خامسًا: تقديس المسرح تحت اسم الفن.
سادسًا: تشجيع الكرة.
أفسحت الصحافة العربية لإحسان عبد القدوس مكانًا واسعًا عريضًا على مدى أكثر من ثلاثين سنة كسب خلالها شهرة واسعة ومالاً وفيرًا وصفه في فتره قريبة (٦٠٠ قصة قصيرة أو طويلة، ١٩ رواية، ٤ قصص للسينما، ٤٦ فيلمًا، بستان عشرون فدانًا في الهرم فواكه، خمسة آلاف جنيه في العام من الصحافة) هذا غير ما كسبه من الأفلام والقصص وهو كثير جدًا فوق ما يتصور الجميع.
وبالرغم من أن إحسان عبد القدوس الآن (١٩٨٠) على أبواب الستين من العمر؛ فإنه ما زال ممعنًا في ذلك الطريق المظلم الأسود الذي شقه لنفسه منذ مطالع شبابه، وما زال مدافعًا عن أدب الفراش الذي يكتبه بدعوى أنه أدب واقعي، وبأنه محب لحرية المرأة مدافع عن حقها في الجنس والانطلاق وراء الأهواء، ولقد كانت قصصه مصدر فساد كبير واضطراب عميق في نفوس جيل كامل من الفتيات اللاتي انسقن وراء الصور التي ساقها عن المرأة المنحرفة والتي حاول فيها أن يجعل المرأة المنحرفة ظاهرة طبيعية في المجتمع أو أن يصبح المجتمع متقبلاً لهذا الانحراف نتيجة إقناعه بهذا المفهوم المسموم في محاولة خطيرة لتغيير أعراف هذا المجتمع الإسلامي الأصيل الفهم لمعنى العرض والبكارة، والعفاف مهما طغت مظاهر الحياة المادية عليه، وآية هزيمة فلسفة إحسان عبد القدوس هذا التيار الإسلامي الجديد للمرأة الذي يرفض هذه المفاهيم المنحرفة التي نقلها إحسان عبد القدوس لا عن سارتر وألبيرتو مورافيا وكامي وحدهم لكن عن طريق فرانسوا ساجان وسيمون دي بوفوار حينما تقمص شخصية المرأة في كتاباته، ولعله مما يزعج حقيقة أن يؤلف كاتب رجل قصة يطلق عليها (ونسيت أني امرأة).
- ويرجع اتجاه إحسان عبد القدوس في هذه الجرأة على الحرمات والقيم وتصوير ما وراء غرف النوم، وكتابة ذلك اللون الذي عرف به والذي وصمه الأستاذ العقاد بذلك الأسم الشهير بأنه أدب الفراش، بالرغم من علاقة مدعاة بين إحسان عبد القدوس والعقاد، وقد وصفه يحيى حقي بحق حين قال: "لا عجب إن كانت ألفاظه كبالونات المراقص المتواثبة أمام عينك فكيف تريد منها أن تستقر على الورق، الويل له إن كان فتى يافعًا أو فتاة في مقتبل الصبا؛ فإن السحر يصبح نوعًا من التخدير كبقية المكيفات لا يخلو من خطر".
ولعل أبلغ وصف ما وصفه به أحد المسئولين حين قال له في مؤتمر صحفي: إنني لا أدخل (صباح الخير) إلى بيتي وأمنع بناتي من قراءتها.
- قال إحسان عبد القدوس في حديث إلى راجي عنايت كاشفًا عن خلفيات قصصه: أنا (أمينة) في قصة (أنا حرة).
وقد أدهشني دهشة الناس من تصوري لعواطف النساء بدقة وتنوع، وسؤالهم لي عن وسيلتي لدراسة هذه العواطف، وقد فكرت في هذا الموضوع طويلاً ووصلت إلى نظرية وهي أن عواطف الرجل هي عواطف المرأة، ولكن الاختلاف فقط يكون في التصرف والنزوع، وهذا المفهوم الذي يقوله إحسان عبد القدوس لا يصدق على مفاهيم التحليل النفسي الصحيح للمرأة وللرجل، وللفوارق العميقة بينهما والتي تتصل بالتركيب الببيولوجي المختلف والعميق الاختلاف بينهما إلا أن يكون للرجل الذي عاش في بيئة النساء زمنًا طويلاً من القدرة على تصوير عواطف المرأة، ونحن إذا راجعنا قصص إحسان عبد القدوس لم نجد تحليلاً لمشاعر المرأة وإنما وجدنا تصويراً جنسيًا صارخًا أشبه بصيحات مراهق كبير محروم، ونماذج المرأة في قصصه لا تعطي صورة المجتمع الإسلامي العربي المصري أبدًا، فالبطلة في النظارة السوداء من سلالة أجنبية، وفي (راقصة في أجازة) نموذج لراقصة أجنبية
حلت بمصر، وهناك فتاة نشأت شاذة منحرفة، وامرأة خلابة لعوب صاحبها يمسك في يده كأس خمر طول مدة السير متهورًا إلى حد الوقاحة متحللاً من كل قيد.
- يقول أحمد حسين الطماوي: من يتأمل معظم قصص إحسان التي أدارها على لسان أبطاله يجد أنها جاءت مناسبة لتفكير المراهقين، محركة لغرائزهم يقبلون عليها إذ فيها ما يثير حواسهم وما يجعل شهواتهم تتراكض مستعرة في نفوسهم، والصور الوصفية التي يعرضها لا يمكن أن تكون تصويرًا اجتماعيًا. فهل هذه الأوصاف تعبر عن الحياة الاجتماعية وهل من الحكمة أن يكون الانحلال واستطلاع أخبار الناس ورصد الشذوذ هي أفضل الموضوعات لدراسة المجتمع، إننا لا نطلب من الكاتب أن يلغي مفعول الغرائز ولكنه يجب أن يعمل على تهذيبها، ويعبر عنها بطريقة لا ينفعل القارئ بها أنفعالاً شهوانيًّا، بل يحس بتأثيرها الوبيل عليه ولو انغمس فيها، وفي هذه الحالة نجا منها وهو يعرفها ويتجنب الوقوع في حمأتها ما استطاع، كذلك فإن تصويره للشخصيات فيه مغالطة كبيرة وافتراء على الواقع فالأم تأخذ بيد بنتها لتسلمها للضياع وتساوم الرجل وكأنها قوادة (قصة أنف وثلاث عيون)، وهذا أبشع تصوير للأم والزوجة تقف في جنازة زوجها وتمسك بعلبة البودرة (الطريق المسدود) والطبيب يدمن المخدرات ويقنع الناس بفائدتها وكأنها روشتة من الطبيب إلى المريض لكي (يروق دماغه).
- وهذه هي شخوص إحسان عبد القدوس وهي شخصيات منحرفة عن الواقع.
إن شخصيات الرواية لا تريد ولكنها منقادة تعمل لإرادة المؤلف فيها، والقصاص هو المتحكم في سلوك أبطاله ومصائرهم وأنه من مهام الكاتب تحليل المشاعر ومعرفة أعماق الوجدان وتصوير النفس وتحري أسرارها وإماطة
اللثام عن مستدق أحوالها ووزن أفعالها، فتكون القصة بعد ذلك دراسة للنفس ونزاعها مع ما يحيط بها ونزوعها إلى ما تريد من خير وضير، وعندما لا يستطيع ذلك يترك عالم النفس والخاطر إلى دنيا الشهوة والغرائز ومواخير البغاء حيث الحياة الملوثة المريعة.
ويشهد إحسان في رسالة عن بلزاك الذي كان يكتب قصصًا أشد صراحة من قصصه، هذا أحد كتاب الغرب، إن قصص إحسان بما فيها من إثارة جنسية تصبح والحالة هذه لا عمل لها إلا إلانة الهمم الغلابة والنيل من أخلاق المجتمع، هذه الحرية الجنسية التي منحها إحسان لأبطاله قد وجدت من يعتنقها من نساء المجتمع ورجاله، ومن ذلك ما نشرته نوال السعداوي التي تطالب بالتحرر الجنسي.
