأ من هذا، تلك الانحرافات التي تتصل بالكاتبة في علاقات أخرى، وهذا هو ما يسميه محمد عودة وغيره ثورة في العلاقات الإنسانية أي هدم لكل القيم؛ إن العلاقة بين سارتر وسيمون وما كتب عنها هي أسود صفحة في تاريخ العلاقات بين المرأة والرجل على السواء؛ لأنها هدم للمجتمع والدين والخلق على السواء، ويكفي من دجله وبيان كذبه ومغالطاته مقاله في صحيفة "الجمهورية"الأربعاء (١٩ أبريل ١٩٦٧) في الصفحة الأخيرة وتحت عنوان بالخط العريض "ليس من المستحيل التوفيق بين الإسلام والماركسية"ورد عليه العلامة المجاهد محمود عبد الوهاب فايد في مقال نشر بمجلة الاعتصام في عدد صفر ١٣٨٧ هـ - الموافق ١١ مايو ١٩٦٧ م تحت عنوان بديل: "من المستحيل التوفيق بين الإسلام والماركسية - الإلحاد والإيمان ضدان لا يجتمعان".

* مدرسة صلاح جاهين الإلحادية:
صلاح جاهين ومصطفى حسين وردتهما وتطاولهما على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
نقلت الصحافة العربية فنا غريبا من فنون النقد الاجتماعي والسياسي هو الكاريكاتير أو الصور الساخرة، وهو عمل يقوم على السخرية من كل القيم ويحارب كل مفاهيم الأصالة في سبيل إضحاك القارئ، وتبدأ الحملة فيه على كل وجه من وجوه الخير من نقد لعلماء الدين أو زي المرأة المسلمة أو الغمز للصوم والصائمين، أو الهجوم على شهر رمضان أو إذاعة التفاهات من الكلمات والفكاهات والعبارات النازلة، وقد كان من أسوأ هذه الصور كاريكاتير الشيخ متلوف الذي استمر في مجلة روزاليوسف سنوات في نقد لاذع لكل القيم التي يمثلها عالم الإسلام، بل إن صلاح جاهين قد جاوز بعد ذلك كل الحدود حين أجرى الكاريكاتير على أعلى قيم الإسلام، وسخر هذا الملحد كثيرا من الإسلام وجعل كاريكاتيره الغمز واللمز وحرب الإسلام.
- وجاء مصطفى حسين فرسم الديك وزوجاته وكتب تحته: "محمد أفندي والزوجات التسع"يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجاته أمهات المؤمنين، ونشرت أيضا جريدة المساء المصرية التي يملكها مجلس قيادة الثورة المصرية سنة ١٣٨٢ هـ - ١٩٦٢ م صورة كاريكاتيرية تتمثل في وجه إنسان ورجل يقول: "أهو دا محمد أفندي اللي اتجوز ٩"والهدف معروف من وراء هذه الإشارة كما نشرت جريدة صباحية كاريكاتورية رسما للاعب كرة وهو يضرب عمامة أحد علماء الأزهر بدلا من كرة القدم.
وعلى أثر حادث الإرهابيين في فيينا رسم صورة كتب تحتها يصف الإرهابيين بهذه الأوصاف خديجة مائير، أحمد ليفي إلى آخر هذه الأسماء لماذا اختار هذه الأسماء الإسلامية الكريمة ليصلها بأبغض الأسماء.
- عامله الله بما يستحق - وإلى مزابل التاريخ ذهب هو ومدرسته وتلامذته وعلى رأسهم:
سندريللا الشاشة العربية تلميذة صلاح جاهين سعاد حسني والجزاء من جنس العمل:
- {ولا يظلم ربك أحدا} هذه التي أفسدت الشباب والفتيات برقصها ومرحها ودلها وأدوارها الماجنة وألهبت الشباب بحركات وجهها، وكان جزاؤها من جنس عملها، أبدلها الله بمرحها كبتا نفسيا وعزلة لم ينجها منها العلاج في أكبر مصحات بريطانيا وأصيبت بشلل في وجهها وزيادة في وزنها وشرخا في عمودها الفقري، فقبح منظرها ثم كانت الخاتمة انتحارا أو قتلا ..
ومن المعلوم أنها غرقت في كدر الشيوعية بسبب زوجها السابق الشيوعي، وبسبب أستاذها صلاح جاهين.
*** * سيدة الشاشة العربية وتمثيلها لفيلم "أريد حلا"وفيه من التطاول على الشريعة ما فيه:
كيف قبلت تمثيل هذا الفيلم وهو محاولة خبيثة للنيل من الشريعة الإسلامية والطعن في تعاليمها فالقصة التي قام عليها تصور حياة شابة اكتشفت بعد الزواج أن زوجها رجل فاسد الطباع منحرف الأخلاق فلجأت إلى القضاء الشرعي تطلب الطلاق للضرر، واستطاعت أن تثبت ذلك الضرر، وبدلا من أن ينصفها ذلك القضاء سد في وجهها أبواب الرحمة باسم الدين وضيق عليها منافذ الحياة باسم تعاليم الشريعة الإسلامية ثم ألجأها إلى رهبانية رهيبة لا يعرفها الإسلام، رهبانية امتصت رحيق شبابها وحيويتها وجعلها تصرخ "أريد حلا"ولم تجد حلا فعاشت للعذاب والشقاء، وهكذا صوروا لها الإسلام وصوروه لكل من شاهد الفيلم، الإسلام الذي أعز المرأة ورفعها إلى المستوى الإنساني بعد أن كانت تعامل معاملة السائمة والعبيد في أمريكا والذي سوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، وجاء بتشريع كامل شامل ينظم الأسرة ويضمن للمرأة كافة أسباب الحياة الكريمة زوجة وبنتا وأما.
- ونتساءل كيف حدث هذا، فتتجه أصابع الاتهام إلى المخرج فهو مسلم بحكم شهادة الميلاد، وهو من ألد أعداء الإسلام بحكم نزعته واتجاهه، لقد أخذ قصة تنقد بعض أوضاع المحاكم الشرعية في مصر فحولها إلى معول لهدم الشريعة، واستند في إخراجها إلى عناصر لا دينية ولها انتماءات ماركسية ثم أعد لها دعاية ضخمة بلغت تكاليفها أكثر من ميزانية الفيلم نفسه وطبعا دفعت هذه المبالغ جهات لها مصلحة في النيل من الإسلام وزعزعة إيمان ضعاف النفوس من أبنائه، والعجيب أن الرقابة على الأفلام في مصر صرحت بالفيلم مع التقدير الشديد، والهيئات النسائية رحبت به ترحيبا خياليا واعتبرته الدفاع الصحيح عن المرأة التي ظلمها الإسلام، والأعجب أن أحدا من علماء الأزهر لم يتنبه إلى خطورة ما يهدف إليه الفيلم وخطورة الحملة الدعائية التي صاحبت ظهوره، وجعلته يعرض في الدول العربية وجعلت الناس يتهافتون على مشاهدته، ثم جعلت نساء البلد الذي أنتجه يطالبن بضرورة تعديل قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين مستوردة من الكتلة الشرقية (أمينة الصاوي).

* يوسف وهبي فنان الشعب المدمن للخمر لا يرى تحريم الخمر:
ما أصدق ما قال هنري فورد في كتابه "اليهودي العالمي"بأن اليهود من أجل تحقيق غايتهم قد سيطروا على ثلاثة أشياء: البنوك للربا، والسينما لتقديم مفاهيمهم المسمومة، ومعامل الملابس والمساحيق والعطور، وسواها من مستلزمات الموضة؛ بل ونزيد هنري فورد شيئا رابعا وهو الصحافة .. فها هي الصحافة العربية تدافع عن الخمر بنشر إعلاناته، وإيراده في كل قصة ورواية، بل وتدافع عنه عن طريق شاربيه ومدمنيه الذين يدافعون عنه أمثال يوسف وهبي (مجلة روزاليوسف - العدد ١٤٥٧).
- قال: لا أرى أي شيء طالما أن الضرر أو النفع يعود على الشخص نفسه، فأنا أمقت تحديد الحريات ما دامت هذه الحريات تعبر عن إطلاق القيود في المجتمع، وكل امرئ مسئول عن عمله وكل فرد هنا له عقل يعرف كيف يتصرف به؛ فإن من يمنع شيئا بالقوة مثل من يمنع اللص من السرقة بوضعه داخل أربع جدران، وتحريم الخمر يماثل أمر الحاكم بأمر الله الذي قضى على زراعة الكروم ليمنع الناس من شراب النبيذ.
وينسى يوسف وهبي أو يتجاهل مدى الأخطار الاجتماعية التي تصيب شارب الخمر وتحريم الشرائع والأديان لها، بل ويتجاهل ما يقوله الأطباء من أخطارها على الكبد والمعدة والعقل.

* يوسف شاهين وتزوير التاريخ .. يجعل شعار صلاح الدين الدفاع عن العروبة .. ويجعل عيسى العوام -البطل المسلم الشهيد- نصرانيا:
حملت سينما يوسف شاهين وفيلمه "الناصر صلاح الدين"سموما صليبية حين صور معارك "حطين"وفتح القدس على يد البطل المسلم الكردي صلاح الدين صورها على أنها معارك عربية أو مصرية ضد القوى الأجنبية الغازية مع إخفاء وتجاهل وحجب البعد الإسلامي - وهي معارك بين الغرب الصليبي وعالم الإسلام وأنها كانت تستهدت اقتلاع الإسلام من جذوره .. ويصور يوسف شاهين صلاح الدين أنه بطل عربي يكثر في حديثه الكلام عن العرب والعروبة وهذا دجل، وبلغ دجل يوسف شاهين وكذبه وزوره أنه جعل عيسى العوام مسيحيا يعلق الصليب على صدره، ويكفي أن أذكر من المصادر التاريخية التي كتبها ثقات علماء المسلمين الذين عاصروا عيسى وعايشوه ما يكفي لإلقام هذا الدجال يوسف شاهين حجرا.
- يقول القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية"أو "سيرة صلاح الدين"تحت عنوان "ذكر قصة العوام عيسى -رحمه الله-: "ومن نوادر هذه الواقعة ومحاسنها أن عواما مسلما يقال له عيسى، وكان يدخل إلى البلد (١) بالكتب والنفقات على وسطه ليلا، على غرة من العدو، وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه وأبطأ خبره عنا، وكانت 

عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرفنا بوصوله، فأبطأ الطير، فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتا غريقا فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب، وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رؤي من أدى الأمانة في حال حياته، وقد أداها بعد وفاته إلا هذا الرجل، وكان ذلك في العشر الأخير من رجب (١) "اهـ.
فما يقول يوسف شاهين الصليبي الدجال؟! وهل هذا من الأمانة أن تجعل من شهيد مسلم نص ابن شداد على إسلامه نصرانيا؟!!

* ومن تزويرهم للتاريخ:
وإن تعجب فاعجب من قول العصراني الدكتور محمد عمارة عن صلاح الدين الأيوبي أنه "القائد الإقطاعي البارز؟! " (٢).
"ويأسف الدكتور عمارة لانتصار المسلمين في الحروب الصليبية؛ لأنها أعادت الحيوية للإقطاع العربي، فلقد كانت الحروب الصليبية مرحلة من الأحداث الكبرى التي أتاحت للإقطاع العربي فترة من استرداد الحيوية والنشاط" (٣).
- د. محمد عمارة الذي يصف الفتح العثماني بأنه "طوفان الدمار التركي وأرجال الجيش العثماني الذي لف العالم العربي بردائه الأسود أكثر من أربعة قرون" (٤).
وانظر إلى سقطة أخرى من سقطات محمد عمارة فقد قال عن عمر بن الخطاب "فقد كان رائد التمييز بين السياسة والدين مع معارضة جمهور الصحابة له، ولقد بنى الدولة الإسلامية على هذا التمييز (١) أي: أن عمر بن الخطاب كان العلماني الأول في الإسلام وانظر إلى طامة أخرى من طوامه إذ قال عن حروب الردة:
"فحروب الردة لم تكن حروبا دينية، ولا حرب علي مع خصومه كانت دينية؛ لأنها كانت حربا في سبيل الأمر، أي الخلافة والرئاسة والإمامة وهذه سلطة ذات طبيعة سياسية ومدنية، ومن ثم كانت الحروب التي نشبت لأجلها سياسية ومدنية هي الأخرى" (٢).
- وصفهم قراقوش بأنه رمز لكل مستبد جائر، مع أنه من أبطال الإسلام العظام وهو نائب صلاح الدين:
وراء ذلك كله الأسعد بن مماتى وله كتاب "الفاشوش في أحكام قراقوش"وسار ذلك مسرى النار في الهشيم وسط العامة والخاصة إلا من له إطلاع واف على كتب التاريخ.
- يقول ابن خلكان: "إن صلاح الدين كان يعتمد في أحوال المملكة عليه، ولولا وقوفه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه".
وكان القاضي الفاضل وزير صلاح الدين لا يدع رسالة يأتي فيها ذكر الأمير العظيم بهاء الدين قراقوش حتى يملأها مدحا وثناء عليه، وعلى جده ونشاطه وصبره وإخلاصه وأمانته، ثم ذلك ما عرفه الصليبيون فقالوا عن شخصية بهاء الدين قراقوش أنها شخصية رجل محارب، له روح غريبة،
.أدهشت الصليبيين وأثارت إعجابهم بشجاعة صاحبها، ومهارته وقدرته حتى نظروا إليه على أنه جندي وقديس معا" (١).
- قال عنه العماد الأصفهاني في وفيات سنة سبع وتسعين وخمسمائة وهي السنة التي مات فيها بهاء الدين قراقوش: "وفيها توفي الأمير بهاء الدين قراقوش، وهو من القدماء الكرماء، وشيوخ الدولة الكبراء، أمير الأسدية ومقدمها، وكريمها ومكرمها، ولم أر غيره خصيا لم تقاومه الفحول، ولم يؤثر في مجال مأثراته المحول، وله في الفتوحات والغزوات مواقف معروفة ومنامات موصوفة وهو الذي احتاط على القصر حين استتبت على متوليه أسباب النصر، وذلك قبل موت العاضد بمدة.
ولما خطب لبني العباس بالديار المصرية، تسلم القصر بما فيه، واستظهر على أقارب العاضد وبنيه، وتولى عمارة الأسوار المحيطة بمصر والقاهرة، وأتى فيها بالعجائب الظاهرة وكان معاذ الالتجاء، وملاذ الارتجاء.
- ولما احتاج السلطان صلاح الدين إلى إقامة الجسور، وتطهير الترع، وتشييد القلاع والأسوار المحيطة بالبلاد لتقيها شر الغارات التي قد تأتي إليها من جانب الفرنج تارة، والشيعة المنبثين في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي تارة أخرى لم يكن لهذه المشروعات العظيمة إلا الأمير قراقوش، ولعل أول ما قام به الأمير من ذلك قلعة الجبل، ثم قلعة المقس، وهي برج كبير بناه الأمير على النيل، وبنى بالقرب منه أبراجا أخرى، ثم أقام سورا عظيما على حافة الصحراء الغربية، واستغرق منه ذلك من عام ٥٦٧ هـ حتى ٥٦٩ هـ، ثم أمره السلطان صلاح الدين ببناء سور يحيط بالقاهرة وتم له ذلك، "وأمن .أهل القاهرة من يد تتخطف ومجرم يقدم ولا يتوقف"كما قال القاضي الفاضل، وسر السلطان برسالة القاضي وبخادمه قراقوش، وعلم أن الله تعالى يريد بدولته خيرا، إذ قيض لها مثله ومثل وزيره القاضي الفاضل.
- ومن أعماله العظيمة بناء سور حول عكا بعد أن تهدم من شدة القتال، وحاصر الفرنج عكا عامين، ذاق فيهما الأمير والمسلمون معه الأمرين، بل ذاقوا هنالك أقسى ما عرفته المحنة الصليبية من ألم وتحملوا فيهما أشق ما مر بها من جهد ونصب، ودخل الصليبيون عكا، وانهالوا على أهل المدينة نهبا وذبحا وأسرا، وكان الأمير نفسه ممن أسر بعد أن ثبت ثبات الأبطال وصبر صبر الرجال، وشد من عزائم من معه من الجنود، وبقي في الأسر حتى أفرج عنه حين عقد الصلح، وكان يوم الإفراج عنه يوم سرور عظيم؛ إذ فرح به السلطان الناصر صلاح الدين الفرح كله، لما كان له عليه وعلى الإسلام كله من الحقوق، فبقي الأمير إلى جانب السلطان ينيبه عنه في أخطر المواقف لم يفارقه حتى فارق صلاح الدين هذه الدنيا.
- هذه صفحة في إنصاف بطل من أبطال تاريخنا "وما أضيع الأمة حين يكون حاضرها لا أصل له ولا ماض ولا تاريخ".

* أهل الفن وتجارة الغرائز .. الكعبة .. والراقصة!!:
عرضت في عام ١٩٩١ م مسرحية في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة وفوجئ المشاهدون بمشهد تظهر فيه الكعبة المشرفة -قبلة المسلمين ورمز وحدتهم ومحل حجهم ومكان تطهرهم- وقد خرجت منها راقصة ترقص بصورة فاضحة، ثم تتحول الكعبة إلى برميل بترول!!!
جرى هذا المشهد في مسرحية تعالج "الزار"الذي يلجأ إليه العوام الجهال، فما العلاقة بين الكعبة والزار؟!.

- واستخدمت الكاتبة صافيناز كاظم قلمها في التنبيه إلى الجريمة ومرتكبيها الذين يستعدون -فيما بعد- ليبولوا في حلوقنا (!! ) (المصور ٦/ ٩/١٩٩١ م) بعد أن جرحوا مشاعر المسلمين ومقدساتهم، وهاجت الدنيا وماجت، ولكن الذين قدموا المسرحية أو ساعدوا على تقديمها، حققوا لأنفسهم شهرة كبيرة ودعاية عظيمة، بل أتيح لهم أن يظهروا على شاشة التلفزة للناس بعيون جريئة: لم نكن نقصد!! أو أن الناس فهموا خطأ!! ثم كان لسان حالهم يقول للجمهور: موتوا بغيظكم.
- من يتصدى لهذه البذاءات يوصف بالتطرف والتخلف والسلفية والردة والظلامية ... إلى آخر القاموس البذيء الذي يستخدمه أصحاب هذه السفالات، وأنصارهم من حملة الأقلام غير المتوضئة (١).

* المسرحية التي تسخر وتستهزئ بالملائكة .. (الرجل اللي ضحك على الملائكة! ):
والمسرحية المصرية التي تستهزئ بملائكة الرحمن بعنوان "الرجل اللي ضحك على الملائكة"وتقوم فكرتها على أن الآخرة لا بد أن يكون فيها عمل وتجعل الملائكة في وضع ساخر، حيث يضحك مدير الشركة الذي سلب ونهب في الدنيا على الملك فيقطع ورقة من دفتر حسابه بعد أن أجبر على اعتبار نومه عبادة، متمسكا بأن هنا مبدأ دينيا فلما ذهب الملك للاستفتاء سرق ورقة إدانته.

- واستخدمت الكاتبة صافيناز كاظم قلمها في التنبيه إلى الجريمة ومرتكبيها الذين يستعدون -فيما بعد- ليبولوا في حلوقنا (!! ) (المصور ٦/ ٩/١٩٩١ م) بعد أن جرحوا مشاعر المسلمين ومقدساتهم، وهاجت الدنيا وماجت، ولكن الذين قدموا المسرحية أو ساعدوا على تقديمها، حققوا لأنفسهم شهرة كبيرة ودعاية عظيمة، بل أتيح لهم أن يظهروا على شاشة التلفزة للناس بعيون جريئة: لم نكن نقصد!! أو أن الناس فهموا خطأ!! ثم كان لسان حالهم يقول للجمهور: موتوا بغيظكم.
- من يتصدى لهذه البذاءات يوصف بالتطرف والتخلف والسلفية والردة والظلامية ... إلى آخر القاموس البذيء الذي يستخدمه أصحاب هذه السفالات، وأنصارهم من حملة الأقلام غير المتوضئة (١).

* المسرحية التي تسخر وتستهزئ بالملائكة .. (الرجل اللي ضحك على الملائكة! ):
والمسرحية المصرية التي تستهزئ بملائكة الرحمن بعنوان "الرجل اللي ضحك على الملائكة"وتقوم فكرتها على أن الآخرة لا بد أن يكون فيها عمل وتجعل الملائكة في وضع ساخر، حيث يضحك مدير الشركة الذي سلب ونهب في الدنيا على الملك فيقطع ورقة من دفتر حسابه بعد أن أجبر على اعتبار نومه عبادة، متمسكا بأن هنا مبدأ دينيا فلما ذهب الملك للاستفتاء سرق ورقة إدانته.
***
* كوكب الشرق:
كوكب الشرق ضاع قومي لما ... تاه في حبك القطيع وهاما
- يقول صالح جودت شاعرهم في قصيدة عنوانها "دور الشعر والفن في تعزيز أخلاق الأمة أو انحلالها"في الملتقى الفكري الإسلامي التاسع بمدينة تلمسان بالجزائر، أول شهر رجب سنة ١٣٩٥ هـ!!!.
وبئس ليل ما به آهة ... من أم كلثوم ومن أسمهان (١)
أي والله هكذا!!!
- خدريهم يا كوكب الشرق:
- قال الشيخ يوسف العظم: "يقولون إن أم كلثوم ظاهرة عجيبة، وأضيف، وظاهرة تخديرية رهيبة، ما أصابتنا كارثة، أو حلت بنا مأساة إلا وقفت تغني لليل، والخمر والحب الضائع، حتى في أعقاب الكارثة المدمرة، في الخامس من حزيران، وقفت تغني للمترفين، والدم البريء يسيل على كل رابية، والعار الأسود يجلل جباه المخدرين والمخدرات، ممن راحت تصفع وجوههم، ولا يشعرون "هذه ليلتي وحلم حياتي"لعل هذا الضياع الذي أصاب الأمة، وهذا الخدر الذي سرى في أعصابها هو الذي دعا صحفيا إلى القول في صحيفته البيروتية مباهيا دون خجل: "إني أعرف مكانة أم كلثوم عند العرب، وأعرف كذلك أن حب الكثيرين لها يوازي حبهم لفلسطين" (٢).
***
- يقول يوسف العظيم:
"كوكب الشرق"لا تذوبي غراما ... ودلالا وخرقة وهياما
لا ولا تنفثي الضياع قصيدا ... عبقريا أو ترسلي الأنغاما
فدماء الأحباب في كل بيت ... تتنزى وتبعث الآلاما
وجراح "الأقصى"جراح الثكالى ... ودموع الأقصى دموع اليتامى
أيها الشعب خدرته "الليالي" ... مثقلات تفجرت آثاما
فعن الحق تارة يتلهى ... وعن النور تارة يتعامى
يتهاوى على ذراع طروب ... أو لعوب في حضنها يترامى
وإذا الشعر بالكئوس تغنى ... والنواسي عانق الخياما
وأنين الكمان صار أذانا ... في حمى البيت والنديم إماما
وإذا ليلتي وحلم حياتي ... لم تحطم في فجرها الأصناما
فإلام الجهاد يا "كوكب الشر ... ق"وما بالنا نهز الحساما
لا تغنى الخيام يا "كوكب الشر ... ق"وتسقى من راحتيه المداما
ففلسطين لا تحب السكارى ... وربى القدس لا تريد النياما
ولو أن الخيام يبعث حيا ... هوت الكأس من يديه حطاما
"كوكب الشرق"شاع قومي لما ... تاه في حبك القطيع وهاما
قد أطاعوا الهوى فضلت دروب ... سلكوها وقد أباحوا الحراما (١)
منحوك الإعجاب يا ويح قومي ... وعلى الصدر علقوك وساما
ناوليهم من راحتيك كئوسا ... وامنحيهم من ناظريك ابتساما
واجعلي الفن ردة وضياعا ... لا أحاسيس أمة تتسامى
ودعيهم في كل واد يهيمون ... ن سكارى ونكسى الأعلاما
خدريهم باللحن يا كوكب الشر ... ق وصوغي من لحنك استلاما
أيها السادة الكبار سلاما ... قد قتلتم في كل نفس سلاما (١)
- اعجب يا أخي: بعد هزيمة حزيران بأيام سئلت أم كلثوم عن أهم صفة في عبد الناصر؟ فقالت: إنسانيته (٢).
- هل غاب وعيك يا كوكب الشرق أم خدرت قومك.

- العندليب عبد الحليم حافظ الذي صفق طويلا للدجاجلة وضيع شباب الأمة:
في أول يونيه ١٩٦٧ نشر في العمود الثالث من الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام أي: قبل الحرب بأربعة أيام خبر نصه:
"وضع مجدي العمروسي مدير صوت الفن جميع الإمكانيات تحت تصرف إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، كما بدأ في طبع ٤٠ ألف صورة كارت بوستال عليها صورة عبد الوهاب، و٤٠ ألفا عليها صورة عبد الحليم حافظ، و٤٠ ألفا عليها صورة نجاة الصغيرة، و٤٠ ألفا عليها صورة شادية على كل منها إهداء من صاحبتها .. سترسل من الغد إلى جنودنا الرابضين في الجبهة" (٣).
- وفي كتابها "جندي من إسرائيل"تقول ابنة موشي ديان عن أيام ما قبل المعركة مباشرة "كانت إذاعات العدو (١) تقول: قاتل وأم كلثوم معك في المعركة .. قاتل وعبد الحليم معك في المعركة".
نعم .. إنه عبد الحليم حافظ المسئول أمام الله عن ميوعة الشباب وتخنثهم وضياعهم في تيه الأغاني والحب وكل ما هو محرم .. يكفي فيلم واحد من أفلامه "أبي فوق الشجرة"فما ظنك بتدمير شباب أمة بالكامل.
- أليس هو الذي غنى "قدر أحمق الخطا .. سحقت هامتي خطاه"، أما علم الناس أغيته الداعية إلى الاشتراكية الساخرة من الرجعيين
ونطبل لك كده هو ... ونزمر لك كده هو
ونقول لك يا عدو الاشتراكية ... يا خاين المسئولية
أليس هو القائل "انتصرنا"في وقت الهزيمة.
- نذكر الناس بأغنيته التي حولت الشعب إلى قطيع يأتمر بأمر الطاغية "جماهير الشعب تدق الكعب .. تقول كلنا صاحيين"، لقد كان عبد الحليم صوتا للشمولية في قسوتها، وبشاعتها ضد شعبها وأمتها، وكان لسانا للقمع الذي أخضع الشعب لسطوته وقهره، كان رمزا لزمن الهزائم والعار، وعده العدو جنرالا يحارب به النظام معاركه الخاسرة دائما.
لماذا عبد الحليم وشقشقاته وطقطقاته التي ترضي الزعيم الفلتة المفلوتة من دورة الزمان؟!
في ذكرى وفاة المطرب عبد الحليم حافظ العشرين -بل وفي كل سنة- فرضت أجهزة الدولة الإعلامية زفة عن عبد الحليم في أكثر من عشر محطات إذاعية وأكثر من عشر قنوات تلفزيونية، فضلا عن جرائد السلطة ومجلاتها طوال أسبوعيين تقريبا، وفي كل أوقات البث والإرسال موضوع عبد الحليم .حافظ في مجال الأغنية، ومجال السينما، ومجال الموسيقى، ومجال الأسرة ومجال الصحة، ومجال الزواج السري ... إلخ.
ووضعت عبد الحليم في صورة البطل القومي الذي لا تتم الوطنية والقومية والثورية إلا بمعرفة تاريخه منذ التقت به إحدى المذيعات في الطريق وقدمته للجمهور حتى رحيله في إحدى المدن الأوربية ذات يوم من شهر مارس .. مات وأنبوبة العلاج قد وصلت إلى حنجرته .. أي والله حنجرته حيث الأحبال الصوتية مكان الغناء ولا يظلم ربك أحدا .. والجزاء من جنس العمل، تعلق صوره على صدور الشباب من الجنسين وفي الشوارع وعلى الأرصفة ويصور في صورة البطل الذي تفتقده الأمة ليخلصها من متاعبها وهؤائمها، وفي الوقت نفسه تحل ذكرى شيخ الأزهر جاد الحق والشيخ الغزالي فما سمع صوت ولا حديث ولا تعليق من أجهزة الدعاية الحكومية.
- إن عبد الحليم حافظ وزمانه في خانة غير مرغوبة بالمعايير الصحيحة للشعوب الحية التي تحترم دينها وتبحث عن الحرية والأمل الحقيقي (١).
إيه يا زمن عبد الحليم حافظ .. زمن تنطق فيه الرويبضة .. السفيه يتكلم في أمر العامة يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق.
وطاولت الأرض السماء سفاهة ... وقال الدجى للصبح أنت مؤسسي
فقالوا لظلمات الليالي "تنفسي" ... وقالوا لشمس الصبح "مالك عسعسي"
وشاهدت غوريللا تباهي بحسنها ... قطيع ظباء مائسات وكنس (٢)
وشاهدت من يشري العزيز بدرهم ... ومن باع ماء الوجه فيها وبأبخس
 
وأصبح للشوك الأثيم معارض ... ولم أر فيها من ورود ونرجس
وجاء ضرير القوم يلعن مبصرا ... ويسخر من "سحبانها" (١) كل أخرس
ومادرها (٢) يزرى بحاتم طيئ ... وينكر نبت الجود في كل مغرس
وألقوا أمين القوم في قاع مظلم ... وصفق أقوام للص مدلس
فقلت وفي حلقي الممزق غصة ... وقد ضاق من كرب الخزايا تنفسي
"لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها، وحتى سامها كل مفلس" (٣)
 
* موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يحضر أول زواج بين الشواذ في مصر لرجلين ويباركه:
لن نتكلم عن حرمة الموسيقى وأنها صفة الفساق، ولن نتكلم عن حياة محمد عبد الوهاب الخاصة، فقد أفضى إلى ما قدم .. لكن لا يستطيع أي صادق من معارفه أن ينكر حضوره ومباركته لأول زواج بين شاذين في واحة من واحات مصر .. وقد نشرت الجرائد المصرية ذلك .. ولا تعليق على ذلك إن كان بالقوم حياة .. حتى قال أحدهم ساخرا من هذه الرموز الخليعة:
وموسيقارنا عبد الوهاب ... وكوكب شرقنا نبحت سنينا
وذاك العندليب أخو الغراب ... أنتركه لدعوى الطاهرينا
ورقص الشرق ذا فن تجلى ... وذا تسبيح عين الشاكرينا
..

* فنان الشعب سيد درويش يموت وهو يتعاطى الحشيش والأفيون:
موسيقار الشعب سيد درويش يموت وهو يتعاطى المخدرات والحشيش والأفيون، أي والله وباعتراف أمه كما جاء في المجلات، ولا عجب فهذا دأب الكبار والرموز دائما. فقد "كان كبار مسئولي الدولة في السلطة الناصرية والساداتية بعدها من المدخنين للحشيش، بالإضافة إلى بعض فناني الدولة مثل نجيب محفوظ، وأحمد مظهر، وشاعر النظام الناصري صلاح جاهين وشيخه سيد مكاوي" (١) واسلمي يا مصر.

* عادل إمام الإرهابي الكبير والمهرج يصف فرج فودة بـ "أخي الشهيد":
عادل إمام الذي سخر من الحجاب والمحجبات، ومثل الإسلاميين بأقبح الصور وعدهم من "طيور الظلام"، وقال عن فرج فودة "أخي الشهيد"أي شهادة وهو مرتد؟!!. وستذهب كما ذهب إلى مزابل التاريخ.

* لطفي الخولي اليساري:
هو القائل: "إن اليسار في مجتمعنا هو الوريث الحقيقي لدين محمد ابن عبد الله ولدين عيسى بن مريم ولفضل أبي بكر وعمر، وهي محاولة فاسدة وكاذبة ومضللة ترمى إلى رفع دعاة الشيوعية من الحضيض إلى قمة الأنبياء والصحابة وقادة الفكر، وهيهات أن يصلوا إلى مستوى أقدامهم أو أفعالهم (٢).

* كامل زهيري يريد هدم التراث كله:
أخطر دعاوى الصهيونية والماركسية ما أعلن عنه كامل زهيري حين قال
للأستاذ علي الجندي: إننا نريد أن نهدم القديم كله .. التراث كله وليس الشعر فحسب (١).

* الدعوة إلى المصرية والفرعونية:
- ومن دعاتها: أمين إسكندر ..
من الأفكار المسمومة التي نشرها كتاب الصحف قول أمين إسكندر:
"إن مصر حافظت على وجودها وشخصيتها القومية إزاء الأديان، وإن الأديان التي عرفتها مصر سواء بالنشأة أو بالانتساب لم تغير من مصر طابعها القومي وإنما تحولت إلى جزء من هذا الطابع، كان لمصر مسيحيتها الخاصة وإسلامها الخاص".
وهذه نغمة مسمومة كاذبة فليس هناك إسلام مصري مختلف، وليست مصر كما يقولون أخضعت الإسلام، الحقيقة أن روح الإيمان التي عرفت في مصر قبل الإسلام وقبل المسيحية إنما هي ثمرة من ثمار الحنيفية السمحاء التي حمل لواءها دين الله الإسلام الذي دعا إليه سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وهو صاحب كل الميراث الخلقي والروحي الذي عرفته المنطقة العربية قبل الإسلام بألف وأربعمائة سنة، وهذا هو ما كان موجودا في مصر قبل الإسلام ولا ريب أنه من الإسلام نفسه. {هو سماكم المسلمين من قبل}، {أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}.
ذلك أن هناك علاقة كاملة بدأها إبراهيم -عليه السلام- في هذه المنطقة بدعوة التوحيد الخالص وختمها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجاءت في ثناياها رسالة موسى ورسالة عيسى وسائر الأنبياء، فلماذا هذا التضليل الكاذب بإعلاء شأن العنصريات والقوميات والإقليميات على هذا النحو البغيض، إن شخصية
مصر الحقيقية في جوهرها هي عصارة التوحيد والدين الحق، ولم يكن لمصر شخصية أساسية مطلقا قبل الإسلام، فقد نبذت مصر الدين واللغة التي امتدت خلال الحضارة الرومانية قبل الإسلام ألف سنة (١).

* فهمي عبد اللطيف:
- يقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص ٢٣٠): "هناك محاولة للقول بأن "روح مصر"أكبر من "روح الإسلام"، وأن مصر أرض وعبقرية أولا ثم يجيء الدين والقيم، هذا ما يذهب إليه الكثيرون منهم فهمي عبد اللطيف إنهم يقولون أن عطاء النيل هو الذي كون روح الشعب المصري، وهل يمكن أن تتكون روح الأمم من المادة، الحقيقة أن الأديان والقيم هي التي تشكل روح الأمم، أما هذه الأهرام الشامخة التي يعتزون بها فإنها تمثل مفهوم دين الفراعنة الوثني، ذلك الكلام الخادع، قهر الفناء الذي يحطم حياة الحي وسبعة آلاف سنة، الحقيقة أن مصر عرفت التوحيد باكرا وعرفت رسالة السماء في إدريس وإبراهيم وفي يوسف وأنها هي مصدر تلك الأصالة وليس النيل أو الأهرام كما يدعون".

* محمد رفعت - شفيق غربال، ومحمد صبري والدعوة إلى القومية المصرية:
"كانت الصحافة العربية حاضنة الدعوة الإقليمية، ثم الدعوة القومية المفرغة من القيم الإسلامية، وكانت الدعوة الوطنية، وكانت الدعوة إلى إحياء الفرعونية والفينيقية، وحملت الصحافة لواء الدعوة إلى كتابة التاريخ من وجهة نظر مصرية 
 
الفكرتان بالنقد والتفنيد، أما أولاهما فهي تدعو إلى ولاء واضح مع فرنسا التي كانت تقود سياسة الدعوة المتوسطية، أما دعوة العقاد فقد كانت تدعو إلى الإقليمية وتجمد المثل العليا وتمزق وحدة العرب (١).
وسقط العقاد سقطته مثلما سقط سقطته الكبرى يوم أن دافع عن البهائية ومجد البهاء الذي ادعى الألوهية وهنا يعلم الناس مدى أهمية تقييم الناس والقادة والعمالقة، والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام وميزانه .. الإسلام وحده.

* كمال الملاخ وزكي شنودة والمسيحية السياسية والفرعونية:
فكرة القومية المصرية بديلا للعروبة، امتدت لتؤسس نمطا من التفكير والتوجه لدى عدد من مفكري النصارى وكتابهم في مصر، وبخاصة أولئك الذين أسسوا ما يسمى بالمسيحية السياسية من خلال كتاباتهم وأبحاثهم من أمثال كمال الملاخ وزكي شنودة مؤلف "تاريخ الأقباط"وكأنهم يقولون "أبعدوا شبح العرب عن مصر .. العرب استعمروا مصر وشوهوا وجهها الحضاري" (٢).
- ويتكلم الأستاذ أنور الجندي عن الخطوط العامة التي تحتاج إلى دراسة وبحث في مجال الأدب واللغة والتراث فيتحدث عن محاولة طرح طابع فرعوني على الفكر العربي الإسلامي، وهذه محاولة تستشري في كتابات كمال الملاخ ولويس عوض وزكي شنودة، وطائفة كبيرة من "المصريولوجيين"الذين يحاولون أن يردوا القيم والأخلاق والتقاليد والعادات التي يحفل بها المجتمع العربي الإسلامي إلى الفرعونية، وكلما جرى الحديث حول فن من الفنون، تحدثوا عن الفن الفرعوني والطب الفرعوني، والحكمة الفرعونية، وهذه محاولات باطلة لأن الخيوط التي بين أيدينا عن العصر الفرعوني قليلة وضئيلة وساذجة ولا تستطيع أن تكون صورة حضارية أو صورة أدبية لغوية، فقد تقطعت الأسباب بيننا وبين ذلك العصر البعيد وجاء الإسلام خلال أربعة عشر قرنا فقضى على اللغة والتقاليد والعادات القديمة، وهي دعوة معارضة لروح الأمة المتدفقة التي تربط مصر بالعروبة والإسلام، انفصلت آثاره وأخباره بينما تسحب ستائر الصمت عن ميراث حي يتدفق بالحياة متصل بأمجاد هذه الأمة في صورتها العربية الإسلامية جميعا، وليس معنى هذا أن يغمض الطرف عن الآثار الفرعونية فهي مفخرة من مفاخر مصر، وجزء من تاريخ العرب؛ لأن الذين أقاموها كانوا يمثلون مرحلة ضخمة من مراحل الحضارة والتقدم الذي جاءت به أديان السماء، وكانت الموجة الفرعونية أصلا صادرة عن جزيرة العرب كما أكدت أبحاث العلماء الأجانب والمصريين، وقد أثبت القاموس الذي أعده (أحمد كمال باشا) أن أغلب الكلمات الفرعونية ذات أصل عربي، ومثل هذا يقال في الموجات الفيفيقية والآشورية والبابلية والبربرية، وذلك تحقيق تاريخي استغرق أعواما وأعواما حتى قيلت فيه كلمة الحق بعد أن استغلته مؤامرات الغزو الاستعماري والثقافي في الثلاثينات (١).
- هذه المحاولات التي تحاول الكلام عن الفرعونية القديمة إنما تصدر عن حقد دفين وعبث بالغ.
وإخناتون للتوحيد داع ... قديما قبل كل المرسلينا!!
أإخناتون عابد قرص شمس ... بزعم الكفر شيخ المسلمينا؟!
"فميمكم"و"صادكم"وراء ... غدت وثنا وطاغوتا لعينا

* غالي شكري يغمز كل ما له اتصال بالتراث أو الدين أو الوطنية ويصفه بالعقم في كتابه "ثقافة تحتضر":
جاء غالي شكري ليغمز كل ما له اتصال بالتراث أو الدين أو الوطنية من الشعر، ووصفه بالعقم مع تأكيده للخطة التغريبية التي يعمل عليها شعراء الرفض، وشعراء العامية، وهكذا دافعت الصحافة عن هذه المفاهيم المسمومة وأفسحت لها ومكنت لهؤلاء الذين ظهروا في ذلك الاتجاه من أن يتفتحوا في رحابها وأن تلمع أسماؤهم، والهدف هو ضرب اللغة العربية وضرب القيم والأخلاق من خلال ما تحمل هذه الكتابات من مفاهيم مضللة زائفة منحرفة وإحلال ظلام الوجودية والمادية والإباحية المعقدة ومفاهيمها الضالة محل روح الأصالة والرحمة والعدل والتوحيد الخالص الذي يمثله الأدب العربي الأصيل، بل إن هذه الموجة قد زلزلت مفاهيم الكثيرين فانحرفوا عن عمود الشعر الأصيل إلى هذا الاتجاه أمثال، محمود حسن إسماعيل، وعبد الرحمن الخميس وغيرهم (١).
- ويقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه "محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل" (٤/ ٥٩٧ - ٦٠٠):
"يقول غالي شكري في كتابه "ثقافة تحتضر"فهل يعني بها ذلك الركام الذي قدمته كتابات الماركسيين والشيوعيين والوجوديين خلال تلك السنوات العجاف فلم يكن ممثلا لفكر هذه الأمة وقيمها، أم أنه يقصد بالثقافة التي تحتضر الثقافة الإسلامية العربية، الواقع أن الثقافة التي احتضرت فعلا هي تلك الكتابات المسمومة التي قدمتها هذه المجموعة من الشعوبيين، والتي لم تكن في حقيقتها تمثل جوهر هذه الأمة أو فكرها أو روحها، كما يطلق عليه .."تراث الإنسانية"وإنما تراث الإنسانية الصحيح هو معطيات الأديان السماوية المنزلة التي جاءت بالحق من ربها قبل أن تفسدها تفسيرات الحاخامات والرهبان، ونحن إذا عدنا إلى أصول هذا التراث في الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم -عليه السلام- وامتدت في رسالات موسى وعيسى ومحمد وجدنا التراث الصحيح الذي يمكن أن يسمى تراث الإنسانية جمعاء، أما تلك الأوهام والأهواء التي قدمها سقراط وأرسطو وأفلاطون أو مزدك، وماني ومجوس؛ فإن هذا ليس تراث إنسانية ولكنه أهواء البشرية حين انحرفت عن رسالة الدين الحق المنزل، ولذلك فإنه من الغش للناس أن يقول لهم أن هذا تراثهم؛ وإذا كان غالي شكري يعتبر أن كتابات هذه المرحلة الماركسية التغريبية هي بمثابة ثقافة تحتضر فإنا نصدقه في هذا التصور، ولكن لا نرى أن غياب الدولة العصرية هو مصدر النكسة، وإنما نرى أن غياب الأصالة العربية في فهم أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد استمدادا من المنهج الأصيل هي مصدر النكسة، وإن محاولة الادعاء بالدولة العصرية هي محاولة مضللة؛ فإن تلك المراحل الطويلة التي قطعتها أمتنا من الهزيمة إلى النكبة إلى النكسة، إنما كانت تحت لواء الدولة العصرية جريا إلى المفهوم الغربي الليبرالي وتحولا إلى المفهوم الماركسي الشيوعي وكلاهما لم يكن أكثر من محاولة لدحر هذه الأمة وتدمير شخصيتها، ولقد تبين بعد النكسة أن الطريق الصحيح هو طريق الأصالة الذي خدعت عنه هذه الأمة بتلك المصطلحات والشعارات، وإن أمثال غالي شكري إنما كانوا ولا يزالون يدعون هذه الأمة إلى أن تصفي وجودها بالانصهار في العالمية الممزقة أو الأممية الضالة، في ظل حضارة تحتضر وثقافة تنهار، وفي إطار أزمة المادية المعاصرة سواء في الشرق أو في الغرب أما مراجعة كتابات قسطنطين زريق وعمر فاخوري ومطاع صفدي؛ فإن ذلك كله لن يزيد الأمر إلا إحساسا بالغربة وتجاوز الحقيقة الواقعة، فتلك 
كلها دعوات تحاول أن تخرج العرب من أصالتهم وتدعوهم إلى مفازات التيه والضياع وهي بعيدة عن التماس الخيوط الأصيلة لهذه الأمة، ولن يغني غالي شكري وشيعته شيئا إعادة الكتابة عن شبلي شميل وفرح أنطون؛ فإن حركة اليقظة الإسلامية قد كشفت فساد هذا الاتجاه، وبطلان تلك الدعوات إلى اتخاذ أسلوب التطور الاجتماعي منطلقا لبناء المجتمع العربي الإسلامي، بل إن أصحاب القوى الدافعة لهذه السموم إلى مجتمعنا غيروا خطتهم من بعد وقدموا بدائل رفضها الفكر الإسلامي أيضا سواء ما كتبه إسماعيل مظهر وما قدمه سلامه موسى، أما تلك الخيوط التي يتشبث بها التغريب والشعوبية، وهي كتاب "الشعر الجاهلي"لطه حسين، و"الإسلام وأصول الحكم"لعلي عبد الرازق؛ فإنها خيوط واهية، هي خيوط العنكبوت فهذه لم يعد لها أثر حقيقي بعد أن تكشفت خلفياتها الضالة وغاياتها المسمومة، وأهواء أصحابها، فليكف التغريب ورجاله عن إعادة الكلام عن هذين الكتابين اللذين مزقتهم الأجيال الجديدة ورفضت ما فيهما من تضليل، أما كتابات سلامةموسى فإن الأمر قد أصبح واضحا وجليا الآن، وقد تكشفت الأغراض التي كانت تدفع هذا الكاتب وتسوقه إلى تلك المحاولات التي فشلت جميعها وباءت بالخسران.
- ويعلق الأستاذ خالد محيي الدين البرادعي على أسلوب غالي شكري في كتابه "شعرنا الحديث إلى أين"فيقول: إنه يرفض التراث رفضا مطلقا بعصبية وانفعال بحجة أن التراث الأدبي لأمتنا مرتبط بالدين إن لم يكن وجد لخدمة الدين أصلا، وبذلك اكتسبت اللغة العربية صفة القداسة لارتباطها بقداسة الدين، هذه الفكرة المهلهلة المكذوبة أصلا وتاريخا وتفسيرا، إني أدعو إلى مراجعة مؤلفات الأصمعي والجرجاني وابن رشيق وغيرهم من النقاد القدامى الذين نفوا أن تكون القيم الدينية مرتكزا لإعطاء الشعر قيمة فنية  وجمالية من خلال هذا الخط المشبوه ينفذ غالي شكري لمصافحة المنبوذين والتائهين ومعانقة الشعراء الذين من خلال عقدهم رفضوا بدورهم تراث أمتهم، وأسقطوا نقمتهم على كل ما خلفه لنا الأوائل دون غربلة أو تمحيص، ويتساءل البرادعي: هل كتب غالي شكري كتابه هذا لإضفاء هالة من الرضا والتشجيع على النعرة الإقليمية في فكرنا، إما لاقتلاع الإنسان العربي من شعوره بأنه عربي، وإحداث صدع رهيب بينه وبين ماضيه من جهة لزرعه على سهول اليتم التاريخي والضياع الحضاري، وبينه وبين حاضره المعاش من جهة ثانية، وذلك عن طريق تشكيكه بقدرته على مواجهة هذا الواقع، وبينه وبين مستقبله من جهة ثالثة، وهو يعمل كذلك على إطفاء هذا الشعاع الشاعري المتوقد الذي طلع علينا من مناضلينا في الأرض المحتلة، مع أن التركيز الدقيق على فقدان الشاعرية لدى الأصوات الأصيلة التي أقلعت عن حداة قوافل المجد، ويرى أن كتابات غالي شكري هي امتداد لدعوة إنهاء هذه الأمة تاريخيا ووجودا، فهو يمشي مع عدد من الشعراء الذين نبذوا جماهيريا وهربوا إلى منادرهم السوداء، ينتطحون عصاراتهم المرة باسم الرؤيا الشعرية الجديدة، فكتبوا أشياء لا تمت إلى الشعر العربي بصلة تحت اسم التجديد.
- ويقول الأستاذ البرادعي: الخط الثاني الذي اختاره ناقدنا كان "كسر جوهر اللغة العربية، على حد تعبيره وهو يدعو إلى ذلك دون مواربة ولا يكفي كما يقول أن يكسر الشعراء الشباب "ميزان الخليل"ويتخطوه بل عليهم أن يحطموا جوهر اللغة، وقد ترك هذه الدعوة عائمة مطاطة بلا تجديد أو تأطير، ولم تفهم ما هو المقصود من "كسر جوهر اللغة"، هل يكون بتأنيث المذكر وتذكير المؤنث أم كسر جوهر اللغة هو إلغاء حركات الإعراب أو وضعها على ذوق قائلها بدون حساب، ويصل الأستاذ البرادعي إلى الإجابة على تساؤلاته، فيقول: الجواب الوحيد هو تمزيق القرآن وإزالته من الوجود،

هذا الحدث الهائل هو ما يشغل بال غالي شكري ولا يستطيع النوم والهدوء ما دام القرآن هذا الكتاب الذي يمدنا بالفصاحة والبلاغة وحسن التعبير، وجمال الروي وفن الأداء، ويتحدث البرادعي عن الخط الثالث لدعوة غالي شكري وهي رفض الشعر المفهوم وتسمية أصحابه بالرجعيين والسلفيين، وكل قصيدة تطرب وتمتع فهي ليست في رأيه فنا وليست شعرا، ولذلك هو يدعو إلى كتابه الشعر بالطريقة الأحلامية مفردات غير متراصفة لصفة لا علاقة بالموصوف والرمز لا علاقة له بالصورة والاسم لا يمت إلى الفعل بصلة.
هذه هي دعوته: التحلل المطلق من كل مفهوم ينقل في صورة شعرية، أو كل صورة تنقل لنا فكرة عن جلال الفن ومن هنا ينفذ إلى مفاهيم السريالية: لا ترابط ولا فكر ولا وجود؛ وإنما الهلوسة والهذيان والجنون المطلق وغاية دعوته الشك في كل ما أنجبت أمتنا ولن تجد سبيلا إلا التوجه إلى الغرب، وقد خصص لنا مدرستين لتخرجا شعراء عربا هما: أليوت وازرا أباوند، متجاهلا طبعا أن الأديب نتاج بيئته وأن لكل أمة لغة فنها وجمالها ورونقها.
وهو يدعو إلى تحطيم الأصنام التي تعوق تقدمنا الشعري ومنها القرآن، هذه العقدة المزعجة التي تركتها الصليبية في رأس غالي شكري والمعول الهدام الذي حمله إزاء تراثنا الخالد، وهو يتبع كتابات الموتورين والحاقدين والناقمين على تاريخنا وحضارة أمتنا فيدعو الشعراء إلى التخلي عن كل ما خلف الأقدمون وعن كل المناهج الشعرية السائدة في بيئتنا المعاصرة، وأن يتجهوا نحو الغرب، وهكذا نجد أن كل واحد من دعاة التغريب والشعوبية يركز على ثغرة معينة ويتخذها منطلقا له إلى طريق الهدم والتدمير"ا. هـ.

* غالي شكري وعداؤه لكل ما هو إسلامي:
غالي شكري متعصب شديد التعصب ضد الإسلام وتصوراته وكان من 

....
....أعضاء التنظيمات الشيوعية وانتهى به المطاف فيها إلى تشكيل "حزب العمال الشيوعي"وعمل مع الكاتب المتعصب الراحل "لويس عوض"في جريدة الأهرام "ثم هاجر إلى بيروت في عهد الرئيس أنور السادات ليعمل هناك في مجال الصحافة، ثم رحل إلى باريس ليعمل في الصحف المهاجرة التي أصدرتها ليبيا والعراق، وعاد منذ سنوات ليعمل في الأهرام من جديد وليصبح من كتابه "الكبار"وقد منحته "السربون"درجة الدكتوراه من المستوى الثالث (= ماجستير) بالرغم من أنه لا يحمل إلا شهادة متوسطة تقديرا لبعض خدماته الدينية!!!.
- وانظر إلى بعض عناوين لمقالاته في مجلة "الوطن العربي":
- العدد (١٩٣ - ٧١٩) الصادر في (٢٣/ ١١/١٩٩٠) مقال له بعنوان: "الإسلام السياسي من الفكر إلى الإرهاب"، "الجاهلية الجديدة بدأت"، "الخلافة العثمانية"، "العلمانية كلمة السر لتكفير العالم".
- في العدد (١٩٤ - ٧٢١) الصادر في (٣٠/ ١١/١٩٩٠) يكتب غالي شكري: "لا برنامج للإسلام السياسي سوى الإرهاب - الإخوان يسلكون طريق الانتهازية السياسية، والجماعات تتبنى أسلوب الاختراق".
- في العدد (١٩٦ - ٧٢٢) الصادر في (١٤/ ١٢/١٩٩٠) يكتب غالي شكري فيقول: "محمد عمارة يميز بين الدين والدولة -العلمانية تطابق المجتمع الإسلامي فلسنا بحاجة إليها- الأمة مصدر السلطات".
- في العدد (١٩٩ - ٧٢٣) الصادر في (٤/ ١/١٩٩١) يكتب غالي
شكري عن "التجربة السياسية في السودان، فيقول: السودان مفترق الطريق -قوانين سبتمبر- يقصد قوانين تطبيق الشريعة -هي الجسر المضاد للديمقراطية- ويكثر من الحديث من الإرهابي السلفي، والسلفية بملابس عسكرية.

- العدد (٢٠٠ - ٧٢٦) الصادر (١١/ ١/١٩٩١) يكتب غالي شكري "مكاشفات بين الأضواء والظلال، يتحدث فيها عن ثقافة الإرهاب، كما يسميها التي تتحدث عن الإسلام ولا تؤمن بزعماء العلمانية في مصر الذين يرون الدين مجرد عبادات ولا يؤمنون بالخلافة ويصرون على التبعية للغرب" (١).
ويكتب مدير التحرير في العدد ذاته مرحبا بهجرة اليهود السوفيت إلى العالم العربي - وهذه المجلة "مجلة الوطن العربي"ممولة من العراق وتخدم "حزب البعث العربي الاشتراكي ومبادئه"وما خفي كان أعظم يا صدام .. أيها الخائن القذر والعميل الوقح .. وعدو الإسلام وقاتل المسلمين.

* د. محمد النويهي، حملته الشرسة على الإسلام، واعتباره حجر عثرة في سبيل تحقيق الغزو الفكري، ويدعو المسلمين إلى التخلي عن مقدساتهم وتصوراتهم وقيمهم:
- يقول الدكتور محمد النويهي: "ليس هدفي أن أبسط رأي الشخصي في العقيدة الدينية وصحتها أو فسادها، وحاجة الإنسان إليها أو استطاعته الاستغناء عنها، ويقول: هل أعني أن يتجه مثقفونا إلى العمل على اقتلاع العقيدة الدينية من قلوب الناس، وإزاحة العقيدة الدينية عن طريق ثورتنا الثقافية الشاملة، هل عنيت الحملة على الدين ومحاولة تحرير الناس من سطوته، هكذا يبدأ محمد النويهي حملة التشكيك في القيم الأساسية لأمتنا العربية الإسلامية، ثم يقول: إن موقف المعاداة للدين نفسه ومحاولة إلغائه هو ما اتخذه بعض المحررين وأنفقوا جهودهم فيه في مختلف الثورات التحريرية وبخاصة في الثورتين العظيمتين اللتين عرفهما تاريخ الإنسانية، الثورة الفرنسية (أواخر القرن الثامن عشر) والثورة الشيوعية (أواخر القرن العشرين)، ويقول: إن الأديان الكبرى كانت في بدايتها حركات تحرير عظيمة وإنما صارت أداة جمود وتحجر وأداة ابتزاز وسلب حين زالت عنها فورتها الثورية الأولى واستولت عليها الطبقات الحاكمة فحولتها إلى وسيلة لاستيفاء الامتيازات الموروثة وعرقلة حركات التجديد في شئون الفكر والتغيير في شئون المجتمع، والذي يقرأ هذه النصوص في كتابات النويهي يدهش؛ لأنه يجدها منقولة نقلا يكاد يكون تاما من بروتوكولات صهيون، ومن البيان الذي أصدره ماركس ولينين بالدعوة الشيوعية الماركسية، فهو يجمع بين العنصرين المتفرقين المتكاملين "الماركسية والصهيونية"في إهاب واحد، فتلك دعواهما وهكذا طريقهما، وهكذا فهمهما للدين ودعوتهما إلى التخلص منه، إن النويهي يعلن في صراحة تامة وجرأة كاملة أنه يقوم بمهمة أساسية هي: محاولة تغيير فهم الناس لماهية الدين ورسالته في الحياة الإنسانية، وكيف يقنع الناس بألا يتخذوا من الدين حجر عثرة يقيمونه أمام كل رأي جديد ومذهب جديد، وما يدعو إليه النويهي هذا ليس إلا مفهوما باطلا وزائفا لعلاقة الدين بالحياة الإنسانية بعامة من ناحية، وبعلاقة الإسلام بالمجتمعات الإسلامية، فالدين إطار لحركة الناس والمجتمعات في الطريق الصحيح يرسم لهم رسالة الإنسان في هذه الحياة ويضع الضوابط التي تحمي شخصيتهم والعلاقات بين الفرد والفرد، وبين الفرد والمجتمع وبين الفرد والخالق الكبير؛ فإذا صدقت دعوى النويهي فهو يريد أن يعود الناس هملا يتصرفون وكأنهم ليسوا مسئولين عن حركتهم في الحياة، وهذا مفهوم لا ديني محض، لا يقول به إلا الماديون الذين ينكرون علاقة المجتمعات والأمم بالأديان، ثم يجهل مفهوم الإسلام الجامع بين تشكيل العلاقة بين الله 
.والإنسان وبين الإنسان والإنسان والإنسان والمجتمع، فالذي يقول به النويهي هو ما قال به رجال الفكر الحر من الملاحدة والماديين والإباحيين في الفكر الغربي الذين كانوا في الحقيقة من خريجي المحافل الماسونية ومن أتباع الفلسفة التلمودية الصهيونية التي تهدف إلى تدمير المجتمعات والتي أقامت الثورة الفرنسية والثورة الشيوعية جميعا لتحطم القيم الخلقية والدينية في المجتمعات الغربية ولتحتويها داخل أتون الفكر الأممي الذي يستهدف تمزيقها وضربها، والذي كان دائما متقررا في عقول وأذهان دعاتها وفي ذهن الدكتور النويهي أن الشيوعية وليدة اليهودية العالمية كالصهيونية تماما، وإنهما يحاولان احتواء البشرية كلها وأن النويهي واحد من دعاة هذه المحاولة في أفق الفكر الإسلامي، فهو حين يبدأ حياته تابعا للفكر الغربي في بريطانيا تنم كتاباته عام ١٩٤٠، وما بعدها في مجلات الدعاية البريطانية على هذا الولاء، ثم هو حين يكتب عن الشعر الحر في مجلة الرسالة ويمجد الذين يتخذون الرموز المسيحية من الشعراء المسلمين أمثال صلاح عبد الصبور وأدونيس، إنما يكشف جانبا من هويته وهدفه ثم هو حين يقول لمناقشيه (في مجلة الآداب) عن الماركسيين أنه وهم دعاة للتقدمية يجب أن يتضامنوا للقضاء على الفكر الأصيل، ثم يجابه الإسلام وتاريخه وجماعته بما لا يقبله الماركسيون أنفسهم اقرأ (الآداب - نوفمبر ١٩٧١) وما قبلها تعرف ما هي الرسالة وما هي الدعوة التي جند النويهي نفسه لها مرتين: المرة الأولى حين دعا إلى ثورة ثقافية جعل قوامها الحملة على الإسلام نفسه الذي اعتبره كحجر عثرة في سبيل تحقيق الغزو الفكري والسيطرة التلمودية الماركسية، وقد جاءت دعوته هذه بعد النكسة إعلانا منه بضرورة أن يتخلى المسلمون عن كل مقدساتهم وتصوراتهم وقيمهم وأنه لا سبيل لانتصارهم على الصهيونية إلا بأن يصبحوا غربيين تماما، قد تجردوا من التراث والتاريخ والقيم وفي مقدمتها القرآن، ومن هنا نجد محاولته في إيجاد الالتباس إزاء مفاهيم الإسلام كقوة قادرة على بناء المجتمعات وما حاوله من التشكيك في شريعته ونظامه بجمع خيوط واهية وشبهات مضللة شأنه في ذلك شأن أبو رية في الحديث النبوي وعلي عبد الرازق في مسألة الخلافة - وقد كان جل اعتماده على ما كتبه شعوبي آخر عن (أزمة الفكر الإسلامي) وكل هذه محاولات لا تلبث أن تتجمع لتظهر بصورة أشد عنفا في مؤتمر الحضارة الذي عقد في الكويت حيث برز القادة الشعوبيون: زكي نجيب محمود، والنويهي، وأدونيس، وطرحوا سمومهم وأحقادهم في وجه المسلمين والعرب، واستعملوا كل أساليب الاحتقار والانتقاص للإسلام ودعوته ورسوله وقيمه ولغته وتاريخه.
- إن على النويهي أن يدرك أنه لن يخدع أحدا فالغربيون والمستشرقون قبل المسلمين أهل الدين يعلمون أن الإسلام يختلف من المسيحية، وأن هذه الحملة التي بدأها فولتير وروسو وديدرو، وتابعها نيتشه وماركس وفرويد على التفسيرات المسيحية وعلى الدين بجملة، لا يمكن بأي حال أن تنتقل إلى أفق الفكر الإسلامي، وإذا أغرتهم التلمودية بنقلها رغبة في إثارة الشبهات والسموم بين أبناء الإسلام فإننا نؤمن بأنها لن تكون إلا زوبعة في فنجان وأنها لن تستطيع أن تصل إلى شيء، وإن الإسلام عميق الجذور لا تستطيع أعتى القوى أن تدمرها أو تستأصلها.
- ليس الإسلام مذهبا لعصر من عصور الإنسان، ولا لبيئة من البيئات حتى يتصور النويهي وأضرابه أنه لا يستطيع الاستجابة لعصر آخر أو بيئة أخرى، وأن نظرية النويهي هذه نظرية مادية، وهو يكشف بكتاباته تلك من هويته الخصيمة وعن مادية فكره وعن اعتقاده الباطل بأن الإسلام ليس دينا ربانيا سماويا؛ بل إن عباراته توحي بأسوأ من هذا، توحي بأنه يرى أن الدين شر على البشرية، وأن على البشرية أن تتخلص منه، ولكنه يرى أن من الكياسة أن تتم هذه العملية على مراحل، وهو في هذه المرحلة يرى مسايرة الدين ثمة مع دعوة الناس إلى التحرر منه، وإذا كان هذا هو رأيه فماذا في ذلك يختلف عما تقول "بروتوكولات صهيون"أو عما يقول جارودي في كتابه "ماركسية القرن العشرين"أو عما يقول دعاة الفلسفة المادية والشيوعية والوجودية وغيرهم، الحق أن النويهي بهذا الأسلوب قد كشف نفسه وحرق أوراقه، ولم يستطع أن يكسب مثقفا واحدا فضلا عن تلك الحملات العنيفة التي وجهت إليه في كتابات الكتاب ومنابر المساجد، والأندية والجماعات الأدبية والثقافية في العالم الإسلامي كله مما وضعه في صفوف الشعوبيين والتلموديين والتغريبيين العتاة" (١).
- محمد حسنين هيكل عراب الناصرية ودجالها الكبير، جنرال وفيلسوف هزيمة يونيو ٦٧


ربط نهر النيل بنهر الكونغو، عن طريق نهر الكوثر

$
0
0

كالعملة الرديئة، كلما شرحنا استحالة هذه الفكرة، ما تلبث أن تعاودنا مع العائدات، وآخرها بجريدة الشروق في 27 أبريل 2014.

فقد كثر الحديث عن ربط نهر النيل بنهر الكونغو، وهو من اللغو الذي يخالف كل منطق. لذا لزم التوضيح.

استراتيجيا:
للوصول لنهر الكونغو علينا حل أسخن خمس حروب في العالم: حرب الكونغو 20مليون قتيل منذ 2004 (وهي بين أمريكا والصين من الآخر)، حرب السيليكا-بالاكا (أكلة لحوم البشر) في أفريقيا الوسطى، جيش الرب بأوغندا والنوير بجنوب السودان ودارفور.

طبوغرافيا وجيولوجيا: 
فاصل الكونغو-النيل الجيولوجيأقدم من تشكل قارة أفريقيا نفسها. صرف الحوضين متعاكسان. الأمم المتحدة لن تسمح بخطر بيئي مروع من تدمير أهم حوضين مائيين بأفريقيا.

سياسيا:
الكونغو والأمم متحدة مستاءان من قوة الطوارئ المصرية (1100 جندي) لتنفيذهم الأوامر بالعكس في المعارك، ولفرارهم أمام عصابات إم23 وترك المنطقة الموكلة لهم. وقد وجهت الأمم المتحدة عدة رسائل استياء من أداء تلك القوة.

 

هل هو تشبث يائس من الشعب المصري بأي وهم؟ أم أن هناك من يريد تخدير المصريين عما يجري من سرقة لحصة مصر من مياه النيل وسط تقاعس من مسؤولينا؟

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-6

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
 
- محمد حسنين هيكل عراب الناصرية ودجالها الكبير، جنرال وفيلسوف هزيمة يونيو ٦٧:
يبوء سادن الناصرية هيكل بعبارات التقديس التي أضفيت على عبد الناصر .. إنه كبير حملة المباخر له، وكبير مقربي القرابين له، وكبير محترفي الارتزاق، كال مع الناصريين كلمات الإطراء لناصر وتجاوز إطراؤه حد اللامعقول.
في زيارة لأسيوط تهلل وجه عبد الناصر بشرا وصفق مع المصفقين لشاعر هزيل قال:
مصر بلا جمال ما لها صفة ... مصر بلا جمال أمة عدم
وحين قال محافظ أسيوط يومئذ: "اللهم إننا نحبك، ولكننا نحب جمالا .. فما حيلتنا؟ وكان أن رقي بعد ذلك ليكون محافظ القاهرة، وحين قال مدير جامعة أسيوط المعين قبل أن يكتمل إنشاؤها: "إن كان عيسى المسيح قد أحيا ميتا أو اثنين أو ثلاثة، فقد أحييت يا سيادة الرئيس مائة مليون عربي، وإذا كان موسى - عليه السلام - قد ضرب بعصاه البحر فشق فيه طريقا يبسا، فقد صنعت بالسد العالي أكثر مما صنع موسى، وكان أن رقي المتحدث بعد ذلك فعين وزيرا للثقافة" (١).
كان مقال هيكل الأسبوعي "بصراحة"والذي كان ينشر في الأهرام يوم الجمعة يلف ويدور حول معاني منها "سنحارب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل""إن لم يعجب أمريكا أن تشرب من البحر الأبيض فأمامها البحر الأحمر"لن نسمح لأحد أن يجرنا إلى المعركة وسنحدد نحن يوم المعركة، ومن فاتته قراءة المقال في الأهرام فما عليه إلا أن يدير مفتاح المذياع ليستمع إليه من إذاعة إسرائيل، ومن العجيب أن التشويش على إذاعة إسرائيل كان يتوقف أثناء إذاعة حديث هيكل؛ لأن أحاديث عبد الناصر إلى الغرائز لم تكن قاصرة على الشعب المصري، وإنما يعني عبد الناصر أن تصل إلى كل عربي، وإذاعة إسرائيل تساهم بنصيب نشيط في هذا المجال، ومع الفارق، فالناصرية تخاطب به غزائر المغلوبين على أمرهم من المصريين والعرب، وإسرائيل تخاطب به عقول المتعاطفين معها، وقادة الدول العظمى، ولا تمل من إسماعهم تهديدات الزعيم لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل، ولسان حالهم يقول: "احذروا هتلر الجديد".
أكبر جريمة ارتكبتها الناصرية هي الديكتاتورية، وكان غلو الناصرية في الديكتاتورية، وتسخيرها السلطة العمياء في هدم الشرفاء والتنكيل بهم أول طريق الضياع صوب هيكل سهامه ضد ديكتاتورية السادات ونسي صاحبه (٢) ديكتاتورية عبد الناصر لا تحتاج إلى دليل ولقد موه الإعلام الناصري وعلى رأسه هيكل على أقبح الأعمال وأردأها، غطى على الإرهاب والتسلط الذي اختير له صنف من الناس تأنف الحيوانات أن تنتسب إليهم على حد تعبير محمد نجيب في مذكراته، وإذا كان هذا هو وصف نجيب للصنف من الزبانية الذين تعاملوا معه، فكيف يكون حال الصنوف والضروب الأخرى الذين علقوا وسحلوا وقتلوا ونهبوا وشردوا وأحرقوا، وانتهكوا الحرمات، وتسلطوا على الأعراض، ونهبوا الأموال وألقوا بأصحابها في السجون أو في الطرقات.
- حدثنا هيكل عن آلاف الجنيهات التي أنفقها السادات على استراحاته وعلى مظهره وعلى أمنه، ولم يحدثنا عن المليارات التي بددها صاحبه على المؤامرات في الداخل وفي الحروب الفاشلة والتجارب الخائبة (١).
إن الادعاء بنزاهة عبد الناصر، أو تعففه عن المال العام هو مجرد لغو من القول، لقد ترك المال العام نهبا لكل من هب ودب، كان أخوه "الليثي عبد الناصر"حاكما بأمره في الإسكندرية، و"علي شفيق"الضابط من الصف الثاني، قتل في لندن وسرق منه مليون دولار، وكان له مليون آخر بالبنك، وفي المحاكمات التي جرت إثر هزيمة عام ١٩٦٧ م ثبت أن المشير عبد الحكيم عامر كان له ثماني عشرة شقة خاصة، وصهر الزعيم أشرف مروان أصبح فيما بعد مليارديرا، وأخيرا وليس آخرا باعت ابنة الزعيم فيلا بسبعة ملايين ونصف مليون جنيه، وقيل إن الزعيم اشتراها في حياته بعشرة آلاف جنيه فقط، وما خفي كان أعظم" (٢).
ترك عبد الناصر مصر غارقة في الديون، مصر التي تسلمها دائنة لإنجلترا بخمسمائة مليون جنيه إسترليني" (١).

* كذب هيكل:
انظر إلى ركام العفن والزيف والجرأة على الحق وعلى مصادر التاريخ الصحيح، وقدرة هيكل على قلب الأوضاع ومسخ التاريخ وتبرئة المذنب، واتهام البريء، نقرأ لمحمد هيكل في كتابه "عبد الناصر والعالم":
"وذات يوم كان عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة يبحثون مسألة بناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية التي تقوم بها وزارة الخارجية وإدارة المخابرات، وقيل لعبد الناصر: إنه قد تم شراء بعض المعدات، ولما احتج أنه ليست هناك أموال مرصودة في الميزانية قيل له: إن المال جاء من اعتماد أمريكي خاص، ودهش عبد الناصر إذ كانت هذه أول مرة يسمع فيها بوجود أي اعتماد خاص، وقيل له: إن وكالة المخابرات المركزية وضعت تحت تصرف اللواء محمد نجيب ثلاثة ملايين دولار، وكان المبلغ قد تم تسليمه بواسطة عميل أمريكي في حقيبة ضخمة عبئت بقطع نقدية من فئة المائة دولار، واستشاط عبد الناصر غضبا عندما سمع ذلك وتوجه بالسيارة فورا إلى مجلس الوزراء وطلب تفسيرا من محمد نجيب". (١)
ينسج هيكل من خياله هذه القصة المختلقة .. وفوجئ هيكل بمحمد نجيب يرفع عليه قضية، وكان ظن هيكل أن خبطات جمال لنجيب قد حولته إلى تمثال لا يقرأ ولا يسمع، وحين بلغه خبر القضية وانكشف زيفه اعتذر وتراجع بأسلوب مترنح لا يعرف صراحة أهل الحق حين يبصرون بباطلهم فإذا هم مبصرون .. وتنازل الرجل الطيب عن القضية وعن التعويض بعد أن استبان الحق، وعرف الجميع أن نجيبا لو كان هو الرجل الذي يقبل هدايا الأمريكان لأعانوه على جمال ولاختلف الوضع، تنازل نجيب، وما كان
نجيب في حاجة إلى قضية يثبت بها صدقة وإفك خصومه، فقد عرف عنه الصدق، وما عرف عنهم صدق في يوم من الأيام، وحقيقة أخرى يحدثنا هيكل بأن جمال وهو قادم من يوغسلافيا في المحروسة علم وهو في البحر بانقلاب حدث في العراق، فاستشار محمود فوزي، فقال له محمود فوزي: هذه أمور تحسمها إلهامات الزعامة، وليست مجالا لمشورة أحد.
محمود فوزي نفى حدوث ذلك وأنكره، ولا يعلم هيكل أن قوله هذا إن كان كذبا فجل كتابه كذلك، وإن يكن صادقا فذلك برهان ساطع على نوع المستشار الذي يستطيع البقاء مع الديكتاتور (١).

* عقيدة هيكل:
في كتابه "عبد الناصر والعالم"الطبعة الإنجليزية، يقول هيكل: إن عبد الناصر سأله في أحد جلساته: "هل تؤمن بالبعث؟! وأجاب هيكل: بأنه يؤمن بالبعث ولكن الجزاء ليس النعيم أو العقاب الحسي الذي يتصوره البعض.
لماذا لم يكتب ذلك في الطبعة العربية، وهل يهم الإنجليز أن يعرفوا إيمان هيكل وعبد الناصر بالآخرة؟ (٢).
إيمان بالمزاج، كحرية بالمزاج، وكحربهم لإسرائيل وانهزامهم بالمزاج، وكتنقلهم من حضن دولة لدولة بالمزاج، وكاشتراكيتهم الغارقة في أهواء من احتفظوا لأنفسهم باللحم وتصدقوا بالعظم.
كمطعمة الأيتام من كد عرضها ... فليتها لم تزن ولم تتصدق
..* دجل هيكل:
أي زيف أقبح من زيف هيكل عن الانتصارات المزعومة في حرب ٥ يونيو في جريدته الأهرام وأعداد الجريدة في ٥ يونيو وما تلاها، وعدد الطائرة التي أسقطناها تؤكد كذبه ..
"أي زيف أقبح من أن يزعم هيكل أننا أنتصرنا في ٥ يونيو لأن اليهود وإن أخذوا سيناء برمالها فقد عجزوا عن إسقاط عبد الناصر (١).
أنسب مكان لصنع تمثال لعبد الناصر -إن جازت التماثيل- تمثال في تل أبيب جزاء ما قدم لليهود من جميل لن ينسوه له.
سألوا عن التمثال أين مكانه ... ليخلدوه ويستمر زمانه
زعماء إسرائيل عرفوا فضله ... فبظلمه انتصروا وخاب رجاله
لو أنصفوه لقدسوا تمثاله ... وتكون تل أبيب ميدانا له (٢)
- من أراد أن يعرف هيكل وعبد الناصر على حقيقتهما المرة فليرجع إلى كتاب "فلسفة الثورة"وسواء كان هو كاتبه أم هيكل أم هما معا وهذا هو الأرجح.
- إنه هيكل القائل عن ناصر: "والشيء المهم فيما يتعلق بعبد الناصر وربما كان من أبرز أسباب نجاحه أنه مثل "محمد علي"قبله أدرك بعمق حقيقة الثوابت الجغرافية والتاريخية التي تصوغ وتحكم أقدار مصر.
زعم أن عبد الناصر نجح، وإذا كان هذا هو النجاح فماذا يكون الفشل؟ (٣).
.* إنه هيكل:
الذي يحدثنا عن حرب العبور فيكاد يشعرك أن يده كانت مع السادات وأن أياديه البيضاء ورؤيته السديدة للأشياء كانت كفيلة بإحراز نصر أكبر! وعلى باقي الناصريين أن يسألوه: أفلا كان الأولى بك أن تفيد عبد الناصر بهذه العبقرية لينتصر ولو مرة واحدة.
- كنت أود لهيكل أن يكتفي بمغالطاته السياسية، ويحلل ويتأول كما يشاء ويبعد عن الخوض في الإسلام، فهو أولا: بعيد عن هدي الإسلام، ثانيا: هو جاهل به، ثالثا: إنه كان أحد أركان التعتيم الناصري، والمبرر لضرب عبد الناصر للإسلام ولأهله والمفتري على الإخوان المسلمين في محاكماتهم بقضايا ملفقة.
كان على هيكل أن يبتعد عن الخوض في الإسلام لأن خطأه سيكتشفه غيورون على إسلامهم ولن يتركوا هيكل يلبس عمامة ليعلم الناس مغالطات باسم الدين بجرأة هيكل على قلب الحقائق، والالتواء بالواقع، لينصر سيده حيا وميتا، بنفس الجرأة يغالط وهو يتكلم عن الجماعات الإسلامية، وكأن السادات ارتكب منكرا حين تركهم يؤدون صلاة العيدين في الخلاء، وترك لهم حرية الحركة حتى اشتد عودهم وكثر عددهم وأصبحوا عبئا عليه، وقوة ضده وليست له .. في نفس الوقت الذي ترك فيه شجرة الناصرية تذبل وتضمر، وأصبح الناصريون كاليتامى فقدوا عائلهم ولا يجدون من يقيم شأنهم، ويوجه تحركهم، تأمل معي تفكير الكاتب الأوحد لتعرف بأي عقل يفكر الناصريون، وأن هناك أصنافا منهم لا زالت عقولهم في حناجرهم.
- هل كان فرضا على السادات أن يسير على طريق الناصرية، فيلفق التهم، ويشكل المحاكم، ويعدم الخصوم، ويزيد من الخرائب التي خلفها له جمال؟!! 

- هل كان على السادات -ليعجب هيكل- أن يترك العفن الذي تركه له عبد الناصر ليأتي على الأخضر واليابس؟ (١).
- يا عراب الناصرية الكادح إلى حتفه كدحا، أما أن لك أيها السكران بخمر الناصرية الأثيم أن تفيق .. إن حديث الغرائز كان عليه أن يتوقف يوم ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٧٠ بذهاب سيدك إلى ربه - لو جمعت أكاذيبك عن الإسلاميين لملأت مجلدات ولكن كيف تجترئ الكذب على الله فتقول في "خريف الغضب" (ص ٢٨٩):
"وكانت لكتابات سيد قطب تأثيراتها، ولقد ساعد على انتشار هذه التأثيرات أن الإخوان المسلمين لم يقبلوا مجمل الأفكار الرئيسية التي جاءت بها الثورة المصرية، كانت أفكار الثورة عن المساواة وتذويب الفوارق بين الطبقات تبدو متعارضة مع قول القرآن (وجعلنا بعضكم فوق بعض طبقات) هذا كلام هيكل وليس كلام الله، ومن يكذب على الله، فليس بمستغرب عليه أن يكذب على الناس.
إن كان يقصد ما يقول فآثم ... أو كان يجهل فالجهالة عار (٢)
- تقول صافيناز كاظم في كتابها "الخديعة الناصرية"عن التيار الثوري الانتهازي أنه يتكلم بلغة الثوار، ويستخدم اصطلاحاتهم ويصفق للاشتراكية، وكان هذا التيار بانتهازيته يجمع مكاسب مادية هائلة، يسوغها لنفسه بمقولة: "الاشتراكية لا تعني الفقر .. الاشتراكية من أجل حياة أفضل"! وكانت وظيفته الأساسية أن يزور حقيقة عبد الناصر، ويجعل منه وثنا معبودا له خوار، ويفلسف كل أخطائه ويبررها، ويدافع عنها أمام الرأي العام العربي والعالمي، ويقوم بدور تشويه وسحق مجموعة المثقفين الشرفاء من الحركة الإسلامية ويتهمهم بالتطرف والطفولة الثورية والإرهاب والشغب كان هذا التيار يهندسه ويقوده محمد حسنين هيكل ومن تحت إبطه لطفي الخولي -قبل أن يغدر به- ومحمود أمين العالم من جانب آخر، بالإضافة إلى ثقلين ثقافيين رئيسيين هما: توفيق الحكيم (١)، ونجيب محفوظ (هاتان الشخصيتان الزئبقيتان اللتان أثبتتا قدرة شيطانية رهيبة في القفز واللعب على حبال كل التيارات بحيث أمكن لها الامتداد والاستمرار في مكانتهما الراسخة العالية لدى كل سلطة مهما تغيرت الأقنعة واللغة واللهجة والصوت والصيحات سبحان الله!! )، وكان كل اسم من هؤلاء يحتكم تحت إمرته وحمايته طابورا من أسماء عديدة - "معظمها ناصرية وماركسية وتوليفة الماركسية الناصرية والناصرية الماركسية" (٢)

* الهزيمة النكراء التي سماها هيكل النكسة:
كيف استطاع هيكل أن يزور التاريخ وهو يكتب في أكبر صحيفة وهي الأهرام عن أيام ٥ يونيو - كيف كتب عن أعمق مأساة في تاريخنا، مأساة توقف عندها التاريخ .. لم تجف لها دموع الملايين على مئات الألوف من الأبرياء، كيف استطاع عبد الناصر وهيكل أن يخدعا شعبا ويضللا أمة؟ وكيف أننا ما نزال نهز آذاننا ونفرك عيوننا ونرى الموال الذي لا ينتهي عن "كلنا بنحبك .. ناصر".

- إن احتيال الدجال هيكل وزمرته قد أطال بقاء الوثن في الحكم، بزعم أنه تجاوز عمره الافتراضي في مايو ١٩٦٧ م يوم أعلن أنه لن يحارب .. لن يهاجم .. لن يبدأ، ثم حشد مئات الألوف من الجنود بلا استعداد، بلا خطة، وجعلهم عراة في الصحراء، وكأنه "رومولوس"آخر ملوك الإمبراطورية الرومانية، عندما قرر أن يصفي الإمبراطورية لأنها كبرت وشاخت، فقبل أن تحاكمه وتحكم عليه، حاكمها وحكم عليها، وأدانها ونفذ فيها حكم الإعدام في صبيحة الخامس من يونيو عام ١٩٦٧ م.
- وظهرت براعة عبد الناصر وهيكل في التمثيل يوم النكسة وما بعدها، فقد قرر عبد الناصر أن يتنحى ظهرا ويعود ليلا، وأعد له خطاب التنحي الممثل البارع محمد حسنين هيكل، ورسمت الأدوار بواسطة الدجالين .. يترك ناصر الحكم لوزير الحربية المهزوم شمس بدران ثم يعدل عنه إلى زكريا محيي الدين وهو كريه عند الشعب المصري، وكأنه يتنحى من ناحية ويدفع الناس إلى التمسك به، ودبرت مظاهرات العدول عن التنحي، وكانت الصورة التي يجب أن نخجل لها حتى آخر الزمان .. صورة "أعضاء مجلس الأمة، وهم يرقصون طربا؛ لأن عبد الناصر قد قرر العودة، أو قل: فرقة الفنون الشعبية التابعة لمجلس الأمة .. رقص الناس طربا وفرحا للرجل الذي مسح بهم الأرض من المحيط إلى الخليج .. للرجل الذي كان سببا في سفك دماء الآلاف الذين ذبحوا على رمال سيناء .. للرجل الذي أدخل اليهود في مصر وسوريا والأردن والقدس في ست ساعات".
- أية شعوب هذه التي تهلل وتكبر للزعيم الذي جلب لها هزيمة نكراء لا مثيل لها في التاريخ القديم والحديث، ومع هذا يعلن هيكل أننا انتصرنا لبقاء عبد الناصر في الحكم وإن ضاعت سيناء برملها، ولسوف يسأل هيكل عن دجله أمام محكمة التاريخ، وأمام الأجيال القادمة ... وسيسأل أمام اللهعز وجل في الآخرة عما فعل بأمته.
- ومن يوم هزيمته في ٥/ ٦/١٩٦٧ حتى هلاكه في ٢٨/ ٩/١٩٧٠
عاش عبد الناصر ثلاث سنوات وثلاثة أشهر و٢٣ يوما ظهر دجل حاوي الناصرية وفيلسوفها محمد حسنين هيكل.

* "بصراحة"لمحمد حسنين هيكل بعد النكسة .. بجريدة الأهرام:
كان محمد حسنين هيكل يخرج لنا كل جمعة بأفيون صراحته، يغالط في ضوء الشمس كل الحقائق الصارخة، ويقول: إننا لا نستطيع أن نحارب مثل فيتنام؛ لأن فيتنام دولة فقيرة وشعبها بدائي وليس لديه ما يخسره، أما شعب مصر فشعب عريق، لديه السد العالي، والأهرامات ولا يجب أن يعرضهم للدمار والنسف بدخولها حربا مثل حرب فيتنام (انظر مقالات هيكل بالأهرام ما بين ٦/ ١٩٦٧ إلى ١٢/ ٦٧) واستمر هيكل يركز على الحل السلمي وفقا لقرار ٢٤٢ المعترف بإسرائيل، وأن الحرب الوحيدة الممكنة هي حروب استنزاف لفرض الحل السلمي، وكان يقدم منطقا تعجيزيا يوهن من عزيمة الشعب المصري بقوله: إنه لا يمكن الحرب ضد إسرائيل؛ لأن الحرب معها تعني الحرب مع أمريكا، ونحن لا يمكن أن نناطح أمريكا، واختراع خرافة اسمها "تحييد أمريكا! ".
كانت مقالات هيكل السامة دائبة السعي لإنهاك معنويات الشعب المصري وسحقها، وكان يبدو في مقالاته ديناصورا ساديا كريها، لكنه كان يرضي بمقالاته وروحه هذه الكثير من شرائح المثقفين المهزومين والثوريين مع وقف التنفيذ، وكانت هذه الشرائح بطبيعة ذاتية أنانية - تبحث وسط الخراب عن المكسب الذاتي والمصالح الشخصية، وكانت ترى في راية الكفاح الشعبي ومواصلة الاستعداد للدفاع من أجل استعادة كل الأراضي المحتلة بالقوة،  كانت ترى في هذه الراية ما يهدد استقرارها وراحتها لذلك قامت هذه الشرائح بتبني مقولات هيكل، وصورته في هيئة الرجل العاقل الواعي غير المتهور، إذ وجدت في صراحته الكاذبة صياغة لما يجول في ضمائرها ويخدم أهدافها.
- (كان أهم ما أبدع فيه هيكل هو إعلانه أننا انتصرنا في الحقيقة -رغم خسارة الرجال وضياع الأرض- ونصرنا هو: إن نظام عبد الناصر لم يسقط وبالفعل صرنا نحتفل بعيد النصر رغم الهزيمة! ) (١).

* برغم عداوتي وكرهي الشديد للعامية:
برغم عداوتي وكرهي الشديد للكتابة بالعامية إلا أني أستميح القارئ عذرا في إيراد هاتين القصيدتين قصيدة عن الأستاذ ميكي (أي محمد حسنين هيكل) وقصيدة عن نكسة ٥ يونيو وعبد الجبار (يعني عبد الناصر) لأحمد فؤاد نجم رغم أنني أخالفه في انتمائه الفكري وسلوكه الشخصي من الألف إلى الياء يصدق فيه قول رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: "صدقك وهو كذوب".
- قصيدة تدحض مغالطات هيكل وسيده ناصر .. ومقالاته الكاذبة في جريدة الأهرام تحت عنوان "بصراحة":
"بصراحة يا أستاذ ميكي .. (المقصود هيكل)
إنك رجعي وتشكيكي
بصراحة لا أنت معايا
ولا طالل من شبابيكي
وبلادنا لسه جريحة.

وبتصرخ بالأفريكي
لو بات التار يا ولادي
حيبات الذل شريكي
"بصراحة"يا أستاذ ميكي
إنك رجعي وتشكيكي
قاعد لا مؤاخنة تهلفط
وكلامك رومانتيكي
ولا ناوي تبطل تكتب
بصراحة كلام بولوتيكي
عن دور الحل السلمي
واستعماله التكتيكي
فـ الوقت اللي إحنا صراحة
دايخين دوخة البلجيكي
وبلدنا لسه جريحة
وبتصرخ بالأفريكي
لو بات التار يا ولادي
حيبات الذل شريكي
والشعب يقول يا بلادي
بالروح والدم أفديكي
وحاجات "بصراحة"بتحصل
في بلدنا يا أستاذ ميكي
"بصراحة"لا أنت معايا

ولا طالل من شبابيكي
وكأنك مثلا موميا
للسلطان الأنتيكي
أحياها لاستعمالها
لستعمار الأمريكي
رجعت على هيئة
ميكي!! "
يوم أعلنت الهزيمة باسم النكسة في يونيو ١٩٦٧ وجد أحمد فؤاد نجم نفسه يتقيأ دما، ومع هذه الحالة الجسمانية المفاجئة جلس ليكتب قصيدته الشهيرة التي كلفته قرارا بالاعتقال مدى الحياة عام ١٩٦٨:
الحمد لله خبطنا تحت باططنا
يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار!
يا أهل مصر المحمية بالحرامية
الفول كثير والطعمية
والبر عمار
والعيشة معدن وآهي ماشية
آخر آشية
ما دام جنابه والحاشية
بكروش وكتار
ها تقوللي سينا وما سيناشي
ما تدويشناشي
ما ستميت أتوبيس ماشي

شاحنين أنفار
إيه يعني لما يموت مليون
أو كل الكون
العمر أصلاً مش مضمون
والناس أعمار
إيه يعني في العقبة جرينا
والاّ في سينا
هيّ الهزيمة تنَسِّينا
إننا أحرار
إيه يعني شعب في ليل ذله
ضايع كله
دي كفاية بسّ أمّا تقول لُّه
إحنا الثوار
وكفاية أسيادنا البعدا
عايشين سُعدا
بفضل ناس تملا المعدة
وتقول أشعار
أشعار تمجدْ وتماين
حتى الخاين
إن شاء الله يخربها مداين
عبد الجبار!!
***

* مدرسة يوسف الخال (مدرسة الحزب القومي السوري) منطلق العمل الشعوبي وأساس البناء التغريبي وحاملة لواء الفينيقية والوجودية:
- يوسف الخال - غسان تويني - لويس الحاج - أدونيس - توفيق صايغ - جبرا إِبراهيم - غادة السمان - ليلى بعلبكي:
"تمثل مدرسة الحزب القومي السوري الأدبية منطلق العمل الشعوبي وأساس البناء التغريبي في هذه المرحلة، فهي تحمل لواء الإقليمية والفينيقية، والوجودية وكل شتات الدعوات الوافدة لتزييف أصالة الأدب العربي.
وعلى قمة هذه المؤسسة: يوسف الخال، غسان تويني، لويس الحاج، وقد أفرزت: أدونيس، وتوفيق صايغ، ويوسف حبش الأشقر، وجبرا إبراهيم جبرا، وليلى بعلبكي، وغادة السمان، وقد احتضنت هذه المؤسسة التيار الماركسي والوجودي والبعثي، وفي أحضانها نمت كتابات وأشعار: البياتي، وكاظم حداد وعبد المعطي حجازي، والسياب وصلاح عبد الصبور، ومن أكبر دعاتها: أدونيس ولويس عوض وقد تصدروا مجلات أدب وحوار وشعر، ويصور الباحثون منطلق هذا العمل بأن القوميين السوريين الذين صودرت دعوتهم الهدامة منذ سنوات، قد وجدوا في الأدب والشعر منطلقًا جديدًا، يقول: فيشعر القوميون السوريون أن "فينيقيا"هي فردوسهم المفقود، وهي أرضهم الموعودة التي يحلمون بها ويحاولون إعادتها إلى الواقع الحي"وهذا الحنين إلى فينيقيا أو إلى سوريا الكبرى بلغة الاصطلاحات الحديثة يملأ شعر القوميين السوريين وخاصة أدونيس وهو أنضج هؤلاء الشعراء فنًا وأكثرهم تعبيرًا عن هذه الفكرة، وكانت جريدة النهار هي بوتقة العمل، يقول طلال رحمة: كانت الأسماء التي ظهرت على صفحات جريدة النهار بمجملها من الناحيتين السياسية والفكرية، امتدادًا طبيعيًا لأوائل المبشرين اللبنانيين والسوريين فيما يسمى عصر النهضة الأدبية، وفي أواخر الأربعينات هزمت الحركة النازية وتقدمت على أنقاضها الحركة الشيوعية، وعربيًا اتضح الصراع الصهيوني -العربي- ومعه جاءت الهزيمة الأولى، واستعان غسان تويني (بكالوريس الاقتصاد والسياسة من جامعة هارفارد الأمريكية) برفيقه في الحزب السوري القومي الاجتماعي ورفيقه في الجامعة (الرفيق يوسف الخال) ورسمه عرابًا على صقلية الأدب والفن في النهار، ومع يوسف الخال بدأ عهد جديد كان مطلعًا على الأدب العربي، ومتأثرًا بشارل مالك الذي لم يكن معجبًا بالتراث العربي، فأقام نوعًا من التوازن، وحمل يوسف الخال عن أستاذه شارل مالك لواء (الفكرة اللبنانية - الفينيقية).
- يقول طلال رحمة: امتازت هذه المرحلة تحت ستار التجديد والتحديث بتسخيف التراث العربي بما في ذلك ابن خلدون وابن سينا، وابن المقفع وابن الرومي، وبتقديس كل ما هو أجنبي.
وأخرج يوسف الخال مجلة شعر التي لعبت دورًا كبيرًا وخطيرًا في الحياة الثقافية، ثم اتجه جبرًا إلى أن يتخلص من أداة الوصل، فبدلاً من أن يقول: (أيها الشاب الذي يموت باكرًا) خرج بتطبيقات لتحطيم اللغة العربية تحت بند التجديد من مثل (يا الشاب اليموت باكرًا)، وكان سعيد عقل يتابع جهوده من أجل تحديث اللغة وتطويرها عبر دعوته الصريحة إلى الكتابة باللغة العامية الدارجة (لبنان أن حكى)، وبالحرف اللاتيني (يارا)، فالتقى مع جماعة النهار وكان لقاءً عظيمًا نجم عنه انسداد نوافذ لبنان الفكرية على المنطقة العربية ونحو انعزالية ثقافية دعمت الانعزالية السياسية في ذلك الحين، ثم تولى أنسى الحاج جريدة النهار، وتولى توفيق صايغ مجلة حوار، وتولى أدونيس مجلة مواقف، وقد كشف طلال رحمة عن مبادئ هذه الجماعة، فذكر أن أهمها هي: نهش اللغة العربية كلغة وكتراث واستخدام الكلمات واللهجة العامية بالإضافة إلى تركيب الجملة وفق الأسلوب الفرنسي. 

