Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

لبنان ..إلى أين ؟

$
0
0

 
تأليف : محمد السويسي
حصل لبنان على استقلاله في العام 1943 سليماً معافى وفق دستور متوازن مقبول أقره رجال الإستقلال  مع النواب في البرلمان اللبناني .
وكانت فرنسا ، خلال مرحلة الإنتداب ، بتنسيق مع بريطانيا ، قد وضعت لبنان على سلم الحداثة والتقدم نحو دولة عصرية في نظام جمهوري ديمقراطي يقوم على التوازن بين الطوائف والمذاهب الأساسية  للرئاسات الثلاث ، فكانت رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة الحكومة للمسلمين السنّة ورئاسة مجلس النواب للشيعة  وفق ميثاق وطني دون نص دستوري معلن ، إلى أن كرست هذه الرئاسات في وقت متأخر في إتفاق الطائف بإرادة عربية لوضع حد للتناحر والتنازع السياسي على هذه المواقع .
خرج لبنان من الإنتداب و الإستعمار إلى الإستقلال ليعاني شعبه المرارة من الإقطاع المالي والسياسي الذي تولى السلطة على أسس عائلية ومن ثم حزبية  قدمت مصالحها على مصالح الشعب والوطن ، بحيث أن لبنان بدلاً من التقدم بحكم الزمن والتطور ، فإنه تراجع للوراء ،  الى حد فقدان العدالة والحرية فيه مع التراجع الأمني لهيمنة الأحزاب والمليشيات لفترات متقطعة على مقدرات البلاد بتحالف وتواطء مع الإقطاع المالي في البلاد .
لقد نعم لبنان خلال مرحلة  الإنتداب بخطط ملائمة ليستطيع النهوض بنفسه من الناحية المالية  والإقتصادية والإجتماعية كوطن صغير ،  إذ تم مسحه هندسياً بالكامل وخططت المدن والقرى للتترك لدولة الإستقلال مهمة التنفيذ ، كما وضعت الخطط لمشاريع زراعية ومائية وسدود تنهض بلبنان إقتصادياً   وزراعياً وصناعياً وسياحياً .
إلا أن دولة الإستقلال أهملت كل ذلك إذ هيمن الإقطاع المالي والسياسي على السلطة والحكم  منذ اليوم الأول لسلب الوطن خيراته مع تعطيل سير الدستور والميثاق الوطني والقانون ، بحيث أن أول رئيس لجمهورية الإستقلال الشيخ بشارة الخوري سعى للتجديد إلا أنه أجبر على التنازل بثورة شعبية بعد ثلاث سنوات من تمديد ولايته .
وإن شهد عهد الرئيس كميل شمعون إزدهاراً في البلاد إلا أن عهده انتهى بثورة شعبية في كل أنحاء الوطن لمنع تجديد ولايته ليبدأ عهد الرئيس فؤاد شهاب في العام 1958 الذي كان عهداً للنزاهة وبناء دولة المؤسسات والعدالة ، إلا أن العهد الذي تلاه بعد 6 سنوات حطم كل مابناه العهد الشهابي ، وذلك خلال ولاية الرئيس شارل حلو الذي كان عهداً للفساد والإلتزامات الوهمية وتدمير المؤسسات ، خاصة الإقتصادية والمالية ، إذ عمد هذا العهد ،  تعسفاً  في شراكة مع الإقطاع المالي ، إلى إغلاق بنك أنترا ، أهم بنك في لبنان والشرق الأوسط والأكثر ملاءة . إذ كان هذا المصرف لقوته المالية معيقاً لنشاط البنوك الأجنبية والبنوك  المحلية الأخرى ، فقد  كان يستحوذ على حوالي ستون بالمئة من المدخرات  الوطنية ، بحيث ماإن أغلق حتى تنامت  رخص البنوك المحلية والأجنبية ، وبالتالي تدهور الإقتصاد اللبناني لعقود عدة من تأثيرات إغلاقه  .
بعد أن نجح الإقطاع المالي في تعطيل بنك إنترا على حساب المصلحة الوطنية فتحت شهيته لتعطيل كل المرافق والمؤسسات الرسمية التي تحد من تنامي أرباحه في الإحتكار ، إذ تطلع الى وضع يده على جميع مقدرات البلاد الإقتصادية والمالية بشراكة مع الفاعليات السياسية الحاكمة من الزعامات الإقطاعية والأحزاب التي حول بعضها إلى مليشيات عسكرية دفعها إلى الصدام مع المقاومة الفلسطينية التي كان يرعى نشاطها إتفافية القاهرة الغير معلنة  بإشراف الدولة والجيش اللبناني .