ولكن ما هو موقف إحسان من الاتهامات التي توجه إليه:
- يقول: إن إيماني بحرية المرأة ليس له حدود، وربما كان أحد دوافعه الأساسية في البداية مستمدًا من إيماني بتفرد تجربة أمي (فاطمة اليوسف) هذه السيدة التي أثبتت وجودها في عالم الرجال ونجحت في فرض نفسها عليهم وحققت ما لم يستطع كثير من الرجال أن يحققوه.
ولا شك أن الأستاذ إحسان ليس مستوعبًا لأبعاد هذا المعنى وحقيقته، فالسيدة فاطمة اليوسف كانت ممثلة شهيرة كان لها في مجال المسرح خصوم وصداقات، وقد رأت يومًا أن تحارب خصومها بأن تخرج مجلة تهاجم فيها هؤلاء الأعداء بسلاح الصحافة، هذا كان هو الهدف الأول، ولكن المجلة تغير اتجاهها بعد أن رغب حزب الوفد في أن يتخذ منها منبرًا سياسيًا عن طريق أسلوب الكاريكاتير في مواجهه مجلة الكشكول التي كانت تُصْلي حزب الوفد نقدًا شديدًا، ولم تكن السيدة روزاليوسف كاتبة أو صحفية في الحقيقة، وما نسب إليها من مقالات أو مذكرات فإنما هو بقلم بعض أتباعها
مرة ثانية، وهذا هو أسلوب التوغل في المسائل الجنسية.
- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: ١٩].
* يوسف إدريس الماركسي يدعو إلى حرق كتب التراث كلها:
ويكشف يوسف إدريس عن هويته واضحة تجاه الأدب العربي كله حتى يدعو إلى نبذ التراث العربي كله وإلقائه في البحر أو إحراقه حيث يقول في مجلة البلاغ الأردنية: إن تراثنا تحريفات وزخرفات لغوية وإن التراث سخيف وليس فيه شيء للقراءة.
- ويقول: أنا قرأت عشرات من كتب التراث ولم أع منها فكرة واحدة باستثناء بعض الكتاب أمثال الغزالي وابن رشد، ولذلك يجب أن تحرق كتب التراث كلها. والواقع أن أكثر الناس جهلاً هم أجرأ الناس على الاتهام، ومن جهل شيئًا عاداه، والواقع أن يوسف إدريس لم يقرأ شيئًا من التراث لأنه ليس له أرضية أساسية لمثل هذا، فهو قد شكل نفسه على قراءة بعض القصص الأدبية الماجنة والإباحية ومنها استمد مفاهيمه ثم عرف الفكر الماركسي فخلق ذلك كله في نفسه العداء للفكر الإسلامي الذي لم يعرفه وإن كان قد ذكر اسم الغزالي وابن رشد فلكي يعلي من شأن نفسه، وإلا فأين ابن تيمية وابن حزم، وابن القيم والشافعي ومالك وأبو حنيفة والجاحظ وعشرات من رواد التراث الأعلام، الواقع أن هذه صيحة عداء وخصومة للفكر الإسلامي يحملها كاتب ماركسي يسارى لم يكن شيئًا حتى أعطاه الدكتور طه حسين صك الشهرة والظهور هو وأصحاب الأفكار الإباحية التي يروجها سارتر وكامي وكافكا وكل من المنحرفين وليس إلا واحدًا من هؤلاء الذين ظهروا خلال فترة المد الماركسي في العالم العربي وهو نبت هش لا
جذور له، ولا قيمة له، ولا وزن له في ميزان القصة أو النقد، وما نعرف كاتبًا يحترم نفسه يهاجم تراث أمته على هذا النحو إلا إذا كان متعصبًا ضد هذه الأمة، كارهًا لفكرها، خادمًا لأهداف أعدائها؛ بل إنه لا يمكن لكاتب يقدر مكانته في أمته ويكتب بلغتها يقول مثل هذا القول؛ بل إن أعتى المستشرقين غلوًا وأكثرهم تعصبًا وأشدهم كراهة للإسلام والقرآن واللغة العربية لم يصرح بمثل هذه العبارة وإن كان يستبطنها في أعماقه، وهذا يدل على الحمق، وعلى أن الكاتب قد باع نفسه ولم يعد له سهم واحد من المكانة في أمته، ذلك لأن التراث الإسلامي قد اعترف بمكانته أشد أعدائه عداوة له، بعد أن تكشف مدى الأثر الضخم الذي تركه في الفكر الغربي والفكر العالمي سواء في مجال التقنية والعلم أم في مجال العلوم الاجتماعية أم في مجال القانون والتشريع باعتراف عشرات من أعلام الغرب المتخصصين، مما يصفع يوسف إدريس ويثبت تبعيته وتعصبه وحقده على الفكر الإسلامي الأصيل.
وهكذا يكشف كتاب القصة عن حقيقة واضحة هي أنهم أعجز الناس عن التفكير في أفق المجتمع الإسلامي أو دراسة قضاياه لأنهم يعيشون في أعماق القصص الغربي وقضاياه كما تعيش الأسماك في أعماق المحيطات.
- وينصح يوسف إدريس في جريدة الجمهورية (٢١/ ٥/١٩٦٦) فتاةً تشكو من حبها المصحوب بالحرمان، إلى أن تخفف من حرمانها كوسيلة للتخلص من شدة عاطفتها، أي أنه يدعوها إلى اقتراف المنكر، وهو يسخر منها لأنها رفضت قبلة صديقها وفتاها، يقول أنها لو قبلت لاستراحت، وبقي عليها مقاومة الحياة.
ولا ريب أن هذه النصيحة المسمومة سترتد إلى نحر يوسف إدريس بالجزاء الأوفى وبالنقمة والمثلة؛ فإنه بذلك قد أفسد عقلية فتاة مسلمة وعاطفتها وكشف لمئات من القارئات عن الاستهانة بهذه الأمور، وحرضهم
على الاندفاع وراء الأهواء وتحمل وزر ذلك كله وجرمه عند الله تبارك وتعالى، ونجد في الصحافة النسوية عشرات الأمثلة من هذه الإجابات قدمها أنيس منصور وإحسان عبد القدوس وأمينة السعيد وغيرهم.
* فساد مفهوم يوسف إِدريس عن الموت:
- يقول يوسف إدريس في ظروف وفاة كامل الشناوي عن الموت: "ولكن الغادر -أي الموت- لم ينتظر لكي يريه الفجر، ضن عليه ببضع ساعات، يا موت رفقًا بكامل الشناوي يا موت دعه يرى الشروق وهو يقبل على القاهرة كما كان يريد، يا موت حين تحين النهاية اجعله ينام في سلام كما ينام الأطفال، بربك خذه، وهدهد عليه، ضمه بحب كما كنا نضمه، كم كان شفافًا أيها المعتم، كم كان ذهبًا متوهجًا يا أيها الغبي المغلق، كم كان إنسانًا، كم كان يخافك يا ملعون، يا حق، يا من لا مهرب منك، ولكن الموت ذلك الصديق الغادر، في غل بارد، وبإرادة حديدية متجمدة، كان يضمر له النهاية، فاجأة مرة بأن انقض عليه وحيدًا، من فرط ثقتي قد خلت أنه أقوى من الموت حتى لو ربط الموت في فراشه، كنت متأكدًا أنه خالد، يا كامل لا تمت، تلك اللحظة التي تلقى فيها عدوًا ظالمًا خشيته النهاية التي ليس بها إلا رفيق كئيب مستمر لا يأخذ ولا يعطي ولا يتكلم".
هذه هي مفاهيمهم عن الموت وحديثهم معه، وهو حديث ضال مظلم يدل على أن صاحبه لم يعرف كلمة واحدة من المفاهيم التي قال بها الدين، أي دين - عن الموت، ولقد كان أولى به أن يخشع وينتظر نفس المصير، ضربة القدر قبل الموت، التي تلحق بكل هؤلاء الضالين المبطلين الذين لا يعرفون الله ولا يلتمسون طريقه الحق.