كذلك نهش جميع المفكرين والكتاب الأحياء منهم الأموات الذين تجرأوا وآمنوا إما بالعروبة السياسية أو بالحضارة العربية ثقافيًا (لا أعترف بوجود الكتاب الكبار أمثال طه حسين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم .. إلخ) هذه هي الخلفية للمخطط الذي سارت عليه مؤسسة الشعوبية والتغريب التي اتصلت خيوطها بما قام في مختلف العواصم العربية من محاولات لبناء الواجهة الشعوبية، فكانت بيروت بمجلاتها ومؤسساتها هي العامل الموجه للحركة في هذه المرحلة التي نؤرخها، ويتابع الاستشراق هذه المحاولة ويؤيدها، فنجد أمثال (جاك بيرك) يصدر كتابًا يسجل فيه المحاولة التي تعاونت الشعوبية والتغريب والماركسية عليها في سبيل تحويل مجرى الأدب العربي، والتأثير في مجالاته بالأدب الجنسي المكشوف في القصة وكسر عمود الشعر في النظم وإقامة الأسلوب اللبناني التوراتي في النثر، فقد أصدر كتابه (في الأدب العربي) عام ١٩٦٦، وحشد فيه دعاة التجديد في هذه المؤامرة الخطيرة، وهم: نجيب محفوظ، لويس عوض، بشر فارس، حسين فوزي، محمود أمين العالم، عبد الرحمن الخميسي، سعيد عقل، أدونيس، ميخائيل نعيمة، محمد كامل حسين، جبران، سلامة موسى، طه حسين، الجوهري، أمين الخولي، صلاح عبد الصبور، هذه الواجهة الشعوبية العريضة التي كانت سببًا في نكسة ١٩٦٧.
- يقول الأستاذ محمد التازي تحت عنوان "نكسة الأدب": إن الأدب المغربي الذي لم تفاجئه الهزيمة وما نجم عنها من أحداث بل وجد في الهزيمة دليلاً على صدق حدسه وإحساسه، ففي الوقت الذي ظهر فيه أدب التشاؤم واليأس والشك في كل القيم والمقومات الأخلاقية والإنسانية، حرص الأدب المغربي على التأكيد على ضرورة التمسك بالأصالة الروحية للإنسان العربي، ونحن على خلاف واضح مع بعض النقاد العرب، فعندما لاحظوا سطحية الأدب العربي بعد الهزيمة وتعبيره المباشر عن آثارها، زعموا أن ذلك يرجع إلى فقدان العمق والأصالة في الثقافة العربية المعاصرة، بينما زعمنا أن الثقافة العربية غنية بالعمق والأصالة، وأن مرد السطحية الملاحظة هي سقوط الأدب بين براثن الإعلام، فلا الأدب استمر على أصالته محافظًا على مقوماته، وكانت كارثة الإعلام العربي الممهدة للكارثة العسكرية، وبذلك فقدت الكلمة إشراقها وصدقها ونفاذها، وأخذ المواطن العربي يكذب كل ما يسمع ويقرأ بعد أن كان يصدق كل ما يسمع وما يقرأ، وأصبحت المشكلة في نظرنا ليست مشكلة تعبير وقول تبليغ، وإنما المشكلة تصديق ما يكتب وما ينشر، فقد فقدت الثقة بين الأديب والإنسان العربي حين اكتشف هذا الإنسان الطيب المكافح أنه كان ضحية للمذياع والتلفاز والصحيفة والكتاب قبل أن تزحف عليه قوى الشر بأسلحتها الفتاكة لتغتاله وتحرقه وتشرده، وقد انفصل الأدباء العرب بعد النكسة إلى ثلاث فئات:
١ - "فئة النكسة": التي تعتقد أن ما حدث يوم ٥ يونيو هو مجرد نكسة أصابت الكفاح العربي، وأنها لا يجب أن تؤثر بأي حال في السياسة والمنهج والأسلوب والتفكير وكل ما كان خطه العمل قبل ٥ يونيه، وهؤلاء الذين أريد لهم أن يرفعوا علم النكسة بعد الحرب واتخذوا من الكلمة مسوغًا للاستمرار في السياسة.
٢ - "فئة النكبة": أولئك الأدباء الذين أطلقوا على ما حدث يوم ٥ يونيه اسم النكبة ليعبروا من خلال هذه التسمية عن استمرار شكهم في السياسة والمنهج والأسلوب الذي كان سائدًا قبل ٥ يونيه وزادتهم النكسة اقتناعًا بتفكيرهم وتأكيدًا لشكهم.
٣ - "الفئة الثالثة": "وتسمى ما وقع بعد الخامس من يونيه بالهزيمة العسكرية لتحدد مسئولية ما وقع، ولتضع خطًا فاصلاً بين المسئولية الشعبية التي انزوت وخفتت، وبين المسئولية العسكرية التي أوشكت أن تقضى عليها، وإذا كان المستقبل من صنع الحاضر؛ فإن الحاضر من صنع الماضي، والذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم أن يعيدوا أخطاءه ولو لم يريدوا ذلك، ومجرد رفض الماضي لا يقيم حاضرًا ولا يعد لمستقبل، إن المثقفين العرب قصروا في واجبهم نحو الجماهير التي تحولت من فعل مؤثر إلى متفرج في حلبة الصراع، حيث يتصارع الطموح الشخصي على حساب قضية الجماهير، فأوشكت هذه الجماهير أن تفقد حس المعركة، إن المثقفين كانوا يجهلون كل شيء عن العدو المتربص بهم، إن المثقف العربي أكره في كثير من أجزاء الوطن العربي على تجنب تحليل هذا الرفض وتعميقه لدى الإنسان العربي". اهـ.
- "ونضيف إلى ذلك أن الذين تولوا الثقافة في أغلب البلاد العربية كانوا ماركسيين وشعوبيين، وكانوا على هوى مع الصهيونية الشيوعية، ولذلك فقد وجهوا الأدب بمختلف فنونه وجهة أخرجته عن الأصالة وردته إلى أساليب جوفاء، ثم كان لهم بعد النكسة الادعاء الباطل بأن التراث العربي الإسلامي هو سبب الهزيمة وأن النصر لا يأتي إلا بالانصهار الكامل في الفكر الغربي وخاصة الماركسية، وقد كشف هذا عن مؤامراتهم الخطيرة في بناء الواجهة الشعوبية، ومدى الخطر الذي لحق بالقيم وبالأمة وبالكيان من جراء هذه السيطرة التي بدأت عام ١٩٦٠ تقريبًا على الصحافة ووسائل الإعلام والسينما والمسرح، ولكن السنوات التي تلت النكسة ما لبثت أن حطمت هذا الاتجاه وكشفت عن فساد التماس العالم الإسلامي والعرب لمنهج الماركسية، كما تكشف من قبل فساد تبعيته لمنهج الليبرالية تمامًا، وتبين للعرب أنه ليس هناك إلا طريق واحد: هو طريق الأصالة الذي يستمد مقوماته من القيم الإسلامية التي بناها القرآن، وكان مجرد الاتجاه نحو هذا الهدف هو منطلق النصر الذي تحقق في العاشر من رمضان، فدل بذلك على سلامة  الطريق وعلى ضرورة تعميقها والسير فيها إلى النهاية" (١). اهـ.

* الدكتور حسن حنفي على درب القطيعة مع ثوابت الإِسلام وأصوله .. إلحاد وزندقة:
على درب القطيعة المعرفية الكبرى مع ثوابت الإسلام وأصوله سار الدكتور حسن حنفي حذو النعل بالنعل، وذهب على درب تأويل الإسلام تأويلاً يفرغ الدين من الدين، فيقول عن الذات الإلهية التي أجمع المسلمون على تنزيهها، وفي الذات والصفات والأفعال، عن مماثلة أو مشابهة المحدثات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، ويقول عن التوحيد والوحي، والنبوة والرسالة والإيمان والغيب، والتراث وغيرها من مفاهيم ثوابت الدين ومصطلحاته: "إنه -أي الله- هو الأرض .. والخبز .. والحرية .. والعدل .. والعتاد .. والعُدّة .. وصرخات الألم .. وصيحات الفرح .. فهو تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفًا خبريًا، ولذلك وجب التخلي عن ألفاظ ومصطلحات كثيرة في علم أصول الدين من مثل: الله، والرسول والدين، والجنة والنار، والثواب والعقاب؛ لأن هذه الألفاظ والمصطلحات قطعية؛ ولأنها تجاوز الحس والمشاهدة .. ولأنها تشير إلى مقولات غير إنسانية .. فما الله إلا وعي الإنسان بذاته .. وما صفاته وأسماؤه إلا آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها .. وكل صفات الله -العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة- كلها صفات الإنسان الكامل، وكل أسماء الله الحسنى تعني آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها .. فالحقيقة هي الإنسان والواقع الذي يعيش فيه، ولذلك فتعبير الإنسان الكامل أكثر تعبيرًا من لفظ الله .
.والتوحيد ليس توحيد الذات الإلهية، كما هو الحال في علم الكلام الموروث، وإنما هو وحدة البشرية ووحدة التاريخ، ووحدة الحقيقة، ووحدة الإنسان ووحدة الجماعة، ووحدة الأسرة .. فالمهم هو إيجاد الدلالة المعاصرة للموضوع القديم، وتخليصه من شوائبه اللاهوتية، فليس للعقائد صدق داخلي، ولا يوجد دين في ذاته، والوحي هو البناء المثالي للعالم .. والمطلوب هو تحويل الوحي إلى أيديولوجية وإلى علم إنساني.
- والعلمانية هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور، والتراث قضية وطنية لا دينية، ومادة التراث نسقطها كلها من الحساب، ونستبدل بها مادة أخرى جديدة من واقعنا المعاصر.
والإلحاد هو التجديد، والتحول من القول إلى العمل، ومن النظر إلى السلوك، ومن الفكر إلى الواقع إنه وعي بالحاضر .. ودرء للأخطار .. بل هو المعنى الأصلي للإيمان، والمطلوب هو الانتقال من العقل إلى الطبيعة، ومن الروح إلى المادة، ومن الله إلى العالم ومن النفس إلى البدن، ومن وحدة العقيدة إلى وحدة السلوك، ومن العقيدة إلى الثورة" (١).
هكذا بلغ "التأويل - العبثي"الذروة إن لم يكن قد تجاوزها! فكل ثوابت الإسلام، وجميع عقائده، ومضامين مصطلحاته -من الله إلى الرسول إلى الدين إلى الجنة إلى النار إلى الثواب والعقاب- قد جردت من محتواها الديني "فنفس الكلمات لم يعد لها نفس المعاني"كما قال الحداثيون الغربيون، وانقلبت مصطلحات الدين وعقائده الثوابت إلى هذا العبث 
.الحداثي اللا معقول! " (١).
* وصدق الله تعالى إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: ٤٠].
* وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٨٠].
- يقول هذا الضال المضل رائد اليسار الإسلامي!!!: "النقل وحده لا يثبت شيئًا، "وقال الله"، "وقال الرسول"لا يُعتبر حجة (٢)، ويقول رائد التجديد!! "فألفاظ مثل: الجن والملائكة والشياطين، بل الخلق والبعث والقيامة ألفاظ تجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها؛ لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها الناس، ولا تؤدي دور الإيصال؟! (٣).

* حسن حنفي يقول: "احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص":
- يقول د. حسن حنفي أحد أقطاب هذا الاتجاه: "إن العقل هو أساس النقل، وأن كل ما عارض العقل فإنه يعارض النقل، وكل ما وافق العقل فإنه يوافق النقل، ظهر ذلك عند المعتزلة وعند الفلاسفة"ثم يقول: "لقد احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص" (٤).
.وهكذا تحول المؤمنون بالنص والدعاة إليه إلى "لصوص"؟!!، والعبارة استعارها حنفي من الشاعر الماركسي الفلسطيني محمود درويش (١).
وصار المهم عند هؤلاء مسايرة روح العصر فقط، وتساوت لديهم النصوص الدينية في حجيتها مع الأمثال العامية والأغاني الشعبية.
- يقول حسن حنفي حول هذه الفكرة: ما يهمنا هو روح العصر، وما نهتم به هي مشاكل العصر .. لذلك نهتم بالأمثال العامية وبسير الأبطال، كما نفعل تمامًا مع النصوص الدينية، ونهتم بالأغاني الشعبية (٢).
ثم أصدر حنفي كتابًا تحت عنوان "قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر"بث فيه الشكوك والإلحاد، ويدعو إلى أن الفكر الغيبي أقرب إلى الأساطير منه إلى الفكر الديني، وأن قصص آدم وحواء والملائكة والشياطين، كلها رموز أو جزء من الأدب الشعبي، ويرى هذا الضال المرتد أن العقل ما كان في حاجة إلى الشرع؛ لأن الإنسان لا يحتاج إلى الوحي، وأن ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- يؤمنان بوجود الشياطين والجن، وهذا هو أحد وجوه الضعف في هذه المدرسة، وأن الإنسان لا يحتاج لكونه مسلمًا إلى الإيمان بالجن والملائكة" (٣).
وقد وصلت به الحماقة إلى أن يقول: "يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين ويكون مسلمًا حقًا في سلوكه" (٤).
***
.* وهو يهدم أصول الدين على طريقة الفكر الماركسي:
- يقول: "لا يوجد دين في ذاته، بل يوجد تراث لجماعة معينة، ظهر في لحظة تاريخية محددة، ويمكن تطويرها للحظة تاريخية قادمة" (١).
 
* الموقف من التراث:
يقف اليسار من التراث موقفًا نقديًا تاريخيًا، فهو يعني إبراز مواطن التقدم في التراث من عقلانية وطبيعية وديمقراطية، وهو ما نحتاجه في قرننا هذا (٢)، وحتى تعود للإنسان قيمته التي فقدها عندما اعترف بالله، يدعو اليسار الإسلامي الإنسان إلى التحرر من كل سلطة إلا من سلطة العقل والواقع، وهذا العمل يقتضي ضرب كل الأطروحات الرجعية، والانطلاق في التجديد.
ويرى حسن حنفي أن السبب في فقد الإنسان لقيمته في تراثنا الإسلامي يرجع إلى سيادة الاختيار الأشعري، وقد تكون هذه السيادة هي إحدى معوقات العصر؛ لأنها تعطي الأولوية لله في الفعل، وفي العلم والحكم وفي التقويم، في حين أن وجداننا المعاصر يعاني من أخذ زمام المبادرة هذه باسم الله مرة، وباسم السلطان مرة أخرى، ومن ثم فالاختيار البديل: هو الخيار الاعتزالي .. الذي قد يكون أكثر تعبيرًا عن حاجات العصر، وأكثر تلبية لمطالبه (٣).
يريد الكاتب انتزاع السيادة من الله جل جلاله، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وما تخفي صدورهم أعظم، ولا شك أن هذه نزعة إلحاد ماركسية  .لا تحتاج إلى بيان وإن موهوا وخدعوا.
- وهناك تجديد على مستوى اللغة والمصطلحات (١): يرى حسن حنفي أن اللغة التقليدية في تراثنا قاصرة، وتتضمن عيوبًا كثيرة منها:
أنها لغة إلهية، تدور الألفاظ فيها حول الله .. بل إن لفظ الله لا يعبر عن معنى معين، فهو صرخة وجودية .. إذ أن الله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وعند المظلوم هو العدل، أي: أنه في معظم الحالات "صرخة المضطهدين"ثم ينتهي حنفي إلى أنه لا يمكن إيصال أي معنى بلفظ "الله"؛ لأن الله حوى كثرة من المعاني لدرجة أنه يدل على معانٍ متعارضة (٢).
فلا داعي إذن طبقًا لهذا الكلام إلى استعمال لفظ الجلالة، لتحل محلها كلمات: الخبز والحرية والعدل والحب، والإشباع والإنسان الكامل!!!.
إن كل الأقنعة والتموية باسم الإسلام، قد انقشعت وها هو منهج المصطلحات الماركسية يبث سمومه بلا وجل ولا تردد، وانظر إلى قوله كذلك: "إن اللغة القديمة لغة دينية تشير إلى موضوعات دينية خالصة مثل: دين، ورسول، ومعجزة، ونبوة .. وهي لغة عاجزة عن إيصال مضمونها في العصر الحاضر!! وهي -كذلك- لغة تاريخية صورية مجردة .. ولذلك فاليسار يروم تأسيس لغة جديدة تستعمل الألفاظ التي يقبلها العصر!!.
- يقول حنفي: إن في العصر ألفاظًا تجري مجرى النار في الهشيم مثل: الأيديولوجيا، والتقدم والحركة والتغير، والتحرر والجماهير، والعدالة .. وهي ألفاظ لها رصيد نفسي لدى الجماهير، والتي يمكن أن تعبر عن ثقافة وطنية (١).
وهذه اللغة مفتوحة وعقلانية، أما ألفاظ "الله والجنة والنار والآخرة والحساب والعقاب"فهي ألفاظ قطعية صرفة، لا يمكن التعامل معها دون فهم أو تفسير أو تأويل، ويضيف قائلاً: بأن الألفاظ يجب أن يكون لها مقابل في الواقع الحسي، فألفاظ "الجن والملائكة والشياطين؛ بل والخلق والبعث والقيامة"ألفاظ تجاوزها الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها؛ لأنها لا تشير إلى واقع ولا يقبلها كل الناس.
وفي نظر اليسار أن ذلك سينقل عصرنا من "مرحلة التمركز حول الله إلى مرحلة التمركز حول الإنسان، وتلك مهمة التراث والتجديد في أول محاولاته من أجل إعادة بناء علم أصول الدين، على أنه علم الإنسان (٢)، إننا إذا فعلنا كل ذلك أمكننا التغيير والتجديد ما دمنا قد تخلينا عن لغة اللاهوت، وتخلصنا من كل المفاهيم الغيبية المعيقة للتقدم والانطلاق.
- وإنها لجرأة -وأي جرأة- يعلنها اليسار الإسلامي على الله، والوحي والإسلام، باسم الإنسان والعقل والتجديد (٣).
 
* الفهم المقاصدي للشريعة (٤):
الشريعة عند أصحاب اليسار جاءت لتحقيق بعض المقاصد العامة والمقاصد العليا التي جاءت الشريعة لتحقيقها في نظرهم خمسة هي: الإنسانية، والعدل الاجتماعي، والحرية السياسية، المبدئية، التقدم المستمر نحو الأفضل، لكن ما الوسائل المعتمدة في تحقيق هذه المقاصد؟ هل يحددها الوحي أم يختارها الإنسان؟!
لدى اليسار أن المصلحة أصل مستقل في التشريع، وأنه لا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه، لقد أصبح الواقع هو المجدد للاختيارات والقوانين، أما دور الشرع فثانوي؛ لأن اختياراتنا هي التي تحدد طبيعة القوانين، وذلك يعني أن القوانين والأحكام المنزلة في القرآن، والواردة في السنة قابلة للتأويل والتعطيل، ونحن في كل ذلك نستلهم روح الشريعة ومقاصدها .. ولعلنا لا نكون بعيدين عن المادية التاريخية إن لم نقل من أكبر ممثليها والداعين إليها" (١).
 
* العلمانية والوحي:
انظر إلى هذا الكفر الصريح، يقول حسن حنفي: "إن العلمانية هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور" (٢).
 
* أما الرؤية الاقتصادية:
فأبرز أهدافهم أن يصلوا إلى إقامة المجتمع الاشتراكي، إقامة مجتمع بلا طبقات، وبعض الملكية الفردية، مع تبني أسلوب الملكية الجماعية، وتشجيع العمل النقابي والإصلاح الزراعي.
- وهم يعتمدون الثورة الاشتراكية، يقول حسن حنفي: "بالنسبة لنا: الاشتراكية قضية مبدأ دائم، وليست قضية نظام عابر يتغير بتغير الحكام، وتظل الجماهير الإسلامية في كلتا الحالتين فاترة لا يعنيها الأمر في شيء،
.
هذا إضافة إلى أن الإسلام ذاته ضد تجميع رأس المال في أيدي القلة {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧]، ويرفض الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي، ويقول بالمساواة، ويرفض الاستغلال والاحتكار .. ويعطي الإمام حق التأميم والمصادرة للمال المستغل لصالح المسلمين، مهمة اليسار الإسلامي إعادة توزيع ثروة المسلمين بين المسلمين، كما شرع الإسلام، طبقًا للعمل والجهد والعرق (١).
هكذا؟! لو أردتم شرع الإسلام لتركتم هذا التلفيق المريب، ورفض حكم الله في الاقتصاد وغيره؟!.
 
* الطيب تيزيني الماركسي الغالي في ماركسيته:
أستاذ جامعي سوري، أعدّ هذا المجرم "مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بدايته وحتى المرحلة المعاصرة"وقد أصدر جزءين من مشروعه، خصّص الأول منهما لعرض النظرية المقترحة في قضية التراث .. ويعتمد الماركسية مذهبًا، والمادية التاريخية منهجًا، يقول: "إن النظرية الاشتراكية العالمية (الماركسية) هي المنظار الذي يجب أن ننظر من خلاله إلى التراث، فما استقام منه لها قبلناه، وأما ما لا يستجيب منه لذلك فإنه يُعزل تاريخيًّا" (٢).
- وقفة أخرى مع هيكل نختم بها هذا المجلد:
يتباكى الناصريون الآن على إعلان هيكل عن اعتزاله الكتابة والعمل الصحفي .. وأقاموا الدنيا وأقعدوها وصوروا هيكل على أنه المنقذ للأمة والمجدد لآمالها.
..
وحال الناس والجماهير الغوغاء ولسان حالهم
"وزمِّر مع كل قرد حتى ينتهى سوق القرود، ولكنا نقول لدجّال الناصرية سخرية.
 
* لا تعتزل:
من غيرك يقدر أن يعطي للكلمة أكثر من معنى؟!
النكبة نكسة، والسجنُ .. تأديب للشعب المجرمْ
والحركة ثورة، والتأميم .. تنظيم من أجل الأمة
لا تعتزل
من غيرك يمكن أن يتكلم في التبرير وفي التمرير
في التحذير من التحرير، وفي تحريك الشعب
فيهبُّ يطالب باستمرار مسيرة جلاده؟
لا تعتزل
من غيرك يمكن أن يرضي كلَّ الأذواقْ؟
من غيرك يُمكن أن يُخرس كل الأبواق؟
من غيرك يقدر أن يقنع آلاف البشر المطحونين
بأن الكون جميل لا أبدع
وبأن الحاكم قد قرّر
وبأن الشعب بأجمعه قد فوّض شخصًا لا يسمعْ
وبأن صواريخ "القاهر"يمكن أن تقهر بن جوريون
وبأن الأزمة حاليًا
لا مخرج منها سوى العودة
لعهود التسعات الخمسة 
ولعهد الميثاق اللعبة
ولعهد النكسة والنكبة
ولعهد الخامس من يونية؟
لا تعتزل .. لا تعتزل (١).
- أفيقوا أيها السادرون في غيّكم والفظوا حملة المباخر ودجلهم من ضيّعوا الأمة وانحرفوا بها عن الإسلام مصدر كرامتها وعزتها فدمروا يومها وغدها وجعلوها في المستنقع الآسن والظلام الحالك.
والحمد لله أن شباب هذه الأمة بدأ يفيق من غيبوبته وما عاد يسمع لدجل الحواة، ولا يشنف سمع الطيبين إلا وحي السماء وقول الكبير المتعال.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨].
***
 
..* الدكتور نصر أبو زيد يقول عن القرآن أنه نص بشري .. ومُنتَج ثقافي لا قداسة له:
"ونموذج ثان، لحداثي آخر، من الذين اتخذوا الدراسات الإسلامية ميدانًا لهذا التأويل العبثي .. يقول -عن القرآن الكريم- الذي يؤمن المؤمنون -كل المؤمنين- أنه وحي سماوي، وتنزيل إلهي معجز وخالد .. يقول هذا الحداثي -عن القرآن-: إنه نص بشري، ومُنْتَج ثقافي .. لا قداسة له! وأن بينه وبين الشعر الجاهلي -وخاصة شعر الصعاليك- شبهًا كبيرًا! وبنص عباراته -التي لا تحتاج إلى تعليق- يقول:
"من الواقع تكوَّن النص [القرآن]، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص .. الواقع أولاً، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا.
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية .. وهذه الثقافة هي الفاعل، والنص منفعل ومفعول .. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره مُنْتَج ثقافي.
والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عامًا ... فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيكا هابطًا .. والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة .. والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحوّل النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته.
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص، وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري، كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً، والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكوّن النص القرآني .. فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة عامة، وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة .. وسياق مخاطبة النساء في القرآن، المغاير لسياق مخاطبة الرجال، هو انحياز منه لنصوص الصعاليك"!.
هذا عن القرآن .. أما عن "النبوة والرسالة"و"الوحي" .. فإنها -عند هذا الحداثي الماركسي-: ظواهر إنسانية، وثمرة "لقوة المخيلة"الإنسانية، وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه .. فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة، مع فارق في درجة "المخيلة"، فقط لا غير .. وبنص عباراته:
"إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية "المخيلة"في اليقظة والنوم على السواء .. ومن حيث قدرة "المخيلة"وفاعليتها، فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب، يليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب.
وتفسير النبوة اعتمادًا على مفهوم "الخيال"معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية "المخيلة"الإنسانية، التي تكون في "الأنبياء"أقوى منها عند سواهم من البشر .. إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة، فالنبوة، في ظل هذا التصور، لا تكون ظاهرة مفارقة .. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثبًا عليه وتجاوزًا لقوانينه، بل كانت جزءًا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها"! (١).
وبعد تحويل القرآن إلى نص بشري .. والوحي والنبوة إلى قوة في "المخيلة"الإنسانية .. يذهب هذا الحداثي الماركسي إلى تطبيق "التاريخية والتاريخانية"على معانٍ ومضابين وأحكام القرآن -كل معانيه ومضامينه وأحكامه- من العقائد إلى الأحكام وحتى القيم والأخلاق والقصص - الأمر الذي يعني نسخ كل مضابين القرآن وتجاوزها .. فيقول:
" .. فالقرآن خطاب تاريخي، لا يتضمن معنى مفارقًا جوهريًا ثابتًا ..
وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص .. فالقرآن قد تحوّل من لحظة نزوله من كونه [نصًا إِلهيًّا] وصار فهمًا [نصًّا إِنسانيًّا]؛ لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل. وهذه التاريخية تنطبق على النصوص التشريعية، وعلى نصوص العقائد والقصص .. وهي تحرك دلالة النصوص وتنقلها في الغالب من الحقيقة إلى المجاز .. " (١)!!.
هكذا، تم العبث الحداثي بالثوابت والمقدسات -القرآن .. والنبوة والرسالة .. والوحي- على هذا النحو اللامعقول! " (٢).
* قال تعالي: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: ٦٠].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: ٣٥].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: ٧٠ - ٧٢].
* وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٣ - ٢٥].
 
* أحمد عبد المعطي حجازي من شياطين الإِنس:
- هو أولى الناس بقول الشاعر:
وكنتُ امرأً من جند إِبليس فارتقى ... بي الدهر حتى صار إِبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسنُ بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
.- يقول الدكتور محمد عمارة عنه في كتابه "مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية" (ص ٣١ - ٣٣)
ونموذج ثالث، لشاعر حداثي -يسمونه "الشاعر الكبير"- بدأ عروبيًا، وانتهى فرنكفونيًا، في بلد ليس لها تاريخ في الفرنكفونية! أي أنه فرنكفوني بالهواية والهوى! ولقد احترف -في كتاباته الصحفية .. التي غلبت شعره- الدعوة إلى:
- تعبير الأنثى بالجسد .. أي: جعل الجسد الأنثوي العاري "الموديل"هو الملهم للرسامين والنحاتين والمصورين والأدباء .. ففصاحة الجسد الأنثوي العاري -عنده- لا تعادلها فصاحة أخرى!! وهو يسحب هذه الدعوة حتى على جسد آدم وحواء عليهما السلام!!.
- والدعوة إلى احتقار العربية -لغة القرآن الكريم- وذلك عندما يدافع عن وصف لويس عوض لهذه اللغة الوطنية والقومية بأنها: "لغة ميتة .. ودخيلة"!!.
- والدعوة إلى الاحتفاء والاحتفال بالإسكندر الأكبر (٣٥٦ - ٣٢٤ ق م) بتزيين مياديننا بتماثيله - وهو الذي افتتح مرحلة غزو الغرب للشرق، والقهر الحضاري لثقافات الشرق ولغاته ودياناته، عشرة قرون، لم تنقشع ظلماتها إلا بالفتوحات التحريرية التي قادها الإسلام والمسلمون.

...

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-7

$
0
0

وفي النهاية سينبثق نور الفجر بعد أحلك الظلمات، ويعم نور الوحي والإسلام كل البسيطة .. ونقول لكل مارق ماجن:
لا تُهيئ كفني يا عاذلي ... فأنا لي مع الفجر مواثيقٌ وعهدُ

* كتاباتي عن التنوير، لم أعد أميل - كثيرا إلى هذه الثنائية (تنويري/إظلامي)؛ لأنها في حالات كثيرة لا تدل على شيء.
الثنائية الحقيقية التي تدور حولها معركة فعلية، ولكنها تأخذ أشكالا مختلفة هي:
(دولة مدنية) و (دولة دينية).
أنصار هذه الدولة الدينية يعتمدون على تأويل بعينه للدين، ويترتب على هذا مجموعة من النتائج المعروفة ..
وفي المقابل هناك مجموعة تريد أن تقيم دولة مدنية، يحكمها مبدأ الفصل بين السلطات، ودستور مدني يحقق المصالح المشتركة لمجموع المواطنين، من دون تمييز على أساس من الدين أو الجنس أو العرق.
في داخل هذا المربع المتحمس للدولة المدنية، هناك من يدافعون عن دولة شبه مدنية، وهناك من يريد دولة مدنية ليبرالية على الطراز الأمريكي، وهناك من يريد إقامة دولة اشتراكية ديمقراطية على الطراز السويدي مثلا، ولكن في التحليل النهائي مطالبتهم -جميعا- تكون بدولة مدنية.
الذين لا يصطدمون بالدولة المدنية هم العقلاء، لأن الدولة المدنية هي التي تحمي التوجهات الدينية، لسبب غاية في البساطة، وهو أن هذه الدولة -بطبيعتها- قائمة على احترام كل الأديان من ناحية، وعلى احترام التأويلات المختلفة في كل دين من ناحية ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الدولة المدنية ستسمح للمسلم بالوجود المشترك مع المسيحي، واليهودي، وستسمح بالوجود المشترك بين المسلم الشيعي والسني والمعتزلي، لسبب بسيط، وهو أن هذه الدولة هي -بطبيعتها- قائمة على عدم التعصب لتيار ديني، وهذا ما لم يحدث في أي دولة دينية في تاريخنا الإسلامي" (١) اهـ.

(١) المصدر السابق (ص ١٣٦ - ١٣٧).كتاباتي عن التنوير، لم أعد أميل - كثيرا إلى هذه الثنائية (تنويري/إظلامي)؛ لأنها في حالات كثيرة لا تدل على شيء.
الثنائية الحقيقية التي تدور حولها معركة فعلية، ولكنها تأخذ أشكالا مختلفة هي:
(دولة مدنية) و (دولة دينية).
أنصار هذه الدولة الدينية يعتمدون على تأويل بعينه للدين، ويترتب على هذا مجموعة من النتائج المعروفة ..
وفي المقابل هناك مجموعة تريد أن تقيم دولة مدنية، يحكمها مبدأ الفصل بين السلطات، ودستور مدني يحقق المصالح المشتركة لمجموع المواطنين، من دون تمييز على أساس من الدين أو الجنس أو العرق.
في داخل هذا المربع المتحمس للدولة المدنية، هناك من يدافعون عن دولة شبه مدنية، وهناك من يريد دولة مدنية ليبرالية على الطراز الأمريكي، وهناك من يريد إقامة دولة اشتراكية ديمقراطية على الطراز السويدي مثلا، ولكن في التحليل النهائي مطالبتهم -جميعا- تكون بدولة مدنية.
الذين لا يصطدمون بالدولة المدنية هم العقلاء، لأن الدولة المدنية هي التي تحمي التوجهات الدينية، لسبب غاية في البساطة، وهو أن هذه الدولة -بطبيعتها- قائمة على احترام كل الأديان من ناحية، وعلى احترام التأويلات المختلفة في كل دين من ناحية ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الدولة المدنية ستسمح للمسلم بالوجود المشترك مع المسيحي، واليهودي، وستسمح بالوجود المشترك بين المسلم الشيعي والسني والمعتزلي، لسبب بسيط، وهو أن هذه الدولة هي -بطبيعتها- قائمة على عدم التعصب لتيار ديني، وهذا ما لم يحدث في أي دولة دينية في تاريخنا الإسلامي" (١) اهـ.

(١) المصدر السابق (ص ١٣٦ - ١٣٧).الدكتور صادق العظم صاحب "نقد الفكر الديني"من كبار المجرمين:
- يقول هذا القزم في كتابه (نقد الفكر الديني):
"إن الملائكة والجن وإبليس كائنات أسطورية، وإن الإسلام نقيض العلم، وإن قصة آدم وحواء في القرآن أسطورة:
يقول: "هل يفترض في المسلم في هذا العصر أن يعتقد بوجود كائنات مثل الجن والملائكة وإبليس، وهاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج، وجودًا حقيقيًّا غير مرئي باعتبارها مذكورة كلها في القرآن. أم يحق له أن يعتبرها كائنات أسطورية، مثلها مثل آلهة اليونان وعروس البحر والغول والعنقاء؟ يا حبذا لو عالج الموفقون بين الإسلام والعلم مثل هذه القضايا المحددة وأعطونا رأيهم فيها بصراحة ووضوح بدلاً من الخطابة حول الانسجام الكامل بين العلم والإسلام".
- ويقول في كتابه الشيطاني (ص ٣٦):
"يشدد القائلون بالتوافق التام بين الإسلام والعلم على أن الإسلام دين خال من الخرافات والأساطير: باعتبار أنه هو والعلم واحد في النهاية.
لنمحص هذا الادعاء التوفيقي بشيء من الدقة بإحالته إلى مسألة محددة تمامًا. جاء في القرآن مثلاً: أن الله خلق آدم من طين. ثم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس: مما دعا الله إلى طرده من الجنة. هل تشكل هذه القصة أسطورة أم لا؟ نريد جوابًا محددًا وحاسمًا من الموفقين وليس خطابة. هل يفترض في المسلم أن يعتقد في النصف الثاني من القرن العشرين بأن مثل هذه الحادثة وقعت فعلاً في تاريخ الكون؟ إن كانت هذه القصة القرآنية صادقة صدقًا تامًّا وتنطبق على واقع الكون وتاريخه فلا بد من القول: أنها تتناقض تناقضًا صريحًا مع كل معارضنا العلمية ولا مهرب عندئذ من الاستنتاج بأن العلم الحديث على ضلال في هذه القضية. وإن لم تنطبق القصة القرآنية على الواقع فماذا تكون إذن (في نظر الموفقين) إن لم تكن أسطورة جميلة؟ " (١).

* وا إِسلاماه .. وا إِسلاماه:
ولقد نشرت مجلة العلم العربي قصيدة لشاعر ملحد أعلن فيها إلحاده وإباحيته الفاجرة ومبادئة الضاله، فمما جاء في هذه القصيدة:
جاءت تسير بلا درب ولا قدم ... هذي فلسطين يحلى ذكرها نغمي
تسائل القوم هل صلوا وهل عبدوا ... إِني كفرت بهم حقدًا وبالقيم
وما صلاة لهم تسمو بموكبها ... والله مات مع الأوثان من قدم
إِذا ألم بهم ضيم فأرقهم ... توجهوا لانتجاع الغيب والحكم
يلوذ بالغيب من هانت شمائله ... ويركب الهول قلب لاذ بالشيم
- ثم يقول هذا القزم قبحه الله:
تكشف الجمع عن صبر ومعذرة ... إِني كفرت برب الصبر من حَكَمِ
- وهذه إذاعة في بلاد إسلامية (العراق) تعلن على المستمعين:
آمنت بالبعث ربًا لا شريك له ... وبالعروبة دينًا ما له ثان
- وقالوا هاتفين:
البعث ديني والعروبة مذهبي
.- وتقتحم السلطة الشيطانية كتائب الحاقدين في مدينة حماه عام ١٩٦٤ وهم يرددون هذه الأبيات:
هات سلاح وخذ سلاح ... دين محمد ولى وراح

* الشيطان اليساري عباس صالح:
- وقال عباس صالح وهو شيطان شيوعي مصري في مجلة الطليعة المصرية (ص ١٥٦):
"هذا العصر طابعه الأساسي أنه علماني عقلي وبالتالي لا بد أن تكون منطلقات ثقافتنا علمانية وعقلانية ومن النادر إن لم يكن من المعدوم تمامًا في العالم المتحضر اليوم من يبحث في الثقافة أو ينتجها من زاوية الخرافة والتعميمات والغيبيات وغير ذلك من المنطلقات التي انتهت من عالم اليوم والتي تقدمت الأمم منذ تخلف عنها بصرف النظر عما إذا كانث اشتراكية أو رأسمالية" (١).

* الشيطان إِبراهيم خلاص:
- الضابط إبراهيم خلاص الشيطان الذي نشرت له جريدة "جيش الشعب" (٢) مقال فيه:
"إن الله والأنبياء والكتب المقدسة ليست سوى محنطات يجب أن تأخذ مكانها في متحف المخلفات الأثرية".

* الكذّاب الأشر المرتد سلمان رشدي صاحب "آيات شيطانية":
إن باطل إبليس وأعوانه له جوالات ومن جوالاته خروج كتاب يحمل  اسم "آيات شيطانية"باللغة الإنجليزية، تأليف سلمان رشدي بريطاني الجنسية، مسلم بالولادة من مسلمي الهند، عدد صفحات الكتاب خمسمائة وخمسون ويحتوي هذا الكتاب الشيطاني على هجوم سافر على الإسلام ونبي الإسلام وحتى تكون الصورة واضحة لهذا الكتاب فهذه فقرات من الكتاب الشيطاني:
١ - أن الشيطان استطاع أن يلقي على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بآيات تمتدح الأصنام وتعظم من شأنها.
٢ - أن الأصنام تشفع للناس يوم القيامة.
٣ - ذم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكلمة (مهوند) ومعناها أي الشرير أو المخادع أو النبي المزيف.
٤ - لقَّب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بأنه ابن زانية.
٥ - وصف زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنهن مومسات وأنهن يعملن في بيوت الدعارة ويحملن الحجاب.
٦ - شن هجومًا على السيدة عائشة - رضي الله عنها - وكيف تم زواجها من الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
٧ - جعل مكة المكرمة مدينة الجاهلية والأوثان.
٨ - وصف جبريل عليه السلام بأنه من المنادين والمؤيدين للواط.
٩ - وصف أيضًا جبريل عليه السلام بأن لسانه لا يعرف إلا الشتم واللعان.
١٠ - وصف الصحابة - رضي الله عنهم - بأنهم رجال همجية لا يعرفون إلا الفوضوية.
١١ - وصف سلمان الفارسي بأنه مخادع غشاش.
١٢ - وصف القرآن الكريم بأنه أسطورة خرافية.

١٣ - شكك في نزول الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
١٤ - وصف المسلمين بأنهم متوحشين وقاعدتهم الأصلية في الحياة هي تعذيب الآخرين.
إلى آخره من الهذيان والافتراء والكفر الصريح، وقد طبلت وزمرت المحافل الماسونية لهذا الكتاب فأخذت دار النشر البريطانية (لبيفوين) المعروفة بحقدها وكراهيتها للإسلام فنشرت هذا الكتاب والعجب أنه طبع أربع مرات وبيع منه أكثر من (٨٥) ألف نسخة ولكن المسلمين في غفلة عن أمر دينهم - وقد قام أحد الإخوة أصحاب الغيرة في بريطانيا وبعث إلى دار النشر البريطانية (لبيفوين) يحذرهم من طباعة هذا الكتاب والنتائج التي تترتب من طباعته.
وقد أعلن السيد خواتوانت سنغ في دلهي أن دار النشر (لبيفوين) هذه قد طلبت منه قراءة مخطوطة الكتاب "آيات شيطانية"في الصيف الماضي، وأنه بعد اطلاعه عليها ودراستها بإمعان لفت نظر الشركة إلى أن المخطوطة تحتوي على مواضيع تحط من قدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم وبالتالي فإنها ستثير موجة من المتاعب ولكنها لم تصغ إليه؛ لأنها كانت قد وضعت نصب عينيها الأرباح الناشئة عن رواج وانتشار هذا الكتاب.
(انظر جريدة الوطن في عددها (٥٠٣٧) ٢٦ فبراير ١٩٨٩).
ولكن هذه الشركة طبعت هذا الكتاب فتفجر الغضب من المسلمين، وقامت المظاهرات وحرقت بعض نسخه في ميادين لندن أمام أنظار المجتمع البريطاني وانهالت البرقيات والاحتجاجات تستنكر هذا الكفر والاستهتار بدين الإسلام. وقد صرح وزير الداخلية البريطاني (دوغلاس هيرو) قائلاً: "إن المسلمين البريطانيين لهم حق الدفاع عن إيمانهم والاحتجاج على كتاب يشتم ويحقر النبي". وفي باكستان هاجم متظاهرون مركز المعلومات الأمريكية في إسلام أباد وسقط ستة قتلى وأكثر من مائة جريح من المتظاهرين.
وفي الهند قامت مظاهرات وقتل عدة أشخاص وجرح سبعون وقد هدد المسلمون في الخطوط الجوية البريطانية بتفجير طائراتها إذا لم تحاكم بريطانيا سلمان رشدي.
وقام المسلمون في مدينة برادفور البريطانية بتقديم عرائض احتجاج موقعة من آلاف الأشخاص إلى النواب المحليين ووزير الداخلية البريطاني ورئيسة الوزراء مارجريت تاتشر ولكن لم يتسلموا ردًّا إيجابيًا ضد هذا الكتاب (١).
- وصدق الأخ أحمد يسري حين قال في أبيات صاغها ضد هذا المرتد اللئيم وسماها (سلمان والشيطان)، وهي رد على هذا الشيطان، يقول:
تبت يداك أبا لهب ... قتل الكتاب ومن كتب
يوحي لك الشيطان ... بالأفكار في صور الأدب
يضع الكمامة فوق ... عينيك يا لسوء المنقلب
ويقود خطوك باعوجاج ... كي تشاركه اللهب
قدح الشرار بعينه ... ورمى خيالك بالشهب
طاف البلاد فلم يجد ... إِلاك مختل العصب
لا شك أنك عنده ... في الخلق أدنى الرتب
سلمان: لا سلمت يداك ... ولا سلمت من العطب
.
وخلعت دينك ضلة ... وخنست ترقب عن كثب
وهجرت أرضك مفلسًا ... تسعى فيلبك الجرب
أيقنت أن محمدًا ... يفدي بأم أو بأب
ورأيت فيه نموذجًا ... للخير في كل الحقب
وإلى ديانة أحمد ... قد كنت يومًا تنتسب
فتمكن الشيطان منك ... من الدماغ إِلى الذنب
وتطاول القلم اللعين ... وراح يسكب ما سكب
أتراك تعلو بالسباب ... إِذن فإِبليس السبب
قد خاض قلبك عصبه ... وعليهم حق وجب
مت كل يوم مرة ... وذق العذاب المرتقب
فكتابك المنشور يبعث ... يوم نشرك بالغضب
ويسوء وجهك لا الصراخ ... يقيك منه ولا النصب
لا تشتري حرسًا هنالك ... أو تساوم بالذهب
فبكل حرف في الكتاب ... عذاب دهر تكتسب
وبقدر ما انتسخوه يسلخ ... جلد وجهك باللهب
ورفيقك الشيطان يرمي ... تحت رجليك بالحطب
يتبرأ الشيطان منك ... ومن عذابك لم تجب
ذق ما جنت كفاك، لا ... تجني من الشوك العنب
سلمان والشيطان ضلا ... واستشاطا في الغضب
تعيس الرفاق ومن يناصرهم ... ويجمل في الطلب
- وازداد الغضب من المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي ضد هذا الكتاب الشيطاني. ولكن أعداء الإسلام يسعون في الأرض فسادًا لما رأوا هذا  .الغضب الإيماني ضد هذا الكتاب قاموا بترديد النغمة الشيطانية بل هي حرية الفكر والرأي .. ومن هذا المنطلق أصدرت منظمة الكتاب الأمريكية. P. عليه الصلاة والسلام. N بيانًا أدانت فيه التهديد ودافعت عن حرية التعبير والنشر ووصفت الكتاب بأنه عمل أدبي رائع.
وأرسل كتاب بريطانيون رسالة احتجاج إلى مارجريت تاتشر عبروا فيها عن أسفهم وغضبهم من التهديد والقتل وأبدوا تضامنهم مع مؤلف الكتاب وشجبوا جميع أشكال التخويف والإرهاب.
بل وصل الأمر من بعض الحاقدين على الإسلام في بريطانيا أن ألقى قنبلة على المركز الإسلامي في لندن ردًا على غضب المسلمين لهذا الكتاب.
والعجب العجاب أن هؤلاء الثائرين على المسلمين والمدافعين عن كتاب آيات شيطانية بدعوى حرية الرأي والكلمة كانوا غافلين حين قامت مظاهرات احتجاج في أنحاء البلدان المسيحية حين عرضت سينما ميشيل في فرنسا فيلمًا بعنوان "الإغراء الأخير للمسيح"الذي يصور المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في مشاهد جنسية فأحرقوا السينما مع محتوياتها واختنق كثير من الحاضرين حتى البوليس الذي نسي نفسه تعاطف مع هذه الفئة الغاضبة.
وحين صادرت إنجلترا كتاب "صائد الجواسيس"كان ذلك لأنهم رأوا فيه أنه يمس مصالح عليا، لم يكن ذلك مصادرة لحرية الرأي، ولم يكن حريق السينما صادر عن همجية وبربرية لا، وإنما اقتناع كامل أن ذلك يمس نبي الله عيسى ويصوره بطريقة شائنة ويحط من قدره وجعله كأي فرد عادي يسير وراء شهواته وملذاته لا كنبي مرسل.
ويتضح مما سبق أن هناك بعض الدول الأوربية تساند هذا المرتد المأجور وتحميه وتمهد له ولأمثاله الطرق لحرب الإسلام والمسلمين.
وحين قام المسلمون يعلنون غضبهم ضد هذا الكتاب الشيطاني قامت  الدنيا، ولم يقعدوها لأن المسلمين دافعوا عن دينهم وعقيدتهم بل يريدوا قومًا بكمًا فهل حلال عليكم هدم الإسلام وقيمه وحرام على غيركم إنكاره والوقوف ضده" (١).
 
* رسالة إِلى سلمان رشدي:
- كتب الشاعر فاروق جويدة هذه القصيدة الطيبة، وكتب في مقدمتها "سلمان رشدي كاتب مسلم، ارتد عن الإسلام، ولم يكتف بذلك بل وجّه في كتابه "آيات شيطانية"أكبر إساءة يوجهها كاتب في التاريخ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
فِي زَمن الردَّةِ والبُهْتَانْ
اكتبْ مَا شِئْتَ ولا تَخْجَلْ
الكفرُ مباحٌ .. يَا سَلْمَانْ
ضَع أَلفَ صلِيبٍ .. وصَلِيبٍ
فَوقَ القُرآن
وارجُم آياتِ الله ومزِّقْهَا
فِي كلِّ لِسانْ
لاَ تَخْشَ الله ولا تَطلبْ
صَفْحَ الرَّحمَن
فَزَمَانُ الردَّةِ نَعرفُهُ
زمنُ المَعصِيةِ ..
.بِلاَ غُفْرَانْ
إنْ ضَل القَلْبَ فَلا تَعجَبْ
أَنْ يَسكُنَ فِيهِ الشَّيْطَانْ
لاَ تَخْشَ خُيُولَ أَبِي بَكْرٍ
أجهضَهَا جبنُ الفرْسَانْ
وبلالُ الصَّامتُ
فَوقَ المَسجِدِ
أَسْكَتَهُ سَيْفُ السَّجَّانْ
أتراه يُؤذنُ
بَينَ النَّاس بِلا استئذانْ؟
أَتراهُ يرَتلُ باسمِ الله
وَلا يَخْشَى بَطْشَ الكُهَّانْ؟
فاكْتبْ مَا شِئْتَ ولاَ تَخْجَلْ ..
فالكُلُّ مهَانْ
واكفُرْ مَا شِئْتَ ولاَ تَسألْ
فالكُلُّ جَبَانْ
***
فالأَزهَرُ يَبْكِي أَمْجَادًا
ويُعيدُ حَكَايا ..
مَا قَدْ كَان
والكَعْبَةُ تَصرُخُ فِي صَمْتٍ  

بَينَ القُضْبَانْ
والشَّعْبُ القَابِعُ فِي خَوْفٍ
يَنْتَظِرُ العَفْوَ مِنَ السُّلطَانْ
والنَّاسُ تُهَرولُ فِي الطُّرقاتِ
يُطَارِدُهَا عَبثُ الفِئرَانْ
والبَابُ العَالي يَحْرُسُه
بَطْشُ الطُّغْيَانْ
أَيَّامُ الأُنْسِ وبَهجَتُهَا
والكَأسُ الراقِصُ والغِلمَانْ
والمَالُ الضَّائِعُ فِي الحَانَاتِ
يَسِيلُ عَلَى أَيْدِي النُّدْمَانْ
فَالبَابُ العَالِي مَاخُورٌ
يَسْكُنهُ السَّفْلةُ والصِّبْيَانْ
يَحْمِيهِ السَّارِقُ والمَأْجورُ
ويَحْكُمهُ سِرْبُ الغِرْبَانْ
جَلادٌ يَعْبثُ بالأَدَيانْ
وآخرُ يمْتَهِنُ الإنْسَانْ
وَالكُلُّ يُصَلِّي للطُّغْيَانْ
***
ومحمدُ نُورٌ مسجُونٌ
بَينَ الجُدْرَانْ
وخَدِيجةُ تَبْكِي فِي شَجَنٍ 

أَيَّامَ النَّخْوةِ .. والفُرْسَانْ
عَائِشَةُ تُحدِّقُ فِي صَمْتٍ
تَسْأَلُ عَنْ عُمَرٍ ..
أَوْ عُثْمَانْ
فَاطِمَةُ تُنَادِي سَيفَ الله
فَلاَ تَسْمَعُ غَيرَ الأَحْزَانْ
***
اسأَلُكَ بربِّكَ يَا سَلْمَانْ
هَلْ تَجْرُؤ أَنْ تَكسِرَ يومًا
أَحدَ الصُّلْبانْ؟
أَنْ تَسْخَر يَوْمًا مِنْ عيسَى
أَوْ تُلقِي مَريمَ فِي النِّيرَانْ
مَا بَيْنَ صَلِيبٍ .. وصَلِيبٍ
أحْرَقْتَ جَمِيعَ الأَدْيَانْ
فاكْتُبْ مَا شِئتَ ولاَ تَخْجلْ
فَالكُلُّ مُهَانٌ .. وجَبَانْ
***
خَبِّرنِي يَوْمًا ..
حِينَ تُفِيقُ مِنَ الهَذَيَانْ
هَلْ هَذَا حَقُّ الفنَّانْ .. ؟
أَن تُشْعِلَ حِقْدَكَ فِي الإنجِيلِ

وتَغْرسَ سُمَّكَ فِي القُرآنْ
أَنْ تَرجُمَ مُوسَى أَوْ عِيسَى
أَوْ تَسْجُنَ مَرْيمَ فِي القُضْبَانْ
أَنْ يَغْدو المَعْبَدُ والقدَّاسُ
وبَيتُ اللهِ
مجَالسَ لَهو للرهْبانْ
أَنْ يَسْكرَ عيسَى فِي البَارَاتِ
ويَرقُصَ مُوسَى للغِلْمَانْ
هَلْ هَذَا حَقُّ الفَنَّانْ؟
أَنْ تَحْرقَ دِينًا فِي الحَانَاتِ
لتبْنِيَ مَجْدَكَ بالبُهْتَانْ
أَنْ تَجْعَلَ ماءَ النَّهرِ
سُمُومًا تَسْرِي
فِي الأَبدَانْ ..
لَنْ يُشْرقَ ضَوءٌ مِنْ قَلْبٍ
لاَ يَعْرفُ طَعمَ الإيمَانْ
لَنْ يَبْقَى شَيءٌ مِنْ قلمٍ
يَسْفِكُ حُرُمَاتِ الإنسَانْ
فاكفُرْ مَا شِئْت
ولاَ تَخْجَلْ
ميعَادُكَ آتٍ يَا سَلْمَانْ
دَعْ بَابَ المَسْجِد

يَا زِنْدِيقُ
وقُمْ واسْكرْ بينَ الأَوثَانْ
سَيَجِيئُكَ صَوتُ أَبِي بكرٍ
ويصيح بخِالِد:
قُمْ واقْطَعْ رأْسَ الشَّيْطَانْ
فمحمَّدُ بَاقٍ
مَا بَقيت دُنْيا الرَّحْمَنْ
وسيَعْلُو صَوْتُ الله ..
وَلَوْ كَرِهُوا
فِي كُلَ زَمَانٍ ..
وَمكَانْ (١).
- بيان الدفاع عن سلمان رشدي:
"وقع البيان خمسة من المصريين في مقدمتهم الأستاذ أنيس منصور الذي يهاجم سلمان رشدي في الصحف المصرية بينما يقول ضاحكًا: إنه وقّع البيان العالمي بالدفاع عنه بالفاكسميلي وهو في المدينة -المنورة- في ضيافة الحرس الوطني السعودي (٢)!!! ما وقّع البيان كل من: أمينة السعيد، ونوال السعداوي التي موّلت مؤسسة فورد مؤتمرها لتحرير المرأة .. وأحمد عثمان مرسى سعد الدين شقيق بليغ حمدي ولا فخر" (٣).
* أقزام مرّ ذكرهم:
- عبد العزيز المقالح.
- محمود درويش:
الذي سب الله ورسوله والإسلام.
- بدر شاكر السياب والبياتي:
تولى بدر شاكر السيّاب والبياتي وأدونيس الدعوة إلى تمسيح الشعر وصعلكته، وابتعاث الأساطير القديمة وإحيائها في عداء شديد للفصحى وما وراءها من قيم الإسلام والقرآن (١).
- وبدر شاكر السيّاب مثله مثل أدونيس كان مضطرب المواقف الفكرية السياسية بين الوطنية المحلية والشيوعية، وبين الارتباط بالقوميين ثم بجماعة مجلة شعر، القوميين السوريين، يقول رجاء النقّاش:
"وكان الذين يهاجمون السيّاب يرون فيه منافقًا عريقًا وانتهازيًا كبيرًا.
وكانوا يعتبرونه باحثًا عن مصالحه لا عن مبادئه، وما يُقال عن السياب يُقال عن البياتي" (٢).
- سيد القمني.
- خليل عبد الكريم: الوالغ في عرض الصحابة .. القزم المتطاول على سادات الأرض، من ملأوا الدنيا طيبًا ونورًا وعُلُوّا.
 
* حسين مؤنس الداعي إِلى القومية المصرية:
- حسين مؤنس الداعي إلى القومية المصرية؛ واحتقار الماضي الإسلامي
..وتربية الأجيال تربية لا دينية.
- قال د. حسين مؤنس في كتابه "مصر ورسالتها":
"عندما فتح العرب مصر عام ٦٤٠ كانت ولاية بيزنطية تُحكم من القسطنطينية وعندما غزا الفرنسيون مصر عام ١٧٩٨ وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية التي حملت اسمًا جديدًا هو استامبول أو الأستانة، ولم يكن حالها عام ١٧٩٨ بأحسن من حالها عام ٦٤٠، كان الناس في بؤس وذل وكان البلد في خراب".
"فكأن اثني عشر قرنًا من تاريخ هذا البلد ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين (كذا) عن الوجود".
"شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبدًا، تصور اثني عشر قرنًا ونصف تذهب سدى! قد يُقال قد قامت خلالها دول وأمجاد .. ولكنها تلاشت كأن لم تغن بالأمس وعاد المصري .. وهو مدار هذا التاريخ ومقياسه .. بالضبط كما كان في أواخر عصر الرومان".
"ما الذي حدث؟ "
"الذي حدث أننا تخلّينا عن رسالتنا (! ) واتجهنا بكليتنا نحو الشرق، فاختل ميزان تاريخنا وكان ذلك الانكسار العظيم" (١).
- ويعد حسين مؤنس الحجاب الإسلامي هو العائق الأكبر في سبيل انتماء مصر للغرب ذلك أنه ربطها بالمجتمعات الشرقية المتخلفة في حين أن المرأة المصرية القديمة كالمرأة الأوروبية الحديثة سواء بسواء، وحضارتها واحدة، يقول:
"وقد انهارت المجتمعات الشرقية كلها بسبب ظلمها للمرأة وحرمانها 
 إياها من مكانها وحقها الطبيعيين، وهذه حقيقة لم ينتبه لها معظم من يدرسون تواريخ هذه الدول الشرقية من المشارقة ولكنها معروفة للدارسين من أهل الغرب؛ لأن مجتمعهم "يقوم على المرأة والرجل مجتمعين، ومن ثم فهم يعرفون أهمية المرأة في المجتمع الإنساني، ويشيرون إلى ذلك ويقررون أنه أساس تقدم مجتمعهم على غيره من المجتمعات، وهذه الحقيقة -على ما يبدو من بساطتها- تفرّق بين مجتمع ومجتمع وحضارة وحضارة، بل هي الحد الفاصل بين الحضارات التي أينعت وعاشت والحضارات التي ذبلت وماتت".
والحضارة المصرية القديمة من الطراز الذي أعطى المرأة حقها واعترف بها ومنحها حقًّا كاملاً في البيت وفي ميدان العمل والحياة، بل إن عينك لا تقع على رسم مصري قديم إلا وجدت المرأة فيه إلى جانب الرجل ورأيتها رافعة الرأس تسير معه وتعمل معه ..
"وحضارة مصر مشتركة من هذه الناحية الأساسية مع حضارتنا الراهنة وأنا أقول: "حضارتنا"لأنك سترى أن ما نسميه اليوم بحضارة الغرب إن هو إلا الحضارة المصرية القديمة متطورة في اتجاه مستقيم" (١).
 
* الأدبية السورية "نظيرة زين الدين"القائلة: أن أول درجة في سلم الرقي هو السفور؟!
قبّحها الله من أديبة تلك الأديبة السورية (نظيرة زين الدين) التي تقول في كتابها "السفور والحجاب": "أن أول درجة في سُلّم الرقي هو السفور"؟! وتضيف موضحة: "إن الأمم التي نبذت الحجاب أمم راقية في العقل والمادة، رقيًّا ليس للأمم المتحجبة مثله، فالأمم السافرة هي التي اكتشفت بالبحث  والتنقيب أسرار الطبيعة" (١). فهذا أمر دبر بليل وهذه نهاية المطاف.
ولا تعجب يا أخي فهذه شنشنة نعرفها من أخزم فقديمًا قال رفاعة الطهطاوي "إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة"، إذن فالحجاب ليس ضروريًا لعفة المرأة، ثم جاء من بعد رفاعة أناس وأناس حتى أتت نظيرة زين الدين".
 
* جابر عصفور مقالاته تقطر سمًا:
انظر ما كتبه في الأهرام ١٣/ ٩/١٩٩٠ في تأبين لويس عوض فإنه يرى أن حياة لويس كانت كلها جهدًا متصلاً وكفاحًا دائمًا لتغيير الواقع الذي ظل يرفض ما فيه من تقاليد جامدة وظلم اجتماعي وغياب للحرية.
 
* ما هكذا يا عصفور تورد الإبل!!!
أمين عام المجلس الأعلى للثقافة جابر عصفور من أشد الناس دفاعًا عن فصل الدين عن الدولة يقول عن ظاهرة الإرهاب:
"تبرز هذه الظاهرة على نحو دال في العصر الحديث، وفي المرحلة المعاصرة على وجه التحديد، وتفرض نفسها على منطق المساءلة، خصوصًا في سياق تاريخي، تزايدت فيه -منذ مطلع السبعينيات الساداتية في مصر، وفي غيرها من الأقطار العربية- مجموعات الضغط الديني الأصولية التي سعت إلى أن تستبدل بالدولة المدنية القائمة على احترام الأديان والمعتقدات والمذاهب دولة دينية تقوم على مذهب واحد، تتعصّب له في علاقتها بغيرها من المخالفين الموصومين بالتهم العديدة التي تجمع ما بين الضلالة والكفر.
وكان من نتيجة انتشار هذه المجموعات الأصولية، وتزايد عنف 
.
.ممارساتها، تصاعد نتائج تعصبها الذي انفجر في جرائم إرهابية أودت بحياة الكثيرين من الأبرياء، وأودت بحياة مبدعين ومفكرين، كان اغتيالهم تأديبًا لغيرهم، وأمثولة على ما يمكن أن يصل إليه قمع المخالفين، خصوصًا الكتّاب الذين تنوعت أشكال الإرهاب التي تعرّضوا لها ما بين الإرهاب المادي والمعنوي. وقد سبق أن كتبت في مواجهة مخاطر إرهاب هذه الجماعات كتابي "ضد التعصب" (سنة ٢٠٠٠) الذي كان كشفًا وإدانة لما حدث لأمثال نصر حامد أبي زيد وحسن حنفي وسيد القمني ومارسيل خليفة وأحمد البغدادي وغيرهم من المفكرين والمبدعين الذين امتدت إليهم حراب الإرهاب الديني، وحاولت القصاص منهم ومن أمثالهم" (١).
وقال: "ولم يكن من المصادفة أن يتم اغتيال الكاتب فرج فودة في صيف ١٩٩٢، بعد أن كتب ما كتب عن التطرف والتعصب، وكشف عن الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب نتيجة تأويلات دينية أصولية، أبعد ما تكون عن سماحة الإسلام ودعوته إلى المجادلة بالتي هي أحسن" (٢).
- جابر عصفور هو القائل:
"طه حسين مسئول عن أجزاء كبيرة من هذا الكائن جابر عصفور .. طه حسين موجود في نفسي وأنا موجود به" (٣).
- ويقول عن دعوته وإيمانه بالفصل بين الدين والدولة ودعوته إلى الدولة المدنية "العلمانية": "أنا شخصيًّا (على الرغم من أنني معروف بكثرة  كتاباتي عن التنوير، لم أعد أميل - كثيرا إلى هذه الثنائية (تنويري/إظلامي)؛ لأنها في حالات كثيرة لا تدل على شيء.
الثنائية الحقيقية التي تدور حولها معركة فعلية، ولكنها تأخذ أشكالا مختلفة هي:
(دولة مدنية) و (دولة دينية).
أنصار هذه الدولة الدينية يعتمدون على تأويل بعينه للدين، ويترتب على هذا مجموعة من النتائج المعروفة ..
وفي المقابل هناك مجموعة تريد أن تقيم دولة مدنية، يحكمها مبدأ الفصل بين السلطات، ودستور مدني يحقق المصالح المشتركة لمجموع المواطنين، من دون تمييز على أساس من الدين أو الجنس أو العرق.
في داخل هذا المربع المتحمس للدولة المدنية، هناك من يدافعون عن دولة شبه مدنية، وهناك من يريد دولة مدنية ليبرالية على الطراز الأمريكي، وهناك من يريد إقامة دولة اشتراكية ديمقراطية على الطراز السويدي مثلا، ولكن في التحليل النهائي مطالبتهم -جميعا- تكون بدولة مدنية.
الذين لا يصطدمون بالدولة المدنية هم العقلاء، لأن الدولة المدنية هي التي تحمي التوجهات الدينية، لسبب غاية في البساطة، وهو أن هذه الدولة -بطبيعتها- قائمة على احترام كل الأديان من ناحية، وعلى احترام التأويلات المختلفة في كل دين من ناحية ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الدولة المدنية ستسمح للمسلم بالوجود المشترك مع المسيحي، واليهودي، وستسمح بالوجود المشترك بين المسلم الشيعي والسني والمعتزلي، لسبب بسيط، وهو أن هذه الدولة هي -بطبيعتها- قائمة على عدم التعصب لتيار ديني، وهذا ما لم يحدث في أي دولة دينية في تاريخنا الإسلامي" (١) اهـ..

- وانظر إلى قوله عن رواية "وليمة لأعشاب البحر"ودفاعه المستميت عنها وأنها إبداع" (١).
وقوله: "درس أزمة الوليمة أنه لا يوجد فارق جوهري بين من نسميهم المتأسلمين (المعتدلين) والمتأسلمين المتطرفين" (٢).
ويقول: "مثقفو الدولة العثمانية هم خط الدفاع الأول عن الدولة المدنية وصدامهم مع التطرف حتمي" (٣)، وهو يصرح بدون حياء أنه يقف ضد (الاتباع) بمعناه الفكري (٤).
 
* ثقافة الضرار وتحطيم ثوابت الإسلام:
رواد الثقافة المتولون لأمرها في مصرنا هم عصبة الشك، ودعاة الشبهة، التنويريون التقدميون، أذناب الغرب، أو أذناب الماركسية، رواد الضلالة يتخذون ما يسمى بالفكر والثقافة لإفساد الناس وتحليل عقدهم الوثيقة، وتوهين أخلاقهم الصالحة، ويزعمون للعلم معنى إن يكن بعضه في العلم فأكثره في الجهل .. رواد ثقافة مصر المتربعون على كراسي الريادة يمموا وجوههم إلى موسكو أو شطر البيت الأبيض، عقولهم ضيقة معتلة، غلب عليها الكيد، وأفسدتها إرادة الحياة الدنيا، ونزع بها لؤم الطبع شر منزع، حتى استهلكها ما أوبقهم من فساد الخلق، وما يستهويهم من غوايات المدنية، فجاءونا في أسماء المثقفين، ولكن بأفعال أهل الجهل، وكانوا في الثقافة والفكر كالنبات الذي خبث لا يخرج إلا نكدا أو خبثا.
وإنك لن تجد سيماهم إلا في أخلاقهم فتعرفهم بهذه الأخلاق
..فستنكرهم جميعا، ولتعلمن عليهم كل سوء، ولترينهم حشو أجسامهم طينا وحمأة، في زعم كذب يسمى لك الطين طيبا، والحمأة مسكا، ولتجدن أحدهم وما في السفلة أسفل منه شهوات ونزغات.
خذ منهم الوقاحة والزندقة في زعم الحرية، والإلحاد في حجة العلم.
يقال تنويريون ومصلحون والناس يعنون ما شاءوا إلا حقيقة التنوير والإصلاح.
- أيتها الحصاة، ما يسخر منك الساخر بأكثر من أن يجلوك على الناس في علبة جوهرة.
- لا يصلحون إلا على إفساد الحياة، يذهبون أين ذهبوا وشعلة الجحيم الثقافية تدور من رءوسهم تهفو من ها هنا وهنا .. لا يعيشون إلا على غذاء من الموت، كأنهم كانوا من قبل دودا في قبور ثم نفخهم الله أناسي يجعلهم فيما يبلو به الخلق، ويضرب الحياة بهم ضربة انحلال وبلى تعفن.
- ينفث الواحد منهم دخان قلبه الأسود، ويعمل كما تعمل الأعاصير على إهداء الوجوه والأعين والأنفاس صحفا منشرة من غبار الأرض، إن لم تكن مرضا فأذى، وإن لم تكن أذى فضيق، وإن لم تكن ضيقا فلن تكون شيئا مما يساغ أو يقبل أو يحب.
- على أنك لا ترى هؤلاء الأقزام لا يتحاملون على شيء ما يتحاملون على الإسلام والقرآن الكريم والسنة المطهرة، فهم يخصونهم بالمكاره كلها، ويجفون عنهم أشد جفاء ويتطاولون بل ويطعنون في ثوابت ديننا الكريم أشد طعن.
 
* هم العدو فاحذرهم:
- "عشرات الإصدارات تهاجم الدين وتتطاول على المقدسات":

"ليست "وليمة لأعشاب البحر"هي الرواية الوحيدة التي أصدرتها وزارة الثقافة للتطاول على الأديان وإهانة الذات الإلهية والاستهزاء بالقرآن، فهناك عشرات الكتب والروايات والدواوين التي صدرت مؤخرا وخاصة منذ بداية العام الحالي، وحتى هذا الأسبوع كلها تتطاول على الذات الإلهية وتسخر من عقيدة المسلمين في جرأة غير مسبوقة في مصر الإسلامية بلد الأزهر.
وصدور هذه الكتب بالجملة في توقيت واحد ليس مصادفة، وإنما يدل على أن هناك عقلا مخططا وتدبيرا شيطانيا ماكرا.
وإذا كان نشر رواية حيدر حيدر على نفقة وزارة الثقافة قد فجر موجة الغضب داخل مصر وفي كل أنحاء الوطن العربي والعالم الإسلامي لما فيها من تطاول على المقدسات، فإن الكتب الأخرى التي ما زالت تملأ الأسواق بها تجاوزات وتطاول لا يقل فداحة عما جاء في رواية حيدر، وهذا التطاول الموجه يدل على حالة الانحطاط التي وصلت إليها الثقافة في مصر.
واختيار هذه الكتب السيئة للمعتقدات تم بواسطة لجان تم تشكيلها خصيصا من ذوي الاتجاهات المعادية للدين، حيث تفانوا في سهر الليالي لاختيار كتب بعينها لإفساد المجتمع وإشاعة أفكار الكفر والإباحية بين الأجيال الشابة.
والغريب أن هؤلاء المعادين للدين لم يبالوا بأحد وانطلقوا يضخون هذه الإصدارات في الأسواق بأموال الدولة، حتى بعد أن كشفت "الشعب"هذه المؤامرة منذ أسبوعين لم يتوقف هذا الضخ الملعون وواصلوا إصدار الكتب إياها وكأن شيئا لم يكن.
- هؤلاء معركتهم مع الله سبحانه وتعالى تقدست أسماؤه الذي تطاولوا عليه، معركتهم مع القرآن الذي سبوه وما زالوا يبررون ويدافعون عن هذا السب .. معركتهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يحترموه ويقولون: إن سبه هو الإبداع.
هذا الجحود والطغيان مقدمات الدمار الذي لا شك نازل. فعلى كل منا أن يبرئ نفسه ويدافع عن نفسه أمام الله بأن يرفض هذا العدوان على المقدسات.
ولنعلم أن الله ليس في حاجة لكي ندافع عن ذاته ولا عن دينه، فهو قادر على أن يخسف الأرض بكل المتطاولين ومؤيديهم، فهو الجبار القهار، ولكن ما يفعله كل منا إنما كي ندافع به عن أنفسنا يوم القيامة عندما يسألنا ربنا ماذا فعلتم عندما سبوني؟ ماذا فعلتم عندما شتموا رسولي وكتابي؟
الموقف الآن واضح ليس به لبس، إما مع الله وإما مع الشيطان ولا وسط بينهما.
دين الله يهان ورب العزة يسب علانية وعلى الحكومة أن تحدد موقفها؟ " (١).
- نظر إلى قيئهم وزندقتهم:
يكلم الناس من على جبل
ويأوي للتخوم
ويشعل الأحجار نارا تغسل النفس
ويبقى رماد من عروبته
تذروه ريح من الغرب
من ذا الذي يتكسب الآن من دمنا؟
من يحمل الرأس
.من يبكي على وجع الرسول
من يخبر الآن فاطمة
سمك، ملائكة، وحوش
تملأ الدنيا مياها من مدامعها
فم الرسول على فمك
ما أقدسك (١).
- ويقول:
والليل إذا سجى
صحا الوقت من نومه
وحكى لي قصة
ودوخني
ونام (٢).
- ويقول:
الرب الجديد جماجم ..
وحارقة نجومه
دمنا بدايات لماء مواته
وخروجنا هو موتنا
أشجارنا بعث
وأمي ودعتني عندما رحلت
وقالت:
لا تلمني (١)
- ويقول:
وانتصبت مآذنه
وفي لمحة
تنام عيون الأهلة
تنفض الصلاة
يبقى مسجدي ذكرى
وينعس رب اللذة الكبرى (٢).
- ويقول فاجر متطاول آخر تحت عنوان "دعوة إلى الرقص":
أرغب أن يخرج من هذه القصيدة كلب
أتملقه بعظم، بحلمة راقصة
أغريه بحرف ناعم، بواء كذنب كلبة تستعد للمضاجعة
بصور أكثر الكلبات شبقا في التاريخ
كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة
ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟
أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟
أحيك زوجات السفراء ملابس داخلية؟
أبني مصنعا لدعم الاقتصاد الوطني؟
مطبعة مستندات سرية لخدمة الحكومة؟
أم أطلق زوجتي؟
اسمع، أيمكن أن يطلق الرجل امرأته إذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟ (١).
***
- يقول هذا الزنديق:
نظرت منبثقة من العورات
وتصرخ معا: وصل الباص الإلهي، وصلت حقائبنا
حقائب حقائب حقائب، حقائبنا ضائعة بينها فلندخل المقهى
تجلس معنا على الطاولة وبر أجسادنا، تجلس لحانا،
معاركنا استمناءاتنا غلة نهارنا من بيع قطع مغشوشة من التخيلات
ممالك بيضاء تغني على النوافذ
أيدية في المشي أيدية مربوطة بخيط
ونرجع الكرسي قليلا ليمر الهواء
وداعا
وداعا أيها الله
بالهواء الذي يمر بيننا، بالماء الذي دلقته علي، وداعا
بعينيك اللتين تترصدانني من وراء الباب، بفمك الأزرق،
بنظارتيك المصنوعتين عند "نظارات الحكيم الطبية" (٢).
.- يقول هذا الزنديق تحت عنوان "أذهب هادئا إلى المرآة":
عمل ناعم أن تنظر إلي
وتبتسم إذا ابتسمت
وأرجوك لا تقرع الباب
إني واقف على النافذة أتأمل الجسر
العمل الشريف، أنا فعلته اليوم:
نظرت إلى البحر.
رأيت في الشارع ناسا معطلين
ثم دخلت الحانة
شربت قنينة بيرة، وخرجت برأس سكير
متصورا أن الله كان في الأصل عصفورا
يزقزق للشعوب (١).
- ويقول قاتله الله:
بين عرق الرجال والمومسات
فلوريسانات أوتوماتيكية من أقدام العبيد
فوق مكاتب الرؤساء
سماوات بأعضاء تناسلية
وآلهة
تنتف شعرها بسكر رخيص
على الجبال؟
أي جبال؟ (٢).
- وفاجر آخر يقول:
أيها القمر المنهوك القوى
أيها الإله المسافر كنهد قديم
يقولون إنك في كل مكان
على عتبة المبغي: وفي صراخ الخيول
بين الأنهار الجميلة
وتحت ورق الصفصاف الحزين
كن معنا في هذه العيون المهشمه
والأصابع الجرباء
أعطنا امرأة شهية في ضوء القمر
لنبكي
لنسمع رحيل الأظافر وأنين الجبال
لنسمع صليل البنادق من ثدي امرأة
ما من أمة في التاريخ
لها هذه العجيزة الضاحكة
والعيون المليئة بالأجراس
لعشرين ساقطة سمراء، نحمل القمصان واللفائف (١).
- ويقول الزنديق الحداثي الذي تكلمنا عنه من قبل:
أنا من آخر نسل الرهبان
وأول نسل الماء
....كنا نتلوى بالعشق
وكان الله يزيح الغيم قليلا
ويرانا
يبتسم ويهمس لملائكة العرش:
أنا اصطنع العشق
وأختم فوق قلوب المعشوقين
فلماذا تصعد أغنية
من قلب امرأة:
آه
لو امتلكتني فقدتني
وإن هجرتني
قتلتني
الحجر المكسو بسجاد من ريم البحر
قديم (١).
- ويقول (ص ١٢٧):
وأن البحر تكوم مثل الخاطئة
ومثل الدمعة
- قال ابن أبي سعدة:
إن المرأة فخذان ونهدان
وعقدتهن السرة
أما العينان فجوهرتان
تضيئان سبيل العاشق
سوف أسميك نعيمي
نعماي ونعما ونعيما متصلا
كتهجد سبعين نبيا في الليل
وسوف أقول لكتاب الوحي انتبهوا
فإذا أملت البحر فخطوا الصحراء
وإذا أمليت الرجل فخطو الساقين
وإذا أمليت المرأة خطو السرة والعينين
فإذا أخطأت (١).
- ويقول (ص ١٣٩):
في الجو المهتاج كأنفاس العشاق
تضفر شعر ابنتها المستنفر كالشوك
وتنظر للفترينات
"ادفع"
النسوة يدخلن ويخرجن بهيجات
يتركن العطر طيورا عالقة في الجو
وشعر البنت يصير سنابل من قمح محترق
كان "المطوع"ينشب في السرة عينيه كخطافين
ويلمس بعصاه مؤخرة المرأة
..محشوا بطيور هائجة
ويقول: صلاة
تبتسم المرأة
حتى يلمع ذهب السنة
تضرب يدها الناحلة كغصن الفحم (١).
- ويقول زنديق آخر:
"وماذا نفعل في حال عدم تنفيذ طلبنا؟ ".
"نرفع عريضة ثانية نطلب فيها الموافقة على إعفائنا من الصلوات الخمس".
"وإذا لم يوافق؟ ".
"بل سيوافق أيضا على إعفائنا من الصوم. أنه رءوف رحيم" (٢).
- وانظر إلى صفحة من كتاب "المرأة والعنوسة في الإسلام":
"إن الرأي الذي يتبناه بعض الباحثين الإسلاميين وقولهم بأن تحريم الإسلام وأد البنات يؤكد موقف الإسلام من تحسين وضع النساء في كافة المجالات، هو رأي يبدو على درجة من التبسيط وعدم الدقة. حيث يتضح لنا أن مكانة النساء كانت تختلف تبعا لاختلاف المجتمعات في المنطقة العربية، وإضافة إلى ذلك نجد أنه على الرغم من أن ممارسات الزواج الجاهلية لا تعني بالضرورة تزايد سلطة النساء أو غياب التحيز ضد المرأة، إلا أنها في نفس الوقت تتناسب مع تمتع المرأة بقدر أكبر من الاستقلال الجنسي عما كان متاحا في ظل الإسلام، كما تتناسب أيضا مع اتساع نطاق الأنشطة المتاحة للمرأه
 
وأصبحت بعدها النساء تحت سيطرة الأوصياء عليهن من الرجال، وحصل الرجال على حق تعدد الزوجات، لتمثل تلك الظاهرة خصائص مقننة من خصائص الزواج الإسلامي، وقد كانت حياة عائشة نموذجا مبكرا للحياة التي فرضت بعدها على النساء المسلمات" (١).
 
* سيد محمود القمني مؤلف كتاب "رب الزمان"يدعي أن الأنبياء زاروا مصر وتعلموا فيها التوحيد ثم عادوا يعلمونه في بلادهم:
جاء تقرير مجمع البحوث الإسلامية حول كتاب سيد القمني "رب الزمان ودراسات أخرى"والذي يطالب بمنع الكتاب دامغا لمؤلفه الذي يتهكم ويسخر ويستهين بالأمة الإسلامية والتراث الإسلامي:
وجاء بالصفحة ٦٦ من الكتاب أن الفراعنة هم بناة الكعبة .. وبالصفحة ٦٧ أن الأنبياء زاروا مصر وتعلموا فيها التوحيد ثم عادوا يعلمونه في بلادهم. وجاء بالصفحة ٧٧ أن التوحيد ليس هو المجد الوحيد الذي يجب أن تكون مصر قد اكتشفته. وذكر بالصفحة ٨٠ قصة زنوبيا والجن معرضا بذلك بالنبي سليمان عليه السلام.
وذكر بالصفحتين ١٠٧، ١٠٩ بعض الوقائع التي نسبها إلى خليفة المسلمين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لا تليق به.
وفي صفحة ١٥٤ نسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ما لم يقله وهو أنه حرم ما كان حلالا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من متعتي النساء والحج. * آه وآه منك يا زمن العساكر: اللواء متقاعد محمد شبل يقترح أن يوزع الحج على الأشهر الحرم، ولا يشترط أن يكون في التاسع من ذي الحجة:
ومما أتحفنا به إعلام الضرار وثقافة الضرار ما خرج به علينا اللواء متقاعد محمد شبل أن الحج جائز خلال الأشهر الحرم، وأنه ليس بشرط أن يكون في التاسع من ذي الحجة. ويعترض اللواء شبل على أن يجتمع الحجيج يوم عرفة على جبل عرفة ويذهب إلى أن يوزع الحج على أشهر يسميها أحيانا أشهرا معلومات وأحيانا الأشهر الحرم (١). قال هذا في شهر ربيع الآخر سنة ١٤٢٠ هـ الموافق أبريل ١٩٩٩ م وقد رد عليه الشيخ الدكتور عبد المهدي عبد القادر في كتيب خاص بمجلة الأزهر عدد ربيع الآخر ١٤٢٠ هـ.
 
* التطاول على ثوابت الإسلام في مؤتمر الثقافة العربية في ٣/ ٧/٢٠٠٣:
في هذا المؤتمر الذي ختم أعماله يوم الخميس الموافق ٣/ ٧/٢٠٠٣ م تطاول الأقزام ممن يسمون المثقفين على إسلامنا العظيم.
- فها هو فيصل دراج الفلسطيني يزعم أن مفهوم أسلمة العلوم شيء غير منطقي، ووصفها بأنها صورة من الأيديولوجية للعلم (٢).الدعوة لتدخل الغرب في ندوة تجديد الخطاب الديني:
جاءت ندوة "تجديد الخطاب الديني"التي عقدت على هامش فاعليات  
.مؤتمر الثقافة العربية بمثابة محاكمة عاجلة للدين والنصوص، القرآنية حيث اقتصرت الندوة على بعض الشخصيات التي تدعو دائما إلى عولمة الدين وفصله نهائيا عن الدولة، الأمر الذي أصاب بعض الحضور بحالة استياء شديد .. بالإضافة إلى تعليق أحد الحضور بأن المتحدثين أغفلوا عن عمد توجيه أي نقد للسلطة والأنظمة الحاكمة وصبوا جام غضبهم على الدين والقرآن.
 
* جمال البنا وطوامه:
- ففي بداية الندوة حاول الدكتور والمفكر الإسلامي جمال البنا وضع خطوط تجديد الخطاب الإسلامي بالعناية باللغة العربية وتدريس النحو العربي، وقسم البنا مشروعه إلى جزءين طرح جزءا يتعلق بمدى التزام المسلمين بثلاثة أشياء أهمها ضرورة استلهام النصوص الصحيحة من القرآن الكريم التي تواكب العصر والحياة والعمل بها .. ثم استلهام الحكمة من أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والعمل بالحجج الثابتة والمذكورة في القرآن.
أما الثلاثة الأخرى التي اقترحها الدكتور جمال البنا في مشروعه "تجديد الخطاب الديني"فهي تقوم على عدم الاعتماد على تفسير بعض المفسرين للقرآن الكريم باعتبارها تفاسير إسقاط بشري وجدت في أزمنة وأوقات مختلفة عن الحاضر واعتبر البنا أن بعض التفسيرات هذه هي إسقاط بشري عن النص المعجز يكاد أن يكون شركا.
أما الاقتراح الثاني فهو الصورة غير الشرعية التي يقدمها بعض المستحدثين عن السلف الصالح واعتبر الاعتراف الكامل بالسلف الصالح أمرا ليس ضروريا.
أما الاقتراح الأخير الذي طرحه البنا ويتعلق بعدم الالتزام بآراء الفقهاء الذين وضعوا هذه الآراء على أساس المذاهب السنية الأربعة وباعتبار أن هؤلاء الفقهاء رغم عبقريتهم فإنهم بشر معرضون للخطأ والصواب، ولأن   معدات وأدوات الثقافة كانت في عصرهم محدودة، فإنه يفترض ألا نساير ما يقولونه بالنص.
- وليست هذه بأولى طوام جمال البنا ابن محدث مصر الشيخ الساعاتي وشقيق الداعية الكبير الشيخ حسن البنا، وجمال البنا له كتاب عن الحجاب يذهب فيه إلى عدم فرضيته وقد رد عليه الدكتور أحمد عمر هاشم في مجلة صباح الخير العدد ٢٤٨٠ (ص ٥٤).
 
* الدكتور حيدر إبراهيم يقول: إن الإحساس بالاستعلاء سبب تخلف هذه الأمة!!!
- أما الدكتور حيدر إبراهيم أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم بالسودان فقد قدم ورقة بحث عن وجود لاهوت تحرير إسلامي جديد يعمل على تجديد الخطاب الديني واعتبر الدكتور حيدر أن هذا اللاهوت هو البداية الكاملة لمجتمع عصري حديث يكون الإنسان هو العامل الأساسي فيه.
واعتبر أن تأخر المسلمين إلى الآن قائم على أساس التوتر الحاد بينهم حول ثبات النص أو التحول للحياة. وأكد أن هناك فجوة عميقة بين تحقيق الآمال والطموحات من جهة وبين التفكير في الموت من ناحية أخرى، وهذا يكرس فكرة أن المسلمين يفكرون دائما في الآخرة أكثر من التفكير في الحياة ويعتبرون أنفسهم فوق الكمال وهو الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات حول تأخر المسلمين وتخلفهم حتى الآن.
الدكتور حيدر إبراهيم ذهب -من وجهة نظره- إلى ضرورة عدم تمسك المسلمين بمقولة: "إننا خير أمة للناس"واعتبر هذا المصطلح هو استعلاء غير موجود. وأشار إلى أن الآية التي تقول: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} تشكل عمق الأزمة التي يعيشها المسلمون باعتبار أن الإحساس بالاستعلاء سبب تخلف هذه الأمة.
كما وجه الدكتور حيدر النقد للحركات التجديدية واعتبرها حركات سلفية جامدة من أمثال محمد عبده حيث وصفه أنه وقف في منتصف الطريق ولم يستطع استكمال طريقه حتى النهاية .. بالإضافة إلى أن أصحاب الحساسية الدينية عندما يتعاملون مع الدين في الحياة اليومية فإن العقيدة تبدأ في الضعف والتآكل. وأن كثيرا من المسلمين اعتبر الحياة هي متاع الفرد وبالتالي فهي ليست مجالا للتعمير والتقدم وهو سبب تأخر المسلمين حتى الآن.
 
* الدكتور العفيف الأخضر يدعو إلى حذف كلمة "الكفار"من الفقه الإسلامي وتحرير الوعي الإسلامي من قيمة الحلال والحرام!!!:
"أما الدكتور العفيف الأخضر صاحب مدرسة التغيير الديني في تونس فقد حاول منذ بداية حديثه وضع أسس ونظريات لتعميم التجربة التونسية على جميع العواصم العربية حيث تباهي أنه كان وراء إغلاق جامعة الزيتونة في تونس في عام ١٩٥٦ والتي كانت تغسل عقول طلبتها بالفقه القديم واعتمادها على تفسيرات بعض الفقهاء.
وأشار إلى أنه لا يدين وجود تعليم ديني تنويري قائم على ضرورة استئناف حركة الإصلاح الديني وفلسفة الأنوار الفرنسية وتعليم الأجيال الصاعدة قراءة النص الديني قراءة تاريخية وإثراء مخيلتها بالقيم الإنسانية التي جاءت بها فسلفة الأنوار في القرن الثامن عشر وذلك للانتهاء من تطبيق أحكام الفقه القديم التي باتت كالدواء الذي انتهت مدة صلاحيته.
من ناحية أخرى ونظر لعدم وجود أي من المعارضين لما يقوله الدكتور العفيف الأخضر تباهي بأنه تغمره سعادة بالغة بدعوته للغرب بالتدخل.
 
. .

طرابلس لبنان ..وبلاء الإستقلال

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

خرجت طرابلس الفيحاء من جنة الإستعمار إلى جحيم الإستقلال ، حيث كانت تنعم تاريخياً بوفرة وبحبوحة مالية من بساتين وارفة بالحمضيات والفواكه والثمار والخضار  كانت تصدرها الى الداخل اللبناني والخارج العربي ، إلى أن حل الإستعمار الفرنسي تحت عنوان الإنتداب فاستحسن  موقعها لإنشاء مصفاة للنفط ، وجر الماء اليها بوفرة من خلال مصاف حديثة  وإقامة محطة للكهرباء بطاقة تزيد عن استهلاكها  ، كما أنشأمحطة للسكك الحديدية ربطتها بالداخل اللبناني ساحلاً وجبلاً حتى البقاع نحو دمشق ، وإلى أوروبا مروراً بحلب وتركيا ، ووسع المرفأ ليكون أهم مرفق بحري  في لبنان نظراً لطبيعته البحريه وملائمته لاستقبال السفن الكبيرة ، إلى جانب تشجيعه المشاريع الصناعية الخاصة المتعددة بما يقضي على البطالة وينهض بلبنان ، بما توفره هذه المرافق من عائدات للخزينة .