وتفاقم الخلاف بين الأحزاب والمقاومة الفلسطينية وانقسمت البلاد إلى معكسرين قاد أحدهما الحزب التقدمي الإشتراكي بقيادة كمال جنبلاط الذي اتهم الإقطاع المالي الماروني بنهب  البلاد وتحالفت معه حركة فتح الفلسطينية والأحزاب اليسارية ،  وقاد الطرف الآخر الماروني حزب الكتائب بقيادة بيار الجميل لإلغاء إتفاقية القاهرة وسحب المقاومة الفلسطينية من الجنوب . وكادت الغلبة أن تكون لكمال جنبلاط وحلفائه لولا توجه القيادات المارونية نحو دمشق ، لطلب العون من سوريا في العام 1976 ، التي أنجدتهم في معركة عسكرية ضد جنبلاط والأحزاب اليسارية وهزيمتهم ، وبالتالي إغتيال  كمال جنبلاط لأحكام سيطرتهم على الحركة الوطنية والبلاد لقمع أي  معارضة تواجههم ، إذ خططوا للبقاء في لبنان إلى الأبد ، فعمدوا الى ترسيخ الطائفية فيه والمذهبية والتشرذم وحكموه بقبضة من حديد بتغييب العدالة والقضاء ، والتحكم بكل مرفق في البلاد وسلب إرادة الدولة وسلطتها بما يشبه الإحتلال وفق قاعدة "فرق تسد ".
وجد الإقطاع المالي في دخول سوريا إلى لبنان فرصته الذهبية لإحكام سيطرته على الموارد الإقتصادية في البلاد فتعاون بشراكة معهم على إغلاق وتعطيل أهم المرافق المنتجة في البلاد المغذية للخزينة التي تأسست خلال فترة الإنتداب ، والتي تواجد معظمها في مدينة طرابس شمالي لبنان ، فكان أن عطلت مصافي النفط  لتفقد الخزينة أهم مواردها وليتم تعطيل المرفأ فيها وكذلك محطة الكهرباء ومعرض طرابلس الدولي والحوض الجاف والسكة الحديد ومصانع البحصاص الوطنية التي تعتبر الأهم في منطقة البحر المتوسط ، التي كانت تضم مصانع للخشب المضغوط والحديد ، وذلك  لصالح الإقطاع المالي التجاري الذي احتكر الإستيراد والوكالات بديلاً عن الصناعة الوطنية ، في شراكة مع الأحزاب اليمينية المارونية بدءاً ومن ثم مع كبار قادة الإقطاع السياسي في البلاد من مختلف الطوائف والمذاهب  الذي لم يعد باستطاعته مواجهتهم واستبعادهم بشراكة وحماية القوات السورية الموجودة في لبنان تحت عنوان قوات الردع العربية ، الذين خرجوا عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 إثر ثورات عارمة ضدهم ، إذ حمّلهم الشعب مسؤولية إغتياله أوالتغاضي عن قتلته .
ولم يكن إغتيال الشيخ رفيق الحريري بتحالف من حزب الله والإقطاع المالي  إلا من أجل الحلول محله في الإستثمار في لبنان برأسمال إيراني  ، الذين  هالهم مشروع سوليدير الذي أنشأه في بيروت وما يحقق من أرباح .
إغتيال الرئيس الحريري جاء عقب التحالف الأمريكي الإيراني بإحتلال العراق ونشؤ علاقة إيرانية عابرة مؤقتة مع إسرائيل بهدف اغتيال الطيارين العراقيين وعلماء الذرة المسلمين وتهجير المسيحيين منهم إلى أمريكا والشيعة منهم إلى إيران للمساهمة في بناء المفاعلات النووية الإيرانية بموافقة أمريكية .
هذه العلاقة مع إسرائيل أدت الى ترتيب  قيام غارات للطيران الإسرائيلي في العام 2006 على لبنان ، وفق ماجاء في الصحف الغربية ، بحجة خطف جنديين من قبل حزب الله أدت إلى هدم معظم  البنى التحتية التي أقامها الشهيد رفيق الحريري من جسور ومرافق حيوية ومصانع بغرض إعادة بنائها من قبل إيران وبالتالي الحلول محل الحريري في الإستثمار في لبنان ، إلا ان الضغط العربي أدى الى تعثر هذا الأمر ليعوض الخليج والسعودية ويبني كل ماهدمه الطيران الإسرائيلي بما فيه المناطق الشيعية الموالية لإيران .