- ولا ريب أن إذاعة هذا المفهوم الفاسد عن الموت، كما يصوره دعاة
الفكر المادي وكتاب الوجودية والماركسية حين يتردد في مقالات تنشرها الصحف كل حين إنما يوحي للقارئين بأنه مفهوم الموت بينما هو مفهوم زائف مضلل، وأن المفهوم الإسلامي الأصيل يختلف عن هذا اختلافًا كبيرًا، فنحن نؤمن بالموت كحقيقة أساسية يقوم عليها مفهوم العمل كله في الدنيا، ونؤمن بأن بعد الموت بعثًا ونشورًا وجزاءً وحسابًا وعقابًا، وجنةً ونارًا، وأن الدنيا مزرعة للآخرة، ولذلك فنحن لا نخاف الموت ونؤمن بأنه يحمل للمؤمنين الرضوان والخير، وأنه نهاية كل حي وأنه حين يأتي فتلك نهاية عمل الإنسان في الحياة يتقبلها في رضا واستبشار، وليس في جزع وخوف، ذلك أنه لا يخاف الموت إلا أصحاب الأعمال الشريرة الفاسدة أولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، فهم يرهبون لقاء الموت؛ لأنه يضعهم على حافة الحساب والعقاب.
* كامل الشناوي الغارق في أهوائه:
وماذا كان يفعل كامل الشناوي بالصباح إذا أشرق، إلا أن يلقاه كما كان يلقاه دائمًا غارقًا في أهوائه، هل كان ينادي الله إذا أشرق الصباح أو يتذكر أن يومًا جديدًا قد أقبل من عمره وأن عليه أن يعمل فيه خيرًا أم أنه كان يستقبل الصباح بالنوم، ويستقبل الليل بالسهر، دون أن يستجيب لحق واحد من حقوق الله عليه، أي رفق يتوقع يوسف إدريس من الموت لهؤلاء الضالين الذين لم يضعوا جباههم على الأرض لله يومًا، وكيف يمكن أن يخاطب الموت بمثل هذه اللغة، والموت حق نعلم جميعًا أنه ينتظرنا وأنه ينقلنا إلى عالم جديد، وأن الموت ليس هو النهاية التي يتصورها يوسف إدريس حين لا يؤمن بالبعث من جديد والوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء، فما الموت إلا نقلة من حياة إلى حياة أخرى وهي لا تخيف إلا الضالين والظالمين الذين لم يقدموا شيئًا والذين عاشوا حياتهم في أهواء التيه والضلال.
- أما كمال الشناوي فحسابه أشد عسرًا؛ لأنه حفظ القرآن وتعلم في الأزهر ونشأ في بيئة الدين ثم خرج على كل هذه القيم وهجرها، وفضل حياة الضلال والهوى.
* يوسف السباعي الداعي إِلى إِعادة البغاء والدعارة العلنية، يتهم العربية بأنها سخيفة، ويجهل مفهوم الموت في الإسلام، وآية ذلك روايته "نائب عزرائيل" (١):
- قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص ٧٥): "طالب يوسف السباعي وأنيس منصور، بالعودة إلى الدعارة العلنية، بدعوى أن ذلك يقضي على القلق الذي يساور الشباب في المجتمعات".
فهل يرضى ذلك لأمه أو لأخته أو لابنته أو لزوجته أم هي الدياثة الفكرية ومحبة إشاعة الفاحشة في الجتمعات المسلمة، وهل ينتظر أمثال هؤلاء إلا العذاب من الله في الدنيا والآخرة.
قد كان يوسف السباعي لا يجيد الكتابة بالعربية إلا بصعوبة شديدة ويفضل العامية ويتحدى في وقاحة شديدة ويسخر من الفصحى، ومن سلامة الكتابة على أصول اللغة وقد هوجمت قصص يوسف السباعي (وخاصة قصة إني راحلة) لأنها عافية اللغة، وأن الكاتب العربي الذي يكتب لمائة مليون عربي يجب أن يجيد الفصحى ولا يحصر نفسه في دائرة العامية المصرية.
ولا يبالي يوسف السباعي أن يقول: إني لا أهتم مطلقًا بمبادئ اللغة واعتبر أن أسلوبي (كويس كده) وليس في حاجة إلى المحسنات اللفظية،
.والواقع أن لغتنا العربية سخيفة وفيها حاجات (مش معقولة) واحد مجنون مثلاً قال لنا (خلي الكلمة دي تبقى كده) وخلاص هي عملية مجهدة لا معنى لها ولا نهتم بها الآن أو يحافظ عليها المصححون في الجرائد، وأنا على كل حال أعتبر اللغة وسيلة وليست غاية.
إن مثل هذا الهراء لو وضع موضع النقد الحقيقي لكان حقًا بأن يطرد كاتبه من ساحة الكتابة الأدبية ونأسف لأن جريدة تنشر مثل هذا الكلام (جريدة المساء).
وإذا كان هذا هو موقف يوسف السباعي من اللغة فلا ريب أن موقفه من القيم الأساسية أخلاقية ودينية أشد عنفًا، وذلك واضح في قصصه التي تقوم على ظاهرة الكشف، والتي تقوم العلاقة فيها بين الرجل والمرأة على أساس المطاردة والخداع والاغتصاب.
- هذه القصص التي كان يقال أنه يكتبها في كابينة على البلاج يذهب إليها ومعه كراسة بيضاء وزجاجة ماء ملون، ويعود بها لتنشر في الصحف مع الاحتفال بها ثم تنشر في مجلد ضخم تقوم مكتبة الخانجى بنشره ثم يتحول إلى سيناريو سينمائي، وكان يوسف السباعي عضوًا في لجنة اختيار الكتب لكتبات وزارة المعارف ومدارسها، وكان يوسف يدخل اللجنة ومعه قائمة الخانجي فيعرضها على اللجنة بمعدل ٣ آلاف أو ألفي نسخة من كل قصة يحصل من ورائها على ألوف الجنيهات، يحصل على ثلاثة آلاف طالب وطالبة على سموم الإباحة والجنس والإنحراف الخلقي.
ثم يحصل على أجور مضاعفة من الأفلام السينمائية بعد أن تكون هذه القصص الجنسية المسرفة في تصوير الغرائز وإفساد الشباب قد وصلت إلى كل بيت، ولقد وضع نفسه في أحضان طه حسين الذي كان يعرف أنه حين يقدم يوسف السباعي ونجيب محفوظ وأمين يوسف غراب وغيرهم، إنما يقدم سمًا
من نوع خطير إلى الأجيال الجديدة فيخدم به دعوته، ويكون جيلاً يحمل أفكاره (كل ما هنالك أن طه حسين كان يخدع الناس حين يدعو هؤلاء إلى الكتابة باللغة الفصحى التي لا يعرفونها) فقد أعلن طه حسين أكثر من مرة أن يوسف السباعي يجهل اللغة والنحو ومع ذلك فقد مضى طه حسين يشجع هذه العناصر ويحميها ويدفعها إلى الأمام في صحافة لها هوى مع كل منهج مضاد للأصالة.
ولقد كشف النقاد أمر يوسف السباعي منذ وقت بعيد فقد نشرت مجلة الآداب (أغسطس ١٩٥٥) رأي خصومه فيه حيث قال أحدهم: "إن يوسف السباعي لا يمثل إلا الوجه المرفوض غير الأصيل في الثقافة المصرية، ولكنه مع ذلك استطاع أن يصل إلى هذا المستوى الذي لمع فيه"وأن كثيرًا من الشباب المتفتح الواعي يميلون إلى اعتبار أدبه غذاء سوقيًا تجد فيه الطبيعة البرجوازية المترفة موضوعًا لغرائزها، وهو يؤدي نفس الدور الذي تؤديه الأقلام المصرية السخيفة ويهدف إلى افتعال حياة غير حقيقية للمستمع المصري حتى يظل بعيدًا عن واقعه الصحيح بما فيه من مشكلات.
لقد لمع يوسف السباعي حقًا في جو ثقافي أثقلته القيود والأغلال، ولقد كانت مفاهيم يوسف السباعي منحرفة حقًا ضئيلة تدل على فقر شديد في الثقافة، إنها ثقافة الحي الذي عاش فيه ثقافة الأحياء البلدية والزجل والمواويل وكلام المناهي، وذلك فهمه للعلاقات بين الرجل والمرأة ولذلك غلب عليه طابع اللامبالاة بالقيم ومن أجل انتشار قصصه غلب طابع الجنس.
بل إن يوسف السباعي ذهب إلى أبعد من هذا حين جعل "السخرية"طابع كتاباته فهو يسخر من كل شيء، حتى من القيم المقدسة، وآية ذلك رواية (نائب عزرائيل) وتدهش حين ترى يوسف السباعي يوجه كلامه إلى الملك المكرم سيدنا عزرائيل ملك الموت، فيقول: "ستلمس لي العذر إذا
علمت أني رجل، أحب المزاح، أو أنني أرى أن المرء لا يربح في حياته إلا ساعات الضحك وإذا علمت أيضًا أن الإنسان بطبيعته مخلوق مهرج إنه لا يغريه شيء كالهزل والتهريج وإنك إذا ما أردت منه أن يستمع إليك فاضحك أولاً ثم قل له ما تريد قوله، لا تظن بقولي هذا تزلفًا فالتزلف لا يكون إلا لخشية أو حاجة وما كان بي من خشية منك ولا حاجة إليك".
- ويقول: (ولا يمكن أن يكتب هذا عاقل في وعيه الكامل) لن أكف عن الغرور إلا في نهاية العمر عندما أقف على شفا الموت وأتلفت ورائي فأكتشف مبلغ حمقي وإضاعتي عمري هباء وجهدي سدى في سبيل شهرة أو خلود، وهذا الكتاب يا سيد عزرائيل أنت بطله فهو منك وإليك حاولت أن أظهرك للبشر على حقيقتك وأن أزيل من أذهانهم تلك الصورة الشوهاء التي يتخيلونك بها.
بهذه اللغة الردئية يتحدث مثل يوسف السباعي إلى الملك المكرم كيف يستطيع يوسف السباعي الذي لم يقرأ شيئًا من الفقه أو السنة أن يصور ذلك الملك الكريم ملك الموت الذي يقبض أرواح البشر؟ وكيف يتصور يوسف السباعي أنه يستطيع أن يصور هذا الملك الكريم على حقيقته من خلال رواية هزيلة ومن خلال سخريات خليعة، إن جهل يوسف السباعي بمفهوم الموت في الإسلام وموقف الإسلام من الملائكة هو الذي أورده هذا المورد الخطير، فهو يحاول أن يصور أمر الموت على أنه خبط عشواء وإن مع عزرائيل قائمة وأن فيها طبيبًا يموت قبل مريضه، وعروسًا قبل زواجها بينما يجد الشحاذ الضرير لا يزال حيًا بلا خوف.
والواقع أن حكمة ذلك كله لها مفهوم في تقدير الله تبارك وتعالى عز وجل لا يصل إليه يوسف السباعي إلا إذا فهم حكمة الخلق والوجود والموت، أما سيدنا عزرائيل فإنه ملك مكلف من قبل ربه تبارك وتعالى وما
هكذا يتناول الكتاب أو القصاص مثل هذه الأمور.
وهكذا يمضي يوسف السباعي في جرأة وسخرية وفساد رأي وعجز عن فهم الأمور ليكتب، وليكتب بعد ذلك عن كل شيء فيفتي في اللغة وهو يجهل كل شيء عنها كما يفتي في أمور الخلق والموت دون أن يجد من يقول له: قف عند حدك؛ ذلك لأن ظروفًا أخرى جعلت يوسف السباعي في موضع من صحافة ضعيفة عاجزة عن أن تضع كل كاتب في موضعه الصحيح (١).
* مصطفى أمين وإِشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإِشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة ويُسفّه مطلب تطبيق الشريعة ويسقط عمدًا من مذكوات سعد زغلول ١٥٠ صفحة عن تجربة سعد زغلول مع القمار:
- يقول مصطفى أمين: حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها ويظهر أن بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء، وقد يحدث هذا في أي مكان ولكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر (أخبار اليوم ٥ نوفمبر ١٩٧٧).
وهكذا يشهد مصطفى أمين على نفسه وعلى تلك المجموعة التي شكلها محمد التابعي في مجلة روزاليوسف لتحمل لواء هذه الدعوة وتتزعم تلك الصحافة التي تحرض المرأة على الخروج من القيم الدينية والأخلاقية وتدافع عن أمثال أم كلثوم وفاطمة رشدي وتحتفظ بأسماء أولئك الذين كشفت التحقيقات عن إدارتهن لبيوت الفساد، في مخطط واضح دقيق
.مستمر، وقد أشار بعضهم أكثر من مرة أن المرأة هي التي تشتري الجريدة من مصروف المنزل ولذلك فهم يؤيدونها، ولكن المرأة الرشيدة تعلم أن ما يدعونها إليه ليس هو في مصلحتها أو من أجل إسعادها، وما ترى المرأة سعادتها في عمل يحرمها من تربية أبنائها أو من سهرات تحول بينها وبين دين الحفاظ على وجودها الذاتي وكيانها وأسرتها.
* مصطفى أمين موجِه سياسة أخبار اليوم:
أخذ مصطفى أمين الخيط من روزاليوسف وآخر ساعة وجند التابعي عنده أما هو فكان صانع الإخراج والكاريكاتير وتوجيه سياسة الصحيفة وكانت أبرز قدرات مصطفى أمين:
أولاً: القدرة على تقديم الرأي وضده يهاجم حزبًا معينًا ولا مانع أن يكتب كاتب في نفس العدد يدافع عنه.
تانيًا: القدرة على وضع السموم في علب ملونة حلوة المظهر تخدع القراء.
ثالثًا: الاختباء وراء النغمة الوطنية أو نغمة مناجاة الله في سبيل تنفيذ الغرض الأكبر: الدفاع عن قيم الغرب وحضارته ودفع المرأة المسلمة إلى ما يسمونه آفاق المجد والعمل خروجًا عن الأسرة وتربية الأبناء.
رابعًا: القدرة على الدفاع عن الحاكم ثم القدرة على تدميره بعد سقوطه، وقد كتب مصطفى أمين ألوف المقالات عن فاروق تمجيدًا وتشريفًا وإعلاءً، ثم هدمه بعد ذلك وكشف عوراته، وكذلك فعل مع عبد الناصر، ولم يكن الهدف إلا أداء الرسالة الخاصة بتسميم قيم المجتمع في مسائل المرأة والأسرة، وفي ظاهر العمل الصحفي السياسي أن مصطفى أمين عمل مع أحزاب الأقليات ومع الملك ضد حزب الوفد لتحطيمه.
- وقد وصف مصطفى أمين (مجلة النداء إحدى صحف الوفد ٢٦/ ٢/١٩٥٢) بأنه كان يرأس تحرير مجلة أسبوعية مصورة وكان يوقع مقالات خفيفة مضحكة بإمضاء مستعار (مصمص) وعرف القراء مصمص الذي يضحكهم بالحديث عن البنت التي خربشته من تحت المائدة أمام الضيوف، ويضحكهم بالحديث عن بدانته التي تضايقه أثناء الرقص، ودفعه الطموح -على حد تعبير مجلة النداء- أن يرأس تحرير مجلة يكون هو صاحبها، والذين يشتغلون بالصحافة يعلمون أن إصدار جريدة ليس أمراً سهلاً، إن المال الكثير لا بد أن يتوفر ولم يكن مصطفى أمين يملك سوى قلمه وقلم شقيقه علي أمين، ولم يكن يملك مالاً عندما جمع أوراقه وغادر دار الهلال، اختلف مع أصحاب دار الهلال لأنه أراد أن يجعل من مجلة الإثنين مجلة تنطق بلسان حكومة السعديين.
وتحدثت الصحيفة عن الاجتماع الذي تم بين مصطفى وعلي والباشا حيث رسمت سياسة أخبار اليوم فيه وفي سرعة تم كل شيء، وبعد أيام صدرت أخبار اليوم واختاروا المادة الصحفية التي تثير انتباه الشعب، لماذا ساءت العلاقات بين القصر والنحاس باشا.
ومضت أخبار اليوم تلعب دورها، العمل على تحطيم الوفد، وإعطاء الفرصة لأحزاب الأقلية لكي تحكم مصر، كانت الأحاديث تدور وراء الكواليس تتضمن تفاصيل المؤامرة الكبرى، كان مصطفى أمين يصنع الأصنام ويعبدها ويحاول أن يجر الشعب معه ليسجد لتلك الأصنام، وأشارت النداء إلى تلك الأعداد التي صدرت بعد ٨ أكتوبر ١٩٥١ تلك الأحداث الوطنية، عدد آخر ساعة وصورة الغلاف هي لاستر وليامز لينسى الناس الاستعمار وهم يشاهدون غلاف آخر ساعة والأفخاذ العارية، وكان موقفه مع الاستعمار البريطاني واضحًا.
وهاجموا ما نشرته الصحف الوطنية حتى لقد قالت آخر ساعة العدد ٨٩٧ أن كثيرًا من الصحف جرفها التيار إلى نشر هذه القصص الخيالية والصحف حتى الآن ما تزال تبالغ، إن الأكاذيب والمبالغات لها نتيجة واحدة أنها تخدعنا نحن ولا تخدع أحدًا سوانا، وتعطي الناس فرصة للسخرية منها، هذه هي الصورة من وجهه نظر أخرى، وإذا كانت الأحزاب السياسية كلها شر ولها تاريخ أسود فإن مناصرة أحزاب الأقليات ومناصرة الملك فاروق تكون أشد سوءًا وشرًا، ولقد حاول مصطفى أمين أن يقلل من الحركة الوطنية التي قامت في الإسماعيلية لمقاومة الإنجليز، ولم يلبث النظام الملكي أن سقط وسرعان ما اندمج مصطفى أمين مع حركة الجيش وبدأ يكتشف سوءات العهد الملكي، وسرعان ما أودعته حركة الجيش السجن في يوليو ١٩٦٥، فقد اتهم مصطفى أمين وجاء في قرار الاتهام بأنه تخابر مع أشخاص يعملون لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بالمركز الحربي والسياسي والاقتصادي للدولة، وذلك بأن اتفق مع أشخاص فيعملون لصالح دولة أجنبية على أن يمدهم بمعلومات وأخبار عن القوات المسلحة العربية والأوضاع السياسية والاقتصادية للدولة في الداخل والخارج، وسلم لشخص يعمل لمصلحة دولة أجنبية أسرارًا خاصة بالدفاع عن البلاد واشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع أجنبي مقيم في مصر في التعامل بالنقد المصري.
ومهما قيل من بعد أن الاتهام جاء بعد أن وقع الخلاف بين عبد الناصر ومصطفى أمين حول أسلوب العمل السياسي الذي كان يقوم به الأخير بتكليف من الأول، وقد جاء ذلك بعد أن اختلف عبد الناصر مع الأمريكيين وإن كان مثل هذا الاتهام قد وجه أيضًا إلى محمد حسنين هيكل، وإن كان مصطفى أمين لم يكشف أهدافه في وضوح غير مرة واحدة فإن ما قاله إذ ذاك يكفي لكي يضيء لنا طريق حياته ووقائعها كاتب مصطفى أمين في مجلة
الإثنين (١٥ مارس ١٩٤٣) تحت عنوان الأهداف التي ستعمل مصر لها بعد الاستقلال.
- وقد جعل من أهدافه التي سيعنى بها ويقود لها الرأي العام بعد الحرب أن يحارب التعصب الديني وأن يجدد الأزهر وأن ينادي بتحرير المرأة قلبيًا؛ لأن الحب الطاهر لا يزال جريمة يعاقب عليها المجتمع، والمجتمع المصري إلى اليوم مجتمع لا روح فيه؛ لأنه خال من المرأة، والشباب المصري لا شخصية له؛ لأنه ليس في حياته امرأة ومن أهدافه أن يشجع المرأة على المطالبة بحقوقها السياسية وتولى الوظائف وأن ترث كما يرث الرجل تمامًا وأن يدعوا إلى اتحاد شرقي (لا اتحاد إسلامي بهذا النص) على نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الصورة التي كانت تجول في ذهن مصطفى أمين تكشف الأهداف التي ظلت كامنة وراء عمله الصحفي كله، إشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة، ومن وراء هذا المعنى يقف هدف الصحافة الأكبر الإثارة والجنس.
كما تحدث الكثيرون عن السر في انتشار أخبار اليوم، فقد أشار أحد كتابها إلى هذا المعنى حين قال: (كان لنفوذها في الدوائر البريطانية، والأمريكية أثره في تقديم أخبار جديدة لفتت الأنظار وشدت القراء إليها واستطاعت هي في هذا الوقت ومن خلال هذا الولاء السياسي - خدمة الأهداف الكبرى).
- نعم: لقد استطاع مصطفى أمين بنفوذه الضخم في الدوائر السياسية الأجنبية والداخلية أن يحقق أهدافًا سنة ١٩٤٣ على رأسها تحوير المرأة قلبيًا حين كانت ترسم الخطط خلال الحرب العالية لرسم خريطة جديدة للمجتمع العربي والإسلامي.
ولقد كان المدى بعيدًا عام ١٩٤٣ حين رسم مصطفى أمين مخططه هذا وبين ما كتبه عام ١٩٧٩، يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد؛ فإن موجة الكفر والإلحاد هي المسئولة عن استهتار بعض شباب العالم بالمثل العليا وضعف المستوى الخلقي وانتشار الجرائم والمخدرات بين الذين سيتسلمون مصير العالم بعد سنوات.
وليست هذه الدعوة الجديدة نتيجة لتغيير في الخطط وإن كانت نتيجة لتغيير في الأسلوب، فما زال مصطفى أمين بالرغم من كتاباته المملوءة بعبارات الحنان مؤمنًا بكل الأهداف وما زال ينتفض إذا جاء خبر بأن امرأة ما تولت عملاً جديدًا حتى لو كانت كناسة في شوارع موسكو، وما زال مصطفى أمين يضرب أمثلة البطولة والنجاح واحتمال الجهد في سبيل الشهرة بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وما زال يؤكد أنه حضر ثورة ١٩١٩ مع أنه ولد عام ١٩١٦، ولقد كان خليقًا بالسجن الذي آوى إليه تسعة أعوام أن يدفعه لأن يغير خطته إلى خدمة القيم العليا للحياة الإنسانية ولكنه لم يفعل بل خرج من السجن ليكتب قصصًا جنسية أشد عنفًا مما كان يكتب من قبل ويؤكد مفاهيمه السابقة ويصر عليها، إن كتابات مصطفى أمين تقف في قوة في وجه الشيوعية ولكنها تخدم الديمقراطية الغربية، والكتابات الأخيرة بعد السجن تكشف عن ظاهرة عميقة الدلالة هي "الجنس الصارخ"ونحن ندهش كيف يمكن أن يحدث ذلك بعد ارتفاع السن وكيف يجمع المتناقضات بين قصة جنسية وعمود (فكرة) بما يحمل من اتجاه إلى الله أحيانًا ودعوة إلى الخير (وفي عدد ٦ يوليو ١٩٧٤ يكتب علي أمين أيضًا عن الجنس والرقص) وكيف يمكن إقناع القارئ بهذا التناقض ولكن الذي يفهمه الناس جميعًا أن كلمات (فكرة) خدعة ومصيدة لتضليل القارئ عن مؤازرة الكاتب لهذا الاتجاه الواضح الظهور اليوم في الصحافة الأمريكية والذي تدفع إليه الصهيونية وهو
الإباحية، ونحن نأسف لأن الصحافة الأمريكية تصدر الإباحية والصحافة السوفيتية تصدر الإلحاد ونحن بينهما في طاحونة شديدة؛ لماذا لا تعطي هذه التجربة الخطيرة بالسجن تسع سنوات فوصة لمراجعة العمل والحياة، ولماذا لا تعطي إحساسًا حقيقيًا بالعودة إلى الله يتمثل لا في جمع القروش لليلة القدر ولا في الكلمات البراقة، ولكن في التوجه الحقيقي لشخصية لها وزنها وثقلها في عالم الصحافة إلى العمل الخالص، وكفى ذلك التاريخ الطويل السابق، وتلك المحاولة الخطيرة المتصلة التي حملت لواءها الصحافة العربية في العصر الحديث للعمل على إفساد القيم الأخلاقية والدينية، لقد جاء السجن ضربة قوية لإيقاظ النفس، ثم جاءت العودة إلى المكانة الصحفية حجة عليكم من الله تبارك وتعالى حتى يعلم الناس العبرة، والواقع أن الله تبارك وتعالى سبحانه وليس أحد غيره هو الذي وضعكم موضع العقوبة ثم هو الذي عفا عنكم وأعادكم إلى العمل ورد لكم اعتباركم وهو قادر على أن يعيدكم إلى عقاب أشد "ولعذاب الآخرة أشق"فليعلم مصطفى أمين أنه موضع رقابة شديدة من الله وأنه على حافة خطر عظيم.
- ولقد كتب مصطفى أمين يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد فما هو العمل الذي قدمه حقيقة في هذا الميدان، هل حاول أن يقدم القصة الأخلاقية والكلمة الكريمة، هل حاول أن يخفف من هذه السموم المبثوثة في صفحات الجريمة والرياضة والمرأة، هل فتح بابًا جديدًا لزرع الإيمان في النفوس وإعادة الإيمان إلى الصدور، أم هي ألفاظ وكلمات خادعة مضللة يحملها عمود لتكون "تغطية"على ذلك الركام الشديد السواد الذي ما تزال تقدمه الصحافة.
إن اللمسة الإنسانية في تبنى قضايا المظلومين وتحقيق رغبات المحرومين في ليلة القدر لا تكفي، إذ أن التغيير يتطلب الوصول إلى أعماق النفس، إن
الدور الذي يشيدون به له في الصحافة هو دور مادي: رفع المرتبات، إدخال فنون جديدة للإخراج، إغراء القراء بالصحيفة عن طريق دغدغة أهوائهم وتقديم مزيد من المرغبات والمثيرات للقارئ، هذا شيء لا يمكن أن يتم إلا على حساب القيم الأساسية للدين والخلق لهذه الأمة.
- وقد علق أحد الكتاب على مدرسة مصطفى أمين، فقال (١):
أولاً: إن مقياس النجاح عند مصطفى أمين هو الإيراد الذي تحققه الجريدة من الإعلانات والتوزيع، وإيراد الإعلانات يضع صاحبه في الخدمة المباشرة للشركات الأجنبية والرأسمالية، وبذلك ظلت صحافة مصطفى أمين قبل يوليو ١٩٥٢ مخلصة للاستعمار والرأي وأحزاب الأقلية وكبار الرأسماليين.
ثانيًا: صفحات أخبار اليوم تطفح بالإثارة المفتعلة والأخبار الكاذبة والصور العارية والتحقيقات التي تهدف إلى جذب أنظار الناس عن الأحداث الجارية.
ثالثًا: كثيرًا ما صدرت أخبار اليوم بمانشيتات مبتذلة في وقت كانت تتفجر فيه أحداث وطنية وأحداث عامة، وكثيرًا ما أسدلت الصورة العارية والفضائح الشخصية ستارًا من الإثارة على موضوعات هامة وحيوية.
ولا ريب أن تحكيم الإعلان في الصحافة من أكبر أخطار الصحافة ومن أشدها خطرًا الإعلانات المكتوبة على هيئة مقالات.
غير أن أسلوب تقديم الأخبار على النحو الذي ابتكره مصطفى أمين يعمل على: تفتيت الأحداث بدلاً من إعطاء الظاهرة الأساسية الكبرى وراء تجميعها في منطلق واحد، وضآلة القدر المعطى للأصالة والإسلاميات وضياع هذا
.القدر وسط البرامج المختلفة، بل وفساد مضمونه الأساسي، وقد وصف أحدهم مدرسة مصطفى أمين بأنها مدرسة الرجل الذي عض كلبًا، أي أنها تقدم الإثارة الحقيقية ولا سيما في توافه الأمور التي تروق للبسطاء.
ومن الناحية التاريخية فلحساب الولاء لسعد زغلول غيرت أخبار اليوم حقائق كثيرة وفي مقدمتها تشويه مذكرات محمد فريد بالإضافة إليها والحذف منها (عام ١٩٦٤) وقد نقلت من مذكرات سعد زغلول ما تحاول تكذيب وقائع محمد فريد، فهي تؤيد سعد زغلول على طول الخط، وسعد عدو ومخالف لمحمد فريد، وقد حاول فريد كشف خططه، بل إن مصطفى أمين أخفى أخطر ما في مذكرات سعد زغلول عندما نشرها في الأخبار، أخفى ١٥٠ صفحة منها عن تجربة سعد زغلول مع القمار.
- ولعل أسمى ما تطمح إليه الأمة في هذا العصر هو تطبيق الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فإننا نجد مصطفى أمين يسفه هذا المطلب ويقول أن حضارة مصر عمرها سبعة آلاف سنة، ولا يمكن أن تعود القهقرى إلى الخلف وهو يعرف أن تطبيق الشريعة هو المنطلق الوحيد لهزيمة صحافة الإثارة وهو الخطر المترصد بهذه الكوكبة الضالة.
* التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهم يحملون لواء الدفاع عن الراقصات والمغنيات والممثلات:
حمل التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهما لواء الدفاع عن هذا الصنف من الناس، وأغروا كثيرًا من المخرجين والعاملين في حقل السينما بتصوير حياة الراقصات وتقديمها على أنها بطولات تاريخية وصفحات من حياة أولئك الذين قدموا تلك الصفحات المظلمة من العلاقات غير المشروعة بين العاشقين والسكارى والندامى، وحفلت الصحف بالدعاية لهذا اللون من الأفلام،
وجاءت أفلام خطيرة الأسم وخطيرة المضمون: امرأة لكل رجل، المرأة الخائنة.
وكان حقًا علينا أن نتساءل: لماذا هذا الاهتمام بتصوير حياة الراقصات وما يعشن فيه من ابتذال وفحش بين النوادي الليلية والصالونات، ولا ريب أن تصوير هذه الحياة يؤذي النظر ويخدش الأذن ويعطى مثلاً بالغًا غاية السوء للشباب والفتيات ولا يشفع في هذا أنه تاريخ وأنه تصوير حادثة حقيقية فليس كل التاريخ مما يكتب ويروى ويجسد، وليست كل الحقائق تقال، وإلا فهل يجوز مثلاً تصوير ما يجرى في البيوت سيئة السمعة من عبارات وألفاظ وحركات ويعتذر عنها بأنها حقيقة واقعة من الحقائق الواقعة في المجتمع وفي الحياة.
وكان حقًّا على الصحافة العربية التي تحمل أمانة الأداء للعرب والمسلمين أن تتساءل: لماذا هذه الأفلام وما مدى خطورة الجانب الأخلاقي وجانب القدوة السيئة للشباب، وهل بمثل هذه الأفلام يمكن تدعيم المجتمع، ثم كيف تفتح أمام الشباب أبواب الضياع والسلبية وهي تقدم لهم زادًا أقل ما يقال فيه أنه دعوة صريحة إلى الفساد.
وهل ترى لا بد أن نعيد للأذهان أسوأ ما كان يجرى منذ الثلاثينيات والأربعينات مع أنه كان في هذه الفترة صور حقيقية من البطولة والكفاح والنضال في سبيل نيل الحرية ومناومة الغاصب.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك محاولة تحويل الرقص بخلفياته المعروفة، ووجوهه الكريهة، وطوابعه الإباحية والمخمورة، والفاسدة إلى مثل عليا وقيم مع اللعب بالألفاظ وخداع السذج على النحو الذي يكتبه دكتور وعميد كلية عن ابنته الراقصة (١)١) هي الراقصة فريدة فهمي حيث يقول تلك العبارات الضالة: "
نرقص بشكل أو بآخر، ولكنها وحدها تتخطى الجسد وتتجاوز الإيقاع لتصبح وحدها إيقاعًا مميزًا".
وهذه هي محاولات الخداع في اتخاذ الأسلوب الأدبي والعبارات البراقة مدخلاً إلى إغراء الشباب الصغير قليل الثقافة، ولقد كان حقًا على هؤلاء المضللين أن يسموا هذه العائلة بالعائلة (المقدسة) وأن يسموا الرقص (ثقافة) وأن يسموا الفن (خالدًا)، وأن يؤلف عن ذلك الكتب وتدبج الصفحات وتقدم الصحافة العربية ذلك كله في إعجاب وتقدير.
* أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر:
دخل مصطفى أمين في الحلقة السابعة من العمر ومع ذلك يتخذ أسلوب القصة الجنسية المكشوفة إطارًا لوضع سمومه وأهوائه؛ وأبرز ذلك كتاباته بعد خروجه من السجن "سنة أولى حب"وغيرها.
ولما توفي سيد كراوية أشهر عازف طبلة في مصر، والذي عمل مع جميع راقصات مصر الشهيرات، أعلن مصطفى أمين أنه لو كان له ولد لعلّمه ليكون عازف طبلة تقديرًا للدخل الكبير، والمقاييس عنده مادية، هذا عرّاب صحيفة أخبار اليوم.
إِذا كان الغراب دليل قوم ... يمرّ بهم على جيف الكلاب
* زكي عبد القادر على درب مصطفى أمين والتابعي من قبله:
دعا زكي عبد القادر إلى نظرية تحديد النسل، وكتب الكثير عن الجنس والإباحية وعن تكريم الراقصات والمغنيات والممثلات وإعلاء شأنهن وتقديس المسرح، جسّم الجنس وكتب القصص الغريبة وهو فوق الستين من عمره بلا أدنى وازع من حياء، وقدّم نماذج مضطربة لا يجوز لرجل مثله أن يطرحها بهذه الصورة العارية؛ لأنها تؤدي إلى إحداث آثار خطيرة في نفوس الفتيات،
وكان الأولى ألا يتوسع في تصوير الإثم والخطأ والفساد، وأن يتوسع في التحليل وبيان الأخطاء التي ترجع في مصدرها إلى سوء التربية وغيرها.
- ومن ذلك قصة فتاة يصورها على أنها متطلعة دائمًا إلى الرجال وأنها مغرمة بالعبث بهم وإيقاعهم في حبائلها؛ وأنها لا تعرف الحب مع ذلك، وهي تصلي وتفعل الخير، ولكنها تعمل دائمًا على اقتحام عالم جديد للبحث عن اللهو والتسلية والعبث بالناس، ويمضي زكي عبد القادر في التوسع على أعمدة أربعة في تصوير خواطرها المسمومة، وهو يعنى بأن يقدم هذه الخواطر دون أن يعلق عليها ولو كان يريد حقيقة أن يهدي إلى الرشاد؛ ولكنه لا يفعل شيئًا تجاه ذلك، ولا يصور خطأها وانحرافها، وكأنما هو معجب به راض عنه وهو في السبعين من العمر يهدهد هذه الغرائز ويزيدها اشتعالاً في نفوس أناس ربما كانوا يثقون في كتاباته، ويضعونه في قائمة أخرى غير قائمة أنيس منصور ويوسف إدريس وغيرهم، وفي أكثر من كلمة يتكشف اهتزاز القيم الإسلامية الأصيلة في نفس الكاتب، ولو كان مؤمنًا بها لكان حاسمًا في معالجة القضايا التي يتعرض لها ولما شغف بين آن وآخر بتقديم هذه القصص الإباحية، ولست أدري لماذا يهتم بأن يقول أنها فتاة لها أنوثة طاغية، وأنها نشأت دون رعاية أو رقابة وأنها فتاة مغرورة ليس لها قدر من ثقافة وإيمان تجري مع الأهواء، لماذا الاهتمام بمثل هذه الرسائل وقد نشر منها العشرات في سياق ما كان ينشره من كلمات يتحدث فيها عن الخلق والفضيلة.
هل هذا هو واجب الصحفي صاحب القلم، وهل هذه هي رسالته، الإلحاح على صور الفساد دون أن يقدم العلاج والتوسع في رسم صور الإباحة والوقوف عند ذلك دون أن يحلله أو يظهر خطأه أو يوجه أهله إلى الخير، لماذا الاهتمام بمثل هذه التي وصفها بأنها شيطانة تضج منها الشياطين (أخبار ١٢/ ٣/١٩٧٨)، وهي تكذب حين تقول أنها تصلي أو تعرف الإيمان
أو الصحف الذي في حقيبتها أو أنها حجت وطافت بالكعبة، ثم هي تخاف أن يقع ابنها أو زوجها على هفواتها ومن التبجح أن يقول أنها تعتقد أن السماء تحفظها ولن تتخلى عنها وأن الله يغفر لها ويحفظ سرها، مع أنها لم تزمع التوبة.
- هذا الكلام يراد به تخفيف الجريمة في نظر أصحابها، والتهوين من شأنها وهي محاولة خطيرة في نشر الفساد؛ فإن للتوبة شروطها فإن ستر الله ورحمته لا يكون مع الضالين المفسدين، ولكن مع المؤمنين أو التائبين الذين يستنكرون صفحاتهم السوداء المظلمة ولا يعلنون بها، إن هذه هي محاولة خطيرة في وضع وقائع زائفة في صورة القصة وهي أسوأ ما تقوم به الصحافة في العصر الحديث.
* دعوة زكي عبد القادر إِلى ترك كل القيم والحدود التي رسمها الدين في سبيل الخضوع للعصر:
- قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة":
- يقول زكي عبد القادر (١/ ١١/١٩٧٨): "العالم كله مضطرب ومتلعثم في الأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع وهو مضطرب في العلاقات بين الأفراد والعلاقات بين الطبقات، أنظر إلى الصداقة والحب والكراهية، أنظر إلى الزواج والعلاقات الأسرية بين الزوج وزوجه، بين الآباء والأمهات، أنظر إلى مفهوم الأخلاق والسلوك، ألا ترى أنه يتميع ويتداخل، انظر إلى الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، وانظر إلى علاقة الفرد بالدولة بالمجتمع، وأنظر إلى مفهوم الحرية ألا ترى أنه متميع ومتداخل ومتشابك ... ".
- هذا الكلام ماذا يخدم، لماذا إثارة الشكوك حول كل شيء؟ وما هو
العلاج؟، لماذا لم يقدم الكاتب للناس العلاج، إن هذا الأسلوب هو أسلوب الماسونية التي تتقنع الآن تحت اسم (الروتاري) وهو مفهوم الصهيونية التلمودية، هذه الدعوة المدمرة إلى إثارة الشبهات وترك الناس بدون حلول.
- ومن أخطاء زكي عبد القادر قوله بأن تربية الأبناء الصحيحة وإعدادهم الإعداد الكامل، هو محاولة لصب هؤلاء الأبناء في قوالب الآباء وإلزام لهم بمنهج التفكير والتصور الذي نشأوا عليه وأنهم بذلك يقضون على شخصياتهم ويطعنون الإلهام والفتوة والقدرة فيهم من قال هذا! إن زكي عبد القادر يريد أن يتابع ذلك اليهودي الذي استشهد به والذي قال أن ابنه له الحق في أن يعرب عن رأية بحرية ولو خالف وجهة نظره هو.