إلا ان مأساة طرابلس الحقيقية بدأت مع ستينات القرن الماضي  وبروز الإقطاع المالي السياسي الذي اعتمد الأحزاب من يمين ويسار لوضع يده على كل مقدرات البلاد  من نفط وتجارة ووكالات ومرافىء وتصدير وإستيراد .

فكان أول مخطط له هو ضرب إمكانيات طرابلس الزراعية لإنشاء مزارع خاصة له بديلة، فأغروا فعاليات المدينة من خلال الحكومة بضرورة إقامة معرض دولي فيها ، كان من نتيجته إقتطاع مليون متر مربع تقريباً من بساتينها العامرة بثمن بخس ، دراهم معدودة لكل صاحب بستان ، لتختفي معظم بساتين طرابلس وليتصحر ما تبقى منها ؛ وبذلك فقدت العديد من عائلات المدينة أهم مواردها الإقتصادية التي كانت تعتمد عليها في حياتها المعيشية .

وانتهى العمل بالمعرض ليعلن  عن نيّة الدولة إفتتاحه في منتصف العام 1975 ، إلا أن الإقطاع المالي هاله الأمر إذ أن افتتاح معرض دولي في طرابلس سيعيد للمدينة سابق عهدها ومجدها التجاري والإقتصادي التاريخي الذي قد يجذب كل أوروبا والعرب إليها ، خاصة وان لديها مطار بالقرب منها  وسكة حديد داخلها مما قد يؤثر على مصالحهم في العاصمة بيروت ، لذا عمدوا إلى تفجير الحرب الأهلية بحجة الصراع مع الفلسطينين ضد إتفاقية القاهرة ، لتنشب حرب الأخوة في سائر أنحاء الوطن ، كان من نتيجتها تعطيل مرافق طرابلس على مدى عشر سنوات ليتم استهداف مصفاة النفط في طرابلس وخزاناتها بالقنابل والصواريخ بحجة الصراع مع الفلسطينيين مع أنه لم يكن فيها اي تواجد مسلح .

ولم يكتف الإقطاع المالي الحاكم بذلك ، بل أنه موّل حركات يسارية ودينية متطرفة عمدت جميعها بتخطيط منظم إلى نهب بيوت المسيحيين وحرق بعضها بحجة أن لهم إنتماءات  حزبية يمينية . الى أن فلت الملّق لتنهب بيوت المسلمين المسافرين والمصطافين أيضاً  باعتبار أنهم إقطاعيين ؟ بحيث لم يعد بالإمكان السيطرة على هذه العناصر الحزبية التي تحولت الى منظمات إرهابية تعمل قتلا ونهباً وتخريباً ، بعضها باسم الدين والآخر باسم اليسار وبعضها باسم الوطنية ، رغم وجود القوات السورية في المدينة تحت عنوان قوات الردع العربية التي لم تكن تلق بالاً إلى هذه الفوضى ، إلى أن أصبحت طرفاً فيها  بمساعدة الأحزاب على مضايقة اصحاب المصانع الخاصة في منطقة البحصاص جنوبي مدينة طرابلس مما اضطرها إلى الإغلاق   وفق ماخطط لها ليتشرد آلاف العمال ، إذ كانت نشاطها يقف عائقاً في وجه أطماع الإقطاع المالي الحاكم الذي يسعى الى المزيد من الأرباح على حساب موارد مدينة طرابلس .

وانتهت حرب السنتين التي كانت أهم أهدافها إغلاق جميع مرافق طرابلس الحيوية ، من عامة وخاصة ،  من مصفاة نفط ومرفأ ومنطقة حرة إقتصادية وسكة حديد ، ورفض افتتاح معرض طرابلس الدولي رغم مرور أربعون عاماً على إنتهاء تشييده مع رفض إعادة فتح مطارالقليعات المجاور للمدينة .. لتحصر كل هذه المرافق في العاصمة بيروت وجوارها من قبل الإقطاع المالي الحاكم بما يؤمن لهم أرباحاً خيالية بعدة مليارات من الدولارات  سنوياً ، منها أربعة مليارات  دولار فقط من قطاعي النفط و الكهرباء لتعاني الخزينة من عجز ومديوينة وصلت حتى الآن إلى 65 مليار دولار .

ولو أنه لم تغلق مرافق  مدينة طرابلس لما وقعت الخزينة بأي عجز نظراً لمردودها العالي سنوياً ، كما ولايمكن الخروج من الدين المتنامي وتحقيق فائض في الخزينة العامة إلا بإعادة تشغيل مرافق طرابلس ، وهذا مستحيل ، لأن هذا يعني تخلي الإقطاع المالي عن جزء من أرباحه اللامشروعة في النهب المتواصل ، خاصة وأنه قد  تعقدت أمور الشراكة في النهب العام  بين أحزاب ومليشيات وتجار ومستوردين وحكام .

كانت تلك لمحة سريعة للوضع  الذي أفرز المليشات والعصابات المسلحة في طرابلس في وقت ما ، التي سآتي على سرد بعض تصرفاتها اللامسؤولة ، إلا أنه لابد من التمهيد بالتحدث عن دولة المطلوبين التي سبقت الحرب اللبنانية مباشرة من العام 1974 من مجموعة من الخارجين عن القانون التي احتلت طرابلس القديمة بقوة السلاح وفرضت الخوات بتدبير من الإقطاع المالي الحاكم ولم يتم وضع حد لها من قبل الدولة إلا في كانون الثاني / يناير ، قبل ثلاثة أشهر من إنفجارالحرب اللبنانية في 13 نيسان من العام 1975 .

لم تكن دولة المطلوبين إلا تمهيداً  لحرب السنتين الطائفية الفوضوية واختبار مسبق لها ، القصد الأساسي منها الإساءة لسمعة مدينة طرابلس وتعطيل مرافقها ومنع الإستثمار العربي والمحلي  ، بإخافة اصحاب الرساميل من المجىء اليها  مع تزايد الإرهاب المحلي المنظم فيها والتهيئة لتشكيل تنظيمات  حزبية أخرى مشابهة لدولة المطلوبين الخارجة عن القانون .

نشبت حرب السنتين بعنوان طائفي وعنصري حاد إذ استهدفت قتل الفلسطينيين والمسلمين أينما وجدوا في مناطق الأحزاب  المسيحية اليمينية وعلى الطريق الساحلي بين بيروت وطرابلس الذي يخضع لنفوذهم بهدف إثارة النعرات الطائفية من أجل دفع طرابلس لتهجير المسيحيين لإعطاء الحرب طابعاً طائفياً بحتاً للعمل على أخذ موافقة الدول الغربية على تقسيم لبنان بين المسيحيين والمسلمين على اسس طائفية بما يتضمن ذلك من تهجير متبادل  بين الفريقين .

لم تعرف مدينة طرابلس او لبنان تنظيمات إسلامية مسلحة قبل حرب السنتين ، إذ عمدت الأجهزة اللبنانية التي تبقت من إنفراط عقد الدولة اللبنانية في منتصف سبعينات القرن الماضي  الى إنشاء مليشيات إسلامية تعاونت معها بعض  التنظيمات الفلسطينية  في أعمال الفوضى كغطاء  لبناني لمناوئة السوريين واغتيال المعارضين .

ولكن مع بداية الثمانينات شكل الفلسطينيون ميليشيا لبنانية موالية لهم في مدينة طرابلس بتمويل منهم ، عرفت بحركة  "التوحيد الإسلامي "التي  بدأت  نشاطها بمجزرة رهيبة في الميناء  بتجميع بضع عشرات من الشباب بحجة أنه يساريون لتعدمهم دفعة واحدة دون أي مسائلة بحجة أنهم كفرة ، كما عادة المليشيات التكفيرية ، مما ألقى الذعر في المدينة من هذه التنظيم الدموي الذي تابع ممارساته الخاطئة بإصدار مناشير تهاجم المسيحيين والإتصال بالإرساليات ودعوتها إلى الإسلام مما دفعها الى المغادرة مع معظم السكان المسيحيين خوفاً ورعباً ، ومن ثم مهاجمة مقرات الأحزاب الموالية لسوريا بأكملها وتهجيرها من المدينة بحيث لم يبق من احد سواهم على الساحة ، مما أوجد صداماً مع السوريين لم يلبث أن تحول الى صراع معهم على مدى سنوات لتنشب المعركة الفاصلة بينهما في العام 1985 ادت الى محاصرة المدينة وقصفها من قبل القوات السورية بشكل عشوائي شديد خلّف العشرات من القتلى والجرحى في معركة غيرمتكافئة بعد قطع المياه والكهرباء عنها والهاتف ، لتستلم حركة التوحيد بعد أيام للسوريين وتصبح موالية لهم ،  على ان تفك تحالفها مع الفلسطينين ؛ ليتنفس أهل المدينة الصعداء من ممارسات أمراء التوحيد الذين جاء بعض من بيئة جاهلة بالدين إذ كان معظمهم من العمال والحرفيين والبقالين ، إلا أنهم وجدوا في حركة التوحيد السلطة والمال فانتسبوا اليها  إلى حين،  ليعود كل إلى موقعه مع تحجيم السوريين لها والقضاء عليها .

 

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-8

$
0
0

ثم يقول: "ولا يتسنى لزاعم متزمت اتهامي بأني أنكرت نصًّا من القرآن؛ لأني جعلته أقصى العقوبات الزواجر، وأقصى الروادع، التي يلجأ إليها، وذلك على نحو من التأويل المقبول الذي لا يحمّل النص ما لا يحتمل" (١).
ثم يقول: "ومهما يكن فالرأي عندي في الحدود مطلقًا أنها في الشريعة العملية ليست مقصودة بأعيانها، بل بغاياتها، ولا يلجأ إليها إلا عند اليأس مما عداها" (٢).

* فهمي هويدي: "الحق أحب إِلينا منه":
"كتابه مواطنون لا ذميون"
مع أن له مواقف مشهورة في الذود عن الإسلام إلاّ أن له سقطات شنيعة لا يجوز بحال من الأحوال السكوت عنها.
فهو يعتبر أن الرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة عبادة لهذه النصوص، ويصف أن العقول التي تتعلق بالنصوص قد تعطلت وأن هذه "وثنية جديدة"ذلك أن الوثنية ليست عبادة الأصنام فقط، ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب والرموز، وفي عبادة النصوص والطقوس" (٢).
لقد تجرأ على رفض النصوص الشرعية، واتهم من يرجع إليها بالجمود والوثنية، اللَّهم لطفك وغفرانك.

* مواطنون لا ذميون:
أكثر فهمي هويدي من الحديث حول أهل الذمة، وأظهر أن الأحكام المضروبة عليهم والمعروفة باسم "أحكام أهل الذمة"قد كانت لظروف خلت  
.وأن تطور العصر يرفضها. وممن تصدّى لهذه المسألة وخصص لها كتابًا: فهمي هويدى بعنوان "مواطنون لا ذميون" (١) نقتطف منه بعض الفقرات.
- يقول في فصل "ذميون .. لا يزالون"؟:
"إن تعبير أهل الذمة وإن استخدم في أحاديث النبي وعهوده إلا أنه كان جزءًا من لغة الخطاب في تعامل القبائل العربية قبل الإسلام، إذ كانت عقود الذمّة والأمانة هي صيغة التعايش التي تعارف عليها عرب الجاهلية .. ".
"أي أننا نقف في حقيقة الأمر، في مواجهة صيغة لا تستند إلى نص قرآني، واستخدامها في السنّة النبوية كان من قبيل الوصف لا التعريف، الأمر الذي لا يصنفه في أي من درجات الحكم الشرعي الملزم، بالإضافة إلى ذلك فإن الوصف .. وإن لم يكن الوحيد الذي استخدم في خطاب الآخرين، إلا أنه كان تعبيرًا عن حالة "تعاهدية"تعارف عليها عرب الجاهلية في تنظيم علاقات القبائل والأفراد، استمر إلى ما بعد الإسلام ضمن ما أخذ به من تقاليد وأعراف" (٢).
- وتحت خضوع شديد لضغط الواقع يقول:
"وبعد هذا وذاك أليس غريبًا أن يجيز الفقهاء، أن يخوض المسلمون الحرب دفاعًا عن "أهل ذمتهم" (٣)، ثم يحجب البعض عن هؤلاء حق التصويت في انتخابات مجلس الشورى مثلاً؟ ". ثم يقول: "أما تعبير أهل الذمة، فلا نرى وجهًا للالتزام به، إزاء متغيرات حدثت، .. وإذا كان التعبير قد استخدم في الأحاديث النبوية، فإن استخدامه كان من قبيل الوصف، وليس التعريف، فضلاً عن أنه كان بمثابة استخدام للغة ومفردات وصياغات  
.سادت في جزيرة العرب، قبل الإسلام، ويبقى مع ذلك أن هذا الوصف "تاريخيًّا"، لا يشترط الإصرار عليه دائمًا" (١).
- فالكاتب يحاول إلغاء الأحكام بلا دليل، إلا زعمه أن ذلك أمر تاريخي فقط، وكأن الاجتهاد في الإسلام تحول إلى لعب أطفال، أو خيال كتاب، وأوهام مبتدعة.
- وفي فصل "الجزية .. التي كانت"يقول:
"ومن غرائب ما قيل في هذا الصدد تعريف ابن القيم للجزية بأنها هي الخراج المضروب على رءوس الكفار إذلالاً وصغارًا، وأن هذا يتنافي مع روح الإسلام، ودعوته للمسامحة بين الناس جميعًا" (٢) -إن أكرمكم عند الله أتقاكم-.
- وللأستاذ فهمي هويدي اجتهاد مبتكر في فهمه للأحاديث النبوية والنصوص الأخرى المتعلقة بمعاملة المسلمين لغير المسلمين. يقول الكاتب تحت عنوان "شبهات وأباطيل":
يهمنا ذلك في محاولة لفهم وقراءة هذه النصوص وهي على وجه التحديد.
١ - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها"متفق عليه.

٢ - ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ": "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان".
٣ - عهد عمر - رضي الله عنه - في معاملة غير المسلمين .. (١).
- يقول فهمي هويدي: "لا يؤخذ من الأحاديث عادة إلا ما كان مقصودًا به التشريع العام والاقتداء".
"والأحاديث السابقة، كانت إجراءًا استثنائيًّا في ظروف استثنائية، فالحديث الأول: يخالف نصوصًا أخرى تدعو إلى رد التحية بأحسن منها، ولكن اليهود كانوا يتظاهرون بالتحية للرسول وأصحابه بعبارة "السام عليكم"أي الموت. أما عهد عمر - رضي الله عنه -، فالكاتب يشكك في صحته تاريخيًّا من حيث السند!! (٢).
- لقد حكمت الشريعة الإسلامية بضعة عشر قرنًا من عمرها، لم يعرف في التاريخ عدلاً وإنصافًا ورحمة بأقليات دينية كما عرفها في تلك القرون تحت مظلة الشريعة، بل كانت الطوائف تفر من بطش أبناء دينها لتنعم بالأمن والاستقرار في ظل عدل الإسلام وإنصاف المسلمين.

* فهمي هويدي والقتال في سبيل الله والتعايش السلبي بين الشعوب:
- ويكتب فهمي هويدي كثيرًا عن هذا الموضوع ويردد آراء المستشرقين الحاقدين. ويعتبر أن القتال يعطل رسالة التبلغ، يقول: "ومنذ البداية سلح الله المسلمين بالكلمة، وكان أول ما أنزل الله على نبيه هو: (اقرأ وليس اضرب)، أو (ابطش)، فكان كتاب المسلمين هو "القرآن الكريم".
"لم يكن سلاح المسلمين سيفًا ولا سوطًا، ولم تكن شريعتهم قانون حرب .. ".
"إن القتال في التصور الإسلامي ينبغي أن يظل منعطفًا يُكرَه إليه المسلمون، أو نوعًا من "الهبوط الاضطراري"، الذي يعترض المسار الطبيعي لرحلة التبليغ الإسلامية.
من هنا فإن الإسلام يظل ضرورة لازمة، كي يؤدي المسلمون رسالة التبليغ، ويظل القتال عنصرًا معطلاً لأداء هذا التكليف الإلهي" (١).
- وفي فصل: "عندما يشهر سيف الإسلام"يقول: "وهكذا تتابعت الفتوح بحكم الضرورات الحربية وحدها .. وجاهد المسلمون أنفسهم والناس جهادًا كبيرًا ليؤمنوا دولتهم" (٢).
وفي تأويله للحديث الشريف "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله" (٣). يقول: "وحقيقة الأمر أن المعنى بالناس هنا ليس كل البشر، وإنما هم جماعة من البشر"؟!!.
وحديث: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق" (٤).
- يقول في هذا الحديث: "الحديث لا يدين كل مسلم لا يقاتل في سبيل الله، الأمر الذي قد تشتم منه رائحة التحريض، التي يحاول البعض اصطيادها من السياق ..
ولا نرى في الحديث وجهًا لاستثارة المسلمين على غيرهم، ذلك أن. الأمر كله كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. " (١).
أي أن هذه الأحاديث كانت لمناسبات تاريخية انتهى زمنها.

* أخطر أقواله:
ومن أخطر أقواله قوله: "إنه ليس صحيحًا أن المسلمين صنف متميز ومتفوق لكونهم مسلمين، وليس صحيحًا أن الإسلام يعطي أفضلية لهم، ويخص غيرهم بالدونية لأنهم كفار" (٢).
وفي ذلك دعوة لمبدأ الإنسانية الماسوني، وهو صورة واضحة من صور الولاء للكفار؛ لأنه يكسر التميز الذى يبنى عليه الولاء والبراء، والحب والبغض حسب المقياس الإسلامي الصحيح (٣).

* د. أحمد كمال أبو المجد يدعو إلى الاجتهاد في الأصول:
يدعو الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى الاجتهاد في الأصول، إذ كتب يقول: "والاجتهاد الذي نحتاج إليه اليوم، ويحتاج إليه المسلمون، ليس اجتهادًا في الفروع وحدها، وإنما هو اجتهاد في الأصول .. ولا يعني امتناع الاجتهاد في الأصول، إلا التزامًا بما لا يلزم، وتقصيرًا في بذل الجهد بحثًا عما ينفع الناس" (٤).

* ومن أخطر أقواله:
- ينعي الدكتور أحمد كمال أبو المجد على الذين يسرفون في القول 
.بتميز الإسلام على غيره، كاليهود والنصارى، فذلك مخالف للقرآن الكريم ذاته -كما يزعم-.
يقول: "والذين يسرفون في الإلحاح على تميز الإسلام والمسلمين تميزًا شاملاً مطلقًا محجوجون بنصوص القرآن الكريم، التي تصف أنبياء الله بوصف الإسلام: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٦٧].
وهم محجوجون كذلك بحقيقة وحدة الإنسانية، ووحدة مصدر الأديان السماوية، وبأن العهد الذي أخذ بحمل الأمانة إنما أخذ على آدم أبي البشرية، وعلى بنيه مسلمين وغير مسلمين {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] (١).
 
* د. عبد العزيز كامل وزير الأوقاف السابق والقول "بوحدة الأديان":
لقد تحمّس العصرانيون الجدد إلى القول بوحدة الأديان، وتجاوزوا فيها كل حد.
- قال الدكتور عبد العزيز كامل: "ونحن في منطقة الشرق الأوسط، نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى، وأقولها واضحة، يستوي في هذا: الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يختم بإله واحد. هذه منطقة توحيد، والصور تختلف، وتفسيرها الفلسفي يختلف" (٢).
.
* الدكتور عبد المنعم ماجد وتزوير التاريخ:
يعجب الدكتور عبد المنعم ماجد من توهم بعض المستشرقين الذين يرون أن العرب المسلمين فتحوا البلدان بدافع إسلامي ويقول: "لا نوافق بعض المستشرقين في قولهم: إن العرب كانوا مدفوعين نحو الفتوح بالحماس الديني، فمن غير المعقول أن يخرج البدوي وهو الذي لا يهتم بالدين لينشر الإسلام" (١).
"فلمصلحة من هذا الافتراء؟! لقد أصبح الدكتور مستشرقًا أكثر من آساتذته، يغير ويزوّر لمصلحة أعداء أمته" (٢).
 
* الدكتور محمد جابر الأنصاري يتهم العثمانيين بأنهم همج متوحشون:
يحرص الدكتور محمد جابر الأنصاري على تجريد العثمانيين من كل فضيلة حتى غدوا في نظره "جماعة من الهمج المتوحشين الذين دمروا الحضارة العربية الزاهية" (٣).
- "وهو ينزعج بشدة من تلك المحاولات العجيبة التي تحاول إعادة الاعتبار للتاريخ العثماني، ولتاريخ السلاطين الأتراك باعتبارهم رموز للجامعة الإسلامية، وللكيان الإسلامي الواحد" (٤).
 
* مالك بن نبي "الحق أحب إِلينا منه":
- يقول الأستاذ محمد العبدة في مجلة البيان العدد ٢٣ (ص ٢٩):
..
."إن أفكار الأستاذ مالك بن نبي عن أمراض العالم الإسلامي وشروط النهضة هي أفكار تستحق الدراسة والتأمل، ونتمنى أن يستفيد منها المسلمون في كل مكان، فقد أصاب فيها المحز، ووضع الأصبع على الجرح، ورغم مرور سنين على طرحها، لكن مشكلة المسلمين لا زالت كما حللها وكتب عنها.
وكل يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وللأستاذ مالك بن نبي أخطاء أحببنا أن ننبه عليها.
- يقول الأستاذ محمد العبدة في مجلة البيان:
"إن الأخطاء التي سنتكلم عنها ليست أخطاء عادية مما يقع لكل كاتب، فكان لا بد من ذكرها والتنبيه عليها.
 
* النظرة السطحية للأحداث والشخصيات:
كان مالك بن نبي عميقًا في فهم غور الاستعمار وأساليبه الخفية للتسلط على العالم الإسلامي، وعميقًا في معالجة (القابلية للاستعمار) عند المسلمين، ولكنه في عالم الواقع والسياسة فيه سذاجة أو طفولة سياسية، وهذا ليس غريبًا فقديمًا تعجب الإمام الجوزي من شخصية أبي حامد الغزالي، كيف يجمع بين الفقه والذكاء من جهة، وبين الصوفية وحكايات العجائب والخرافات من جهة أخرى.
١ - أعجب مالك بثورة ٢٣ يوليو في مصر، ومدحها ووضح أماله فيها من ناحية الإصلاح الزراعي والصناعة، وإنشاء وزارة الثقافة والإرشاد، والحياد الإيجابي، وكل الدجل والشعارات التي أطلقها مهرج هذه الثورة.
فثورة يوليو ١٩٥٢ عند مالك: "من أهم الحوادث بالنسبة للصراع الفكري، وكان لهذا الحدث تأثير شرارة كهربائية انطلقت في وعي البلاد  العربية والعالم الإسلامي" (١) "وكل عربي يعلم أن نظرة الرئيس جمال عبد الناصر خطت للنهضة العربية الاتجاه الصحيح الذي يحقق الشرط الأول للانسجام مع القانون العام .. " (٢).
كيف يكون هذا الزعيم بهذه الصفات ونحن لا نعلم أن هناك زعيمًا آخر في العصر الحديث ترك بلاده خرابًا مثل جمال عبد الناصر؟ كيف لا يدري مالك بن نبي وهو من هو في فهم اللعبة الاستعمارية أن عبد الناصر كان ضمن (لعبة الأمم)، وأنهم ساعدوه على صنع هذه البطولة المزيفة، وحتى لو كانت هناك بعض الإصلاحات المادية -وهي لم تتحق فعلاً- فأين الحديث عن الاستبداد السياسي وكرامة الشعب المسحوقة؟ بل أين تطبيق الإسلام؟.
٢ - علق مالك بن نبي آمالاً كبيرة على مؤتمر باندونغ، واعتبره كتلة سلام للعالم، واعتبر هذا التنوع الذي يضم تسعًا وعشرين دولة، تضم تراثًا شكريًا متفاوتًا "يمكن بطبيعة الحال أن يقدم العناصر اللازمة لبناء قاعدة متينة للسلام .. " (٣). هذه نظرته لهذا المؤتمر، والحقيقة أنه كان يحب التكتلات الكبيرة لمواجهة الغرب، وقد يكون معه بعض الحق في هذا، ولكن مثل هذا التكتل كان يحمل بذور فشله، وقضية الحياد التي يرفعها لم تكن صحيحة، فكل دولة منحازة، والهند التي كانت من أبرز أعضاء المؤتمر وتدعي السلام والروحانية كانت تحمل بين جوانحها الكره العميق للمسلمين، بل إن صورة الهند العدوانية كانت من البديهيات عند الشباب المسلم في الستينات، ولم ينخدعوا بكلام الدبلوماسي الهندي "ليس لدينا من الخشوع ما يكفينا ونحن ذاهبون إلى باندونغ" (١)، ويصدق مالك بن نبي أن نهرو حمل رسالة اللاعنف التي سلمه إياها غاندي، ونهرو هذا يكتب في (المجلة العصرية) مقالتين ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الحركة ضد القاديانية ويؤيد جانب القاديانية" (٢)، وهند نهرو هي التي احتلت كشمير وأخذتها بالقوة، فأين المسلم وأين الديمقراطية التي تدعيها؟ وما الفرق بين الهند وباكستان في (القابلية للاستعمار).
وقد أدرك مالك أخيرًا عدم جدوى أي محاولة تجمع ليست عناصره منسجمة (٣)، كما كان يلمح في آخر حياته بأن ثورة ٢٣ يوليو لم تقم بالواجب، ولا شك أن الكبار من أمثال مالك بن نبي يتراجعون إذا عرفوا الحق.
٣ - كانت روسيا بعد الثورة الشيوعية تدعي أنها دولة صديقة للشعوب وللعالم الثالث، وأنها ليست دولة استعمارية، وقد صدق مالك بن نبي هذه المقولة، يقول: "فالمناخ الاستعماري الذي تكون في أوربا وأمريكا على حد سواء، وفي الاتحاد السوفييتي قبل الثورة أيضًا"، ولكن الحقيقة أن روسيا مستعمرة قبل الثورة وبعدها، ولم تتخل عن جشع الدول الكبرى، وهي وجه آخر للحضارة الغربية.
٤ - نقد مالك الانتخابات السياسية التي تطالب بالحقوق فقط وتنسى الواجبات، وتعتمد أسلوب المظاهرات والحفلات، وهو محق في هذا، ولكنه شارك في هذه الوسائل، وساعد (مصالي الحاج) في قيام الحزب الوطني، مع أنه ينتقده هو وحزبه، ولكنه حب الحركة ثم يكتشف الأخطاء بعدئذ. 
.* اللاعنف:
أعجب مالك بن نبي بقصة (اللاعنف) عند غاندي، فهو يذكرها دائمًا، بل يذكرها بخشوع، ويبني عليها أحلامه الفلسفية في السلام العالمي، واتجاه العالم نحو مناقشة قضاياه بالمسلم والحوار والفكر، يقول عن منطقة جنوب شرقي آسيا: "هي مجال إشعاع الفكر الإسلامي وفكرة اللاعنف، أي مجال إشعاع حضارتين: الحضارة الإسلامية والحضارة الهندوكية، الحضارتان اللتان تختزنان أكبر ذخيرة روحية للإنسان اليوم" (١).
ويحلق في الخيال والطوباوية عندما يقول: "فكذلك رفات غاندي التي ذروها فإن الأيام ستجمعها في أعماق ضمير الإنسان من حيث سينطلق يومًا انتصار اللاعنف ونشيد السلام العالمي" (٢). "هذا الرجل (غاندى) كان يتقمص إلى درجة بليغة الضمير الإنساني في القرن العشرين" (٣).
إن فكرة (السلم العالمي) بمعنى أن يحل السلام في العالم بشكل دائم، أو أن العالم يتجه نحو هذا الهدف، هذه الفكرة غير واقعية وغير شرعية، وهي فكرة خيالية محضة، فهي تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره القرآن الكريم {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، كما تنافي مبدأ الجهاد في الإسلام، وهي غير واقعية لأن من طبيعة البشر التغالب والعدوان إن لم يردعهم رادع، والدول الكبيرة القوية تأكل الضعيفة إن لم يكن عسكريًّا فاقتصاديًّا. والبشرية لن تبلغ رشدها في عمرها الثالث فتصبح الفكرة ذات قيمة في حد ذاتها كما يتصور مالك بن نبي (٤)، بل إنها كثيرًا ما  تتردى من الناحية الإنسانية، والبشرية لا تبلغ رشدها إلا إذا حكمها الإسلام.
إن فكرة (اللاعنف) و (الإنسانية) من الأفكار الخطيرة التي بدرها مالك ووسعها بعدئذ تلامذته، وحاولوا اللف والدوران كثيرًا حول مبدأ الجهاد الإسلامي.
 
* الإِنسانية والعالمية:
وقريب من مبدأ (السلام العالمي) كان مالك يحلم بأن تتوحد الإنسانية في مجتمع عالمي، ويظن بأن البشرية تسير بهذا الاتجاه، "فالعالم قد دخل إذن في مرحلة لا يمكن أن تحل فيها أغلبية مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار" (١)، "وحين اتجه العالم إلى إنشاء منظمة اليونسكو، كان يهدف إلى (تركيب) ثقافة إنسانية على المدى البعيد" (٢) "وما محكمة العدل في لاهاي والقانون الدولي، والقانون البحري إلا مظاهر خاصة لذلك الاتجاه العام الذي لا يفتأ يمهد الطريق لتوحيد العالم" (٣).
هذا المفهوم للإنسانية مفهوم وهمي يراد به محو الشخصية الثقافية الحقيقية لكل مجتمع ولكل أمة، وإذا كان العالم قد تقارب وانتشرت الأفكار في كل مكان، وقد يستفيد المسلمون من ذلك في نشر دينهم الذي يملك عناصر التأثير والقوة، ولكن أن يتوحد العالم في مجتمع واحد فهذا مفهوم ذهني مجرد، وإذا كان هو نفسه شعر بأن فكرة الأفروآسيوية صعبة التحقيق، ولذلك عاد وكتب عن (الكومنولث الإسلامي)؛ فكيف يظن أن العالم يسير نحو الوحدة؟!.
.* ضعف ثقافته الشرعية:
لم يتصل مالك بن نبي بعلماء عصره ليستفيد منهم، ورغم اعترافه بأهمية جمعية العلماء في الجزائر التي كان على رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ إلا أن علاقته بها كانت فاترة ويعترف هو بعد ذلك أنه كان مخطئًا في هذا (١)، ولذلك كانت دراسته للإسلام نابعة من قراءاته الشخصية وهي قليلة إذا قيست بقراءاته في الفكر الغربي، وهذا ما جعله يخطئ في أمور كثيرة سواء كانت في الفقه والأحكام أو في النظرة لبعض جوانب التاريخ الإسلامي، فمن رموز الثقافة عنده الفارابي، وابن سينا، وابن رشد (٢) ..
"والمجتمع الإسلامي في عصر الفارابي كان يخلق أفكارًا وفي عهد ابن رشد يبلغها إلى أوربا وبعد ابن خلدون لم يعد قادرًا على الخلق ولا على التبليغ" (٣).
وفي العصر الحديث فإن من رموز الثقافة عنده جمال الدين الأفغاني، وهو موقظ الشرق، وهو رجل الفطرة .. إلخ. وإطلاقه هذا القول جزافًا يدل على ضعف ثقافته الشرعية.
وفي التاريخ يلمز كثيرًا بني أمية دون وضع الضوابط للإنصاف والتقويم الصحيح. وبسبب عدم وضوح توحيد الألوهية ظن أنه من الممكن اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند "وليس بوسعنا أن نغض من قيمة الدور الذي يمكن أن يؤديه اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند" (٤).
ولم يشر في كتبه إلى موضوع تحكيم الشريعة الإسلامية، وكان معجبًا. .بدولة الوحدة عام ١٩٥٨ مع أنها لا تطبق شرع الله، وهناك أخطاء جزئية لا نريد التفصيل فيها ونعتقد أنه لو نبه عليها لتراجع.
- وقبل أن ننهي هذه القراءة لفكر مالك بن نبي لا بد من التنبه لأمور:
١ - هذه السلبيات والأخطاء يجب أن لا تمنعنا من الاستفادة من الإيجابيات، فهذا المفكر خبير في نهضة المجتمعات وأمراض المسلم المعاصر.
وكأني أسمع بعض المسلمين يقولون: ما دامت هذه آراؤه فما الفائدة من قراءة كتبه؟ وهذا خطأ فادح منهم، فنحن نقرأ لأعداء الإسلام ونستفيد منهم؛ فكيف بمفكر كان يسعى -حسب جهده- لخير المسلمين، وإن أخطأ في مواضع.
٢ - إن مالك بن نبي شخصية كبيرة، فهو يتراجع عن الخطأ إذا تبين له، لقد نصح جمعية العلماء في الجزائر بصدق وقال كلامًا دقيقًا في هذا "لقد كان على الحركة الإسلامية أن تبقى متعالية على أوحال السياسة والمعامع الانتخابية" (١) "وبأي غنيمة أراد العلماء أن يرجعوا من هناك وهم يعلمون أن مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر" (٢)، وهو يقصد سير العلماء في القافلة السياسية عام ١٩٣٦.
ويقول: "فيما يخصني لقد بذلت شطرًا من حياتي في سبيل الحركة الإصلاحية، وشهدت في مناسبات مختلفة بالفضل لجمعية العلماء" (٣)، ويتأسف لأن الجمعية لم تدعه للمساهمة في شئونها الإدارية، ومع ذلك فقد تراجع واعترف أن موقفه من الجمعية لم يكن طبيعيًّا بسبب نظرته الخاصة للشيخ ابن باديس. ٣ - رغم معرفة مالك الدقيقة بالفكر الغربي، وتأثره به في بعض الأحيان إلا أن أمله في التغيير بقي معلقًا في الأصالة الإسلامية، وبالرجوع إلى المنبع الأساسي للمسلمين "فالعالم الإسلامي لا يستطيع أن يجد هداه خارج حدوده بل لا يمكنه في كل حال أن يلتمسه في العالم الغربي الذي اقتربت قيامته، ولكن لا يقطع علاقته بحضارة تمثل أحد التجارب الإنسانية الكبرى، بل المهم أن ينظم العلاقة معها" (١)، "والمسلم لا يزال يحتفظ بالقيمة الخلقية، وهو ما ينقص الفكر الحديث، فالعالم الإسلامي لديه قدر كبير من الشباب الضروري لحمل مسئولياته ماديًّا وروحيًّا".
فهل يتحمل الشباب هذه المسئوليات؟ نرجو ذلك (٢).
 
* مالك بن نبي غفر الله له وإعجابه بفكر السلام العالمي الموهوم:
"ممّن نفّر من العنف، وأعجب بفكرة السلام العالمي الموهوم، الكاتب الإسلامي: مالك بن نبي -رحمه الله-.
وقد أبرز هذه الفكرة في عدد من كتبه، فهو يرى مثلاً: "أن الإسلام والهندوسية تنفيان سيف العقيدة" (٣).
ولا يخفي مالك بن نبي إعجابه بغاندي العظيم؟! ويخصه بمقال مملوء بالإكبار، فهو بطل السلام، قاوم الإنجليز مقاومة سلبية: "إذ رجعت الدبابات إلى الوراء، وتقهقرت عند تلك الأجسام التي انفرشت على الأرض أمامها، تقهقرت أمام أفواه ترتل بعض الأذكار المقدسة، وأمام أرواح منغمسة في    صلوات صامتة؟! إن جهاز الاستعمار الضخم وقف عند حدوده وباء بالخسران أمام معزة غاندى وسرباله ومغزله، وصلواته وصيامه مع الجماهير وفي خلواته".
"إن رفات غاندي التي ذروها في مياه الغانج المقدسة، ستجمعها الأيام في أعماق ضمير الإنسانية، كيما ينطلق يومًا أنتصار اللاعنف ونشيد السلم العالمي" (١).
"وفي فصل آخر يتحدث عن إعجابه بنهرو وطاغور، لسبب نفسه ثم يتساءل: هل من بين هؤلاء الزراع لفكرة اللاعنف في القرن العشرين .. هل من بينهم مسلمون؟ (ويجيب)، ويؤسفنا أن لا نجد من بينهم .. " (٢).
إن التعلق بالسلام أمر طيب، والتنفير من الحروب شعور نبيل، إلا أنه حلم مثالي شاعري بعيد عن الواقع وطبيعة البشر، وفكرة غير شرعية تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره الله في كتابه {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا} [الحج: ٤٠].
- والإعجاب بالوثنيين ومحبتهم، يناقض ما كان عليه السلف، ويناقض نصوص الشرع الحنيف {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢]. وقد أثبتت الأيام أن الهنود دعاة السلام من أتباع غاندي قد داست دباباتهم جنود باكستان المسلمة، في اعتداء صارخ على ديار المسلمين، فضاعت الشعارات، وما نفع رفات غاندي الملقى في مياه الغانج المقدسة؟!. - إن ثقافة مالك الشرعية كانت ضعيفة، إذا قيست بقراءاته الغربية، وهذا ما جعله يخطئ في عدة أمور تتعلق بالأحكام الشرعية.
ورغم ذلك كله كان مالك -رحمه الله- عميقًا في فهم غدر الاستعمار وأساليبه الخفية، وعميقًا في معالجة القابلية للاستعمار عند المسلمين .. فهو مفكر خبير في نهضة المجتمعات وأمراض المسلم المعاصر، إلا أن هذه الإيجابيات لا تمنعنا من ذكر بعض السلبيات، ولعل آلامه مما كان يعانيه الشعب الجزائري من الاستعمار الفرنسي، جعلته يحن إلى فكرة اللاعنف بهذا المنظور (١).
- إلا أن أفكار الأستاذ مالك التي بذرها، وسّعها بعض تلامذته المتأثرين به، فانحرفوا بعيدًا عن جادة الصواب في مفهوم الجهاد في سبيل الله.
من هؤلاء الشيخ جودت سعيد في كتابه: مذهب ابن آدم الأدل، فقد وقع في أخطاء واضطراب في عرضه لمفهوم الجهاد في سبيل الله.
 
* الطبيب خالص جلبي وفكرة اللاعنف ومهاجمته لفتوحات بني أمية والفتوحات العثمانية:
- وممن تعلق بفكرة اللاعنف، وشكك بمبدأ الجهاد، من أتباع هذه المدرسة الطبيب خالص جلبي: فقد هاجم خلافة بني أمية مرددًا في ذلك أحقاد المستشرقين، وفضل عليها خلافة بني العباس.
إذ أن خلفاء بني أمية حملوا راية الجهاد وفتحوا كثيرًا من البلدان، ودخلت كثير من الشعوب الإسلام على أيديهم وأيدي ولاتهم.
 
.- يقول خالص جلبي: "وبفعل الانحراف الأموي، فإن الملكية الاستبدادية نقلت وطعمت وألصقت إلى الجسم الغريب" (١).
أما الفتوحات العثمانية: فقد هاجمها الكاتب هجومًا عنيفًا مرددًا أقوال المستشرقين من أساتذته، يقول في ذلك: "والعالم الإسلامي، بدأ بالثورة الروحية العقلية، منذ الوحي في غار حراء، وانتهى بالعسكرية التركية، التي أنهت كل دفعة حيوية في العالم الإسلامي .. والعسكرتارية بالبارود والنار دخلت شرق أوروبا، ولكن فرق كبير بين دخول الإسلام إلى الشرق الأوسط والهند مثلاً، وبين دخوله على يد الأتراك إلى شرق أوروبا ومَنْ يتأمل يدرك"!! (٢).
فالعثمانيون لهم أخطاؤهم ولا شك، ولكن الفتوحات تعتبر من مفاخرهم التي لا ينكرها إلا مَنْ حقد على اجتياح شرق أوروبا وسقوط استانبول على يد محمد الفاتح -رحمه الله-.
لقد شارك الكاتب بقية رجال المدرسة العصرانية، عندما هاجموا الفتوحات العثمانية، متهمين إياها بالهمجية والتوحش.
- يقول الأستاذ محمد قطب: "ويكفي العثمانيين -في ميزان الله- أنهم توغلوا في أوربا الصليبية، وفتحوا للإسلام ما فتحوا من أراض وقلوب .. ويكفيهم أنهم حموا العالم الإسلامي من غارات الصليبيين خمسة قرون متوالية، ويكفيهم أنهم منعوا قيام الدولة اليهودية على أرض الإسلام .. " (٣).

* عبد اللطيف غزالي يدعو إِلى الانفتاح على حضارة الغرب بلا قيود ويعطل مفهوم الجهاد، ويتعجب من قول المسلمين بدخولهم الجنة دون غيرهم:
- يقول عبد اللطيف غزالي مقارنًا تخلف علوم المسلمين، بتقدم علوم الإغريق، ويدعو إلى الانفتاح على حضارة الغرب بلا قيود. انظر إليه يقول:
"وما أبعد إحياء تراث الإغريق في العصور الوسطى عن إحياء تراث سلف المسلمين اليوم. إن علوم الإغريق حين أخذ الأوربيون يبعثونها كانت شيئًا متقدمًا غاية التقدم، بالنسبة لما كان لديهم من علوم كلها خرافات، أما علوم السلف اليوم، فهي شيء متخلف غاية التخلف بالنسبة لما لدينا، ولا أقول كما لدى الأوربيين من هذه العلوم، ومع ذلك فإن الآثار الدينية هذه تتضمن محاولة الرجوع للقهقرى إذا لم تتناول بفهم وذوق يضبطان النقل والرأي في ضوء الفكر العصري" (١).

* أخطر أقواله:
- يقول عبد اللطيف غزالي: "لمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصهم بالجنة، ويذر غيرهم وأكثر الناس في النار؟ إن إلهًا هذا شأنه وإن صح -وحاشا أن يصح- لا يكون إله طائفة قليلة بالنسبة لسائر الناس؛ لأنه ليس ثمة دين يضم أكثر البشر .. إن العمل الصالح لهو اليوم أفضل جهاد في سبيل الله" (٢).
.- ويقول: "إن العمل الصالح هو العمل المنتج مثل أن يكون هو العبادة" (١).
ويقول: "ولقد صار البديل عن الجهاد هو العمل، ولقد صار البديل عن الحرب هو التعايش السلمي (٢).
 
* القذافي يطعن في السنَّة ويمدح أتاتورك:
- يقول القذافي: "الصحابة كانوا باستمرار يقولون له يا نبي الله، يا رسول الله، وعمره ما قال لهم اتبعوا حديثي أو كلامي؟ أين هذه موجودة؟ هل فيه نص في القرآن كله، ستين حزب، هل فيه ما ينص على النبي قال لكم الكلام الذي أنا قلته لازم تتبعوه؟ طيب .. أربعين عامًا قبل البعثة، أين الكلام الذي كان يقول فيه؟ هل كان لا يتكلم؟ كان يتكلم وأين الكلام الذي قاله؟ لما جاء في إحدى الغزوات وقال لهم خلي نزلوا في هذا المكان، قالوا له هذا وحي واجتهاد أو كلامك أنت؟ قال لهم: كلامي أنا. قالوا له: لا إن الحرب مكيدة، ما ننزل في هذا المكان لكن هو باستمرار، باستمرار يؤكد التمسك بالقرآن فقط، لو كان هو قدّس حديثه، وجعل لحديثه أهمية مثل القرآن أو قريبة منها، معناه هو يخلق كتابًا آخر يحلّ محل القرآن .. الذي أتى لنا وقال حديث النبي هذا لا بد تمشوا به وتقدسوه مثل القرآن، هذا شرك طبعًا، لا تعد تقل لي البخاري ومسلم هو الصحيح؛ لأن البخاري ومسلم فيهما أشياء لا تتفق مع أصول القرآن. إذن لنجمع كل ما قيل أنه حديث، ونقارنه بالقرآن، والذي يتفق معه زين، نقبله، والذي لا يتفق معه نشطبه ولا نعد نقول البخاري ومسلم" (٣).
- ويمدح القذافي أتاتورك قائلاً: "عندما جاء أتاتورك .. وكان على. 
.الأقل مش كيف هو حاصل الآن، قال والله ما نبقى نفصل الدين عن الدولة، هو مسلم، اسمه مصطفى كمال أتاتورك، اسمه مصطفى على اسم النبي، لم يقل أن تركيا يجب أن تكون ملحدة، قال: تركيا دولة إسلامية، وتبقوا مسلمين. ولكن قال: أنا عندي طلب واحد. قال لهم أريد أن أفصل الدين عن الدولة .. كيف؟ إن الدولة وهي دولة وضعية تعالج مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وفقًا للعصر التي هي فيه، أما الدين خلّوا كل واحد، يصلي ويحج ويصوم .. يصلي بالمسجد، يبني مسجدًا.
جاء المتعصبون الذين سموا أنفسهم علماء في ذلك الوقت، وقالوا له مستحيل، هذا كفر إذا فصلت الدين عن الدولة هذا كفر، ناداهم وقال لهم: أرجوكم هاتوا لي فتوى، فقط فتوىَ تجعلني أعلن باسم الإسلام، وإن الإسلام يبيح لي فصل الحكومة عن الدين، اجعلوا الحكومة لوحدها، واتركونا مسلمين كما كنا، قالوا له مستحيل .. هذا كفر .. قال لهم طالما هو كفر، فأنا ذاهب إلى قمة الكفر. وهذا هو القرآن، وهذا هو الإسلام .. وأحضر لي السيف لأقطع رقابهم وهرب من الشبابيك علماء الإسلام كلهم .. ومن تلك اللحظة كانت نكبة على الإسلام، أعلن الإلحاد والكفر قال: هذا الدين الذي يكبلني ولم يتركني أتصرف في تركيا لكي تواجه أعداءها وتنهض من جديد. قال: أنا لا أريد هذا الدين وأتاتورك مظلوم" (١).
وفي هذا من الدجل والكذب وتزييف الحقائق ما فيه، وفي القذافي وأتاتورك يصدق قول القائل:
ومن جعل الغراب له دليلاً ... يمر بهم على جيف الكلاب
 
* محمد أسد: نسخة أوربية لرائد العصرانية سيد خان منكر السنة:
محمد أسد (أو ليوبولد فايس) مستشرق نمسوي الأصل، كان في أول. أمره مراسلاً للصحف الأوربية في الشرق الأوسط، وبعد تجوال في ربوعه وبخاصة في جزيرة العرب هداه الله فأعلن إسلامه في عام ١٩٢٦ م. وبعد فترة من العيش بالمملكة السعودية انتقل للهند، ومكث فيها مدة طويلة، وكانت له صلات قوية بالحركة الفكرية فيها، وبعد إنشاء حكومة باكستان عمل في خدمة حكومتها، حتى استقال من خدمتها عام ١٩٥٢ م وكان يشغل منصب ممثلها في الأمم المتحدة (١).
وقد عرفه العالم العربي من خلال أول كتاب ترجم له إلى اللغة العربية بعنوان "الإسلام على مفترق الطرق"، وصدرت الترجمة عام ١٩٤٦، واشتهر وذاع صيته بسبب هذا الكتاب الذي لاقى انتشارًا واسعًا يتضح من تعدد طبعاته. ومن خلال الكتاب -يبدو فكر المؤلف ناصعًا ورؤيته واضحة، وبخاصة لمعايب الحضارة الغربية ولأخطار تقليدها على المسلمين، ولمزايا الإسلام عليها ولأهمية التمسك بأسسه وأصوله: الكتاب والسنّة. ولمّا كان المؤلف من أبناء الغرب وأهله أحدث نقده للحضارة الغربية، وشهادته للإسلام بغض النظر عن قيمة محتواه، تأثيرًا قويًا ولاقى رواجًا وإعجابًا.
ولكن كتب المؤلف الأخرى لا تعطي الانطباع الذي يعطيه كتابه السالف، وإذا استبعدنا كتابه "الطريق إلى مكة"الذي هو قصة أدبية رائعة عن الثلاثين سنة الأولى من حياته واعتناقه الإسلام، ولا يعد كتابًا فكريًّا، فإن كتبه الأخرى (٢) تنضح بفكر عصراني خالص، حتى أن المرء لا يجانب الصواب كثيرًا إذا وصفه -وبخاصة في ترجمته لمعاني القرآن والحواشي والهوامش التي ضمتها الترجمة- بأنه نسخة أوربية لسيد خان، أعظم مفكري 
.العصرانية المسلمين. ولا غرو فإنه لتأثره بالمادية الغربية التي لا تؤمن بما وراء المحسوس المشاهد، لم يستطع أن يتخلص من بقاياه الجاهلية، فأقبل في الإسلام على العصرانية يؤول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس وأذواق الغرب. ويقدم لنا محمد أسد -تمامًا كسيد خان- نموذجًا متكاملاً للفكر العصراني الإسلامي، إذ لم يقتصر فكره في دائرة واحدة من دوائر الإسلام، بل شمل العقائد والتفسير والحديث والفقه. ونقدم هنا أمثلة قليلة من ذلك.
المفتاح الأساسي لفهم القرآن في نظره هو في الآية السابعة من آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يقول: "فهذه الآية هي التي تجعل رسالة القرآن سهلة التناول (لقوم يتفكرون) "وهو يعرف المتشابه بأنه تلك الآيات التي جاء التعبير فيها بطريقة مجازية، والتي تتضمن معنى رمزيًّا لا يمكن الإفصاح عنه مباشرة، ولو في كلمات كثيرة. أما لماذا يحتوي القرآن على المتشابه فيقول؛ لأنه يتحدث عن عالم "الغيب"ذلك العالم الذي هو وراء إدراك البشر الحسي، ولمّا كان العقل البشري لا يدرك الأشياء، ولا تكون عنده معرفة إلا من خلال تجاربه الماضية (هكذا يقول)، فلا يمكن نقل معاني "الغيب"له إلا باستعارة أمثلة وتشبيهات تؤخذ من نفس هذه التجارب، أو كما يقول الزمخشري: "تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد"، ثم يقفز من ذلك إلى النتيجة التالية "وهكذا يبين لنا القرآن بوضوح أن كثيرًا من تعبيراته وآياته يجب أن تفهم باعتبار أنها متشابهة، لسبب بسيط وهو أنها لتخاطب العقل البشري فلا يمكن أن تخاطبه بغير هذه الطريقة، فإذا أخذنا كل تعبير في القرآن وكل كلمة وكل آية بمعناها الظاهري الحرفي، وغضضنا الطرف عن احتمال أن تكون متشابهة، أو رمزًا أو مثالاً، فإننا نسيء إلى روح النص القرآني ذاته" (١). 

ومن خلال اعتبار كثير من نصوص القرآن رموزًا وأمثلة، يمكن لأي امرئ أن يفسر ما شاء كيف شاء، ولم لا؟ فهل يمكن الادعاء أن للرمز معنى واحدًا بعينه هو المعنى المقصود دون غيره؟ وهذا ما فعله محمد أسد، فقد أوّل ما شاء كيف شاء ضاربًا بقواعد اللغة وبكثير من تفسيرات السلف عرض الحائط، ولم يتقيد بها -كما يقول- أليس من "مزايا القرآن الفذة أنه كلما ازدادت معرفتنا بهذا العالم، وازدادت تجاربنا كلما تكشفت لنا آياته عن معاني كثيرة جديدة لم تخطر من قبل"وهذا في ظاهره صحيح إذا أريد به أن معاني القرآن الأولية، يمكن أن تتسع للفهم بازدياد معرفة البشر، ولكن اتساع الفهم لا يناقض المعنى الأولي الأساسي، فهل هذا الذي يقصده محمد أسد؟ من عباراته التالية يبدو أن الذي يقصد إليه أن النص الواحد يمكن أن تكون له معاني متعددة، بل ومتناقضة حسب ثقافة المفسر المتاحة له في عصره، فهو يستمر ليقول:
"لقد أدرك أسلافنا العظماء هذه الحقيقة إدراكًا كاملاً، وفي تفسيرهم القرآن اقتربوا من نصوصه من خلال "عقولهم"، أو بعبارة أدق حاولوا شرح معاني القرآن على ضوء اللغة العربية والسنّة جنبًا إلى جنب مع المعارف العامة المتاحة لهم، مما تجمع لدى المجتمع الإنساني حتى عصرهم من تجارب وثقافة، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلف في أحيان كثيرة فهم أحد المفسرين لآية من القرآن عن فهم من سبقوه، وقد يكون ذلك الاختلاف -وغالبًا ما يكون- حادًا وواسعًا، ويناقض بعض المفسرين بعضهم بعضًا، ولكن ذلك لم يخلق عداء بينهم، لإدراكهم لعنصر النسبية في التفكير البشري، وأنه لا أحد يبلغ الكمال (١).

ولنأخذ مثلاً كيف يفسر محمد أسد صفات الله الواردة في القرآن.
يقول: "بما أن الله عز وجل كائن لا تحده حدود الزمان والمكان فإن كل ما يمكننا أن ندركه عنه ما يسمى بالصفات السلبية What he is not، أما صفاته الثبوتية فلا يمكن أن نكون عنها إلا فكرة ناقصة عن طريق استعارات وأمثلة عامة ومجملة. ولهذا فهو يعتبر هذه الصفات مجازات لا بد من تأويلها، فيقول عندما يوصف الله تعالى بأنه في السماء أو أنه {عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، فإن هذه ليست إلا أداة لغوية لتقرب لنا معنى فوق إدراك البشر، وهو قدرة الله الواسعة وسلطانه القاهر فوق كل شيء. وكذلك عندما يوصف الله بأنه "السميع""البصير"فإن ذلك لا يمت بصلة إلى ظاهرة السمع والبصر العضوية، ولكنه فقط يصور بطريقة مفهومة للعقل البشري حضور الله عند كل شيء وكل حدث. وكذلك كثير من الصفات التي يبدو لأول وهلة أنها تعني التجسيم، مثل الغضب والفرح والحب و {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}، وأمثالها فهي لا تعدو أن تكون "تراجم"في لغة بشرية ورموزًا لأفعال الله (١).
ونفس الرموز -في رأي أسد- موجودة في وصف القرآن لليوم الآخر والحياة الثانية، والجنة والنار. وكل ما جاء من وصف لهذه ما هو إلا رموز مأخوذة من تجاربنا، فكأن القرآن يقول لنا: "تخيلوا كل ما يمكن لكم تخيله مما ينعم به الإنسان نفسيًّا وبدنيًّا، وتخيلوا نعيمًا فوق ما تتخيلون بأضعاف مضاعفة، ونعيمًا في ذات الوقت مختلفًا عن كل ما تتخيلون، فإنكم فقط حينئذ تكونون قد أدركتم لمحة وإن كانت غامضة عما يسمى "الفردوس".
ونفس الأمر صادق أيضًا عن وصف القرآن أن للنار (٢). وهو بذلك يعني أن وصف القرآن للجنة النار لا ينبغي أن يؤخذ على ظاهره، أو على أنه وصف. لحقائق واقعة، بل هو مجرد تمثيل وتصوير.
وهو ينظر إلى بقية أمور الغيب والسمعيات الأخرى، مثل الجن والملائكة والمعجزات، بنفس النظرة أي أنها كلها رموز وأمثلة. وبكل "تمحل"يعطيها تفسيرات في حدود عالم الحس وليس له من دليل إلا الحدس والتخمين والخيال الواسع.
فقصة أهل الكهف -مثلاً- ونومهم لمدة ثلاثمائة عام ثم استيقاظهم يرى أنها ليست إلا "أسطورة"، واعتمادًا على الاكتشاف الحديث لما سمي مخطوطات البحر الميت عز وجلead Sea Scrolls، يرى أن المقصود بأهل الكهف مجموعة من اليهود كانت تعزل نفسها في الكهوف تفرغًا لدراسة ونقل وكتابة الصحف المقدسة. ولمّا كان الناس من حولهم يعظمونهم وينظرون إليهم نظرة قدسية، فمن المحتمل جدًا أن يكونوا قد نسجوا حولهم بسبب عزلتهم التامة عن العالم، أسطورة النوم لمدة طويلة ثم "الاستيقاظ"بعد أن يكونوا قد أكملوا مهمتهم المقدسة. أي أن القرآن يحكي فقط أسطورة شائعة، ولكن لماذا يحكيها القرآن؟
- يقول: إن القرآن يستخدمها بطريقة رمزية بحته ليوضح أولاً قدرة الله الكاملة على الإماتة - "النوم" - والإحياء - "الاستيقاظ"ويشير ثانيًا من خلالها إلى التضحية التي يمكن أن يدفع إليها الإيمان، فيعتزل قوم أتقياء العالم الفاسد نجاة من شروره (١).
وكذلك يرى أن قصة سليمان عليه السلام التي يحكيها القرآن والمعجزات التي تصاحبها كلها كانت أساطير شائعة عند العرب وأهل الكتاب من يهود ونصارى حين نزول القرآن، ومن الممكن إعطاؤها تفسيرات "عقلية" .(هكذا يقول فلديه تفسيرات جاهزة لكل شيء)، ولكن لا فائدة في ذلك؛ لأن القرآن وجد هذه الأساطير في البيئة التي نزل فيها، فحكاها كما هي دون أن يؤكد صحتها أو يدحضها فاستخدمها لأنها كانت ضاربة بجذورها في عقول الناس، ليبث من خلالها بعض مفاهيمه العقدية والأخلاقية (١).
وإذا كانت هذه أمثلة لواحدة من وسائله لرفض العجزات باعتبارها أساطير فقط، إلا أن في أحيان أخرى يعطيها تأويلات تبعدها أن تكون خارقة للعادة. من ذلك مثلاً قصة إبراهيم، مع الطيور الأربعة، ففي نظره أن إبراهيم لم يقتل الطيور ولم يقطعها أجزاء ثم أحياها الله بعد ذلك، بل كل ما في الأمر أنه علّم الطيور ودرّبها على طاعته وإجابة أوامره، وهذا عنده هو معنى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}، ثم إن إبراهيم وضع كل طائر على جبل، ثم حين دعاها أجابته. والمغزى من ذلك أنه إذا كانت الطيور بمثل هذا التعليم والتدريب تطيع الإنسان ولا تعصي أمره، فكذلك الله عز وجل الذي يطيعه كل شيء، فهو قادر على أن يحيي الموتى بأمرهم بكلمة منه "كن" (٢).
- ويقول عن الحوت الذي التقم يونس عليه السلام أن القرآن يذكره بأداة التعريف "الحوت"لأن أسطورته كانت معروفة فهو بذلك حوت معروف معهود. وفي هذه المرة لا يكتفي بالقول أنه أسطورة بل يعطيه تفسيرًا من تفسيراته "العقلانية"من بنات أفكاره، فيقول: مما لا شك فيه أن التقام الحوت هنا ما هو إلا رمز للغم والكرب الذي وقع فيه يونس (٣).
ويفسر حجارة السجيل في سورة الفيل مثل تفسير محمد عبده، الذي صرح في مقدمة الكتاب أنه تأثر به كثيرًا واقتبس منه في عدة  مواطن (١)، فسبب هلاك أصحاب الفيل كان وباء الجدري أو الحصبة، والطير الأبابيل في تفسيره هي ناقلات ذلك الوباء (٢).
والأمثلة كثيرة ومتعددة، وبإيجاز يمكن القول أن أيّ معجزة في القرآن ضاق عقل أسد المادي عن إدراكها، راح يؤولها بهذه الجرأة وبهذا الخرص والخبط.

* الفقه من خلال ذوقه الأوربي:
وإذا كانت هذه نظرة أسد إلى أمور العقيدة ومنهجه في تفسيرها، فكيف ينظر إلى مسائل الفقه التي لا يستسيغها "ذوقه"الأوربي؟ ويأتي أولاً السؤال ما الذي لا يستسيغه "الذوق"الأوربي من الفقه الإسلامي ثم ننظر ثانيًا في "المنهج العلمي"الذي يقدمه أسد لتأويله ليوافق "ذوق"الغرب المتحضر.
نختار ثلاث دوائر من التي يكثر اعتراض الغرب عليها في الإسلام: وضع المرأة والحدود والربا والأمثلة عن هذه تكفي.
أما عن المرأة فنكتفي برأي أسد في الحجاب. يقول عن قوله تعالى في ذلك في سورة النور {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المقصود بها "اللباس المحتشم وستر الزينة إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية" (٣)، أي العادة الجارية في مجتمعه. ويعيب على المفسرين الأوائل أنهم قصروا ما يظهر على الوجه والكفين فقط وأحيانًا أقل، ويقول أن معنى "إلا ما ظهر منها"أوسع من ذلك، ويرى أنه لفظ عام، وأنه بعمومه قصد منه أن يفتح المجال للتغيرات التي تحدث في حياة الإنسان الخلقية والاجتماعية في كل زمان. إن الأمر البالغ الأهمية هو في "غض البصر وحفظ الفرج"وما يحقق هذه الغاية في كل زمان هو الذي يحدد ما يعد من "الحشمة"أو ما لا يعد في مظهر الإنسان الخارجي (١)، أي أن المقياس والمعيار الأساسي هو الحشمة، وليس لذلك حدود إلا ما تحدده عادة المجتمع الجارية وليس بالضرورة أن يكون ذلك ستر ما عدا الوجه والكفين.
- وفي مجال الحدود نأخذ مثالاً رأيه في عقوبة الحرابة، وخلاصة رأيه أن من يظن أن "العقوبات الوحشية"الواردة في الآية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} - من يظنها عقوبات شرعية، فقد وقع خطأ بالغ، وأن ما ذهب إليه المفسرون من أن المقصود بهذه الآية فرض عقوبات جنائية رأي مرفوض مطلقًا، مهما كانت الأسماء التي قالت بهذا الرأي كبيرة ومشهورة. ويؤكد أن الآية لا تنشئ أمرًا ولا تقصد تنفيذ طلب بل هي تقرير لحقيقة ويسوق لتأييد رأيه بعض الحجج، ومن ذلك أن الأفعال الواردة في هذه الآية "يقتلوا""يصلبوا""تقطع""ينفوا"واردة بصيغة المضارع، ولا يفهم منها الأمر والطلب (وهذا مثال لأحد المواضع التي يظهر فيها ضعفه في اللغة) ومن الحجج أيضًا أن صيغة هذه الأفعال تدل على المبالغة ويفهم هو من ذلك أن المقصود أن القتل والصلب والقطع هو لأعداد كبيرة، فهل يمكن أن يكون المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين. ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المحارب واحدًا أو فئة قليلة؟ ثم ما معنى "ينفوا من الأرض"؟ إذا كان القصد السجن فليس ذلك نفيًا من كل الأرض وإذا كان المقصود النفي من دار الإسلام فدار الإسلام ليست هي كل الأرض. ومن أقوى الأدلة عنده على أن الآية لا تقرر عقوبات شرعية، أن العقوبات الواردة فيها قد ذكرها القرآن على لسان فرعون الذي هو مثال الطغيان والشر والعدوان في القرآن، حين قال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} فهل يعقل أن يجعل القرآن هذه عقوبات شرعية للمجتمع المسلم، وقد اعتبرها في موضع آخر جريمة نكراء من جرائم عدو الله فرعون؟.
ويخلص من ذلك إلى أن التفسير الصحيح للآية أنها تقرر حقيقة، وهي أنه لا مهرب لمن يحاربون الله ورسوله من العقاب الذي يجرونه على أنفسهم بأنفسهم وذلك أنه بسبب ما يحدث من الصراع بينهم، فإنهم يقتلون أنفسهم بأعداد كبيرة، ويعذبون ويشوهون بعضهم بعضًا بأعداد كبيرة، إلى الحد الذي يقطعون فيهم دابر بعضهم بعضًا أحيانًا (ينفوا من الأرض) ويرى أن هذا التفسير هو الذي يستقيم مع سياق الآية وتزول به الأعتراضات التي يعترض بها على التفسير الأول (١).
- وعن الربا يقول أن تعريفه لم يزل أمرًا مشكلاً للفقهاء، وأنهم عرفوه بحسب الظروف الاقتصادية السائدة في عصورهم، وأنه بالنظر إلى الاقتصاد السائد عند العرب عند نزول تحريم الربا يمكن تعريفه في ضوء ذلك عمومًا بأنه الفائدة التي تجنى من الدين استغلالاً لحاجة الفقير المحتاج، من غني قادر، وأنه بالنظر إليه من خلال ذلك يبدو أن مسألة تحديد المعاملات التي
.يمكن أن تعتبر داخلة تحت الربا، هي مسألة أخلاقية في المقام الأول، وتعتمد أساسًا على الدوافع والبواعث التي تقوم عليها العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين الدائن والمدين، وإلى أيّ مدى يتحملان معًا الربح والخسارة. وذلك كما هو واضح يتغير تبعًا لتغير النمو الاقتصادي والاجتماعي والتقني، وعلى هذا فإن كل جيل من المسلمين هو الذي يضع بحسب ظروف عصره المعنى الجديد للربا والدوائر التي يشملها (١) "اهـ (٢).
***
إسلاميون ولكن
- ولاؤنا المطلق للإسلام. وكل من قدم خدمة للإسلام أو دافع عنه في جانب من جوانبه فهو حبيب إلينا بقدر تمسكه بالإسلام وقربه منه ..
نعم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} وليس من قصد الحق فأخطأه كمن تعمّد قصد الباطل ولكن ننبه على أخطاء المدافعين عن الإسلام نُصحًا لله ولرسوله.

الحق أحب إلينا منه ..
* هو الدكتور محمد عمارة رأس من رءوس المدرسة العقلية الحديثة .. عصراني يقول بعدم كفر اليهود والنصارى، ويمجِّد المعتزلة، ويثني على المبتدعة، ويمدح ثورة الزنج والفاطميين، ويدعو إِلى التقريب بين الشيعة والسنة، ووحدة الأديان، والوطنية، والقومية وجهاد الدفع فقط دون جهاد الطلب:
محمد عمارة مفكر ينتمي إلى المدرسة العقلية الحديثة ومن كبار المدافعين عنها، وهو وريث الشيخ محمد الغزالي يسير على نهجه، قال عنه الشيخ محمد الغزالي: "إن محمد عمارة قلعة من قلاع الإسلام في القاهرة" (١).
ونحن لا ننكر أن للرجل مجالات في الدفاع عن الإسلام أوردنا منها رده  على المستشار العشماوي، ولكن الحق أحب إلينا منه .. له كتابات ومواقف سيئة لابد من التنبيه عليها نُصحًا للأمة.

* جرعات أولاً قبل الغوص في فكره:
- يرفض الدكتور محمد عمارة أن تعود المرأة مكبلة بحجابها ويؤكد: "أن جذور هذه القضية ترتبط بالتمدن والتحضر والاستنارة أكثر مما هي مرتبطة بالدين" (١).
- أما ولاية المرأة للقضاء وحتى الولاية العامة: فهي جائزة عند العصرانيين بإطلاق. يقول محمد عمارة: "إن ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء، هو فكر إسلامي وآراء فقهية .. وليس دينًا وضعه الله، وأوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام ..
وليس هناك إجماع فقهي فيها حتى يكون هنالك إلزام للخلف بإجماع السلف فهي من قضايا الاجتهاد المعاصر، أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"فهو نبوءة سياسية من الرسول بفشل الفرس المجوس، أولئك الذين ملكوا عليهم امرأة، وليس حكمًا بتحريم ولاية المرأة للقضاء، فلا ولايتها العامة ولا الخاصة كانت بالقضية المطروحة، حتى على مجتمع النبوّة، كي تقال فيها الأحاديث" (٢).

* وانظر إِلى هذه السقطة الكبيرة:
فإذا حكمنا (كساسة) بما يحقق مصلحة الأمة، كنا مقتدين بالرسول، حتى ولو خالفت نظمنا وقوانينا ما روي عنه في السياسة من أحاديث؛ لأن المصلحة، بطبيعتها متغيرة ومتطورة" (١).
بل يعبر عمارة بصراحة أشد عن عدم ملاءمة الشريعة لقضايا العصر، عندما يقول: "فإن أحدًا لن يستطيع الزعم بأن الشريعة يمكن أن تثبت عند، ما يقرره نبي لعصره" (٢).
ويدعو عمارة كذلك إلى مدنية السلطة، وجعل حق التشريع في يد جمهور الأمة عندما يقول: "فأصحاب السلطة الدينية قد احتقروا جمهور الأمة، عندما سلبوها حقها في التشريع، وسلطاتها في الحكم"على حين قرر القائلون بمدنية السلطة: "أن الثقة كل الثقة بمجموع الأمة، بل جعلوها معصومة من الخطأ والضلال" (٣).
- ويتابع الدكتور عمارة، فيصف الفتح العثماني بأنه: "طوفان الدمار التركي، وأرجال الجيش العثماني الذي لف العالم العربي بردائه الأسود أكثر من أربعة قرون" (٤).
حتى السلطان صلاح الدين الأيوبي لم يسلم من أذى هؤلاء القوم فيصفه الدكتور محمد عمارة بأنه "القائد الإقطاعي البارز؟ " (٥).
ويأسف الدكتور لانتصار المسلمين في الحروب الصليبية لأنها أعادت الحيوية للإقطاع العربي "فلقد كانت الحروب الصليبية مرحلة من الأحداث الكبرى التي أتاحت للإقطاع العربي فترة من استرداد الحيوية والنشاط" (٦).
- وللدكتور محمد عمارة نظريته في وحدة الأديان، أعلنها تحت شعار
.
.."وحدة الدين الإلهي"، فهو يرفض تقسيم الناس على هذا الأساس (المتخلف)، إلى مؤمنين وكفار؛ لأن ذلك التقسيم، قد ارتبط بالعصور الوسطى وعهود الظلام" (١).
ويرى أن رفاعة الطهطاوي قدم فكرًا مستنيرًا في هذا الجانب حيث قدم "تقسيمًا جديدًا، لا يقوم على معايير الكفر والإيمان، وإنما يقوم على مقاييس، التحضر والخشونة" (٢).
"والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب، ليست من الخطر، بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان والتدين بالدين الإلهي" (٣).
- ومحمد عمارة يدعو إلى العلمانية الصريحة في كتابه "الإسلام والسلطة الدينية". إذ يقول: "أما إسلامنا فهو علماني ومن ثم فإن مصطلح العلمانية لا يمثل عدوانًا على ديننا بل على العكس، يمثل العودة بديننا إلى موقفه الأصيل" (٤).
- وقديمًا قال محمد عمارة مثل ما قال محمد أحمد خلف الله "من أن البشرية قد بلغت سن الرشد، وقد آن لها أن تباشر شئونها بنفسها بعيدًا عن وصاية السماء" (٥).
وسنقول بملء فمنا بعد استقراء كتب عمارة أنه قد "حرّف"و"كذب"و"لبّس"و"هاجم"و"استهزأ"و"تناقض"ودعا إلى بدعته.
 
.* نحكم على عمارة من خلال كتبه:
- وهذه الكتب هي:
١ - "القومية العربية ومؤامرات أمريكا ضد وحدة العرب"طبعة أولى، وثانية: القاهرة. دار الفكر ١٩٥٨ م.
٢ - "فجر اليقظة القومية"طبعة أولى: دار الكاتب العربي. القاهرة ١٩٦٧ م. طبعة ثانية: دار القاهرة للثقافة العربية، القاهرة ١٩٧٥ م طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت ١٩٨١ م. طبعة رابعة. دار الوحدة. بيروت ١٩٨٤ م.
٣ - "العروبة في العصر الحديث"طبعة أولى: دار الكاتب العربي.
القاهرة ١٩٦٧ م. طبعة ثانية: دار الوحدة بيروت ١٩٨١ م. طبعة ثالثة. دار الوحدة. بيروت ١٩٨٤ م.
٤ - "الأمة العربية وقضية الوحدة"طبعة أولى: الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة ١٩٦٦ م. طبعة ثانية: دار الوحدة. بيروت ١٩٨١ م طبعة ثالثة: دار الوحدة بيروت ١٩٨٤ م.
٥ - "إسرائيل .. هل هي سامية؟ ". طبعة أولى: دار الكاتب العربي القاهرة ١٩٦٧ م.
٦ - "مسلمون ثوار"طبعة أولى: دار الهلال ١٩٧١ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٤ م. طبعة ثالثة بيروت.
المؤسسة العربية ١٩٧٩ م.
٧ - "عمر بن عبد العزيز. خامس الخلفاء الراشدين"طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة ١٩٧٨ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٩ م. طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت ١٩٨٥ م.
٨ - "الإسلام والوحدة الوطنية". طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة
 

١٩٧٩ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٩ م.
٩ - "قاسم أمين وتحرير المرأة". طبعة أولى: القاهرة - دار الهلال ١٩٨٠ م. طبعة ثانية. بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٨٠ م. طبعة ثالثة. دار الوحدة. بيروت ١٩٨٥ م.
١٠ - "محمد عبده. مجدد الإسلام". طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة ١٩٨٠ م. طبعة ثانية: المؤسسة العربية بيروت ١٩٨١ م. طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت ١٩٨٥ م.
١١ - "جمال الدين الأفغاني، موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٤ م. ودار المستقبل العربي. القاهرة ١٩٨٤ م.
١٢ - "عبد الرحمن الكواكبي: شهيد الحرية ومجدد الإسلام"طبعة أولى: بيروت - دار الوحدة ١٩٨٤ م، ودار المستقبل العربي. القاهرة ١٩٨٤ م.
١٣ - "علي مبارك، مؤرخ المجتمع ومهندس العمران". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٤ م. ودار المستقبل العربي. القاهرة ١٩٨٤ م.
١٤ - "رفاعة الطهطاوي. رائد التنوير في العصر الحديث". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٤ م. ودار المستقبل العربي. القاهرة ١٩٨٤.
١٥ - "المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٢ م.
١٦ - "الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٧ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٩ م.
[ضمن مجلد "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال ١٩٨٣ م.
١٧ - "المعتزلة وأصول الحكم". طبعة أولى: بيروت المؤسسة العربية ١٩٧٧ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٩ م. [ضمن مجموعة "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال ١٩٨٤ م.

١٨ - "المعتزلة والثورة". طبعة أولى: بيروت المؤسسة العربية ١٩٧٧ م.
طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٩ [ضمن مجموعة "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثانية: بيروت المؤسسة العربية.
١٩ - "نظرة جديدة إلى التراث"طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٤. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية.
٢٠ - "عندما أصبحت مصر عربية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٤ م.
٢١ - "الجامعة الإسلامية والفكرة القومية عند مصطفى كامل". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٦ م.
٢٢ - "معارك العرب ضد الغزاة". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٢ م. طبعة ثانية. بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٥ م.
٢٣ - "محمد عبده. سيرته وأعماله". طبعة أولى: بيروت. دار القدس ١٩٧٨ م.
٢٤ - "المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد". طبعة أولى: القاهرة. دار المعارف ١٩٧١ م.
٢٥ - "العرب والتحدي". طبعة أولى: الكويت ١٨٩٠ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٨٢ م. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال ١٩٨٢ م.
٢٦ - "الفكر الاجتماعي لعلي بن أبي طالب". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة ١٩٧٧ م.
٢٧ - "العدل الاجتماعي لعمر بن الخطاب". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة ١٩٧٨ م.
٢٨ - "نظرية الخلافة الإسلامية". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة ١٩٨٠ م.
٢٩ - "الإسلام والثورة". طبعة أولى. القاهرة. دار الثقافة الجديدة ١٩٧٩ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٨٠ م.

٣٠ - "الإسلام والسلطة الدينية". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة ١٩٧٩ م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٨٠ م.
٣١ - "الإسلام والحرب الدينية". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٢ م.
٣٢ - "ثورة الزنج". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٠ م [سبقتها طبعة شعبية في طرابلس - ليبيا].
٣٣ - "التراث في ضوء العقل". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٠ م. طبعة ثانية. دار الوحدة بيروت ١٩٨٤ م.
٣٤ - "الإسلام وقضايا العصر". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٠ م. طبعة ثانية. دار الوحدة. بيروت ١٩٨٤ م.
٣٥ - "الإسلام والعروبة والعلمانية"طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٠ م. طبعة ثانية: دار الوحدة. بيروت ١٩٨٤ م.
٣٦ - "دراسات في الوعي بالتاريخ". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة ١٩٨١ م. طبعة ثانية. دار الوحدة. بيروت ١٩٨٤ م.
٣٧ - "الإسلام وأصول الحكم". دراسة ووثائق - طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية ١٩٧٢ م.
٣٨ - "تيارات الفكر الإسلامي". طبعة أولى: القاهرة. دار الهلال ١٩٨٢ م. طبعة ثانية: القاهرة. دار المستقبل العربي ١٩٨٤ م. طبعة ثالثة دار الوحدة. بيروت ١٩٨٥ م.
٣٩ - "تيارات اليقظة الإسلامية والتحدي الحضاري". طبعة أولى: القاهرة. دار الهلال ١٩٨٢ م.
٤٠ - "الصحوة الإسلامية والتحدي الحضاري". طبعة أولى: القاهرة. دار المستقبل العربي ١٩٨٥ م.
٤١ - "الفريضة الغائبة، عرض وحوار وتقييم". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت ١٩٨٢ م. طبعة ثانية: بيروت. دار الوحدة ١٩٨٣ م.

٤٢ - "الفكر القائد للثورة الإيرانية". طبعة أولى: القاهرة دار ثابت ١٩٨٢ م.
٤٣ - "الإسلام بين العلمانية والسلطة الدينية". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت ١٩٨٢ م.
٤٤ - "ماذا يعني الاستقلال الحضاري لأمتنا العربية الإسلامية؟ ". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت ١٩٨٣ م.
٤٥ - "جمال الدين الأفغاني المفترى عليه". طبعة أولى: القاهرة. دار الشروق ١٩٨٤ م.
٤٦ - "الإسلام والمستقبل". طبعة أولى: القاهرة. دار الشروق ١٩٨٥ م.
٤٧ - "العلمانية ونهضتنا الحديثة". طبعة أولى دار الشروق ١٩٨٥ م.
٤٨ - "الإسلام وحقوق الإنسان". طبعة أولى الكويت سنة ١٩٨٥ م.
٤٩ - "الاستقلال الحضاري".
٥٠ - "معالم المنهج الإسلامي". طبعة أولى. دار الشروق ١٤١١ هـ. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
٥١ - "الإسلام والفنون الجميلة". دار الشروق ١٤١١ هـ.
٥٢ - "الشيخ محمد الغزالي". الهيئة المصرية ١٩٩٢.
وكتابي الدكتور عمارة "تيارات الفكر الإسلامي"و"الإسلام والمستقبل"وهما حاويان لمعظم ما يدعو إليه الدكتور في كتبه ومقالاته الأخرى.
- يقول سُليمان الخراشي مؤلف كتاب "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة" (ص ٦٩):
"وبعد قراءتٍ لي كثيرة في كتب ومقالات الدكتور ... أستطيع أن أحصر القضايا التي تسيطر على ذهن الدكتور والتي نريد أن نحاوره فيها

في الآتي:
١ - العقل والعقلانية.
٢ - المعتزلة.
٣ - تيار الأفغاني: ويشمل عددًا من الأفكار الجزئية:
١ - وحدة الأديان.
٢ - الوطنية.
٣ - القومية.
٤ - العلمانية.
٥ - الاشتراكية.
٦ - التقريب بين السنة والشيعة.
٧ - تحرير المرأة.
٨ - الحرب الدفاعية.
٩ - خبر الآحاد.
١ - العقل والعقلانية:
- يقول الدكتور محمد عمارة:
"إن مقام العقل -الذي هو أداة العلم في الإسلام- مقام لا تخطئه البصيرة بل ولا البصر .. فمعجزته القرآن تتوجه إلى العقل .. وهو الحاكم بين ظواهر النصوص وبين البراهين العقلية إذا ما لاح التعارض بينهما""التراث في ضوء العقل" (ص ١٨٣).
"لا بد من عرض النصوص المروية على البرهان العقلي. فإذا تعارضت معه وجب تأويلها كي تتفق مع برهان العقل""التراث في ضوء العقل" (ص ٢٧٠).
"لقد بلغ تقديس الإسلام للحرية الإنسانية إلى الحد الذي جعل السبيل 

إلى إدراك وجود الذات الإلهية هو العقل الإنساني فحرر سبيل الإيمان من تأثير الخوارق والمعجزات بل ومن سيطرة الرسل والأنبياء""الإسلام وحقوق الإنسان" (ص ٢٣).
- "إن البشرية قد بلغت عنده وبه (أي الإسلام) مرحلة النضج وسن الرشد ومن ثم فلقد أصبحت أمور دنياها موكولة إلى عقلها ولم تعد أمرًا سماويًّا يأتيها به نبي جديد كلما انحرفت عن الطريق المستقيم""الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية" (ص ٦٥).
- "بالعقل انتصرت العروبة وانتشر الإسلام""العرب والتحدي" (ص ٧١).
- "حضارتنا العربية الإسلامية متميزه في عقلانيتها عن الحضارة الغربية تميزًا لا سبيل إلى إنكاره أو التشكيك فيه .. " (مقال العقلانية الإسلامية مجلة الهلال مايو ١٩٨٨).
ونصوص أخرى كثيرة مثل هذه لا نثقل الكتاب بنقلها فقد مضى منها ما يغني ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الدكتور عمارة أو مقال من مقالاته العديدة دون الإشارة إلى دور العقل في تراثنا ودون إطراء لأصحابه من المعتزلة وأتباع المدرسة العقلية في الزمن المعاصر" (١).
- وقديمًا قال الملحد جميل صدقي الزهاوي:
قالوا اترك العقل ولا تعمل به ... حتى يؤيد حكمة المنقول
قلت اترك المنقول لا تعمل به ... حتى يؤيد حكمة المعقول (٢)
.- يقول الدكتور: "إننا نجد القرآن الكريم معجزة عقلية تتوجه إلى العقل وتحتكم إليه وتجعله مناط التكليف بل ومعيار إنسانية الإنسان ثم تقيمه حاكمًا على كل النصوص والمأثورات! وفي السنة النبوية نجد الانحياز إلى العقل حتى لقد جعلت الشك النهجي هو محض الإيمان؛ لأنه هو الطريق إلى اليقين الذي لا يتأتى الإيمان بدونه؟! ""الإسلام والمستقبل" (ص ٢١). إذن العقل حاكم على (كل) النصوص والمأثورات! لأن القرآن عقلي والسنة انحازت للعقل.
- ويقول في موضع آخر عن المعتزلة وهم (فرسان العقلانية) في نظره.
مؤيدًا لهم أنهم: "قالوا إن الأدلة أولها دلالة العقل؛ لأن به يميز بين الحسن والقبيح؛ ولأن به يعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة والاجماع""الطريق" (ص ١٠٠). فالعقل أولاً ثم النص. لماذا؟ لأن العقل يميز بين الحسن والقبيح ولأن به يعرف الكتاب والسنة.
- ويقول أيضًا: "إن مقام العقل -الذي هو أداة العلم- في الإسلام مقام لا تخطئه البصيرة بل ولا البصر فمعجزته القرآن تتوجه إلى العقل وهو الحاكم بين ظواهر النصوص وبين البراهين العقلية إذا ما لاح التعارض بينهما""التراث" (ص ١٨٣). فإذا ما عارض النص العقل .. قدم العقل.
- ويقول أيضًا: "أما عن العلاقة بين العقل وبراهينه ومعطياته وبين ظواهر النصوص فإننا نجد الأفغاني يحتكم إلى معطيات العقل والبرهان ويقطع بوجوب الاحتكام للعلم في كل ما يعرض من شبهات خلافية لأن القرآن قد أتى بالكليات والعموميات فيما يتعلق بهذا الحقل وتفسير هذه الكليات والإشارات إنما يكون على ضوء أحكام العقل ومعجزات العلوم والتأويل فظواهر النصوص هي السبيل إلى هذا التوفيق المنشود فإذا لم نر في القرآن ما يوافق صريح العلم اكتفينا بما جاء فيه من الإشارة ورجعنا إلى

التأويل إذ لا يمكن أن تأتي العلوم والمخترعات بالقرآن صريحة واضحة وهي في زمن التنزيل مجهولة من الخلق كامنة في الخفاء لم تخرج لحيز الوجود كما أن القرآن يجب أن يجل عن مخالفته العلم الحقيقي خصوصًا في الكليات""مسلمون ثوار" (٤١٢). إذن عندما يوهم نص ما تعارضه مع اكتشاف علمي أو نظرية جديدة يجب أن يؤول ذلك النص بما يوافق ذلك الاكتشاف أو تلك النظرية؛ لأن القرآن جاء بالعموميات فقط.
- ويقول: "الإسلام لا يمد نطاق علوم الوحي والشرع إلى كل الميادين الدنيوية التي ترك الفصل فيها والتفسير لعلوم العقل والتجربة الإنسانية "الدولة الإسلامية" (ص ١٧٢) فالنصوص الإسلامية الشرعية لا مدخل لها في بعض الميادين المدنيوية .. ما هي هذه الميادين؟ .. لم يحدد الدكتور!.
- ويقول أيضًا: "إن الإسلام الدين لم يعترف لبشر بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسلطة دينية فلقد انقضى زمن الوحي وبلغت الإنسانية سن الرشد وأوكلها الله إلى وكيليه عندها الكتاب -وهو القرآن الكريم- والعقل - الذي جعله الله من أجل القوى الإنسانية. بل أجلها على الإطلاق""الدولة الإسلامية" (ص ١٧٧) فمرجعنا إذن القرآن والعقل! (١).

* وهذه مواضع يقدم فيها محمد عمارة موقفه من قضية العقل:
الأول: أنه يقدم العقل على كل نص يدل على معجزة خارقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من البشر ويكتفي بالمعجزة العقلية الوحيدة للرسول" - صلى الله عليه وسلم - وهي القرآن الكريم. انظر مقال (ماذا تعني بشرية الرسول) (الهلال. ديسمبر ١٩٨٤) كاملاً.
.الثاني: إنكاره مجيء جبريل في صورة دحية الكلبي - رضي الله عنه -. يقول: "هل حقًّا أن بعض الصحابة قد رأى الملك جبريل وهو في صورة دحية الكلجي أثناء لقائه بالرسول - صلى الله عليه وسلم - إن في رواية البخاري عن أبي عثمان ما يدل على أن أم سلمة زوج النبي قد رأته وأنها قد حسبته دحية الكلبي حتى أنبأها النبي أنه جبريل وفي مسند أحمد بن حنبل ما يدل على أن عبد الله بن عباس قد رآه والرسول يناجيه .. لكننا لو عرضنا ذلك على معنى الوحي الذي هو إعلام في خفاء عمن عدا النبي وعلى معنى الناموس الذي سمى به جبريل لاستتاره عن غير النبي ملنا عن التسليم بأن أحدًا غير الرسول قد رأى الوحي والناموس ويدفع عنا الحرج في هذا الميل أن هذين الحديثين ككل أحاديث الوحي هي أحاديث آحاد". (مقال: الوحي الإلهي - الهلال ديسمبر ١٩٨٥).
الثالث: رده حديث افتراق الأمم المشهور عقلاً ولأنه حديث آحاد كما مر معنا في كتاب "تيارات الفكر الإسلامي".
الرابع: إنكاره الهدي. قال: "لقد كانت المهدية إبداعًا يستلهم الأسطورية التراثية التي جعلت من المهدي ذلك البطل الأسطوري الذي تُعده السماء لينتشل المجتمع من أزمته ويخلصه من مأزقه فيملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت بالجور والفساد! ""الطريق" (١٨٣). وقد صرح بذلك في كتابه "عمر بن عبد العزيز" (ص ١٥٠).
الخامس: إنكاره لحديث سحر اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد في "الصحيح"بدعوى أنه ظني متابعًا في ذلك الغزالي (١) أثناء ندوة عقدتها جريدة المسلمون - العدد (٢٧٦).
هذا ما عثرت عليه من أقواله التي عارض فيها العقل بالنقل تفصيلاً.

* ثناؤه على المعتزلة (١):
لم يصل الدكتور عمارة في تعظيمه للعقل كما رأيت إلا بعد أن تشرب بمبادئ المعتزلة وأُعجب بعقولهم. ويمكن أن يُعكس هذا فيقال إنه محبة عمارة للعقل وإيمانه بقدرته على قيادة الإنسان للهدى ساقه إلى تعظيم المعتزلة وإطرائهم وصرف أبصار قرائه إليهم لأنه وجد فيهم بغيته. وهكذا يقال في تيار الأفغاني كما سيأتي:
١ - يقول الدكتور في كتاب "نظرة جديدة إلى التراث" (ص ٩١): "كان التوحيد بمعناه النقي المبرأ من الشبهات هو الذي دعا المعتزلة لنفي القدم عن القرآن لأنهم ينفون الصفات عن الذات العلية حتى لا يكون هناك إقرار بقدم بهذه الصفات فيكون مع القديم قديم آخر".
٢ - يخصص الدكتور عمارة كتابًا كاملاً. هو "المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية"لنصرة قولهم بالقدر.
٣ - يكتب الدكتور فصلاً كاملاً بعنوان (المنزلة بين المنزلتين) في آخر كتاب "الإسلام والمستقبل" (ص ٢٥٦) لنصر قولهم بهذه البدعة، ويقول في آخره بلهجة داعية: "هل تستحق فكرة المنزلة بين المنزلتين هنا ما لم تظفر به فيما تقدم من التاريخ؟ ".
٤ - أما رجال المعتزلة (والقدرية قبلهم) فإن الدكتور يثني عليهم ثناءً حارًا وعلى مواقفهم ويعتبرهم من أفذاذ رجال الإسلام، وأصحاب الفكر
.المستنير في تراثنا.
- يقول عن غيلان الدمشي: "كانت حياة غيلان نموذجًا فريدًا يجسد الموقف الثوري من سلبيات مجتمعه كذلك كان مماته نموذجًا فريدًا يجسد سلبيات هذا المجتمع ويدين هذه السلبيات""مسلمون ثوار" (ص ١٤٩).
- ويقول عن عمرو بن عبيد أحد رءوس المعتزلة أنه: "علامة بارزة على طريق تطور العقل العربي المسلم وعلم من الأعلام الذين صنعوا النشأة الأولى للتيار العقلاني في تراثنا .. ""مسلمون ثوار" (ص ١٦١).
- ويقول عن الماوردي: "واحد من مفكري العرب وعلماء الإسلام الذين يمثلون علامة من العلامات البارزة والمتميزة على درب تطورنا الحضاري وتبلور تراثنا .. ""التراث في ضوء العقل" (ص ٥٦).
- ويقول عن ابن جني: "الرائد العملاق" (نظرة جديدة ٦٨).
- ويقول عن الجاحظ: "من أبرز العلماء والمتكلمين والأدباء ومفكري السياسة والاجتماع في عصره""التراث" (ص ٢٦٢).
وغير هؤلاء من رجال المعتزلة. لهذا يعد موقف أهل السنة من المعتزلة موقفًا ضد الدكتور عمارة في نفس الوقت؛ لأنه يُعَدُّ رجلاً من رجالهم في العصر الحاضر. برغم أنه لم يكتف بذلك بل أضاف إليه كثيرًا من البدع المعاصرة الأخرى. فازداد بدعة على أخرى!.
 
* يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه"تيارات الفكر الإِسلامي":
- لقد أصبح الواقع الفكري للحياة العربية الإسلامية يتطلب فرسانًا غير النصوصيين ويستدعي أسلحة غير النقول والمأثورات للدفاع عن الدين الإسلامي وعن حضارة العرب والمسلمين. وغدت الأمة العربية المسلمة تتطلع إلى نمطها الفلسفي المتميز الذي تدافع به عن بنائها الحضاري الخاص .. فلا بد من الاستجابة الإيجابية تجاه ما فرض عليها من تحديات" (ص ٦٧)، وكان المعتزلة "هم التجسيد للأسلحة الجديدة التي تسلحت بها الأمة دفاعًا عن حضارتها الوليدة ودينها الجديد أمام خصومها من أهل الملل والنحل والمذاهب والفلسفات الأخرى" (ص ٦٧).
- "يسلم الكثيرون بأن المعتزلة هم فرسان العقلانية في حضارتنا".
وأن هذه القسمة "قد تدعمت ونمت بترجمة فلسفة اليونان، ولكنها لم تبدأ بهذه الترجمة فالمعتزلة ومن قبلهم أسلافهم أهل العدل والتوحيد قد مثلوا في تطورنا الفكري بمراحله المبكرة عقل هذه الأمة الذي تأمل وتدبر كي يجيب على الأسئلة التي طرحتها الحياة على المجتمع والناس. فمنذ نشأتهم الأولى امتازوا وتميزوا بالنظر الفلسفي في أمور الدين. فهم إذن يمثلون تيارًا عقليًّا في الفكر العربي الإسلامي حتى قبل حركة الترجمة عن اليونان وغيرهم من القدماء" (ص ٦٩).
- "رفضوا طريق التقليد لأن التقليد كما يكون في الحق يكون في الباطل وكما يكون في الصحيح يكون في الفاسد، وكما يكون فيما ثبت بالدليل يكون فيما لا دليل عليه .. وهذا معلم هام من المعالم المميزة بينهم وبين أهل السنة وأصحاب الحديث" (ص ٧٢).
- "المعتزلة لم يكونوا فقط كما يظن الكثيرون. علماء في الدين وفلاسفة في الإلهيات وإنما كانوا فرسانًا في القتال وثوارًا في السياسة ومتبتلين في العبادة وزهادًا في عرض الدنيا ورجال دولة وأدباء وشعراء ورواة ونقاد""لقد كانوا أكثر من فرقة دينية كانوا علماء بالمعنى الحضاري بل وصناعًا للحضارة التي نفخر بها اليوم أليس عصرها الذهبي الذي نعتز به ونستدفئ بذكرياته وإنجازاته هو عصر الخلفاء الذين تمذهبوا بمذهب المعتزلة: المأمون والمعتصم والواثق" (ص ٧٢ - ٧٣).

- إن "المرجئة والجبرية الأموية كانوا أهل حشو يقفون عند ظواهر النصوص ومن ثم فلا جلد لهم ولا قدرة على جدل خصوم الإسلام بمنطق العقل وحكمة الفلسفة. أما المعتزلة فقد كانوا هم الفرقة الإسلامية التي تصدت للدفاع عن الإسلام ضد خصومه بل واتخذت موقع الهجوم على هؤلاء الخصوم" (ص ٧٣).
- ثم عقد الدكتور عمارة مبحثًا بعنوان "القوى الإيجابية التي مثلوها" (٧٥ - ٧٩) وخرج منه بأن "خريطة المواطن التي انتشر فيها فكر المعتزلة وسادتها نزعتهم العقلانية القومية كانت هي خريطة التجارة وطرقها ومواطن التجار ومحطاتهم" (ص ٧٩).
- ثم ذكر نماذج من مشاركاتهم السياسية وثوراتهم على حكام الجور وبين أن تلك الثورات تجسيد "لرفض القوى الاجتماعية المتقدمة لما أحدثه الأمويون من تغييرات في طبيعة السلطة العليا للدولة -الخلافة- تلك التغيرات التي بدلت فلسفة الحكم فبدلاً من الشورى والبيعة والاختيار أصبحت وراثة وملكًا عضودًا" (ص ٧٩ - ٨٠). ومنها: ثورة ابن الأشعث، ثورة الحارث بن سريج، ثورة زيد بن علي، ثورة يزيد بن الوليد، ثورة النفس الزكية، ثورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، ثورات الزيدية.
- ثم تعرض لأبرز تياراتهم وهما اثنان:
١ - تيار المعتزلة البغداديين وهي مدرسة العلويين ومؤسسها (بشر بن المعتمر).
٢ - تيار المعتزلة البصريين: وهو التيار "الذي توثقت صلاته بالدولة العباسية فأثر فيها وأضفى على مواقفها من فكره وأسهم في صنع الإنجازات الحضارية التي سطرت صفحة العصر الذهبي لحضارتنا وتراثنا في ذلك التاريخ" (٨٣) ومن أبرز رجالها: ابن أبي دؤاد وثمامة بن أشرس.
- ثم يذكر الدكتور أنه "بموت الخليفة العباسي الواثق انتهى العصر الذهبي للمعتزلة بل العصر الذهبي للدولة العباسية، وبدأت النذر بمرحلة التراجع. ففي عهد المتوكل العباسي حدث الانقلاب ضد المعتزلة ونزعتهم العقلانية فاقتلعوا من مناصبهم في الدولة وأبعدوا عن مراكز التأثير الفكري وزج بالكثير من أعلامهم في السجون وأبيدت آثارهم الفكرية إلا ما ندر منها. فتقلص سلطان العقل العربي الإسلامي على الحياة الفكرية والعامة وعزلت معاييره" (٨٤) "فنفر من أهل الحديث الذين يقدمون الإسناد والنقل على الدراية والعقل. خرجوا من السجون فتولوا أزمة الدولة قضاءً وتدريبًا وإدارة ووضع المعتزلة بدلاً منهم في السجون" (٨٤) واستمر اضطهاد المعتزلة وازداد في عهد القادر الذي وضع "الاعتقاد القادري"ووقع عليه "علماء السنة وأهل الحديث" (٨٥)، "ولقد أدخل هذا الكتاب في الإسلام كهنوتًا اعتقاديًّا مستعارًا من قرارات المجامع الكنسية غريبًا عن روح الإسلام وطبيعته".
- وتحت عنوان "صحوة ثانية"يذكر الدكتور عمارة أن الدولة البويهية الشيعية أفسحت للمعتزلة مجال الحرية لاتفاقهم معها في الأصول. ومن أبرز آعلام هذه الصحوة القاضي عبد الجبار. فاستمرت "أصولهم الفكرية قائمة ومؤثرة في الواقع العربي الإسلامي من خلال وجود الزيدية التي لا تختلف وإياهم إلا في بعض المسائل الفرعية المتعلقة بمسألة الإمامة. كما بقيت بعض أصول المعتزلة تعيش في الواقع العربي الإسلامي حتى الآن من خلال تبني الشيعة الإمامية لها أو اقترابها من رأي المعتزلة فيها" (ص ٨٧)، "لقد انقضت المعتزلة كفرقة، ولكنها استمرت نزعة عقلية وفكرًا قوميًّا وأصولاً فكرية من خلال فرق أخرى تأثرت بها ومن خلال البصمات التي طبعتها على المجرى العام الخالد والمتدفق والمتطور لفكر العرب والمسلمين" (ص ٨٧).

* ثناؤه على تيار الأفغاني:
- يقول سليمان بن صالح الخراشي:
"قد اخترت تسميته بهذا الاسم دون أن أسميه كغيري (المدرسة العقلية)

أو (المدرسة الإصلاحية) أو (مدرسة التجديد الديني) .. لأني أظن أن ظهور هذا التيار بين الرجال الذين آمنوا به إنما كان لمجهود هذا الأفغاني الذي بشر بدعوته بينهم فاعتنقوها. ومن بين هؤلاء الرجال الذين اعتنقوا فكر هذا التيار بعنف ولكنه لم يحظ بمشاهدة رجاله الأوائل أي أنه من تابعيه لا من صحابته الدكتور عمارة الذي ولع قلبه بحب هذا التيار ورجاله وأصبح يلهج بذكرهم في كل محفل وفي كل فرصة تسنح له ومن تتبع كتبه ومقالاته علم أنه لا يحيد قيد شعرة عما قرره في شتّى المسائل: القومية، الوطنية، الاشتراكية، العقلانية .. إلخ. فهو معهم كمن قال في محبوبته السوداء:
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب!
فتيارهم عنده هو "التيار السلفي العقلاني المستنير"وهو "الذي كان أبرز تيارات التجديد في حركة اليقظة العربية في العصر الحديث""العرب والتحدي" (٢٩١) " (١).
- وفي كتابه "تيارات الفكر الإسلامي"تحت عنوان "الجامعة الإسلامية السلفية .. العقلانية المستنيرة" (ص ٢٨٥ - ٣٤٠) قال:
"هذا التيار هو الذي بدأه فيلسوف الإسلام وموقظ الشرق جمال الدين الأفغاني وتجسّد فكرة وخاصة ما تعلق بتحرير العقل والإصلاح الديني في الآثار الفكرية والجهود العملية للإمام محمد عبده، وكان جناحه في المشرق العربي المفكر عبد الرحمن الكواكبي وفي المغرب العربي عبد الرحمن ابن باديس ومن حول هؤلاء جميعًا عرفت الأمة أقوى تيارات التجديد واليقظة في عصرها الحديث وأكثرها أصالة ومستقبلية أيضًا! " (ص ٢٨٥).
- بهذه العبارة بدأ الدكتور عمارة حديثه عن هذا التيار ثم أزال شبهة قد تعلق بذهن بعض الناس وهي تساؤله "كيف يكون هذا التيار الفكري سلفيًّا ومستنيرًا في ذات الوقت؟ والاستنارة تعني ضمن ما تعني المستقبلية وهو ما يبدو نقيضًا للسلفية بل وإياها على طرفي نقيض" (ص ٢٨٥) ولإزالة هذه الشبهة أخذ الدكتور عمارة يقارن بين سلفية جمال الدين الأفغاني وسلفية محمد بن عبد الوهاب أو الوهابية كالآتي:
"كانت السلفية عند الوهابية كما كانت عند تراثها في فكر أحمد بن حنبل وابن تيمية الوقوف عند ظواهر النصوص الدينية، وجعل المعاني المستفادة من هذه الظواهر المرجع في كل من أمور الدين وأمور الدنيا .. فهي قد وقفت عند مفهوم الإسلام كدين كما كان حال هذا المفهوم في عصر البداوة والبساطة للأمة العربية، وقبل التطورات العلمية والإضافات العقلية التي استدعتها صراعات الأمة الفكرية مع الملل والنحل غير الإسلامية بعد عصر الفتوحات ومن ثم فإن السلفية بهذا المعنى تسقط من تراثها العلوم العقلية والتصوف الفلسفي وتعتبر كل ذلك (بدعًا) طرأت على الإسلام كما فهمه السلف الصالح.
أما السلفية لدى التيار الذي تزعمه الأفغاني ومحمد عبده فإنها ليست كذلك تمامًا؛ لأنها تأخذ عقائد الدين وأصوله على النحو النقي المبرأ من الخرافات والإضافات وهي هنا سلفية تتفق مع الوهابية وخاصة في إزالة شبهات الشرك والوثنية والتوسل والوسائط عن عقيدة التوحيد لكنها لا تقتصر في فهمها للإسلام كحضارة وتراث على فهم السلف الصالح له لأن الإسلام كحضارة وعلومه العقلية والفلسفية ومذهبه في التصوف الفلسفي كل ذلك قد حدث بعد عصر السلف، وقد حدث لأن ضرورات موضوعية اقتضته ومن ثم فإن هذا التيار لا يسقط هذا التراث من تراث الإسلام ولا يعتبره بدعًا سيئة لأنه يحدد إطار البدع السيئة بما يجعلها خاصة بأصول الدين وعقائده الجوهرية. ففيها لا ابتداع ولا تطوير مهما اختلف الزمان والمكان. أما في الإسلام كحضارة وعلوم فإن التطور دائم والإضافات مستمرة ومن ثم فإن الابتداع هنا حسن وليس بالسيء كما هو الحال في أصول الدين" (ص ٢٨٦).
- "سلفية الوهابية التي وقفت عند المأثورات وحدها، وعند فهم السلف وحدهم لهذه المأثورات قد جعلت من المأثورات الكل الذي لا شيء وراءه، ونقطة البدء والمنتهى سواء في عقائد الدين أو في أمور الدنيا، وقد يكون لها العذر؛ لأن بداية مجتمعها لم تكن تطرح من القضايا والمعضلات ما يتجاوز إطار المأثورات .. أما التيار السلفي العقلاني المستنير فلم يكن ذلك حاله ولا موقفه؛ لأنه قد نبت في أكثر البيئات العربية الإسلامية تطورًا، وأشد مجتمعات الأمة تعقدًا، وهو قد استشرف بناء مجتمع عربي مسلم أكثر تطورًا وتحضرًا، ومن ثم أشد في درجات التعقيد" (ص ٢٨٧).
- "والتقليد الذي يفضي إلى الجهود .. لقد عابته سلفية الوهابية، ولكن غضها من قيمة العقل قد أوقعها في خطر التقليد وحبسها في إطاره على حين وجدنا إعلاء تيار الأفغاني وتلاميذه لشأن العقل قد جعلهم حربًا معلنة وضارية ضد التقليد والمقلدين" (ص ٢٨٨).
- "وسلفية الوهابية وقريب منها أو مثلها - سلفية الشيخ رضا لاعتمادها على النقل دون العقل أو أكثر من العقل ولتعميمها ذلك في شئون الدنيا أيضًا جعلت من التجديد دعوة للعودة إلى مجتمع السلف ونظمه وتشريعاته فضلاً عن فكره فهي عودة إلى السلف وإن تفاوتت صراحتها في هذه الدعوة بين دعاتها في البادية حيث كانت هذه العودة ليست بالأمر المستحيل وبين دعاتها في الحضر كما عند رشيد رضا حيث جعلها الغاية التي تؤدي إليها وسائل مغلقة بالغموض والتعميم! أما سلفية التيار العقلاني المستنير فهي لا تدعو للعودة إلى مجتمع السلف؛ لأنها تدرك استحالة ذلك فضلاً عن خطره وضرره، وإنما هي تدعو إلى استلهام ما هو جوهري ونقي -أي الدين الخالص- في تراثنا ليكون نقطة البدء والطاقة المحركة والنبع المقدس لدفع عجلة التطور إلى الأمام، ولبناء مجتمع جديد جدة الواقع والظروف  والاحتياجات والملابسات فالسلفية هنا أساس بني عليها البناء الجديد"ص (٢٨٨).
- "على حين كانت السلفية الوهابية تضع التصوف والصوفية في عداد الشرك والمشركين هكذا بإطلاق رأينا الأفغاني ومحمد عبده يتحدثان عن ابن عربي بإجلال كبير فيلقبانه بالشيخ الأكبر ووجدنا الأفغاني يحتل مكان الفيلسوف المتصوف الذي امتزجت فيه حكمة الفيلسوف برياضات الصوفي فهو صوفي خلع الملابس المرقعة وعدل عن حمل المسبحة الطويلة وانخرط في حركة التجديد بالإصلاح وجعل من العقل -كما أراد الله سبحانه- أفضل القوى الإنسانية ومعيار إنسانية الإنسان فكان فيلسوفًا يسلك إلى التجديد والإصلاح والثورة للفرد والأمة مجاهدات ورياضات هي أشبه ما تكون بمراقي الصوفية الحكماء على الطريق" (ص ٣٠٦) فهو تيار "يتفق مع سلفية الوهابية في رفض البدع والوسائط التي شابهت عقيدة التوحيد عند الطرق الصوفية، ولكنه يختلف معها في تقييمه للتصوف كنمط تربية وسلوك وكحكمة فلسفية" (ص ٣٠٦).
- تيار يرى في السلطة الدينية "عقيدة من عقائد الكاثوليكية الأوربية جعلتها كنيستها أصلاً من أصول المسيحية وأتاحت بذلك للملوك أن يجمعوا السلطتين "المدنية السياسية، والدينية"في نظام واحد وشخص واحد" (ص ٣١٠).
"وهو يرد على الذين يزعمون أن الإسلام يشبه المسيحية في هذا، ويقول: أن زعمهم هذا ضلال منهم" (ص ٣١٠).
- على الرغم من أن أعلام هذا التيار التجديدي قد فكروا وعملوا تحت رايات دعوة "الجامعة الإسلامية"وحركتها إلا أنهم قد كانوا من أبرز طلائع الفكر القومي والفكرة العربية في ذلك التاريخ (ص ٣١١)؛ لأن العروبة "ليست عرقًا ولا نسبًا وإنما هي لغة وآداب وتكوين نفسي وحضارة وولاء  وذلك كله أمر مكتسب وليس وقفًا على التوارث المحكوم بنقاء الدم الجاري من الأصول إلى الفروع. وهذا الأمر المكتسب هو الذي نعبر عنه بالتعرب والتعريب والاستعراب، وهو ما حدث لأبناء الشعوب التي قطنت في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بعد عصر الفتوحات سواء منهم من دان بالإسلام أو بقي على دينه القديم" (ص ٣١٤)، "فالرباط القومي ليس هو العرق والجامعة القومية ليست هي الدين وإنما هي العروبة بالمعنى الحضاري" (ص ٣١٤).
- "ومن الأمور التي تؤكد وعي هذا التيار التجديدي بالطابع القومي والمعنى القومي عند استخدام أعلامه لمصطلح العرب أنهم قد تحدثوا عن الأمة العربية باعتبارها قومًا يتدين أهله بأكثر من دين ويتمذهب بأكثر من مذهب" (ص ٣٢٣)، وهم في كل هذه الجهود القومية العربية يواجهون تحدي الدولة العثمانية والأتراك الذين "رفضوا أن يتعربوا وآثروا التمسك باللغة التركية وهي لغة لا حضارة لها إذا ما كانت المقارنة بينها وبين كنوز العرب وتراث لغتهم" (ص ٣١٦).
- وهو تيار "مع الديمقراطية ضد الاستبداد" (ص ٣٢٧) فتحدى "الاستبداد بالسلطة والتفرد بأمر الأمة" (ص ٣٣٠) و"دعا الأمة إلى استلهام تراثها في الحرية والشورى والاسترشاد بتجربة أوربا في الديمقراطية تصديًا لتحدي الاستبداد وأخذًا بأسباب الانعتاق من قفص الاستعباد العثماني والاستعمار الأوربي على السواء! " (ص ٣٣٠).
- وهو تيار ضد الاستعمار، ولكن "عداء هذا التيار التجديدي للاستعمار لم تشبه شائبة أي تعصب ديني ضد مسيحية الغرب التي يتدين بها المستعمرون" (ص ٣٣٥)، بل "واجه هذا التيار التجديدي تحدي الاستعمار الأوربي الذي زحف على أقطار العروبة وبلاد الإسلام" (ص ٣٣٥).
- انطلق هذا التيار لتجديد حضارتنا من عدة منطلقات:
١ - أن حضارتنا تتميز "بالموقف المتوازن والموازن بين المتناقضات"مما يعطيها "ميزة ويعصمها من مخاطر وأخطار يشكو منها الآخرون" (ص ٣٣٦).
٢ - وأمتنا "ليس من السهل تجريدها من ثوبها الحضاري والقذف بها تحت عباءة الآخرين .. ! بل قد يستحيل ذلك حتى لو أراد نفر من بنيها مخلصين كانوا أم مخادعين! " (ص ٣٣٦).
٣ - "أن الدعوة إلى حضارة عربية إسلامية متميزة لا يعني تقديس الماضي ولا العودة إليه كي نعيش في نظمه وقوالبه بل ولا الأخذ بجميع أصوله .. وإنما الذي تعنيه هذه الدعوة هي الأخذ ببعض الأصول الثابتة التي تمثل القسمات المميزة للشخصية العربية الإسلامية، وهذه الأصول التي تحمل صلاحيات معاصرة وتمثل قوة دفع وطاقة تحريك للأمة نحو التقدم" (ص ٣٣٦).
٤ - "كما خالف هذا التيار السلفية غير العقلانية وغير المستنيرة تلك التي وقفت عند ظواهر النصوص سواء أكانت نصوص العصر الأول أو العصور المملوكية العثمانية اختلف كذلك وخالف التيار الذي انبهر بحضارة الغرب فدعا إلى أن نبدأ من حيث انتهى الغرب" (ص ٣٣٨).
- مما سبق عرضه من كتاب "تيارات الفكر الإسلامي"يتبيّن انحياز الدكتور عمارة الواضح لمنهج هؤلاء العقلانيين لا سيما وهو القائم على إصدار أعمالهم كاملةٌ بعد جمعها من مظانها وهو مجهود لا يفعله إلا محب ولهان.
في حبكم يهون ما قد ألقى ... ما يسعد بالنعيم من لا يشقى
- يقول الشيخ سليمان الخراشي صاحب كتاب "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة":
"يدعو الدكتور الأمة الإسلامية ويستحثها على السير في ركاب هذا التيار قائلاً -وما بين الأقواس إضافة مني-: "الموقف المتميز لمدرسة التجديد الديني هذه يستطيع إذا نحن التزمناه واعين ومطورين له أن يقود هذه الأمة إلى: نهضة تصل غدها الذي نريده مشرقًا بماضيها المشرق! وعقلانية معاصرة تكون الامتداد المتطور للعقلانية التي صنعها أسلافنا (يعني بهم المعتزلة! ) والتي أضاءت أرجاء الأرض منذ قرون ولعدة قرون! وعدلاً اجتماعيًا (يعني الاشتراكية! ) يكون الصورة العصرية الملائمة لحلم الإنسان العربي المسلم بالعدل على امتداد تاريخه الطويل! ووحدة وطنية وقومية راسخة مؤسسة على قواعد تراثنا الديني والحضاري .. وليس على أنقاض هذا التراث. نعم .. إلى هذه النهضة وإلى هذه الغايات السامية تدعونا وتقودنا مدرسة التجديد الديني فهل نجيب ونستجيب؟ أم نظل ممزقين بين التغريب وفقر الفكر (من يعني؟ ستعلم بعد حين! ) وانحطاط التصورات لدى أنصار عصر المماليك والعثمانيين""التراث" (ص ١٩٥).
ويقول: "أنا قد حققت من تراثنا القديم نصوصًا في الفكر العقلاني للمعتزلة وابن رشد مثلاً - ومن تراثنا الحديث الأعمال الفكرية لأبرز الأعلام الذين صنعوا عصر اليقظة والتنوير والإحياء لأمتنا العربية في عصرها الحديث وهذا الاختيار ينطبق عليه ما قاله أسلافنا القدماء من أن اختيار المرء قطعة من عقله .. فأنا أريد أن أقول بهذا الاختيار أن حاضرنا ومستقبلنا حضاريًّا يجب أن يكون الامتداد المتطور العصري للصفحات التي مثلت إبداع أمتنا وعطائها الخلاق فيعصر ازدهارها الحضاري .. وإن قسمة العقلانية والعروبة هي من أهم القسمات التي يجب أن نحرص على تميز فكرنا بها وانطباع حضارتنا بطابعها""التراث" (ص ٢٨٢).
- لقد أُعجب الدكتور عمارة بهذا التيار والأفغاني ومحمد عبده خاصة، ووقف عمره على خدمة تراثهم منذ سنوات الدراسة الجامعية، وكتبه كلها 

ترديد لأفكاره بعد إلباسها الثوب الناسب لهذه المرحلة.
لقد أندفع د. عمارة بكل قواه العقلية لنصر هذا المذهب رغبة في أن يعم أرجاء مصر بل أرجاء البلاد العربية، والأفكار الرئيسية لهذا التيار تكررت في كتب الدكتور وهي:
١ - وحدة الأديان. ٢ - الوطنية. ٣ - القومية ٤ - العلمانية. ٥ - الاشتراكية. ٦ - التقريب بين السنة والشيعة. ٧ - تحرير المرأة. ٨ - خبر الآحاد. ٩ - تقديم العقل على النص وقد سبق الحديث عنها.
١ - وحدد الأديان: أظن أخي القارئ أنك ستصاب بصدمة كبرى عند قراءتك لكتاب "الإسلام والوحدة القومية"للدكتور عمارة والذي ردد فيه أخطر آرائه. فهو يدعو فيه إلى وحدة الأديان وأن اليهود والنصارى ناجون يوم القيامة، وإن لم يؤمنوا بالإسلام أو برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنك لم تتصور أن تبلغ الجرأة بهذا. الدكتور أو المفكر الإسلامي أن يقول بمثل هذا القول المناقض لآيات القرآن ولأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المصرّحة بكفرهم بل والمناقضة لإجماع الأمة كلها عالمها وجاهلها (١) فما الذي جر الدكتور إلى هذه الزلة العظيمة والبدعة الشنيعة؟ ستعلم عن قريب أن الذي قاده إلى ذلك هو دعوته إلى الوطنية وإلى القومية، وهاتان الفكرتان اضطرتاه أن يقول بوحدة الأديان ليساوي بين أبناء وطنه أو قومه لا يفخر أحد على أحد! فإنما أكرمهم عند الله ليس أتقاهم بل أكثرهم وطنية وقومية! وهذه الدعوة إلى وحدة الأديان لم يبتدعها الدكتور عمارة من تلقاء نفسه بل هي دعوة قديمة شاذة استخدمها الدكتور لخدمة وطنيته وقوميته.
.* استدلالات الدكتور عمارة:
يستدل الدكتور بعدة أدلة:
١ - قوله: "دين الله واحد .. وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} لكن الإسلام الذي هو دين الله الواحد ليس هو فقط كما يظن البعض شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ليسوا فقط أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن فارقًا واضحًا وهامًا بين عقائد الدين وأصوله وهي واحدة -وبين شرائعه ومناهجه- وهي بتعدد الرسالات والمجتمعات التي بشر فيها الرسل عليهم السلام""الإسلام والوحدة" (ص ٦٠). ثم يستشهد بوصف الله تعالى للأنبياء إبراهيم وذريته بأنهم مسلمون .. وهم قبل الإسلام .. !.
٢ - قوله: "لم تكن دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى دين جديد، بل كانت إلى ذات الدين الواحد، وإن كان قد جاء بشريعة جديدة، أي نهج جديد .. والقرآن الكريم يحدثنا عن ذلك عندما يعلمنا قول الله سبحانه: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٦، ١٣٧] فمن يؤمن، كأتباع محمد، بكل ما نزل الله، قرآنًا فما سبقه، وبكل الرسل، منذ بدأت الرسالة وحتى ختامها بمحمد، عليه الصلاة والسلام، فهو "المهتدي"، ومن يترك الإيمان بشيء مما سوى "التوحيد"و"الطاعة". فهو في "شقاق"وهو "كافر"أي جاحد بهذا الذي لم يؤمن به. ولكنه غير مشرك؛ لأنه متدين. وموحد. بل ومسلم .. ولذلك طلب القرآن إلى الرسول أن يدع أمر هؤلاء إلى الله {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} بينما طلب إليه قتال المشركين كافة كما .. قاتلوا المؤمنين. كافة! ""الإسلام والوحدة" (ص ٦٢٥).
٣ - قوله: "إن توهم إمكان توحد أهل الأديان السماوية أو بالأحرى أهل الشرائع السماوية على شريعة واحدة وملة واحدة وتحولهم من أمم مؤمنة ومتعددة إلى أمة مؤمنة واحدة إن توهم إمكانية ذلك ومن ثم السعي إلى تحقيقه خصوصًا إذا كان هذا السعي بغير المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة هو معاندة لإرادة الله سبحانه، وسعي ضد سنته التي لا سبيل إلى تبديلها أو تغييرها. إرادة الله وسننه مع تعدد الأمم والشرائع وما نسميه تجاوزًا الأديان وليس مع وحدتها وتوحيدها .. إنها مع التعدد والاختلاف لا مع الوحدة والاتحاد! ""الإسلام والوحدة" (ص ٧٠).
٤ - قوله: "لما تحاكم اليهود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب الله منه أن يحكم بينهم بشريعتهم ويقضي فيهم بأحكام التوراة، وكذلك طلب أن يكون تحاكم النصارى إلى الإنجيل والحكم بينهم بما فيه تمامًا مثلما طلب أن يكون تحاكم المسلمين إلى القرآن والحكم بينهم وفق آياته .. ونبه في وضوح وحسم على أن لكل أمة وملة من هذه الملل شريعتها ومنهاجها فوحدة الدين حق ومن الحق أيضًا تعدد المناهج والشرائع بتعدد الأمم والرسالات""الإسلام والوحدة" (ص ٧١).
٥ - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
٦ - قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى .. } الآية.
٧ - قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ   لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ .. } الآيات. ثم قال عقبها: "ومن مفسرى القرآن الكريم من يقول إن المراد: ما أنزل إليهم من ربهم: كتب أنبيائهم وليس القرآن" (ص ١٤٤).
٨ - قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال بعدها: "والقرآن يستخدم هنا فعل المضارعة وهو المعبر عن الفعل الواقع في الحال والمستمر للمستقبل" (ص ١٤٤).
٩ - قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ .. }. قال: "فهم مؤمنون بكتابهم ولذلك ميزهم الله عن الجاحدين الكافرين" (ص ١٤٥).
١٠ - قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .. } الآيات.
- هذه الأدلة السابقة هي في نظري كل ما عند الدكتور حول عدم تكفير اليهود والنصارى. أما أدلة أهل الإسلام على كفرهم فإنه عرض بعضًا منها وأعرض عن بعض! تدليسًا وتلبيسًا على القارئ. فأوهمنا بأن المكفِّرين لهم -وهم جميع الأمة- لا دليل عندهم إلا ما ذكره الدكتور مما يُمكن تأويله والإجابة عنه.
فذكر من حجج المكفرين لهم:
١ - الجزية.
٢ - الزي الخاص.
٣ - وقف بناء الكنائس.
٤ - قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}.
٥ - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}.

٦ - قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ}.
٧ - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}.
٨ - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}.
أما الأحاديث فلم يذكر شيئًا منها؛ لأنها لا حجة فيها عنده إلا كما يُحَجُّ البوذي بها! فلذلك اجتنبها.
- فهذا ما ذكره الدكتور من أدلتنا على كفر اليهود والنصارى؛ ولكنه ترك الآيات والأحاديث الصريحة في ذلك، واكتفى بهذه كما قلت؛ لأنه يمكن الإجابة عليها بسهولة، وأما تلك فيعجز عن دفعها، وهذا دليل على تلبيس الرجل لنصره بدعته ويعلم الله أني لم أتوقع أن يأتي اليوم الذى أرد فيه على من يزعم إيمان اليهود والنصارى؛ لأن هذه القضية قد حسمها القرآن عندنا نحن المسلمين واستقر ذلك في أعماق أمتنا لا يزيغ عنه إلا هالك! وكم تأسفت أن يأتي في هذا الزمان من اسمه (محمد) ليزكي أولئك الكفرة أعداء الإسلام ويعطيهم العهد بدخول الجنان، ولكن ما دام الدكتور قد أفصح عن بدعته وأرصد لها المقالات والكتب فلا بد من مناقشته فيها لعله يتعظ ويرجع عنها قبل فوات الأوان، ومناقشتي للدكتور ستكون على هيئة أوجه متتالية تسهيلاً لي وللقارئ وسأكتفي بالأدلة الصريحة التي لا تحتمل التأويل في عدم كفرهم؛ لأن الدكتور قناص ماهر لهذه الثغرات.
الوجه الأول: في الأدلة من القرآن على كفر النصارى وهي كثيرة جدًا وسأكتفي بأوضحها دلالة:
١ - قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ١]. 

- قال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان، والنيران من العرب (١).
ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم ولو رغم أنف الدكتور في نار جهنم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
- قلت: قد يوحي الشيطان إلى الدكتور أن هذه السورة في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم - كما يزعم الذين خرجوا عن الأمة الواحدة، أو لم يقيموا دينهم مثلاً، لا أستبعد ذلك منه، فيقال: لو صح ما تقول -وهو خرافة إبليسية- لقيل لك إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا طيبهم -عندك- وخبيثهم وهذا بين، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمنًا! وهذا ما لا تقول به باعترافك لأنه لم يقر بالتوحيد ولأنهم كلهم محاربون للدين الجديد.
٢ - قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.
٣ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]، الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين. ٤ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}.
٥ - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١٥٠ - ١٥٢].
- قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد - صلى الله عليه وسلم - والسامرة لا يمؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يمؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله {يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا ومسلكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛ لأنه ليس شرعيًّا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه لو نظروا حق النظر في نبوته" (١). قلت: وهذه الآية أعتقد أنها قاصمة الظهر للدكتور .. فأين المفر؟.
٦ - قال تعالى عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.
٧ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}.
٨ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا} [النساء: ٤٧].
- قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا" (٢).
٩ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا. ثم في هذه الآية أمر لنا بالإيمان بالكتب السابقة. أفلا يُستغرب أن نؤمر بالإيمان بكتبهم ولا يؤمرون كما يرى الدكتور بالإيمان بكتابنا والرب واحد؟
١٠ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي  بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ .. } الآية. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} قلت: فإذا كفتهم رسلهم فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؟.
١١ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
١٢ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}.
١٣ - قال تعالي: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى!
الوجه الثاني: مما يشهد على كفرهم من السنة: وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن؛ لأن الدكتور لا يؤمن إلا به!.
١ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"قال النووي: "وقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم" (١).
٢ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" (٢).
.- قلت: أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه - صلى الله عليه وسلم -.
٣ - عن أبي موسى "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل -وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -" (١).
- قلت: والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى، ثم رجع إلى دينه قتل؛ لأنه مرتد ولم يقل أحد كالدكتور أن الأديان كلها توصله إلى النجاة. وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره. ثم لو تأملنا قول الدكتور لوجدناه يلغي كتبًا وأبوابًا في الفقه الإسلامي بعنوان "حكم المرتد"!.
الوجه الثالث: إن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى، ولم يشذ أحد منهم غير من ذكرناه من غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع": "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا" (٢).
- وقال ابن تيمية: "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة" (٣).
وقال: "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم" (٤).
 
.وقال: "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام" (١)
الوجه الرابع: أن يقال هذا القول منك قد ناقضته كعادتك بنفسك! بل وفي كتابك هذا "الإسلام والوحدة القومية"! وهذا من أطرف ما عثرت عليه من تناقضاتك الكثيرة فقد قلت فيه: "إن الإسلام على الرغم من أنه دعوة للبشر أجمعين إلا أن سنن الله في الكون وقوانينه لن تتبدل أن يظل الخلاف والاختلاف والتمايز قائمًا بين البشر في الدين .. فلن يجتمع الناس على دين واحد .. ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى أن يكره الإنسان إنسانًا على الدخول في دينه .. ومن يحب النجاة لأخيه ويتمنى أن يقاسمه نعيم الجنة فأولى به أن يسلك لهدايته طريق الحكمة والموعظة الحسنة لا طريق الحرب والسيف والعنف والإكراه"فقد اعترفت بعدم دخولهم الجنة!!.
الوجه الخامس: يقول الشيخ عمر الأشقر -حفظه الله-: "قد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في طريق وسط بزعم التوفيق وأخبر أن هذا فعل المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (٢).
٢ - محمد عمارة والوطنية:
١ - مر معنا أن الدكتور عمارة يرى نجاة اليهود والنصارى يوم القيامة إذا تمسكوا بدينهم الآن ولو لم يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام وهذا تمهيد منه للوطنية وأن المسلم المصري لا يفرق بين المسيحي واليهودي المصري إلا  .بالشريعة التي أراد الله بحكمته أن تتنوع بين البشر. فلا فرق بيننا إذن عند الله .. وبعد أن قرر الدكتور هذا سهل عليه أن يقول ما شاء في الوطنية.
٢ - يقول الدكتور: "عندما هاجم المستعمرون الإنجليز مصر سنة ١٨٠٧ بحملتهم التي قادها الجنرال فريزر لم يكونوا يعتمدون مثلاً على أقلية من الأقليات الدينية التي تعيش في مصر .. وإنما كان الذين تعاونوا مع الحملة الإنجليزية الفاشلة هم أمراء المماليك بقيادة الألفي بك .. وهم الأمراء الذين لم تكن تربطهم بأهل البلاد روابط حضارية ولا قومية ولا عرقية، ولم يكن بينهم وبين المصريين سوى رابطة الدين""نظرة جديدة" (٢٢٨) أي أن الدين في نظره أقل تأثيرًا من رابطة الوطنية.
٣ - يقول عن رفاعة الطهطاوي: "الناس عنده لا ينقسمون إلى مؤمنين وكافرين وإنما ينقسمون على أساس من التحضر والتمدن وليس على أساس من العقائد والأديان. فيحدثنا هذا الشيخ في كتابه "تخليص الإبريز"عن انقسام "سائر الخلق"إلى عدة مراتب:
"المرتبة الأولى: مرتبة الهمل المتوحشين .. المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين .. والمرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر .. ".
وعندما يوزع الشعب على هذه المراتب الثلاثة، يضع بعض الشعوب المسلمة، الذين "يعرفون الحلال من الحرام .. وأمور الدين .. غير أنهم لم تكمل عندهم درجة الترقي في أمور المعاش والعمران والصنائع البشرية والعلوم العقلية والنقلية .. " -مثل عرب البادية- يضع هؤلاء المسلمين في مرتبة "البرابرة الخشنين" .. بينما يضع "بلاد مصر والشام واليمن والروم والعجم والإفرنج والمغرب وسنار وبلاد أمريكة، على أكثرها، ومحيط"يضعها في مرتبة "أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن.

إيران والسعودية: نحو تهدئة ضرورية

$
0
0

القيادة السعودية 2014

يتصدر الصراع السعودي - الإيراني رأس قائمة الصراعات الإقليمية منذ عقد من الزمان، بحيث أصبح هذا الصراع علماً على ساحات المنطقة الساخنة والمشتعلة بالوكالة من العراق شمالاً وحتى اليمن جنوباً، ومن البحرين شرقاً حتى لبنان غرباً. تعددت أسباب الصراعات الداخلية في كل بلد، ولكن الناظم لها في سلسلة الصراع الأكبر والرئيس ظل واحداً: المصالح المتضاربة لطهران والرياض. لم تفلح الانتفاضات الشعبية العربية في الانتقال بالحراكات السياسية إلى آفاق أكثر رحابة في السنوات الثلاث الماضية التي اندلع فيها «الربيع العربي»، ومع فورة الأحلام في مرحلته الأولى، إذ عاد بعدها الصراع السعودي - الإيراني، أو السني - الشيعي، ليحتل موقعه كمحدد أساس لصراعات المنطقة. راهناً، ترتفع راية الصراع الإقليمي الرئيس فوق المبارزات والحراكات والصراعات المحلية: الانتخابات البرلمانية العراقية والانتخابات الرئاسية اللبنانية، وصولاً إلى مصالحة «فتح» و«حماس» ومنها إلى الساحة الأبرز للصراع السعودي - الإيراني أي سوريا. تأسيساً على ذلك، تبدو العلاقات السعودية - الإيرانية مجسدة وملخصة لتوازنات المنطقة؛ إذ يعد تقليب النظر في طبيعتها مؤشراً دقيقاً على مآلات الصراعات المحلية وارتباطاتها وتقلباتها بعضها ببعض. ومع احتدام الصراع بين الرياض وطهران، تذهب هذه السطور إلى أن هناك مصلحة موضوعية وأخرى مشتركة سعودية - إيرانية في لجم هذا الصراع وتلطيف حدته كل لأسبابه الذاتية، بحيث يكون الحل السياسي في سوريا مفتاحاً لتسويات إقليمية كبرى.

إيران في العيون السعودية

تعتقد الرياض أن الاتفاق الإيراني - الأميركي حول الملف النووي سيعبد الطريق أمام رفع العقوبات الاقتصادية على إيران ويطلق يديها أكثر في صراعات المنطقة، ولكنه سيعني في الوقت نفسه تبدل موازين القوى داخل إيران لمصلحة رموز الاعتدال الإيراني رفسنجاني وروحاني. كما أن التقدم في هذه المفاوضات سيعني - حكماً - تراجع مواقع المؤسسة الأمنية الإيرانية بقيادة الحرس الثوري في إدارة الملفات الإقليمية، لمصلحة إدارة روحاني ومن خلفه رفسنجاني. لا تعتقد الرياض بوجود مشكلة أساسية مع هذا الفريق، لا سيما أن السعودية أبرمت اتفاقات أمنية كبرى مع إيران في عصر رفسنجاني وتفاهمات سياسية في عصر الرئيس الأسبق خاتمي. صحيح أن موازين القوى الإقليمية وقتذاك لم تكن على هذه الشاكلة، ولكن رفسنجاني وخاتمي كانا شريكين مقبولين سعودياً. تغير الأمر في فترة أحمدي نجاد كثيراً، لكن الأخير لم يعد في السلطة الآن، وليس من مصلحة إيران أن يشتد تياره مرة أخرى فتتراجع صورة إيران المتحسنة في العالم بعد خروجه من معادلات السلطة. وبالرغم من أن تقدم المفاوضات الإيرانية - الأميركية يقوض مصالح السعودية في المنطقة، إلا أن هذا التقدم يصعد في الوقت ذاته بحظوظ الفريق المعتدل داخل الدولة الإيرانية، وهي نتيجة جيدة للرياض. وتقود النظرة المتأنية للأمور إلى نتيجة مفادها أن هناك نافذة للخطر وباباً للفرصة يفتحان أمام السعودية مع تقدم هذه المفاوضات الإيرانية - الأميركية. ستحتاج إيران إلى بعض الوقت والكثير من النجاح في المفاوضات مع أميركا كي تبدأ في جني ثمار رفع العقوبات، وحتى ذلك الحين، سيكون الانتباه الإيراني مركزاً نحو الداخل وتكريس توازنات جديدة في مفاصل الدولة الإيرانية وعملية صنع القرار الإقليمي. وبالتالي، فمن الأفضل - من المنظور الإيراني - اجتراح تهدئة إقليمية مع السعودية لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، ولتخفيف حدة التوتر الناجم عن تدوير الزوايا الإلزامي بين المؤسسات المختلفة. كما أن التهدئة مع السعودية ستدفع العلاقات الإيرانية - الأميركية إلى أمام، خصوصاً أن أوباما يتحسب خطواته الانفتاحية حيال إيران ويحتاج إلى دعم إقليمي للمضي في سياساته الشرق أوسطية.

السعودية في العيون الإيرانية

تواجه السعودية بدورها تحولات داخلية لا تقل عما تواجه إيران، بل ربما تكون الأخطـر منذ تاريخ تأسيس المملكة العام 1932. وبالتوازي مع التحولات الداخلية، تظهر تهديدات ناجمة عن تبدل الإطارين الدولي والإقليمي، وبالتالي، تحتاج السعودية إلى تهدئة أو مصالحة مع غريمتها الإقليمية، ريثما تتمكن من ترتيب أوضاعها الداخلية. داخلياً، أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله قراراً ملكياً بتنصيب الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد بعد الأمير سلمان بن عبد العزيز، من دون الرجوع إلى المؤسسات المختصة بتسمية ولي العهد، في خطوة حاسمة نحو قطع الطريق على ما يُعتقد أنه صراع محتمل بين الثلاثي بندر بن سلطان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف على الخلافة. من ناحيته، يقوّض النفوذ المتصاعد للمؤسسة الدينية الوهابية قدرات السياسة الإقليمية السعودية في تنافسها مع إيران. وبالتالي، ستعمد العائلة الحاكمة السعودية إلى اجتراح توازنات بين طموحات الشباب السعودي المنفتح على وسائل الاتصال الاجتماعي والتواق إلى حريات مدنية أكثر من ناحية، والمؤسسة الديـنية التي تعرقل قدرات السعودية على تحسين صورتها في المنطقة من ناحية أخـرى. أما علـى الصعـيد الدولي، فهناك تحديات جسام، إذ لم تكن الرياض أبداً حليفة للديموقراطيين بل للجمهوريين في أميركا، ولما كان أوباما عازماً على تنويع علاقات أميركا الشرق أوسطية وراغباً فيه، شكل ذلك عامل عدم ارتياح سعودي واضح. لذلك، ستولي الرياض جهداً كبيراً لاستغلال اللوبي الخاص بها في أميركا وفي الكونغرس لتقويض خطوات أوباما الشرق أوسطية، بالرهان على مرور الفترة المتبقية من ولايته من دون أن يفلح في تحقيق أهدافه الإقليمية. وبالتوازي مع المهام الداخلية والجهد الدولي، هناك تحديات إقليمية متنوعة تواجهها السعودية بخلاف مشاكلها مع إيران مثل رغبة الرياض في الحفاظ على صورة «مجلس التعاون الخليجي» وصراعها مع قطر في إطاره. وتمتد مشاكل السعودية الإقليمية مع محاولاتها لتحجيم جماعة «الإخوان المسلمين» في طول المنطقة وعرضها، والمصاعب التي تواجه تحالفاتها الإقليمية في العراق ولبنان، فضلاً عن انفلات حبل السيطرة على الجماعات الجهادية التي تقاتل النظام في سوريا. هذه الحزمة من المشاكل المتنوعة ستدفع السعودية موضوعياً إلى تحبيذ تهدئة مع إيران.

تهدئة ضرورية في المدى المنظور

لا يعتقد أحد أن العداوة المستعرة طائفياً بين طرفي الصراع ستنقلب حالاً إلى محبة ووئام، ولكن حاجتهما معاً إلى تهدئة - كل لأسبابه - ستستبقي خيار التهدئة على طاولة الاحتمالات. وفي هذا السياق تبدو الأزمة السورية مفتاحاً للتهدئة السعودية - الإيرانية، إذ إن ثقل الجغرافيا السورية في الموازين المشرقية والشرق أوسطية يحدد تاريخياً وإلى حد كبير توازنات القوى في المنطقة. استنزف الصراع في سوريا قدرات الطرفين، ويصعب في السياق الحالي للأحداث تصور أحدهما رابحاً سياسياً مما يجري لأسباب لا تخفى. وبالتالي، مثلما فاقمت الأزمة السورية من حدة المواجهة الطائفية في سوريا وما حولها، فمن شأن التوصل إلى حل وسط هناك أن يوقف نزيف الدم السوري ويستنقذ ما تبقى من مقدرات الدولة السورية وأن يعبّد الطريق في النهاية أمام تهدئة إقليمية أكبر بين قطبي الصراع الإقليمي في الرياض وطهران. ستخسر أطراف بعينها من مثل هذه التهدئة، سواء داخل إيران أو داخل السعودية، أو على الجبهات المتقابلة في ساحات المنطقة، مثلما ستتراجع أدوار لتيارات سياسية على الطرفين أرست سياساتها على مواجهة الآخر والنيل منه والتعريض به لإدامة حضورها السياسي وللحفاظ على مكتسباتها. بالمقابل، سيربح الطرفان ومعهما شعوب المنطقة من حال التهدئة الإقليمية، التي ستنعكس إيجاباً على ساحاتها الصراعية. كانت السياسة وستبقى فن الممكن، ومصالح الدول لم تحتكر تحديدها الأيديولوجيا في يوم من الأيام، ومن يصنع القرار في الرياض وطهران قد سمع على الأرجح مأثورة تشرشل القائلة: «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وإنما المصالح الدائمة». بكثير من الاطمئنان، يمكن القول إن مآل المواجهة السعودية - الإيرانية إلى تهدئة على الجبهات الإقليمية في المدى المنظور، مهما بدت الصورة قاتمة الآن!.

وقائع مشاركتى فى احتفالات استقلال تنجانيقا 1961 : طرائف ودلالات

$
0
0

سأحكى لكم:

وقائع مشاركتى فى احتفالات استقلال تنجانيقا 1961 : طرائف ودلالات

قال المسئولون الانجليز ، موجهو الدعوة – كمستعمرين للاقليم – يجب أن يلبس كل وفد مشارك "الفراك" Frac"" ....! لأن ممثل الملكة هو نجم احتفال تسليم علم الاستقلال فى Uhuru Celebration للمستعمرة فى 9ديسمبر 1961. ولم يعرف السيد محمد فائق عضو الوفد ولم أعرف بدوري مدى معرفة د. عبد العزيز السيد وزير التعليم العالى ورئيس الوفد عندئذ- ما هو شكل "الفراك "هذا ! وإذ به ذاك "البالطو أبو ديل"الذى يلبسه عظماء المناسبات ...! وعلمت بعد ساعات أن "الرئاسة "قالت أننا فى ثورة يوليو لا نلبس إلا البدل التقليدية ، وسيبكم من أوهام الانجليز هذه.. فتجاهلنا الأمر .


كنت طازج التعيين فى الشئون الأفريقية منذ ديسمبر 1960 ، وأبدو من الشطار ، مما رشحنى ان اشارك في هذا التمثيل عالى المستوى ولم أتجاوز الخامسة والعشرين ، ولم يكن عبد العزيز السيد ينادينى إلا ب"واد يا حلمى"بينما يحتاج لأدق الاجابات عن تلك المستعمرة والانجليز الأوغاد! وكان كبرياؤه من علاقته الخاصة أيضا بعبد الناصر، والتى يعرفها الكثيرون خلال الإعداد ليوليو 1952 . كنت أشعر بذلك من تعامل محمد فائق معه ، وعندما نزلنا من الطائرة ، اكتشفنا أن فيها "محمد يسين"وكيل الخارجية السودانية ، وإذ بوزيرنا – بخبرته فى الخرطوم قبلا – يقول له "يا واد يا محمد ، انت بترتب تدخَل السودان فى الكومنولث ؟ فبهت الذى خدم تلك الفكرة الخبيثة لفترة ليقول : معاليك..لاتفهمها هكذا ..."وكانت الإشارات داخل الكلام عن حزب الأمة الذى ينتمى إليه "يسين" !لكنى وجدت عبد العزيز السيد ، ينتقل معه بسرعة ..."إزاى ولادك يا محمد ..إبعتهم لى يابنى ندخلهم الجامعة عندنا..."!


مع نزولنا من الطائرة فى دار السلام ..وجدنا خواجة إنجليزى ، مفتول العضلات ، عريض المنكبين يقترب ، بما فهمنا أنه مدير البروتوكول المستقبِل لنا يلبس الشورت فى حر ديسمبر بدار السلام , مع ما يشبه "الشبشب" . وإذ بعبد العزيز السيد ينتفض محتجا مقسما- ونحن على سلم الطائرة أنه لن يسلم على ابن...ده الذى أرسلوه بالشورت لمقابلة ممثل جمال عبد الناصر ! لكن محمد فائق بلباقته أدرك ضرورة تدارك الموقف ...فذاك يوم "أوهورو" uhuru day أو يوم الحرية ، ولندعه يمر ...واستقرينا فى فندق "بالم بيتش"المعروف سياحيا ولكن ليس دبلوماسيا ..أدرك عبد العزيز السيد أن "هؤلاء الانجليز "يعبرون عن مخاوفهم وأحقادهم من عبد الناصر فى أصغر المظاهر لأكبرها ..وجدته ينبه محمد فائق أن يدرس شكل حضورنا فى مقر الاحتفالات بالاستاد ، وسياراتنا وفى حفل الاستقبال,وموقعنا على المنصات ..الخ منتبها للمعنى السابق تجاه الانجليز ..واقترب "فايق"بمهارة من "التنجانيقيين"ليرتب الأمر بالشكل المعقول .


نيريري يودع آخر حاكم بريطاني لتنجانيقا ديسمبر 1961كانت سياسة بريطانيا فى التوافق مع "نيريرى "ضد هوجة "التحرير"والتقدميين – حسب تعبيرهم - فى الجنوب الأفريقى ، أو وسط افريقيا والبحيرات ، مما لم يجعل "التنجا نيقيين"ضمن "مجموعة حركات التحرير"فى القاهرة قبل الاستقلال ، فكانت معارفنا قليلة بين كوادرهم ( إلا شخصية أو اثنين من المعارضين لا أذكرهم الآن . لكن سرعان ما قام زعماء من أوغندا وكينيا وروديسيا وجنوب أفريقيا – ممن نعرف منهم : جون كالى ، وجوشوا نكومو ، وتامبو ، وموخيخلى..الخ بالالتفاف حولنا ، جامعين آخرين فى ألفة كبيرة ، اندهشت لها قيادات "حزب تانو"(الحاكم في تنجانيقا ثم تنزانيا ) . ولم يكن "نيريرى "سعيدا بعمق علاقات مصر الأفريقية هذه، خاصة وقد تطلع إلى مثلها عنده كثيرون على رأسهم شخصية مثل "أوسكار كمبونا" . وأظن أن ذلك جعل "التنزانيين"ينشطون عند قيام "منظمة الوحدة الأفريقية "واتحادهم مع زنجبار ليجعلوا من دار السلام مقرا لحركات التحرير فى الجنوب ، لمنافسة "أكرا والقاهرة..والجزائر ...لكن ذلك فى النهاية جعل النيل محور التحرير من رأسه إلى قاعدته...


بعد يومين أو ثلاثة من الاحتفالات جاء موعد رحيل الوفد ، وإذ بى أتجرأ مع السيد الوزير ومحمد فائق لأقترح استمرارى وحدى بضعة أيام ، أضيف فيها بعض المعارف لحصيلتى ، وقد بدت شطارتى أمامهما طوال الاقامة ! وفوجئت بسؤال محمد فائق ، معك استرلينى ؟ كان البدل 6 إسترلينىلليوم، وجمعت وطرحت حتى أجبت بإمكان تدبيرها !. وستمريت حوالى أسبوع آخر . كانت المشكلة أنى أحمل جواز سفر "مهمة"ولاتبدو فيه أيام الاقامة ..لم أشعر بذلك إلا وأنا فى المطار للخروج ..وبدا "الانجليزى "الذى ينقل الادارة للتنجانيقى "راغبا فى الرزالة ، لوجودى بدون إقامة ..وحل المواطن المسئول المشكلة بمودة واضحة .
أتذكر أنى رصدت حوالى أربعين مقابلة فى دار السلام ومحيطها خلال الأسبوع ، مع نقابيين ، وأسيويين وعرب واسماعيليين "ممن يؤيدون المحتمع متعدد الجنسيات "التى يبشر بها نيريرى لضمان السلم الاجتماعى ، ومن يحللون طموح "أوسكار كمبونا"قيادى الحزب الذى أطيح به لاحقا !، ومن يريد جذب "زنجباريين"، ومن يكرههم ، ومن يقبل بدور لتنجانيقا فى تحرير الجنوب مثل دور جمال عبد الناصر بين العرب والقارة ، ومن يكتفى باقامة اتحاد شرق أفريقيا بعيدا عن مشاكل "الوحدة"النكرومية أو نضالية لومومبا التى أودت بحياته..وكان أول تقرير ميدانى لى ما زلت أعتز بكتابته ..آه لو يعثر عليه أحد ...!!!


ما زلت أتذكر شارع الاستقلال ، وميدان "أسكرى سكوير"وفى وسطه ذاك العسكرى بطربوشه التركى المنتشر فى أنحاء أفريقيا للشرطة والعسكر والشو رت الانجليزى ! 


سألت يوما بعد أن حكيت بعض وقائع يوم الاستقلال هذا – البروفيسور "عيسى شيفجى"أحد شخصيات جامعة دار السلام ,و مجلس "كوديسريا" , وزميلى من قبل فى العلوم السياسية الأفريقية "أين كنت يوم عيد أوهورو هذا ؟... فضحك وقال : كنت فى المرحلة الابتدائية ! ..فكدت استبعده من الجلسة !
--------------------------------------------------حلمي شعراوي


بائع الفلافل / حكاية مدينة

$
0
0
 
تأليف : محمد السويسي
لم تكن طرابلس لبنان نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات تعرف محلات الفلافل قبل أن يقدم أحد الوافدين العرب على إستثمار محل لبيع الفلافل وسط سوق الخضار المتفرع من شارع الحتة على بعد أمتار من طلعة الرفاعية .
وما إن مرّ أسبوع على إفتتاحه حتى بدأ يشهد إقبالاً غير مسبوق كل يوم مع حلول المغرب حتى وقت متأخر من الليل حيث كانت الزبائن تتزاحم لديه من أجل الحصول على سندويش فلافل ، التي كانت عبارة عن رغيف من الخبز يضع فيها البائع  ثلاثة أقراص من الفلافل الساخنة المصنوعة من الحمص المطحون والمقلية بالزيت بعد أن يفرمها بيده ويسبغ فوقها ملعقتين من الطحينة السائلة الممزوجة بالماء والحامض وملعقة من الحر السائل الأحمر لمن يرغب ، مع رشة من الكمون والملح يضيف فوقها بعضاً من  قطع البندورة والبقدونس والكبيس المخلل من خيار ولفت .
وكان ثمن سندويش الفلافل خمسة عشر قرشاً لبنانياً ، وعشرة قروش إن أحضر الزبون معه رغيف  خبز من بيته حيث كان معظم الناس تعجن في بيوتها وقتذاك ، لذا كان بعضهم يأتي برغيف من  الخبز معه أو أكثر وفق حاجته  . إلا إنني كنت أفضل أن أشتري سندويش الفلافل من عنده دون أن أحضر رغيفاً للخبز معي نظراً لأن خبزه كان مصنوعاً من الدقيق الأبيض الذي كنت أفضله على الرغيف الأسمر إلذي كنا نعجن دقيقه و نصنعه في البيت لمرتين أسبوعياً ونرسله للخبز في الفرن القريب من بيتنا .
إلا أن أكثر مالفت نظري واستغرابي ، وأنا أنتظر مجىء  دوري لأول يوم لي لشراء الفلافل ، هو تراكم عشرات تنك الزيت داخل المحل التي كان صاحب الفلافل  يصب من إحداها كمية من زيت القطن ،  في صاج للقلي  فوق بابور من الكاز ،  بما تدل عليه صورة  نبتة القطن على التنكة  ونوع الزيت وماركته التي تدل على أنه مصري الصنع  .
وسبب الإستغراب هو أننا في ذلك الزمان لم نكن لنعرف سوى زيت الزيتون للقلي والطبخ والسلطة واللبنة . ولكن مع نهاية الستينات وبداية السبعينات بدأت الدعايات الغربية تحذر من أخطار زيت الزيتون بما يشكل من مخاطر على القلب ويزيد من نسبة الكوليسترول والدهون في الدم ، خاصة عند الطهي أي عند تعرضه للحرارة  ؟! وقد بالغوا في التحذير منه وكأنه مادة سامة قاتلة مما أخاف الناس من إستعماله في الطبخ  ، ليتبين فيما بعد أن هذه الدعايات المضللة  إنما كانت من شركات زيوت تجارية لحض الناس بالإقبال على الزيوت النباتية المصنعة من الذرة والقطن والصويا لما لهم من مصلحة مادية  في ذلك .
 وقد اعتاد الناس على هذه  الأنواع على هذه الزيوت ، خاصة زيت الذرة ، واقتنعوا بها وتقبلوا طعمها فيما بعد واستحسنوها لما فيها من توفير مادي بالنسبة لأسعار زيت الزيتون المرتفعة  الذي اقتصر إستعماله على السلطة والتبولة واللبنة والكبة النية وبعض أنواع الطعام المطبوخ كاللوبياء والكبة المقلية  وأصناف أخرى.
ولكن ماإن مرت عدة أشهر على إفتتاح محل الفلافل حتى بدأ هندام صاحبه يتحسن ويرقى بالأناقة في اللباس والقمصان الحريرية ، مع علبة سجائر "لوكي ستريك"الأمريكية  دائمة في جيبه ، كما  وأربعة خواتم ذهبية تزين أصابعه مع فصوص من الألماس والزمرد والياقوت وساعة ذهبية ، بالإضافة لسلسلة رفيعة من الذهب حول رقبته التي مالبثت أن تحولت بعد عام إلى جنزير غليظ . وقد أنزل ابنه معه لمساعدته بعد أن أخرجه من المدرسة ولم يتعد السادسة عشر من العمر مع مساعد له شاب .
ما إن حل إبن صاحب الفلافل بصورة دائمة ومتواصلة في المحل ، حتى بدأ والده بالتغيب والإنقطاع  عن عمله  معتمداً عليه في إدارته . إلا أن ازدهار محله بدءاً ، دفع أحد أبناء وطنه إلى إفتتاح محل آخر منافس لبيع الفلافل قريب منه على بعد خمسون متراً عند أول طلعة الرفاعية ، حيث بدأت الناس تتوافد إليه تجنباً من إزدحام المحل الأول .
بعد عامين بدأ محل الحتة للفلافل بتراجع اعماله لصالح محل الرفاعية ، وقد أضحى الولد وحيداً في المحل بعد أن صرف والده  الشاب المساعد لقلة الزبائن وانحسارهم الذي كان يؤكده قلة أعداد تنكات  زيت القطن التي بدأت بالإنخفاض تدريجاً إلى أن أضحت تنكة واحدة ومن ثم ليغلق المحل نهائياً قبل أن يتم سنواته الثلاث . ولم ينفع عودة صاحبه للعمل مجدداً فيه بجانب إبنه ،  في محاولة منه لإعادة تنشيطه قبل أسابيع من مواته وإغلاقه نهائياً ، وقد أضحى الرجل رث الثياب بأسوأ مما كان عليه الحال عند إفتتاحه المحل للمرة الأولى ، إذ تعرى من كل الذهب الذي كان يتباهى به ، واسُتبدلت علبة السجائر الأمريكية المرتفعة الثمن  بعلبة دخان "تطلي سرت"الوطنية الرخيصة الثمن .
والسبب في تراجع أعمال المحل وفق ماقاله ابنه لصبية الحارة هو أن أبوه قد بدأ بالتغيب عن المحل والبيت ،  ليمارس أعمال السكر والعربدة والقمار ، حيث ينام النهار ويغزو في الليل بين الحانات والكباريهات خارج طرابلس ، ولايمر على المحل إلا لأخذ الغلة اليومية ، إلى ان توقف البيع في المحل  نهائياً وعاد إلى فقره المدقع .
 وقد كنت ماراً في ساحة الدفتار صدفة ، بعد أشهر من إفلاسه ، لأجده ينقل بعض أحجار الخفان ويحملها على ظهره صعوداً على الدرج حيث كان أحدهم يبنى منزلاً من طوابق عدة ، بأجر عامل يومي وهو ثلاث ليرات يومياً فقط ، أي مايعادل دولار ونصف وفق أسعار صرف العملة وقتذاك.

شبح محمد دحلان يعبر "مصالحة"رفح... بالاتجاهين

$
0
0
مصالحة وطنية فلسطينية بين فتح وحماس. لنترك جانباً معنى أن يكون وطن (وشعب) مختزلاً في تنظيمين، وتكون الوحدة الوطنية جلوس ممثلي طرفين سياسيين كلاهما في السلطة المتوزّعة بين رام الله وغزة.
 
نُصِبَت طاولة المصالحة في غزة، على مسافة قليلة من معبر رفح المغلق. هل كانت المصالحة لتجري لو أن المعبر مفتوح، وعلى طرفه الآخر سلطة مصرية متبنيّة لمشروع متناغم مع "حماس"، على غرار ما كانه الحال أيام الرئيس محمد مرسي؟ تنهمر سيول الصور. هناك ذكريات مريرة عن مسلسل طويل من فشل المصالحة بين الطرفين. هناك انهيار التجربة السياسية المشتركة بينهما، عقب التجربة القصيرة للـ"مساكنة"السياسيّة بين الطرفين، بعد انتخابات نيابية فازت "حماس"فيها بأغلبية واضحة، في الضفة وغزة. لماذا لم تدم تجربة الوحدة الوطنية، على رغم بقاء احتلال الأرض وتشتت الشعب؟
 
في المقابل، ثمة من يهمس بأن السلطة في رام الله لتنجز المصالحة، لولا المأزق الهائل، بل المتاهة الأسطورية، لمسار ما يُسمّى بـ"عملية السلام في الشرق الأوسط".
 
بلغ من الاختلال في موازين القوى في تلك العملية أن جولاته الأخيرة كانت أقرب إلى لوحات سوريالية هذيانية الطابع! رعت أميركا تلك الجولات عبر وزير خارجيتها جون كيري. ارتسم مشهد يربط اطلاق الأسرى، وهي عملية إنسانيّة تكون نتيجة في التفاوض، وبين هوية الدولة في إسرائيل. نسيت إسرائيل أنها لم توقف الاستيطان، بل ابتدعت صيغ تفاوضية لاستمراره من نوع التمييز بين البناء الأفقي والعامودي واستثناء الطرق واخراج ممر "جدار الفصل" (يلتهم مساحة كبرى من مناطق حدودية في الضفة) وغيرها. وفجأة، دخل على المشهد الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، المسجون في أميركا بتهمة الجاسوسية. صار إطلاق المواطن الأميركي بولارد من سجون أميركية، شرطاً لاستمرار عملية السلام! واختلطت الخطوط والألوان، فصار سؤال "مَن يتفاوض مع مَن"، أقرب إلى أحجية مستحيلة.
 
إلى أي مدى لعب المشهد السوريالي في التفاوض المُدار من قبل كيري، دوراً في تعميق مأزق السلطة الفلسطينية، وزيادة حرجها أمام شعبها وهو ما يعبر عنه شيء لا يقل سوريالية من نوع "تهديد"القيادة الفلسطينية بإنهاء نفسها وإعادة الأرض إلى الاحتلال الإسرائيلي؟ من دون هذه السوريالية، هل كانت المصالحة لتنجز فعليّاً؟
 
في هذا المعنى، تبدو المصالحة أقرب إلى لقاء الخاسرين. لكن، هناك استدراك ضروري. إذ حرصت السلطة الفلسطينية، على لسان المفاوض الدائم لـ"حماس"عزّام الأحمد، على القول بأن المصالحة هي سياسة ثابتة وملزمة للسلطة، وأن الطرف الحمساوي هو المتخلي دوماً عن الاتفاقيات المتوالية للمصالحة الوطنية.
 
مشهدية "صيد الساحرات"
 
من المعبر المغلق في رفح، يمكن العبور إلى البعد المصري في مشهد المصالحة. بعد الإطاحة بمرسي، بدت السلطة المصرية كأنها بصدد "حملة صيد ساحرات"ضد "حماس"، بل طاولت أحياناً كل ما هو فلسطيني.
في حماوة المشهد المتغيّر، برزت شخصية ليست غريبة عن طرفي المصالحة. برز السياسي المحنّك محمود دحلان، كأنه أحد الأشباح التي تصنع الحدث في مسرحيات شكسبير. صعدت صورة دحلان سريعاً في الاعلام المصري، مترافقة مع انحسار النقمة على "الفلسطيني"لتتركّز على إدانة تشبه الشيطنة، لـ"حماس"على غرار كل ما يمت إلى تنظيم "الأخوان"بصلة.
 
ليس دحلان غريباً عن "حماس". في التقاطع بينهما هناك غزة، التي يأتي منها دحلان، ويتمتع بنفوذ ليس بضئيل فيها. ولأنه ينتمي تاريخياً إلى "فتح"، تضرّر جزء من نفوذه في غزة بالصدام القاسي بين "فتح"و"حماس". هناك ثنية اخرى. يشتهر دحلان بتطلعه إلى الموقع الأول في السلطة الفلسطينية، حتى أيام عرفات. ويعرف عنه أيضاً، علاقاته القوية مع الولايات المتحدة وأوروبا. ربما ليس مستهجناً السعي الى الرئاسة ولا العلاقة مع جهات وطيدة الصلة بالسلطة الفلسطينية. وليست مجازفة كبرى الإشارة الى علاقة دحلان مع السلطة المصرية بتلاوينها كافة، لأن تنظيم "فتح"نفسه كان في هذه المساحة دوماً (حتى أيام السادات)، بل ما زال. وأدى سقوط مرسي إلى ضخ حيوية في العلاقة بين القاهرة ورام الله. وفي لحظة ما، بدت "حماس"ميّالة لبث الدفء في علاقاتها مع دحلان، كي يساهم في حل مشكلتها مع مصر ما بعد مرسي.
 
هل تفتح المصالحة باباً لعودة أقوى لدحلان إلى رام الله، التي لا يعدم فيها متعاطفين معه، خصوصاً أنه كان منخرطاً في بناء السلطة الوطنية في مرحلة ما بعد "أوسلو"، إضافة الى تاريخه المديد في "فتح"؟
 
في أكثر من مناسبة تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بطريقة سلبيّة عن دحلان. هل تؤدي المصالحة إلى تهدئة بين عباس ودحلان، أم أنها تفتح الباب واسعاً أمام صراع، ربما تصبح الانتخابات الرئاسية الفلسطينية جزءاً منه، أو لنقل محوره؟
 
رفح: عبور بالاتجاهين؟
 
في تصريحات قادتها، حاولت "حماس"التشديد على اتفاقيات القاهرة والدوحة المبرمة مع "فتح"، مع صمتها تماماً عن اتفاقية مكّة. ويعني ذلك أن أمورها ما زالت متوترة مع السعودية. هل تحاول القاهرة الدخول على الخط، ليس لانقاذ "حماس"بل لتوسيع رقعة تحركها الاستراتيجي في الدائرة العربية لمصر؟
بالعودة الى المعبر رفح المغلق، يبدو السؤال عن إمكان أن تعبره المصالحة الوطنية الفلسطينية هو السؤال الأكثر مباشرة وإلحاحاً. لا يصعب تخيّل مدى توق أهالي القطاع لعودة هذا الممر الذي يمثّل شرياناً ورئة، بل ممراً للحياة بمناحيها كافة.
 
هناك شيء لم يقل علناً، لكنه ربما يشبه سراً معلناً: عودة السلطة الفلسطينية إلى معبر رفح. إذا لم تسع الأطراف العربية والفلسطينية إلى دفع الأمور إلى "حافة الهاوية"مع إسرائيل، يتوجب عليها الالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بالمعبر مع الأطراف الدولية. وبقول آخر، يفترض عودة قوات السلطة الفلسطينية إلى المعبر، مع رضى دولي، أقلّه من "الاتحاد الأوروبي". الأقرب ربما هو حرص أوروبا على التناغم الكلي مع أميركا في هذا الموضوع، لكن الأوروبيون امتلكوا دوماً هامشهم الخاص في مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي. هل يرعى الأوروبيون عودة معبر رفح إلى العمل، وهو أمر يعفي أميركا من احراجات شتى مع الأطراف المتشابكة عند المعبر، خصوصاً إسرائيل؟ في هذه الحال، يتحوّل المعبر إلى ورقة دولية قاسية في المعادلة السياسية الحاليّة. لننتظر. ولنر.

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-9

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
 

- قال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان، والنيران من العرب (١).
ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم ولو رغم أنف الدكتور في نار جهنم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
- قلت: قد يوحي الشيطان إلى الدكتور أن هذه السورة في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم - كما يزعم الذين خرجوا عن الأمة الواحدة، أو لم يقيموا دينهم مثلاً، لا أستبعد ذلك منه، فيقال: لو صح ما تقول -وهو خرافة إبليسية- لقيل لك إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا طيبهم -عندك- وخبيثهم وهذا بين، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمنًا! وهذا ما لا تقول به باعترافك لأنه لم يقر بالتوحيد ولأنهم كلهم محاربون للدين الجديد.
٢ - قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.
٣ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]، الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين. ٤ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}.
٥ - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١٥٠ - ١٥٢].
- قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد - صلى الله عليه وسلم - والسامرة لا يمؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يمؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله {يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا ومسلكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛لأنه ليس شرعيًّا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه لو نظروا حق النظر في نبوته" (١). قلت: وهذه الآية أعتقد أنها قاصمة الظهر للدكتور .. فأين المفر؟.
٦ - قال تعالى عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.
٧ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}.
٨ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا} [النساء: ٤٧].
- قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا" (٢).
٩ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا. ثم في هذه الآية أمر لنا بالإيمان بالكتب السابقة. أفلا يُستغرب أن نؤمر بالإيمان بكتبهم ولا يؤمرون كما يرى الدكتور بالإيمان بكتابنا والرب واحد؟
١٠ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ .. } الآية. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} قلت: فإذا كفتهم رسلهم فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؟.
١١ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
١٢ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}.
١٣ - قال تعالي: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى!
الوجه الثاني: مما يشهد على كفرهم من السنة: وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن؛ لأن الدكتور لا يؤمن إلا به!.
١ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"قال النووي: "وقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم" (١).
٢ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" (٢).
  - قلت: أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه - صلى الله عليه وسلم -.
٣ - عن أبي موسى "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل -وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -" (١).
- قلت: والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى، ثم رجع إلى دينه قتل؛ لأنه مرتد ولم يقل أحد كالدكتور أن الأديان كلها توصله إلى النجاة. وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره. ثم لو تأملنا قول الدكتور لوجدناه يلغي كتبًا وأبوابًا في الفقه الإسلامي بعنوان "حكم المرتد"!.
الوجه الثالث: إن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى، ولم يشذ أحد منهم غير من ذكرناه من غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع": "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا" (٢).
- وقال ابن تيمية: "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة" (٣).
وقال: "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم" (٤).
.وقال: "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام" (١)
الوجه الرابع: أن يقال هذا القول منك قد ناقضته كعادتك بنفسك! بل وفي كتابك هذا "الإسلام والوحدة القومية"! وهذا من أطرف ما عثرت عليه من تناقضاتك الكثيرة فقد قلت فيه: "إن الإسلام على الرغم من أنه دعوة للبشر أجمعين إلا أن سنن الله في الكون وقوانينه لن تتبدل أن يظل الخلاف والاختلاف والتمايز قائمًا بين البشر في الدين .. فلن يجتمع الناس على دين واحد .. ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى أن يكره الإنسان إنسانًا على الدخول في دينه .. ومن يحب النجاة لأخيه ويتمنى أن يقاسمه نعيم الجنة فأولى به أن يسلك لهدايته طريق الحكمة والموعظة الحسنة لا طريق الحرب والسيف والعنف والإكراه"فقد اعترفت بعدم دخولهم الجنة!!.
الوجه الخامس: يقول الشيخ عمر الأشقر -حفظه الله-: "قد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في طريق وسط بزعم التوفيق وأخبر أن هذا فعل المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (٢).
٢ - محمد عمارة والوطنية:
١ - مر معنا أن الدكتور عمارة يرى نجاة اليهود والنصارى يوم القيامة إذا تمسكوا بدينهم الآن ولو لم يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام وهذا تمهيد منه للوطنية وأن المسلم المصري لا يفرق بين المسيحي واليهودي المصري إلا بالشريعة التي أراد الله بحكمته أن تتنوع بين البشر. فلا فرق بيننا إذن عند الله .. وبعد أن قرر الدكتور هذا سهل عليه أن يقول ما شاء في الوطنية.
٢ - يقول الدكتور: "عندما هاجم المستعمرون الإنجليز مصر سنة ١٨٠٧ بحملتهم التي قادها الجنرال فريزر لم يكونوا يعتمدون مثلاً على أقلية من الأقليات الدينية التي تعيش في مصر .. وإنما كان الذين تعاونوا مع الحملة الإنجليزية الفاشلة هم أمراء المماليك بقيادة الألفي بك .. وهم الأمراء الذين لم تكن تربطهم بأهل البلاد روابط حضارية ولا قومية ولا عرقية، ولم يكن بينهم وبين المصريين سوى رابطة الدين""نظرة جديدة" (٢٢٨) أي أن الدين في نظره أقل تأثيرًا من رابطة الوطنية.
٣ - يقول عن رفاعة الطهطاوي: "الناس عنده لا ينقسمون إلى مؤمنين وكافرين وإنما ينقسمون على أساس من التحضر والتمدن وليس على أساس من العقائد والأديان. فيحدثنا هذا الشيخ في كتابه "تخليص الإبريز"عن انقسام "سائر الخلق"إلى عدة مراتب:
"المرتبة الأولى: مرتبة الهمل المتوحشين .. المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين .. والمرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر .. ".
وعندما يوزع الشعب على هذه المراتب الثلاثة، يضع بعض الشعوب المسلمة، الذين "يعرفون الحلال من الحرام .. وأمور الدين .. غير أنهم لم تكمل عندهم درجة الترقي في أمور المعاش والعمران والصنائع البشرية والعلوم العقلية والنقلية .. " -مثل عرب البادية- يضع هؤلاء المسلمين في مرتبة "البرابرة الخشنين" .. بينما يضع "بلاد مصر والشام واليمن والروم والعجم والإفرنج والمغرب وسنار وبلاد أمريكة، على أكثرها، وكثير من جزائر المحيط"يضعها في مرتبة "أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن
 
والتمصر"؛ لأنهم "أرباب عمران وسياسات، وعلوم وصناعات، وشرائع وتجار، ولهم معارف كاملة في آلات الصنائع .. ولهم علم بالسفر في البحور، إلى غير ذلك .. ""نظرة جديدة" (٢٢٨).
٤ - ينقل فتوى محمد عبده بجواز مساعدة الكفار من أهل الوطن والتي يقول في نصها "قد قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين على ما فيه خير ومنفعه المسلمين وإن الذين يعمدون إلى هذه الاستعانة .. لم يفعلوا إلا ما اقتضته الأسوة الحسنة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأن من كفرهم أو فسقهم فهو بين أمرين إما كافر أو فاسق فعلى سعاة الخير أن يجدوا في دعوتهم، وأن يمضوا في طريقهم ولا يحزنهم شتم الشاتمين ولا يغيظهم لوم اللائمين""نظرة" (٢٣٧).
٥ - ويقول أيضًا: "إيمان هذه الأمة بالوحدة الوطنية والقومية إيمان راسخ لا شك فيه .. بل لقد رأت، ببصيرتها النافذة وحسها الفطري، أن الشقاق الطائفي كان، على مر تاريخها، الثغرة التي يحاول أعداؤها النفاذ منها، بحثًا عن الركيزة التي تضمن لاستعمارهم واستغلالهم الفعالية والاستمرار! .. وأوضح ما كانت وتكون يقظة أمتنا لهذه الحقيقة في لحظات المحن والمواجهة مع الأعداء .. ففي مصر مثلاً أثناء الثورة العرابية (١٨٨١ - ١٨٨٢ م) كانت أوربا الاستعمارية وإنجلترا بالذات تسعى لشق وحدة الصف الوطني الذي ارتفع متينًا وشامخًا خلف أحمد عرابي (١٢٥٧ - ١٣٢٩ هـ ١٨٤١ - ١٩١١ م) .. وفي مواجهة هذا المسعى الاستعماري كانت يقظة الشعب والثورة، التي تجلت في وحدة طوائف الأمة، على نحو لا مثيل له في غير مجتمعاتنا العربية التي تنعم بسماحة دين الإسلام! ..
فعندما انحاز الخديوي توفيق (١٢٦٩ - ١٣٠٩ هـ - ١٨٥٢ - ١٨٩٢ م) وأعوانه إلى الإنجليز الغزاة، رفض الشعب الاستسلام وخلع عن سلطة .الخديوي شرعيتها، وتجسدت إرادة الشعب يومئذ في "برلمانه الثوري"الذي سمي بـ "المجلس العرفي" .. وفيه تجسدت وحدة الشعب الوطنية والقومية كأروع ما تكون .. فمع عدد من الأمراء، ورجال الدولة، والإدارة، والتجارة والأعيان، كان علماء الإسلام، بمذاهبه المتعددة، وكذلك قضاة الشرع، ونقيب الأشراف .. وأيضًا كان بهذا المجلس العرفي: مرخص الأرمن الكاثوليك، ووكيل الأقباط الكاثوليك، ووكيل بطريكية الروم الأرثوذكسي .. كان جميع هؤلاء أعضاء في برلمان الثورة العرابية "المجلس العرفي"يجسدون وحدة الأمة الوطنية والقومية، على اختلاف مذاهبها وأديانها وشرائعها .. فأين .. في غير إطار أمتنا العربية الإسلامية، اشتركت وشاركت الأقليات جميعًا في صنع مصير الأمة عند الملمات؟! ""التراث" (٢٣٤).
إذن فخلاصة فكر الدكتور أنه يرى أن الوطنية -أي اجتماع أبناء الوطن بمختلف دياناتهم في سبيل بنائه وخدمته والدفاع عنه- هي السبيل الأمثل لمواجهة المستعمر! وأن المسلمين يجب أن يكونوا كغيرهم من المواطنين لا يسعون إلى أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يعلو الإسلام على غيره من الديانات .. لأن في ذلك إحياء للطائفية والنزاع بين المواطنين (١). ولقد استقى هذه الفكرة كما علمت من مشايخه في الغيب الطهطاوي والأفغاني وعبده والكواكبي.
 
* الوطنية في الميزان السلفي:
تقديم الوطن على الدين كفر صريح لا يحتمل التأويل؛ لأنه يستلزم. 
.الآتي دون شك:
أولاً: موادة الكافرين ومعاداة المؤمنين فالمصري المسلم سيوالي ويواد المصري الكافر ويعاديان جميعًا التركي المسلم مثلاً، وهذا كفر صريح لمصادمته للأدلة التالية - وقد تركت أضعافها للاختصار ولأن القضية واضحه في حس كل مسلم:
* قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} وأنتم تقولون إنما وليكم المواطنون المؤمنون والكافرون.
* قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ .. } الآية. وأنتم توالون من حاد الله ورسوله من كفار اليهود والنصارى.
* قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. فمن والاهم ووادهم فهو منهم وأنتم مقيمون على ذلك.
• قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم""مسلم" (٨/ ١٨).
ثانيًا: تقديم الوطن على الدين يستلزم أن يكون الإسلام معليًا عليه بالقوانين الكافرة التي يقرها اليهود والنصارى ولا شك فهم لن يرضوا أبدًا أن يحكموا بالإسلام كاملاً، ولذلك سيزاحموه بقوانينهم الكافرة إلى أن يلغوه.
وقد تمكنوا من ذلك. فهذه البلاد المصرية تحكم بقوانين الكفر دون قوانين الإسلام وفي هذا رد على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
ثالثًا: تقديم الوطن على الإسلام يستلزم منه تعطيل الجهاد واقتصار الحروب على الدفاع عن الوطن. وفي هذا نبذ للإسلام وأحكامه وإحياء للشعارات الجاهلية المؤدية بصاحبها إلى النار.رابعًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض للتوحيد لا فيه من عدم البراءة من المشركين.
خامسًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض لإرادة الله من إرسال الرسل وإنزال الكتب الداعية إلى عبادته وحده والدخول في طاعته وموالاة أوليائه. إلى غير ذلك من المعارضات الكثيرة للإسلام.
 
* الدكتور محمد عمارة والقومية:
القومية أرفع درجة من الوطنية .. ولكنها تشاركها في الوثنية! والدكتور عمارة سمى أحد كتبه "الإسلام والوحدة الوطنية"، ثم تراجع في الطبعات التالية فسماه "الإسلام والوحدة القومية"فقد ارتقى درجة في سلم الوعي .. ونتمنى أن يأتي الوقت الذي يسميه فيه "الإسلام والوحدة الإسلامية"وما ذلك على الله بعزيز كان مصريًّا ثم تراجع ليكون قوميًّا يدخل العرب في ولاء واحد هو ولاء القومية، والقومية كأختها الوطنية عندما تقرأ قول الدكتور عمارة: "وحيثما امتد الفتح العربي امتد نور الإسلام .. فالعرب الذين فتحوا البلاد لم يحملوا معهم سلطان الدولة وحده، وإنما حملوا معهم نور الإسلام ... وكانت عروبة القرآن مع عروبة الفاتحين. مما أعان على ارتباط العروبة بالإسلام، فامتد نطاق العروبة بامتداد نطاق الإسلام. لما بين فقه الدين وتذوق العربية من روابط وعلاقات؟.
ولقد رَسَّخ من هذه الحقيقة، وجعلها مقبولة، بل ومطلوبة، لدى الشعوب التي فتح العرب بلادها، أن مفهوم العروبة، لدى العرب الفاتحين لم يكن عرقًا ولا جنسًا ولا عصبية عمياء، كتلك التي عرفتها جاهليتهم، ثم جاء الإسلام فمحاها .. وإنما كانت عروبة حضارية، يسعى إليها الناس، لا خوفًا من جنس ولا خضوعًا لعصبية، وإنما رغبة في فقه الدين وسعيًا إلى إدراك أسرار كتابه العربي المبين .. لقد دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب إلى ترك  العصبية العرقية الجاهلية؛ لأنها (منتنة) ""الإسلام والمستقبل" (١٢٣).
- عندما تقرأ ذلك تظن أن الدكتور عمارة من المعارضين للقومية العربية بمفهومها المخالف للإسلام. وأنه يؤمن بأفضلية العرب كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية .. ولكنك تفاجأ عندما تعلم أن الدكتور عمارة من (غلاة) القوميين العرب. لا تختلف دعوته عن دعوتهم أي اختلاف يذكر ما عدا أنهم جاهروا بها بعيدًا عن الإسلام .. وأما هو فقد خمر وجهها بخمار إسلامي خفيف فكيف ذلك؟
١ - يرى الدكتور عمارة أن العرب الشرقيين قبل الإسلام كانوا في صراع حضاري! مع الغرب البيزنطي. "وأمام هذا الخطر الذي أحدق بالجامعة العربية برزت ضرورات الوحدة بين قبائلها فبدأ التواصل بين وسط شبه الجزيرة وبين اليمن بعد تحريرها بقيادة سيف بن ذي يزن .. ولعبت الأشهر الحرم دورها في جعل القبائل العربية تعيش فترات من المسلم تنمو فيه روابط الوحدة في اللغة والتجارة والعادات والآداب .. ""الإسلام والمستقبل" (١٢٢).
هذا قبل الإسلام وعندما ظهر الإسلام كان أحد العوامل التي ألفت بين العرب في مواجهة عدوهم .. فهو عامل توحيد فقط! وبظهوره أصبحنا نرى -كما يزعم الدكتور- تمايزًا بين الوحدة الدينية والوحدة القومية .. فهناك أمة (الدين) وأمة (الدولة) فأمه الدين يدخل فيها المسلمون فقط؛ لأنهم أصحاب دين واحد. وأما أمة السياسة والدولة فيدخل فيها المسلمون والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم .. لكن بشرط أن يكونوا عربًا!
ويحتج الدكتور على ذلك بما يسميه (الصحيفة) التي كتبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قدومه المدينة وفيها جعل المسلمين (أمة واحدة من دون الناس) ومن لحق بهم وجاهد معهم فهم نواة الرعية السياسية وهم أمة مع المؤمنين برغم اختلاف الدين.
٢ - يرى الدكتور عمارة أن العروبة هي اللغة فقط. فمن تكلم بالعربية فهو عربي: "فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ينكر المضمون (العرقي) للعروبة، ويدعو إلى اعتماد المضمون الحضاري رابطة ومعيارًا لمن هو العربي؟ ومن هم العرب؟ فاللغة، وهي وعاء للفكر والتراث والحضارة والذكريات .. هي المعيار والرباط الذي دعا الرسول إلى اعتماده بدلاً من (العرق) و (القبلية)، ذلك أن مجتمع شبه الجزيرة كان يضم (عربًا باللغة) والحضارة غير (العرب) بالعرق والجنس والدم. ومن ثم فإن اعتماد المعيار الحضاري كان سبيلاً، لا لتجاوز النعرات الجاهلية والمفاهيم المختلفة والمتعصبة فقط، وإنما أيضًا لبناء كيان جديد وأوسع من ذلك الذي يمكن بناؤه على أساس من العرب والجنس .. وهي أيضًا قفزة حضارية، وتطور متحضر هام إلى الأمام .. يبشر الرسول بهذا المفهوم الجديد عندما يخطب في الناس قائلاً: "أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان (اللغة) فمن تكلم العربية فهو عربي""العرب والتحدي" (٣٥).
٣ - ينكر الدكتور عمارة على الدكتور محمد رشاد خليل مساواة المسلم العربي بالمسلم غير العربي! "هو يتحدث عن الدكتور رشاد قائلاً: "ثم كتب فجعل علاقة المسلم المصري بأخيه المصري مساوية لعلاقته بالمسلم في أندونيسيا ونيجيريا وتركستان! مهملاً أي أثر للقوميات وقسماتها الأمر الذي جعل هذا الفكر لم يبصر سوى رابطة العقيدة الإسلامية""الإسلام والعروبة" (٨١).
٤ - يرى الدكتور إن طلائع القوميين العرب هم المعتزلة الذين واجهوا الهجوم الشعوبي وعلى رأسهم الجاحظ فهو يقول: "أما الجاحظ فإننا واجدون عنده بواكير الصياغات النظرية للفكر القومي العربي بمضمونه الحضاري والإنساني المستنير حتى ليحسب المرء أنها من ثمرات العقل المستنير في عصرنا  الحديث""العرب والتحدي" (٥٨). كما يرى أن تيار الأفغاني هو: "الذي بلغت في دعوته روابط العروبة والإسلام .. قمة الوضوح والعمق والشمول فالأفغاني يؤمن بوحدة النوع الإنساني وبوحدة الأمة الإسلامية لكنه ينبه على أثر تمايز الأقاليم وما يحدثه هذا التمايز من مغايرة بين الأقوام""الإسلام والعروبة" (١٢٩).
٥ - يرى الدكتور أن الفتوحات الإسلامية التي بدأت في عصره - صلى الله عليه وسلم - ثم في عصر أصحابه لنشر الإسلام فتوحات (عربية) لصد المستعمر الغربي وإزالة الظلم عن أبناء تلك البلاد الذين شاركوا (العرب) في حروبهم ضد المستعمر؛ لأنهم عرب مثلهم أو شرقيون إن لم يكونوا عربًا.
٦ - يؤمن الدكتور إيمانًا تامًا (بخرافة) الصراع بين الشرق والغرب فلم يعد يرى في الأحداث التاريخية سواه .. وعندما مر على خبر التتار وصراعهم مع المسلمين. أسقط في يده فهم شرقيون يقاتلون شرقيين كما يزعم! فكيف يخرج من هذه الورطة؟ لقد فكر وقدر فقاده فكره مع سيطرة الخرافة عليه إلى القول بأن: "الغرب الاستعماري كان قد قرر أن يقوم بجولة أخرى في صراعه ضد حضارة العرب والمسلمين، وإذا كانت قواه الذاتية، وعلاقات دولة بعضها مع البعض الآخر، والحالة التي عليها بقايا إماراته وقواده الاستيطانية في المشرق، إذا كانت هذه العوامل لا تتيح الفرصة كي يقوم هو بهذه الجولة الجديدة، فليبحث إذن عن قوة مدمرة يستخدمها ضدنا في هذا الصراع، وليفتش عن قبضة حديدية يحاول أن يصرع بها هذا الشعب الذي يعيش ما بين الخليج والمحيط .. ولقد توافق هذا التفكير الاستعماري مع ظهور قوة الدولة المغولية في أواسط آسيا، تلك الدولة التي كونتها قبائل وثنية جبلية متبربرة، اختطت لنفسها طريق السلب والنهب والتدمير، واتخذت من تدمير الحضارات وتخريب المدن صناعة لا تعرف غيرها من الصناعات ..  وقبل أن ينتصب القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك استعدادات في بلاط الدولة المغولية للقيام بزحف مدمر يستهدف احتلال الكثير من أوروبا بالإغارة على المناطق الشمالية الغربية لأوروبا وهنا بذل الغرب الاستعماري جهوده المضنية كي يجعل وجهة هذا الزحف التتري إلى بلاد العرب والمسلمين، ولكي يقيم تحالفًا غير مقدس بينه وبين هذه القوة الوثنية العنصرية، عله يقتسم معها الوطن العربي، ويعيد سيطرته ثانية على القدس وغيرها من مدن الشام وفلسطين""معارك العرب" (١١٦).
٧ - يرى الدكتور أن بداية التفريق بين الإسلام والعروبة بدأ مع المماليك الذين انتشر في عهدهم الظلم والخرافات. فاختفت العروبة مع سيطرتهم على الدولة الإسلامية .. وهكذا العثمانيون إلى إن ظهرت اليقظة العربية المعاصرة.
٨ - ينتقد الدكتور المودودي وسيد قطب والندوي وسعيد حوى وغيرهم من مفكري الإسلام لانتقادهم القومية واعتبارها خطرًا على الإسلام .. حيث لم يفرقوا بين القومية العربية والقومية العلمانية التي لا تعترف بالدين.
هذه أخي القارئ أبرز معالم الدكتور عمارة حول القومية، وهو يوهمنا بأنه لا يرى رأي القوميين العرب الذين نبذوا الإسلام .. وإنما هو يمزج بين الإسلام والقومية مزجًا يعطي كلاً منهما حقه. ويخترع لذلك قضية أمة الدين وأمة الدولة زيادة في التلبيس على القارئ والحق يقال إن الدكتور -كما قلت سابقًا- من غلاة القوميين العرب المعاصرين ويشهد لذلك كذبه واختراعاته العجيبة. كما يشهد لذلك فلتات قلمه التي تظهر ما في نفسه.

وقبل أن ينتصب القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك استعدادات في بلاط الدولة المغولية للقيام بزحف مدمر يستهدف احتلال الكثير من أوروبا بالإغارة على المناطق الشمالية الغربية لأوروبا وهنا بذل الغرب الاستعماري جهوده المضنية كي يجعل وجهة هذا الزحف التتري إلى بلاد العرب والمسلمين، ولكي يقيم تحالفًا غير مقدس بينه وبين هذه القوة الوثنية العنصرية، عله يقتسم معها الوطن العربي، ويعيد سيطرته ثانية على القدس وغيرها من مدن الشام وفلسطين""معارك العرب" (١١٦).
٧ - يرى الدكتور أن بداية التفريق بين الإسلام والعروبة بدأ مع المماليك الذين انتشر في عهدهم الظلم والخرافات. فاختفت العروبة مع سيطرتهم على الدولة الإسلامية .. وهكذا العثمانيون إلى إن ظهرت اليقظة العربية المعاصرة.
٨ - ينتقد الدكتور المودودي وسيد قطب والندوي وسعيد حوى وغيرهم من مفكري الإسلام لانتقادهم القومية واعتبارها خطرًا على الإسلام .. حيث لم يفرقوا بين القومية العربية والقومية العلمانية التي لا تعترف بالدين.
هذه أخي القارئ أبرز معالم الدكتور عمارة حول القومية، وهو يوهمنا بأنه لا يرى رأي القوميين العرب الذين نبذوا الإسلام .. وإنما هو يمزج بين الإسلام والقومية مزجًا يعطي كلاً منهما حقه. ويخترع لذلك قضية أمة الدين وأمة الدولة زيادة في التلبيس على القارئ والحق يقال إن الدكتور -كما قلت سابقًا- من غلاة القوميين العرب المعاصرين ويشهد لذلك كذبه واختراعاته العجيبة. كما يشهد لذلك فلتات قلمه التي تظهر ما في نفسه.

* القومية في ميزان أهل السنة والجماعة:
- قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة. وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
الوجه الأول: إن الدعوة إلى القومية العربية تفرّق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرّق بين العرب أنفسهم لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابًا، فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه، وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوي كما يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
* وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
* وقال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذّر منها وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق، وكم جرّت دعوى الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل وغرس العداوة. والشحناء في القلوب والتفريق بين القبائل والشعوب.
- قالت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"وغضب لذلك غضبًا شديدًا. انتهى.
ومما ورد في ذلك من النصوص قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
* وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}.
• وفي سنن أبي داود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية".
• وفي "صحيح مسلم"أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد".
ولا ريب أن دعاة القومية يدعون إلى عصبية ويغضبون لعصبية ويقاتلون على عصبية، ولا ريب أيضًا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر لأن القومية ليست دينًا سماويًّا يمنع أهله من البغي والفخر، وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء، وإن كانت هي الظالمة وغيرها المظلوم.
- وهنا شبهة يذكرها بعض دعاة القومية أحب أن أكشفها للقارئ، وهي أن بعض دعاة القومية زعم أن النهي عن الدعوة إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص العرب وإنكار فضلهم.
- والجواب أن يقال: لا شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير صحيح، فإن الاعتراف بفضل العرب وما سبق لهم في صدر الإسلام من أعمال مجيدة لا يشك فيه مسلم عرف التاريخ كما أسلفنا، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم أبو العباس ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم، وأورد في ذلك أحاديث تدل على ذلك، ولكن لا يلزم من الاعتراف بفضلهم أن يجعلوا عمادًا يتكتل حوله ويُوالى عليه ويُعادى عليه، وإنما ذلك من حق الإسلام الذي أعزّهم الله به وأحيا ذكرهم ورفع شأنهم، فهذا لون وهذا لون، ثم هذا الفضل الذي امتازوا به على غيرهم، وما منّ الله به عليهم من فصاحة اللسان ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال الرسول العام بلسانهم ليس مما يقدّمهم عند الله في الآخرة ولا يوجب لهم النجاة إذا لم يؤمنوا ويتقوا، وليس ذلك أيضًا يوجب تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين، بل أكرم الناس عند الله أتقاهم كما تقدم في الآية الكريمة والحديث الشريف، بل هذا الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه أكثر من غيرهم، وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه الذي رفعهم الله به، وأن يوالوا عليه ويعادوا عليه دون أن يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من الأفكار المسمومة والدعوات المشئومة، ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئًا لم يكن أبو لهب وأضرابه من أصحاب النار، ولو كانت تنفعهم بدون الإيمان لم يقل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا"، وبذلك يعلم القارئ السليم من الهوى أن الشبهة المذكورة شبهة واهية لا أساس لها من الشرع المطهر ولا من المنطق السليم البعيد من الهوى.
الوجه الثالث: هو أنها سلّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم. ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة. والنصوص في هذا المعني كثيرة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ .. } الآية. سبحان الله ما أصدق قوله وأوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون لأجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين وملاحدة وغيرهم تحت لواء القومية العربية، ويقولون: أن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله ومخالفة لشرع الله وتعدٍّ لحدود الله وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟ فما أعظمَ ذلك من باطل وما أسوأه من منهج. القرآن يدعو إلى موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا وكيفما كانوا، وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ}.
* ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
ونظام القومية يقول: كلّهم أولياء مسلمهم وكافرهم، والله يقول: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .. } الآية.
* ويقول سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ   قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}.
* وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} وشرع القومية، أو بعبارة أخرى شرع دعاتها يقول: أقصوا الدين عن القومية، وافصلوا الدين عن الدولة، وتكتلوا حول أنفسكم وقوميتكم حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم، وكأن الإسلام وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم، هذا والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية، سبحانك هذا بهتان عظيم.
والآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين والتحذير من توليهم لا تخفي على أهل القرآن، فلا ينبغي أن نطيل بذكرها، وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل وأبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده إلى يومنا هذا إخوانًا وأولياء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ومن سلك سبيلهم من العرب إلى يومنا هذا .. هذا والله من أبطل الباطل وأعظم الجهل. وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه وإن أنكره بعض دعاتها جهلاً أو تجاهلاً وتلبيسًا.
الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكامًا وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام .. وقد صرح الكثير منهم بذلك .. وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال. تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١).

* محمد عمارة والعلمانية:
للدكتور عمارة كتاب بعنوان (العلمانية ونهضتنا الحديثة) خصصه للرد على غلاة العلمانيين ممن يرون فصل الدين عن الدواء واستبعاده عن قيادة الأمة في مجال السياسة .. وله أيضًا حوارات كثيرة معهم .. إذن! .. لماذا هذا المبحث؟
فأقول: سيزول عجبك قريبًا.
وفيما يلي لن أبحث تطور العلمانية في بلادنا وكيفية انتقالها؛ لأنه مبحث طويل يعرفه الجميع. وخير من بحث فيه من المعاصرين الشيخ محمد قطب في كتابه "مذاهب معاصرة"والشيخ سفر في رسالته "العلمانية"فخلاصة العلمانية التي يعرفها الجميع لكثرة الحديث حولها هي "فصل الدين عن الدولة"وجميع القراء تقريبًا يعلمون أنها مخالفة لهدي الإسلام فملخص حكم الإسلام فيها كما قال الشيخ سفر: "إن العلمانية تعني بداهة الحكم بغير ما أنزل الله فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين ومن ثم فهي بالبديهة أيضًا نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام بل هو كافر بنص القرآن الكريم {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (٢). فهذا المبحث لن أخصصه لذلك، وإنما سأعرض فيه رأي الدكتور حول طبيعة السلطة في الإسلام ليقتنع القارئ بعلمانيته ثم أفند شبهاته وآراءه بعد ذلك.* العلمانية عند الدكتور عمارة:
- يقول الدكتور: "إن فصل الدين عن الدولة على النحو الذي تقرره العلمانية الغربية لا يمكن أن يكون شعار الذين يفهمون الإسلام حق الفهم .. فهو شعار مرفوض""الدولة الإسلامية" (٦٤). فالدكتور يرفض علمانية الغرب التي تفصل الدين عن الدولة وتجعل الدين يقبع في الكنيسة.
٢ - لماذا يرفض الدكتور العلمانية؟ يقول: "شعار العلمانية قد ارتفع في أوربا بمعنى عزل السلطة الدينية للكنيسة عن شئون المجتمع السياسية؛ لأن تراث أوربا وواقعها كانا يشهدان سلطة دينية تحكم قبضتها على مقدرات المجتمع كلها أما في واقعنا نحن وتراثنا ومنطلقاتنا فالأمر مختلف بل وعلى النقيض فالإسلام لم يقر السلطة الدينية بل هو كما يقول الإمام محمد عبده ينكرها ويدعو إلى رفضها بل ويهدمها من الأساس .. ""الدولة الإسلامية" (٦٣).
إذن هو ينكر العلمانية الغربية؛ لأنه لا يوجد لدينا سلطة دينية تواجهها في الطرف الآخر كما حدث في الغرب مما اضطرهم للجوء إلى العلمانية للحد من سلطات الدين ورجاله .. لهذا فالدكتور عمارة أيضًا.
٣ - ينكر السلطة الدينية في الإسلام ويقول: "أما إسلامنا فإنه ينكر السلطة الدينية التي تجعل لنفر من البشر سلطانًا اختص به المولى سبحانه ورسله عليهم الصلاة والسلام""الدولة الإسلامية" (٦٣).
ويقول: "إن السلطة الدينية تعني -في كلمات بسيطة ودقيقة- أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحق الانفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره. وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الادعاء من قبل فرد. يتولى منصبًا دينيًّا أو منصبًا سياسيًّا. وسيان كذلك أصدرت كهذه الدعوى من فرد أو من مؤسسة فكرية.  
.أو سياسية.
وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي، فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية -باستثناء الشيعة- تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء""الدولة الإسلامية" (١٤).
٤ - يرى الدكتور: "أن مصدر هذه النظرية قديم قدم طموحات السلطة المستبدة بمقدرات البشر، من أن حاول أصحابها تغليف استبدادهم وانفرادهم بالسلطان بغلاف ديني يصد الناس بسلاح الإيمان والدين عن السعي لممارسة حقهم، بل واجبهم في محاسبة الحكام .. لقد بدأت وظلت. ولا تزال محاولة يريد بها البعض الإفلات من نطاق محاسبة الجماهير، عن طريق تجريد الأمة من حقها في التشريع وحقها في أن تكون مصدر السلطان والسلطات .. زاعمة هذه المحاولة أن الحاكم نائب عن الله لا عن الأمة .. وهم بذلك يغفلون أو يتغافلون عن أن "حق الله"هو "حق المجتمع"، أي حق الأمة والناس .. بحكم خلافة الإنسان -في الأرض- عن الله ..
وإذا نحن ذهبنا نلتمس بدايات هذه الدعوى في تراث الإنسانية السياسي وجدناها لدى فراعنة مصر الأقدبين الذين ادّعوا بنوتهم للإله .. ووجدناها في الكسروية الفارسية التي سبقت ظهور الإسلام. عندما كان كسرى يحكم "بالحق الإلهي". جاعلاً من قراراته وأحكامه وحي الإله "أهورا - مزدا" .. وجدناها كذلك في القيصرية الرومانية. قبل اعتناقها المسيحية، عندما كانت ذات الإمبراطور "مقدسة إلهية" .. وحتى بعد اعتناقها للمسيحية فلقد طوعت أوربا المسيحية لتراثها في نظرية الحكم بالحق الإلهي. ولم تطوع المسيحية أوربا لتعاليمها التي عرفت بالشرق خالية من هذا المفهوم. وبعبارة قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (٤١٥) فإن النصرانية (المسيحية)  عندما دخلت روما لم تتنصر روما ولكن المسيحية هي التي ترومت؟! .. فلقد أصبح الإمبراطور رئيسًا للكنيسة. وحكم بالحق الإلهي في ظل المسيحية، كما كان الحال وهم يعبدون الأوثان! ..
فمن تراث أوربا الوثني القديم تسربت هذه النظرية إلى أوربا المسيحية.
حتى أصبحت المسئول الأول عن العصور المظلمة التي شهدتها أوربا لعدة قرون.
ومن تراث الكسروية الفارسية تسربت هذه النظرية إلى فكر الشيعة السياسي حتى لقد انفردت به هذه الفرقة من دون سائر فرق الإسلام.
فهي إذن نظرية غريبة عن فكر الإسلام الجوهري وتراثه النقي .. وهي إذن ميراث من مواريث الأمم الأخرى. سواء في العصور القديمة أم في العصور الوسطى""الدولة الإسلامية" (٨٠).
٥ - يرى الدكتور أن من الداعين إلى السلطة الدينية في عصرنا الحاضر - والذين لأجلهم ألف كتابه "تيار الرفض في حركة الصحوة الإسلامية"ويعني بهما الجماعات التي تأثرت بفكر السيد المودودي والسيد قطب كما صرح بذلك في أكثر من موضع بدعوى أنهما شابها الشيعة في دعوتهما المشهورة بأن تكون (الحاكمية لله) فهم في نظره "يزعمون أن السلطان السياسي في المجتمع الإسلامي ليس حقًّا من حقوق الأمة، فالبشر ليسوا هم الحكام في مجتمعاتهم، وإنما الحاكم في هذه المجتمعات هو الله وسبحانه وتعالى .. أي أن الأمة ليست هي مصدر السلطات، كما تعارفت على ذلك الدساتير والأنظمة والنظريات التي تسود أغلب أنحاء الدنيا في العصر الذي نعيش فيه! فهذه الجماهير وتلك الأمم والشعوب التي تناضل من أجل أن تصبح هي مصدر السلطة والسلطان على أرضها وفي مجتمعاتها، هي بنظر هؤلاء النفر من المفكرين والمشتغلين بشئون الإسلام، خارجة عن صراط الله 

المستقيم. ومتعدية حدودها، وجائرة على اختصاص المولى جل وعلا! ".
"وهم، بقولهم هذا، يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام
الإسلامي -الحاكم- وكيلاً عن الله -سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا- لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون، وهو في عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلي في المجتمع. فإذا قلنا إن السلطة لله.
كانت دينًا ووحيًا، ومن ثم كانت سلطة دينية، وكان متوليها حاكمًا "بالحق الإلهي"ونائبًا عن الله. وخليفة له وظلاًّ! .. أما إذا قلنا -كما هو الحال في الفكر الديمقراطي- بأن صاحب السلطة الأصلي هو الشعب. كان متوليها نائبًا عن الأمة ووكيلاً أو شبه وكيل. وكان مسئولاً أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته. وعزله إن هو أخل بشروط عند البيعة والتفويض والاختيار""الدولة الإسلامية" (٣١ - ٣٢).
٦ - وبعد أن رفض الدكتور العلمانية والسلطة الدينية فهو يختار أن الإسلام "يفرق بين العلوم الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها "بأصول الدين"، وبين ما سواها من العلوم .. فالعلوم التي تتعلق بالنبوة، واليوم الآخر، وبالعبادات وبأركان الدين، هي علوم شرعية، المرجع الأول فيها إلى النصوص الموحى بها، وهذه هي علوم الدين، أما ما سواها من العلوم، رغم تسميتها بالإسلامية، فإنها علوم عقلية، دنيوية جاءت ثمرة لنشاط العقل الإنساني المحكوم فقط، بالحقائق المقررة والمكتشفة في ميادين هذه العلوم، فنحن لدينا في تراثنا علوم وفنون مثل: "العمارة الإسلامية"و"الزخرفة الإسلامية"و"الفن الإسلامي"و"الطب"و"الصيدلة"و"الفلك" .. إلخ .. إلخ .. علوم وفنون تبلورت صروحها في المجتمع الإسلامي، فسميت إسلامية، ولكن بالمعنى الحضاري، ليس بالمعنى الديني، فهي علوم الحضارة الإسلامية وليست علوم الديانة الإسلامية، وهي علوم العقل الإسلامي. وليست علوم الوحي الإسلامي، وهي محكومة بحقائق العلم كما يقررها عقل العالم المسلم وليس المرجع في صحتها تفسيرًا أو تخريجًا يقتحم به دعي ميادين هذه العلوم .. فليست هناك "كيمياء"مسلمة وأخرى كافرة .. وليس هناك "جبر"مؤمن وآخر كافر .. لأن وصف كل هذه العلوم "بالإسلامية"إنما هو بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى الديني؛ لأن الإسلام كحضارة قد شمل ميادين أكثر عددًا وأوسع مدى من تلك التي امتد إليها نطاق الإسلام كدين .. فالإسلام يقرر "مدنية"السلطة السياسية في المجتمع، ويؤكد على "بشريتها"، وذلك عندما يقرر أن الطريق إلى تولي هذه السلطة هو شورى البشر، والاختيار والعقد والبيعة. وعندما يؤكد على نيابة الحاكم عن الأمة، ومسئوليته تجاهها وأمامها .. وهو في ذات الوقت لا يرى "الفصل"بين الدين والدنيا؛ لأنه -باعتراف الجميع- قد تناول عددًا من الأحكام وأشار إلى كثير من أمور الدنيا فاتخذت لنفسه فيها موقفًا، وقرر للحياة الاجتماعية عددًا من القواعد الكلية، المتمثلة في "مقاصد الشريعة"وآيات الأحكام التي قننت "للثوابت"دون "المتغيرات"ثم طلب من الناس أن يعيشوا ويتحركوا وأن يطوروا حياتهم ومجتمعاتهم في إطار هذه القواعد الكلية والوصايا الإلهية العامة، التي هي أشبه ما تكون بالمثل العليا والأطر الجامعة التي حددها الله للناس كي لا يضلوا عنها ولا يتنكبوا الطريق الموصل إلى تحقيقها أو الاقتراب منها على أقل تقدير .. ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبير الأدق عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية، أي ينكر "وحدة"السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا يفصل بينهما، وإنما هو "يميز"بينهما. فالتمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام.
فاستبعاد الدين ونفيه من نطاق العوامل الحاكمة والمؤثرة في المجتمع. خطأ فكري. لا يتصور وضعه موضع التطبيق .. وفي نفس الوقت فإن محاولة صبغ السياسة والحكم بالصبغة الدينية الخالصة هي محاولة غريبة عن روح الإسلام؛ لأنها دعوة إلى أن يقتفي المسلمون أثار الأمم الأخرى التي وحدت السلطتين: الدينية والسياسية، فعاشت أظلم عصور تاريخها تستوي في ذلك كسروية الفرس وقيصرية الروم، في القديم، وأوربا في العصور الوسطى""الدولة الإسلامية" (٦٢ - ٦٥).
- ويقول محددًا منهجه: "إن ما هو دين جاء به الوحي، وانتقل إلينا في القرآن - الذي هو معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نتلقاه بروح الإيمان. من مصدره هذا. مستعينين بالسنة. التي ينفي عنها الوضع والتحريف موافقتها للقرآن، ومستأنسين ومسترشدين في نظرنا هذا بالعقل الذي هو "وكيل الله"في الإنسان جعل إليه زمام أموره وقيادة نشاطاته .. وإذا كان العقل -كدليل- هو من خلق الله، والقرآن -كدليل- هو من عند الله، فيستحيل قيام التعارض الحقيقي أو التضاد بين دليلين أبدعهما خالق واحد، وتعهد بواسطتهما معًا مهمة هداية الإنسان .. فإذا حدث وبدا أن هناك تعارضًا بين ظاهر النص وبرهان العقل، وجب تأويل النص -دون تعسف- بما يتفق مع برهان العقل، حتى تتوافق في هداية البشر الأدلة النابعة من مصدر واحد، هو الخالق سبحانه وتعالى""الدولة الإسلامية" (١٦).
ويقول": "ما قضاه وأبرمه وقرره الرسول في أمور الدين عقائد وعبادات، لا يجوز نقضه أو تغييره حتى بعد وفاته؛ لأن سلطانه الديني، كرسول ما زال قائمًا فيه. وسيظل كذلك خالدًا بخلود رسالته عليه الصلاة والسلام .. على حين أن ما أبرمه من أمور الحرب والسياسة يجوز للمسلمين التغيير فيه بعد وفاته. لأن سلطانه هنا قد انقضى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
وخلفه سلطان الخليفة، الذي هو سلطان مدني لا أثر للسلطة الدينية فيه"  "الدولة الإسلامية" (٧٦).
٧ - يحتج الدكتور على دعواه السابقة بعدة أدلة يمكن تلخيصها كالآتي:
أ- حديث تأبير النخل "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
ب- أن الخلافة كانت بالشورى والاختيار والعقد والبيعة لا بالميراث.
ج- أن الحكم في القرآن والسنة لا يدل على الحكم في السياسة بل الحكم في القضاء والمنازعات.
د- أن عمر - رضي الله عنه - اقتبس بعض أنظمة الفرس كالديوان.
هـ- أن الإسلام قد قرر الفصل بين أمة الدين وأمة الدولة.
وأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى سنة دينية ملزمة وسنة دنيوية غير ملزمة ومنها مشاوراته للصحابة في عدد من الحوادث وقضاؤه بينهم بحسب ما يظهر له مستشهدًا على قوله هذا بكلام للقرافي والدهلوي سيأتي في موضعه.

* العلمانية في الميزان السلفي:
نحن نرفض العلمانية ونحن نرفض السلطة الدينية! هذا حكم أهل السنة وهو موافق لحكمك فما الفرق بيننا إذن؟ الفرق بيننا أن منهج أهل السنة يؤمن بالإسلام كاملاً، لأنه منهج يعم حياة المسلم صغيرها وكبيرها، وأما الدكتور عمارة فيؤمن بالعلمانية (المتمسلمة) التي تؤمن ببعض الإسلام وترد بعض فخلاصة كلامه -هداه الله- أننا يجب أن نأخذ العقائد والعبادات وأركان الدين من القرآن والسنة لأنها وحي لا يتغير بالزمن، وأما في السياسة وشئون المجتمع فالمرجع فيها إلى الأمة والمصلحة لا القرآن والسنة؛ لأنها ليست دين .. ولكن كل ذلك "في إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التيقررها هذا الدين"!! كما يقول. وأيضًا أمور الاقتصاد والعمران والتصوف بأنواعه مثلها. هذا ملخص ما يريد الدكتور وهو ينطوي على مخالفات شرعية مستترة ستتضح أثناء النقاش. فيقال للدكتور:
١ - لا أعرف أحدًا من الإسلاميين من أهل السنة في هذا الزمان يقول بالسلطة الدينية كما تزعم، وإنما تلك المقولات تخيلات في ذهنك أسأت بها فهم كلام الأستاذين المودودي وسيد قطب -رحمهما الله- (١) فالسلطة الدينية لم يقل بها سوى الشيعة الذين يجعلون للإمام العصمة في قراراته أما عندنا أهل السنة فلا يجرؤ أن يقول ذلك أحد.
فلماذا تكذب عليهما؟ وتحمل كلامهما ما لا يحتمل وما لا يقوله إلا جاهل بطبيعة المنهج الإسلامي فحديثهما في واد وأنت وفهمك في واد آخر فأنت تقول عن المودودي أنه: "ذهب فأحيا شعارًا من شعارات الخوارج -رغم عدائه لفكرهم- وهو شعار الحاكمية فأثار بلبلة ولغطًا وشبهات كثيرة في حقل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر""الطريق" (٢٦٧).
وهو يقول عن نفسه: "إن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من الناس، وإن الآيات التي أوردناها آنفًا لتدل دلالة صارخة على أن الطاعة ليست إلا لله عز وجل، وما جاء الإسلام إلا لأن يقمع شأفة عبودية الإنسان لغير الله، وأن يقضي على ألوهية البشر. ومن الواضح النبين أن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من البشر ككونه أحد أفراد البشر. فما طاعة الرسول إلا باعتباره قد أوتي الحكم والنبوة من الله، وما طاعة الحكام إلا باعتبارهم منفّذين لأحكام الله. .. ورسوله، وما طاعة العلماء إلا لأجل أنهم يرشدون الناس إلى أحكام الله ورسوله وحدود الله في مختلف شعب الحياة. فإذا جاء أحد منهم بأمر من الله، فالواجب على المسلم أن يطأطئ له رأسه دون أن يستنكف عن طاعته؛ لأنه لا حرية له في الفكر والرأي أبدًا أمام الله خالقه ورازقه وحاكمه الحقيقي المطلق. وأما إذا جاء أحد من البشر مهما كان شأنه يعرض على المسلم رأيه وفكرته من نسيج خياله فإن طاعته على المسلم ليس واجبًا. وله الحق كل الحق أن يمارس حريته في التفكير ويقيم رأيًا من الآراء. كما له الحق في أن يأخذ برأي غيره إن ارتاح إليه قلبه. وأن يخالفه بحرية تامة إذا رآه لا يستقيم" (١) "مفاهيم إسلامية" (١٢٩).
وأنت تقول عن سيد -رحمه الله-: "لم يختلف موقف سيد قطب في الجوهر عن موقف المودودي في نظرية الحاكمية الإلهية فهي بمقتضى لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته لا حاكمية إلا لله ولا سلطان لأحد على أحد لأن السلطان كله لله .. والحاكفية الإلهية عامة في الجانب الإرادي من حياة الإنسان كما هي في الجانب الفطري والوجودي شاملة لما هو دنيوي شمولها لما هو ديني عامة فيما هو سياسة عمومها فيما هو عبادة""الصحوة الإسلامية" (١٤٩).
وهو يقول: "الإسلام لا كهانة فيه ولا وساطة بين الخلق والخالق، فكل مسلم في أطراف الأرض، وفي فجاج البحر، يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، بلا كاهن ولا قسيس، والإمام المسلم لا يستمد ولايته من "الحق الإلهي"ولا من الوساطة بين الله والناس، وإنما يستمد مباشرته للسلطة من الجماعة الإسلامية، كما يستمد السلطة ذاتها من تنفيذ الشريعة، التي يستوي الكل في فهمها وتطبيقها متى فقهوها، ويحتكم إليها الكل على السواء. فليس في الإسلام "رجل دين"بالمعنى المفهوم في الديانات التي لا تصح مزاولة الشعائر التعبدية فيها إلا بحضور رجل الدين، إنما في الإسلام علماء بالدين، وليس للعالم بهذا الدين من حق خاص في رقاب المسلمين، وليس للحاكم في رقابهمم إلا تنفيذ الشريعة التي لا يبتدعها هو بل يفرضها الله على الجميع" (١) "العدالة الاجتماعية" (١٣).
فكيف تتهمهما بما لم يقولا به؟ الذي أظنه -والله أعلم- أنك تعلم حقيقة قولهما، ولكنك ترى بسوء فهمك إن هذا القول منهما يتضمن القول بالسلطة الدينية ولو أنكرا ذلك في كتبهما وهكذا غيرهما من دعاة الإسلام الذين يطالبون بتحكيم الشريعة (كاملة) ويدل لذلك قولك: "وهم بقولهم هذا .. يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام الإسلام -الحاكم- وكيلاً عن الله سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون .. ""الدولة الإسلامية" (٣٢) وهذا الفهم الخاطئ جرك إلى اعتقاد أن من يطالب بتحكيم الشريعة في هذا الزمان هو من الداعين إلى السلطة الدينية.
- يقول عبد القادر عودة -رحمه الله-: "إذا كان من وظيفة الحكومة الإسلامية أن تقيم الدين فإنها لا تعتبر من نوع الحكومات الدينية التي يسميها الفقه الدستوري حكومات ثيوقراطية" (٢).
- ويقول الشيخ سفر الحوالي: "أما السلطة الكهنوتية فلا وجود لها في الإسلام لا بالشكل الذي رأيناه سلفًا في أوربا النصرانية ولا بغيره. ذلك أن الإسلام -وهو دين التوحيد الخالص- إنما أنزله الله لتحرير العباد وإخراجهم. من عبودية العباد إلى عبادة الله وحده وطاعته دون سواه في التلقي وفي الاتباع في المنهج والسلوك " (١).
- ويقول الشيخ القرضاوي: "أما الحاكمية بالمعنى التشريعي ومفهومها أن الله سبحانه هو الشرع لخلقه وهو الذي يأمرهم وينهاهم ويحل لهم ويحرم عليهم فهذا ليس من ابتكار المودودي ولا سيد قطب بل هو أمر مقرر عند المسلمين جميعًا" (٢).
فالحاكم لا يطاع إلا لأجل تنفيذ أوامر الله وأحكامه وإما إذا خالف ذلك فلا حق له بالطاعة. وهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده - صلى الله عليه وسلم - والغريب أنك لم تطلق على حكمهم مسمى "الحكومة الدينية"مع أننا لا نطالب إلا بمثل حكمهم!! فما الفرق بيننا؟ الخلاف بيننا وبينك ليس هو في اعتقادك أن العلماء والدعاة يقولون بالحكومة الدينية بشكلها النصراني فأنت تعلم أنهم لم يقولوا بذلك كما سبق وإنما الخلاف بيننا في تحديد السلطة المدنية والسلطة الدينية كما فرقت بينهما أو أمور الدين وأمور الدولة. فقولك إن أمور السياسة والاقتصاد والعمران والفن لا تدخل ضمن الدين قول فيه إجمال فهو من الأسماء المبهمة التي يتوقف فيها أهل السنة فلا يجيبوا بنفي ولا إيجاب حتى يعرفوا معناها فهي كألفاظ الجسم والتركيب والجوهر والحيز في باب العقائد يتوقف فيها كما هو معروف من مذهب أهل السنة فإن كان حقًّا أقر وإن كان باطلاً رد .. وهكذا قولك هذا فماذا تعني بالسياسة؟ إن كنت تعني مثلاً أن تختار الأمة حكامها بنفسها مع الشروط التي اشترطها الإسلام فيهم وإن يشاورهم هذا الحاكم في أمور الدولة التنظيمية وفي شئون الحرب المتغيرة كخطة الحرب (التكتيكية) من أين يهاجم؟ وأي قائد يولي على هذه الجهة؟ 
.ونحو ذلك فهذا الأمر نوافقك في أنه لم يرد فيه نصوص ملزمة، وإنما هو متروك للحاكم.
وأما إن كنت تعني بالسياسة أن تكون الدولة ديمقراطية كما تصرح بذلك كثيرًا، وتكون السلطات بيد الشعب فهذا أيضًا مما يتوقف فيه لأنه مجمل. فإن عنيت بسلطات الشعب أن يشاركوا الحاكم في أحكامه التي سبق أمثله منها أي لم يكن فيها نص من القرآن أو السنة فهذا مما نوافقك عليه، ولكن لا نسميه ديمقراطية، وإنما هو الشورى الإسلامية ويتنبه هنا إلى أمرين:
١ - إن الذين يشاورهم الخليفة من الشعب في مثل هذه القضايا إنما هم أهل العقد والحل من أجلاء المسلمين وأصحاب الورع والتقوى والفكر الناضج وليست المشاورة لكل الشعب الذي يحتوي في مجمله على أناس من الجهلة والعوام والطغام الذين لا يفقهون شيئًا في هذه الأمور.
٢ - إن مشاورة الحاكم لهم لا تعني أن يلزم بما يقولون ما لم يكن فيه نص بل هو يستمع إلى آرائهم ثم يفصل في الأمر بما يراه هو محققًا لمصلحة الأمة. ولا يلزمه أحد بشيء كما فعل عمر - رضي الله عنه - في أحكام كثيرة.
وأما إن عنيت بسلطان الشعب (الديمقراطية الغربية) (١) وهو ما تعنيه.
أي أن تكون الأمة هي مصدر التشريع بحيث تشرع القوانين التي تراها مناسبة للزمن المعاصر ولو خالفت نصًا من الكتاب أو السنة فهذا ما نرفضه رفضًا تامًا؛ لأنه تدخل في ما اختص به الله تعالى. وهو ما يسميه سيد قطب والمودودي بالحاكمية. وهذا هو الذي تدندنون حوله فقد صرحت في بعض كتبك بأن الهدف من سن القوانين المتنوعة التي يراها الشعب هو مصلحة الأمة ولو عارض ذلك نصًّا من الكتاب والسنة ومثال ذلك قولك: "الإسلام كدين لم يحدد للمسلمين نظامًا محددًّا للحكم؛ لأن منطق صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان يقتضي ترك النظم المتجددة قطعًا بحكم التطور للعقل الإنساني الرشيد. يصوغها وفق مصلحة المجموع وفي إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين""الدولة الإسلامية" (٥٣)، وفي نص آخر تقول: "إن الأمة هنا هي مصدر السلطات شريطة أن تتقيد سلطاتها بالوصايا الدينية المتمثلة في النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة طالما بقيت هذه النصوص محققة لمصلحة الأمة في مجموعها وإلا قدمت المصلحة على هذه النصوص .. لأن الشريعة في السياسة والدولة والعمران مقاصد ورأس هذه المقاصد ومحورها وجماعها هو تحقيق مصلحة الأمة الكافلة لسعادتها في الدنيا والآخرة""العلمانية" (٥١).
- قلت: ومعنى هذا الكلام الخطير الذي (يميع) الإسلام وسلطانه في الأرض أن الشعب (الجاهل) إذا اجتمع يومًا ما ورأى أن أمرًا ما يحقق المصلحة للدولة فإن الحاكم يلتزمه ولو خالف القرآن والسنة كما قال الدكتور فيترتب على هذا الأمر الخطير قضايا كثيرة .. وهكذا قضايا كثيرة وخطيرة لا تحصر .. فإن العمدة عند الدكتور هو (المصلحة) لا غير فهو (براجماتي) مسلم! وأما النصوص الشرعية فكما اعترف هو بنفسه فإنها تقذف في البحر!! والعياذ بالله! والطريف قوله بعد ذلك: "في إطار الوصايا العامة

والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين"! فإن هذه العبارة تذكرني بعبارة كثير من الصحفيين عندما يطالبون بأمر يخالف الإسلام يتسترون بقولهم: "في ظل العقيدة السمحة"! فهي لافتات معروضة في الطريق لكل من أراد هدم الإسلام من داخله ودون أن يشعر به أحد .. (هم العدو فاحذرهم).

* محمد عمارة والاشتراكية:
- (العدل الاجتماعي) .. أحد أهداف الدين الإسلامي التي جاءت نصوصه لتحقيقها عن طريق حفظ حقوق المسلمين وعدم الإضرار بهم .. ومساواتهم أمام نظم الإسلام وأحكامه.
والدكتور عمارة يدعو كثيرًا إلى .. (العدل الاجتماعي). بل علمنا فيما مضى أنه الفكرة التي تُشغل باله وتملأ عليه حياته في السنوات الأخيرة.
وقد تأملت كثيرًا في .. (العدل الاجتماعي) الذي ينادي به الدكتور .. فألفيته اشتراكية ترتدي مسوح الإسلام! فلنستمع أخي القارئ إلى نصوصه وشبهاته حول ذلك ثم لنستمع إلى حكم الإسلام في الاشتراكية والإجابة عن شبهاته.
يقول الدكتور: "الإسلام كدين ومن خلال كتابه الكريم وسنته التشريعية العامة لم يحدد لمستقبل المسلمين نظرية اجتماعية بعينها ولم يشرع لمجتمعهم تشريعًا اقتصاديًّا دائمًا بذاته لأنه وهو خاتم الرسالات والمقرر أن لله في كونه سننًا منها سنة التطور والتحول والتغيير ما كان له أن يضع القيود المسبقة على المصالح المتجددة والمتغيرة""الإسلام والثورة" (٥٣).
ويقول: وإذا شئنا إيجازًا يكشف فلسفة الإسلام الاجتماعية فإن باستطاعتنا أن نقول: إنه قد انحاز كل الانحياز إلى صف مجموع الأمة وعامتها وانتصر مصالح العاملين من أبنائها .. ثم ترك للواقع المتطور والمتغير أمر الاختيار والصياغة لما يحقق هذه المقاصد من نظريات وقوالب وتشريعات""الإسلام والثورة" (٥٤).
ويقول: "والإسلام عندما انحاز في المسألة الاجتماعية إلى مجموع الأمة وجعل الاحتياجات معيارًا للحيازة إنما كان يستهدف تفادي المخاطر والمضار التي تنشأ عن تركز ثروة الله -ثروة الأمة- بيد قلة من الأغنياء يتداولونها ويحتجزونها فيما بينهم لأن في ذلك الفساد كل الفساد في المادة والفكر في الدنيا والدين .. فالثروة يجب أن توزع وفق الاحتياجات وذلك حتى لا يزداد غنى الأغنياء فيصبح المالى حكرًا عليهم يتداولونه دولة بينهم""الإسلام والثورة" (٥٧).
ويقول: "ومذهب أبي ذر الغفاري أنه ما زاد على حاجة الإنسان فهو كنز سيكوى به ويعذب يوم القيامة حتى وإن أخرج عنه الزكاة .. وهو أيضًا مذهب علي بن أبي طالب الذي قرر أن الحد الأقصى لنفقة الإنسان ٤٠٠٠ درهم وما كثر عنه فهو كنز وإن أديت زكاته""الإسلام والثورة" (٦٤)!!!.
ويقول: "فتحريم الربا -وهو المال الناشئ عن مال دون عمل- يقطع بأن الفلسفة الاجتماعية للإسلام تقف مع المذهب القائل أن العمل هو الذي يعطي الأشياء حقيقة ومعظم قيمتها. وهو الأساس في الكسب وعليه المعول الأكبر في التمايز والامتياز""الإسلام والثورة" (٧٠).
- أخيرًا يلخص فكرته قائلاً: "لقد جعل المال مالاً لله .. منه فاض وعنه صدر وجعل الناس جميعًا مستخلبين فيه .. وحدد العمل سبيلاً للاختصاص فيه والحيازة منه .. ونهى عن حيازة ما زاد عن الاحتياجات التي يحدد العرف والعادة ودرجة ثراء المجتمع حدودها القصوى .. ونبه على وجوب الاشتراك العمومي في المصادر الأساسية لثروة الأمة والمجتمع""الإسلام والثورة" (٧١).
* حكمها في الميزان السلفي:
- يقول الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله-: "لا اشتراكية في الإسلام، وإنما ذلك قول باطل دعا إليه بعض الناس وزعم أنه من الدين وسمى ذلك اشتراكية إسلامية تمويهًا وتضليلاً، فالمساواة بين الناس في المال مما لا سبيل إليه، وإنما هو تمرد على النظام السماوي غير أن الذي يُقال في هذا المقام إن هناك واجبات تجب في المال كالزكاة وحقوق الأقارب من النفقات وغيرها مما هو مذكور في موضعه من كتب الأحكام والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل".
- وقال الشيخ ابن باز: "إن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الله كفّار ضلاّل" (١).

* محمد عمارة (٢) والدعوة إِلى التقريب بين السنة والشيعة:
- يدعو محمد عمارة إلى التقريب بين السنة والشيعة، وهو يكثر النقل عنهم وخاصة من أهم كتبهم (نهج البلاغة) الذي شرحه شيخه محمد عبده .. ولذلك فهو يثني على الدولة العبيدية الرافضية بمصر ويعتز بالانتساب إليها ..
- قال في كتابه: "عندما أصبحت مصر عربية ٤٧": "ذلك التحيز الذي نجده في كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون السلفيون (السنيون) عن مصر والقاهرة في زمن الفاطميين وهو موقف يجب أن يبرأ منه الباحث المعاصر؛
لأنه لا ناقة له ولا جمل في هذه الخلافات التي فرقت العالم الإسلامي فكريًّا وسياسيًّا حينًا من الدهر والتي زالت منذ قرون بواعثها وأسبابها، ولم يعد مستساغًا أن نظل في القرن الرابع عشر الهجري أسري لحزازات ولدت أسبابها ثم ماتت في زمن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان".
- وقال أيضًا بعد أن ذكر وثيقة الحاكم في التقريب بين السنة والشيعة: "إذا كنا نعتقد بالأهمية الكبرى لهذه الوثيقة التي أصدرها الحاكم بأمر الله في رمضان سنة ٣٩٨ هـ في الأمور التي تتعلق بشئون الدين والاعتقادات والتي حوت أفكارًا وقيمًا لا يزال المسلمون المستنيرون! يجاهدون في سبيل سيادتها وتطبيقها حتى في عصرنا هذا عندما يتحدثون عن التقارب بين المذاهب والفرق الإسلامية فضلاً عن توحيدها" (عندما أصبحت مصر عربية ١١٣).
فهو لا يدعو إلى التقارب فقط بل إلى التوحيد الكامل .. وكيف ذلك؟ لا ندري! لأن الدكتور كما قلت لكم بارع في استخدام الألفاظ "المطاطة"التي لا تجد تحتها أي فائدة.
ونطالع في كتابه "تيارات الفكر"محاولة (غريبة) لتوحيد المذاهب كلها في مذهب واحد! ولكننا نفاجأ بعدم وجود مذهب أهل السنة والجماعة ضمن هذه المذاهب! وهو الأساس والكل يخطب وده فلذلك يحق لنا أن نسمي هذه المحاولة "التقريب بين أعداء السنة"! قال الدكتور: "وإذا نحن خرجنا من إطار نظرية الإمامة فلن نجد بين الشيعة الإمامية، وبين غيرهم من تيارات الفكر الإسلامي وفرقة خلافات تتجاوز في الأهمية أو التميز ما بين الفرق غير الشيعية من خلافات سواء أكان ذلك في إطار المباحث الكلامية أو فقه الفروع .. بل سنجد الاتفاق قائمًا أو التقارب متحققًا بين الشيعة الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين في العديد من القضايا والتصورات .. يلقي الضوء على هذه المقولة. مقولة الاتفاق الكامل أو التقارب الشديد أو الاختلاف.  المألوف بين الإمامية وغيرهم ممن لم يتشيع .. يلقي الضوء على هذه المقولة أمثلة نضربها للدلالة والتوضيح .. " (٢١٥) ثم ضرب أمثلة لتقاربهم مع المعتزلة وأهل البدع الآخرين إلى أن يقول: "تلك هي عقائد الشيعة الاثنى عشرية في الإمامة فكر مرفوض ممن عداهم .. كان ولا يزال سبب أنقسام أمة الإسلام وفي غير الإمامة اجتهادات يتفق أو يختلف معهم فيها غيرهم من المتكلمين المسلمين .. والأمر الذي يجعل أنظار الحريصين على وحدة الأمة الإسلامية تتركز حول مبحث الإمامة على أمل أن تطوير هذا المبحث من منطلق النظرة النقدية للتراث وفي ضوء منطق العصر ومصلحة الأمة كفيل بأن يجد تأويلاً -يرضى عنه كل الفرقاء- للمأثورات التي فصمت عرى وحدة الأمة لعدة قرون .. خصوصًا وأنها قد رويت لتعالج قضية صراع قد غدا الآن في ذمة التاريخ" (٢٢١).
- هكذا يا دكتور!! تجمع وتقرّب وتوحّد .. وأهل السنة والجماعة وهم أصحاب الشأن في هذا التقريب المزعوم لا نحس منهم من أحد في تقريبك ولا نسمع لهم ركزًا .. أم أن الأمر كما قيل:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يُستأمرون وهم شهود
- قال الدكتور في كتابه "الإسلام والمستقبل" (٢٤٤) عند حديثه عن تيار الجمود (١) (وهم نحن! ):
"وفي قوم زعموا أنهم مجتهدون رغم تسليمهم واستسلامهم لأساطير تراثية ظلت تفعل فعلها في تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة".

* التقريب في الميزان السلفي:
لا تقارب بين السنة والشيعة .. أعلنها المخلصون الأذكياء من هذه الأمة
.. من الذين عرفوا دين الرافضة ومحصوه عبر السنين فاقتنعوا بأنه دين آخر غير الإسلام يقترب من اليهودية أكثر من الإسلام.
- قال السيد محب الدين الخطيب: "إن استحالة التقارب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول كما اعترف به وأعلنه النصر الطوسي وأقره عليه نعمة الله الموسوي وباقر الخونساري ويقره كل شيعي" (١).
- وقال الشيخ الألباني: "لو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في مصطلح الحديث يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات ثم اعتمدوا جميعًا على ما صح منها لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلف فيها بينهم أما والخلاف لا يزال قائمًا في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة والله المستعان" (٢).
- ويقول الأستاذ عبد الله الغريب: "أطالب هؤلاء الذين يتباكون على ضرورة التقائنا مع الرافضة أن يقوموا بإحصائية لعدد من الكتب الحديثة التي ألفها كبار علمائهم وسيجدون أنها تزيد على الألف كلها تشكيك بأصولنا وعقيدتنا .. وعندئذ سيعلمون -لو أنصفوا- أن إمكانية الالتقاء معهم غير ممكنة" (٣). 

* محمد عمارة وتحرير المرأة:
الحديث عن المرأة المسلمة كما يقول الدكتور: "حديث طويل وعريض وعميق وأكثر من هذا فإنه مليء بالاختلافات والتناقضات""الإسلام والمستقبل" (١٩٩)، وصدق الدكتور! فإن الحديث عن المرأة في هذا العصر فيه اختلافات وهذه الاختلافات في قضايا واحده لا تتغير ولا تتبدل ..
وسبب هذه الاختلافات الهوى ولو التزم المختلفون كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مرجعًا لهم لما حدثت الاختلافات. والدكتور في حديثه عن المرأة ذكر بعض المخالفات الشرعية وجعلها هي الصواب وغيرها الخطأ زاعمًا أن ما خالفها فهو (تخلف)! هكذا دون أن يذكر آراء (المتخلفين) كي لا تؤثر في الأمة كما أثر غيرها لا سيما بعد انتشار (النقاب) الذي أسهر ليل الدكتور وأرقه أشد مما أسهرته وأرقته قضية فلسطين! فأصبح الهمّ الأكبر له ولأمثاله من (العقلانيين) أعني (غير المتخلفين)! فماذا يقول الدكتور حول المرأة؟ .. وماذا نقول؟ لنبدأ بالدكتور (المستنير) ليضيء لنا الطريق! ثم أتبعه بقول أهل السنة.
- يقول الدكتور: "لقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات دون أن تعني مساواته هذه إلغاء تمايز الجنسين في الطبيعة أو الاختصاص فقرر للمرأة إنسانيتها واحتفظ لها بتميزها بل رأى في هذا التمييز قسمة من قسمات إنسانيتها التي بها تتحقق المساواة بينها وبين الرجال""الإسلام والمستقبل".
- ويقول: "نحن إذا سلمنا بتمايز الرجل والمرأة في هذه الأمور -أي القوة الجسدية والنظام الجسدي والخصائص النفسية- وتلك حقيقة فلن يعني ذلك الانفصال الكامل بين ميداني عمل كل منهما""أبو الأعلى المودودي" (٣٧١).

يرى الدكتور أن ما دعا إليه قاسم أمين هو "الحجاب الشرعي""الإسلام والمستقبل" (٢٢٧) ويقول: "جمهور الفقهاء والمفسرين على أن الأصل هو جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها إلا إذا خشيت الفتنة .. أما الأستاذ المودودي فالأصل عنده هو النقاب وتغطية جميع أجزاء جسم المرأة ولا يجوز كشف الوجه والكفين إلا للضرورة. وهو بذلك قد ارتاد -في حركة الصحوة الإسلامية- التفكير لظاهرة الغلو بواسطة النقاب التي لا تكتفي بالحجاب""المودودي" (٣٨٤).
يرى الدكتور أن "ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو فكر إسلامي وآراء فقهية واجتهاد فقهاء وليس دينًا وضعه الله وأوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام""الإسلام والمستقبل" (٢٣٧).
أما حديث: "ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة"فهو "نبوءة سياسية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفشل الفرس المجوس أولئك الذين ملكوا عليهم امرأة وليس حكمًا بتحريم ولاية المرأة للقضاء .. فلا ولايتها العامة ولا الخاصة كانت بالقضية المطروحة على مجتمع النبوة كي تقال فيها الأحاديث""الإسلام والمستقبل" (٢٤١).
يرى الدكتور جواز الاختلاط في الأماكن العامة "المودودي" (٣٨٥).
يرى الدكتور جواز عمل المرأة في السياسة والقانون والفنون والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة و .. إلخ "المودودي" (٣٧٨).
يحتج الدكتور على آرائه في العمل والاختلاط العام بمشاركة بعض الصحابيات في بعض الغزوات.
يرى الدكتور جواز مشاركة المرأة في الانتخابات والمجالس النيابية "المودودي" (٣٨٠) ويحتج على ذلك بأن الصحابيات بايعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - واشتركن في بيعة العقبة. 
 

* محمد عمارة ومفهوم الجهاد عنده:
يرى الدكتور عمارة أن "القتال في الإسلام سبيل يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة، ضرورة حماية الدعوة وتأمين حرية الدعاة وضمان الأمن لدار الإسلام وأوطان المسلمين .. سيان كان ذلك القتال دفاعيًّا تمامًا أو مبادأة يجهض بها المسلمون عدوانًا أكيدًا أو محتملاً .. فهو في كل الحالات صد للعدوان .. إما إذا جنح المخالفون إلى المسلم وانفتحت السبل أمام دعوة الإسلام ودعاته وتحقق الأمن لدار الإسلام فلا ضرورة للحرب عندئذ ولا مجال لحديث عن القتال باسم (الدنيا) كان ذلك الحديث أو بالسم (الدين) ""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
ويقول: "الحديث عن أن الإسلام يوجب على أهله قتال كل حكومات المعمورة وجيوشها فإنه أقرب إلى هذيان الضعفاء ينفسون به عن العجز إزاء القهر الذي يمارسه الطغاة الداخليون منهم والخارجيون إزاء عالم الإسلام وشعوبه .. وهو هذيان يسخر منه الواقع الإسلامي بإمكانياته الحالية والمحتملة ومن ثم فلا أثر له إلا جلب العداء للمسلمين والنفور من الإسلام .. فضلاً عن منافاة فكر دعاة هذه الحرب الدينية لفكر الإسلام الحق في هذا الموضوع""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
ويؤكد رأيه قائلاً: "ليس في الإسلام حرب دينية .. لأن القتال لا يمكن أن يكون سبيلاً لتحصيل التصديق القلبي واليقين الداخلي الذي هو الإيمان""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
- قلت: فكرة الدكتور عمارة في هذه القضية تتلخص في أن الحرب في الإسلام التي مارسها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - من بعده هي حرب (سياسية) لا (دينية)! أي أنه لم يفرضها لنشر الإسلام وإكراه الناس على الدخول فيه. بل هي باختلافها حرب لتأمين الدولة الإسلامية ضد العدوان. عليها .. وأنه لا يمكن وجود حرب دينية في الإسلام لفرضه على الناس؛ لأن الله قد أذن بتعدد الشرائع .. فالإسلام ليس هو الدين الحق لوحده في هذا الزمان فهناك اليهودية والنصرانية .. فلماذا يقاتلهم المسلمون وهم مثلهم على هدى؟! ويرى أن الأجدى بدلاً من هذه الحرب الهجومية التي يطالب بها الدعاة أن نهتم بالنهضة الإسلامية "المؤسسة على الوعي الناضج بحقيقة الإسلام الدين والإسلام الحضارة تلك التي ستحول عالم الإسلام وبلاد المسلمين إلى شاهد صدق على عظمة الإسلام وتقدميته وجدارته بأن يكون الدين الذي تتدين به الإنسانية الراشدة دون سواه""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
- ويجيب عن شبهات الدعاة بما سيأتي.
وهذا القول منه مخالف للكتاب والسنة وأحداث السيرة النبوية وتاريخ المسلمين. وهو قد استقاه من رجال عاشوا في زمن التبعية الغربية والانهزام الروحي أمام الكافر. فأصبح يردده في زمن أعز الله فيه الإسلام وأهله في عدة مواقع .. فكان الأحرى به أن يدع هذا القول (العتيق) ويتعالى بإسلامه قليلاً.
- قال سيد قطب -رحمه الله- رادًا على الدكتور ومن سار بسيره في هذه القضية: "المهزومون ررحيًّا وعقليًّا ممن يكتبون عن "الجهاد في الإسلام"ليدفعوا عن الإسلام هذا "الاتهام"يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تُعَبِّد الناس للناس، وتمنعهم من العبودية لله .. وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما .. ومن أجل هذا التخليط، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! -يحاولون أن يحصروا.   * محمد عمارة وخبر الآحاد:
- الدكتور عمارة في هذه القضية (مقلد) لفحول أهل الكلام ومن تابعهم من شيوخه يردد ما يقولون كما يردد فاتحة الكتاب في الصلاة فى دون أن يورد حججًا على هذه المقولة (الآحاد لا يقبل في العقيدة) .. وإنما هو الشعار الذي يعليه على هامته إذا كشفت الحرب بيننا وبينهم عن ساقها! واشتد الخطب فهي الملجأ وإليها المفزع من أحاديث الصفات والغيب (المرهبة) لكل مبتدع!
- قال الدكتور في حديث افتراق الأمة: "إنه ككثير من الأحاديث المشابهة حديث آحاد وليس بالمتواتر وأحاديث الآحاد وإن جاز أن نأخذ بها في الأمور العملية فإنها غير ملزمة في الاعتقادات""الإسلام وفلسفة الحكم" (١١٨)، ولو قلت (للدكتور): لماذا؟ لقال: هاه .. هاه لا أدري .. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته!
- ويقول الدكتور نقلاً عن المعتزلة أنهم: "يميزون ما بين الأحاديث التي موضوعها الدين والعقائد وتلك التي موضوعها السنة العملية فيرفضون الاستدلال بأحاديث الآحاد -والأغلبية السابقة من الأحاديث أحاديث آحاد- على أمور الدين والعقائد ويقبلون الاستدلال بها في العمليات؛ لأن ما طريقه الدين لا يجب قبول خبر الواحد فيه أصلاً""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٨٤).
- قال أبو المظفر السمعاني في كتابه "الانتصار لأهل الحديث": "إن الخبر إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الثقات الأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم هذا عامة قول أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولا بد من نقله. 

بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول. ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد" (١).
- وقال الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "إن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجري على ذلك كل فرقة .. حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع في ذلك" (٢).
- وقال صاحب "الروض الباسم": "قد انعقد إجماع المسلمين على وجوب قبول الثقات فيما لا يدخله النظر، وليس ذلك بتقليد بل عمل بمقتضى الأدلة القاطعة الموجبة لقبول أخبار الآحاد وهي محررة في موضعها من فن الأصول ولم يخالف في هذا إلا شرذمة يسيرة وهم متكلمو بغداد من المعتزلة والإجماع منطبق قبلهم وبعدهم على بطلان قولهم" (٣).
- وللرد على عمارة ينظر إلى كتاب "الصواعق"لابن القيم، و"الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"و"وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد"للشيخ الألباني، و"أصل الاعتقاد"للشيخ عمر سليمان الأشقر.

* ما هكذا يا دكتور عمارة تُورد الإِبلُ:
- يقول في كتابه "المعتزلة ومشكلة الحرية" (٥): "نحن في مواجهةخطر السلفية النصوصية الذي يتنكر للعقل والعقلانية ويتعبد بظواهر النصوص حتى ما تعلق منها بوقائع تاريخ السلف وتجاربهم البشرية واجتهاداتهم الإنسانية .. ونحن في مواجهة حركة التغريب التي تسعى إلى تغريب عقل الأمة وطرائق عيشها وأنماط سلوكها .. نواجه خطرًا تعني سيادته استلاب هوية الأمة وتميزها الحضاري وقطع سلسلة تواصلها المعرفي مع تراث الآباء والأجداد .. وبعض هذا الاستلاب متمثل في دعوة المتغربين إلى النمط الغربي في العقلانية تلك التي لا تقيم للنقل وزنًا ولا مكان للوحي فيها ولا التزام لها بشريعة السماء".
ويقول في كتابه "العلمانية" (٦): "الذين ينظرون إلى واقعنا الفكري الراهن تزعجهم أبعاد هذا الانقسام بين: سلفية نصوصية تتعبد بظواهر نصوص لا قداسة لها .. وسلفية نصوصية هي الأخرى بظواهر نصوص لم يبدعها سلفنا وإنما أبدعها مفكرو الحضارة الغربية .. ".
ويقول في كتاب "الإسلام والمستقبل" (٢٤٤): "عندما شرعت أمتنا في مغادرة إطار العصور المملوكية العثمانية إلى رحاب عصر يقظتها وإحيائها ونهضتها وتنويرها من خلف رواد مثل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي تصارعت على ساحتها واعتركت في أحشائها وتنازعت في عقلها ووجدانها تيارات رئيسية ثلاث: أولها: تيار الجمود الذي استعصم بفكرية العصور الوسطى واعتصم بعد أن أضفى على هذه الفكرية التي جسدت عصر تخلفنا الحضاري قداسة الدين وقدسيته .. وثانيها: تيار التغريب ذلك الذي انبهر أهله بتألق الحضارة الأوربية وإنجازاتها وانتصاراتها .. ".
- قلت: ولا يكاد يخلو كتاب للدكتور دون ذكر هذا التقسيم الثلاثي .. فالأمة عنده قد انقسمت إلى (متخلفين) (جامدين) (نصوصيين) (خرافيين) وإلى (متغربين) (علمانيين) .. وأما التيار الثالث (المنقذ! ) فهو تيار.الأفغاني (السوبرمان! ) أو تيار (السلفيين العقلانيين) (المتنورين) (المجتهدين) (تيار الوسط) .. ! وصفات تيار الجمود أنه يعيش في (خرافات) العصر المملوكي والعثماني وصفات أهل التغريب أنهم مولون ظهورهم للتراث .. وصفات المتنورين أنهم جمعوا الدين والعقل .. إلخ. لا يوجد طائفة أخرى في الأمة داخل هذه القسمة. فكأنه يريد أن يسوق الناس بعصاه إلى تيار الأفغاني كما تساق البهائم في المرعى! فهو يقول لهم: ليس أمامكم.
إلا أن تتغربوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
أو أن تتخلفوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
إذن فالزموا -حفظكم الله- نهج الأفغاني فالعدو من أمامكم والبحر من خلفكم! دعوة مغطاة إلى مذهب الباطل يتنبه لها كل فطن وهو في هذا الفعل يخون الأمة إذ لم يعرض لها المنهج الصحيح الذي يعرفه .. وهو المنهج السلفي الذي يجمع بين الدين كما عاشه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وبين الدنيا التي يحاول أن يبلغ فيها القمة -ولكن تعوقه عوائق يعلمها الدكتور! - فإذا كان الدكتور جاهلاً في المنهج فهو في تفصيلاته أجهل كما سيأتي.
ثم إن الباحث في كتبه -هداه الله- لا يدري هل يجعلنا من المتخلفين أم من المتغربين؟ أما المتغربون فلا أظنه يفعلها لبعد ما بيننا ولأني لم أعثر له على نص واحد في ذلك. وأما المتخلفون فإن الدكتور (يتخبط) في ذلك فتارة تراه يثني على (السلفيين) أو أحد أعلامهم وأنهم ضد التخلف .. وتارة يصمنا بالتخلف! فتعجب أهم ضد أنفسهم مثلاً؛ فهو يقول في كتاب "الطريق إلى اليقظة" (١٥٦): "المهام الأولى لليقظة الإسلامية مجابهة الجمود بالاجتهاد والتجديد .. والتصدي للغزوة الاستعمارية بالجهاد والتحرير"، ويجعل (الوهابية) أي (السلفية) كما هو معلوم في مقدمة هذه التيارات   . اليَقِظَة .. فهو إذن قد أخرجنا من أهل الجمود والتخلف.
وفي كتاب "التراث في ضوء العقل" (٢٣٦) يقول: "مصطلح السلفية من المصطلحات التي يحيط بمضمونها الغموض في عدد من الدوائر الفكرية والسياسية في واقعنا العربي والإسلامي والمعاصر فهناك من يرون (السلفية) و (السلفيين) التيار المحافظ والجامد في حياتنا الفكرية وفي الجانب الديني من هذه الحياة على وجه الخصوص .. وهناك من يرون في (السلفية) وأهلها التيار الأكثر تحررًا من الخرافة والبدع ومن ثم الأكثر استنارة في مجال الفكر الديني بالذات"، فهو هنا يصفنا بالجمود! لأنه يعني بالفريقين السابقين نحن والأفغاني! وقد قال عن أهل الجمود في هذا الكتاب (١٠): "لم يكن في التراث الذي يبشرون به العروبة التي غدت قيمة أعلى الإسلام الحضاري والحضارة العربية الإسلامية مكانها بحكم ما للعرب من مكان الريادة والقيادة في الدين والدنيا بهذا المحيط الذي نعيش فيه .. بل بشروا بالتبعية للعثمانيين في عصر غدت فيه الدولة العثمانية ثوبًا مليئًا بالثغرات التي تسلل منها الغرب الاستعماري في صورة امتيازات وتسهيلات وحماية للأقليات .. إلخ حتى أصبح يلتهم ديار العروبة والإسلام إقليمًا وراء إقليم هكذا كان تراثهم الذي له يدعون وبه يبشرون"فهم مع العثمانيين .. ثم يقول في كتابه: "معارك العرب" (١٦٤) عن نهضة محمد علي: "وكان لا بد لهذه الصحوة بأن تصطدم بأعداء هذه الأمة التقليديين التخلف الممثل في السلطنة العثمانية والاستعمار الأوربي .. "، ومن المعلوم أن محمد علي قاتل (الوهابيين).
فكيف يكون ذلك؟ أم أنه التناقض والتخبط الذي اعتدناه منك. لا مخرج لك إلا بأن تقول: أنا ضد الجميع فالعثمانيون والترك (متخلفون) .. والوهابيون (متخلفون)، ولكن تخلف الوهابيين أقل من تخلف العثمانيين؛ لأنهم شاركوا ولو بقليل في اليقظة الإسلامية! وهذا ما أرجحه وسيأتي  دفعه. ولكن كان الأولى بالدكتور (الثوري) -والثورية تعني الشجاعة- أن يجهر بقوله ويقول: أعني بالمتخلفين والجاحدين السلفيين الذين يعيشون في مكان كذا! ومن أئمتهم فلان وفلان ومن المعاصرين فلان وفلان؛ والسبب أنهم قالوا كذا وكذا وهذا تخلف .. والصواب كذا وكذا. هذا هو المنهج السليم إذا أردت أن تنقد طائفة ما أن تذكر أقوالهم "الصحيحة"وتفندها وتدلي بقولك الذي تراه لينظر فيه .. أما الكلمات الرنانة وتخويف الأمة من السلفيين (المرعبين)! فهذا منهج (المهرجين).
٢ - مثال ثان على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "المعتزلة" (٦) بعد أن حذرنا كالعادة من النصوصيين السلفيين ومن المغتربين (فالسلفية النصوصية تشل بالجبر والجبرية فعاليات الإنسان فتسهم في تأييد وتأبيد التخلف السائد في عالم الإنسان ومذاهب الغرب في الحرية قد أفقدت الإنسان توازنه واتزانه وذلك عندما حولته إلى حيوان مادي أو فرد متعال أو متغرب بسبب المادية والإلحاد عن الكون الذي يعيش فيه وليس سوى مذهب الإسلام! في الحرية الإنسانية سبيلاً للخروج من هذا المأزق الذي دفعنا إليه السلفيون النصوصيون! والمتغربون". ويعني بمذهب الإسلام .. مذهب القدرية كما علمنا في مبحث "المعتزلة"فالقسمة ثلاثية: جبريون .. وغربيون متحررون .. ثم يأتي الفريق الوسط أو (المنقذ! ) كما أسميناه. فهل حقًّا مذهب السلف الجبر؟ أم أن الدكتور يجهل (أو يتجاهل) ذلك كما قال شيخ الإسلام: "إذا كان الله قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون دل على أن كلا النوعين مذموم الجاهل الذي لا يفهم معاني النصوص والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه وهذا حال أهل البدع (١).
.لم يكن مذهب السلف الجبر أبدًا بل شنعوا على أهله وذموهم أكثر مما ذمهم الدكتور وشيوخه. قال صاحب "الطحاوية"في بيان مذهب أهل السنة في القدر: "منشأ الضلال: من التسوية بين: المشيئة، والإرادة، وبين: المحبة، والرضا، فسوّى الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا.
فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبًا مرضيًا. وقال القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدَّرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
وقد دل على الفرق بين: المشيئة، والمحبة. الكتابُ والسنةُ والفطرةُ الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب، فقد تقدم ذكر بعضها.
وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}.
* وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.
• وفي "الصحيح"عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
• وفي "المسند": إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتي معصيته وكان من دعائه: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك". فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول: الصفة، والثاني: أثرها المرتب عليها، ثم ربط ذلك بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره، فما أعوذ منه فى واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن. شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي، هي بمشيئتك أيضًا، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته" (١).
فالقسمة عندنا ثلاثية كما هي عندك ولكنها عندك كاذبة وعندنا صادقة، فهي عندنا: جبريون .. قدريون! .. أهل سنة.
٣ - مثال ثالث على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "الإسلام والعروبة" (٨٦): "الأمر الذي يجعل الأمة تواجه الخطر القديم الجديد .. خطر التشرذم والانقسام الحاد في قوى الأصالة الممثلة لذاتها الحقيقية: قوميون يديرون ظهرهم للإسلام .. وإسلاميون ينفرون من العروبة كل النفور"فالقسمة عنده: قوميون ملحدون .. أو إسلاميون شعوبيون .. ثم التيار (المنقذ! ) كالعادة. وقد سبق في مبحث (القومية) أن هذه القسمة باطلة وأن أحدًا من العلماء والدعاة المعاصرين لم ينفر من العروبة كل النفور كما يزعم الدكتور بل هم يتبعون النصوص الواردة في فضل العرب ولكن لا يغلون فيهم .. وكأن الإسلام لن يمضي دونهم وقد سبق بيان ذلك وبيان أن مذهب الدكتور الحقيقي في هذه القضية هو (القومية المستترة).
٤ - مثال رابع على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتابه "العلمانية" (٥): "في فكرنا السياسي الحديث يلعب الخلاف حول طبيعة.  السلطة في الدولة الإسلامية دور المحور الذي يحدد الاتجاهات والتيارات فالذين يرون السياسة والدولة دينًا خالصًا ووضعًا إِلهيًّا يقيسون خلافاتهم مع خصومهم بمعايير الكفر والإيمان وتكاد أن تظهر وتشيع في كتاباتهم مراسيم الغفران والحرمان .. أما الذين فصلوا الدين عن الدولة وباعدوا ما بين الرسالة والسياسة فإنهم الذين يتبنون اليوم في حياتنا الفكرية الدعوة إلى العلمانية".
فالقسمة ثلاثية عنده .. إما أن ندعو إلى السلطة الدينية (الكهنوتية) كما فعل النصارى أو أن ندعو إلى العلمانية ثم الفريق الثالثة (المنقذ! ) وهو الداعي إلى (العلمانية) المستتره كما مر معنا وكما صرح الدكتور به في كتابه "تيارات الفكر" (٣٢٣) نقلاً عن مشايخه حيث قال عن أحدهم (الكواكبي): "إنه يدعو إلى دولة قومية وليس إلى دولة دينية إسلامية فهو كغيره من أعلام هذا التيار كما سبق وأشرنا إلى مذهبه ينكر وجود سلطة دينية أو كهنوتية في الإسلام".
وقال عن محمد عبده بعد أن ذكر نقده للسلطة الدينية: " .. ثم يعمم هذا الموقف العلماني العقلاني فيقيم به التاريخ الإسلامي ويقرر أن الفتوحات التي حدثت بعد ظهور الإسلام كانت فتوحات سياسية، ولم تكن بالحروب الدينية .. ""نظرة جديدة" (٢٤٩).
ويقول عن شيخ مشايخه! الطهطاوي: "والطهطاوي الذي أنجز مع تلاميذه ترجمة القوانين المدنية والتجارية الفرنسية للدولة المصرية في القرن الماضي فعل ذلك من موقف عملي علماني .. ""نظرة جديدة" (٢٥٣).
وأما رأي أهل السنة والدعاة الإسلاميين فلا يذكره أبدًا؛ لأنه ينادي بتحكيم شرع الله في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

* عمارة والتصوف:
الوثنية! ويذم من يتعرض للقبور بسوء! وهذا من أعجب ما رأيت له. قال في كتاب "التراث" (١٥٦): "هل إذا قدر لتراث المصريين في التوحيد الديني أن يظهر وينشر وتسلط عليه الأضواء هل ستظل مكانه اللاهوت العبراني كما هي في دوائر الفكر العالمي؟ مكانة الرائد الذي يمثل أقدم النصوص المكتوبة في عقيدة التوحيد؟ .. كلا وتلك واحدة من مهام الفكر العربي في صراعه ضد الصهيونيين"فهو يطالب بإحياء (توحيد! ) الفراعنة لتغتاظ إسرائيل! .. قلت: بل لتفرح!، ويقول في كتاب "الإسلام وفلسفة الحكم" (٥٨٢) عن المتوكل العباسي: "كما عم انقلاب المتوكل العباسي المعتزلة بالاضطهاد فلقد شمل به الشيعة العلويين كذلك فالأمويون قد قتلوا الحسين والمتوكل هدم قبره وسواه بالتراب ثم حرث أرضه وزرعها كي لا يزوره أحد من الناس"، فهو ينكر على المتوكل إحياءه للسنة في هدم القبور المرتفعة ومنع الناس من الافتتان بها لا سيما إذا كانوا من جهلة الشيعة، وقد كان الأولى بالسلفي أن يمدحه لا أن يذمه.
٤ - ومما يشهد بعدم سلفية الدكتور مدحه للتصوف الفلسفي ورجاله وهو يعلم أنه لا لقاء بين السلفية والتصوف الفلسفي الذي يقوم على مبدأ (وحدة الوجود) و (الحلول) فاسمعه يقول عن الأفغاني -متأثرًا به-: "وهو فيما يتعلق بالوقف من التراث الصوفي في الفكر الإسلامي كان أقرب إلى التصوف العقلاني -إن جاز التعبير- منه إلى التصوف العملي القائم على التنسك والتذوق والحدس .. فمعروف عنه تقديره الكبير للشيخ محيي الدين ابن عربي الذي يعد من أبرز أعلام التصوف الفلسفي في الفكر الإسلامي""نظرة جديدة" (٢٤٧).
هذا غيض من فيض .. وقطرة من بحر مما لدى الدكتور من أفكار وكلمات تصادم المنهج السلفي فكيف يزعم أنه من رجاله؟
هم الرجال وعيب أن يقال ... لمن لم يتصف بمعاني وصفهم رجل.* الوهابية والسلفيون ومحمد عمارة:
١ - الوهابية: يرى الدكتور عمارة أن الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- "دعا إلى العودة لإسلام شبة الجزيرة الأول إسلام ما قبل عصر الفتوحات ذلك الذي يكفي الإنسان منه النصوص دونما حاجة إلى العقلانية الكلامية أو الفلسفية وما أثمرت من قياس ورأي وتأويل""الطريق" (١٦٠).
وإنه: "هاجم القياس حتى ولو كان صحيحًا وأعرض عن التأويل في فهم النصوص وتفسيرها وأعلن أن الرأي لا وزن له بجانب النصوص""الطريق" (١٦١).
وأن الوهابية: "حركة تجديد سلفية نشأت في بيئة عربية بسيطة لم تعرف الفكر المركب لخلوها من تعقيدات الحضارة وأنماطها الفكرية المركبة فكانت صورة إسلامها هي صورة الإسلام العربي الأول في عصر صدر الإسلام""الطريق" (١٦٣).
"كانت الوهابية كامتداد للفكر السلفي إسهامًا في الاستقلال الحضاري لأمتنا العربية الإسلامية وإن تكن بداوة بيئتها وفقر الأفكر الفلسفي عند أعلامها قد جعل إسهامها على هذه الجبهة متمثلاً في رفض التبعية الفكرية مع العجز عن الإبداع في بلورة البديل وتطويره""الطريق" (١٦٥).
و"الوهابية بسبب من بداوة البيئة التي نشأت بها قد اتخذت موقفًا غير ودي من العقلانية ومن التمدن""الطريق" (١٦٦)، ولذلك يقول محمد عبده عنها: "لم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء""الطريق" (١٦٧).
ولقد "عجزت عن تلبية حاجات البيئات العربية الإسلامية المتحضرة ذات الفكر المركب والتطور الحضاري المتقدم""الطريق" (١٦٧).
ولهذا "ظلت دعوة ودولة في شبة الجزيرة وحدها ودون أن تتعداها""العرب والتحدي" (١٥١).
 - هذه أبرز النقاط التي يعرضها الدكتور عن (الوهابية) أو التي حكم بها عليها ويمكن أن نرجعها إلى قسمين: قسم يمدح فيه الوهابية وقسم يذم فيه الوهابية .. فهو يمدحها لأنها:
١ - حركة تجديد سلفية أعادت للتوحيد نقاءه وحاربت الخرافة.
٢ - حركة انتصرت للعروبة في مواجهة الدولة العثمانية .. وهذا فهم خاطئ فهي حركة (إسلامية - سلفية) .. ولم تكن (عربية) بالمعنى الذي يريد الدكتور؛ لأنها لم تحارب الدولة العثمانية لأجل (العروبة) بل لأجل انحراف دولة الخلافة عن التوحيد وانتشار الشرك والبدع بين أفرادها وتقريبها للطرقية والجامدين من المقلدة.
قال الأستاذ (محمد جمعة) رادًا على الدكتور في هذه القضية: "الدعوة السلفية إذًا لم تصطدم بالعثمانيين لمجرد أنهم عثمانيون غير عرب؛ بل لأن العثمانيين قد أجازوا كثيرًا من البدع الشركية التي قامت الدعوة من أجل محاربتها ثم لأن العثمانيين هم الذين بدأوا الدولة السعودية الأولى والدعوة السلفية بالقتال فالمعروف تاريخيًّا أنه لم يكن هناك أي وجود حقيقي للعثمانيين في نجد أيام قامت الدعوة بل ربما أن العثمانيين لم ينتبهوا أو يهتموا بقيامها ولكن حين رأوها تنشط وتتوسع خافوها فحرضوا ولاتهم في العراق والشام على محاربتها فلما عجزوا كلفت الدولة العثمانية وإليها على مصر (محمد علي) بذلك""مقال تصحيح وإيضاح"مجلة الهلال أغسطس ١٩٨٣).

* وهو يذم الوهابية لأنها:
١ - عادت العقلانية والفلسفة وعلم الكلام.
٢ - عجزت عن تلبية احتياجات البلاد الأخرى في التمدن.
٣ - لأنها بدوية.

٤ - لأن الإمام محمد بن عبد الوهاب هاجم القياس.
٥ - لأنها عنيفة فلذلك لم تصل إلى بلاد أخرى.
- ونقول له:
يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
- ولله در القائل:
متى يصل العطاش إِلى ارتواء ... إِذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني (الأصاغر) عن مراد ... وقد جلس الأكابر في الزوايا

* محمد عمارة وبعض الأسماء:
١ - معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -:
- قال الدكتور: "إن المعتزلة قد ربطوا باستمرار بين نظرية الجبر وبين السلطة الأمرية ورأوا أن لهذه الأفكار الجبرية أبعادًا سياسية في المجتمع بل اتهموا معاوية بن أبي سفيان بأنه أول من أشاع هذا اللون من الفكر حتى يدعم سلطته وسلطانه ويوهم الناس أن انتقال الخلافة إليه وإلى أهل بيته إنما هو قدر الله وقضاؤه الذي يجب التسليم به والرضا عنه""المعتزلة" (١٥١).
"فمعاوية .. قد حاول استخدام عقيدة الجبر كي يبرر انتقال السلطة له وتغير طبيعتها على يديه""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٥٨).
ويقول: "دولة بني أمية وحكامها وولاتها يحكم عليها المعتزلة في الجملة بالضلال والفسق؛ لأنها قامت على ذنب من الذنوب الكبائر وهو تحويل الخلافة الشوروية إلى ملك وراثي عضود ولأنها مارست من المظالم والكبائر ما امتلأت به صحائف آثار كثيرة من كتب أهل الأعتزال""الإسلام وفلسفة الحكم" (٥١٠).
لقد اتهمه هذا الدكتور (الظالم) تبعًا لمشايخه الكذابين من المعتزلة بأنه  - رضي الله عنه - أول من ابتدع (الجبر) في الإسلام! حفاظًا على منصبه وولايته! والدليل عنده "قال الجبائي: أول من قال بالجبر وأظهره معاوية""المعتزلة" (١٥١)، ومثله عن ابن المرتضى. أفيقبل مسلم عاقل طعن هؤلاء المبتدعة المغضوب عليهم في أفضل الأمة؟ وقد أخبرناك بعض أقوالهم الآثمة في ذلك. أيُعَدَّل الفاسق ويُفَسَّق العدل؟ قال - صلى الله عليه وسلم - "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم""مختصر مسلم" (١٠٥٣) فهذه دعاوى من أشباه "الرافضة"قد استقوها منهم لا تقبل إلا ببينة صادقة. ثم يقال: إن أول من أظهر (الجبر) ونشره بين الناس هو (الجهم بن صفوان) كما هو معروف عند أهل الفرق وهو أحد الرجال الذين أثروا في المعتزلة! قال الشهرستاني: "الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وهو من الجبرية الخالصة" (١).

٢ - الحسن البصري:
- قال الدكتور: "إن المعتزلة يذكرون الحسن البصري في الطبقة الثالثة من طبقات رجالهم وهي الطبقة التي فيها التابعون ويثبتون له رسالته التي كتبها في القدر ردًّا على رسالة عبد الملك بن مروان، ولكن هناك من يشككون في هذه النسبة فيقولون: كان أهل القدر ينتحلون الحسن بن أبي الحسن وكان قوله مخالفًا لهم وهناك من يقول: إنه قال بالقدر ثم عدل ورجع عن القول به. ولكن الدراسة لأسس هذا الخلاف حول الحسن البصري تؤكد أن الرجل كان من أئمة الذين قالوا بالقدر على مذهب العدل""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٥٩) "مسلمون ثوار" (١٥٥).
ويقول: "الحسن كان بلا جدال ولا شك من أوائل الذين قالوا بالقدر على مذهب المعتزلة أهل العدل والتوحيد .. كل ما في الأمر أنه قد اختلف.  . معهم في أصل آخر هو المنزلة بين المنزلتين وفي قضايا أخرى مثل قضية تجريد السيف والخروج المسلح ضد بني أمية .. وعلى ضوء هذه الحقيقة نفهم ذكر المعتزلة للحسن في الطبقة الثالثة من طبقات رجالهم ونفهم قول الذين أرخوا لفرق المعتزلة عندما يذكرون (فرقة الحسنية) -نسبة للحسن- كإحدى فرق المعتزلة""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٦٠).
- قلت: ابتلي الحسن -رحمه الله- بطائفتين من أهل البدع كلتيهما تجعله أصلاً لبدعتها .. الطائفة الأولى هي (المعتزلة) كما ذكر الدكتور والطائفة الثانية هم (الصوفية) .. قال الصوفي الشعراني في كتاب "اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر": "وقد كان الحسن البصري وكذلك الجنيد والشبلي وغيرهم لا يقررون علم التوحيد إلا في قعور بيوتهم بعد غلق أبوابهم وجعل مفاتيحها تحت وركهم ويقولون: أتحبون أن ترمى الصحابة والتابعون الذين أخذنا عنهم هذا العلم بالزندقة بهتانًا وظلمًا" (١).
وكل يدعي وصلاً (بحسن) ... و (حسن) لا يقر لهم بذاك
بل يقر -رحمه الله- لأهل السنة. لأنه أحد رموزهم الأكابر ولكنه جمع بين العلم والزهد والكلام (الحسن) فظنت كل طائفة أنه يعنيها وأما اتهامه بالقدر فتهمه قد براه الله منها قال ابن سيرين: "كانوا يأتون الشيخ -يعني الحسن- بكلام مجمل لو فسروه له لساءهم" (٢).
- وقال أبو سعيد الأعرابي: "كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء فيتكلم في الخصوص حتى نسبته القدرية إلى الجبر وتكلم في الاكتساب حتى نسبته السنة إلى القدر كل ذلك لافتنانه وتفاوت الناس عنده وتفاوتهم في. الأخذ عنه وهو بريء من القدر ومن كل بدعة" (١).

٣ - ابن عربي الصوفي:
- قال الدكتور: "ابن عربي -في التصوف الفلسفي- قمة القمم، لا في حضارتنا العربية الإسلامية فقط، بل وعلى النطاق الإنساني. وهو بمقياس "السلفية المحافظة"أو "الفقهاء"وثني زنديق.
والذين يلقون نظرة على تيارات الفكر الإسلامي يجدون الفكرة ونقيضها، والمدرسة وضدها والمقولة وما ينقضها أو يعاديها .. قام ذلك في كل شيء، حتى في تصور الذات الإلهية، نجد "المنزهة"أصحاب التجريد، ونجد (المشبهة) الذين يفضي قولهم إلى ألوان من التجسيد أو الحلول أو الاتحاد إلخ .. والذي أعتقده وخاصة في مثل عصرنا -أن الاستنارة يجب أن تجعلنا ننظر للاختلافات في الآراء، والتعدد في التصورات، كمصدر للغنى الفكري والثراء الثقافي .. وإذا لم يكن مفر من الاختلاف، فلنجعله في إطار (الخطأ والصواب)، وليس في إطار (الكفر والإيمان)، فلا كهانة في الإسلام، ولا سلطة لبشر، حتى الرسل، على ضمائر الناس وقلوبهم.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن مصادرة ابن عربي، أو غير ابن عربي، تصبح قضية وفعلة بينة الشذوذ خصوصًا وأنها تأتي من أناس لا علاقة لهم بالفكر الذي يصادرونه لأنه باعتراف علية المتخصصين- فكر يستعصي على كثير من الخواص، فضلاً عن العوام.
إن ابن عربي في التصوف الفلسفي، أشبه ما يكون باينشتين ونسبيته في العلوم، فمن في مجلس الشعب يستريح ضميره للحكم في مثل هذه الأمور؟ ""التراث" (٢٩١).- أما عند أهل السنة فقال شيخ الإسلام: "آل الأمر بملاحدة المتصوفة كابن عربي صاحب فصوص الحكم وأمثاله إلى أن جعلوا الوجود واحدًا وجعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق. وهذا تعطيل للخالق وحقيقة قوله فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون ثم إنهم جعلوا أهل النار يتنعمون فيها كما يتنعم أهل الجنة فكفروا بحقيقة اليوم الآخر ثم ادعوا أن الولاية أفضل من النبوة .. " (١).

٤ - عمرو بن عبيد:
- قال الدكتور عنه: "علامة بارزة على طريق تطور العقل العربي المسلم .. وعلم من الأعلام الذين صنعوا النشأة الأولى للتيار العقلاني في تراثنا قبل أن تعرف العربية حركة الترجمة عن اليونان وثائر في سبيل العدل والشورى التميز نظره بنظرة خاصة لقضية الثورة ركزت على ضرورة الاستعداد والتمكن والإعداد ورفضت الفوضى والتمردات ومع ذلك فهو زاهد ناسك عابد سلكه الزهاد والمتنسكون في سلك أئمتهم كما تزينت باسمه صحائف الفلاسفة والمتكلمين والثوار. فلقد ذهب إلى بيت الله الحرام -من البصرة- إلى الحج ماشيًا على قدميه أربعين مرة في أربعين سنة ومعه راحلته -جمله- مخصصًا إياه لركوب الفقراء والضعفاء""التراث" (٢٧).

٥ - غيلان الدمشقي:
- قال الدكتور: "غيلان الدمشقي إنسان إذا شئنا أن نلخص حياته والعطاء الذي قدمته نفسه في هذه الحياة في كلمات شديدة الاختصار استطعنا أن نقول: إنه كان موقفًا ثوريًا من كل سلبيات الحياة في العصر الذي عاش. فيه""مسلمون ثوار" (١٤٢).
وقال: "طلب من الخليفة -أي عمر بن عبد العزيز- أن يجعله قائمًا على رد المظالم والأموال المغتصبة من الأمة والتي كان الخلفاء والأمراء الأمويون قد احتازوها منذ علا نجمهم في خلافة عثمان بن عفان .. فقال غيلان الدمشقي للخليفة: ولني بيع الخزائن ورد المظالم. فولاه هذه المهمة وعهد إليه بتلك المسئولية""مسلمون ثوار" (١٤٧).
وقال: "كانت حياة غيلان نموذجًا فريدًا يجسد الموقف الثوري من سلبيات مجتمعه كذلك كان مماته نموذجًا فريدًا يجسد سلبيات هذا المجتمع ويدين هذه السلبيات""مسلمون ثوار" (١٤٩).
- قلت: قال ابن حبان: "كان داعية إلى القدر قتل وصلب بالشام لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به لبدعته التي كان يدعو إليها وقتل عليها".
ثم روى بسنده إلى إبراهيم بن أبي عُلية قال: "كنت عند عبادة بن نسي فأتاه آت فقال: إن أمير المؤمنين هشامًا قد قطع يدي غيلان ورجليه فصلبه.
قال: ما تقول؟ قال: قد فعل. قال: أصاب والله فيه القضاء والسنة ولأكتبن إلى أمير المؤمنين ولأحسنن له رأيه" (١).
- قال الذهبي: "غيلان بن أبي غيلان المقتول في القدر ضال مسكين" (٢).
وقال ابن حجر: "قال ابن المبارك: كان من أصحاب الحارث الكذاب وممن آمن بنبوته فلما قتل الحارث قام غيلان إلى مقامه. وقال له خالد بن اللجلاج: ويلك ألم تك في شبيبتك ترامي النساء بالتفاح في شهر رمضان ثم صرت خادمًا تخدم امرأة الحارث الكذاب المتنبي وتزعم أنها أم المؤمنين ثم. .. تحولت فصرت زنديقًا ما أراك تخرج من هوى إلا إلى أشر منه. وقال له مكحول: لا تجالسني. وقال الساجي: كان قدريًّا دعا عليه عمر بن عبد العزيز فقتل وصلب وكان غير ثقة ولا مأمون كان مالك ينهى عن مجالسته. قلت - آي ابن حجر-: وكان الأوزاعي هو الذي ناظره وأفتى بقتله" (١).

٦ - ابن جني:
- قال الدكتور عنه: "الرائد العملاق""نظرة جديدة" (٦٨).
وقال: "كان ابن جني كما أعتقد ثمرة للعقل العربي الذي سار مجتمع البصرة في القرن الرابع الهجري وإضافة خلاّقة لهذا العقل""نظرة جديدة" (٦٩).
وقال: "لقد كان -أحد تلامذة مدرسة بصرية امتازت باعتمادها على العقل وثقتها في قدرته إلى أبعد الحدود .. ألا وهي مدرسة الاعتزال""نظرة جديدة" (٧٣).

٧ - محمد علي:
- قال الدكتور عنه: "ارتادت مصر للشرق والوطن العربي عصر التنوير واليقظة والنهضة في ظل الدولة المدنية الحديثة التي أسسها محمد علي باشا الكبير""التراث" (١٨٩).
ويخصص الدكتور مبحثًا كاملاً في كتابه "العلمانية"للدفاع عن اتهامات (لويس عوض) لمحمد علي.

٨ - ثورة الزنج:
خصص الدكتور مبحثًا كاملاً من كتابه "الإسلام والثورة"للحديث عن ثورة الزنج، وكان مما قال: "كان قائد هذه الثورة -علي بن محمد بن أحمد ابن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب-شاعرًا وعالمًا يمارس في (سامراء) تعليم الخط والنحو والنجوم وكان واحدًا من المقربين إلى الخليفة المنتصر بالله" (٢٦٠).
"بالرغم من اشتهار هذه الثورة (بثورة الزنج) إلا أنها لم تكن ثورة عنصرية ولا خاصة للزنج وحدهم ولم تقف أهدافها عند المطالبة بتحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم .. فقائد هذه الثورة عربي وعلوي -رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي- وأغلب قوادها كانوا عربًا" (٢٦٠).
ودولة علي بن محمد التي يسعى لها: "تعمل من أجل نظام اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة" (٢٦٤)! يعلق الدكتور على هذا الموضع قائلاً: "يشبه نظام الملك الفلسفة الاجتماعية والتنظيم المالي لثورة الزنج بالمزدكية التي قامت على الاشتراك العمومي في ثروة المجتمع" (٢٦٤). فهلاّ شبهتها بالاشتراكية الحديثة!؟.
وأما في كتاب "نظرة جديدة"فقال: "إن ثورة الزنج قامت بجنوب العراق ضد نظام الحكم العباسي وشاركت فيها جماهير الفلاحين الفقراء مع العبيد الأرقاء والأقنان الذين كانوا يعملون في تخليص مزارع الأغنياء وكبار الملاك من ملوحة مياه الخليج .. وكانت لهم أفكار اجتماعية متقدمة وبطولات ثورية في ثورتهم هذه ضد النظام الاجتماعي والسياسي الذي ساد بغداد .. " (١٨) وفي كتاب "التراث في ضوء العقل"يقول عنها: "لم تكن ثورة عنصرية عرقية قام بها الزنج العبيد ضد العرب الأشراف كما يزعم ذلك بعض المستشرقين وإنما كانت ثورة عامة للذين اختاروا الصراع العنيف طلبًا للعدل والحرية ورفضًا لسيطرة الأعاجم الأتراك على الخلفاء العباسيين واستئثارهم بخيرات البلاد، وإذا كان لهذه الثورة شرف القتال لتحرير العبيد في ذلك الوقت المبكر من تاريخنا - وهو ما يشرف هذا التاريخ فإن هذا الشرف لم يكن هدفها الوحيد" (٢٢٠).
- قلت: الدكتور معجب أشد الإعجاب بثورة الزنج، وإذا عرف.   ..السبب بطل العجب فهي أولاً ثورة زيدية والزيدية كما علم شقائق المعتزلة.
وثانيًا: هي ثورة (اشتراكية) تدعو إلى الاشتراكية في المال ومساواة العبيد بغيرهم كما يوهم كلام الدكتور. فهل هي حقًّا كذلك؟ وهل يستحق أهلها أن يسموا (ثوارًا) "أم هم شراذم من قطاع الطريق والمفسدين في الأرض؟ انظر "الفتنة السوداء أو ثورة الزنج"للأستاذ محمد جمال.