ومع إغلاق المرافق الوطنية الحيوية في مدينة طرابلس والإقتصار على الإستيراد ، بدأت الخزينة اللبنانية تتهاوى مع تهاوي الليرة اللبنانية بشكل مريع ، تحت ديون ثقيلة على الخزينة مع إنتفاء موارد مرافق طرابلس ، لتزيد من وطأة المعيشة وتنامي الفقر والبطالة بما سمح للأحزاب من إنشاء مليشيات متعددة على اسس طائفية ومذهبية تعيث فساداُ في البلاد  مع توفر أدواتها من جيوش العاطلين عن العمل وبالتالي ازدياد التردي الأمني مع شيوع تجارة المخدرات من قبل المليشيات وتفشي تعاطيها بين المواطنين  .وبدلاً من أن يعمد الإقطاع المالي الحاكم  إلى إقرار التأمينات الإجتماعية  وإعادة تشغيل مرافق طرابلس لرفد الخزينة بالمال ووقف  التدهور الأمني والإقتصادي في البلاد لوضع حد لتنامي الفقر والعوز ، عمد الى زيادة عديد القوى الأمنية مما زاد العبء على الخزينة في محاولة لوضع حد للتردي الأمني بفعل البطالة ، إلا أنه فاتهم أن الفقير والمحروم قد يجد في السجن ملاذا من الفقر والجوع مما زاد الأمر سؤاً.
 إذ كان من الأوفق ان يضعوا خططاً لإعادة إحياء مرافق طرابلس الحيوية المعطلة وإقرار الضمانات الإجتماعية والصحية وتعويضات الشيخوخة والبطالة بدفع رواتب شهرية للعاطلين عن العمل . إلا أن المليشيات المسلحة الحزبية لازالت تعارض بشدة أي تدبير إجتماعي إصلاحي خوفاً من تقلص نفوذها أن تم الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي في البلاد . إذ أن الأحزاب تعيش على الفوضى وغياب سلطة الدولة والعمل على إضعافها لإحكام سيطرتها على البلاد  . لذا عارضت المليشيات الحزبية  بشدة إعادة فتح مرافق طرابلس الى حد التهديد بضرب مطار القليعات عسكرياً إن سعت الدولة  لإعادة إفتتاحه أو حاولت إعادة تنشيط مرفأ طرابلس أو تشغيل المعرض تحت التهديد بقصف مدينة طرابلس ومنشآت المعرض  ؟! .
إذ أن أي تشغيل لأي مرفق من مرافق طرابلس الحيوية يؤدي الى تقليص أرباحها في المرفأ والنفط .ولاشك أن موقف المليشيات الحزبية  هذا ليس نابع  منها ، بل وبتفاهم مع شركائها من الإقطاع المالي في البلاد وتحريض منه  .
لذا فإن وضع لبنان مأساوي وفق الممارسات الحزبية المليشاوية في تقويض إمكانات الدولة برفع السلاح في وجهها ومنعها  من بسط سلطتها وسيادتها ، بما أدى الى إدخال البلاد في ترد إقتصادي ومالي خطير بفعل تسلط الإقطاع المالي السياسي على مقدرات الوطن  بتحالف مع الأحزاب العسكرية .
وإن لم يأت رئيس قوي نزيه فإن هذا السلوك الإقطاعي آخذ في ازدياد ولن ينتهي حتى ولو اندمجت الأحزاب المعارضة وعادت للدوله بتسليمها سلاحها إذ أن الإقطاع المالي سيبحث عن أحزاب ومليشيات أخرى ليتحالف معها من أجل استمرار نهبه لموارد البلاد وحصرها به ، مع فقدانه الحس الوطني والأخلاقي ،  مصراً على جشعه في المزيد من الأرباح اللامشروعة والنهب لفساد الدولة .
لذا فلا حل إلا برئيس صارم وعادل نزيه الكف ومحب لوطنه ومقدماً مصالح الوطن والشعب على مصالحه الخاصة ، لذا فإن عودة لبنان الى ازدهار صعب جداً لجشع حكامه  الأصليين  من الإقطاعيين المتوارين في  الظل .
 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles