تأليف : محمد السويسي
أكمل الصف الخامس الإبتدائي دون نجاح وترك المدرسة وقد ملّ منها ليتعلم مهنة حدادة السيارات ولم يتم الرابعة عشرة من عمره . إلا أنه بعد عام انتقل منها الى مهنة الطرش والبويا التي لم يستمر بها أكثر من سنتين لضألة الأجر وقلة العمل ،فأشار عليه بعض رفاقه أن يلتحق معهم في أعمال العتالة في سوق الخضار في تفريغ الشاحنات وتحميلها حيث لابطالة فيها ومردودها عال .
فأعجبته الفكرة وشاركهم في مهنتهم وداوم عليها لعدة سنوات حيث كانوا يذهبون ليلاً الى مقاه داخلية يتعاطون الأركيلة والمخدرات التي أدمنها ليصبح بعد سنوات عدة عاجزاً عن القيام بمهنته في أعمال العتالة ، فأجّر عربة لبيع الخضار ، إلا أنه ظل على إدمانه المخدرات ليعتقل من قبل الشرطة في وكر خارج المدينة ليسجن وقد اتهم بالتجارة بها .
وأفرج عنه بعد ثلاث سنوات ليهيم على وجهه وقد تعافى من الإدمان الذي قرر ألا يعود اليه وقد تسبب له بالبلاء من إعتلال صحته وسجن حريته فعاد الى أعمال العتالة بعد أن قويت بنيته مع إقلاعه عن المخدرات ، إلا أنه سرعان ماترك العتالة التي أضنته ليحمل بعض المسابح بين يديه ليزاول مهنة جديدة في بيعها ويرتاد المساجد وقد أطلق لحيته مع قدوم شهر رمضان وأسبل شعره كما ابا ليلى المهلهل ، واجتهد عصراً ليستمع الى دروس رمضانية ظهر كل يوم من إمام المسجد .
إلا أنه بعد رمضان قرر ان يمتهن بيع المسابح بشكل واسع ليبتاع العديد منها مع بعض مواسير العطورات وكراسات الادعية الدينية ليستبدل ثيابه المدنية المحلية بالزي الباكستاني وقلنسوة بيضاء متخذا موقعاً له على حائط الجبانة القريبة من بيته وقد فرش بضاعته على صندوق خشبي وجده في زاوية ملقى من أحد التجار في السوق .
وظل على هذه الحال قانعاً بعمله لسنوات عدة إلى أن حلت الحروب والتقاتل في المنطقة فجاءه من فاقه لحية وطول شعر اشترى منه بعض المسابح والأذكار ونقده ثمنها خمسة أضعاف ماطلب ، فطار لبه وكاد يفقد صوابه فرحاً ، ليدعوه الى لقائه في مسجد الحي عند الغروب إن شاء .
وقد ذهب فعلاً والتقاه بعد الصلاة حيث دعاه للبقاء والإستماع الى درس ديني يلقيه أحد اصدقائه من الملتحين . وظلوا هكذا حتى العشاء وخرجا من المسجد ليتمشيا قليلاً فدعاه الضيف الى الجهاد ، فلم يمانع ، ليهديه حقيبة كانت بيده ضمت بعض الكتب الإسلامية مع ألف دولار نقداً وضعها بيده قائلاً له : أعود بعد عدة اسابيع فدع عنك بسطة المسابح وداوم في البيت ولكن أقم الصلاة في المسجد في الأوقات الخمسة منذ الفجر حيث ستجد صديقنا الذي استمعت لدرسه اليوم ، فأقرأ القرأن وتعلم قراءته وتفسيره على يديه واستمع لدروسه الدينية عند مساء كل يوم إلى أن اعود .
وافق دون تردد وقد سرته الألف دولار التي لم يسبق أن حصل عليها دفعة واحدة في حياته وودعه متوجهاً إلى بيته فرحاً ليطالع أحدى الكراسات التي وجدها في الحقيبة ليفتح أحدها عشوائياً ويقرأ عن العقيقة في ذبح كبشين للطفل بعد أيام من ولادته تقرباً من الله ، فاندهش وذهب بفكره الى ايام البسط والإنشراح في المحششة حيث كان يرنّم مع أغاني التلفزيون "على العقيقة اجتمعنا" لصباح فخري . ولم يستطع أن يميز الفرق بين عقيقة الذبيحة للطفل المولود وعقيقة المغني وتاه في الأمر حتى الصباح ؟!
عاد الشيخ بعد تسعة اسابيع وقد وجد في بائع المسابح شخصاً جديداً في البسملة والحمد عند البدء في كل قول أو حديث عدا التسبيح الدائم مع فكر جهادي اكتسبه من مواظبته طوال المدة مع مدرس الدين الذي أوكله به ، فأعجب بفكره وسلوكه أيمّ إعجاب ودعاه للمغادرة معه بعد ايام ثلاث ، على أن يلزم بيته دون حراك منذ الصباح ليأتيه احدهم من طرفه ويدعوه للذهاب ، وقد اعطاه كلمة السر للمغادرة معه ، ونقده ألف دولار أخرى ليعطيها لأهله في رحلة وداع قد تطول .
لم يطل الأمر وجاء الرجل على الموعد المحدد بعد العشاء ، الذي لم يكن قد تعرف إليه قبلاً ، ليأخذه عند الشيخ صاحبه في رحلة برية ليلية في سفر طويل قضاه صعوداً ونزولا داخل سيارة لم يدرك سبيلها واتجاهها ، إلى أن وصلا بعد مشقة مع تباشير الصباح الى المكان الموعود بين مجموعة من المسلحين بالبنادق واللحى ومختلف أنواع الأسلحة ليبيت مع رفيق سفره في بيت أرضي قروي شبه مهدم حيث تحدثا طويلاً لساعات قبل النوم طلباً للراحة من مشقة السفر . في صباح اليوم التالي ذهب به في طريق وعرة إلى الشيخ الذي جنده ، فإذا به أمير المنطقة "أبو القعقاع "فاستقبله وضمه قائلاً اهلاً "ابا الدرداء"، فكان هذا لقبه الجديد الذي عرف به في التنظم .
وفي اليوم التالي ارسله الى معسكربعيد للتدرب على فنون القتال لعدة اسابيع ومن ثم عاد إلى أميره الذي سر به فاختار له زوجة من الجوار ومن ثم عينه أميراً ومفتياً على ناحية تضم بعض القرى والبلدات ، وقاضياً وقائداًعسكرياً ليدير المعارك ضد أهل الكفر والضلال .
↧
الأمير المجاهد
↧