٩ - الدكتور عمارة وعبد الله بن سبأ:
- قال الشيخ سلمان العودة في كتابه "عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام".
"ويرى الدكتور محمد عمارة أن ابن سبأ أقرب إلى الخرافة" (١).

١٠ - الحشوية:
نبز بها الدكتور محمد عمارة السلفيين أهل السنة والجماعة، ودمغ فكر أهل السنة بالحشو اتباعًا لشيوخه (الثقات) من أهل الاعتزال قال: "أطلق هؤلاء المجبرة على أنفسهم اسم أهل السنة وأهل الجماعة وشاعت عند عامة المسلمين وجماهيرهم التفسيرات التي تجعل كلمة السنة بمعنى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتجعل كلمة الجماعة منصرفة إلى جماعة المسلمين ولكن المعتزلة يسمون هذه الفرقة بالجبرية والمجبرة والمجورة وأهل الحشو""المعتزلة" (٢٩).
وقال: "المعتزلة يسمون هذه الفرقة (أي أهل السنة) بالحشوية وأهل الحشو ويقولون عنهم أنهم يسمون أنفسهم بأنهم أصحاب الحديث وأنهم أهل السنة والجماعة وهم بمعزل من ذلك وليس لهم مذهب معروف! ولا كتاب تعرف منهم مذاهبهم! إلا أنهم مجمعون على الجبر والتشبيه ويدعون أن أكثر السلف منهم وهم براء من ذلك وينكرون الخوض في الكلام والجدل ويقولون على التقليد وظواهر الروايات""المعتزلة" (٣٤).

وأما أهل السنة والسلفيون من الأئمة فقد ردوا هذا اللقب ولم يقبلوا إطلاقه عليهم؛ لأنه من الألقاب التي يقصد بها التنفير عن الحق. كما قال الشاعر.
تقول ذا جنى النحل تمدحه ... وإِن شئت قلت ذا قيء الزنابير
مدحًا وذمًا ما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
- قال ابن القيم: "هكذا شأن كل مبتدع وملحد، وهذا ميراث من تسمية كفار قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الصبأة، وصار هذا ميراثًا منهم، لكل مبطل وملحد ومبتدع، يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفرة.
وإذا قالوا: حشوية، صوروا في ذهن السامع قومًا قد حشوا في الدين ما ليس منه، وأدخلوه فيه، وهو حشو لا أصل له. فتنفر القلوب من هذه الألقاب وأهلها، ولو ذكروا حقيقة قولهم، لما قبلت العقول السليمة، والفطر المستقيمة سواه والله يعلم وملائكته ورسله وهم أيضًا أنهم براء من هذه المعاني الباطلة. وأنهم أبعد الخلق منها، وأن خصومهم جمعوا بين أذى الله ورسوله، بتعطيل صفاته، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقعدوا تحت قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (١).
وقال في موضع آخر: "ما ذنب أهل السنة والحديث إذا نطقوا بما نطقت به النصوص وأمسكوا عما أمسكت عنه ووصفوا الله بما وصف به نفسه ووصفه رسوله وردوا تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين الذين عندوا ألوية الفتنة. ..وأطلقوا عنه المحنة وقالوا على الله وفي الله بغير علم فردوا باطلهم وبينوا زيفهم وكشفوا إفكهم ونافحوا عن الله ورسوله فلم يقدروا على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ممثلة مجسمة حشوية" (١).
- وقال أبو حاتم الرازي: "علامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية" (٢).

١١ - نهج البلاغة:
يعتمد الدكتور عمارة كثيرًا في كتبه على كتاب "نهج البلاغة" للشريف المرتضي بدعوى أنه يحتوي على خطب وكلمات لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وتجده ينقل من هذا الكتاب الروايات والآثار والخطب العديدة المخالفة لمنهج أهل السنة والتي تحتوي على طعون في الصحابة الأجلاء ممن لا تواليهم الشيعة (٣)، ويأخذ الدكتور ذلك كله مسلمًا به .. بل يبني عليه أحكامه وإن لم يبن أحكايه فكفى به إثمًا أن ينشر مثل تلك الروايات الفادحة في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرأها العالم والجاهل في كتبه فتكون بابًا لسوء الظن بهم أو زلل اللسان عليهم. فمثلاً هو يقول عن معاوية - رضي الله عنه - في تصوير مدى عدائه للأنصار!! "لم ينس معاوية ولا الأمويون للأنصار موقفهم هذا ففي عهد معاوية وفدت جماعة من الأنصار على رأسهم النعمان بن بشير يشكون الفقر وضيق العيش وقالوا له: لقد صدق رسول الله في قوله لنا: ستلقون بعدي أثرة. فقد لقيناها، فقال لهم معاوية: فماذا قال لكم؟ قال لنا: فاصبروا حتى تردوا على الحوض قال فافعلوا ما أمركم به عساكم أن تلاقوه. 
.غدًا عند الحوض كما أخبركم! وحرمهم ولم يعطهم شيئًا""الإسلام وفلسفة الحكم" (٣٨١).
مرجعك يا دكتور؟ .. "شرح نهج البلاغة" (٦/ ٣٢)!!!.
روايات كثيرة يسردها الدكتور العقلاني وينثرها في كتبه خاصة ما يتعلق منها بالصحابة - رضي الله عنهم - فيها الألفاظ الجارحة والحزازات والحقد والغدر والخيانة والظلم لآل البيت وتجبر الأمويين والأغنياء المترفين والفقراء المساكين إذا قرأتها تشعر أنك تقرأ عن حفنة من اللصوص والمتصارعين على السلطة كما نرى في زماننا فتنكر قلبك بعدها وتستغفر الله أنك قرأتها فما بالك بمن تجرأ فنقلها وشهرها .. ثم ما بالك بمن كذبها؟ وليت الدكتور كان غافلاً عن رأي أهل السنة في هذا الكتاب ولكن اسمعه يقول: "إن المعارضين لفكر الشيعة في علم الإمام يستطيعون أن يشككوا في نسبة هذه العبارة لعلي بن أبي طالب؛ لأن نهج البلاغة قد جمعه الشريف الرضي نقيب الطالبيين ورأس الشيعة الإمامية في عصره""الإسلام وفلسفة الحكم" (٣٨١).
ويقول: "الذين يطالعون نهج البلاغة المنسوب للإمام علي بن أبي طالب - والذي نعتقد بصدق نسبته إليه .. ""تيارات الفكر" (٢١٨).

- قلت: قال الذهبي في الشريف المرتضي: "هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي - رضي الله عنه - ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل وفيه حق ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها. ولكن أين المنصف؟ وقيل بل جمع أخيه الشريف الرضي" (١).
وقال أيضًا: "من طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ففيه السب الصريح والحط على السيدين أبي بكر وعمر  - رضي الله عنهما - وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفه بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل" (١).
- قال شيخ الإسلام: "أهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب قديم ولا لها إسناد معروف فهي بمنزلة من يدعي أنه علوي أو عباسي ولا نعلم أحدًا من سلفه ادعى ذلك قط فيعلم كذبه، فإن النسب يكون معروفًا من أصله حتى يتصل بفرعه. وفي هذه الخطب أشياء قد علم يقينًا من علي ما ينقاضها ولم يوجب الله على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه، وإن ذلك من تكليف ما لا يطاق" (٢).
وقال السيد محب الدين الخطيب تعليقًا على هذا القول: "أكثر التزوير الذي عني به الرضي وأخوه المرتضي في نهج البلاغة يدور على الشيء الذي له أصل فيضيفان إليه ما لم يكن له أصل من أمثال لقد تقمصها فلان بينما الصحيح الثابت بالسند عن علي هو جميل الثناء على فلان فيقع التناقض بين قوله المستقيم الثابت عنه وبين القول الملتوي المعزو إليه بلا سند ولا دليل على صحته فأساءوا إلى علي بإظهاره متناقضًا ومتحاملاً وأنانيًا وحاشا لله أن يكون كذلك" (٣).

١٢ - الدولة العبيدية:
خصص الدكتور كما علمنا كتابًا كاملاً في تمجيد الدولة العبيدية الرافضية وعدّ توليها على مصر اكتمالاً لعروبتها .. وفي هذا تفضيل لها على. ما سبقها من حكم إسلامي ومن ضمنه حكما الخلفاء الراشدين بعد عمر - رضي الله عنه -! والذي زاد إعجاب الدكتور بهذه الدولة الرافضية أنها جعلت (مصر) مركزًا لها بعد أن كانت مجرد ولاية تابعة لدولة الخلافة .. فقد اختلطت عنده (الوطنية) بالنزعة (الشيعية) في هذا الكتاب.
- قال ابن كثير -رحمه الله-: "كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسرًا، فصاروا كأمس الذاهب {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}. وكان أول ملك منهم المهدي، وكان من سلمية حدادًا اسمه عبيد، وكان يهوديًّا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله، وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء والأئمة بعد الأربعمائة كما قد بسطنا ذلك فيما تقدم، والمقصود أن هذا الدعي الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد، ووازره جماعة من الجهلة، وصارت له دولة وصولة، ثم تمكن إلى أن بنى مدينة سماها المهدية نسبة إليه، وصار ملكًا مطاعًا، يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض. ثم كان من بعده ابنه القائم محمد، ثم ابنه المنصور إسماعيل، ثم ابنه المعز معد، وهو أول من دخل ديار مصر منهم، وبنيت له القاهرة المعزية والقصران، ثم ابنه العزيز نزار، ثم ابنه الحاكم منصور، ثم ابنه الطاهر علي، ثم ابنه المستنصر معد، ثم ابنه المستعلي أحمد، ثم ابنه الآمر منصور، ثم ابن عمه الحافظ عبد المجيد، ثم ابنه الظافر إسماعيل، الفائز عيسى، ثم ابن عمه العاضد عبد الله وهو آخرهم، فجملتهم أربعة عشرة ملكًا، ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة، وكذلك عدة خلفاء بني أمية أربعة عشر أيضًا، ولكن كانت مدتهم نيفًا وثمانين سنة، وقد نظمت أسماء هؤلاء وهؤلاء بأرجوزة تابعة لأرجوزة بني العباس عند انقضاء دولتهم ببغداد، في سنة ست وخمسين وستمائة، كما سيأتي. وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكمالها، حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشويك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما والى ذلك، إلى بلاد إياس وسيس، واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك، وقتلوا من المسلمين خلقًا وأممًا لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف، وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها وصارت دار الإسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف، وكادوا أن يتغلبوا على دمشق، ولكن الله سلم، وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته" (١).

- محمد عمارة عقلاني مستنير كما يقول ليس على منهج أهل السلطة والجماعة:
لقد انتقل الدكتور عمارة من تيار الفكر الماركسي الشمولي إلى تيار اليسار الإسلامي، أو تيار الأفغاني أو التيار الحضاري أو التيار المستنير أو العقلانية الإسلامية المعاصرة .. سَمّه ما شئت من هذه الأسماء فهي تصدق عليه.
أما إنه عاد إلى الإسلام بمعناه الصحيح وهو منهج أهل السنة.والجماعة .. فلا والله! لم يعُد.
وهذه الدراسة خير شاهد على ذلك.
فإن قلت: لعل الدكتور قد تراجع عن التعلق بهذا التيار أيضًا ورجع إلى منهج الحق. فحاله مال الأشعري في تنقلاته الثلاث.
فأقول: لا! لم يصنع ذلك.
ْويشهد لهذا أمور قد ذكرت بعضها عند الحديث عن مقالاته في اليمامة .. ومنها:
١ - أن كتبه التي اعتمدت عليها في هذه الدراسة لا زالت تطبع دون تغيير أو تنبيه على مثل هذا التراجع المزعوم .. فقد طبع (تيارات الفكر) وغيره طبعة جديدة في العام الماضي وما قبله.
٢ - أن الدكتور قد جمع أفكاره المعتادة التي يرددها دائمًا وضمّنها واحدًا من أواخر ما كتب وهو "معالم المنهج الإسلامي"الذي طبعه المعهد العالمي للفكر الإسلامي محتسبًا الأجر والنصح للمسلمين!!.
٣ - أنه يردد هذه الأفكار كثيرًا في مقالاته ومقابلاته كما نقلت ذلك عنه مرارًا .. وتابع مجلة المجتمع أو جريدة المسلمون تنبئك بصدق ادعائي! فهما لا تبخلان علينا بين الحين والآخر تبشران الأمة بمشروع عمارة الحضاري. والذي سينقذنا من مستنقعات التخلف التي يجرنا إليها .. النصوصيون المتزمتون الجامدون .. ! فلعلهما يتبصران الأمر بعد هذه الدراسة.
٤ - أن الدكتور الشاعر عبد الرحمن العشماوي .. قد أيدني في هذا عندما ردّ على الدكتور بعض أفكاره الجريئة .. وذلك عندما قال: "قيل عن الرجل ما قيل من أنه قد تراجع عن بعض آرائه العقلانية التي طرحها في كتبه .. "، ثم قال: "ثم إنني ما كدت أنتهي من حوار (المسلمون) الذي.    أشرت إليه حتى برزت أمامي صورة الرجل بملامحه القديمة" (١).
- قلت: فالرجل هو الرجل لم يتراجع عن (أي) شيء من أفكاره (المستنيرة) فيشترط لتوبته ما قاله ابن القيم -رحمه الله-: " .. فتوبة هؤلاء الفساق من جهة الاعتقادات الفاسدة: بمحض اتباع السنة. ولا يكتفى منهم بذلك أيضًا حتى يبينوا فساد ما كانوا عليه من البدعة. إذ التوبة من ذنب هي بفعل ضده. ولهذا شرط الله تعالى في توبة الكاتمين ما أنزل الله من البينات والهدى: البيان؛ لأن ذنبهم لما كان بالكتمان، كانت توبتهم منه بالبيان. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وذنب المبتدع فوق ذنب الكاتم؛ لأن ذاك كتم الحق. وهذا كتمه ودعا إلى خلافه. فكل مبتدع كاتم ولا ينعكس" (٢).
قلت: ويضاف إلى هذا الشرط (التبيين) الشروط المعلومة في التوبة (ترك الفعل -الندم- العزم على عدم العود) ثم قال -رحمه الله-: "القول على الله بلا علم صريح افتراء الكذب عليه (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا؟ ) فذنوب أهل البدع كلها داخلة تحت هذا الجنس فلا تتحقق التوبة إلا بالتوبة من البدع. وأنى بالتوبة منها لمن لم يعلم أنها بدعة، أو يظنها سنة، فهو يدعو إليها، ويحض عليها؟ فلا تنكشف لهذا ذنوبه التي تجب عليه التوبة منها إلا بتضلعه من السنة. وكثرة اطلاعه عليها، ودوام البحث عنها والتفتيش عليها. ولا ترى صاحب بدعة كذلك أبدًا. فإن السنة -بالذات- تمحق البدعة. ولا تقوم لها. وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة، وأزالت ظلمة كل ضلالة. إذ لا سلطان للظلمة مع. سلطان الشمس. ولا يرى العبد الفرق بين السنة والبدعة، ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة، إلا المتابعة، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله، بالاستعانة والإخلاص، وصدق اللجوء إلى الله والهجرة إلى رسوله، بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"، ومن هاجر إلى غير ذلك حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة. والله المستعان" (١).
- قلت: وليعلم الدكتور -هداه الله- أني لم أبادله الرد في هذا الكتاب إلا دفعًا لفساد بدعته (بل بدعه) التي أراد نشرها بين عامة المسلمين وإيقافًا له عن الترسل فيها ..
- قال شيخ الإسلام في حديث له: " .. كذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية فهذا إذا تكلم فيه الإنسان، بعلم وعدل وقصد النصيحة فالله تعالى يثيبه على ذلك لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيًا إلى بدعة فهذا يجب بيان أمره للناس فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق".
- وقال -رحمه الله-: "إذا كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم فإن بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت، ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله، فإن دُفع صيالهم وبُيِّن ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله"غافر الله لمحمد عمارة وهداه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة.
* عفوًا ومعذرة يا إِقبال .. فكُلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إِلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
- قال عنه السيد أبو الحسن الندوي: "إن إقبال أنبغ عقل أنتجته الثقافة الجديدة، التي ظلت تشتغل وتنتج في العالم الإسلامي من قرن كامل، وأعمق مفكر أوجده الشرق في عصرنا الحاضر" (١).
- وقال عنه الدكتور أحمد مظهر -رئيس قسم اللغة العربية بجامعة البنجاب بلاهور-: "لم يكن إقبال شاعر مسلمي شبه القارة وحدهم أو شاعر العالم الإسلامي الشرقي وحده، وإنما كان من هؤلاء الآحاد الأفذاذ الذين قلما يجود الزمان بهم، فهو شاعر الإسلام وشاعر الشرق، وشاعر الإنسانية كلها" (٢).
- قال عنه الدكتور عبد الوهاب عزام: "محمد إقبال شاعر نابغة، وفيلسوف مبدع، شاع ذكره وانتشر شعره وفلسفته في الهند، ولا سيما بين المسلمين فيها، ثم اتسع صيته وشاعت آراؤه في العالم، ولا سيما بعد أن قامت دولة باكستان العظيمة، وهي حقيقة تخيلها والناس منه يضحكون، ويقظة حلم بها والبائسون منه يسخرون، ولا يزال أنصاره وتلاميذه يكثرون على مر الأيام إعجابًا بفلسفته، فلسفة الحياة والأمل والعمل، وإكبارًا للمفكر المؤمن، والفيلسوف الذي لا يأسره الزمان، ولا يخضعه تقلب الحدثان، والشاعر الذي ينفخ الحياة في الموات، وينضر في القفر ألوان النبات، ويشعل الجمر الخامد في الرماد الهامد" (٣).
.- وقال عنه الدكتور أحمد مظهر: "ولو كان إقبال شاعرًا نابغًا لكفاه، ولو كان فيلسوفًا مبدعًا لكفاه، ولو كان مصلحًا اجتماعيًّا أو زعيمًا سياسيًّا لكفاه، ولكن الله سبحانه وتعالى قد وهبه شخصية جامعة لهذه الأوصاف النبيلة".
واعتبره الدكتور نجيب الكيلاني أحد أولئك القلائل الذين بعثوا النور في سماء الشرق من أمثال الأفغاني!!! ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم (١).
وقال أيضًا: "إن إقبال شاعر الإسلام وفيلسوفه الكبير، وصاحب فكرة إنشاء دولة باكستان، هو أول أديب مسلم في العصر الحالي، استطاع أن يستلهم الإسلام في وضع فلسفته المشهورة -فلسفة الذات أو (خودي) - وكان شعره وعاءً لهذه الفلسفة التي آمن بها ودعا إليها في صدق وحرارة، ولم يحظ شاعر أو فيلسوف مسلم بشهرة تضارع شهرة شاعرنا الكبير في هذا العصر" (٢).
- وكانت شخصية إقبال الإصلاحية مثار اهتمام الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور فأبرز ما قام به من دور فعال في سبيل الدعوة إلى تأسيس الباكستان من ناحية، وحفظ كيان المجتمع الإسلامي من الذوبان والتلاشي من ناحية أخرى (٣).
- وقال"عنه محمد علي جناح أول رئيس لباكستان: "كان شاعرًا منقطع النظير، طبق صيته الآفاق، وستبقى كلماته حية أبدًا. إن مساعدته لأمته وبلده لتضعه في صف أكبر كبراء الهند". كتب إلى محمد علي جناح: "إنه ينبغي على مسلمي الهند من أجل أن يتيسّر عليهم حلّ مشكلاتهم إعادة توزيع البلاد، وإقامة دولة إسلامية -أو أكثر- فيها أغلبية ساحقة لهم. أولاً: تعتقد أن الوقت لمثل هذا المطلب قد حان بالفعل؟ ولعلّ هذا هو أقصر رد يمكن أن تردّ به على الاشتراكية الإلحادية لجواهر لال لنهروا" (١).
وتحقق أمله ويكفيه هذا فخرًا.
- وقال الدكتور نظير قيصر الباكستاني: "هو بدون شك شاعر الشرق وحكيم المله فيلسوف العالم الإسلامي وهو في الوقت نفسه شاعر الكون بأسره".
- ولقبّه شعراء الهند (ترجمان حقيقت) أي (ترجمان الحقائق).
- وأبرز الأستاذ أحمد حسن الزيات دور إقبال في الدفاع عن المحمدية فقال: "فإذا كان حسّان شاعر الرسول فإن إقبالاً شاعر الرسالة، وإذا كان لحسّان من نازعه شرف الدفاع عن - صلى الله عليه وسلم - فليس لإقبال من ينازعه شرف الدفاع عن المحمدية" (٢).
- وقال عنه الدكتور عبد الودود شلبي: "فإذا كان للعرب في عصرهم الحاضر شاعر يلقب بأمير الشعراء هو أحمد شوقي، فقد كان أمير شعراء الإسلام في عصرنا الحاضر من غير منازع هو العلاّمة الدكتور محمد إقبال" (٣).

- وقال عنه الأستاذ فتحي رضوان: "محمد إقبال رمز لأحسن ما في الحياة الإنسانية".
- وذهب طه حسين إلى أن إقبال فرض نفسه على الدنيا وعلى الزمان، وأن المسلمين احتاجوا إلى نحو عشرة قرون ليوجد بينهم ثان لأبي العلاء.
- وذهب توفيق الحكيم إلى أن "الشاعر محمد إقبال هو مفخرة من مفاخر الشرق في عصوره الحديثة، فهو الخلاصة للمعرفة الكونية النابعة من الشرق، وللمعرفة العقلية الصادرة عن الغرب .. لذلك كان إقبال هو بحق المفكر المجدد في فهم الإسلام والكاشف الصادق لجوهره العظيم" (١).
- ويرى الدكتور طه حسين أن إقبال كان ينظر إلى العرب ويشيد بهم ويثني عليهم، ويتخذهم المثل الأعلى للإنسانية الجديرة بالوجود والحياة والبقاء (٢).
- ولقد عرّى إقبال حضارة الغرب ونقدها وهو العليم بها وقال: "يا ساكني ديار الغرب ليست أرض الله حانوتًا، إن الذي توهَّمتموه ذهبًا خالصًا سترونه زائفًا، وإن حضارتكم ستبعج نفسها بخنجرها، إن العزّ الذي يُبنى على غصن غض رقيق لا يثبت" (٣).
- ولقد أشار إقبال إلى أنه اكتوى بنار التعليم الغربي وخاض في دراسته، ولكنه مع ذلك خرج سالمًا وازداد إيمانًا بخلود الإسلام ومبادئه  .السامية، كما خرج إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، فقال: "كسرت ظلم العصر الحاضر، وأبطلت مكره، التقطت الحبة وأفْلتُ من شبكة الصياد، يشهد الله أني كنت في ذلك مقلدًا لإبراهيم، فقد خضت في هذه النار واثقًا بنفسي، وخرجت منها سليمًا محتفظًا بشخصيتي" (١).

* إِقبال حبيب إِلى النفوس ولكن الحق أحب إِلينا منه:
- قوله في صفات الله عز وجل:
الحق أن إقبالاً يؤيد مسلك السلف وما أرشد إليه الكتاب والسنة في هذا الباب، ولكنه تأثر كثيرًا بتفسير الصوفية وتفسير بعض فلاسفة الغرب في ذلك. مثل كانط وهيجل وهوايتهيد وبرجسون. ومن الصحيح كذلك أنه لم يستند كثيرًا إلى أقوال المفسرين والمحدثين والمتكلمين المسلمين في شرح نصوص القرآن والسنة، في محاضراته ومقالاته ودواوينه. ولذلك نجد أن كلامه غامض في غالب الأحيان، ومثقل باستخدام مصطلحات التصوف وفلسفة الغرب في شرح أفكاره.
ومن الصفات التي وصف بها إقبال الله سبحانه وتعالى، أنه الذات الحقيقية والنهائية والأولى وواجبة الوجود، وهو الذات العليا والنفس العظمى والفرد الكامل الأعظم. وهو الإرادة الخالقة والقوة المحركة والنور الأصلي والأزلي الأحد، الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد (٢).
ويقول: " .. صفة العلم وصفة الخلق أمر واحد" (٣).
.

Derek Reynolds

$
0
0

Derek Reynolds

 

هو رجل إنجليزى يكبرنى بحوالى 7 أو 8 سنوات. كان يعمل معى فى نفس الشركة مساح كميات وهى مهنة لا تعرفها شعبات الهندسة المختلفة فى مصر حيث أنها ليست هندسة. فعملهم ينحصر فى حساب الكميات وقراءة اللوحات لكى يجهزوا كراسة المواصفات بالكميات المعروفة فى هذه المرحلة. وقد كان يعمل فى موقع آخر غير الموقع الذى كنت أعمل فيه ولكننا كنا نلتقى كثيرا بسبب صداقته لإنجليزى آخر هو أنتونى بيركنز الذى كان نديم طعامى فى أى مطعم يقع عليه إختيارنا كل ليلة بعد العمل فى نفس الموقع فى برلين.

وكنت كلما قابلناه ألاحظ نبرة إنتقاد واضحة فى حديثه لكل شىء وكان ذلك فى أعوام 94 و95 و96. وفى ذلك الوقت لم تكن الصين قد فتحت أبوابها بعد للمستثمرين الأجانب بالطريقة التى نعرفها الآن، حيث أنها كانت لا تزال تداوى جراح حادثة تيان آن من فى عام 89. وكان ديريك هذا ساخطا على الصين بالذات لأنها لا تفتح الباب للشركات الأجنبية لكى تعمل هناك. وكان يقول دائما هم بحاجة إلينا لأنهم لا يملكون ال know how  اللازم لإعادة بناء البلد. وكان دائما يحاجج بأن صناعة الإنشاءات الغربية لابد لها من أن تستمر فى حالة عمل وإلا فقد العالم هذه المعارف والخبرات بسبب عدم الإستعمال وأن أفضل سوق متاح لذلك هو الصين حيث أن الدول الأوروبية لا تحتاج لذلك كما أن الدول العربية النفطية لم تكن قادرة على تلك التكاليف حيث أن سعر برميل البترول طوال التسعينات لم يتعد ال 13 دولار على ما أذكر..

وفى أحد المرات عندما كنت أناقشه بأن الأمر يتعلق بقرار صينى لا قرار غربى وأن كل دولة لها الحرية لكي تتخذ ما تراه كفيلا بتحسين حال الحياة لمواطنيها إلخ.. إنفجر فىّ قائلا"إذن قل لى أين يمكن للمرء أن يكسب مالا  make money  لو لم يعمل فى الصين وتلك الدول؟".

وهنا تدخل أنتونى بيركنز صديقى الآخر وصرخ فيه"هم لا يحتاجون إليك. فالصينيون حاذقون ولديهم من القدرة السريعة جدا على التعلم مما يحرمك من عمل هذه الثروة التى تحلم بها"..

ولكن ديريك لم يكن قادرا ولا مستعدا لأن يتفهم أن الصين حرة فى قرارها.

وشربنا جميعا ونسينا الأمر وذهب كل منا فى حال سبيله.

وهذه القصة على بساطتها إلا أنها تعرض لنا كثيرا مما آخذه على العقلية الغربية فى مجال الأعمال، وبالتالى وبالتبعية فى مجال السياسة.

ومغزي هذه القصة البسيطة واضح لكل ذى عينين.
فإذا كان إبن خلدونقد عاب على العربي البدوي أنه عندما يشعر بالجوع لا يرد على خاطره سوي الإغارة على جاره ليسرق منه ماعز أو أى شىء يسد به رمقه، ولا يفكر أبدا فى أن يعمل بطريقة تدر عليه دخلا يكفيه ممارسة البلطجة فالملاحظ على الغرب أنه كلما شعر بالجوع لا يخطر على باله إلا التجارة مع الغير حتى يسد رمقه أيضا. وفى سبيل ممارسة التجارة فهو لا يتورع عن شن الحروب كما فعلت إنجلترا فى حروب الأفيون فى الصين. وأكثر من ذلك فإن حركة البوكسر الصينية فى آخر عام من القرن التاسع عشر لم تكن تهدف إلا إلى مقاومة نفوذ التجار الأوروبيين داخل الصين بعد أن جاءوا بالكائن الحديدي ذى الألف رجل (القطار) والذى جعل الحمالين التقليديين بلا عمل حيث أنه يحمل أكثر كثيرا وأسرع وأبعد مدى وبالتالى فهو أرخص منهم.. والحركة تم إخمادها بمجهود عسكرى غربى مشترك بين كل الدول الأوروبية تقريبا وأشهرهم ألمانيا وكان ذلك مهانة كبرى للكبرياء الصينى حيث أنهم أنهوا حياة الإمبراطورية الصينية ودخلوا المدينة المقدسة ودنسوها إلى آخر القصة المعروفة.
وجورج بوش الأب عندما كان رئيسا منتخبا جديدا لم يدخل البيت الأبيض بعد ولكنه فاز بالإنتخابات قابل ميخائيل جورباتشوف فى واشنطن وكان أول سؤال وجهه إليه هو ما هى الضمانات التى تستطيع أن تقدمها لى الآن لكى أنقلها لرجال الأعمال الأمريكيين حتى يمارسوا نشاطهم فى الإتحاد السوفيتى فى عهده الجديد من الإنفتاح الذى تدعو إليه؟

وهذه الصراحة التى لا نفهمها نحن فى الشرق هى الروح التى أملت على إنجلترا كل حملاتها الإستعمارية عبر 300 عام وفى كل القارات.
وبيان نابليون إلى الشعب المصرى لدى دخوله إلى مصر كان يتكىء فى تبرير غزو مصر على أن المماليك الأشرار لا ينصفون التجار الفرنسيين!!

وكل علاقات الدولة العثمانية مع أوروبا كانت تدور حول حقوق التجار الأوروبيين فى العمل على أراضى الدولة العثمانية ولا شىء غير ذلك.

وهذه المطالبات كانت هى السبب فى الإمتيازات التى أعطتها الدولة العثمانية للدول الأوروبية على اراضيها فيما يتعلق بالتقاضى وتنفيذ الأحكام. والإمتيازات الأوروبية قديمة بدأها المماليك ثم توسعت فيها الدولة العثمانية وهو موضوع تحدثنا فيه من قبل.
ولكن ما يهمنى هو دراسة تلك الروح المتميزة التى تملى على الغربيين تلك التصرفات. فكل من لديه فهم سوىّ يعرف أن العقود هى تصرفات رضائية ولا يمكن في شأنها ممارسة الإجبار. وسواء كان البائع مليئا أو مفلسا فلا يمكن إجبار الطرف الثانى على الشراء.

إلا أن هذه القواعد القانونية البسيطة تسري فقط علي المجال الخاص أي بين الأفراد..

 بينما المجال العام، أي الذي يخص الدولة، له ‏قواعد مختلفة.

‏فالولايات المتحدة أو إنجلترا تجاهران في كل العالم بحجة تجعل الآخرين لا يحارون جوابا.

أنها حجة المصالح. فالسياسيون في هذين البلدين ‏بالذات، خلافا للمعمول به في أوروبا، لا يخجلون من وضع تلك الحجة بمنتهي الصراحة أمام الجميع.

 

وأظن أن هذه الطريقة الصريحة أو قل الفجة فى التعبير عن دوافع التصرفات هى طريقة بريطانية فى الاساس وبالتالى إنتقلت إلى الولايات المتحدة حيث أن الفرنسيين أو الألمان أو الهولنديين أو غيرهم من الأوروبيين أو أصحاب الأصول الأوروبية لم يستعملوا هذه الحجة إلا حديثا جدا وبعد الحرب العالمية الثانية بمدة طويلة. وقد إستعملتها أستراليا مثلا فى عام 1997 لكي ترسل قواتها لمراقبة إعادة إنفصال شرق تيمور عن إندونيسيا حيث قالت أن لها مصالح تريد الحفاظ عليها.

والأوروبيون الأصليون مثل فرنسا وألمانيا بل وحتى إسبانيا كانوا يتذرعون بأسباب أخرى مثل الإكتشاف الجغرافى أو نشر التنوير أو حتى نشر كلمة الرب كما كانت إسبانيا تقول.

ولست أجد تبريرا لهذا الإختلاف إلا التبرير القانونى. فالدول الأوروبية جميعا هى من وارثى القانون الرومانى بينما إنجلترا وحدها دولة شريعة عامة. والقانون الرومانى يعرف ويعترف بمبدأ حرية التعاقد ويقدس هذا المبدأ ويبطل أى تصرف يقوم على غير هذه الحرية. والشريعة العامة أيضا تعرف هذا المبدأ إلا أن الفارق ربما يقع فى قيمة ووزن السابقة فى نظام الشريعة العامة.

ولست أعرف السبب الذى جعل من تلك الحجة مقبولة وراسخة فى العقلية البريطانية سوى أن إستعمالها عدد من المرات قد نجح فى تحقيق الغاية منه وبالتالى إستقر فى وجدان الإنجليز أن ما قبل عدة مرات يرقى إلى مستوى القاعدة القانونية التى لا خلاف عليها. وهذا التكرار هو ما يثبت السابقة ويجعل لها مرجعية راسخة.

والحديث حول الفروق فى العقلية والثقافة بين نظامي القانون المكتوب والقانون المستنبط من الشريعة العامة هو حديث طويل للغاية وكتبت فيه مراجع كثيرة، وله مجال وموعد قد يأتى فيما بعد..

الرئيس سليمان فرنجية ..الوجه الآخر

$
0
0
 
تأليف : محمد السويسي
مادفعني إلى الكتابة عن الرئيس سليمان فرنجية حالياً هو كتاب طالعته خلال هذا الأسبوع آلمني ماجاء فيه وقد حوله مؤلفه من كتابة سيرة زعيم عروبي إلى التحدث عن قائد ماروني متزمت  لم يكن لدى الرئيس فرنجية أي صفات منها إلا ضمن الأفق السياسي اللبناني  الذي يتناوله الدستور في توزيع الصلاحيات والوظائف على الطوائف والمذاهب وفق نسبها من قبل أن يكرسها دستور الطائف بصورة نهائية .
ولاأعتقد أن الرئيس فرنجية لو كان حياً ، بماعرفته عنه عن قرب ، ليوافق على مضمون هذا الكتاب الذي اشاد فيه المؤلف على غير حقيقة وواقع الرئيس سليمان  فرنجية وتطلعاته ونظرته للواقع اللبناني وفهمه له الذي انتهجه وفق المنظور السياسي الذي يتداوله الساسة في لبنان بعيداً عن الطائفية والعصبية الدينية أو المناطقية .
لإنه لمن المستحيل أن تعرف  قائد سياسي ما عن حق إلا بالإقتراب منه وسبر أغواره . وقد عرفت سليمان فرنجيه معرفة حقة وقريبة وفقاً لموقعي الوظيفي كرئيس مصلحة سابق لدى وزارة الإقتصاد ، وموقعي السياسي فيما سبق كعضو في هيئة التنسيق الشمالية وكممثل للرئيس أمين الحافظ في هذه الهيئة ثم ممثلاً للدولة نيابة عن المحافظ ،  ومن ثم قربي الشديد من دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي وتكليفه لي بمهمات عدة سياسة وإقتصادية في الداخل والخارج ، مما زاد من التقارب وتوطد العلاقات والصداقة المتينة  بيني وبين الرئيس سليمان فرنجية لما في ذلك من مصلحة مشتركة لطرابلس وزغرتا .
لقد كان الرئيس فرنجية فارساً بكل معنى الكلمة في عروبتة ووفائه لأصدقائه . وكانت علاقاته مع مؤيديه وأنصاره عفوية تتجاوز البروتوكولات كزعيم أو كرئيس سابق . وكان يعتبر ان طرابلس وزغرتا مدينة واحدة وعائلة واحدة ، رأيت تفسيرها على ارض الواقع بما كنت أرى عنده من وجهاء وشخصيات طرابلسية ومن عامة الناس الذين كانوا يقصدونه لخدمات خاصة .
كانت زياراتي له متعددة متقاربة ولكن بناء لمهمات ، إذ لم يسبق أن توجهت اليه دون مهمة رسمية  أو متعلقة بشأن مشترك بين زغرتا وطرابلس . وسوف أوجز المقال بإيراد عدة محطات أعتقد أنها كافية للتدليل والتعريف عن نفسية الرئيس فرنجية ونمط تفكيره وتوجهاته بالنسبة لمدينة طرابلس ولبلدته ولأصدقائه .
تعرفت إليه بداية الثمانينات ، إذ كنت قد  اتفقت مع الموظفين في المصلحة في طرابلس على القيام بجولة  في زغرتا على الباعة ومحطات الوقود والأفران . وكان من الطبيعي أدبياً أن أمر للتسليم عليه ، بغض النظر عن طلب الموظفين المرافقين من مدينة زغرتا إذ أني كنت أعرف الأصول . وقد رحب بي وأبدى إستعداداً للمساعدة في جولاتي ضمن زغرتا والزاوية ، وقد شكرته .  إذ كانت زيارتي بحكم العمل الذي تقتضيه الوظيفة ، كما زياراتي لكل مدن وقرى محافظة الشمال دون إستثناء ، من باب التعرف إلى أحوال البلاد ونشاطها  وطرق عمل الموظفين وحركة الأسواق والتجارة فيها ، أكثر منها للمراقبة مع وجود موظفين يقومون بواجباتهم في زغرتا وسائر أقضية الشمال ، لأضمنها تقاريري المعتادة إلى الوزارة ، بالمعاينة الشخصية كل فترة ،  وفقاً للأصول الإدارية ضمن مدد محددة  .
مع تعدد المهمات ، خارج إطار عمل الوزارة وضمنها ، نمت الثقة والصداقة مع الرئيس فرنجية ، إذ كنت في كل مرة أرى فيه بصورة أوضح وأعمق ، صفات الزعامة القائمة على التواضع والإندفاع للخدمة العامة والسهر على راحة مواطنيه ومتطلباتهم ماأمكن . وقد فاجأني في إحدى المرات  ، في تعليق على موضوع  معين بأنه كان موظفاً مطلع شبابه لدى مصلحة مياه طرابلس وأنه لم يكن يرى في ذلك حرجاً بل فخر له ، مع أنه لم يكن بحاجة للوظيفة ، ولكن حبه لطرابلس وأصدقائه فيها  وقتذاك أشغل فيها نفسه بتلك الوظيفة  وإن كان لوقت غير طويل ، وقد اتخذ منزلاً لسكنه وعائلته في المدينة لشدة تعلقه بها  وحبه لها .
معظم الأحيان كنت آتيه دون مواعيد مسبقة لأن مجيئي عادة مايكون طارئاً فأجلس معه في الصالون بين مواطنيه الذي كانوا يأتون للتسليم عليه ، فيحادثونه ويحادثهم في الأمور العامة واهتمامات زغرتا ، قبل أن ننتقل بعد قليل الى غرفة جانبية . وأول مرة شاهدت سليمان الصغير (النائب الحالي ) ، كان فتى ، وقد دخل علينا مع مرافقين  الى الصالون فإذا بجده  يأخذه بالأحضان ويقبله إذ كان يكن له حباً جارفاً وقد أشغله عن جميع الناس إلا أنه لم يلبث إلا قليلاً ليذهب مع مرافقيه إلى داخل القصر  .
ومع توطد العلاقة مع الرئيس فرنجية وجَدَت الدولة أن التوسط معه من خلالي أضحى أكثر سهولة مما كان عليه من خلال آخرين . وللحقيقة أن الرئيس فرنجية كما قلت كان فارساً في شهامته إلا أن معظم من كان  يأتي اليه في امر ما من الحكومة أو الدولة كان لايحسن الحديث أو التصرف ، لذا كان الأمور دائما تنتهي إلى طريق مسدود .
وبالمناسبة أذكر أن أحد المسؤولين الكبار قد إتصل بي ، مطلع الثمانينات ، لأمر هام فالتقيت به في مكتبه بناء لرغبته  لأجد معه بعض أركان السلطة يتشاورون بموضوع هام  يتعلق بضرورة جمع الرئيسين رشيد كرامي وسليمان فرنجية بعد طول إنقطاع بينهما وأنهم  فشلوا في ذلك لعدم معرفتهم الكيفية والأسلوب ،  إلى ان نصحهم البعض بالإتصال بي لما تربطني من علاقة جيدة مع الزعيمين لتحقيق هذا الأمر من أجل مصلحة طرابلس وزغرتا والشمال ، وبالفعل تم تحديد الموعد في نفس الجلسة دون الرجوع اليهما ، مع إقتراحي أن يكون المكان خارج طرابلس بالطبع ،  وفق ترتيبات معينة  ، ولم أجد أي إعتراض فيما بعد على ترتيباتي التي اقترحتها بالنيابة عنهما والموعد ، وتم اللقاء بعد عدة أيام مع نهاية الأسبوع .
أمر أخر يتعلق بزغرتا وقد نشأ  نزاع بين حارتين في زغرتا ورفع السلاح وغاب الناس عن الشوارع عند نقاط  التماس ،بسبب  الخلاف بين لجنة الدقيق المدعومة من الرئيس فرنجية والعائلات ،  وبين هذا الشخص الذي دعا الى تعديل توزيعاتها بعد أكثر من سبع سنوات من العمل بنظامها .  إتصل بي الرئيس فرنجية صباحاً على الهاتف لأحضر ، وأخبرني عن الموضوع باقتضاب وطلب منى التوسط لإنهاء الوضع . الحقيقة إستغربت لهذا الطلب وأنا الغريب عن البلدة ورجوته أن يكلف آخرين من داخل زغرتا  ، ولكن ببصيرته قال لي أنت  على معرفة بالآخرين بحكم وظيفتك وأنت الأصلح لأنك موظف رسمي فاستعمل صلاحياتك لإنهاء هذا الوضع المستجد  ، أجبته ليس من مشكلة إلا ولها حل يافخامة الرئيس ولكني أريد تفويضاً كاملاً دون الرجوع اليك لأن الجو الذي شاهدته من مظاهر السلاح والتوتر  وأنا قادم اليك لايحتمل الذهاب والإياب  ، أجاب انت تمثلني واختر الحل الذي تراه ، ومع وجودي لن يراجعك أحد وسألتزم بما تتفق مع الطرف الآخر   ولو  كان فيه غرماً ، فالمهم أن يتوقف التوتر في البلدة  ولاأريد دماً فكل شيء يرخص للمحافظة على الوحدة والألفة في زغرتا . كبر في عيني ولم تكن المفاوضة المضنية سهلة إلا أن ابناء زغرتا إجمالاً ينتخون ، ومن هذا الباب  تمت تسوية الأمر .وعاد الوئام واختفي السلاح خلال دقائق وعادت الأجواء طبيعية وقد زال التوتر .
رواية أخرى ، أذكر أنه كانت هناك مناسبة رسمية في زغرتا ، وكان على المحافظ أن يمثل رئيس الجمهورية ، إلا أن المحافظ لم يكن ليجرؤ على التوجه للإحتفال إذ كان غير مرضي عنه من الرئيس فرنجية ولم أكن أعلم بذلك .
 إتصل بي المحافظ واخبرني بالمشكلة وأنه لايجرؤ على الصعود إلى زغرتا وأن كثيرين حاولوا إصلاح الأمرلأكثر من عام  إلا أنهم لم يوفقوا ، طالباً مني التوسط لإصلاح ذات البين ، أجبته إن شئت تستطيع ان ترافقني لتجد أن الرئيس فرنجية سيستقبلك بما عنده من فروسيه ولن يخذلك إن دخلت إلى بيته ، إلا أنه أصر أن أجس له النبض . وبالفعل توجهت الى الرئيس فرنجية فوراً وشرحت له الأمر ، والواقع أنه كان مغتاظاً منه بشدة ، إلا انه لم يمانع مطلقاُ بأن يستقبله كممثل لرئيس جمهورية البلاد وقتذاك وأن يصافحه أيضاً وأنا بجانبه وانتهى الإشكال . وقد انتهزت في حينه الفرصة ، إذ كان الرئيس فرنجية غاضباً من أحد كبار رجال الدين من طائفته ، الذي كان يعتبره محابياً للقوات اللبنانية ضده ،  لألطف  الموضوع وإنهي هذا الخلاف المزمن معه  وليتواجد  مع المحافظ في الإحتفال  ولينتهي الإشكال بالمصالحة معه أيضاً .
أمر اخير اكتفي به وأعتبره كافياً ، رغم وجود الكثير غيره ،  وهو أن قائد مدينة طرابلس كان برفقة وفد رفيع من إحدى الوزارت وزارني في مكتبي بالسراي برفقتهم راجياً مني الإتصال بالرئيس فرنجية ليجتمعوا به لأنه يرفض اللقاء مع الوفد رغم وساطات عدة .
الواقع أن الرئيس فرنجية كان يقول لي دائماً أنت لاتحتاج إلى موعد لأنك تستطيع أن تأتيني متى تشاء وإلا فلن أستقبلك بموعد ؟! ومن هنا قلت فلنتوجه مباشرة  فذلك أفضل لئلا يرفض إن اتصلنا به لتحديد موعد للقاء ، ولندخل إليه كضيوف فعاداتنا وعادات أهل زغرتا واحدة فالضيف له صدر البيت ، إلا أنني إستأذنت قليلاً قبل التوجه معهم للإتصال بمدير مكتبه، دون أن أطلب الرئيس فرنجيه ،  ووضعته في الجو  ليخبر  الرئيس أنني في طريقي اليه لأجتمع به مع ضيوفي .
وبالفعل وصلت الى القصر فوجدنا  سيارة بانتظارنا توجهت امامنا نحو مزرعة خاصة قريبة من زغرتا ،  حيث وجدت الرئيس جالساً وسط كشك  خشبي أبيض جميل وقد استقبلني بحفاوة ورحب بي وعاتبني أن اتصلت بمدير مكتبه قائلاً ، سبق وان أكدت عليك أنك تستطيع أن تأتيني متى تشاء دون موعد مسبق ولك صدر البيت ،  وضيوفك أستقبلتهم إكراماً لك .؟! الواقع أحرجني هذا الكلام إلا انه أكد لي عمق الوفاء من الرئيس فرنجية لأصدقائه ، لأنه في الواقع كان يريد إسماعهم وقد عجزوا عن الإجتماع به لأسابيع ، ولم يتمكنوا من لقائه  إلا من خلالي ، وقد  أنتهزت الفرصة ورجوته أن يستمع اليهم وإن يسهل امورهم ، عندها رحب بهم واستمع اليهم ، بل وأبقانا جميعاً الى الغداء.
فأين الطائفية أو المذهبية الدينية أو العصبية المناطقية بعد هذه الأمثلة القليلة ، بما جاء في الكتاب الذي سبق أن أشرت إليه أعلاه ، عن سيرة هذا الرجل القائد والزعيم ؟! لقد خسرنا الرئيس سليمان فرنجية  كقائد لبناني صميم كما خسرنا الرئيس رشيد كرامي ، ونحن حالياً نعاني من أزمة مرجعيات قيادية لإعادة النهوض بلبنان من كبوته .لقد كان هم الزعيمان فرنجية وكرامي مصلحة طرابلس وزغرتا وحسن الوئام بينهما كما مصلحة لبنان والشعب اللبناني .

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-10

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
 

وانظر إلى كلامه عن العلم والقدرة. والواقع أن إقبالاً قد حار في كلامه هذا حيرة الفلاسفة والمتصوفة.

* وحدة الوجود ووحدة الشهود:
لقد تضاربت آراء دارسي فكر إقبال حول موقفه من فكرة وحدة الوجود. فمنهم من رأى أنه ظل معتقدًا بها طوال حياته، ومن بين من قال بذلك تلميذ إقبال وشارح دواوينه الأستاذ يوسف سليم جشتي، ومنهم من رأى أنه كان يعتقد بها في أول عهده، ثم رفضها وندد بها حين رتب منظومة "الأسرار والرموز"بعد رجوعه من أوربا، وذلك رأي معظم الكتاب عن فكر إقبال ومن بين من رأى ذلك الدكتور سيد عبد الله وخليفة عبد الحكيم والدكتور ظ. الأنصاري (١). ومنهم من رأى أن إقبالاً لم يكن يعتقد بها في أول عهده ولكن اعتنقها خلال الفترة الأخيرة من حياته. والقائل بذلك الأستاذ ميكش أكبر آبادي في كتابه "نقد إقبال" (٢)، ويرى الأستاذ جكن نات آزاد الهندوكي أن إقبالاً ظل يعتقد بتلك الفكرة طيلة حياته، ما عدا فترة ما بين رجوعه من أوروبا في عام ١٩٠٨ م، وبين نشر ديوانه""رسالة المشرق" (٣).
ويرى السيد نذير نيازي صاحب إقبال لمدة طويلة ومترجم محاضراته "تجديد التفكير الديني"إلى الأردية تحت إشراف إقبال نفسه، أنه لم يعتنق تلك الفكرة ليوم واحد لا في أول عهده ولا في آخره، غير أنه وجد بيئة صوفية
 
في أسرة نشأ بها، فسمع شيئًا عنها وتأثر بها تأثرًا ما، كما أنه وجد معظم الشعر الأردي والفارسي مصطبغًا بتلك الفكرة، فنسمع صداها في بعض أبيات نظمها إقبال خلال الفترة الأولى لشعره، بينما نجد أن أستاذه المولوي السيد مير حسن كان معروفًا باتجاهاته الوهابية وكان يتهم أحيانًا بالطبيعية.
ففكرة وحدة الوجود لم تصل إلى مستوى العقيدة في فكر إقبال وشعره في يوم من الأيام (١).
ورأي السيد نذير نيازي هذا يبدو لنا أقرب إلى الصواب، فإن إقبالاً كان متأثرًا بحركة السيد المجدد السرهندي لتطهير التصوف من الأفكار غير الإسلامية أو العجمية، على ما يسميه إقبال. والسيد السرهندي قد ردّ ردًّا عنيفًا على أفكار محي الدين بن عربي الأندلسي، رأس القائلين بوحدة الوجود. فكان من قوله ضمن بعض رسائله: إن ابن عربي قد زلقت رجله في أثناء الطريق، وانخدع بما يعترى السالك من الأحوال في سفره الروحي ويتراءى له من وحدة هذا الوجود فلو تقدم خطوة لشاهد أن لا وحدة بين وجود العبد والمعبود، وأن الله هو الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء. وقد سمى السيد المجدد هذه الوحدة التي تتراءى أثناء سلوكه بمرحلة وحدة الشهود لا بوحدة الوجود في الحقيقة. وكذلك جاء ضمن بعض رسائله: "إننا نحتاج إلى النصوص لا إلى الفصوص" (٢).
وانظر قوله ضمن مقدمة "الأسرار والرموز" (٣).  
* رأي إِقبال في النبوّة:
محبة إقبال للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعنى حبه لديه اتباع سنته واقتفاء أثره - صلى الله عليه وسلم -:
- يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي عن حب إقبال للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
"لقد عاش الدكتور محمد إقبال شاعر الإسلام وفيلسوف العصر -مدة حياته- في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأشواق إلى مدينته، وتغنى بهما في شعره الخالد. وقد طفح الكأس في آخر حياته، فكان كلما ذُكِرت المدينة فاضت عينه وانهمرت الدموع. ولم يقدر له الحج وزيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجسمه الضعيف، الذي كان من زمان يعاني الأمراض والأسقام. ولكنه رحل إلى الحجاز بخياله القوي، وشعره الخصب العذب، وقلبه الولوع الحنون، وحلق في أجواء الحجاز وتحدّث إلى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بما شاء قلبه وحبه وإخلاصه ووفاؤه (١)، وتحدّث إليه عن نفسه، وعن عصره، وعن أمته وعن مجتمعه. وقد فاضت في هذا الحديث قريحة الشاعر، وانفجرت المعاني والحقائق التي كان الشاعر يغالبها ويمسك بزمامها وينتظر فرصة إطلاقها، وقد رأى أن فرصتها قد حانت .. فكان شعره في النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، من أبلغ أشعاره وأقواها، وكان حشاشة نفسه وعصارة عمله وتجاربه، وكان تصويرًا لعصره وتقريرًا عن أمته وتعبيرًا عن عواطفه" (٢).
- وفي معنى حاجة المسلمين إلى التمسك بتعاليم السنة، يقول إقبال في "رموز اللاذاتية"تحت عنوان "الرسالة":
"بالرسالات بدا تكويننا ... شرعنا منها ومنها ديننا
...ذاك من "يهدي إِليه من يريد" ... حلقة منها حوالينا يشيد
خلقة ذات محيط يعجز ... ساحة البطحاء فيها مركز
نحن مما جمعتنا أمة ... أرسلت للناس فيها الرحمة
موجنا في بحرها متصل ... موجة من موجة لا تفصل
أمة في حرز سور الحرم ... في حفاظ مثل "أسد الأجم"
نظرة الصديق رب الفهم ... وإِلى القلب من الربّ أحب
فالنبي الروح فينا والعصب ... شرعه حبل وريد الأمة" (١)
- ويقول، تحت عنوان "إن حسن سيرة الأمة المسلمة من التأدب بالآداب المحمدية":
"أنت كمّ في فروع المصصفى ... فتفتح في ربيع المصطفى
نظرة من روضه فالتمس ... وسنا من خلقه فاقتبس
مرشد الروم الذي قطرته ... قد حوت بحرا، سمت قولته:
"لا تجدّ الحبل من خير البشر ... لا تقل عندي فنون وبصر"
فطرة المسلم طرا رأفة ... قوله والفعل كل رحمة
.لعظيم الخلق من شق القمر ... رحمة عمّت ونور للبشر
لست من معشرنا فاعتزل ... إِن تكن منه بعيد المنزل" (١)
 
* جُهوده في الرّد على القاديانية في مسألة ختم النبوة:
قام إقبال ببذل جهود جبارة في الرد على القاديانية القائلة بأن سلسلة النبوة لم تنته برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ففي مايو ١٩٣٥ م نشر إقبال مقالة في الرد على القاديانية، تحت عنوان "القاديانية والمسلمون"فقام الزعيم الهندوكي البانديت جواهر لال نهرو، يرد عليه مدافعًا عن القاديانية فكتب إقبال عدة مقالات بالإنجليزية في جواب نهرو، دافع فيها عن مسألة ختم النبوة برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ببالغ حماسة وحكمة (٢).
- يقول الأستاذ مسعود عالم الندوي عن جهاد إقبال في ردّ القاديانية:
"ولصاحبنا (إقبال) مأثرة جليلة أخرى في باب الدعوة الدينية والدفاع عن حرمة الدين المبين، لا تنسى أبد الدهر. ولو لم يكن من أعماله الجليلة الخالدة إلا هذه المأثرة العظيمة لكفته فخرًا في الدنيا وذخرًا في الآخرة، ألا وهو موقفه الجليل المشهود بإزاء النحلة القاديانية الضالة المضلة، في السنين الأخيرة من حياته .. إن الزعيم جواهر لال نهرو كتب مقالتين .. ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الدينية حركتها ضد القاديانية ويؤيد جانب القاديانية.
وفي مثل هذه الأحوال انبرى المسلم المؤمن محمد إقبال للدفاع عن حظيرة الإسلام وردّ كيد القاديانية في نحورها. وتطهير الدين المبين من أرجاسها
وأدناسها. فنشر تصريحات عديدة في الصحف، بين فيها موقف الإسلام بإزاء هذه النحلة المارقة التي تؤمن بنبوة الغلام القادياني الكذاب، وكشف عن عورات القاديانيين، وأماط اللثام عن خدماتهم للاستعمار البريطاني وتمسكهم بأذياله" (١).
 
* مناقشة رأي إِقبال في النبوة:
"إذا نظرنا في تفسير إقبال للنبوة نظرة دقيقة، وجدنا أنه أخطأ في عديد من الأمور. منها:
أولاً: أن النبوة ليست ضربًا من الوعي الصوفي، كما توهم إقبال، فإنه يقول في تعريف النبوّة: "إنها ضرب من الوعي الصوفي ينزع ما حصّله النبي في مقام الشهود إلى مجاوزة حدوده وتلمس كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجمعية توجيهًا جديدًا، وتشكيلها في صورة مستحدثة" (٢).
- وهذا القول منه ليس بصواب فإن الله تعالى يختار النبي من عباده ويصطفيه من بينهم حسب إرادته وحكمته فإنه تعالى أعلم حيث يجعل رسالته. فالنبوة موهبة ومكرمة وتكليف من الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ويحمّلها من يختاره منهم، على خلاف أمر الوعي الصوفي فإنه يحصل عليه بممارسة الرياضة الصوفية كل من يجتهد في الحصول عليه. فالنبوة مرتبة لا يمكن أن يتشرف بها أحد من اختياره وكسبه ورياضته، والوعي الصوفي يمكن الحصول عليه بالكسب والاجتهاد، وإذا كانت الولاية بالمصطلح الصوفي، ليس من الضروري الحصول عليها بالكسب والاجتهاد، مع أنها   أدنى رتبة من النبوة، فليست كل صوفي وليًا، كما أنه ليس كل ولي صوفيًّا، فكيف بالنبوة؟ ويوهم تفسير إقبال للنبوة المبيّن في "تجديد الفكر الديني"أنه يمكن التشرف بها بالكسب والاجتهاد، وذلك خطأ واضح، فإن الأنبياء قد وهبوا النبوة مفاجأة، مثل قصة سيدنا موسى عليه السلام، فإنه لم يكن على معرفة أن الله تعالى قد اختاره للنبوة حتى لحظة أن رأى نارًا في طور سيناء، وكلمه الله تعالى وأخبره باختياره نبيًّا، وكذلك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على معرفة من أنه سوف يُختار للنبوة حتى إذا نزل عليه الروح الأمين في جبل حراء، وألقى إليه رسالة الله تعالى، رجع إلى البيت وهو خائف، يقول: زمّلوني ودثّروني. فلو كان الوحي نوعًا من وعي يتحصل بقطع المدارج الصوفية وسلوك المناهج الروحية المعتادة لدى الصوفية، لما حدثت تلك المفاجأة عند نزول الوحي في أول الأمر، على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيدنا موسى عليه السلام. ففي هذا التفسير انخدع إقبال بآراء الصوفية الذين يفسرون النبوة والولاية بتفاسير ليس لها برهان منزل من الله تعالى، حتى قد اغتر بعضهم إلى حد أنه قال: إننا، معشر الصوفية أفضل من الأنبياء؛ لأن اتصالنا بالله تعالى مباشر واتصال الأنبياء به تعالى يحتاج إلى واسطة وهي الملائكة.
ثانيًا: أن إقبالاً لم يشرح في تفسيره كيفية نزول الوحي بواسطة الملائكة والروح الأمين، فإن الروح الأمين هو الذي يقوم بنقل الوحي إلى الأنبياء، ولم يشر إقبال في تفسيره إلى هذه المسألة مطلقًا.
ثالثًا: يوهم تفسير إقبال كأن النبوة عمل خاص للنبي وله فيه رغباته وتصرفاته وليس ذلك حقًّا، فإن النبيّ مأمور بأوامر الله تعالى، فإنه تعالى يربيه للتجرد إليه والعمل من أجل مرضاته حتى لم تعد للنبي رغبة ذاتية، ولو للهداية، فقد قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: ٥٦].

* وقال تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.
* وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨].
والفارق الذي أوضحه إقبال بين عمل الصوفي وعمل النبي من أن عمل الصوفي يبقى فرديًّا، وعمل الرسول ينتقل إلى المجتمع، صحيح ولكن عمل الرسول ليس من عند نفسه، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاد خائفًا حين نزل عليه الوحي في بدء الأمر، وقال: دثروني وزملوني ولم يقل: إني مارست هذه التجربة، فتعالوا، أيها الناس، وأوجدوها في حياتكم.
رابعًا: لا شك في أن للعقل دورًا بالغًا في بناء المجتمع وتوجيهه وتطوير العلوم والتجارب ولكن له مجال محدد وليس في استطاعته إقامة ميزان ثابت يميز به الحق من الباطل. فدور العقل في الإسلام مقيد بالوحي والأمة المسلمة مسئولة أن تحمل رسالة الإسلام في ضوء ذلك الوحي المنزل، وليس العقل في المنهج الإسلامي حرًّا طليقًا في تصرفاته يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء كما يوهم تفسير إقبال هذا.
- والواقع أن إقبالاً متأثر ومنخدع في رأيه أن العقل حلّ محلّ الوحي في العصر الحاضر، بأفكار الغربيين. والواقع كذلك أن هذا الرأي لا يمثل وجهة نظره الشاملة في هذا الشأن، فإنه قد أعطى القرآن الكريم حقه والسنة النبوية حقها في أكثر من موضع من دواوينه ومقالاته، فقال مثلا، ضمن منظومة "رموز اللاذاتية":
"إن دين محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو دين الحياة وشرعه شرح لنظام الحياة. وإذا فقدت الأمة أسوة الرسول تفقد وجودها وبقاءها".
وقال كذلك، تحت عنوان "إن الأمة لا تنتظم بدون شريعة وشريعة.  

..الأمة المحمدية القرآن الكريم:
"لكتاب الله حق، فاقرأن ... كل ما تبغيه، منه فاطلبن"
وقال:
"وحدة الشرع حياة الأمة ... فمن القرآن روح الملة
نحن طين وهو قلب لا جرم ... هو "حبل الله"من شاء اعتصم
فانتظم في سلكه كالدرر ... أو غبارا في الرياح انتثر" (١)
- يرى إقبال أن النبوة ضرب من الوعي الصوفي يستعمل فيه النبي ما حصّله في مقام الشهود في سبيل توجيه قوى الحياة توجيهًا جديدًا. ورغبة النبي في أن يرى رياضته الدينية تتحول إلى قوى عالمية حية رغبة تعلو على كل شيء. واختبارها ليس إلا اختبار هذه القوى الحية التي أوجدها النبي في إطار إنشائي بالميزان التاريخي فعندما يتغلغل النبي فيما يواجهه من أمور مستعصية وينفذ إلى أعماقها تتجلى له حينئذ نفسه، فيعرفها ويزيح القناع عنها فتراها أعين التاريخ. ولهذا كان من بين ما يحكم به على قيمة دعوة النبي ورسالته، البحث في نوع البطولة الإنسانية التي ابتدعها، والفحص عن العالم الثقافي الذي انبعث عن روح دعوته.
ثم يوضح إقبال طبيعة الوحي باعتباره الصلة القائمة بين الله والنبي، ويرى أنه ظاهرة عامة من ظواهر الوجود. فالظواهر البيولوجية والفسيولوجية في عالمي الحيوان والنبات إنما تستمدّ اتجاهها من الإلهام الذي يوجه الحياة كلها
 
في اتجاهها الخلاق. والقرآن نفسه يستعمل الوحي لعوالم مختلفة، كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: ٦٨].
وهكذا يعتبر إقبال النبوة ظاهرة طبيعية أملتها المراحل التطورية للبشرية. ففي طفولة البشرية كانت القوى الروحانية تتطور أحيانًا، إلى ذروة الوحي النبوي لتوجيه الناس وتحقيق مصالحهم. فالنبوة التي هي ثمرة القوى الروحانية الفطرية، كانت وسيلة للاقتصاد في التفكير وتمييز النافع من الضار، غير أنه بنمو ملكة العقل والتفكير لدى الإنسان أخذت الحياة نفسها تعمل لكبت تلك القوى التي لا تعتمد في معارفها على التفكير الاستدلالي.
وهكذا عرفت الإنسانية في تاريخها طورين عظيمين:
١ - طورًا اعتمدت فيه على قواها الروحية، ممثلة في الوحي.
٢ - طورًا نسخ ذلك الطور السابق وتميز باعتمادها على القوى العقلية المنظمة. ورسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - صلة وصل بين الطورين أو العالمين، عالم الفطرة وعالم العقل. فهو من عالم الفطرة باعتبار مصدر رسالته وهو الوحي، وهو من العالم الحديث، عالم العقل، باعتبار مضمون رسالته يعني ما احتوته رسالة الإسلام والنص القرآني من دعوة صريحة إلى استعمال العقل، وحث على النظر في الكون، بحيث اعتبرت هذه الدعوة فريضة دينية قائمة. وهكذا ينص إقبال على أن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا إلى الأبد على زمام يقاد منه، وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو، وأن مخاطبة القرآن للعقل وحثه على التجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة 
.الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة (١).
 
* قضية الجبر والقدر في فكر إقبال:
في مسألة كون الإنسان مختارًا أو مجبرًا في إرادته وأعماله، يذهب إقبال إلى أن الله تعالى قد منح الإنسان حرية واسعة لإبراز إمكانياته واختيار أعماله ومراداته. وعمل القضاء والقدر ليس من خارج الأشياء أو النفوس، بل من داخل إمكانياتها واستعداداتها، ويؤثر القدر تأثيره داخل حدود الزمان والمكان. يقول إقبال في "تجديد التفكير الديني":
"الزمان باعتباره كلاً مركبًا، هو الذي يسميه القرآن، "التقدير"وهي كلمة أسيء فهم معناها كثيرًا في كل من العالم الإسلامي وفي خارجه.
والتقدير هو الزمان عندما ننظر إليه على أنه سابق على وقوع إمكانياته: هو الزمان الخالص من شباك تتابع العلة والمعلول .. والزمان بوصفه تقديرًا هو ماهية الأشياء ذاتها، كما جاء في القرآن {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩]، فتقدير شيء إذن ليس قضاءً غاشمًا يؤثر في الأشياء من خارج، ولكنه القوة الكامنة التي تحقق وجود الشيء، وممكناته التي تقبل التحقق، والتي تكمن في أعماق طبيعته وتحقق وجودها في الخارج بالتالي، دون أي إحساس بإكراه من وسيط خارجي" (٢).
ويرى إقبال كذلك أن قوة الاستبصار والسيطرة المدبرة الملحوظتين في نشاط النفس تكشفان عن حقيقة الحرية التي منحها الله للإنسان، بعد أن هيأه لتحمل مسئوليته من تلقاء نفسه في اختيار تشكيل مصيره وتحديد سلوكه
مستدلاً بمثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩].
وقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧].
وإذا كان من غير الممكن إنكار مبدأ القضاء والقدر السابق لحرية الإنسان، كما يقرره القرآن، فإن إقبالاً يرى أن معنى هذا القدر أو التقدير يعطي للنفس الإنسانية قوة عظيمة على مواجهة الضرورات التي لا مفر منها.
والقرآن نفسه -في رأي إقبال- يقرّ بحقيقة من حقائق النفس الإنسانية، وهي الارتفاع والانخفاض في قدرة الإنسان على اختيار أفعاله.
وحاول إقبال أن يفسر ذلك على ضوء نظرية اشبنجلر Spengler-١٨٨٠ - ١٩٣٦ القائلة بأن الإنسان يمارس حياته بطريقتين: طريقة عقلية تقوم على فهم الكون باعتباره نظامًا ثابتًا من علة ومعلول وطريقة حيوية تقوم على الاستجابة المطلقة لضرورات الواقع الذي يعكس الزمان المتجدّد بما ينطوي عليه من خلق وإبداع. وهذه الطريقة الأخيرة هي التي يواجه بها المسلم الحياة، مفعمًا بالإيمان بضرورة ما يمليه التجدد الزماني الخلاَّق، وتبلغ نزعة الإيمان لديه بهذه الضرورة درجة من الخصب والعمق بحيث تفنى إرادته في إرادة الله المطلقة (القضاء والقدر) فتكتسب من ذلك حيوية وصلابة.
أما النزعة الجبرية التي سادت العالم الإسلامي، فيرى إقبال أن مرجعها إلى ما عرفه تاريخ المسلمين من أنظمة الحكم الجائر، وإلى تأثير الفلسفة التي طبعت النظام الكوني بالسببية المفضية إلى اعتبار العلة الأولى في إرادة الله وعنها يصدر كل شيء. فالمادية العملية التي ظهرت عند أمراء دمشق من بني أمية النهازين للفرص، احتاجت إلى سند يستندون إليه في سوء صنيعهم بكربلاء فقالت بقدر الله -يُروى أن معبد الجهني قال للحسن البصري: إن بني أمية يسفكون دماء المسلمين ويقولون إنما تجري أعمالهم على قدر الله.   .تعالى. فأجابه الحسن أنهم أعداء الله، وأنهم لمفترون. وهكذا نشأ -على الرغم من معارضة علماء الدين في الإسلام معارضة صريحة- القول بالقدر (١).
 
* مناقشة رأيه هذا في القدر:
يبدو أن إقبالاً قد حاول في تفسيره للقضاء والقدر أن يوفق بين طرفي الجبر والاختيار. فبكونه مسلمًا مؤمنًا بالله تعالى وبقدره، لم يستطع أن ينكر قدر الله وقضاءه إطلاقًا، ولكنه حين رأى أن القول بقدر الله والاتكاء عليه، قد دفع المسلمين خلال القرون الأخيرة، إلى ترك العمل والكفاح في حياتهم، وإلى الفشل في مقاومة التحديات التي واجهت العالم الإسلامي منذ قرون عديدة، ورأى كيف أن المستعمرين المستبدين استغلوا هذه النزعة وكيف انتهزوا هذه الفرصة لنهب الشعوب المتمسكة بهذا المبدأ، حاول أن يفسر عقيدة القضاء والقدر تفسيرًا يستطيع أن يوفق به بين الاعتقاد بقضاء الله تعالى، وبين كون الإنسان حرًا مختارًا في فكره وعمله، فرأى أن عملية تقدير الله تعالى لا تقوم بالأشياء والنفوس من خارجها، بل تأتي من داخل إمكانياتها، ولكنه في تفسيره ذلك، قد يندفع أحيانًا إلى القول: بكون واجب الوجود تعالى موجبًا في إرادته وأعماله، كما يزعم الفلاسفة، وأحيانًا إلى القول: بعدم وجود قضاء سابق من عند الله تعالى، قال:
"لا شك في أن ظهور ذوات لها القدرة على الفعل التلقائي، ومن ثم يكون فعلها غير متنبأ به، يتضمن تحديدًا لحرية الذات المحيطة بكل شيء.
ولكن هذا التحديد لم يفرض على الذات الأولى من خارج، بل نشأ.عن حريتها الخالقة التي شاءت أن تصطفي بعض الذوات المتناهية لتقاسمه في الحياة والقوة والاختيار" (١).
- والواقع أن إقبالاً ينزع إلى القول بقدر الإنسان وكونه حرًا مختارًا في سلوكه وتصرفه، كما ذهب إليه المعتزلة، فهو معتزلي النزعة في هذا الأمر.
وقد أخطأ في رأيه أن القول بقدر الله تعالى بدأ في الإسلام أيام بني أمية، فإن ذلك إنكار لبعض نصوص الكتاب والسنة الصريحة. ولعل الصحيح أن استغلال هذا المبدأ بدأ في تلك الأيام. وكذلك أخطأ إقبال في فهم أن بعض الذوات المتناهية مشاركة للذات اللامتناهية، في الخلق والاختيار، وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] فالخالقون في رأيه أكثر من واحد، والله تعالى أحسنهم.
ويرجع هذا الخطأ إلى عدم معرفته أسلوب اللغة العربية جيدًا وعدم إمعان الدراسة في ضوء الآيات الأخرى مثل قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] فالآية صريحة في حصر الخلق والأمر على الله تعالى.
* وقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: ٣].
* وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: ٤٠]. وأمثالها من الآيات.
ولم ينكر إقبال مبدأ القضاء والقدر على الإطلاق فإنه قد أوضح في عديد من المواضع أن الذات في نفسها بين اختيار وجبر، ولكنها إذا قاربت الذات المطلقة، نالت الحرية الكاملة. والحياة جهاد لتحصين الاختيار ومقصدًا لذات أن تبلغ الاختيار بجهادها، فإذا قاربت الذات المطلقة نالت.  الحرية الكاملة (١).
ويرى إقبال كذلك أن العبد ينال الحرية والاختيار، متقربًا إلى الله تعالى بأداء الصلاة وامتثال أوامره تعالى. وقد أريد بتعيين مواقيت للصلاة في كل يوم تخليص النفس من آثار الآلية الموجودة في النوم والعمل. فالصلاة في الإسلام خلاص للنفس ينقذها من الآلية إلى الحرية (٢).
وأوضح إقبال وجهة نظره تجاه مسألة القضاء والقدر والاختيار والجبر ضمن شعره في عدة مواضع. منها ما قاله على لسان الحكيم المريخي ضمن ديوان جاويد نامه، حيث يتساءل: "زنده رود" (إقبال) الحكيم المريخي عن أن السائل والمحروم بقضاء الله وقدره، والحاكم والمحكوم بقضاء الله وقدره.
وليس من خالق للقدر سوى الله تعالى، فلا ينفع تدبير للخلاص من القدر ولا يغني منه حذر. فيردّ الحكيم المريخي عليه بقوله:
"إنك مخطئ تمامًا في فهم القدر. إن عليك لا أن ترضى فحسب بقدر الله، بل تطلب المزيد منه. فادع الله أن يحكم بقدر آخر إذا رمى قلبك بفعل قدر واحد، فإنك إذا طلبت. قدرًا جديدًا، كان ذلك أمرًا مشروعًا تمامًا، إذ لا نهاية لأقدار الله تعالى. حقًّا لقد فات أهل الأرض الشيء الكثير؛ لأنهم لم يعرفوا المعنى الدقيق للقدر، فأضاعوا بذلك قيمتهم الذاتية (نقود الذات) التي يمكنهم بها أن يتعاملوا مع الكون من ناحية ومع الخالق من ناحية أخرى.
فالقدر لا يعني أن يصبع الإنسان مجبرًا جبرًا خالصًا شأنه في ذلك شأن الجماد والنبات، فإن هذه السلبية طبيعة الفطرة الإنسانية.
أأقول لك سر القدر؟ إن هذا السر الدقيق تنطوي عليه جملة واحدة: إذا غيرت نفسك سيتغير هو الآخر، فلقد قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ثم يضرب الحكيم المريخي بضعة أمثلة لتوضيح هذه القضية الدقيقة، فيقول:
كُن ترابًا يهبك القدر الرياح، كن حجرًا يقذف بك الزجاج. إذا كنت قطرة من الندى فالسقوط قدرك، وإذا كنت محيطًا من المحيطات فالثبات قدرك".
- ويستطرد الحكيم قائلاً:
"ربما أُلقي في روعك أن القدر حكم على بعض الناس أن يكدحوا طيلة حياتهم، دون أن يصلوا في النهاية إلى تكون الثروات، وأنه حكم بأن يحصل البعض الآخر على كنوز وثروات طائلة دون جهد يذكر .. ، إذا كانت هذه عقيدتك أيها الغافل، فإنها تؤدي بنا إلى القول بأن المحتاج سيظل أبدًا أكثر احتياجًا، ولن يصبح أي محتاج وفقير ثريًا أو غنيًا. فتبًّا لعقيدة تظل بك حتى تنام وما تزال تبقيك في نوم عميق. أهذا دين أم سحر وخرافة؟ أهذا دين أم حبة أفيون؟ ".
- ومنها قوله ضمن ديوان رسالة المشرق:
"لا يمكن الحكم بأنني مختار أو مجبر، فإنني تراب حيّ لا أزال أتقلب وأتحرك".
- ومنها قوله ضمن منظومة "حديقة الأسرار الجديدة":
"لقد كان من قول قائد معركة بدر (يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم -) الحق أن العبد حر من جهة ومجبر من جهة. فالإيمان بين الجبر والقدر".
وقد عدّ أبو عمران الشيخ إقبالاً ثالث ثلاثة ممن سعوا إلى النهل من الفكر الاعتزالي العقلاني، والدعوة إلى الحرية الإنسانية وما هؤلاء الثلاثة الذين سعوا إلى إحياء روح الفكر الاعتزالي مع مطلع القرن التاسع عشر.  .وبداية القرن العشرين سوى جمال الدين الأفغاني، ومحمد إقبال (١)
 
* البعث وخلود النفس لدى إِقبال (٢):
يرى إقبال عن المصير الإنساني أن فكرة الإسلام الكلية عن الإنسان تؤكد البعث والخلود، إلا أن الحياة في هذه الدنيا هي التي تهيئ للإنسان مجال العمل من أجل تلك الغاية. وما الموت إلا ابتلاء نشاط يعقبه البعث.
وكان على إقبال أن يواجه مشكلة "البعث"ما دام قد انتهى إلى اعتبار النفس حقيقة قائمة، أو جوهرًا روحيًا يجاهد جهادًا موصولاً إلى اكتساب الوحدة والتكامل والحرية والخلود. فيقول في شرح تلك الفكرة:
"إن النهاية أي انقضاء الأجل ليس بلاء {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٣ - ٩٥].
وهذا أمر بالغ الأهمية ينبغي أن يفهم على وجهه الصحيح .. فالإنسان .. أو الذات المتناهية -بشخصيته المفردة التي لا يمكن أن يستعاض عنها بغيرها، سيقت بين يدي الذات غير المتناهية، ليرى عواقب ما أسلف من عمل وليحكم بنفسه على إمكانيات مصيره {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: ١٣ - ١٤]- فأيا كان المصير النهائي للإنسان، فإنه لا يعني فقدان فرديته. والقرآن لا يعد التحرر التام من التناهي أعلى مراتب.  .
.السعادة الإنسانية، بل "جزاؤه الأوفى"هو في تدرجه في السيطرة على نفسه، وفي تفرده وقوة نشاطه بوصفه روحًا، حتى أن منظر الفناء الكلي الذي يسبق يوم الحساب مباشرة، لا يمكن أن يؤثر في كمال اطمئنان الروح التي اكتملت نموًا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر: ٦٨].
ومن يكون أولئك الذين ينطبق عليهم هذا الاستثناء، إلا الذين بلغت أرواحهم منتهى القوة. فالإنسان في نظر القرآن متاح له أن ينتسب إلى معنى الكون وأن يصير خالدًا .. إن كائنًا اقتضى تطوره ملايين السنين ليس من المحتمل إطلاقًا أن يلقى به كما لو كان من سقط المتاع. وليس إلا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار، إذ يمكن أن ينتسب إلى معنى الكون: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٧ - ١٠].
وكيف تكون تزكية النفس وتخليصها من الفساد؟ إنما يكون ذلك بالعمل {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: ١، ٢]، فالحياة تهيئ مجالاً لعمل النفس، والموت هو أول ابتلاء لنشاطها المركب.
وليست هناك أعمال تورث اللذة، وأعمال تورث الألم، بل هناك أعمال تكتب للنفس البقاء أو تكتب لها الفناء. فالعمل هو الذي يعدّ النفس للفناء أو يكيفها لحياة مستقبلة. ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو احترامي للنفس فيّ وفي غيري من الناس. فالخلود لا نناله بصفته حقًّا لنا، وإنما نبلغه بما نبذل من جهد شخصي.
والبعث إذن ليس حادثًا يأتينا من خارج. بل هو كمال لحركة الحياة في داخل النفس. وسواء أكان البعث للفرد أم للكون، فإنه لا يعدو أن يكون نوعًا من جرد البضائع أو الإحصاء لا أسلفت النفس من عمل، وما بقيت  أمامها من إمكانيات.
"يجنح إقبال إلى تأويل حدوث البعث تأويلاً لا يخلو م مباينة لما عليه حقيقته في التصور الإسلامي، فهو يقول: "على أنه لا مفر للنفس من أن تكافح كفاحًا موصولاً حتى توفق إلى التماسك وإلى الفوز بالبعث" (١).
وعلى ذلك الأساس فالبعث ليس حادثًا يأتينا من الخارج، بل هو كمال لحركة الحياة داخل النفس كما يصرّح إقبال.
وتبدو مباينة وجهة نظر إقبال للتصور الإسلامي للبعث بوضوح في قوله: "وسواءً أكان البعث للفرد أم للكون فإنه لا يعدو أن يكون نوعًا من - جرد البضائع أو الإحصاء لما أسلفت النفس من عمل، وما بقي أمامها من إمكانات" (٢) ا. هـ (٣).
 
* الجنة والنار عند إِقبال حالتان لا مكانان:
أما الجنة والنار فهما حالتان، لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. فالنار في تعبير القرآن: {نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: ٦، ٧]، هي إدراك أليم لإخفاق الإنسان لوصفه إنسانًا. أما الجنة فهي سعادة الفوز على قوى الانحلال.
وليس في الإسلام لعنة أبدية. ولفظ الأبدية، الذي جاء في بعض الآيات وصفًا للنار، يفسره القرآن نفسه، بأنه حقبة من الزمان: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: ٢٣]، والزمان لا يمكن أن يكون مقطوع النسبة إلى تطور الشخصية انقطاعًا تامًا. فالخلق ينزع إلى الاستدامة، وتكييفه من جديد يقتضي زمانًا.وعلى هذا فالنار، كما يصورها القرآن، ليست هاوية من عذاب مقيم يسلطه إله منتقم. بل هي تجربة للتقويم، قد تجعل النفس القاسية المتحجرة تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله. وليست الجنة كذلك إجازة أو عطلة.
فالحياة واحدة ومتصلة، والإنسان يسير دائمًا قدمًا، فيتلقى على الدوام نورًا جديدًا من الحق غير المتناهي الذي هو {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩].
ومن يتلقى نور الهداية الإلهية ليس متلقيًا سلبيًّا فحسب؛ لأن كل فعل لنفس حرة، يخلق موقفًا جديدًا، وبذلك يتيح فرصًا جديدة تتجلى فيها قدرته على الإيجاد" (١).
- لقد جانب إقبال الحقيقة الدينية المتعارف عليها في البعث والخلود في بعض الجزئيات، فهو مثلاً قد جعل من البعث فترة "لجرد البضائع"، وجعل الدار الآخرة موصولة بالدار الدنيا في حياة الإنسان، وأنه يمكن للمرء بعد موته أن يواصل عمله لمزيد من استكمال نموه النفسي وكماله الروحي، وهذا ما لا يقرّ به الإسلام الذي يرى الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وهي وحدها دار فرصة للعمل، وبموت الإنسان ينقطع عمله. والآخرة دار قرار وسكون وانقطاع عن العمل وجزاء عما قدّم الإنسان في الحياة الدنيا (٢).
 
* يقول الدكتور خليل الرحمن عبد الرحمن فى كتابه "محمد إِقبال موقفه من الحضارة الغربية" (ص ١٩٧ - ١٩٩):
قد أخطأ إقبال في تفسيره لقضية البعث والخلود خطأين أساسيين:
أولاً: أنه رأى أن الجنة والنار حالتان لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. وذلك رأي يعارض ما جاء به الكتاب والسنة. فإن الجنة والجحيم مكانان محسوسان، وليسا نفسيين    فحسب، على ما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلافًا، وعلى ما يشهد بذلك كثير من الآيات والأحاديث، مثل قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: ٣٠، ٣١].
* وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: ٢٧ - ٣٠].
ثانيًا: إنه فسر الخلود والأبدية بحقبة من الزمن، تمنح النفس بعدها فرصة أخرى لاستئناف نشاطها وكفاحها، وليس في الإسلام، على ما يراه هو، لعنة أبدية، فالنار ليست هاوية من عذاب مقيم بل هي تجربة للتقويم، قد تجعل النفس القاسية تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله .. إلخ. وهذا تفسير يخالف، كذلك، إجماع الأمة، كما يعارض نصوص الكتاب والسنة الصريحة. فإن الآخرة ليست دار عمل وكفاح للنفس وإنما هي دار جزاء على أعمالها في الدنيا، فيما ينص عليه الكتاب والسنة. يقول الدكتور محمد البهي في هذا الخصوص:
"يلاحظ على تفكير إقبال أنه في محاولته شرح استمرار العالم، أو شرح خلوده وبقائه يرتفع في هذا الشرح عن المستوى الديني الذي يصوره الإسلام نفسه. وبذلك يبعد في تفسير النصوص التي استعان بها، عن مدلولاتها الطبيعية التي تلائم هذا المستوى .. فإذا جعل البعث فترة "لجرد البضائع"، وربط الدار الآخرة بالدار الدنيا في حياة الإنسان، فإنه يثير تساؤلاً عن (التكليف) من قبل الشرع ومدته، أهو في الدنيا والآخرة معًا؟. وتفسيره الخلود في النار عندئذ في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا}، بأنه حقبة وفترة ما، يعطي بعدها الإنسان فترة أخرى للبقاء، أو للعمل يدعو لبقاء الإنسان خلوده - يشرح أن الإنسان في نظر إقبال مكلف في الدارين معًا .. ولكن الإسلام ينظر إلى الدنيا على أنها دار ابتلاء وامتحان، وينظر إلى الآخرة على أنها دار. قرار وسكون، أي دار ينقطع فيها الامتحان والاختبار .. " (١).
- ويقول سيد قطب -رحمه الله- منبهًا إلى أن دفعة الحماسة لمقاومة انحراف معين، قد تنشئ انحرافًا آخر:
" .. أراد (إقبال) أن ينفض عن الفكر الإسلامي وعن الحياة الإسلامية ذلك الضياع والفناء والسلبية، كما أراد أن يثبت للفكر الإسلامي واقعية (التجربة) التي يعتمد عليها المذهب التجريبي ثم المذهب الوضعي!، ولكن النتيجة كانت جموحًا في إبراز الذاتية الإنسانية، اضطر معه إلى تأويل بعض النصوص القرآنية تأويلاً تأباه طبيعتها. كما تأباه طبيعة التصور الإسلامي.
لإثبات أن الموت ليس نهاية للتجربة، ولا حتى القيامة فالتجربة والنمو في الذات الإنسانية مستمران أيضًا، عند إقبال - بعد الجنة والنار. مع أن التصور الإسلامي حاسم في أن الدنيا دار ابتلاء وعمل، وأن الآخرة دار حساب وجزاء. وليست هنالك فرصة للنفس البشرية للعمل إلا في هذه الدار. كما أنه لا مجال لعمل جديد في الدار الآخرة بعد الحساب والجزاء" (٢).
ومما يبدو أن إقبالاً في رأيه هذا متأثر تأثرًا ما، بفكرة التناسخ لدى الهندوس وبنظرية التطور الدائم المستمر لدى نيتشه، مع أنه يؤمن بانفصال الدارين، الدنيا والآخرة إيمانًا لا غموض فيه ولا شك، وذلك واضح من كتاباته وشعره. وقد تراجع إقبال عن رأيه هذا في آخر حياته على ما شهد به الأستاذ المودودي بأنه عاد صحيح العقيدة في أيامه الأخيرة (انظر إقباليات للمودودي ص ٣٣).
 
الكفر ملة واحدة عنوانها العداء للإِسلام
 
* المعلم "يعقوب"أو الجنرال يعقوب الخائن لمصر:
في إطار المخادعة وإلباس التاج أو وضعه فوق رأس الخونة ومن لا يستحقون، يقدم لنا (لويس عوض) شخصًا نصرانيًّا اسمه (المعلم يعقوب) أو (الجنرال يعقوب) كما يسميه، علامة على نمو النزعة القومية لدى المصريين -كما يزعم- نتيجة للثورة الفرنسية وحملة نابليون على مصر، ويخصص لويس الباب الرابع من "الخلفية السياسية"في كتابه "تاريخ الفكر المصري الحديث"للحديث عن يعقوب تحت عنوان "مشروع الاستقلال الأول" (١)، ويخبرنا أن (يعقوب) كان يحمل في جعبته مشروعًا خطيرًا كان في نيته عرضه على الإنجليز والفرنسيين، وهو مشروع استقلال مصر (٢)، ويوحي كلامه بأن (يعقوب) كان يمثل المسلمين والنصارى (٣)، ويربط بين الحركات الثورية التي قامت في أرجاء العالم العربي، وبخاصة الحركات الباطنية (الزنج والقرامطة والكورانية والنصيرية والشعشاعية وغيرها) وبين حركة المعلم يعقوب، كما يشير إلى تشابهها مع جمهورية همام التي قامت في الصعيد ويعدها نموذجًا لنظام الحكم الذي يقترح يعقوب قيامه في مصر (٤).
والسؤال هو: استقلال مصر عن من؟ ولماذا؟ ومن الذي كان يحكم مصر؟ وهل لا بد من أن يأتي الاستقلال على يد الخائن يعقوب؟
إن لويس يقصد باستقلال مصر انفصالها عن الخلافة العثمانية أو الباب.  ..العالي؛ لأن ارتباط مصر بالشعوب الإسلامية، يجور على استقلالها، أما ارتباطها بالاستعمار الفرنسي، فهو بداية القومية المصرية والعصر الديمقراطي، وإذا كان المماليك والأتراك، يحكمون مصر، فلا بد من التخلص منهم أولاً -وليس من الحملة الفرنسية- ليكون نظام الحكم على غرار جمهورية الأمير همام في الصعيد الذي أعلن استقلاله بعد استنفار قواته لمواجهة الترك والمماليك جميعًا .. ومن ثم. فإن الاستقلال على يد الخائن يعقوب، يصبح هو طوق النجاة، الذي بشَّر به من خلال مشروعه الذي عرضه على الدول الأوربية ..
ترى ما الذي جعل المعلم يعقوب يبدو بطلاً لاستقلال مصر كما صوره لويس عوض؟
كان المعلم يعقوب يعمل في مجال الصرافة (تحصيل الأموال من المصريين)، وعندما جاءت الحملة الفرنسية استغلت نفرًا من طائفة النصارى المصريين والشوام، واستمالتهم إلى جانبها والقتال معها أو تأمين قواتها، ويشير (عبد الرحمن الرافعي) إلى أن نابليون أصدر أمره بتكليف كتيبة من الأروام المقيمين في ذلك العهد بالقاهرة ورشيد ودمياط وعهد إليها حراسة السفن الفرنسية أثناء مرورها بالنيل، وأراد نابليون من هذا الأمر أن يوفر بعض الجنود الفرنسيين، وأن يستخدم في هذه المهمة الأروام الذين أظهروا ولاءهم للجيش الفرنسي، لكن الأروام لم يتطوعوا لهذه المهمة بالعدد الذي كان ينتظره الفرنسيون (٢).
ويلاحظ أن الرافعي لم يشر إلى تشكيل الفيلق القبطي بقيادة المعلم.  
.يعقوب، الذي أسهب الجبرتي في الحديث عنه، وعن خيانته لوطنه .. يذكر الجبرتي في حوادث سنة ١٥٢١ هجرية (١٨٠٠ - ١٨٠١ م) أن "يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية، وجعلوه ساري عسكر الضبطة، جمع شبان القبط وحلق لحاهم، وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية، مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رءوسهم، مشابه لشكل البرنيطة، وعليها قطعة فروة سوداء من جلد الغنم .. في غاية البشاعة! وصيرهم عسكره وعزوته، وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى -التي هو ساكن بها- خلف الجامع الأحمر، ربنى له قلعة، وسورها بسور عظيم وأبراج، وباب كبير يحيط به بدنات عظام. وكذلك بنى أبراجًا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية، وفي جميع السور المحيط والأبراج طيقانًا للمدافع وبنادق على هيئة سور مصر الذي رمّه الفرنساوية، ورتب على باب القلعة -الخارج والداخل- عدة من العسكر الملازبين للوقوف ليلاً ونهارًا، وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية" (١).
هذا هو المعلم يعقوب الذي أعدّ أول مشروع استقلال لمصر كما يرى لويس عوض أنه يكوّن فيلقًا عسكريًّا على الطريقة الفرنسية يتكون من شباب النصارى ويشيّد التحصينات والقلاع ليحارب!! يحارب من؟ يحارب الفرنسيّين أم غيرهم؟ لو حارب الفرنسيّين، فإن مشروعه الاستقلالي يصبح ذا موضوع، ولكن الجبرتي يقول إنه: "تظاهر مع الفرنساوية"، أي صار ظهيرًا لهم، أي واحدًا منهم، أي عدوًّا لشعبه ووطنه الذي يزعم لويس أنه يريد أن يحقق له الاستقلال!.
والجبرتي -كما يصفه عبد الرحمن الرافعي- كان يتحرى الصدق والدقة. ويتوخى الحق، ولم يكن يتحيز لطائفة أو دولة، أو لأي إنسان مهما عظم نفوذه، ثم يقول الرافعي: "وإنك لتستطيع أن تتحق نزاهة الجبرتي من مطالعة كتابه وإمعان النظر فيه" (١).
والجبرتي هو الذي يصف لنا ما أنزله يعقوب -تحت ظلال حملة نابليون- بالشعب المصري، من خلال نزعته الطائفية التعصبية، فقد "كرنك في داره بالدرب الواسع جبهة الرويعي، واستعدّ استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين، وتحصّن بقلعته التي كان قد شيدها بعد الواقعة الأولى (أي ثورة القاهرة الأولى ضد بونابرت وجيشه). فكان معظم حرب حسن بك الجداوي (من زعماء المماليك) معه" (٢).
- ويذكر الجبرتي في حوادث سنة ١٢١٦ هجرية (٢٠ من المحرم = يونيه ١٨٠١ م):
"توكل رجل قبطي يقال له عبد الله -من طرف يعقوب- بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس، فتعدّى على بعض الأعيان، وأنزلهم من على دوابهم، وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه .. فتشكى الناس من ذلك القبطي، وأنهوا شكواهم إلى "بليار"قائمقام، فأمر بالقبض على ذلك القبطي، وحبسه بالقلعة، ثم فردوا -لعلها فرضوا- على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما أجرة من شيخ الحارة" (٣).
ويشير الجبرتي في حوادث سنة ١٢١٤ هـ (٢٠ من ذي الحجة = ١٥ مايو ١٨٠٠ م) إلى التعنّت الذي مارسه الفرنسيون بإرشاد القبطة وطوائف البلاد (أي بمساعدتهم) "لأنهم هم الذين تقلّدوا المناصب الجليلة، وتقاسموا الأقاليم، والتزموا بجمع الأموال، ويضيف "وانضم إليهم الأسافل من القبط والأراذل من المنافقين" (١).
ويتحدث الجبرتي في حوادث السنة ذاتها إلى تطاول النصارى القبط والشوام على المسلمين بالسب والضرب والنيل منهم وإظهار الحقد عليهم "ولم يبقوا للصلح مكانًا، وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحّدين" (٢).
هذا هو المعلم يعقوب أو الجنرال يعقوب وجماعته الذين كوّنوا جيشًا يتحالف مع نابليون لإذلال المصريين، فهل يمكن لعاقل أن يفهم بعد ذلك طبيعة المشروع الاستقلالي الذي يتحدث عنه لويس عوض؟
لقد تناول عدد من الكتاب مسألة المعلم يعقوب بالشرح والتحليل، منهم محمد جلال كشك، في كتابيه "ودخلت الخيل الأزهر"الذي أشرنا إليه من قبل، و"الغزو الفكري"حيث خصص له فصلاً كاملاً (من صفحة ٨٤ إلى ص ١٣٠)، ويردّ فيهما على مزاعم لويس حول يعقوب وبطولاته، واستشهد بما قاله "محمد شفيق غربال"الذي نقل عنه لويس ما قاله في يعقوب، واستشهد أيضًا بالجبرتي لدحض هذه المزاعم، ويعترف محمد جلال كشك أنه شارك في خطيئة الإشادة بالجنرال يعقوب عندما كتب مؤلفه "مصريون لا طوائف"، ويرجع ذلك إلى أنه كان صغير السن آنئذٍ" (٣).
ويخصص (أحمد حسين الصاوي) كتابًا كاملاً عن يعقوب، ويتناول الآراء التي قيلت فيه، ويصل إلى نتيجة تقول: "إنه لم يكن مجرد خائن.  لقومه وبلاده، فوصفه بذلك من قبيل إطلاق الأحكام العامة التي تفتقر إلى التحديد، والأدق أن يوصف بأنه منشق على نظام الحكم القائم وبنيته رافض له، ولكن ما أساء إلى موقفه أبعد الإساءة أن هذا الانشقاق والرفض اتخذ من البداية بُعْدًا طائفيًّا مذمومًا، فضلاً عما امتزج به من طموحات شخصية" (١).
ولا أدري بم نصف مواطنًا انحاز لعدوّ البلاد الذي قتل أبناءها واغتصب نساءها ونهب أموالها وخيراتها وأهلك قراها ومدنها .. ثم حارب إلى جانبه، وأسفر عن وجهه الطائفي المتعصّب، وآذى -كما أخبرنا الجبرتي- مواطنيه وشعبه؟ هل يكفي أن نصفه بالمنشق على نظام الحكم؟ أليست القرائن الدالة والسلوكيات التي مارسها يعقوب خير برهان على خيانته وعمالته؟
إن الصاوي نفسه يزيد هذه القرائن والسلوكيات توضيحًا عندما يقول: "لقد رفض يعقوب إذ واتته الفرصة أن يستمر في الخضوع لنظام الحكم الإسلامي، الذي كان في رأيه يمثل طغيان الأغلبية على الأقلية، وفي ظلّه تضطهد طائفته القبطية وتمتهن حقوقها، وانشق يعقوب على أمته، فصانع -كما رأينا- الحاكم الفرنسي منذ البداية، وذهب في مصانعته إلى أبعد مدى، وكان له من رفضه وانشقاقه موقف لم يحد عنه، بل راح ينتهز كل فرصة لإثباته وتأكيده، وهو موقف اتسم بنظرة طائفية متطرفة كانت لها مظاهرها التعصبية الحادة" (٢).
والصاوي نفسه هو الذي يصفه يعقوب بالشذوذ عن مألوف طائفته، وارتداء الزيّ المخالف، واتخاذ امرأة من غير جنسه بطريقة غير شرعية (كانت سورية)، ولم يكن رجال الدين راضين عن غروره وخروج تصرفاته معهم. 
.ومع الكنيسة عما تنبغي مراعاته من الأصول والتقاليد (١).
لقد كان يعقوب خائنًا بكل المقاييس، والأمر. ينطبق على أي مسلم ينضم إلى قوات العدو الغازية، أيًّا كانت الأسباب وراء هذا الانضمام، فما بالك برجل باع نفسه تمامًا للحملة الفرنسية، وقَبِلَ من أحد قادتها (كليبر) رتبة الجنرال، وبعد انهزام الحملة هرب معها؟
إن يعقوب ليس مجرد منشق، وإنما كان خائنًا، ألبسه (لويس عوض) تاج الوطنية، وأسند إليه شرف البطولة في البحث عن استقلال مصر عن الباب العالي ودولة الخلافة، وفضّله على واحد من أعظم أبطال مصر الحقيقيين وهو السيد (عمر مكرم) نقيب الأشراف الذي عزل (خورشيد باشا) وولّى (محمد علي) وألبسه الكرك ونزل الخليفة العثماني على رأيه ورأي علماء الإسلام، وإن كانت نتيجة بطولته أن نفي إلى دمياط!
ومع أن الذين ناقشوا آراء لويس حول يعقوب، قد اعتمدوا الأسلوب العلمي في مناقشة، وبيان تهافت ما ذهب إليه مع تفاوت آرائهم في الحكم على يعقوب، ألا أنه يكتفي بوصفهم بالرجعية والتعصب الديني، ويتوعدهم بحساب التاريخ، ويقول: وسوف يحاسب التاريخ الرجعية العربية حسابًا عسيرًا، لأنها سجدت أمام التمثال الذي أقامه شفيق غربال للجنرال يعقوب، ثم مزقتني إربًا لمجرد أنني رددت آراءه وترجمت وثائقه. ونقادي لا يستطيعون ادعاء الجهل؛ لأني أصلت لهم كل شيء قلته عن الجنرال يعقوب في شفيق غربال، فإذا كانوا قد رجعوا إليه، ومع ذلك تعمّدوا تمزيقي لطرق قضيّة (يعقوب اللعين) بهذه الحيدة أو بشيء من التعاطف، فإن هذا يثبت سوء نيتهم، وإذا كانوا لم يهتموا بالرجوع فهذا يثبت انحطاطهم لإصرارهم على.الإدانة رغم وجود شهود النفي. وعلى كل فقضية الجنرال يعقوب أخطر من أن تصرف بكلمتين فلي إليها عودة في مكانها الطبيعي" (١).
بالطبع، لم يعد لويس إلى القضية أبدًا، ولم يكن ردّه الانفعالي الذي سبّ فيه منتقديه، وصفهم. بالانحطاط وسوء النية والرجعية والتعصب الديني، كافيًا لإثبات حسن نيته .. فالعلم حجة وأخرى مضادة .. ومن يملك الدليل والبرهان لا يرد عليه إلا بالدليل والبرهان .. وكون شفيق غربال قد سبق إلى الكتابة عن يعقوب وصديقه الحميم لاسكاريس بالفرنسية أو نقلاً عنها، فهذا لا يعفي لويس من المؤاخذة؛ لأن القضية التي يناقشها لا تقتصر على شخص يعقوب، بل تمس تاريخ أمة وكيانها وحاضرها ومستقبلها، ولويس أبدى آراءه القاطعة، وأحكامه الجازمة، بل جعل عنوان الحديث عن يعقوب "مشروع الاستقلال الأول"، وربط هذا المشروع بما زعمه من تقديم الحملة الفرنسية معالم حضارية حديثة لمصر القومية والديمقراطية .. فهل يحق له بعدئذ أن يصرخ من تمزيقه إربًا؟ وهل هذا اعتراف ضمني بهشاشة موقفه؟ ألم يكن من الأولى أن يحدثنا عن بشاعة الحملة الفرنسية ودمويتها وكيفية مقاومتها، وقبح الانضمام إلى المستعمر الغازي أيًّا كانت الأسباب، وأيًّا كان الأشخاص المنضمين إليه؟ " (٢).
 
* الدكتور فيليب حتّى صاحب "تاريخ العرب"وتزييفه لتاريخ المسلمين والعرب:
"ما يزال كتاب "تاريخ للعرب"للدكتور فيليب حتى، مرجعًا من المراجع الهامة التي يعتمد عليها الباحثون وأساتذة الجامعات والكتاب،.   .
.كمصدر سهل ميسور بالرغم مما يحمل في تضاعيفه من أخطاء وشبهات، وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدوري مواجهة انحرافات هذا الكتاب في دراسة شاملة فأشار إلى أن تسمية مؤلفة (تاريخ العرب) تشعر بوجهة نظر مؤلفه الخاصة، فلم يسمه تاريخ الإسلام مثلاً، وهي تسمية تباين الكتاب في استعمالها بحسب تقديرهم لطبيعة هذا التاريخ، ومع أن نظرته لدور العرب الحضاري فيها مجال لإعادة النظر، إلا أنه يشعرك بأن العرب هم محور هذا التاريخ وقاعدته، أما مادة الكتاب فلا تشعر بوجهة نظر تاريخية، ولكنا نشعر أن مؤلفه وقع تحت تأثير مصادره أكثر مما تشعر بوجهة له، ونحن نرى في بعض النواحي الكتاب تلخيصًا لآراء حديثة لبعض المستشرقين أوردها لبعضهم تبين أنها واهية. لم يحاول المؤلف وضع مفهوم جديد للفتوحات ولم يخرج عن هيكل نظرية (كايتاني) رغم ما تعرضت له من هزات.
وتحدث المؤلف عن مناحي الحياة الفكرية في العصر الأموي وردد مع غيره أن العرب الفاتحين لم يكن لهم "أي ثقافة أو تراث فكري"، وأنهم تعلقوا بحضارة الأمم التي غلبوها فنقلوا عنها، وكانوا مهرة في النقل وأظهروا قابلية للغذاء العقلي. ويرى أن شجرة الفكر (العربي) التي ازدهرت في العصر العباسي تأصلت جذورها في ثقافات العهود السابقة في الإغريق والفرس واليونان. ونحن نعرف النشاط الفكري في العصر الأموي كما بان في عرف المؤلف نفسه -في الدراسات العربية الإسلامية، وظهر في مراكز عربية صرفة وهي المدينة والكوفة والبصرة، وأن الخطوط العامة لهذه الدراسات وضعت في العصر الأموي، أما الأخذ عن الحضارات القديمة فكان في حقل الإدارة (خاصة الضرائب)، وإن تسربت بعض الآراء فقد كان ذلك عرضًا وبطريق الاتصال الشفوي، ولم يحصل الأخذ المنظم إلا في زمن العباسيين، وهذا يصدق على "علوم الأوائل"ولا يمكن تعميمه على نواحي.  الفكر المختلفة.
ويتابع (فيليب حتى) نفس الوجهة حين يتحدث عن (الأندلس) فهو يرى أن سبب تأخر أسبانيا في نشوء فقه اللغة العربية والعلوم الدينية وكتابه التاريخ؛ "لأنه لم يكن عند الأسبان أهل البلاد من العلم والفن ما يفيدون به العرب بخلاف ما كانت عليه الحالة في الشام والعراق حين دخلهما الفاتحون"، ونسي المؤلف أن مراكز الدراسات العربية الخالصة وليس في المدن القديمة كدمشق والإسكندرية، وأنها كانت على يد العرب ولم يشارك فيها غير العرب جديًا إلا بعد أن تعربوا. وبعد هذا يحق لنا أن نتساءل: هل أن العرب خرجوا من الجزيرة وهم دون أي ثقافة أو تراث فكري، وماذا حل بعرب المدن في جنوب الجزيرة وشمالها. إن النقوش تكشف لنا تدريجيًّا عن نواح حضارية كانت مجهولة لدينا، كما أننا تحت تأثير مصادرنا - لم نعن بدراسة أثر عرب الجنوب في الحضارة العربية، وإذا كانت معلوماتنا الآن محدودة فإن هذا لا يخير لنا الحكم السلبي.
- كتابة التاريخ عند العرب:
ويذهب (فيليب حتى) إلى أن لكتابة التاريخ عند العرب أصولاً شيدت على أسس الطريقة الفارسية.
- ويقول الدكتور الدوري: وقد تبين لي من دراسة نشأة علم التاريخ عن العرب أن هذا العلم عربي النشأة والأصول، وأن خطوطه الأساسية تحددت قبل الترجمة عن الفارسية، ولذا فإن قول فيليب حتى بأن (المثال) الذي احتذاه المؤلفون فارسيًّا في الأصل على طريقة (خذ اينامه) مردود لأننا نعرف أن كتابة التاريخ على أساس السير وعلى أساس الأسر الحاكمة عرف قبل ترجمة "الخد اينامه"وقد بدأ علم التاريخ عند العرب من أصول تتصل بدراسة الحديث (المغازي) من جهة، وبمتابعة الاهتمام الموروث من الجاهلية بالأيام كما ظهر لدى الإخباريين.  - ويقول: الدكتور الدوري: أن ما أورده حتى عن المذاهب الفقهية فيه قلق، ومن الحديث يشعر بأنه لم يدقق ولم يستفد من بعض الباحثين المبرزين، وما كتبه عن الإسماعيلية والقرامطة يعكس ببساطة بعض الروايات الشائعة، وكأنه لم يستفد من الدراسات الحديثة.
وحديثه عن الشيعة قلق، وهو أحيانًا يلخص بعض المعلومات عن المصادر الأولية دون نقد، وتفسيره لانتشار الإسلام بأسباب مادية (ص ٤٤١) يحتاج إلى إعادة نظر، وقد فاته أن انتشار الإسلام في أدوار ضعفه السياسي كان أوسع من انتشاره قبل ذلك، ويكفي أن تشير إلى كتاب أرنولد "الدعوة إلى الإسلام". وتفسيره للشعوبية (ص ٤٨٨) بعيد كل البعد عن تحليل دوافعها واتجاهاتها، فهو يراها مجرد دعوة للتسوية في حين أن الحركة لها جذور عميقة في الوعي القومي والديني للشعوب الأخرى، وخاصة الإيرانيين وأنها بدأت بنبرة التسوية في العصر الأموي فإنها سرعان ما انتقلت إلى تفضيل العجم على العرب وإلى مهاجمة التراث والكيان العربي الإسلامي، وكانت وثيقة الصلة بالزندقة. ولكنها برزت في حركة أدبية فكرية قوية.
- كما قبل المؤلف أسطورة العبّاسة لتفسير نكبة البرامكة دون تمحيص" (١) اهـ.
 
* غاندي .. الهندوسي المتعصب يسرق الحركة الوطنية من المسلمين:
"الهندوسي المتعصب الذي أخفى هندوسيته البغيضة وراء المغزل والشاة.
وكان أول سياسي طالب بتأجيل الاستقلال مناديًا بمهادنة السلطة، وعدم مناوأة حكومة الاستعمار.
وكانت فلسفة غاندي التي استقاها من تولستوي ولقنوها لنا في الشرق.  هي التغاضي عن تصرفات المستعمر والاستسلام له.
- والحقيقة أن الزعماء المسلمين هم الذين أعلنوا استقلال الهند الحقيقي وعينوا قضاة المحاكم وحكام المقاطعات وتجاهلوا جميع كل السلطات وقد ظهرت آثار المسلمين واضحة في الحركة الوطنية وضعفت وطنية الهندوك فحاربوا المسلمين بكل سلاح حتى سلاح الفتنة الوطنية والدس الرخيص.
ا"كان السؤال: حول غاندي وتكريمه، والأحاديث التي تنشر عنه في الصحف، وتصويره بصورة البطل: ومحاولة القول بأنه كان رمزًا للمصريين إبان الحركة الوطنية المصرية بعد ثورة ١٩١٩ وكانت الإجابة كالآتي:
بدأت الحركة الوطنية لتحرير الهند في أحضان الحركة الإسلامية، وقد أزعجت الاستعمار البريطاني هذه الخطوة فعمدوا إلى القضاء عليها بأسلوب غاية في المكر والبراعة فقد نحى المسلمين عن قيادة الحركة الوطنية وأسلمها إلى الهندوس، وأجراها على الأسلوب الذي سيطر على الهند بعد ثورة ١٨٥٧ التي قادها المسلمون وكان الاستعمار البريطاني حريصًا على ألا تتحقق للمسلمين السيطرة على الهند بعد أن ظل الإسلام يحكم الهند أكثر من خمسمائة عام إلى أن أزاله الإنجليز.
والمعروف أن المسلمين قاطعوا مدارس الاحتلال وعزفوا عنها حتى أتيح لهم إقامة نهضة تعليمية داخل إطار دينهم وثقافتهم وذلك بإنشاء عدد من المعاهد الإسلامية، انتشرت في "لاهور"و"لكنؤ"ولم تلبث أن حققت تقدمًا واضحًا واسع المجال. ثم اتجه العمل لتحرير الهند فألفت الجمعية الإسلامية العامة في الهند لكنؤ (بومباي) وكان يشرف عليها كبار المسلمين في الهند مطالبين بحقوق المسلمين في الهند كوطنيين وكان الهندوك قد أعلنوا إنشاء المؤتمر الوطني العام وسموه المجلس الملّي الوطني الهندي العام. وكان غايته أن ينالوا حقوقًا سياسية تخولهم السيادة على الأقليات (وهم لا يريدون من.  .كلمة الأقليات غير المسلمين)، وفي عام ١٩١٠ نبهت حكومة الاحتلال إلى حركة الجمعية الإسلامية فأوعزت إلى محمود الحسيني أن يغادر الهند وقبض على أعوانه: أبو الكلام أزاد، حسرت مهاني، ظفر الله خان، محمد علي، شوكت علي. ولما عقدت الهدنة في ١١ نوفمبر ١٩١٨ أعلنت الحكومة البريطانية استعدادها لإجراء إصلاحات في قانون الهند. فاتفق الفريقان (المسلمون والهندوس) على عقد مؤتمر في لكنؤ يجتمع فيه زعماء الفريقين.
وفي عام ١٩١٩ أطلقت الحكومة سراح المسجونين السياسيين المسلمين، فاجتمع زعماؤهم في لكنؤ بدعوة مولاي عبد الباري رئيس علماء أفرنجي محل فتداولوا في تأسيس جمعية إسلامية لتنظيم مطالب الاستقلال وكان قد ظهر في هذا الوقت تآمر الدول الكبرى على تمزيق شمل الدولة العثمانية.
فأطلق على هذه الجماعة (جمعية إنقاذ الخلافة من مخالب الأعداء الطامعين) وتأسست جمعية الخلافة في بومباي (١٨ فبراير ١٩٢٠) برئاسة غلام محمد فتو، ميان حاجي خان. ودخل في عضويتها الزعماء المسلمون المعروفون في الهند، ودعت اللجنة المسلمين إلى جمع الإعانات للدفاع عن حوزة الخلافة، فأقبل المسلمون بسخاء وجمع ما لا يقل عن سبعة عشر مليون روبية إلى أضعاف ذلك كما يقول السيد عبد العزيز التفالي الزعيم التونسي الأشهر في تقريره الذي قدمه للأزهر الشريف في يونيو ١٩٣٧ بعد زيارته للهند ودراسته لأحوال المسلمين هناك.
كان (غاندي) إلى تلك الآونة غير معروف في الهيئات السياسية في الهند، وكان متطوعًا في فرقة تمريض الجنود، ولما انتهت الحرب وانفصل عنها كانت جمعية الخلافة في بدء تآليفها فأقبل عليها وكان اسمه غير معروف إلا بين الأفراد القلائل الذين عرفوه في جنوب أفريقيا. فتيامن به زعماء المسلمين رغم تحذير المولوي (خوجندي) وكان على صلة به من قبل، ويعلم من أمره.  ما لا يعلمون وبالأخص من ناحية تعصبه للهنادكة مع المسلمين. وشاءت الغفلة أن تنطوي هذه الحركة العظيمة على يديه. فقعد في جمعية الخلافة مقعد الناصح الأمين وجعل يشير عليها باستئلاف الهنادكة فقبل الأعضاء نصحه عن حسن نية، وندبوه للسعي إلى ذلك فقام وطاف الهند علي حساب الجمعية يدعو إلى الوفاق ويقول المطلعون على خفايا الأمور أنه كان يتصل بالهنادكة، ويتآمر معهم على شل الحركة الإسلامية ولما عاد من الرحلة سعى إلى إقناع جمعية الخلافة بانضمام إلى الكونجرس (المؤتمر الوطني) الذي تأسس لملاحقة المسلمين وانتزاع حقوقهم في الهند فانضمت إليه جمعية الخلافة وتبعتها بقية الأحزاب الإسلامية المعروفة ارتكازًا على الثقة في (غاندي) وعقد الكونجرس اجتماعًا فوق العادة بعد انضمام المسلمين إليه في مارس ١٩٢٠ في بلدة باكبور حضره ٢٥ ألف مندوب أكثرهم من المسلمين ولما تُلي عليهم القانون الأساسي اقترحوا تعديل المادة التي تقول: بإصلاح حالة الهند إلى عبارة (استقلال الهند) فوافق على ذلك المؤتمر، وشرعت الأحزاب الهندوكية منذ ذلك الوقت تطالب بالاستقلال التام طبق رغبة المسلمين، وكانوا قبل ذلك لا يطالبون إلا بإجراء إصلاحات. فارتاعت الحكومة (البريطانية) لهذا التعبير وعدته فاجعة في سياسة البلاد وعلى أثره ألقت القبض على الزعماء، وزجتهم في السجون.
واجتمع قادة الحركة وعرض أبو الكلام آزاد اقتراحًا باسم الأعضاء المسلمين يتضمن إعلان (الأمة الهندية) وبأن الحكومة الحاضرة غير شرعية.
مع دعوة البلاد إلى مقاطعتها فوافقت الجمعية، وانعقد على أثره (مؤتمر جمعية الخلافة) فأعلن موافقته أيضًا بالإجماع. وبعد أن جرى تصديق المؤتمر على قرار المقاطعة قام غاندي خطيبًا وقال: إن اتحاد الهنادكة مع المسلمين يبقى متينًا ما لم يشرع المسلمون في مناوأة الحكومة، ويشهروا السلاح في وجهها. ورد عليه أبو الكلام آزاد فقال:
"إن غاندي يتصور أن أعمال المسلمين في الهند لا تقوم إلا على مساعدة الهنادكة فقد آن له أن يخرج هذه الفكرة من دماغه وليعلم غاندي أن المسلمين لم يعتمدوا قط على أحد إلا الله عز وجل وعلى أنفسهم".
وشرعت الأمة الهندية عقب ذلك في مقاطعة الحكومة، وإظهار العصيان المدني فامتنعت عن دفع الضرائب والرسوم، وتخلى المحامون عن الدفاع أمام المحاكم. وأعاد الناس الرتب والنياشين، والبراءات للحكومة، وأحرق التجار المسلمون جميع ما في مخازنهم من البضائع الإنجليزية، وترك المسلمون الموظفون مناصبهم في الحكومة فحل الهنادكة محلهم وهاجر كثير من المسلمين إلى الأفغان بعد أن تركوا أملاكهم وأرضهم في الهند واشتدت المقاطعة في البنغال اشتدادًا عظيمًا ليس له مثيل، فقد امتلأت سجونها بالمقاطعين من المسلمين حتى إذا أعيى الحكومة أمرهم صارت تقبض كل يوم على ألف شخص في الصباح وتطلقهم في المساء؛ لأن السجون لم تعد تتسع للمعتقلين. وخطب اللورد ريدنج (الحاكم العام) في كلكتا فقال:
إنني شديد الحيرة من جراء هذه الحركة ولست أدري ماذا أصنع فيها.
ومن هذا السياق تستطيع أن تتصور قوة المسلمين في الحركة الوطنية، وضعفها في الهندوكية ولا شك أن الهندوكي بالغًا ما بلغ من النشاط السياسي لا يستطيع أن يجابه الحكومة، كما لا يستطيع أن يحارب المسلمين إلا بسلاح الدس. وقد اجتمع الزعماء المسلمون في عام ١٩٢١ وأعلنوا استقلال الهند استقلالاً فعليًّا وعينوا ولاة الولايات، وحكام المقاطعات، وقضاة المحاكم في جميع المدن.
فكان الوطنيون يرفعون قضاياهم أمامهم، ويتجاهلون محاكم الحكومة وبسبب ذلك تعطلت أعمال الحكومة والبوليس، وحدث ارتباك شديد في.  الدوائر العالية بالهند غير أنها بدلاً من أن تستعمل سلاح القوة القاهرة لكفاح الشعب الأعزل لجأت إلى المناورات السياسية وهي أشد خطرًا، وكان بطل هذه المناورات المهاتما غاندي، فقد اتفق اللورد ريدنج مع غاندي على حل الوفاق القومي بين المسلمين والهندوك وقد أذيع الحديث بواسطة المصادر البريطانية بعد ستة أشهر. فقد نقل إلى اللورد الذي قال لغاندي:
"إن مصدر الحركة الاستقلالية في الهند هم المسلمون، وأهدافها بأيدي زعمائها فلو أسرعنا وأجبناهم إلى طلباتكم وسلمنا لكم مقاليد الأحكام ألا ترى أن مصائر البلاد آيلة للمسلمين. فماذا يكون حال الهنادكة بعد ذلك؟ هل تريدون الرجوع إلى ما كنتم عليه قبل الاحتلال البريطاني وهل تفيدكم يومئذ كثرتكم وأنتم محاطون بالأمم الإسلامية من كل جانب، وهم يستمدون قوتهم منها عليكم. إذا كنتم تريدون أن تحتفظوا لأنفسكم باستقلال الهند فعليكم أن تسعوا أولاً لكسر شوكة المسلمين وهذا لا يمكنكم بغير التعاون مع الحكومة وينبغي لكم أيضًا تنشيط الحركات الهندوكية للتفوق على المسلمين في جميع الأعمال الحيوية وفي بلوغهم الدرجة المطلوبة فإني أؤكد لكم أن حكومة بريطانيا لا تتمهل في الاعتراف لكم بالاستقلال".
وقبل انصراف غاندي أوعز اللورد إليه أن يشير على (مولانا محمد علي) كتابة تعليق على خطاب كان ألقاه في مؤتمر الخلافة، وحمل فيه على الحكومة حملة عنيفة. يقول في هذا التعليق:
"إن ما فهمته الحكومة كان مخالفًا لمرادي"فصدع غاندي بالأمر ودعا محمد علي لكتابة هذا البيان بعد أن أفهمه أن الكتاب سيكون سريًا لا يطلع عليه أحد غير اللورد فكتب البيان تحت التأثير السحري الذي كان لغاندي عليه. وما كاد الخطاب يصل إلى اللورد حتى أذيع في جميع أقطار الهند بعد أن صورته الحكومة بمقدمة قالت فيها: إن محمد علي تقدم إلى الحكومة يطلب منها العفو عن الهفوة التي ارتكبها".
واتهم محمد علي من المسلمين بالتراجع، ورُمي بالخور والضعف غير أنه لم يحاول أن يصحح موقفِه إلا حين عقد مؤتمر في كراتشي (أغسطس ْ١٩٢٠) حين أعلن سياسة المناوأة للحكومة لا موالاتها. فتلقى منه الهنادكة والمسلمون هذا التصريح بالارتياح التام ولكن عقب انفضاض المؤتمر أمرت الحكومة باعتقاله مع ستة آخرين من الزعماء، شوكت علي، حسين أحمد، كثار أحمد، ببرغلام محمد، الدكتور سيف الدين كتشلو. وساقتهم جميعًا إلى المحكمة المخصوصة للمحاكمة. فرفضوا الاعتراف بالحكومة وهيبة المحكمة عملاً بقرار المؤتمر السابق وامتنعوا عن الدفاع عن المتهم. ولكن المحكمة أدانتهم بمجرد الاتهام، وحكمت عليهم بالحبس عامين مع الأشغال الموجهة إليهم. وبعد الحكم أصدر محمد علي، وسيف الدين كتشلو منشورًا بتوقيعهما يخاطبان فيه الشعب وينصحانه بعدم الاهتمام بما حصل ويعدانه بأن الزعماء المعتقلين سيحضرون اجتماع الكونجرس القادم في ديسمبر بمدينة (أحمد أباد) سواء رضيت الحكومة أم كرهت لاعتقادهما أن الكونجرس سيعلن بصفة رسمية استقلال الهند، وتأليف حكومة وطنية هي التي ستقرر الإفراج عنهم. ولكن الحكومة لم تأبه لهذا المنشور؛ لأنها كانت واثقة من أن الكونجرس لن يفعل. ولما عقد اجتماع الكونجرس (ديسمبر سنة ١٩٢٠) حضر غاندي وقال:
"بما أن الزعماء معتقلون، ولا سبيل للدولة معهم في منهاج أعمال المؤتمر فأقترح عليكم تعييني رئيسًا للمؤتمر، وتخويلي السلطة المطلقة لتنفيذ ما أراه صالحًا من الإجراءات".
فوافقته اللجنة على ذلك دون أن تنتبه إلى ما كان يضمره هو من.  المقاصد التي قد لا تتفق مع خطة المؤتمر، وتقرر فيها أيضًا إسناد رئاسة مؤتمر الخلافة إلى أجمل خان، ومؤتمر مسلم ليك إلى حسرت مهاتي. وقبل اجتماع مؤتمر الخلافة قال غاندي للحكيم أجمل خان:
"إن إعلان الاستقلال في الظروف الراهنة غير مناسب".
وما زال به حتى أقنعه بالعدول عن إعلان ذلك مع أن الزعماء المسلمين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، وكانت الحكومة تتوقع صدوره من أحزاب المسلمين بقلق شديد وما عساها تصنع لو تخلف غاندي عن الوفاء لها بوعده. وفي أغسطس ١٩٢١ أجمع الكونجرس تحت رئاسة غاندي في أحمد أباد فأعلن أن الوقت الذي يصرح فيه المؤتمر باستقلال الهند لم يحن بعد، فهاج الأعضاء وماجوا. وعقب انتهاء جلسات المؤتمر انعقد مؤتمر الخلافة، وتهيب الحكيم أجمل خان أن يثير عاصفة من قبل المسلمين فأمسك عن إعلان الاستقلال. أما حسرت مهاتي فقد أعلن في مؤتمر مسلم ليك أن الهند تريد أن تعرب بواسطتهم عن إرادتها في الاستقلال. فعلى الهنود أن يشعروا اليوم بأنهم مستقلون وألا يعترفوا بقوانين الحكومة الملغاة. فأمرت الحكومة بالقبض عليه وحكم عليه بالسجن عشر سنين مع الأشغال، وأجمعت الصحف الهندية على نقده ووصفه بالشدة وخفضت العقوبة إلى سنتين.
وعقب ظهور هذا الفشل الكبير في سياسة البلاد اعترت المسلمين شكوك في تصرفات غاندي، واستيقنوا أن زعماء الهنادكة متفقون على ذلك فدب الانشقاق بين الطرفين.
هذا هو النص الذي أورده العلامة الزعيم عبد العزيز الثعالبي عن دور المسلمين في الحركة الوطنية الهندية وكيف قضى عليه غاندي بالتآمر مع النفوذ البريطاني فانهار مخطط الاستقلال. وفي خلال سجن زعماء الحركة المسلمين تسلم غاندي الحركة وحولها إلى وجهة أخرى مخالفة مما دعا المسلمين منبعد إلى المطالبة بكيان خاص لهم.
هذا هو غاندي في حقيقته التي لم تعرف في بلادنا وفي المشرق. والتي أخفيت عنا تمامًا خلال تلك الفترة التي كان المصريون بتوجيه من السياسة البريطانية يعجبون بغاندي وبدعوته إلى الاستسلام للنفوذ الأجنبي وقبول ما يعرض وعدم العنف.
وهذه هي الفلسفة التي استقاها غاندي من تولستوي وذاعت كثيرًا في بلاد المسلمين معارضة لمفهوم الإسلام الصحيح من الجهاد المقدس في سبيل استخلاص الحقوق المغتصبة إبان الحركة الوطنية المصرية حيث كانوا يجدون في غاندي وأخباره ما يؤيد النفوذ الأجنبي ويدفع الوطنيين المصريين ناحية التفاهم مع الاستعمار البريطاني، ولذلك فإن هذه الصفحات التي ينشرها بعض الكتاب لرسم صورة مزخرفة لغاندي يجب أن لا تخدعنا كثيرًا فإنه رجل هندوسي متعصب لهندوسيته كاره للمسلمين. وقد كان هو وتلميذه نهرو أشد عنفًا وقسوة في معاملة مسلمي الهند، وكانت أنديرا غاندي ابنة نهرو إبان حكمها قد حكمت على المسلمين في بعض المناطق بتعقيمهم عن طريق العمليات الجراحية عملاً على الحد من تعداد المسلمين في الهند.
فيجب علينا أن نعرف الحقائق ولا تخدعنا الأوهام الكاذبة والصور البراقة التي يراد بها تغطية حقيقة واضحة وجريمة كبرى هي أن غاندي في الحقيقة سرق الحركة الوطنية من الزعماء المسلمين وتآمر عليهم مع الحكومة البريطانية وأدخل أمثال محمد علي وشوكت علي وأبو الكلام آزاد وهم من أقطاب المسلمين، أدخلهم السجون، وسحب بساط الحركة الوطنية بالتآمر من تحت أرجلهم، وحال دون قيام حكومة هندية حرة يكون المسلمون فيها سادة.
وذلك لخدمة الاستعمار البريطاني وتسليم الهند إليه لتحويل المسلمين إلى أقلية فيها مما دعا المسلمين إلى العمل على قيام باكستان والتحرر من نفوذ    غاندي والهندوكية والاستعمار البريطاني.
راجع تقرير الشيخ عبد العزيز الثعالبي (البلاغ ١٩٣٧) " (١).
 
* بطرس غالي الجد .. والحفيد وسجل الخيانات القذرة:
مسلسل لا ينتهي من مسلسلات الخيانة الصليبية ..
آية ذلك أن بطرس (بيتر) غالي كان مع التصور الغربي الصليبي الاستعماري قلبًا وقالبًا، مما يمكن معه القول أنه كان تلميذًا مخلصًا للمدرسة الاستعمارية التي رعاها (كرومر) وكان جده من طلائعها".
- "يحكي محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية السابق، في كتابه "السلام الضائع"عن فترة وجوده بكامب ديفيد برفقة أنور السادات عام ١٩٧٨ م فيقول (٢): "ومن النوادر التي حدثت في ذلك الوقت، كان بطرس غالي يحكي عن خطابات التهديد التي وُجِّهت له بعد مرافقته للرئيس السادات في القدس، ثم أردف قائلاً بالفرنسية: "إنهم يتهموني بأني الجيل الثالث من الخونة في عائلة غالي"فقتلت ضاحكًا: "كيف؟ إني لا أعرف إلا اثنين فقط، هما جدك، وأنت، فمن الثالث؟ "أجاب بطرس: فيقولون إن عمي نجيب باشا غالي، قد تورط مع الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى".
 
* الجد بطرس قاتل المسلمين في دنشواي الجيل الأول من الخونة في عائلة غالي:
- يقول آرثر إدوارد جولد سميث (الابن) (٣).  أطلق صيدلي شاب يدعى إبراهيم ناصف الورداني النار على بطرس غالي وأصابه بجراح خطيرة. على الرغم من نقله إلى المستشفى وإجراء عملية جراحية سريعة له لإخراج الرصاصات فقد أزهقت روحه، وتوفي في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي.
وقُبِض على الورداني في موقع الجريمة واستجوبته النيابة العامة، واعترف بجريمته، وقرر أن دافعه للجريمة هو خيانة بطرس للأمة بتوقيع اتفاقية الحكم الثنائي للسودان، وبرئاسة لمحكمة دنشواي، وإحياء قانون المطبوعات، والحث على قبول اتفاقية قناة السويس (١).
ورفض مفتي الديار المصرية إصدار فتوى تؤيد إعدام الورداني، وبُذِلت جهود عديدة لإنقاذ حياته، وبالرغم من أن الجميع توقعوا أن ينجو الورداني من الموت بطريقة ما، فإنه شنِقَ في سرية تامة في ٢٨ يونيو ١٩١٠.
بعد أربع سنوات تمامًا من تنفيذ أحكام دنشواي، وقبل أربع سنوات تمامًا من وقوع حادث اغتيال أخطر (٢).
- وكان بطرس غالي وزيرًا للخارجية في وزارة مصطفى فهمي وظل يشغل هذا المنصب لمدة ١٣ عامًا، وكان طوال الخمس عشرة سنة السابقة حريصًا على إبقاء حسن الروابط سواء مع الاحتلال أو مع القصر (٣).
ويقال إنه من قبل كان جاسوسًا على الحركة الوطنية لحساب الإنجليز (٤)، "قبل أن يتولى وزارة الخارجية في وزارة الاستسلام والولاء المطلق للاحتلال. البريطاني" (١).
وقد رأس بطرس غالي بنفسه، المحكمة الإنجليزية الكافرة التي شُكلت للنظر في حادثة دنشواي، وكانت تضم في عضويتها:
مستر (وليم جود) المستشار القضائي بالنيابة.
ومستر (بوند) وكيل محكمة الاستئناف، والكولونيل (لاولو) القائم بأعمال المحاماة والقضاء في جيش الاحتلال.
و (أحمد فتحي زغلول) (٢) رئيس محمكة مصر الابتدائية الأهلية.
و (عثمان رفقي بك) سكرتير الجلسة (٣).
وكانت المشانق قد وصلت قرية دنشواي لإعدام المتهمين، قبل صدور حكم المحكمة (٤)، وكان هذا واحدًا من الأسباب الرئيسية التي دفعت (إبراهيم الورداني) لاغتياله وفقًا لما جاء بأقواله.
أما السبب الثاني فهو امتياز شركة قناة السويس الذي كان مقررًا انتهاؤه في عام ١٩٦٩، ولكن بطرس غالي إرضاء للقصر الحاكم من ناحية، ولسلطات الاحتلال من ناحية أخرى قد وافق على مشروع المستشار المالي البريطاني بول هارفي بحجة سد حاجة الحكومة المصرية إلى المال المستباح الذي يغترف منه الخديوي وحاشيته ووزرائه بلا رقيب أو حساب، فاتفق مع شركة القناة لمد عقد امتيازها لمدة أربعين عامًا، لقاء أربعة ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة إلى جانب جزء من الأرباح من سنة ١٩٢١ حتى سنة ١٩٦٨.
.وقد ظل المشروع سريًا بينهم وكأن مصر عزبة خاصة بهم وحدهم يبيعون فيها ويشترون، حتى كشفه محمد فريد، عندما حصل على نسخة منه، ونشرها بجريدة اللواء ليشهد كل شعب مصر على طغمة ممن تآمروا عليه وخانوه.
وافتضح سر فكرة المشروع الذي نص على أن يُجدد عقد امتياز الشركة، بحيث تبدأ التسعة والتسعون عامًا، من تاريخ توقيع العقد الجديد، فيمتد أجل الامتياز حتى ٣١ ديسمبر سنة ٢٠٠٨.
أما ثالث خيانات بطرس، إعادة قانون المطبوعات القديم، الصادر أثناء الثورة العرابية -والذي أُبطل العمل به- لردع الصحف التي تجاوزت الحدود، وأجادت عملها في كشف المستور من الخيانات والمؤامرات، بحيث تحول التهم الصحفية إلى محكمة الجنايات مباشرة.
ثم تجيء رابع الخيانات الكبرى عندما وقع بطرس غالي اتفاقية السودان، التي أعطت الإنجليز حق الحصول على نصف حقوق مصر في السودان، وأصبح حاكم السودان تحت وصاية الخديوي، بناء على طلب حكومة إنجلترا.
ولذا كله، عندما سُئل إبراهيم الورداني عن دوافع ما فعله، قال:
"لقد قتلته؛ لأنه خائن وجزاء الخائن هو البتر" (١).
ومن قبل لما شرعت النظارة العدلية (وزارة العدل) المصرية عام ١٨٧٤ م، في التحضير لإنشاء المحاكم المختلطة -استجابة لأطماع النصارى التي تتجدد في صمت ودهاء بلا هوادة- بعد أن كانت تطبق نظم الشريعة الإسلامية فقط، أسندت إلى الجد بطرس باشا غالي بمعاونة محمد باشا قدري، ترجمة قوانين هذه المحاكم -التي احتوت على كثير من التشريعات     الفرنسية- إلى اللغة العربية، وهي التي ما زلنا نُحكَم بها حتى اليوم (١).
 
* الجيل الثاني من الخونة في عائلة غالي: نجيب وواصف غالي:
ظل نجيب غالي المسئول عن الخارجية المصرية طوال فترة الحماية البريطانية على مصر ومن أجل عيون الاحتلال، كان عينًا لهم بين صفوف الوطنيين، وكان عونًا لهم على تمثيل مصر في المحافل الدولية المشاركة في التآمر على تاريخ مصر.
ثم جاء شقيقه واصف بطرس غالي أفندي، ليشغل المناصب التالية على الترتيب في نفس التخصص:
- وزيرًا للخارجية في وزارة سعد زغلول باشا الأول.
(١٨ يناير ١٩٢٤ - ٢٤ نوفمبر ١٩٢٤)
ولقد لعب دورًا ضخمًا في تحقيق أهداف الإنجليز لدى وزارة سعد الوفدية، والتي تمثلت في الاعتراف بوجود بريطاني فعال في مصر عن طريق المفاوضات، إذ أن مثل هذا الاعتراف أدى بشكل قوي إلى تحقيق مرمى الاستراتيجية البريطانية حينذاك في تثبيت دعاماتها بأرض مصر.
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الأولى.
(١٦ مارس ١٩٢٨ - ٢٥ يونيه ١٩٢٤)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثانية.
(١ يناير ١٩٣٠ - ١٩ يونيه ١٩٣٠)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثالثة.
(٩ مايو ١٩٣٦ - ٣١ يوليو ١٩٣٧)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الرابعة.
(أغسطس ١٩٣٧ - ٣٠ ديسمبر ١٩٣٧)
ويلاحظ أن واصف بطرس غالي كان أول وزير خارجية ممثلاً لحزب الوفد مع سعد زغلول في وزارته الأولى، ثم اختفى ليعود ثانية ملازمًا للتشكيلات الأربع لوزارات النحاس، ثم انتهى بانتهاء النحاس ولم يُسمَع له صوتٌ بعد ذلك.
ولم يحتفظ له التاريخ بسطر واحد، يمكن أن يشهد له أنه كان لمصر قبل الإنجليز، أو أنه تمثل موقفًا وطنيًا أعلن من خلاله رفضه للاحتلال والوصاية.
وحتى لا تترك أسرة غالي مجالاً لتَلَمُّس براءتها من هذه الأدوار المشبوهة في تاريخ مصر، أصدر (مترى بطرس غالي) عام ١٩٣٨ كتابًا على غاية من الخطورة في تلك الحقبة الخطرة، تحت عنوان "سياسة الغد"وضع فيه الخطوط العريضة للسياسة الوطنية المصرية تجاه الوجود الاستعماري، ظهرت من خلال سطوره، روح تعاونية مع البريطانيين، ثم تَذَمَّر من اهتمام المصريين وقادتهم، بالاستقلال والوطنية (١).
 
* بطرس غالي الحفيد ودوره الجهنمي في الصلح مع إسرائيل واليهود أصهاره:
- قال الباحث عبد العاطي محمد أحد تلاميذ بطرس غالي الأوفياء في حديث له بمجلة السياسة الدولية أن بطرس غالي كان "من أشد المتحمسين للسلام بين العرب وإسرائيل" (٢).
...* بطرس غالي الخائن فرعون السلام مع اليهود:
- ومن مذكرات موشى ديان (١) يقول ديان:
"اقترحت على غالي أن يطلب من السادات ألا يتكلم في نقاشه مع الحكومة الإسرائيلية، عن اشتراك هذه المنظمة في المفاوضات؛ لأن رد الحكومة سيكون بالنفي، ووعدني بذلك، وفعلاً لم يذكر السادات منظمة التحرير الفلسطينية في خطابه الذي ألقاه في اليوم التالي.
.. وعند مدخل فندق الملك داود، استطعنا بصعوبة بالغة اختراق جموع المضيفين والصحفيين. وقد رافقت بطرس غالي حتى غرفته ثم تركته وذهبت" (٢).
كما أشار ديان في مذكراته أيضًا، إلى أنه شعر بالارتياح لمحادثاته مع غالي، حيث قال: "إننا نظمنا خلافاتنا، وطالب ديان غالي عوضًا عن بحث المشاكل، الكلام عن العلاقات التي ترغب إسرائيل في إنشائها مع مصر .. فركز غالي على تحديد إطار للتسوية الشاملة" (٣).
ولما تبادل ديان مع غالي الكلام حول مدينة القدس الشريفة.
- قال ديان لغالي:
"إننا عندما نبحث مستقبل القدس، فإننا سنعمل جيدًا إذا لم نبدأ البحث بسيادة القدس، بل نعالج مشاكل الأماكن المقدسة" (٤).
وبدلاً من أن يغضب بطرس غالي في وجه ديان، والذي أثار دهشة.   
.ديان، أن بطرس علق قائلاً:
- نعم، إنه يجب أن نتطلع لمحاولة إيجاد مفهوم جديد يتعلق بسيادة القدس.
كانت الإجابة غامضة، لكنها على كل حال تسير في نفس اتجاه ديان، مما شجعه على طرح السؤال الأكبر.
- إذا كان بإمكانك أن تبحث مع ( ... ) مسألة السيادة على القدس، ذلك أن اهتماماتهم ومفهومهم عن القدس قد أصبح مفهومًا قديمًا وقد طواه النسيان؟
فتأمله غالي ثم أجابه بهدوء:
- إنك على حق"ا. هـ.
"وشارك غالي في المركز الأكاديمي المصري -الإسرائيلي بالقاهرة كعضو عامل وفعال، من خلال محاضراته وجهوده الدءوبة لبث ثقة متبادلة بين الشعبين"وحث تلاميذه على ترسيخ مفاهيم التطبيع، وإنشاء المصطلحات السياسية والثقافية والفكرية التي تعمل على إذابة الجليد بين المصريين والصهاينة.
- ثم يضيف الدكتور نبيل السمان (١) قائلاً:
"وَأحَبَّ الدكتور غالي أن تُلتَقط له صور تمثل معركة قاديش التي جرت عام ٢٩٩ قبل الميلاد، والتي جرت بين مصر الفرعونية وإمبراطورية الحيثيين، ونتج عن هذه المعركة الفاصلة، قناعة لدى فرعون مصر، رمسيس الثاني، والذي تمتع بشهرة عالمية واسعة، وأول من وقع معاهدة سلام مع خصومه من منطق قوة، وليس ضعف، إذ كان يشعر بسطوته، وضعف أعدائه، ولكن.  .السلام الذي أرسى رمسيس دعاتمه، يمكن أن يمتد ليومنا هذا حسب ما يشير إليه الدكتور غالي:
"ما توصل إليه سكان المنطقة قبل ثلاثة آلاف سنة، يمكن لأبنائهم أن يحاكوه ويقلدوه" (١).
ولكن مقولة الدكتور غالي، لا تنطبق على المصريين أو العرب، حسبما نرى ويرى هو، ولكنها تنطبق تمامًا -وهذا ليس بغائب عن فهم الدكتور- على الإسرائليين الذين يملكون من أسباب المنعة والقوة من الأسلحة النووية، والتقليدية .. ما لا يملكه خصومهم العرب.
ونظرًا لكون الدكتور غالي أحد مهندسي معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، والتي أدت إلى توقيع معاهدات كامب ديفيد -السرية والعلنية- فإنه يشعر أن من حقه وضع الفرعون رمسيس -كمثله الأعلى- في التسامح والسلام الواقعي ولذا، كان سباقًا، فقبل مشاركته السادات في رحلته التاريخية إلى القدس وضع تصورًا كاملاً لتفاصيل اتفاقية السلام مع الصهاينة، وحدد نقاط اهتمامه بضرورة التعايش السلمي بين مصر الفرعونية (!! ) والصهيونية ذات الأصول الفرعونية أيضًا، ويشير إلى ذلك قائلاً:
"لقد عملت في المفاوضات مع إسرائيل لسنوات طويلة، حتى أن الإسرائيليين اتهموني بأني المهندس الأكاديمي لمبادرة الرئيس السادات ( ... ) لكن ما حدث أن الإسرائيلبن بحثوا في مقالاتي، ووجدوا مقالاً كنت قد كتبته في مجلة السياسة الدولية، وذكرت فيه صراحة، أنه لا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي مع إسرائيل.
ووجدوا أيضًا أنني قمت في عام ١٩٧٥ بعمل ندوة في مركز. الدراسات السياسية والاستراتيجية (بمؤسسة الأهرام)، ودعوت فيها بعض العناصر الصهيونية، وعلى هذا الأساس بنوا افتراضهم هذا ( ... ) " (١).
 
* بطرس غالي وما أدراك ما بطرس؟
كانت نقطة التحول الكبرى في حياته العملية، تدريسه في جامعة كولومبيا الأمريكية من خلال منحة فولبرايت الأمريكية وهي هيئة صليبية صهيونية ومركزها وتمويلها المالي من أمريكا.
- وعندما تسلم بطرس ملف أفريقيا في الخارجية المصرية كانت الغالبية العظمى من الدول الأفريقية ملتزمة بقطع علاقاتها مع الكيان اليهودي ثم تغيرّ الوضع على يد بطرس صدق أو لا تصدق؟!
ففي إحدى ندوات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة القاهرة سأل أحد الباحثين بطرس غالي:
- كيف تذهب إلى إسرائيل في إطار العلاقات المصرية الإسرائيلية، وتطالب الأفريقيين بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل؟!
كان السؤال في موضعه الصحيح حيث تزامن مع تهافت عدد من الدول الأفريقية لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، استجابة للضغوط الأمريكية عليها، وكان رد بطرس عجيبًا، فقال:
- أنا أقول للأفريقيين أن مصر أقامت علاقاتها مع إسرائيل لاستعادة أراضيها، أما أنتم فإن إسرائيل لا تحتل أراضيكم، وبالتالي لماذا تقيمون معها علاقات!!
واندهش بطرس من طرح إحدى معيدات كلية الاقتصاد  .السياسية يومها حول حتمية توظيف مصر للعنصر الإسلامي لمحاصرة التغلغل الصهيوني في القارة السوداء، وأنه بدون الاستناد إلى الظهير الإسلامي، فإن التنافر بين مصر والكيان الصهيوني في أفريقيا سيكون في صالح الأخيرة التي تحرص على توظيف عقيدتها اليهودية وتحظى بدعم الولايات المتحدة ومنظمات التبشير في آن واحد.
وكان مثار دهشة بطرس أن علاقات الكيان الصهيوني مع أفريقيا تنحصر في مجال التعاون الأمني والزراعي، حيث تقوم بتدريب أطقم الحراسة لعدد من الرؤساء الأفارقة، وترسل عددًا من خبرائها في الزراعة إلى عدد من الدول الأفريقية .. فقط ليس أكثر من هذا!! وهل هناك تعاون أكثر من هذا!! (١).
 
* كفى كفى يا بطرس:
صدرت عن الدكتور بطرس غالي سكرتير الأمم المتحدة عدة تصريحات منذ بدأ مهام منصبه أثارت غضب واستياء الكثيرين؟ فقد صرح بأن القرار ٢٤٢ غير ملزم لإسرائيل. وقد قال هذه العبارة باللغة العربية، والمعنى واضح تمامًا، وليس هناك أي مجال للتحجج بأن الترجمة غير دقيقة.
وعلى مدى ٢٥ عامًا في صدور القانون ٢٤٢ تولى خلالها منصب السكرتير العام للأمم المتحدة عدة أشخاص، لم يصدر عن أي منهم مثل هذه العبارة التي قالها الدكتور غالي والتي تفتح الباب أمام إسرائيل لمزيد من التبجح والتهرب من تنفيذ قرار الأمم المتحدة. طلب المسئولون الفرنسيون من الدكتور بطرس غالي بعد انتهاء العدوان الهمجي البربري للصرب على جمهورية البوسنة والهرسك بأن ترسل الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام ومنع اعتداءات الصرب على البوسنة والهرسك، فرفض الدكتور بطرس غالي إرسال قوات من الأمم المتحدة؛ لأن القدرات الحالية للأمم المتحدة لا تسمح بذلك! وهو أمر لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال.
ويثير الشكوك حول حياد الأمم المتحدة في التعامل مع دول العالم المختلفة، إرسال أكثر من أربعة عشر ألف جندي من القوات تحت أعلام الأمم المتحدة بسلاحهم ومدرعاتهم إلى كرواتيا قبل أن يصدر عن الدكتور غالي رفضه إرسال قوات إلى البوسنة والهرسك بأسابيع قليلة.
ثم رفض الدكتور غالي طلب مجلس الأمن بإشراف الأمم المتحدة على عملية تسليم الأسلحة الثقيلة بمقتضى اتفاقية لندن، وبعث بخطاب شديد اللهجة، لأعضاء مجلس الأمن يحتج فيه على عدم إشراكه في اتخاذ القرار، وقال: إنه لن يوصي بتنفيذه، موضحًا أن أحد أسباب رفضه يرجع إلى مسألة الأولويات.
وبعد ذلك بأيام تقدم الدكتور غالي يطلب من مجلس الأمن الموافقة على زيادة عدد قوات الأمم المتحدة في كرواتيا، وتمت الموافقة على ذلك، أي أنه بكل وضوح يكيل بمكيالين.
يرفض إرسال قوات عددها ألف ومائة رجل إلى البوسنة والهرسك للسيطرة على الأسلحة الثقيلة، وفي نفس الوقت يطلب زيادة القوات في كرواتيا التي يوجد بها بالفعل أكثر من أربعة عشر ألف رجل من قوات الأمم المتحدة.
إن الاختلاف الجذري الذي حدث في تقييم العالم للدكتور بطرس غالي.   ..يوم توليه مهام منصبه كسكرتير عام للأمم المتحدة والتقييم الذي تردده الصحافة الدولية الآن، ليس من قبيل الصدفة، بل على ما أعتقد أنه عقاب من السماء للدكتور بطرس، على رفضه منذ شهور إرسال قوات من الأمم المتحدة لحفظ السلام في البوسنة والهرسك مثل ما تم في كرواتيا.
- إن عشرات الآلاف من القتلى قد صعدت أرواحهم إلى الله تشكو وأن عشرات الآلاف من الجرحى الذين يتألمون لا يكفون عن التوجه إلى الله بالدعاء ( ... ) وقد نقلت شبكة تلفزيونية أمريكية عدة مشاهد تصور فظائع معسكرات الاعتقال الصربية لأبناء البوسنة والهرسك من المسلمين، وصفها مراسل الشبكة التلفزيونية بأنها وحشية لا مثيل لها في التاريخ".
 
* قبل أن نفقد الذاكرة:
نشرت مجلة الدعوة السعودية (٢٥/ ٢/١٩٩٣) الخبرين التاليين:
- (جثمان) مجلس الأمن:
قام المبعدون الفلسطينيون في مخيم مرج الزهور بالجنوب اللبناني، بتشييع جثمان مجلس الأمن إلى القبر وذلك بعد أن رضخ المجلس لشروط ومطالب إسرائيل ورفض تنفيذ قراره رقم ٧٩٩ الذي يقضي بعودة جميع المبعدين إلى الأراضي المحتلة فورًا.
قام المبعدون بمسيرة في موقع إبعادهم، حملوا فيها (جثمان) مجلس الأمن، وقد كتبت عليه عبارة "مصداقية مجلس الأمن إلى مثواها الأخير"وألصق على وجه (الجثمان) علم الأمم المتحدة.
وتقدم المسيرة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين والدكتور عزيز دويك والشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى .. نعم هذا هو مجلس الأمن!!.   * بطرس والمُبْعَدُون!!
من الواضح أن الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس صرف نظره عن قضية المبعدين، كما صرف نظره عن الأعمال الإجرامية البشعة التي يقوم بها الصرب ضد المسلمين. كما غفا بصره عن الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الهند في كشمير والتي يقوم بها راموس في الفلبين ضد المسلمين، والتي تقوم بها السلطات البورمية ضد مسلمي أركان .. ولكن بطرس بطرس متيقظ تمامًا لأي تحرك مسلم حتى ولو كان للدفاع عن النفس .. فمنذ أيام أصدر بطرس بيانًا شديد اللهجة ندد فيه بالهجوم الذي شنته القوات المسلمة على مواقع صربية قرب مطار سراييفو .. وكان لسان حاله يقول: "على المسلمين أن يسلموا أعناقهم لتقطعها خناجر الصرب ولا يجوز لهم حتى التأوه".
القوات المسلمة في البوسنة شنت هجومًا كبيرًا على الصرب في منطقة ابليدزا القريبة من المطار .. !!
 
* بطرس يذبح فلسطين على مذبح الأمم المتحدة الماسونية وفي ظل حكومته العالمية:
- نتيجة من النتائج:
إن قول بطرس بأن قرار الأمم المتحدة كانت رقم ٢٤٢ غير ملزم هو وصف لم تستطع إسرائيل نفسها أن تدعيه، بل كانت تلف وتدور حوله بالادعاء بأنها كانت في حالة دفاع عن النفس في حرب ١٩٦٧.
وكانت أول مرة تشير إسرائيل إلى شيء قريب مما قاله بطرس غالي، عندما خرج الإرهابي مناحم بيجين بعد اجتماعه مع السادات في الإسماعيلية ليقول في مؤتمر صحفي:    "إن الرئيس السادات اعترف لي بأن قرار عبد الناصر مطالبة سحب القوات الدولية من سيناء، يحمل معنى العدوان وأن إسرائيل كانت محقة فيما اتخذته من إجراءات".
ولم يعلق السادات على هذا الكلام وقتئذ!!
وكان هذا التقسيم لقرارات الأمم المتحدة إلى قرارات ملزمة وأخرى غير ملزمة هو الأول من نوعه في تاريخ المنظمة الدولية (١).
 
* بطرس غالي صاحب فكرة جامعة سنجور التنصيرية:
- قال بطرس غالي: "إن الدائرة التي يجب أن تنال اهتمامنا يجب أن تكون الدائرة الأفريقية؛ لأن مصر دولة أفريقية بالأساس، ليس فقط كذلك، ولكنها دولة أفريقية ممتدة جنوبًا حيث تظهر منابع النيل".
ولم يكتف د. بطرس بطرح هذا التوجه السياسي المشبوه، على شعب مصر الإسلامية العربية لسلخ مصر عن الأمة التي تنتمي إليها، لغة وعقيدة وجغرافية وتاريخًا وحضارة، بل أراد وحقق ما أراد، بوضع أسس عملية لهذه العلاقة التاريخية" (٢).
- فلقد أعاد الجسور بين الكنيسة المصرية وبعض الكنائس الأفريقية التي كانت قد اتخذت مواقف عكسية بعد انفصال الكنيسة الأثيوبية عنها.
- ثم إنه هو صاحب فكرة إنشاء الجامعة الدولية الناطقة بالفرنسية، على غرار الجامعة الأمريكية في مصر والتي تحرر عقد إنشائها في ٢٧/ ٥/١٩٨٩ بالعاصمة السنغالية داكار وبذل جهدًا جبارًا ليكون مقرها الإسكندرية، وأطلق. عليها اسم "جامعة سنجور"ومن مهامها الأولى بعد مهمة التنصير، صناعة زعماء المستقبل للدول الأفريقية في ظل النظام الدولي الجديد الذي تم التخطيط له منذ سنوات.
وقد قام الرئيس مبارك بافتتاحها في ٤/ ١١/١٩٩٠ وحضر الافتتاح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، والرئيس السنغالي عبده ضيوف، والرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو، وولي العهد البلجيكي، والرئيس السنغالي السابق ليوبولد سنجور الذي أطلق -بطرس- اسمه على الجامعة.
 
* ضيوف بطرس يوم افتتاح جامعة سنجور التنصيرية:
وإذا كانت فكرة إنشاء هذه الجامعة تشكل أهمية في التدليل على خيانات بطرس للتاريخ ودأبه على زرع هذه القلاع الكنسية في بلاد المسلمين، فإن الدليل الذي لا يصح إغفاله، هو تسليط الضوء بإيجاز شديد على ثلاثة ممن استضافهم بطرس لافتتاح الجامعة.
 
* سنجور:
هو (ليوبولد سنجور) الذي تحمل الجامعة اسمه تعبيرًا من بطرس عن اعتزازه به وإشادة بدوره التنصيري في أفريقيا.
وهو صليبي متعصب يكره الإسلام والمسلمين.
- ولد من أبوين مسلمين في السنغال، ثم خطف إلى فرنسا منذ صغره، وأُعد إعدادًا متميزًا ليكون هو أول رئيس لجمهورية السنغال بعد تحررها الشكلي من الاحتلال العسكري الفرنسي الصليبي، فمارس كل أشكال الإرهاب والقهر ضد المسلمين هناك، ومنع إنشاء المساجد، ولم يسمح بأي نشاط اجتماعي للمسلمين في غير الأطر التنظيمية التي تسمح بها الكنائس هناك.   وبذلك فإن اختيار اسم الجامعة التي أقيمت على أرض الإسكندرية،
بأن يكون اسمًّا لصليبي، ذي أصول إسلامية، فإنما يحمل رسالة ودلالة، لمسلمي مصر من ناحية، ولنصارى فرنسا وما يتبعهم من كنائس في بلاد المسلمين من ناحية أخرى.
 
* موبوتو سيسي سيكو:
هو القديس (٦٢ عامًا) الذي تمر أشعة الشمس من خلال أشجار الغابة والزجاج الملون لنوافذ كنيسته، فتصنع حول رأسه هالة من الضوء متعددة الألوان، قابضًا يديه الاثنتين معًا على صدره، منحنيًّا يصلي في صمت الرهبان.
تولى الحكم الديكتاتوريَ المطلق لأكثر من ٣٥ مليون زائيري منذ ٢٧ عامًا، لم يغب فيها مرة واحدة عن قُداس يوم الأحد إلا لسفره خارج بلاده، وما خرج يومًا من قداسه، إلا واجتمع بحاشيته في القصر الرئاسي المجاور للكنيسة، ليحتسي شرابه المقدس من الخمر (شمبانيا لوران بيرون الوردية).
اتخذ لنفسه اسمًا يصعب على أي بشر أن يحمله، أو يترك سلطانًا لحكم وقع تحت يديه، وهو: "موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبيندو وازا بانغا".
ومعناها: "المحارب شديد المراس الذي وبسبب قوة تَحَمُّله وصلابته، سيفوز خارجًا من نصر إلى نصر مخلفًا النار في أثره".
 
* فرانسوا ميتران:
أما عن فرانسوا ميتران ذلك الصليبي المتعصب، فيكفي أن نذكر عبارته الوقحه التي بثها عن طريق وكالات الإعلام الصهيونية في ديسمبر الماضي ١٩٩٢ وتناقلتها أجهزة الإعلام العربية بغباء شديد قوله:
"إنني لا أرضى على ما يحدث في البوسنة من جرائم بشعة، لكنني لن.   .أسمح بأن تكون البوسنة دولة إسلامية في قلب أوربا".
 
* بطرس وميوله الصليبية للغرب:
في ندوة نظمتها جمعية القانون الدولي في لاهاي عام ١٩٥٦ "وقف بطرس غالي الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة وقتها؛ ليؤيد التدخل الفرنسي والإنجليزي في قناة السويس .. وعندما كرر بطرس غالي ترديد هذه الآراء غير الشريفة لم يتمالك الدكتور عز الدين فودة -أستاذ المنظمات الدولية في جامعة القاهرة نفسه، وطرح بطرس غالي أرضًا، وانهال عليه ضربًا بالأيدي والنعال، ولم يخلّصه منه إلا عم "حسّان"مسئول المطبعة بالكلية" (١).
 
* اختيار بطرس سكرتيرًا وأمينًا عامًا للأمم المتحدة بيت صهيون:
- تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) (٢):
"إن الذي قد يغيب عن الوعي العام، هو أن هيئة الأمم المتحدة هي البديل الصهيوني الأمريكي من عصبة الأمم المتحدة، التي قامت بعد إعلان هدنة الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من نوفمبر سنة ١٩١٨، ونيط بها تنفيذ الميثاق الذي أعلنه مؤتمر السلام من قصر فرساي بجنيف في العالم التالي للهدنة، وفيه تقرر وضع فلسطين تحت انتداب بريطانيا العظمى التي سبق أن أعلنت (وعد بلفور) من لندن في نوفمبر سنة ١٩١٧.
من شهود العصر، الكونت دي سان أوكلير (السفير الفرنسي بلندن وقتئذ) وقد سجل في كتابه: "في جنيف نحو السلام"نص برقية من ألف. * كلمة تلقاها "الرئيس الأمريكي نيلسون" -رئيس مؤتمر السلام- يوم ١٨/ ٣/١٩١٩ م من (يعقوب شيف) ممثل المنظمة اليهودية في الولاية المتحدة الأمريكية، عن القضايا الخمس المعروضة على مؤتمر السلام، وأولاها قضية فلسطين.
وأكد السفير أن النصوص التي تضمنتها معاهدة فرساي، هي من وضع (يعقوب شيف) وأبناء جلدته، وذلك ما صرح به (حاييم وايزمان) في خطابه في المؤتمر الصهيوني في بودابست سنة ١٩١٩، قال:
"إن منظمتنا ستلعب دورها في تنظيم العالم الجديد بعد الحرب، إننا نحن الذين صنعنا عصبة الأمم، وسوف نتابع السير وراء هذه المنظمة الدولية لتوجيهها ( ... ).
ومن ثم كانت المنظمة الصهيونية وراء نقل عصبة الأمم من جينيف إلى نيويورك باسم هيئة الأمم المتحدة، مفيدة بمجلس الأمن، الذي يحكم العالم الجديد بحق (الفيتو)، ينقض ما لا ترضاه الشرعية الدولية لهيئة الأمم المتحدة.
وجاء في محاضر مؤتمر المحافل الماسونية العالمية المنعقد في ٢٨، ٢٩، ٣٠/ ٦/١٩١٧ - أي قبل أن يفكر أحد من غير اليهود في تأسيس عصبة الأمم:
"إنه لمهم جدًّا أن نبني مدينة المستقبل السعيدة. ومن أجل تلك المهمة الماسونية الصادقة دعيتم اليوم. لقد حولنا هذه الحرب إلى نزاع رهيب بين الديمقراطيات المنظمة والقوى العسكرية الجبارة. لقد تحطمت في هذا الإعصار القوى القديمة (القياصرة) ولسوف تجرف رياح الحرية (المزيفة) بقية الحكومات، فلا مندوحة إذن من صنع سلطة عالمية عليا. إن الماسونية صانعة السلام، تطرح على بساط البحث موضوع هذه الهيئة الجديدة: عصبة الأمم".    .* بعد قيام عصبة الأمم:
- قال اليهودي جسي سامتر في كتابه "الدليل إلى الصهيونية": "إن عصبة الأمم فكرة يهودية قديمة".
- وقال اليهودي الماسوني لينهوف في جريدة "واينر فريمور رازايتنج"عدد ٦ عام ١٩٢٧ م:
"لقد صدق الذين يربطون بين عصبة الأمم والماسونية؛ لأن عصبة الأمم كما هي اليوم مشتقة من تعاليم الماسونية وأفكارها".
- وقالت جريدة (Judische Rundschau) اليهودية في عددها ٨٣ عام ١٩٢١ م.
"المكان الصحيح لعصبة الأمم ليس "جنيف"أو "لاهاي" .. لقد حلم جينزبرج بهيكل على جبل صهيون حيث يدشن ممثلو جميع الأمم الهيكل (المزعوم) في المكان الأبدي. ولا يمكن أن يقوم سلام ما لم يتوجه جميع الناس في العالم لزيارة ذلك الهيكل كسيّاح".
- وقال المؤرخ اليهودي إسرائيل زانجويل في جريدة "الجويش جارديان"
اللندنية بتاريخ ١١/ ٦/١٩٢٠ م: "إن معاهدات الأقليات هي المحك لعصبة الأمم، وذلك هو اهتمام اليهود وطموحهم".
وقال الصهيوني ناحوم سوكولوف في المؤتمر اليهودي الذي عقد في كارلسباد بتاريخ ٢٧/ ١/١٩٢٢ م ونشرته جريدة نيويورك تايمز في اليوم التالي:
"إن عصبة الأمم فكرة يهودية، لقد صنعناها بعد كفاح دام ٢٥ سنة.
وستكون القدس يومًا ما عاصمة للسلم العالمي. إن ما حققناه نحن اليهود بعد كفاح ٢٥ سنة، يرجع الفضل فيه إلى زعيمنا الخالد تيودور هرتسل". * الأمم المتحدة:
أنشأ اليهود عصابة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي دبروها وخططوا لها، لتقرر بدء عملية تهويد فلسطين، ولتشرف على تنفيذ تلك العملية الإجرامية.
ثم دبر اليهود وخططوا للحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها أنشأوا الأمم المتحدة لتقوم بالمرحلة الثانية في جريمة اغتصاب فلسطين، بإصدار قرار تقسيمها وإنشاء دولة لليهود على أرضها المقدسة.
ومنذ إعادة تأسيس بيت صهيون باسمه الجديد (الأمم المتحدة) وهي تضم ٦٠% من موظفيها من اليهود الصهاينة مع أن نسبة عدد اليهود إلى سكان العالم لا تزيد على ٠. ٥% أي نصف في المائة.
وكانت الأمم المتحدة من إنشائها حتى يومنا هذا أداة في خدمة فكرة الصهيونية، وكل قرار لها يتعارض مع رغبة اليهود يُجمَّد، ولا تجد من يثيره أو يطالب بتنفيذه؛ لأن أكثر من ١٠٠ دولة تعترف بإسرائيل وتتبادل معها التمثيل السياسي والقنصلي وترسل سفراءها إلى مقر الحكومة اليهودية في القدس.
وليس هذا فقط وحسب، بل إن الأخطبوط اليهودي المحتل ينشب أظفاره في كيان الأمم المتحدة، يوجه نشاطها إلى مصلحة الصهيونية العنصرية، والإحصائية التالية تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، وهذه الإحصائية عن السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ م تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، الذي ما زال باسطًا أذرعه على كل إدارات الجمعية، ومسيطرًا على كل مناطق النفوذ والقرار فيها، وبيانها كما يلي:
تريجفي لي: أول سكرتير عام للمنظمة، يهودي ويظن الناس أنه عميل يهودي فقط.  
 

هيئة التنسيق الشمالية / طرابلس لبنان(1)

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

 :أسباب تشكيلها

هيئة التنسيق الشمالية لعبت دوراً كبيراً في ضبط الأمن والدفاع عن طرابلس وتأمين حاجياتها الغذائية طوال فترة الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1977 .

وقد تشكلت بدءاً من الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية والبلدية وهيئات المجتمع المدني وبعض فعاليات المدينة بمشاركة وحضور حركة فتح الفلسطينية ، إلا أنها وجدت نفسها في مأزق مع صعوبات تأمين المواد الأساسية للمواطن من رغيف الخبز إلى المحروقات دون مساعدة الدولة ، وبذلك فشلت الدعوات بإقامة سلطة محلية أو حكم ذاتي لعدم إمكانية تأمين التمويل اللازم .

لذا كانت الدعوة من فعاليات المدينة  الى ضرورة مشاركة الدولة بشخص المحافظ إلى المشاركة في هذه الإجتماعات لتفعيل دورها في خدمة المدينة . ولم يعترض المحافظ شرط أن يتولى رئاسة ألإجتماع بصفته ممثلاً لرئيس الجمهورية في مدينة طرابلس ومحافظة الشمال ، إلا أن الأحزاب رفضت إقتراحه بترأس الجلسة باعتبار أن الدولة منهارة وأن السلطة الفعلية لهم على الأرض ، خاصة وأن الجيش قد انهار وتشرذم وخلت الثكنات من الجنود ، إلى حين أن يعود الوطن الى وحدته ؟!

إلا أن الضرورة أجبرت الأحزاب بالقبول بحل وسط بأن يُمثَل المحافظ بموظف من مصلحة الإقتصاد نيابة عنه لتظل رئاسة الإجتماعات بقيادة الأحزاب ، التي هاجم بعضها  السراي فيما بعد وحرق مكاتبها بما فيه مكتب المحافظ تعبيراً عن عدم إعترافها بالدولة ، إلا أن العلاقات مع الدولة لم تنقطع ليتخذ المحافظ مقراً لاجتماعاته في مبنى اتحاد بلديات الشمال وفي منزله لتسيير أمورالمدينة .

وكان هو المحافظ الجديد إلذي عين بعد أشهر من مقتل  محافظ قبله ، الذي كان قد قضى صريعاً بعدة طلقات في رأسه وهو خارج من منزله مع بداية الأحداث دون أن يعرف الجهة القاتلة حتى الآن من اجل الإنسلاخ عن المدينة دون ان يدركوا تبعات ذلك ، إلا أن القصد الأساسي كان بث الفتنة وتصعيد الحرب لمزيد من الفوضى المتعمدة .

كانت الإجتماعات تتم في مقرات الأحزاب بالتداول ومن ثم في مقر أحدهم ، وذلك بحضور قيادة "فتح"الفلسطينية  التي كانت تمد الأحزاب بالسلاح والذخيرة والمال وبعض التموين  والمساندة العسكرية عند الضرورة  من هجمات الأحزاب المسيحية اليمينية  عند تخوم المدينة التي كان يقودها حزب الكتائب وحزب المردة الزغرتاوي الموالي  للرئيس سليمان فرنجية .

عانت المدينة من أزمة خبز وغاز ، اما المحروقات فكانت متوفرة لوجود مصفاة للنفط فيها كانت لاتزال تعمل في حينه ، كما محطة للكهرباء بقوة 75 ميغاوات كافية لتغطية حاجة مدينة طرابلس وعكار وقضاء الضنية  .

كان سعر قارورة الغاز رسمياً حوالي دولارين تقريباً ، ولكن مع فقدانها ارتفع ثمنها في السوق السوداء إلى عدة اضعاف ، فلجأت الناس إلى استعمال بابور الكاز الذي كان يجلب من سوريا إذ كان استعماله لازال قائماً في الريف لديها ، إلا أن الطلب لازال ملحاً على قارورة الغاز مما جعل اللجنة التموينية التي كانت هيئة التنسيق قد أنشأتها لتأمين المواد الغذائية للمدينة تتصل بتجارالمدينة لشراء باخرة غاز إلى ان تطوع أحدهم لاستيراد  باخرة صغيرة اشترط رفع سعر القارورة الى مايعادل ثلاثة دولارات ، وتم الموافقة على عرضه ، إلا أنه عند وصول الباخرة وتفريغها بدأت تباع بإثني عشر دولاراً للقارورة مما أثار الإستغراب ليتبين أن معظم الفارق في السعر يعود للأحزاب أخذوه سلفاً كرشوة بمئات قوارير الغاز مجاناً ؟!

فإذا بانتقادهم للدولة هو مجرد مزايدة واستغفال للمواطنين ، إلا أنه تم ، مع اعتراض اللجنة التموينية ، إلى تخفيض سعر القارورة الى أربعة دولارات ومن ثم توزيعها بإشرافها المباشر مع فقدان الثقة بالمستورد والأحزاب .

كانت المدينة تقصف بشدة من مدرسة الكرملية الشبيهة بالقلعة لضخامتها وموقعها على رأس تلة مشرفة على مدينة طرابلس بالقرب من بلدة زغرتا ، فشنت الأحزاب بمساعدة الفلسطينيين هجوماً عليها إلا أنهم فشلوا مما زاد من أعمال القصف على المدينة .

عندها توجه رتل من الدبابات بقيادة احد ضباط جيش لبنان العربي ، الذي كان قد تكون بعد انحلال  الجيش الرسمي وتشرذمه ، نحو مدرسة الكرملية ومحيطها  دون ان يتمدد الى زغرتا بناء لتدخل سوري ، لأنها كانت مسقط رئيس الجمهورية سليمان فرنجية صديق سوريا الحميم ، إلا أن زغرتا خلت من كل سكانها وقتذاك إذ لجأوا الى الجبال في إهدن وبشري تخوفاً من اقتحام جيش لبنان العربي الذي كان يحاصرها بألآف المسلحين من أفراد العشائر القادمة من قضاء عكار المحاذي للحدود السورية .

تزامنت هذه الأحداث مع تصاعد الحرب بين المليشيات اليمينية واليسارية برئاسة كمال جنبلاط زعيم الحركة الوطنية في لبنان الذي كان يعد العدة لاقتحام جونية عاصمة الأحزاب المارونية ، واجتياح جبل لبنان بأكمله . هنا توجه زعماء الموارنة نحو دمشق ليطلبوا من الرئيس حافظ الأسد نجدتهم بعد أن كانوا يقتلون مواطنيه حيث يجدونهم ، ويضعونها في اكياس يسلمونها للصليب الأحمر وقد كتب على صدور القتلى "هدية لحافظ الأسد " .

ارسل الرئيس الأسد قواته الى جبل لبنان من الجهة الشرقية ليدحر تجمع القوى الوطنية برئاسة كمال جنبلاط التي كانت تتجمع استعداداً للدخول إلى جونية واحتلالها .

ولم يطل الوقت ليتم إغتيال  كمال جنبلاط لوضع حد لانتقاده سوريا على نجدتها الأحزاب اليمينة لتحالفها مع إسرائيل وقتذاك .

دخول سوريا الى لبنان وضع حداً للحرب الأهلية كقوات ردع عربية بتفويض من جامعة الدول العربية ، لتنتشر في كل لبنان بدءاً ، ثم لتنسحب فيما بعد من المناطق المارونية إثر معركة مع القوات اللبنانية ، وليقتصر تواجدها على المناطق الإسلامية أو تلك المختلطة .

ومع دخولهم الى طرابلس منتصف عام 1977 ، حلوا محل الفلسطينيين في الإجتماع مع هيئة التنسيق في المدينة للمشاركة في دعم الإستقرار والأمن فيها ، إلا أنهم كانوا مستمعين ، أكثر منهم محاورين ، إلا عند الضرورة إذا طلب منهم ذلك .


التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-11

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى

 

 
أنشأ اليهود عصابة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي دبروها وخططوا لها، لتقرر بدء عملية تهويد فلسطين، ولتشرف على تنفيذ تلك العملية الإجرامية.
ثم دبر اليهود وخططوا للحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها أنشأوا الأمم المتحدة لتقوم بالمرحلة الثانية في جريمة اغتصاب فلسطين، بإصدار قرار تقسيمها وإنشاء دولة لليهود على أرضها المقدسة.
ومنذ إعادة تأسيس بيت صهيون باسمه الجديد (الأمم المتحدة) وهي تضم ٦٠% من موظفيها من اليهود الصهاينة مع أن نسبة عدد اليهود إلى سكان العالم لا تزيد على ٠. ٥% أي نصف في المائة.
وكانت الأمم المتحدة من إنشائها حتى يومنا هذا أداة في خدمة فكرة الصهيونية، وكل قرار لها يتعارض مع رغبة اليهود يُجمَّد، ولا تجد من يثيره أو يطالب بتنفيذه؛ لأن أكثر من ١٠٠ دولة تعترف بإسرائيل وتتبادل معها التمثيل السياسي والقنصلي وترسل سفراءها إلى مقر الحكومة اليهودية في القدس.
وليس هذا فقط وحسب، بل إن الأخطبوط اليهودي المحتل ينشب أظفاره في كيان الأمم المتحدة، يوجه نشاطها إلى مصلحة الصهيونية العنصرية، والإحصائية التالية تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، وهذه الإحصائية عن السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ م تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، الذي ما زال باسطًا أذرعه على كل إدارات الجمعية، ومسيطرًا على كل مناطق النفوذ والقرار فيها، وبيانها كما يلي:
تريجفي لي: أول سكرتير عام للمنظمة، يهودي ويظن الناس أنه عميل يهودي فقط.
 
بنجامين كوهين: مساعد السكرتير العام لشئون الإعلام - يهودي.
ك. ويتز: مدير المكتب الإداري - يهودي.
أ. روزنبرج: مستشار خاص للإدارة الاقتصادية - يهودي.
د. وينتروب: مدير الإدارة الاقتصادية - يهودي.
بنويت ليفي: مدير قسم الأفلام - يهودي.
ماكس أبراموفتش: نائب مدير الهيئة الإدارية - يهودي.
أ. فيلر: مدير الإدارة القانونية - يهودي.
د. زابلودسكي: مدير إدارة المطبوعات، قسم الوثائق - يهودي.
ج. رابينوفتش: مدير قسم الترجمة - يهودي.
ج. شابيرو: مدير مركز الأمم المتحدة في جنيف - يهودي.
م. بيرجمان: مدير التنفيذات - يهودي.
د. مورس: مدير عام مكتب العمل الدولي في جنيف - يهودي.
م. مندلز: سكرتير البنك الدولي - يهودي.
ك. جت: مدير إدارة الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
و. التمان: مساعد إدارة الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
م. برنشتاين: مدير الأبحاث في الاعتمادات المالية الدولية - يهودي.
جوزيف جولد: المستشار الثاني في الاعتمادات المالية - يهودي.
ج. ماير: المدير الفني لهيئة الصحة العالمية - يهودي.
م. كوهين: مدير مؤسسة اللاجئين الدولية - يهودي.
***
* وتم تعيين بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة وهذه أقوال صحف الغرب:
- نشرت صحيفة الفيجارو الفرنسية مقالاً تحت عنوان:
بيتر غالي الأمين العام الجديد (الرجل الذي قاد السادات إلى القدس) (١).
- وفي مقال لصحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون" (٢) تحت عنوان:
(اختيار مصري من قِبَل الأمم المتحدة ... ).
حدد الكاتب ثلاثة عناصر أساسية، هي التي أهَّلت الدكتور (بطرس) للنجاح وهي:
١ - انتماؤه إلى المسيحية:
وهو أمر جعله "مقبولاً لدى العديد من الأعضاء في الأمم المتحدة".
٢ - أن زوجته يهودية:
وهو أمر جعله مقبولاً لدى اللوبي الصهيوني الذي يحكم بيت الأمم هذا.
٣ - دوره الجهنمي:
أثناء موافقته للرئيس السادات في زيارته التاريخية للقدس ١٩٧٧ م، ثم محادثات كامب داود، ثم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
- وهي العناصر الثلاثة نفسها التي ذكرها الكاتب الإنجليزي جيمس بون في صحيفة "التايمز"اللندنية تحت عنوان: بطرس غالي يواجه تحدي الإصلاح.
.* قصاصات من الصحافة العربية والدولية:
- مجرد تساؤل: ماذا يريد بطرس غالي؟
نعم نتساءل: ماذا يريد بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة؟ قبل مدة ومع تصاعد مذابح القوات والميلشيات الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك اعتذر الأمين العام للمنظمة التي يفترض فيها أن تكون "دولية"عن عدم تمكن المنظمة من إرسال قوات سلام إلى الجمهورية "المسكينة"؛ لأنه لا يملك المال الكافي لتمويل إرسال تلك القوات، مع أن الأمين "المحترم"كان قد أرسل قبل ذلك ما يقرب من ١٤ ألف جندي إلى كرواتيا لحمايتها من الصرب! فهل مسيحو كرواتيا أكثر إنسانية من مسلمي البوسنة حتى يستحقوا إرسال قوات سلام إليهم؟!
واليوم يعلن بطرس غالي بعد اطلاعه على تقرير مبعوثه إلى يوغسلافيا "أنه لا يمكن إرسال قوات دولية إلى البوسنة بسبب غموض الموقف. كما أنه ليس بالمستطاع تلبية طلب المسئولين في البوسنة في شأن نشر هذه القوات ما دام القتال مستمرًا".
ونحن لا نفهم لماذا يصر الأمين العام على أن الموقف في البوسنة غامض؟! فأي غموض هذا الذي يتحدث عنه؟! آلاف من الأبرياء يحاصرون ويذبحون ذبح النعاج وهم لا حول لهم ولا قوة ولا يزال الموقف غامضًا؟!
ثم إذا لم يكن مستطاعًا نشر قوات السلام ما دام القتال مستمرًا، فمتى تنشر، بعد أن يبيد الصرب آخر مواطن مسلم في البوسنة ويدمروا كل قرية فيها، ويسقطوا عاصمتها؟! إنه منطق عجيب.
وأخيرا -وليس آخرًا في عجائب بطرس غالي اقتراحه أن تترك جهود التفاوض وأنشطة صيانة السلم في البوسنة للمجموعة الأوربية وليس لمجلس الأمن والأمم المتحدة ولا يستنفر مجلس الأمن لحماية مسلمي البوسنة، كما يفعل المجلس مع شعوب أخرى ليس آخرها كرواتيا وكمبوديا، أم أن مسلمي البوسنة لا يستحقون اهتمام المنظمة "الدولية"لمجرد أنهم مسلمون؟!
نعم نتساءل: ماذا يريد بطرس غالي؟ إنه يتعلل بأن المنظمة "الدولية"لا تملك المال الكافي لإرسال قوات سلام إلى البوسنة مع أن مصادر مطلعة في جامعة الدول العربية تؤكد أن السعودية عبرت عن استعدادها عبر منظمة المؤتمر الإسلامي للإسهام في توفير الإمكانات المالية اللازمة لعمليات الأمم المتحدة في البوسنة (١).


* بطرس غالي وإِريتريا المسلمة:
لم يلتفت هذا الصليبي أبدًا إلى كفاح الشعب الإريتري المسلم، مع أن كثيرين طالبوه بذلك، ولكنه عندما تأكد أن "أسياس أفورقي الصليبي"قد حسم الموقف لصالحه في إرتيريا، بدأ يهتم بالشعب المظلوم على أساس نظرته الطائفية (٢).


* بطرس الصليبي ودوره الكالح في مأساة البوسنة:
أما موقفه من البوسنة فلا يحتاج إلى إيضاح؛ لأن الدنيا كلها تعلم أن بطرس الحفيد تآمر مع سادته الذين يخدمهم حتى تم تحقيق الهدف الصليبي المرحلي للصرب والغرب .. لقد استقال رئيس المحكمة الدولية في "لاهاي"لمحاكمة مجرمي الصرب والكروات عندما تأكد من المؤامرة، ولم يحتمل ضميره أن يستمر في متابعة المهزلة" (٣).
- إن الذي لم تُفصح عنه الصحافة الغربية ولا العربية، أن القرار الدولي الصادر عن بيت صهيون بمنع السلاح، يسري على البوسنة فقط، وتلتزم به كافة الدول الإسلامية، برغم تدفق السلاح في نفس الوقت على الصرب من جمهوريات صربيا وروسيا.
كما أن طلب وقف إطلاق النار المفروض قهرًا، إنما هو للمسلمين فقط، حتى أن الرئيس البوسني علي عزت، قد اتهم مباشرة، مبعوث الأمم المتحدة (سايروس فانس) بأنه يساعد الصرب للقضاء على المسلمين، بعد أن أقر خطة الغرب لتقسيم البوسنة، وضم كل أرض يقف عليها الصربيون.
- فنقلاً عن صحيفة الاتحاد القطرية ١٧/ ١٢/١٩٩٢:
وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة خاصة إلى وزراء الخارجية ورؤساء وفود ٣٤ دولة، المجتمعون أمس في جنيف لمناقشة قضية البوسنة.
"دعا فيها لاستمرار المفاوضات، وتجنب أي شيء من شأنه تصعيد أعمال العنف -!!! - وقال: أنه يعارض الإجراءات التي قد تدفع قوى أجنبية -يقصد إسلامية- إلى التدخل في الحرب، وطالب الدول الكبرى بعدم الاستجابة للضغوط المتزايدة من أجل التدخل العسكري ضد الصرب"هكذا بوضوح شديد.
كما ناشد (سيروس فانس) مبعوث (بطرس غالي) الدول الكبرى، عدم اتخاذ أي إجراء لوقف الانتهاكات الصربية للحظر المفروض على الطيران العسكري فوق البوسنة". ولا حول ولا قوة إلا بالله.


* ومن أفضح أشكال مكرهم:
أنهم عندما قرروا إسقاط المعونات الغذائية جويًا للمسلمين المحاصرين في البوسنة من ارتفاعات عالية (في أول فبراير الماضي ١٩٩٣)، ففرح وهلل المسلمون بذلك القرار، فلما جاء وقت التنفيذ، سقطت كل المعونات فوق معسكرات الصليبيين الصرب، إذ اكتشف فجأة الخبراء الأمريكان الصهاينة، أن إمكاناتهم التكنولوجية التي حددت ماركة الملابس الداخلية لصدام حسين أيام عاصفة الصحراء (!! )، لم تستطع أن تحدد موقع المتضورين جوعًا تحت حصار مجرمي الصرب والكروات على أرض البوسنة المسلمة" (١).


* قرارات الأمم المتحدة غير محترمة:
عمرو موسى - وزير الخارجية المصري (٢).
- قال عمرو موسى:
قضية البوسنة والهرسك لفهمها، تحتاج إلى أن نستخدم بعض النقاط البسيطة في التوضيح:
النقطة الأولى ودعنا نبدأ من استقلال الصرب عن يوجوسلافيا، فإن البوسنة والهرسك تطلعت هي الأخرى إلى الحصول على الاستقلال، ولكن عند النظر إلى أرضية البوسنة والهرسك، نجد أن داخلها جالية صربية يقدر عددها بنحو ١٨ في المائة من إجمالي السكان، بينما يصل عدد المسلمين إلى نحو ٥٥ في المائة والباقي من الكروات.
هذا التوزيع في السكان، لا يقابله توزيع مماثل في ملكية الأرض، فالـ ١٨% من الصرب استطاعوا بالقوة الاستيلاء على ٨٠% من مساحة الأرض، بينما الـ ٥٥ في المائة من المسلمين لا يملكون سوى خمسة في المائة من الأراضي، والباقي للكرواتين، وهذا بالطبع وضع شاذ، وهو في حقيقته أساس المشكلة، فالصرب من ناحيتها تتطلع إلى ما تسميه صربيا الكبرى، .ولذلك فهي تؤيد الأصراب في البوسنة والهرسك لتكرس الوضع الحالي، بحيث تكون مكونة من ثلاثة كانتونات، كانتون صربي وآخر مسلم وثالث كرواتي، وفي النهاية فيما بعد يمكن ضم الكانتون الصربي الذي"له تقريبًا كل أراضي البوسنة والهرسك. وهذا وضع غير عادل لا يمكن قبوله.
نقطة ثانية وهي أن الصرب في تأييدها للصربيين في البوسنة الهرسك بدأت ممارسة سياسة اسمها التطهير العرقي، هدفها القضاء على المسلمين الذين تمارس ضدهم عمليات تعذيب وقتل وحشية.
مجلس الأمن من ناحيته تدخل وعارض سياسة الصرب وفرض عليها عقوبات حظر اقتصادي، ولكنها عمليًّا غير محترمة، فليست هناك أي رقابة لتنفيذ هذه العقوبات، وبالتالي فإن الصرب رغم قرار الحظر الاقتصادي، فإنها لا تعاني عمليًّا أي نقص في إمداداتها سواء كانت هذه الإمدادات تصل إليها بالجو أو بالبحر أو بالبر.
جاء مجلس الأمن بعد ذلك وفرض حظر وصول السلاح على كل الأطراف، ولكننا اكتشفنا أن هذا الحظر أضر بالمسلمين ولم يؤثر على الصرب، لأن الصرب تصنع حاجتها من السلاح، أما المسلمون فيستوردون احتياجاتهم من السلاح، وبالتالي أصبح قرار حظر السلاح وكأنه عقوبة مفروضة على المسلمين أضعفت مقاومتهم وزادت من عمليات الوحشية التي ترتكب ضدهم، وكان رأينا، ضرورة رفع حظر جزئي على السلاح ليساعد المسلمين على حصول ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، إلا أن (سيروس فانس) و (دافيد أوين) ممثلي مجلس الأمن، يرفضان هذه الفكرة على أساس أن الحرب في صورتها الحالية وبرغم ما فيها من صعوبات، فإنها محصورة بين أطرافها، وأنه إذا تم رفع الحظر عن طرف، فإن الطرف الآخر لا بد أنه سيجد من يمده بالسلاح أيضًا، ومن ثم ترتفع حدة النزاع أكثر مما هي عليه  
.ويمكن أن تتوسع لتشمل كل منطقة البلقان، ولكن هذا الرأي يظلم المسلمين، ولا بد عدلاً من تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وفرض رقابة صارمة على تنفيذ العقوبات، وفي الوقت نفسه عدم الأخذ بنظام الكانتونات القائم على استغلال الوضع الحالي، الذي يسيطر فيه الصرب على أغلبية الأرض"اهـ.
 
* اتهامات للدكتور غالي:
سلامة أحمد سلامة - الكاتب الصحفي بصحيفة الأهرام لقد حركت مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك قلوب لم يكن في الحسبان أن تتحرك من أجل قضية طرفاها مسلمين ونصارى، لهولها وبشاعتها من ناحية، ولتخلف بيت صهيون وممارسة الشراسة والعناد في التغافل والتآمر من ناحية أخرى، إلى حد أن كُتاب كثيرون رسميون في بلادنا، هزتهم الفجيعة فتبنوا المشاركة في طرح القضية. ومن بين هؤلاء، كان هذا المقال للكاتب المتميز، سلامة أحمد سلامة.
"تواجه الأمم المتحدة وأمينها العام الدكتور بطرس غالي، اتهامات خطيرة من جانب زعماء البوسنة المسلمين. بأن هناك تواطؤًا مؤكدًا للحيلولة دون تدخل صريح وفعال من جانب الأمم المتحدة بوقف عدوان الصرب وفظائع قواتها ضد أهالي البوسنة، وبمنع استيلائها على أراضيها.
والاتهام الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنه وقف في وجه الاتفاق الأوربي الذي كان يسعى إلى وضع الأسلحة الثقيلة تحت رقابة القوات الدولية، وأثار أزمة مع المجموعة الأوربية بحجة أن القرار اتخذ دون الرجوع إليه، وأن حجم القوات الدولية لا يكفي للقيام بهذه المهام الجديدة.
ومن الواضح أن الأمم المتحدة وأمينها العام لم تتخذ بعد ذلك أي خطوة جادة لوقف العدوان المستمر ضد جمهورية البوسنة، مما حدا بنائب رئيسها إلى التحذير أخيرًا من أن بلاده توشك أن تختفي من فوق خريطة البلقان.
وقد أصبح من المؤكد الآن أن مصير جمهورية البوسنة بمن فيها من المسلمين قد حسم لغير صالحهم وأن الصراع الراهن في البلقان يتجاوز مجرد الرغبة في اقتسام أراضي البوسنة والاستيلاء عليها من جانب الصرب أو الكروات وأن ثمة خلافًا عميق الجذور يقسم الدول الأوربية ويحمل بين جوانبه عوامل التنافس القديمة.
ويتضح الآن يومًا بعد يوم أن قرارات العقوبات الاقتصادية وحظر السلاح التي اتخذتها الأمم المتحدة ضد الصرب، وعمليات مراقبة السواحل والحدود، ليست غير إجراءات وهمية، وأن عمليات الإغاثة وإرسال الإمدادات وقبول اللاجئين والهاربين من المعارك الوحشية ليست غير مسكنات وقتية، وأن المساعدات التي تتلقاها القوات الصربية من بعض دول أوربية ما زالت تتدفق لمواجهة مساعدات مماثلة تتلقاها القوات الكرواتية والبوسنية من دول أوربية أخرى.
فالوقود والذخيرة والإمدادات العسكرية تتدفق على الصرب من رومانيا وبلغاريا واليونان والدبابات والطائرات تتدفق على الكروات من ألمانيا والنمسا والمجر .. ومعنى ذلك، أن الانشقاق الأوربي الذي ظهر منذ بادرت ألمانيا بمفردها إلى الاعتراف بسلوفينيا وكرواتيا، دون موافقة الجماعة الأوربية، يتخذ الآن أبعادًا تترجم على أرض المعارك الدائرة، في محاولة لتحديد التوازنات الأوربية الجديدة مع ألمانيا وضدها.
وإذن: هل الصراع القومي والمذابح الدامية ضد المسلمين في هذه البلاد مجرد مظهر خارجي لصراع أوربي دفين له جذوره التاريخية وحساباته الأوربية؟
وهل هذا هو السبب في عدم تدخل أمريكا؟  ومن المسئول عن شلل الأمم المتحدة؟
وهل لنا في هذا الصراع ناقة أو جمل؟؟
أسئلة يحسن الإجابة عنها من الآن؟؟ "اهـ.
 
* أيقظوا بطرس غالي:
كتبت جريدة الرياض في ١٥/ ١/١٩٩٣:
شنت صحيفة "ملييت"الواسعة الانتشار أمس حملة ضد بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة الذي تعرّض لغضب عام في تركيا بسبب ما يُنَسب إليه من لا مبالاة بنزيف الدماء الذيَ تعاني منه جمهورية البوسنة والهرسك من جرّاء العدوان الصربي المستمر. فتحت عنوان "أيقظوا هذا الرجل"دعت الصحيفة التي يبلغ توزيعها نحو مليون نسخة قراءها إلى إرسال خطاب معد مسبقًا باللغتين التركية والإنجليزية إلى غالي بالتليفاكس حول البوسنة.
وكتبت الصحيفة شرحًا تحت صورة كبيرة ملونة لغالي تقول فيه: "يقتلون المسلمين وبطرس غالي لا يرى، الصرب يغتصبون السيدات والأطفال وغالي لا يسمع، الصرب يحرقون ويمزقون كل شيء ويجعلون الناس يتضورون جوعًا وغالي لا يتكلم".
 
* بطرس غالي حصاد سنة مرة (١):
بقلم: فهمي هويدي - كاتب مصري عربي بارز كانت مناسبة مرور عام على تعيين الدكتور بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة فرصة استغلها كثيرون لتقييم تجربة أول عربي يشغل منصب دبلوماسي في العالم. وفي هذه المناسبة قرأت كتابات كثيرة عن الرجل،. .بعضها ركز على شخصه، وانتقد موقفه من قضية البوسنة والهرسك بوجه أخص، انطلاقًا من تحيزه العقيدي، بينما سجل البعض الآخر انطباعات عن إدانات تراوحت بين الإيجابية والسلبية.
وجدتني متحفظًا كقارئ على هذين النهجين، فقد تمنيت أن يتم تقييم تجربة الرجل على أساس موضوعي وليس شخصي أولاً، وبناء على معلومات وليس انطباعات ثانيًا.
وإذ لا أغفل الاعتبارات الإنسانية في تقييم المواقف، إلا أن حجم الدور الذي تؤثر به تلك الاعتبارات يختلف من شخص إلى آخر، وقياس ذلك الدور يقتضي غوصًا في النوايا والأعماق، وهي مساحات مجهولة يتعذر سبرها على كثيرين.
من ناحية ثانية فالانطباعات عادة تعتمد كثيرًا على تقدير قد تلعب فيه المشاعر والعواطف الإيجابية والسلبية دورها في هذا الاتجاه أو ذاك.
بسبب ذلك، فقد تمنيت أن يتم أولاً "تحرير"موضوع المناقشة على طريقة فقهائنا، بمعنى إثبات حقائقه وتقديم معلوماته الأساسية، قبل أي تقييم أو اجتهاد في تفسير الوقائع وظل ذلك بدوره انطباعًا من جانبي ساد حينًا، حتى قرأت مقالاً كتبه الدكتور غالي في إحدى الصحف الفرنسية حول وجود الأمم المتحدة في الصومال، وبعده حديثًا أجرته معه مجلة تايم الأمريكية.
وجدت كلامه ظاهر التغليظ بحيث يحتاج إلى رد ومناقشة، الأمر الذي دفعني إلى الكتابة في الموضوع، ومن ثم فتح ملف الدكتور غالي في الأمم المتحدة.
ثمة انطباع شائع خلاصته أن الرجل يعرف إنه لكبر سنه انتخب لمرة واحدة، من ثم فإنه لن يبقى في منصبه أكثر من خمس سنوات، ولذلك فهو حريص على أن يتصرف بشكل مستقل، لا يبالي فيه بآراء الدول الكبرى، ولذا يبدو فيه الإصرار على ترك بصماته على جدران المنظمة الدولية؛ ولأن وقدم (خافيير بيريز دي كويار) تقريرًا واحدًا أما الدكتور بطرس غالي فلم يقدم أي تقرير حتى الآن.
يضاف إلى ذلك أن تقليد ذكر القرار ٤٢٥ في تقارير الأمين العام السنوية عن أعمال المنظمة، غاب عن تقرير الدكتور غالي، وهذا الغياب يتعذر تفسيره تحت أي ظرف، خصوصًا وأن القرار يطالب بانسحاب إسرائيل بالكامل من لبنان، وهو جزء مهم في المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية.
ويؤثر على المفاوضات اللبنانية يقينًا، ألا يساهم الأمين العام في إغفال قرار بهذه الأهمية، أصدره مجلس الأمن، خصوصًا وأن إسرائيل تتملص منه، والولايات المتحدة تغض الطرف عنه في المفاوضات.
يلاحظ كذلك أن الأمين العام قَدَّم تقارير عدة في شأن مختلف فقرات القرار ٦٨٧، الذي وضع شروط إطلاق النار على العراق، لكنه تجاهل الآن الإشارة إلى الفقرة التي نصت على أن إزالة أسلحة الدمار العراقية تمثل خطوة نحو هدف جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهذا الإهمال يتم في الوقت الذي يتأكد فيه خلل موازين القوى في المنطقة لمصلحة إسرائيل.
- على الصعيد الأفريقي هناك نموذج آخر يثير المزيد من علامات الاستفهام حول موقف الدكتور غالي، بل ويعزز الشك في مصداقية مقولة استقلاله عن الخط الأمريكي.
فالمعروف أن ثمة صراعًا قائمًا من أكثر من ١٦ عامًا بين الحركة الشعبية لتحرير أنجولا التي يقودها "خوزيه سانتوس"، وبين حركة يونيتا التي يقودها (جوناس سافيمي) غير أن الطرفين وقعا في نهاية المطاف اتفاق سلام بينهما في لشبونة عام ١٩٩١، واتفقا على إجراء انتخابات في البلاد خلال سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، لكن الذي حدث أن الحركة الشعبية لتحرير  أنجولا، هي التي فازت في الانتخابات رغم أنها تمت تحت إشراف دولي. الأمر الذي دفع سافيمي إلى رفض النتيجة والعودة إلى القتال مرة أخرى.
واللافت للنظر أنه رغم أن حكومة سانتوس الراهنة تُعد حكومة شرعية ثبتتها الانتخابات الديمقراطية، ورغم أن سافيمي زعيم يونيتا هو الخارج على الشرعية الرافض لنتيجة الانتخابات بل والرافض للاشتراك في ائتلاف حكومي، فإن الأمم المتحدة وأمينها العام يمارسان ضغطهما على الحكومة الشرعية للتفاوض مع سافيمي وليس العكس، وذهب الأمين العام في ضغطه إلى حد التهديد بسحب مجموعة المراقبة الدولية، إذا لم يستطع الرئيس المنتخب أن يصل إلى حل وسط مع سافيمي المتمرد والمنشق عليه.
وليس هناك من تفسير لذلك التدليل السافر لزعيم (يونيتا) سوى أن الرجل محسوب على الولايات المتحدة، وأن حركته تلقى تأييدًا ودعمًا مستمرين من واشنطن!
لأجل ذلك فإن الأمين العام بدا مستعدًا لتجاهل نتيجة الانتخابات، وضاربًا عرض الحائط بما أسفرت عنه عمليات التصويت، ومكثفًا ضغوطه وتهديداته على الطرف المنتخب، لمجرد أنه لا يلقى تعاطفًا أو تأييدًا من واشنطن.
الموقف في البوسنة كان أفدح وأغرب، فمنذ اللحظات الأولى لاندلاع القتال، الذي كان واضحًا فيه تمامًا أن الصرب مدعومون بترسانة الجيش اليوغسلافي العسكرية، وأن البوسنيين المسلمين لا يملكون أي شيء يدافعون به عن أنفسهم، مع ذلك فقد وقف الأمين العام والدول الكبرى بطبيعة الحال، ضد إرسال أية قوات تحمي المسلمين العزل من العدوان، ومع حظر السلاح على الجميع بمن فيهم الطرف المجني عليه.
وإذا أرسلت قوات رمزية، كانت مهمتها تأمين وصول الغذاء فقط، ولم.  تكن بمقدورها حتى أن تدافع عن مهمتها تلك، فإنه عندما كانت العملية تواجه بأية انتهاكات من جانب الصرب، فإن الرد الوحيد كان يتمثل في إغلاق مطار سراييفو، ووقف الرحلات الجوية التي كانت تحمل المعونة إلى البوسنيين المحاصرين، وهو ما يعني: أن العقاب كان ينزل بالمسلمين البؤساء؛ لأنه كان يحرمهم من الطعام والمؤن!
لقد التزم الأمين العام الصمت، عندما كانت القوات الدولية تمنع المسلمين من ضحايا التطهير العرقي من العبور إلى كرواتيا ليفروا بحياتهم من الجحيم.
يقودنا إلى ذلك ما كتبه وصرح به الأمين العام للأمم المتحدة حديثًا، في مقاله الذي نشرته الصحيفة الفرنسية "لوجورنال دو ديمانش"في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
قال الدكتور غالي أن التدخل الدولي في البوسنة ليس ميسورًا بالمقارنة بالصومال، ففي البوسنة تتقاتل جيوش حديثة فائقة التدريب ويدعمها المواطنون بقوة وبسبب ذلك التشابك العسكري الكبير، فإن التدخل الدولي قد يزيد الأمر سوءًا.
وفي حديثه الأخير إلى مجلة "تايم"في ١٨ يناير (كانون الثاني) سئل عن مبرر دعمه للتدخل الدولي في الصومال، ومعارضته التدخل في البوسنة فقال ما نصه:
هناك فرق بين الحالتين ففي الصومال كنا عاجزين عن تقديم المساعدات الإنسانية؛ لأنه لم تكن هناك سلطة في البلاد يمكن الحوار معها حول قضية السلام، أما في يوغوسلافيا فتد كانت هناك أطراف تَحدثنا إليها وأمكننا أن نتفق على مبادئ لحل النزاع، وإطار عام لتحقيقه.
ومن أسف أن ما قاله الدكتور غالي يفتقد الصواب ولا أقول الأمانة!  فالقدر المتيقن أن القتال الدائر في البوسنة لا يتم بين جيوش حديثة فائقة التدريب، وإذا صح ذلك بصورة نسبية على القتال بين الصرب والكروات فإنه لا ينطبق بأي حال على البوسنويين المسلمين، الذين يعرف القاصي والداني أنهم عُزل لا يملكون سلاحًا، وأن بعضهم يحارب ببنادق الصيد، وأكثر من ذلك فالمسلمون لم يكن لهم جيش أساسًا، حيث لم يكن ذلك مسموحًا لهم، وكان ممنوعًا عليهم إذا ما انخرطوا أو جندوا في الجيش اليوغسلافي أن يرتقوا إلى مراتب الضباط، ومن ثم فقد كتب عليهم أن يظلوا جنودًا يؤمرون فيطيعون، بسبب من ذلك فإن نواة المقاتلين البوسنويين كانوا بضع مئات معدودة من رجال الشرطة.
هذه المعلومات يعرفها القاصي والداني وهي منشورة في جهات الكرة الأرضية الأربع، فما من تقرير عن الوضع العسكري في البوسنة إلا وأشار إلى أن المسلمين أصبحوا يملكون دبابتين فقط. بينما الصرب وراءهم كل مخازن الجيش اليوغسلافي، فضلاً عن أن السلاح الجوي هو أداتهم الفعالة التي مكنتهم من هزيمة المسلمين.
هل يعقل أن يصبح الأمين العام للأمم المتحدة الوحيد في الكرة الأرضية الذي لا يعلم أن البوسنويين لا يملكون جيشًا حديثًا وفائق التدريب، بل إنهم لا يملكون جيشًا على الإطلاق؟.
كلامه في مجلة. "تايم"يثير الدهشة بذات القدر حين برر التدخل في الصومال بانهيار السلطة في البلاد، وقال: إن ما حدث في يوغسلافيا عكس ذلك.
لأنه لم يذكر ما هو موقف تلك السلطة القائمة في يوغوسلافيا، التي ماطلت وتجاهلت مختلف قرارات الأمم المتحدة، حتى قتلت نائب رئيس وزارة البوسنة بينما كان في حراسة القوات الدولية وهو ما لم يحدث في الوضع المنفلت في الصومال!  نعم وجود السلطة مهم، ولكن الأهم منه هو موقف هذه السلطة واستعدادها لإقرار السلام والامتثال لقرارات الأمم المتحدة، ففي العراق على سبيل المثال هناك سلطة قائمة، ومع ذلك فقد فرض عليه الالتزام بالشرعية الدولية بالقوة المسلحة وجرى تأديبها وقمعها عدة مرات.
إن الذرائع التي ساقها الدكتور غالي هي ذاتها التي مكنت الصرب من التوسع وممارسة التطهير العرقي، وغير ذلك من الآثام والفظائع التي أرجو أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة قد سمع بها.
قد كان استقبال الدكتور بطرس غالي في سراييفو ومقديشيو ناطقًا بحقيقة المشاعر التي تبلورت إزائه بعد سنة من توليه منصبه، وأدع وصف الزيارة للصحف الأمريكية التي رافقته في رحلته وسجلت وقائعها بدقة.
فتقرير الواشنطن بوست نشر تحت عنوان:
"المسلمون البوسنويون يتهمون بطرس غالي بالإسهام في بؤسهم".
وتحت العنوان ذكرت أن الأمين العام
"استقبل بعاصفة من الاستنكار والشتائم من مدينة سراييفو المحاصرة، والتي اعتقد أهلها أن الأمم المتحدة ضاعفت من محنتهم، وذلك خلال زيارة استغرقت ست ساعات ناشد فيها البوسنويين أن يضعوا ثقتهم في المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة، وقال: إن استخدام القوة ضد الصرب الذين يقصفون العاصمة ليس مستحبًا الآن!
وبينما كان بطرس غالي يشرح ذلك لممثل الحكومة البوسنية، تعالى الهتاف من الشارع:
"مُجرِم قَاتِل فاشي، ساعِدنا أو عد لبلادك".
وخرج بطرس غالي من البنى تحت حراسة مشددة حيث ذهب لزيارة المستشفى، وعلى الطريق قابلته هتافات أكثر عدائية من السكان الجياع في.  المدينة المنكوبة الذين يتعرضون لقصف مستمر من الصرب لمدة تسعة أشهر ويعيشون بلا تدفئة ولا كهرباء ولا مياه جارية منذ ثلاثة أسابيع.
- وفي المؤتمر الصحفي وقفت صحفية من البوسنة وقالت للأمين العام:
"أنت أيضًا مذنب ومسئول عن كل سيدة اغتصبت، وكل رجل قتل".
- وسألته:
كم تطلبون من ضحايا في سراييفو قبل أن تتحركوا، ألا يكفيكم ١٢ ألفًا؟
- ورد بطرس غالي:
إذا كنت مجرمًا فهذه مشكلتي، أنا أشاركك آلامك ولكن حالكم أفضل بكثير من عشرة أماكن يمكن بيانها لكم.
- وقد علقت صحيفة واشنطن تايمز على هذا الرد بقولها:
"إذا كان هذا هو كلام الصديق فلا لوم على العدو".
جاء ذلك في افتتاحية شديدة اللهجة ضد الأمين العام تحت عنوان "ليست قضية معنويات"، وقالت:
"إن زيارة الدكتور غالي للمدينة التي أراد أن يعلن بها عن تضامنه مع شعبها المحاصر زادت آلامهم"، أو بنص ألفاظ الجريدة: "وَضَعَت ملحًا في جراحهم".
إذ بينما يؤيد غالي بشدة التدخل العسكري في الصومال، نراه يعارض نفس الإجراء في البوسنة! إنه يطالب بفرصة لمحادثات السلام (١) في جنيف، ولكن على. .ضوء التجربة لا يجوز أن نتوقع نجاحًا، والحقيقة المؤكدة هي استمرار وحشية القرون الوسطى في قلب أوربا المعاصرة.
وعندما حاول الدكتور مجاملة جريح في مستشفى سراييفو، فسأله عن معنوياته رد الرجل:
إنها ليست قضية معنويات.
أوقف القصف. يا بطرس.
أنت المسئول عن استمرار محنتنا.
من ناحية ثانية فقد نقلت وسائل الإعلام العالمية مظاهر الاستقبال الغاضب الذي لقيه الدكتور بطرس في العاصمة الصومالية (مقديشيو) الأمر الذي اضطره إلى اختصار زيارته.
- قالت الواشنطن بوست: إن المتظاهرين وهم من أنصار الجنرال عيديد، إلا أنهم يتمتعون بتأييد الصوماليين الذين يعتقدون أن الأمم المتحدة قد خذلتهم. وهي أول مرة في تاريخ المنظمة العالمية يستقبل سكرتيرها على هذا النحو من بلدين يفترض أنهم يحظيان بمساعدة المنظمة.
- وقد حاولت "الأسوشيتد برس"تفسير عزلة الأمين العام بنقلها عنه قوله:
إنه سياسي وليس دبلوماسيًا، وقالت: إنه نقد ذاتي صريح من الرجل الذي يشغل أعلى منصب دبلوماسي في العالم! واستعرضت بعض مظاهر قصوره الدبلوماسي فقالت:
"إنه بينما يشكر الأمين المصري من أجل جهوده في سبيل السلام، إلا أنه أثار ضده قوى كان يفترض أن تكون إلى جانبه سواء في الغرب أو الشرق أو دول العالم الثالث فمثلاً:  أغضب سكان سراييفو عندما اعترض على تدخل الغرب العسكري.
وأغضب الأفريقيين والعالم الثالث كله عندما صرح لصحيفة ألمانية قائلاً: "أريد أن أوضح تمامًا للرأي العام في الغرب إنني لست شديد الاهتمام كما تظنون بتوفير المساعدات المالية والفنية للعالم الثالث، إن مواطنيكم يشعرون بالقرف من مطالبتهم بالتبرع بالمال والطعام".
وأغضب الحكومات الغربية في الصيف الماضي عندما اتهمها بالاهتمام بحرب الأغنياء.
وأزعج الدول العربية بتصريحه عن القرار ٢٤٢ إلى آخره.
- هذا هو حصاد سنة واحدة أمضاها الدكتور بطرس غالي في منصبه، فما بالكم به إذا استمر على منواله طيلة السنوات الأربع المتبقية له؟!
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه.
 
* نقابة الأطباء تكشف: طائرات الأمم المتحدة تزود الصوماليين بالأسلحة (١):
كشف وفد نقابة الأطباء الثاني، الذى عاد من الصومال مؤخرًا، عن قيام طائرات الأمم المتحدة بتزويد القوى المتحاربة في الصومال بالأسلحة والمعدات الثقيلة.
شاهد وفد النقابة أثناء وجوده في الصومال في مهمة إنسانية، طائرات الأمم المتحدة وهي تلقي بالأسلحة والبنادق الآلية والذخائر والقنابل إلى الفصائل المتحاربة في الصومال.
أضاف وفد النقابة أن أمريكا هي التي زودت طائرات الأمم المتحدة  .بالسلاح حتى تدخل الصومال تحت شعار الرحمة الإنسانية، لتطوق العالم الإسلامي.
من ناحية أخرى كشف الوفد الطبي عن عمليات النهب والسرقة من جانب قوات الأمم المتحدة، حيث تقوم هذه القوات بالاستيلاء على الأغذية والأدوية وكافة إمدادات الإغاثة.
بسرعة يتحسر عليها أبناء البوسنة في مواجهة مجازر الصليب فيهم، صدر القرار ٧٩٤ الذي أجاز بموجبه مجلس الأمن التدخل العسكري الأمريكي السافر في الصومال، تحت غطاء إنساني يحمل اسم عملية "إعادة الأمل".
وبموجب هذه الإجازة التآمرية، انتشرت قوات المارينز (أكثر من ٣٠ ألف جندي) "جاءوا تحت مظلة بيت صهيون "الأمم المتحدة"وبموافقة القديس بيتر رسول السلام الصليبي الجالس على كرسي الطاغوتية الدولية الأزرق بعد مبادرة واتصالات أجراها بطرس بنفسه مع ١٢ رئيسًا ومسئولاً دوليًّا، تجاوزت هذه العاصفة الأمريكية أهدافها الإنسانية المعلنة".
- وكما تقول الكاتبة الصومالية راكيا عمار المديرة التنفيذية لمنظمة أفريكا روتش والكاتب إليكس ديوعال المدير المساعد لمنظمة أفريكاروتش "أي مسئول (١) يتحمّل مسئولية السماح بحدوث المجاعة معرّض لاحتمال الترقية وليس الإدانة إن هذه فضيحة" (٢).
- ربما يكون ربع أطفال الصومال قد ماتوا هذا العام، وعدد مماثل يواجهون الموت الوشيك جوعًا، وكان هذا الأمر متوقعًا منذ العام الماضي.  .(١٩٩١ م) من قبل وكالات إغاثة مجربة وعلى دراية بمجريات الأمور، وبالذات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وصندوق إنقاذ الأطفال، واليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، وآخرين (١) للعمل بسرعة على تجنب وقوع الكارثة، لكن تلك الوكالات لم تفعل شيئًا، ووقعت الكارثة كما كان متوقعًا.
وليس ثمة مبررات ولا أعذار لوكالات وهيئات المنظمة الدولية تحول بينها وبين البدء في العمل الإنساني في الصومال. لقد كان المال متوفرًا، لكنهم اختاروا عدم إنفاقه.
وأسوأ ما في الأمر، أن هذه ليست المرة الأولى، فكل عامل إغاثة مجرب يمكنه أن يسرد حكايات مروعة عن العجز والتردي وحتى الفساد الذي تعاني منه وكالات الأمم المتحدة، وليس هذا سوى مأساة في طابور طويل من المآسي المماثلة.
إن الناس لن يطالبوا فقط باتخاذ الإجراءات الفورية لإنقاذ حياة الأطفال الباقين على قيد الحياة، وإنما كذلك بإجراء تحقيق عام في الخطأ الذي وقع، وطرد أو محاكمة الأطراف المخطئة" (٢).
 
* الخلاف بين عصمت عبد المجيد وبين غالي بسبب الصومال:
تفجرت الأوضاع بين دكتور بطرس غالي والدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام للجامعة العربية، بسبب موقف كل منهما من هذه المشكلة، فالدكتور غالي يصرّ على ضرورة حل الأزمة عن طريق الأمم المتحدة فقط، فيما يرى الدكتور عبد المجيد أن يأتي الحل من خلال الجامعة مع إمكانية اشتراك الأمم المتحدة كطرف مساعد وليس رئيسيًّا.  .وقد علمت "المجلة"أن عدد كبيرًا من الفصائل الصومالية وافق على حضور مؤتمر المصالحة التمهيدي في الوقت الذي تحدده الجامعة العربية، كما أعلنت جماعة عيديد رفضها حضور أي مؤتمر مصالحة أو حوار تدعو إليه الأمم المتحدة، والتنسيق الدائم مع أمانة الجامعة العربية في أي خطوات تقرر اتخاذها. وأكدت مصادر الجامعة العربية أن التعليمات قد صدرت إلى ممثل الجامعة في الأمم المتحدة برفض جميع أشكال التنسيق والتشاور مع الأمم المتحدة وأمينها العام فيما يختص بحل الأزمة الصومالية (١).
 
* إِعلانهم الوقح عما يريدون:
لقد كتب (مايكل كلان) من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن في صحيفة لوس أنجلوس تايمز (عدد ٨/ ١٢/١٩٩٢) يقول صراحة:
"إن الخطوة الأمريكية الراهنة تفتح الباب لاحتمال عودة الاستعمار من جديد إلى أفريقيا، ولكن بوجه إنساني هذه المرة، وهو احتمال يراه قويًا".
"لا سيما أن هناك في الغرب شبكات واسعة من المنظمات الكنسية والخيرية التي يمكن أن تصبح مماثلة لجمعيات التنصير ومحاربة الرقيق التي شهدها القرن التاسع عشر، ومن المحتمل أن ينشأ تحالف شاذ غريب بين تلك المنظمات والمؤسسة العسكرية الأمريكية، التي تبحث عن مهمات دولية جديدة لتبرير تدخلها".
- إن التنصير وجاذبية المعادن الثمينة مثل الذهب واليورانيوم في أرض الصومال هي التي دفعت الأمريكيين والأوربيين إلى التدخل في الصومال، وقد جرت تغطية هذا الجانب المشع باعتبارات إنسانية وهي إغاثة أطفال الصومال فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة موت ربع أطفال الصومال جوعًا، ومد  .الفصائل المتصارعة بالسلاح عن طريق الأمم المتحدة وأمينها الصليبي الغالي في صليبيته لقد قامت أمريكا بدورها الصليبي في مأساة الصومال.
- واخترقت القارة الأفريقية التي لم يكن للولايات المتحدة وجود عسكري على أرضها لاستلاب المعادن من أرض الصومال، وحصار المد الإسلامي الذي ظهر في المنطقة خصوصًا بعدما برز دور "جماعة الوحدة الإسلامية"في شمال الصومال، التي سيطرت على بلدة (بوساسو) وإدارة مينائها المطل على خليجي عدن، والضغط على النظام القائم في السودان عن طريق تهديده باحتمالات تدخل مماثل في جنوبه، فضلاً عن إبطال مفعول النفوذ السوداني المتزايد في شرق أفريقيا.
 
* رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة يفضح بطرس غالي الصليبي
ويقول: "بطرس طلب مني التنازل عن مدينة كاملة للنصارى":
أعلن رءوف دنكتاش رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة أنه لا مجال لمساومة المسلمين في قبرص على شبر واحد من أرضهم. وأن شعب قبرص المسلمة مستعد لكافة الاحتمالات جاء ذلك ردًّا على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي دعا دنكتاش للاجتماع في نيويورك مع الرئيس الجديد لقبرص الجنوبية النصرانية.
ويقول دنكتاش: إن الدكتور بطرس قدم مشروعًا يقضي بتنازل القبارصة المسلمين عن مدينة (جوزيل يورت) بكاملها للقبارصة النصارى بدعوى أن هذه المدينة نصرانية. كما اقترح بطرس على الرئيس دنكتاش أن تدفع له قبرص الجنوبية تعويضات مادية إذا ما تنازل عن هذه المدينة.
ويرى المراقبون أن بطرس غالي من خلال مشروعه هذا يقوم بدور السمسار ولا يبحث عن حل يرضي طرفي النزاع كما أنه بذلك يهدف إلى. تغليب الطرف الأرثوذكسي على الطرف الإسلامي في قبرص.
ويذكر أن مدينة (جوزيل يورت) تعتبر موقعًا استراتيجيًّا مهمًا وتوصف بأنها أجمل المدن القبرصية.
وفي تطور آخر طالبت أحزاب المعارضة التركية لحضور ما أسموه بمسرحية الدكتور غالي (١).
 
* أحزان كشمير على يد بطرس اللئيم:
بقلم د. عبد القادر طاش - رئيس تحرير صحيفة "المسلمون"
من الحقوق التي أقرها القانون الدولي حق تقرير المصير للأمم والشعوب، وقد استفادت أمم كثيرة من هذا الحق فنالت استقلالها وأقامت دولاً وكيانات يعترف بها المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن المسلمين هم الوحيدون في هذا العالم الذين لا ينطبق عليهم دائمًا هذا الحق!
والشواهد التي تؤكد ذلك كثيرة، ولكن أبرزها وأشدها مفارقة هو ما يعانيه الشعب الكشميري المسلم في ظل العنف الطائفي الهندي المستمر الذي ينتهِك صباح مساء، أدنى حقوق الإنسان في ذلك البلد المنكوب.
أما وجه المفارقة فهو أن منظمة الأمم المتحدة -وهي المنوط بها حماية الحقوق التي أقرها القانون الدولي- لا تزال تتباطأ في حل القضية الكشميرية، وتحاول التخلي عن مسئوليتها التي تحملتها عام ١٩٤٧ م عندما أصدرت قرارها الخاص بتقسيم شبه قارة جنوب آسيا الذي ينص على أن:
"المناطق ذات الأغلبية الإسلامية تنضم إلى جمهورية باكستان الإسلامية على أن تنضم المناطق ذات الأغلبية غير الإسلامية إلى دولة الهند  العلمانية.  .وقد كان طبيعيًّا أن تنضم ولاية جامو وكشمير المسلمة إلى باكستان، وهو ما طالب به حزب مؤتمر مسلمي كشمير الذي كان يعد بمثابة البرلمان الشعبي الكشميري آنذاك، وذلك في ١٩ يوليو ١٩٤٧ م.
كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارًا آخر حول كشمير في ٥ يناير ١٩٤٩ م يقضي بإجراء استفتاء عام بين الكشميريين لتقرير مصير الولاية بين انضمامها إلى الهند أو إلى الباكستان.
وقد وافقت الهند على إجراء الاستفتاء ولكنها تراجعت عن موافقتها وبدأت تماطل في تنفيذ الاستفتاء، ثم ادعت -دون مسوغ قانوني- أن قضية كشمير قد أصبحت قضية داخلية متجاهلة بذلك قرارات الأمم المتحدة.
وتبلغ المفارقات ذروتها المأساوية بالموقف العجيب للأمين العام للأمم المتحدة (بطرس غالي) -وما أكثر عجائبه منذ تولى هذا المنصب الدولي! -
- حيث قال في تصريح له:
"إن قرارت هيئة الأمم المتحدة غير ملزمة إلا إذا صدرت عن مجلس الأمن استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
مع أن البند رقم ٣٤ من ذلك الميثاق ينص على أنه "يحق لمجلس الأمن التحقيق في أي نزاع أو أي وضع ينذر بنشوب نزاع أو خلاف دولي".
وقضية كشمير هي قضية دولية، وليست قضية داخلية، وقد اتخذت فيها المنظمة الدولية عدة قرارات سابقة، فلماذا يتنصل (بطرس غاني) من مسئولية الأمم المتحدة في قضية واضحة المعالم؟!
إن كشمير قد أصبحت ولاية إسلامية منذ أسلم ملكها البوذي (رينجن شافي) عام ١٢٢٠ م، ولكن طائفة (السيخ) الهندية استولت على الولاية عام ١٩١٨ م، ثم سيطر عليها الاستعمار البريطاني الذي قام ببيع كشمير -وكأنها.  سلعة يتاجر فيها- إلى طائانه (الدوجرة) الهندوسية بمبلغ سبعة ملايين ونصف المليون روبية ..
"أي أن سعر المواطن الكشميري لم يتجاوز سبع روبيات".
وهو ما يعادل ثلث الدولار الأمريكي!!
وقد سميت هذه الصفقة المخزية باتفاقية (امرتسار)، وهي صفقة غير قانونية، لأن البائع فيها هو المحتل الذي لا يملك الأرض التي باعها؛ ولأن الشعب الكشميري وهو صاحب الحق لم يستشر في هذه الصفقة، بل إن هذا الشعب المجاهد عبر عن رفضه للخضوع للملك الهندوسي عندما انطلقت حركة تحرير كشمير عام ١٩٣١ م.
ولما اشتدت مقاومة المسلمين للحكم الهندوسي الظالم اضطر الملك الهندوسي (هري سنغ) إلى الفرار، حيث قدم للحاكم العام للهند طالبًا للموافقة على انضمام الولاية إلى الهند، وهو أمر مرفوض وغير قانوني، إذ لا يملك الحاكم الهندوسي الحق في بيع كشمير مرة أخرى إلى الهند، فهو لم يكن حاكمًا شرعيًا للولاية.
كما أن الشعب الكشميري كان غائبًا عن الصفقة، بل عبر عن رفضه مرة أخرى لهذه الصفقة وواصل جهاده ضد الاستعمار الهندي منذ أول يوم وحتى الآن.
لقد تحولت كشمير التي كانت تسمى "جنة الله في الأرض"إلى سجن كبير لشعب أعزل يبلغ تعداده ١٢ مليونًا (٨٥% منهم مسلمون).
ويمارس الهنود على مرأى ومسمع من العالم أجمع أبشع ألوان الظلم والقتل والإبادة. وتنقل بعض المصادر الصحفية إلى العالم تقارير مفجعة وصورًا مأساوية لما يجري لأبناء الشعب الكشميري المسلم في السجن الكبير.  فقد نقلت صحيفة "تورنتو صن"الكندية عن مراسلها في سرينجار -عاصمة كشمير- أن إحدى فرق القوات الهندية قامت مؤخرًا باقتحام قرية "كونن بوشبورا"فاعتقل أفرادها كافة الرجال في القرية، ووضعوهم في أحد معسكرات التحقيق وأخضعوهم للضرب والتعذيب لعدة ساعات، ثم عاد جنود تلك الفرقة إلى القرية واقتحموا البيوت وقاموا باغتصاب النساء بما فيهن كبار السن والفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على عشر سنوات!!.
ويتعاون الجيش الهندي النظامي مع المنظمات الهندوسية المتطرفة لقمع انتفاضة الشعب الكشميري المسلم ضد التسلط الهندي.
إن هذه الصورة الدامية: ما هي إلا واحدة من سلسلة طويلة من الصور التي تتكرر يوميًّا.
وما تقدمه بعض وسائل الإعلام من صور وأخبار عن هذه المأساة، ليس إلا غيضًا من فيض، وهو -على محدوديته- يدفي القلب ويثير الغضب ..
ومع كل ذلك فلا تزال المأساة تتوالى فصولها دون أن يحرك ذلك ساكنًا، فهل كتبَ على المسلمين أن يعانوا في صمت. وأن يكتموا أحزانهم إلى ما لا نهاية (١).
مسلسل من الحقد الصليبي أفرزه بطرس (بيتر) غالي لكل قضية أساء فيها إلى الموحدين كل الإساءة .. {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
 
* وأخيرًا:
أقول للذين يحاولون أن يثيروا الشبهات حول الإسلام، إنهم كمثلالذين يحاولون أن يثيروا التراب على السماء، فلسوف يثيرونه على أنفسهم، وتبقى السماء هي السماء ضاحكة السن بسّامة المحيا. والله تعالى يقول لهم ولأمثالهم إلى يوم القيامة {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} تباركت وتعاليت فإنهم في غيهم يعمهون وفي غيّهم يترددون {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: ١٢١ - ١٢٣].
ما يضرُّ البحر أمسى زاخرًا ... أن رمى فيه غلام بحجرْ
أو:
وما ضرّ الورود وما عليها ... إِذا المزكوم لم يطعم شذاها (١)
***
صليبيون حتى النخاع قد بدت البغضاء من أفواههم
من أصدق من الله قيلا؟! ومن أصدق من الله حديثًا؟!
* قال الله عز وجل وكلام الملوك ملوك الكلام: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .. } [البقرة: ١٢٠].
* وقال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: ١١٨].
قلوب سوداء لا تحمل للإسلام إلا التحقير وإثارة الشبهات وخلق أجواء الريبة والاتهامات وهم طوائف مختلفة يجمعهم الحقد الشديد على الإسلام وأهله، هم رُوّاد حركة التغريب وكبار مخططيها وأبرز دعاتها الذين حملوا لواء العمل في ميادين التبشير والاستشراق والكتابات السوداء عن الإسلام منهم الحكام: ككرومر وليوتي، ومنهم دعاة التبشير أمثال لافيجري وزويمر وولكوكس، ومنهم كتّاب متعصبون للجنس الأبيض أمثال دوق داركور وهانوتو، ولويس برتران وفولتير، ومنهم مشرفون على التعليم في البلاد المستعمرة أمثال دنلوب، ومستشرقون أمثال فنسك ولويس شيخو، وهنري لامنس ومرجليوث ورينان.
وهذه المجموعة تضم الفرنسيين والإنجليز وغيرهم رابطة العقد بينهم القضاء على مقومات هذه الأمة عن طريق إثارة الشبهات في ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولقد تصدى لهم وسمهم الزعاف رجالات الإسلام مَنْ دينهم أغلى عندهم من الحياة وما فيها حملوه في سويداء قلوبهم يعطرها وينقلهم.  ..إلى الحياة الآخرة ونعيمها وهم ما بعد في دار الدنيا، فكشفوا زيف هؤلاء الدجاجلة وفندوا أخطاءهم وادعاءاتهم وكشفوا شبهاتهم .. التي ما زال العبيد والأقزام وأذناب الغرب يضعونها أمام عوام المسلمين لزعزعتهم عن دينهم ..
ومكر صبيان الغرب الذين يصدق فيهم قول القائل:
يرمرم من فتات الكفر قوتًا ... ويشرب من كئوسهم الثمالهْ
يقبل راحة الإِفرنج دوما ... ويلثم دونما خجل نعال
ومكر أولئك هو يبور .. ويبقى الإسلام بنوره وبهائه وأصالته وجذوره القوية وكلماته الطيبة وعقيدته الصافية النقية .. تزول الدنيا بأسرها ولا يزال الإسلام بتعاليمه من صدور أبنائه ومحبيه ما بقيت الدنيا.
لا تهيىء كفني يا عاذلي ... فأنا لي مع الفجر مواثيقٌ وعهد
وها هم حملة السموم والحقد الواضح لا الدفين الذى تطفح به مواقفهم وكتاباتهم (١).
 
* فولتير وتعصبه الفجَّ وتطاوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في "تمثيلية محمد":
أصدر الكاتب الفرنسي المشهور بحرية الرأي (فولتير) عام ١٧٤٥ م تمثيلية أسماها "محمد والتعصب"، وأهداها إلى البابا في محاولة جريئة تكشف عن حقيقة دعوى حرية الفكر عنده، وقد واجه (توفيق الحكيم) هذه القصة فقال: قرأت قصة فولتير التمثيلية (محمد) فخجلت أن يكون كاتبها معدودًا في أصحاب الفكر الحر، فقد سب فيها النبي سبًا قبيحًا عجبت له وما أدركت له علة، لكن عجبي لم يطل فقد رأيته يهديها إلى البابا بنوا. .الرابع عشر. وعلمت أن روسو كان يتناول بالنقد أعمال فولتير التمثيلية فاطلعت على ما قال في قصة (محمد) علّني أجد ما يرد الحق إلى نصابه فلم أر هذا المفكر الحر أيضًا يدفع عن النبي ما ألصق به كذبًا، كأن الأمر لا يعنيه، وكأن ما قيل في النبي لا غبار عليه ولا حرج منه، ولم يتعرض للقصة إلا من حيث هي أدب وفن، وقد قرأت بعد ذلك رد البابا بنوا على فولتير فألفيته ردًّا رقيقًا كيسًا لا يشير بكلمة واحدة إلى الدين، وكله حديث في الأدب، فعظم عجبي لأمر فولتير وسألت نفسي طويلاً: أيستطيع عقل مثقف كعقل هذا الكاتب العظيم أن يعتقد ما يقول، دين يتبعه آلاف الملايين من البشر، على مدى الأجيال، هو في نظره حقًّا دين كاذب، ومبادئ إنسانية كالتي جاء بها الإسلام هي عنده حقًّا مبادئ بربرية، أم أنه التملق والزلفى والنفاق، وأن الزمن والتاريخ يضعان أحيانًا أقنعة زائفة على نفوس تزعم أنها خلقت للدفاع عن حرية الفكر.
منذ ذلك اليوم وأنا أحس كأني فجعت في شيء عزيز لدي: الإيمان بنزاهة الفكر الحر، ولقد كنت أحيانًا ألتمس الأعذار لفولتير وأزعم أنه قال ما قال لا عن مجاملة أو ملق، بل عن عقيدة، وحسن طوية استنادًا على علم خاطئ بأخبار النبي، ولكن كتابه إلى البابا كان يتهمه اتهامًا صارخًا، ولا يدع مجالاً للشك في دخيلة أمره، إني قرأت لفولتير كتبًا أخرى كانت تكشف عن آراء حرة حقًّا في مسائل الأديان وتنم عن روح واسعة الآفاق تكره التعصب الذميم فما باله عندما عرض لذكر "محمد والإسلام"كتب شيئًا هو التعصب بعينه، تعصب لدينه ذهب فيه إلى حد السجود وتقبيل الأقدام، لا لرب العزة والخلق، بل لبشر هو رئيس الكنيسة التي ما أرى أن فولتير كان ذات يوم من خدامها المخلصين.
وإنما هي الأطماع التي كانت تدفع فولتير -فيما أرى- إلى التمسح بأعتاب. الملوك والبابوات، ولقد يقدم ثمنًا لذلك أفكاره الحرة أحيانًا، منذ ذلك الحين وفولتير عندي متهم، ولن أبرئه أبدًا، ولن أعده أبدًا من بين أولئك العظام الذين عاشوا بالفكر وحده، وللفكر، وأحسب أن التاريخ العادل سوف يحكم عليه هذا الحكم، فينتقم للحق بما افتراه على نبي كريم ظلمًا وزورًا.
على أن الذي يدعو إلى الدهش أكثر من كل هذا أن الشرق والإسلام وقفا من هذا الأمر موقف النائم الذي لا يعي ولا يشعر بما يحدث حوله، فلم نر كاتبًا من كتاب الإسلام قام في ذلك الوقت يدفع عن دينه هذا الهراء الذي قاله فولتير، ويقذف في وجه هذا الكتاب بالحقائق الباهرة القاطعة، أو أن مؤلفًا وضع كتابًا يبرز فيه شخصية النبي الخيرة العظيمة واضحة جلية، لقد كان الشرق في ليل هادئ بهيم لم تثر فيه حركة فولتير يومئذ ساكنًا.
ولكن الأمر قد تغير اليوم ولاحت في أفق الشرق خيوط الفجر، وقام في هذا القرن كتاب يمجدون عقيدتهم وهم يعلمون أن ذلك تمجيد للحق وللشرق، فإن المسألة ليست مسألة دين فقط، وإنما هي مسألة جنس وقومية (١)، وإذ تقول أوروبا "الإسلام"قائمًا تعني في غالب الأحيان "الشرق"إن الحرب الصليبية لم تكن في حقيقتها إلا حرب الغرب على الشرق (٢)، وهذا المد والجزر بين الغرب والشرق يفهمه مفكرو الأوربيين تمام الفهم، ويحسبون له الحساب فالدفاع عن شخصيتنا وعقيدتنا دفاع عن حياتنا.
 
* كرومر وكتابه (مصر الحديثة) وتغريب الفكر الإِسلامي:
يعد افيلنج بارنج (كرومر) من كبار دعاة التغريب والاستعماريين في العالم الإسلامي وواحدًا من الذين وضعوا مخطط السياسة التي جرى عليها. .الاستعمار ولا يزال، في محاولة القضاء على مقومات العالم الإسلامي والأمة العربية جزء منه، والإيمان بأن هذا العمل الفكري هو أهم الأعمال القادرة على دعم نفوذ الاستعمار وتركيز قوى الغرب في قلب المنطقة، وتمثل كتاباته في تقاريره وفي كتابه "مصر الحديثة"خطة عمل كاملة، وأيدلوجيا شاملة للقضاء على مقومات الفكر العربي الإسلامي وتمزيق وحدة العالم الإسلامي، ومقاومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية.
ولقد أمضى لورد كرومر في مصر ما لا يقل عن ربع قرن قابضًا على زمام السلطات (١٨٨٢ - ١٩٠٦) وأتيح له من قبل أن يمضي وقتًا في الهند، درس في خلالها مناهج الاستعمار البريطاني هنالك، وقد عمل أول أمره في مصر مندوبًا في صندوق الدين المصري ١٨٧٧، ثم ما لبث أن عين بعد الاحتلال البريطاني مباشرة مندوبًا ساميًّا، ومعتمدًا لبريطانيا، ويهمنا في هذه الدراسة أن نتناول آثاره في مجال الفكر العربي الإسلامي ومخططه الذي سار عليه من بعده كل دعاة التغريب والذي اتخذته منظمات التبشير ومعاهد الإرساليات وكل من اشترك في مخطط العمل (دستورًا) من أجل تأكيد النفوذ الأجنبي عن طريق الفكر.
- وقد تبلورت حملات كرومر في نقاط هامة قليلة:
١ - إثارة الشبهات حول الإسلام، وذلك بالادعاء بأنه دين مناف للمدنية ولم يكن صالحًا إلا للبيئة والزمان اللذين وجد فيهما.
٢ - أن المسلمين لا يمكنهم أن يرقوا في سلم الحضارة والتمدن إلا بعد أن يتركوا دينهم وينبذوا القرآن وأوامره ظهريًا؛ لأنه يأمرهم بالخمول والتعصب، ويبث فيهم روح البغض لمن يخالفهم والشقاق وحب الانتقام وأن المانع الأعظم والعقبة الكئود في سبيل رقي الأمة هو: القرآن والإسلام.
٣ - إن الإسلام يناقض مدنية هذا العصر من حيث المرأة والرقيق وأن.  الإسلام يجعل المرأة في مركز منحط.
٤ - الطعن في شريعة الإسلام وسياسته ومعاملاته.
٥ - أن الشاب المصري المسلم أثناء ممارسته التعليم الأوربي يفقد إسلامه، أو أفضل قسم منه ويقطع حبل المرساة الذي يربطه بمرفإ إيمانه. وأن الشبان الذين يتلقون علومهم في أوربا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الالتجاء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته، فيتأرجحون في الوسط ويتحولون إلى مخلوقات شاذة ممزقة نفسيًّا.
٦ - هاجم القرآن، وقال: إنه ينافي العمران وهاجم الإسلام؛ لأنه أباح الطلاق، وأنه حرم الربا والخمر.
٧ - قال: إن الإسلام خال من التسامح ويغلب عليه التعصب، وأنه يغرس في العقول الانتقام والكره اللذان يجب أن يكونا أساسًا للعلاقات بين الرجل والمرأة بدلاً من المحبة والإحسان.
٨ - دعا إلى إطلاق الحرية للمرسلين والمبشرين في مصر والسودان، وأن ينشئوا مدارسهم، وضمن تقاريره إحصائيات عن أعمال التبشير في جنوب السودان وفي تقريره عام ١٩٠٤ أعلن أنه كتب إلى جمعية تبشيرية إنكليزية يحضها على بعث مرسليها إلى جنوب السودان، وقال: إن جنوب السودان سكانه وثنيون، وإن اتصالهم بالمسلمين إنما يذكرهم بفضائح الدراويش والنخاسين من العرب، وطالب بأن يتاح للمرسلين في أن ينشئوا مدارس في الخرطوم ويدخلوا ما شاءوا من التعاليم الدينية، وقال: إن أعمال المبشرين في الجنوب (جنوبي كودوك - فاشوده) سائرة سيرًا مستمرًا، وقال: إنه لم يطلب منه حتى الآن أي ترخيص لإنشاء مدارس في جنوب السودان تعلم فيها فرائض الإسلام.
٩ - دعا إلى خلق طبقة من المتفرنجين المستغربين من الوجهة الأوربية،. والمدنية الحديثة، وقال: إن هؤلاء جديرون بكل تنشيط ومعاونة يمكن أن تعطى لهم، وقال: إن هؤلاء هم حلفاء الأوربي المصلح ومساعدوه، وسوف يجد محبو الوطنية المصرية أحسن أمل في ترقي أتباع الشيخ محمد عبده، للحصول على مصر مستقلة بالتدريج.
وهذه النصوص المنقولة من كلمات كرومر تمثل جماع ما دعا إليه المبشرون والمستشرقون دعاة التغريب والشعوبيون وما يزالون يدعون إليه حتى الآن، وهي مجموعة من الأكاذيب المنبعثة من التعصب واستخدام سلاح الشبهات للقضاء على مقومات الأمة وقيم فكرها، بعد أن تأكد الاستعمار والنفوذ الأجنبي من أن هذه المقومات هي مصدر القوة في العالم الإسلامي لمقاومة كل ضغط أجنبي.
وقد استهدفت هذه الحملة أساسًا قتل روح المقاومة والحملة على الاستعمار وخلق روح تدعو إلى تقبله والرضا به والاستسلام له، على أساس أنه أمر لا يمكن مقاومته، ومن المصلحة الانتفاع بالمستعمرين وقبول فكرهم وحضارتهم، وتقبل الحرية والاستقلال على مراحل، وهذا التيار الذي دُعي فيما بعد بتيار التعقيل أو الالتقاء مع الإنجليز في منتصف الطريق، وقد ارتفع هذا الصوت في السنوات الأخيرة لكرومر، وحاول خلق فلسفة قوامها تقبل الاستعمار وصداقته وعدم معارضته، وذلك بتصوير الاحتلال على أنه حقيقة واقعة، وكانت حجة دعاة هذه المعركة التي تعد خطوات التغريب والشعوبية القائمة الآن في العالم الإسلامي امتدادًا لها، كانت حجة هذه الحركة في (الاعتدال)، أو التعقيل على أساس فهم سلبي قوامه أن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة ليست موجودة لدى المصريين، وأن الدعوة إلى مقاومة الاستعمار هو إنفاق للوقت فيما لا طائل تحته، وما دام الإنجليز هم الذين يمسكون زمام الأمور وحدهم فلا سبيل إلى الإصلاح إلا بمصادقتهم.  والتفاهم معهم وقبول ما يتنازلون عنه.
وقد أشاد كرومر بهذه الدعوة التي حمل لواءها لطفي السيد في الجريدة. ومن هنا تعمقت الحملة على الوطنيين وعلى دعاة الجلاء والحرية وعلى أصوات الدعوة المتحمسة وهوجمت أبشع هجوم، وقد حملت هذه الدعوة: الإيمان بالفكر العربي إيمانًا كاملاً ونقله، والتشيع له، وتحقير كل مقومات الفكر العربي الإسلامي ورميه بالضعف والجمود والتخلف، كما حملت لواء التقدير لأمثال كرومر ووصفه بالبطولة والإعجاب ببريطانيا وأوربا واعتبارها رأس الأمم العظيمة، وبذلك انحرف ميزان المفاهيم بين القيم الأساسية والمفاهيم المستوردة، وقد أيد كرومر هذا الاتجاه وأطلق عليه اسم (المدرسة) وتمثل هذا الاتجاه في كتابات الجريدة، التي أنشأها الباشوات والإقطاعيون والموالون للإنجليز، وأصبح شعار هذه الدعوة: (الاعتدال، المحاسنة، التعقيل).
- ثم كان أن اتجه المخطط إلى نهايته في ظل هذه الحركة وكانت الدعوة إلى:
١ - الإقليمية الضيقة، مصر للمصريين، نحن لسنا عربًا، وليس لنا بالمسلمين أي روابط، ولا دخل لنا في أمورهم ومن هنا لا يجوز لنا أن نشارك في معارك طرابلس التي وقعت مع إيطاليا في سبيل مقاومة الاستعمار.
٢ - التعليم، لا يكون إلا لطبقة معينة من الأمة هي الطبقة الثرية التي تتأهل لولاية الحكم وإن أبناء الطبقات الفقيرة لا يجوز أن يتعلموا إلا (فك الخط).
٣ - اللغة العربية الفصحى هي مصدر التخلف، ولذلك لا بد من تحسين اللغة العامية حتى تصبح لغة الكلام والكتابة معًا.
٤ - الإنجليز يعملون لتمديننا وحمايتنا، فلا خصومة بيننا وبينهم ولكن مودة وصداقة.
٥ - الوطنية لا تكون اندفاعًا عاطفيًا، ولا ينبغي أن يتعلق بأوهام الإسلامية أو الرابطة العربية وإنما تقوم على سياسة المصالح فمصر أولاً وقبل كل شيء. وبذلك حقق كرومر هدفه في خلق تيار واضح في تعميق دعوته ونشر سمومه وقبول آرائه في ازدراء الفكر العربي الإسلامي واحتقار الإسلام والعروبة واللغة العربية والشك في صلاحية هذه المقومات لبناء أمة أو نهضة.
فاستطاع أن ينشر هذه الآراء عن طريق صحيفتين: صحيفة لها طابعها العلني في تأييد الاستعمار "المقطم"وصحيفة لها طابعها المصري الغامض "الجريدة"وقد مضى كرومر خلال فترة إقامته في مصر إلى آخر المدى في تنفيذ مخططه الاستعماري التغريبي الذي يتركز على عدة أعمال أساسية:
١ - الحملة على مركز الرابطة التي تجمع العالم الإسلامي وهي السلطنة العثمانية والخلافة والسلطان عبد الحميد وتأييد خصومها وفتح أبواب مصر لهم وإتاحة الفرصة لهم للحملة على الجامعة الإسلامية والخلافة والدولة العثمانية.
٢ - الحملة على الإسلام باعتباره تركيا وباعتبار أن الكيان القائم في تركيا بكل أخطائه ومساوئه هو "الإسلام"والتركيز على الخلافة الإسلامية باعتبارها نقطة الالتقاء للعالم الإسلامي رغبة في القضاء عليها.
٣ - الاتفاق مع فرنسا وتوقيع الاتفاق الودي وذلك حتى لا يجد المصريون مجالاً للحملة على بريطانيا ومقاومة نفوذها، وقد كشف ذلك عن أن الاستعمار ملتق على هدف واحد هو السيطرة على العالم الإسلامي.
٤ - استقدام عديد من الأجانب ومن السوريين واللبنانيين خصوم الدولة العثمانية ليصبحوا (ركائز) في دعم الحكم وإتاحة الوسائل الكفيلة لهم  بالكتابة والتجارة والسيطرة على مجالات الاقتصاد والفكر والصحافة.
٥ - نشر اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية على حساب اللغة العربية والثقافة الفرنسية في محاولة القضاء على الفكر الإسلامي العربي، وبذلك أمكن تجميد اللغة العربية في المدرسة المصرية والجامعة وتجميدها عن النمو في العالم العربي والإسلامي كله.
وقد حاول كرومر تنفيذ تجربة الاستعمار البريطاني في الهند للقضاء على اللغة العربية بها، وذلك بنشر اللغة الإنجليزية حتى تكون لغة تخاطب، ففرض التدريس بها، ولقد كان الإسلام هو العامل الأساسي الذي استطاع أن يحمي اللغة العربية بوصفها لغة القرآن ولولاه لانتهت اللغة العربية في مصر.
٦ - خلق روح الإقليمية وتمصير القيم بعد أن كانت عربية أو إسلامية، وذلك لعزل كل قطر عن القطر الآخر وأقام حدود فكرية بين أجزاء الوطن العربي والعالم الإسلامي.
وقد استطاع هذا التيار أن يبتعد عن جذور الفكر العربي الإسلامي، وأن يشجبه شجبًا كاملاً، ويجعل الحديث عنه جمودًا ورجعية، كما انتشرت الحملة العنيفة المستمرة على رجال الأزهر ووصفهم بأنهم رجال الدين وإلقاء اتهامات الأكليروس على علماء المسلمين، كما نقلت الاتهامات التي وجهها الفكر الغربي إلى المسيحية الغربية على الإسلام. ولم تمر حملات كرومر دون أن تواجه بمعارضة ونقد وتشريح وكشف لما بها من أخطاء ومغالطات وتعقيب، وأبرز ثلاثة تناولوا كتابات كرومر بالرد هم: فريد وجدي، ومصطفى الغلاييني، ورشيد رضا.
وعندما صدر كتاب مصر الحديثة (مارس ١٩٠٨) نشرت اللواء والمؤيد ردودًا تفصيلية، مما جاء فيها قول المؤيد: "لم يكن كرومر من رجال العلم والفلسفة، ولا من رجال التأليف إنما كان جنديًّا يؤمن بمجد الإمبراطورية،

حقوق الإنسان

$
0
0

حقوق الإنسان

 

"حقوق الإنسان هى ضرورة من الضروريات السياسية فى بلدى والتى من أجلها سأخرج فى عمرى هذا كشيخ هرم إلى عرض الطريق إعتراضا على التعدى عليها. ولكن أن أبنى السياسة الخارجية الألمانية على معيار إحترام حقوق الإنسان فهو خطأ. فحقوق الإنسان كما نعرفها نحن هى نتاج صراع أوروبى طويل بين الأمراء والكنيسة ثم بين المواطن والدولة. وحقوق الإنسان بالشكل الذى نعرفه اليوم لم تعرفها الحضارات القديمة التى سادت العالم مثل المصريين والعراقيين والإغريق والرومان والصينيين والهنود والأزتك والإنكاس. وهى غير مذكورة فى الإنجيل ولا فى العهد القديم ولا فى القرآن.

وهى فكرة أوروبية ليس من الضرورى فرضها على الآخرين إذ أن لهم ثقافتهم الذاتية".

هلموت شميدت مستشار ألمانيا السابق بمناسبة الإحتفال به فى عيد ميلاده الخامس والتسعين منذ عدة أشهر.

 يمكن للمرء قراءة هذا التصريح بطريقة مزدوجة

القراءة الأولى هى أن حقوق الإنسان هى إمتياز للمواطن الغربى الذى يستحقها ويتظاهر من أجلها حتى ولو كان شيخا مقعدا على كرسى متحرك مثل شميدت

القراءة الثانية هى أن من لم يعمل من أجل شىء لا يستحق الحصول عليه. أى أن أوروبا وأمريكا خاضوا غمار حروب طاحنة وأهوال من الصراعات المستمرة إلى أن توصلوا بعملهم إلى هذه الصيغة التى لم يعمل الآخرون على التوصل لشىء شبيه بها.. أى أن من لم يدفع الثمن لا يحصل على الشىء

أعتقد أنه قبل الحديث عن مصطلح حقوق الإنسان لابد من تعريفه.

هناك الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وهو حديث نسبيا تم التوقيع عليه بعد الحرب العالمية أى  منذ حوالى 70 عاما. ولكن هذا الإعلان قد تم تجاوزه فى الستينات والسبعينات بقضايا الإجهاض والحق فيه مما وسع كثيرا من مدي ونوعية هذه الحقوق.

وحقوق الإنسان التى يتحدث عنها شميدت كما فهمت من حديثه التليفزيونى هى شاملة لما لا يقبله كثيرون من الشعوب خارج أوروبا بل وفى ولايات أمريكا نفسها مثل الحق فى الإجهاض وحديثا حقوق الشواذ.

الحقيقة أن هلموت شميدت محق فى قوله أن حقوق الإنسان هى من منجزات الصراع الإجتماعى الأوروبى الذى إنتقل تقريبا بتفاصيله إلى أرض العالم الجديد فى أمريكا الشمالية وأستراليا.

وهي بالفعل غير ملزمة للمجتمعات التى لا تريد تطبيقها فحق زواج المثليين والحق فى الحرية الجنسية والحق فى الإجهاض هي كلها من الحقوق التى لا تطبيق حقيقي لها إلا فى الغرب، وليس حتى فى الغرب كله.

أما الحقوق التقليدية التى وردت فى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحرية والملكية والتعليم والعمل والتعبير والتفكير والإيمان والرعاية الصحية فربما تكون هي المقصودة فى حديث شميدت.

وإذا أخذنا مصر مثالا نعرفه جميعا فسوف نفاجأ أن طريقة الحكم فيها لم تختلف منذ عهود مينا وحتشبسوت وكليوباترا إلى عهد الخديو إسماعيل حيث بقي الحاكم هو ظل الإله على الأرض. فى أحد كتابات النصف الأول من القرن التاسع عشر عن مصر يصف الكاتب المؤرخ - الذى لا أذكر إسمه ولعله الجبرتي - مشهد تدشين الباشا (محمد على)  لإحدى سفن الأسطول المصرى الجديدة فيكتب بالحرف :"وما أن وطأت قدمه الشريفةأرض السفينة حتى كان كذا وكذا... إلخ..".

 قدمه الشريفة !!!     لاحظوا التعبير

 

وهو تعبير وإن كان بسيطا فهو يوضح لنا كيف أن الحركة إلى تقنين حقوق الإنسان فى مصر ظلت راكدة - ولا حتى محلك سر - لمدة خمسة آلاف عام لا تطور فيها ولا حياة رغم إختلاف الظروف من مصرى إلى فارسى إلى إغريقى إلى رومانى إلى عربى إلى مملوكى ثم تركى..

بينما أوروبا إستطاعت فى خلال 400 عام فقط أن تنشىء نظاما قانونيا يعتمد فى قوامه على حقوق الإنسان بحيث أصبحت هى ملاذ الإنسان الباحث عن إنسانيته بدليل ما يحدث كل أسبوع فى لامبيدوزا جنوب إيطاليا.

وأعرف مقدما أننى سوف أواجه بسيل من الإعتراضات يقول أن لدينا ترسانة هائلة من النصوص فى التراث الإسلامي تعلي من شأن الإنسان وتقدس حقوقه منذ مئات السنين.. ولكننى أقول لهم هذا لا يكفى.. فالتطبيق هو المقياس وليس النظرية..

ففى عالمنا هذا سواء اليوم أو أمس أو غدا لا يكفى القول بل لابد من الفعل. والفعل هو التطبيق وليس سواه..

قد تكون التواراة أو الإنجيل أو القرآن أو ألواح صولون أو قوانين حمورابى جميعها قد "أوصت"بالمساواة ووضعت البشر على قدر واحد من الإحترام والحقوق والواجبات. ولكن التطبيق الحقيقى لم يعرف طريقه إلى النور إلا من خلال قوانين صنعها بشر نزلوا من خلالها بهذه النصوص المقدسة أو الغير مقدسة إلى مستوى الحياة اليومية التى يحسها الناس. فالدستور مثلا فى أى دولة لا يكفى لاعتباره منظما للحكم فيها ولكنه إطار واسع لكى تسن قوانين بداخله ثم تكتب لوائح تحت هذه القوانين ومتفرعة عنه، وهذه اللوائح هى ما يحس به الناس ويتعاملون من خلاله وليس الدستور ولا القانون.
صحيح أن القيم العامة لحقوق الإنسان لها طبيعة عالمية. ولكنها تظل قيما لابد لها من أن تتحول إلى ممارسة.. والقيم هي أى شىء يستغل لكى ينتج عنه شىء آخر. وهذه العملية التعديلية أو التحويلية هى ما لم تعرفه البشرية إلا على يد الثورات الإجتماعية الأوروبية خلال 500 عام وحتى اليوم.

على سبيل المثال فإنه من بين الحقوق المتفق عليها بصفة تفصيلية وشاملة بين الدول الأوروبية هو الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام. وأظنها لم تنفذ فى ألمانيا منذ 69 عاما أو أكثر وكان آخر تنفيذ لها فى فرنسا فى أوائل الثمانينات. إذ أن الفكرة الكامنة وراءها هى أنه ليس من حق أحد أن ينهى حياة أحد حتى ولو كانت الدولة وعلى لسان قاضى وفى نطاق محاكمة عادلة. وهو مبدأ كما تري يختلف جذريا مع ثقافة كل دول الشرق الأوسط وشرق آسيا والهند وكثير من الولايات الأمريكية.

كذلك فإن الحق الإنسانى فى الحياة هو من تلك الحقوق التى أصبحت خارج نطاق الجدل والمناقشة. وتأسيسا عليه لا تقوم السلطات الإيطالية بقتل اللاجئين الذين يصلون إلى أراضيها عبر البحر فى جزيرة لامبيدوزو كما لا تقوم بوقفهم بل تقوم بإنقاذهم وتوصيلهم للشاطىء وتوفير سكن وطعام لهم إلى أن يبت فى أمرهم إداريا. وهى ثقافة تختلف عما تمارسه الولايات المتحدة عبر حدودها مع المكسيك مثلا.

وهى أيضا على خلاف حاد مع الثقافة الآسيوية التى تركت شعب القوارب من الفيتناميين فى عرض البحر لمدة تقرب من العشرين عاما ولم تسمح لهم أى من دول الجوار بالدخول.

بل هى على خلاف مع السياسة التى تتبعها دولة إسرائيل مع اللاجئين الأفارقة الذين لا يعترف لهم حتى بصفة اللاجئين حتى لا يحصلوا على حقوق اللاجئين التى نصت عليها المعاهدات متعددة الأطراف.

وهى ثقافة جديدة حديثة لم تكن موجودة دائما لا فى أوروبا ولا فى كل العالم. وقد كانت سويسرا ترفض دخول الالمان الهاربين من حكم النازية إلى اراضيها رغم أنها كانت الدولة الوحيدة المتاحة أمام هؤلاء النازحين حيث أن كل دول الجوار كانت فى يد ألمانية.

كما كانت الولايات المتحدة تعيد السفن المحملة باللاجئين القادمين من أوروبا ومعظمهم كانوا من اليهود وترسلهم إما إلى بريطانيا أو فلسطين وفى بعض الأحيان أمريكا الجنوبية.

وليس معنى حديثى هذا أننى أمتدح تلك السياسة الأوروبية الحديثة أو أروج لها. كما أنه لا يعنى أننى أنتقدها أو أعارضها. أنا فقط أقول بأنها متواجدة ومحلها الوحيد هو أوروبا وعلى كل ذى رأى أن يراها كما يشاء.

هذه مجرد أمثلة من حقوق الإنسان التى تحدث عنها شميدت عندما قال أنها من نتاج الصراعات الأوروبية الداخلية التى إمتدت لأكثر من 5 قرون.

 وهاكم مثال حي على عدم القدرة على الحسم.

 نظم القانون رقم 77 الصادر فى مصر عام 1943 أى منذ 71 سنة قواعد المواريث حسب الشريعة الإسلامية بالطريقة التالية:

 

1 أصحاب الفروض التى لها أصل فى القرآن أى أنصبة الأم و الأب و البنت وخلافه

2 أصحاب العصبات النسبية أى الأبناء الذكور أو الأعمام و أولادهم إلى آخره

3 الرد على أصحاب الفروض عدا الزوجين إن لم يوجد عاصبون

4 أنصبة أولى الأرحام أى الأقارب من جهة الأم

5 الرد على ازوجين إن لم يوجد من يرد عليهم

6 اصحاب العصوبة السببية ( ولاء العتق)

7  الذكور من نسل صاحب العصوبة السببية إن وجدوا

 

و إن لم يوجد أى من هؤلاء يورث أصحاب الوصية وإن كانت وصيتهم بأكثر من الثلث لعدم وجود من يجيزها و إن لم يوجد فيرث المقر له بالنسب أى الشخص الذى أقر له الميت بالقرابة حتى ولو أنكرته باقى الأسرة

 

المهم فى كل ذلك هو النقطتان 6 و 7 و شرحهما هو كالتالى:

لو أن رجلا يملك عبدا ثم لأحد الأسباب قام بعتقه وبعد ذلك بدأ العبد حياة جديدة بعيدا عن السيد نجح فيها فى تكوين مال أو ثروة بلا أولاد أو ورثة من أى نوع فإنه بوفاة العبد تؤول الثروة الى السيد القديم كنوع من إثبات الولاء والعرفان ورد الجميل. العجيب فى كل ذلك هو أن القانون الذى يروى عنه أنه نموذج ناجح لتطبيق الشرع الإسلامى بطريقة عصرية لا خلاف على تفسيرها لأن مراجعه كلها من الكتاب والسنة وآراء الفقهاء – هذا القانون الصادر عام 1943 لم يكن واضعوه على ما يبدو مدركين أن الرق قد انتهى بحكم القانون منذ ما لا يقل عن 80 عاما قبل صدور القانون !!

ولكن المشايخ الذين عهد اليهم المشرع بوضع القانون لم يستطيعوا من قيد النصوص القديمة فكاكا، فجاءت صياغتهم أقرب للعصر الأموى منها إلى العصر الحديث !! كذلك فاتتهم على ما يبدو قاعدة أن المبنى على الباطل هو بدوره باطل وعليه فإن قصة توريث العبد لسيده السابق ليس لها أساس قانونى ناهيك عن الأساس العملى فى هذا الزمان.

وهذا يعرض – لى على الأقل – خطورة وضع أمور التشريع فى يد من ليس له القدرة على تخطى حواجز الزمن وإدراك تغير الأيام.

كذلك فإن الفقهاء مجمعون على عدم القصاص من الأب أو الجد الذى يقتل إبنه أو حفيده ذلك أنه سبب وجوده وعليه لا يحاسب عن إعدام من أوجده بنفسه !!

ومصر موقعة على إعلان حقوق الإنسان وعلى جميع الإتفاقيات الدولية التى تحظر الرق والعبودية تحت أى مسمى. ودستور عام 1923 قد حرم الرق. وكل الدساتير الصادرة بعد كذلك بما فيها دستور الإخوان والدستور الجديد.

ولكننا لم نستطع إصدار قانون للمواريث بدون أن نذكر فيه أحوالا إجتماعية عفا عليها الزمان. وكان من المفروض ألا يصدر هذا القانون بهذه الصورة أصلا لأننا عام 1943 كنا نخضع لأحكام دستور 23 الذى يحرم الرق وبالتالى لا وجود لهذه العصوبة السببية. ولكن أحدا لم يجرؤ على إلغاء تلك الفقرات من القانون، لا وقتها ولا اليوم بعد 70 عاما وفى الغالب سوف يظل القانون بهذا النص إلى عام 3000 بلا تعديل.

إن من يريد تطبيق شيئا أوتعديل أسلوب حياته لابد له أن يكون حاسما مع ما لا يعجبه من شأن.

ولكننا لسنا كذلك..

أما شأن "إجماع الفقهاء"على حق الأب أو الجد فى قتل ولده أو حفيده بلا عقوبة حيث أنه "سبب وجوده"فهو شأن لم يأخذ به المشرع لحسن الحظ ولم يطبقه فى قانون العقوبات، ولكنه مبدأ "راسخ"فى الشريعة بدليل أننى قرأته فى كتاب يدرس فى كلية الحقوق عام 2010 !!!

و"إجماع الفقهاء"هذا يعارض القرآن أولا حيث أن النص يمنع قتل الأولاد خشية إملاق وأيضا من إملاق (أى أنه جنين أو رضيع أو طفل صغير).. فما بالك بولد كبر وأصبح فى سن الشباب؟
هكذا بسهولة يصدر الفقهاء حكما بأن والده يحق له قتله؟ وبهذا التبرير الساذج؟

ناهيك عن أن تلك الفتوى الغريبة تتعارض ثانيا مع أبسط حقوق الإنسان التى نتحدث عنها، إذ ليس من حق أحد أن يقتل أحدا غيره.

هل لأحدكم أن يقول لى ما هى فائدة تضمين القانون لمثل هذه النصوص المتعلقة بالعبيد؟ وهل لأحدكم أن يدلنى على سبب ذكر "إتفاق الفقهاء"على عدم عقاب الأب قاتل إبنه فى كتاب يدرس فى زماننا هذا؟ ولماذا لا يمتد الإعفاء من العقوبة إلى الأم أيضا وهى التى حملت 9 شهور وأرضعت وقال فيها الدين كلاما كثيرا يجعلها فى مرتبة تقارب مراتب القديسين؟

إن القول وحده لا يكفى شيئا ومباهاة العالم بعظمة قيمنا هى مباهاة لا أثر لها حيث أن لهم قيما لا تقل عن قيمنا جودة.
كيف نعيش وكيف نربى عيالنا هو ما يعتد به.

التطبيق هو ما ينقص العالم الثالث، والتطبيق يحتاج إلى حسملكى يحدث التغيير.

 

.

نهر النيل بين مصر وإثيوبيا (كتاب)

$
0
0

هذا نموذج لما يمكن ان تقدمه المؤسسات الثقافية المحترمة من عمل ثقافي رصين،‮ ‬مواكب للقضايا المصرية التي تتفجر في نفس الوقت،‮ ‬سلسلة جديدة صدرت عن دار الكتب المصرية مخصصة للدراسات الافريقية‮.

‬الكتاب الاول منها‮ «‬نهر النيل في العلاقات المصرية الاثيوبية‮» ‬للباحثة شيرين مبارك فضل الله،‮ ‬تمتد المساحة الزمنية للبحث من عام‮ ‬1952‮ ‬وحتي‮ ‬1974،‮ ‬وتكشف عن دقائق الامور في العلاقات المصرية‮ - ‬الاثيوبية خلال عهود الرؤساء المتعاقبين،‮ ‬محمد نجيب،‮ ‬جمال عبدالناصر،‮ ‬انور السادات،‮ ‬ويشير رئيس تحرير السلسلة السيد فليفل إلي تدهور العلاقات بعد حادث الاغتيال الذي تعرض له الرئيس الاسبق مبارك واهماله العلاقات مع افريقيا كلها مما انعكس علي العمل الوطني بأبلغ‮ ‬الضرر،‮ ‬في نفس الوقت نجد الزعيم جمال عبدالناصر مثالا لرجل الدولة الحريص علي مصالحها الحيوية،‮ ‬متسقا مع ثوابت حكام مصر العظام،‮ ‬الحرص الدائم علي العلاقات الحسنة مع دول منابع النيل،‮ ‬في عام‮ ‬1954‮ ‬وجه الرئيس ناصر الدعوة إلي الامبراطور هيلا سلاسي لزيارة مصر محاولا توطيد العلاقات وازالة التوتر من ناحية اثيوبيا التي كان قادتها يشكون في دعم مصر للثوار المسلمين في إرتريا‮ »‬استقلت فيما بعد‮« ‬واقليم اوجادين والصومال،‮ ‬تأجلت الزيارة عدة سنوات،‮ ‬منها مرة لوفاة شقيق الامبراطور والحداد الرسمي ولم تتم الا في عام‮ ‬1959،‮ ‬ورغم كل الحساسيات وثورية عبدالناصر فقد دعم وجود منظمة التعاون الافريقي في اديس ابابا عاصمة الامبراطور المحافظ بدلا من وجود المنظمة في عاصمة بلد افريقي ثوري مثل‮ ‬غينيا او‮ ‬غانا،‮ ‬تستعرض الباحثة وضع النهر في العلاقات وتعتمد علي مصادر‮ ‬غير مطروقة منها الارشيف السري لوزارة الخارجية المصرية،‮ ‬وتنتهي الي نتيجة ملخصها ان الاستغلال الامثل لمياه النهر،‮ ‬وخلق وتفجير طاقته الانمائية لابد ان يتم من خلال التعاون بين البلدين،‮ ‬سيؤي هذا إلي استئصال الفقر ومسبباته،‮ ‬وتوفير وسائل التقدم،‮ ‬ومن خلال البحث نكتشف سوء ادارة اثيوبيا لمواردها المائية التي لو أُديرت بكفاءة وعلم لما كانت الحاجة الي هذا السد العملاق الذي يهدد الحياة في مصر‮. ‬الكتاب ضروري لفهم القضية الخطيرة المطروحة الآن بخصوص السد الاثيوبي،‮ ‬معرفة الماضي تؤدي إلي افضل الوسائل لعلاج مشاكل الحاضر،‮ ‬يقع الكتاب في‮ ‬270‮ ‬صفحة،‮ ‬ويوجد في منفذ البيع امام دار الكتب برملة‮ ‬بولاق‮.‬

ما يجري في سوريا

$
0
0

يبدو أن التعتيم المقصود علي المأساة الانسانية في سوريا قد أدرك العالم العربي، أربعة ملايين لاجيء في الاردن وتركيا وبلدان أخري خرجوا من ديارهم ليس لديهم إلاما تقدر الأيدي علي حمله،‮ ‬القادرون منهم لجأوا إلي هنا أو هناك‮. ‬افتتح بعضهم أعمالا صغيرة يتعيشون منها وربما اضطر بعضهم الي الانخراط في صفوف قوي لا صلة لهم بها وربما يفسر هذا وجود بعض السوريين في رابعة العدوية.

لكن ملايين المشردين علي حدود البلدان المجاورة أمضوا الشتاء القارس في البرد الثلجي،‮ ‬ما يقرب من مليون طفل،‮ ‬تاه بعضهم واختطف النفاسون بعضهم لبيعهم في اسواق الرقيق حتي اصبح من المعروف أن هناك فتيات جميلات دون العاشرة كان الزواج الشكلي من إحداهن لا يكلف إلا خمسمائة جنيه،‮ ‬أي أقل من مائة دولار،‮ ‬كيف لايهز ذلك ضمير الانسانية عامة والضمير العربي خاصة،‮ ‬نجح التعتيم الاعلامي المتقن من الغرب تحديدا في اخفاء الجرائم التي لم تعرف مثلها هجمات التتار في عصور الهمجية،‮ ‬رأينا علي شاشات التليفزيون احد اعضاء الجماعات الارهابية يأكل قلب جندي سوري نيئا،‮ ‬تفرجنا عليه ونحن في بيوتنا آمنين،‮ ‬في الدفء،‮ ‬علي شاشات التليفزيون وكأن الموقف في فيلم رعب خيالي‮. ‬لايوجد في سوريا صحفي عربي واحد ينقل الحقيقة،‮ ‬لايوجد اعلامي اجنبي متجرد يبرز للعالم أفظع مأساة في تاريخ البشرية،‮ ‬بل إن الاعلام العربي ساهم في تبرير الجرائم ولعبت القناة القطرية الدور الرئيسي عندما كانت تقسم الشاشة الي مربعات هذه من درعا وتلك من حلب والأخري من حمص،‮ ‬وكأن سوريا كلها تهدد بالثورة،‮ ‬فهمنا التزييف عندما رأينا ذلك يستخدم مع مصر،‮ ‬كان التخطيط أن يحدث ما جري في سوريا هنا في مصر ولكن ثورة الشعب المصري في يونيو أفسدت المراد.

هنا سؤال،‮ ‬ما هي الحدود بين الثورة والهدم المرعب،‮ ‬الثورات تقوم لإنهاء أوضاع أنظمة فاسدة لا لتهدم دولا وتسويها بالعدم،‮ ‬اسقاط نظام فاسد لا يعني اسقاط وطن وتحويل اهله كله الي لاجئين،‮ ‬الي رقيق يباع ويشتري،‮ ‬في أعتي الحروب هناك قوانين تحكم الصراع،‮ ‬يحاسب من يقتل الاسري بعد استسلامهم او بيد العُزل كما جري من النازي ضد اليهود والأقليات فما البال بمن يأكلون اعداءهم فور سقوطهم؟

الآن تتصارع العصابات الارهابية فيما بينها بوحشية،‮ ‬نريد أن نعرف،‮ ‬ما هي حقيقة هؤلاء،‮ ‬من داعش ومن النصرة ومن وراء جيش الاسلام في العراق والشام،‮ ‬في حلب إحدي اجمل مدن العالم وقدرة علي التعايش تم تدمير التراث الاسلامي والمسيحي والثقافي،‮ ‬لم نسمع صوتا يحتج،‮ ‬صمت مفروض ليس له سابقة،‮ ‬فقط من يتردد اسمه وكأنه الشيطان بشار الأسد،‮ ‬فليذهب بشار إلي‮ ‬حيث‮ ‬يريد شعبه وليس حسب ما تريده العصابات الارهابية التي تتصارع الآن علي المغانم،‮ ‬لنتذكر دائما أن ما يجري في سوريا كان مقدمة لما ينبغي ان يجري في مصر،‮ ‬مصير سوريا ومصر دائما مرتبط،‮ ‬وحتي الآن يوجد بيننا من له مصلحة ومن يخطط لتطبيق المأساة الكبري في مصر ولكن علي نطاق أوسع ولولا يقظة الشعب المصري وجيشه لواجهنا نفس المصير‮. ‬ما يجب ان نسعي لايقاظه إيقاظ الضمير،‮ ‬ضمير البشرية والعربي منه خصوصا‮.

جامعات العرب: يحيا الجهل!

$
0
0
الأرجح أنه لا يصعب على القرّاء المصريين إدراك مرارة هذا العنوان. إذ يتناقلون جيلاً بعد جيل، عبارته الشهيرة التي قالها ذات يوم لـزوجته "أم المصريين"الأميرة صفيّة: "غطيني يا صفيّة غطيني... مافيش فايدة"! ولا بأس من الاعتراف بأن عنواناً آخر راود كاتب المقال هو "يحيا الجهل"نسجاً على منوال مسرحية مصرية مشهورة عنوانها "يحيا الوفد" (أدّتها تحية كاريوكا، بتأليف واخراج زوجها فايز حلاوة)، مع العِلم أن سعد زغلول هو المؤسّس لـ"حزب الوفد". سبب إلحاح صورة سعد زغلول، الذي مات كمداً من تفاوضٍ مديد ومستحيل مع البريطانيين بشأن الاستقلال التام لمصر والسودان، هو صدور تصنيف الـ"تايمز"العالمي للجامعات في 2013.
 
وإذ يضمّ التصنيف أبرز خمسمائة جامعة عالميّاً، فلا داعي للإشارة إلى المكانة المتدنيّة التي احتلتها جامعات العرب في هذا التصنيف. في أزمنة سابقة، كان يقال أن الاستعمار هو سبب التخلّف عربيّاً. رحل الاستعمار منذ عقود مديدة، لكن "الصداقة"مع التخلّف وثيقة ووطيدة، لا يمثّل حلول جامعتين عربيتين في المراتب الخمسين الأخيرة من تصنيف "تايمز"سوى مؤشّر بسيط عن متانة عرى هذه "الصداقة"المقيتة.
 
وليس من عوزٍ في الأدلة على توطّد التخلّف عربيّاً. وكي لا نُثقِل على القارئ الذي ربما كان أشد مرارة من الكاتب في هذا المضمار، لنتحدث عن تكنولوجيا الطاقة النظيفة، التي باتت دعاواها الزاهية تدوي في آذان العرب ليل نهار، من دون أساس فعلي بالطبع! ما هو مدى تمكّن العرب من هذه التكنولوجيات: سؤال بسيط خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالطاقة. في منتدى عن الطاقة استضافته الشارقة في خريف العام الجاري، تحدّث خبير عربي موضحاً أن مصر باتت تنتج 40% من مُكوّنات المحطة التقليدية (بمعنى انها تعمل بوقود نفطي) لانتاح طاقة الكهرباء. يثير الابتسام المرير أن مصر والدول العربيّة تتعامل مع هذه الطاقة ومحطاتها النفطيّة منذ ما يزيد عن زمن رحيل الاستعمار عن بلاد العرب. لكن أحد أبرز الدول العربيّة في العلوم والطاقة (لنتذكر أنها تدير مشروعاً مثل السدّ العالي في الطاقة الكهرومائية النظيفة)، لم تصل لحد الآن إلا للسيطرة على أقل من نصف التقنيّة المرتبطة بهذه الطاقة! ولطالما قال عرب أيضاً أن الاستبداد والأحزاب الشموليّة سبّب للتخلف. لكن، تمكّنت الصين، وهي بلد ما زال يدار استبداديّاً من حزب شمولي، من هزّ أسواق الطاقة العالميّة في هذه السنة، لأنها استطاعت أن تسيطر على تقنيّة الألواح الشمسيّة كليّاً، وبعد زمن قليل نسبيّاً من دخول هذه الطاقة إليها! واستمراراً، تتفوّق جامعات الصين بأشواط هائلة على جامعات العرب، بل أن جامعاتها باتت تحلّ في مراتب متقدّمة، على غرار حلولها ضمن الخمسين الأولى في تصنيف "تايمز"!
 
ولنتأمل في بعض جوانب الصورة العامة لأعمال العقل في المساحة العربية. خلال عشرين سنة، صدرت 370 براءة اختراع للدول العربية  كافة، مقابل 16 ألف براءة اختراع لسيول وحدها (يبلغ سكان كورية الجنوبية 1/10 العرب). يحتوي العالم العربي 40 مليون خليوي، لكن من يقرأ كتاباً غير مدرسيّاً بينهم هم 20 مليوناً، ما يوازي 5% منهم. وبحسب "تقرير التنميّة الثقافيّة"الذي صدر عن "مؤسسة الفكر العربي"أخيراً، يصل معدل قراءة الكتب إلى دقائق سنوياً في العالم العربي، مقابل 200 ساعة في الغرب. ويقرأ كل عربي 1/20 من كتاب في السنة، فيما يقرأ الأميركي 11 كتاباً والبريطاني 7 كتب، ما يعني أن كل أميركي يساوي 220 عربي في القراءة، البريطاني يساوي 140 عربياً...في القراءة أيضاً. لعن الله دول الاستعمار: هي تقرأ وتتركنا من دون قراءة! لكن القراءة لا تحتاج لقرار سياسي ولا علاقة لها بالاستعمار والاستقلال والتحرّر والتبعية والاستبداد و...و... الخ. وليس للحديث بقيّة سوى "يحيا الجهل"وإلحاح صورة سعد زغلول!
Viewing all 560 articles
Browse latest View live