والحق أن هذه محاولة للاتهام بأن هذا الأسلوب صحيح والواقع أنها محاولة لإقرار مفهوم مضلل وافد، ولا ريب أن إثارة مثل هذه الملاحظات وترديدها إنما يوحي بالهدف الذي يرمى إليه زكي عبد القادر وهو متابعة منهج الماسونية الذي يقول مثل هذا.
- ويكتب زكي عبد القادر تحت عنوان "الانفصال عن العصر"في دعوة مسمومة لترك كل القيم والحدود والضوابط التي رسمتها الأديان في سبيل الخضوع للعصر، وهذا ليس إلا مغالطة واضحة للحقائق الأساسية التي يقوم عليها بناء الأمم من أخلاق وقيم وعقائد، وأن هذا الكلام يعني ما يقوله الماركسيون والماديون والوثنيون من إخضاع الأخلاق والقيم للمجتمعات والعصر، ويتعرض زكي عبد القادر لعلاقات المرأة بالرجل والزواج والجنس وأزمة الشباب والجريمة وهو يقصد في هذا أن تتحرر هذه العلاقات من ضوابطها الحقيقية، ويقال هذا ويردد في أفق المجتمع الإسلامي وفي الصحافة العربية بهدف واضح هو تدمير المجتمعات خدمة للماسونية، وإن كان يقال في حرص شديد ومكر شديد أيضًا.
* زكي عبد القادر على درب الباطنية:
ْويذهب زكي عبد القادر إلى ترديد كلام الباطنية حين يقول أن الله في داخل الإنسان، وأن في كل فرد جزءًا إلهيًا، ولا يعرف الإسلام هذه العبارات بل هي من نتاج الهندوس والفراعنة والمسيحية، أما المسلمون فإنهم ينزهون ذات الله العليا عن التلبس بالمادة سموا بها عن المماثلة وأن الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه "ليس كمثله شيء".
* أحمد بهاء الدين الماركسي يقول: إِن تشريعات الإِسلام لا تلزم عصرنا ومجتمعنا:
وقد وقعت مجموعة جريدة الأهرام (هيكل، لويس عوض، توفيق الحكيم، حسين فوزي، نجيب محفوظ، أحمد بهاء) في المرحلة الناصرية في مواجهة الدعوة لاتخاذ الإسلام أساسًا لقيام نهضة حضارية عصرية في البلاد العربية تكون هي منطلق نداءات الوحدة والتضامن، مع بروز الطابع اليساري الماركسي العلماني الذي كشفته الندوات ورفض التيار المطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وجعلها أساسًا لقيام مفهوم جامع للأمة العربية الماركسية والرأسمالية على أي انتماء أصيل، وكانت روح الحقد والكراهية للإسلام واضحة في مختلف الكتابات فضلاً عن محاربتهم للمجلات الإسلامية والعربية والدعوة إلى إيقافها (الرسالة والثقافة)، وكان طابع العمل الصحفي واضحًا في عبارات محددة كتبها أحمد بهاء الدين كأنما هي دستور للصحافة العربية في هذه المرحلة.
- قال أحمد بهاء الدين: لا بد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيدًا عن اللف والدوران، وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير، أما ما
جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا.
وكانت هذه صيحة تلك المرحلة والعلامة البارزة التي سبقتها النكبة ولحقتها النكسة، وهي ليست صيحة دعاة الحضارة الغربية ولا الاستعمار وإنما هي كلمة كل أعداء هذه الأمة، ماركسيين وصهيونيين وغربيين، ذلك القول المردود بكل دليل، القول الباطل بأن الإسلام لا علاقة له بحياة المجتمع ولا تنظيمه ولا دخل له في التشريع ولا في الأحكام والعمل على إبعاد القرآن والسنة وكل ما جاء به الرسول من عند الله عن حياتنا الاجتماعية والسياسية على أن يبقى فقط وازعًا خلقيًا، وهذا ما يسمى بتمسيح الإسلام وهي صيحة كرومر وطه حسين وماركس وسارتر وكل أعداء الإسلام، ولقد كان الماركسيون جميعًا يحملون هذه الدعوى، ويعتقدون أن ماركسيتهم هي وحدها علاج المجتمعات الإسلامية فإذا بهم داؤها وشرها وعلى أيديهم وفي ظل نفوذهم جاءت الضربة القاسمة للأمة العربية في نكسة ١٩٦٧، ومن الطبيعي أن تكون دعوتهم إلى إبعاد الإسلام لتحل محله الماركسية ولما وجدوا الهزيمة في دعواهم تراجعوا فطالبوا المصالحة بين الإسلام والماركسية من حيث يرون أن الإسلام دين لاهوتى يقوم على مسألة وازع الضمير، وتجعل للماركسية وظيفة الحياة وتنظيماتها، وكان هذا من الأهواء الكاذبة فإن الإسلام بوصفه دينًا ربانيًا سماويًا لا يقبل المشاركة ولا المقارنة ولا أن يصبح مبررًا لدعوات أو حضارات سواء الديمقراطية الغربية أو الماركسية الشيوعية، وإنما هو نظام أصيل له ذاتيته الخاصة، وهو دين ونظام مجتمع في نفس الوقت، وقد قدم منهجًا جامعًا ونظامًا للحياة والمجتمع لن تستطيع أن تلحقه الديمقراطية ولا الماركسية.
* أحمد بهاء الدين والهجوم على الشيخ محمد أبي زهرة والمباهاة بانحراف الإِعلام في مسألة المرأة:
حملت الصحافة حملة شعواء على العلماء الذين قدموا حكم الإسلام في المرأة في مواجهة سمومهم وأضاليلهم، وفي مقدمة هؤلاء محمد أبو زهرة، ومحمد الغزالي فحمل أحمد بهاء الدين على الشيخ أبو زهرة وحمل موسى صبري على الشيخ الغزالي.
- يقول بهاء الدين: إن بعض رجال الدين يريدون أن يحتكروا تفسير الدين، وبالتالي يحتكروا تفسير الحياة، ووصف عقولهم بأنها متحجرة في أغلب الأحيان لأنهم عاشوا حياتهم العقلية أسرى بين جدران كتب محددة ووصف معارضة الشيخ أبو زهرة للمفاهيم الماركسية المنحرفة في شأن المرأة بأنها مطالبة بموت هذه الأمة.
ويباهي بهاء الدين بانحراف الصحافة والإعلام في مسألة المرأة، فيقول إن التليفزيون يذيع ساعات طويلة من التمثيليات التي تشترك فيها النساء والأغاني التي تغنيها المطربات والدولة ترسل بعثات من الفتيات إلى الخارج، وإن البنت تذهب بمفردها إلى أوربا، وإن في الأندية الرياضية آلافًا من الفتيات يقدمن التمرينات والألعاب والاستعراضات.
ونحن نقول للكاتب: وهل يكون هذا الانحراف عن المفهوم الأصيل لعمل المرأة ومهمتها وأوضاعها حجة على الإسلام نفسه؟ إن المجتمعات قد تنحرف وقد تتحرى الصواب ولكن مفهوم الإسلام يبقى فوق كل اعتبار، هو الحق الذي لا مرية فيه، ومهما كثر الانحراف؛ فإنه هو الكلمة الأخيرة التي يجب على المجتمعات بعد أن تجرب وتنحرف أن تجد نفسها ولا سبيل لها إلا العودة إلى حدود الله.
إن هذه الصورة التي يعرضها الكاتب هي حجة عليه، وهي علامة على الانحراف وليست دليلاً على الأصالة أو على الطريق الصحيح، إن من وراء هذا كله بيوتًا مضطربة ونفوسًا مضطربة أيضًا، ولن يصلح أمر هذا المجتمع إلا بعودته إلى الأوضاع الطبيعية من حيث أن تصبح المرأة مسئولة عن بيتها وزوجها وأطفالها، ونحن نعلم أن وراء هذه الاتجاهات ضحايا كثيرة ومآسٍ عسيرة وإحساسًا يملأ النفوس بأن هذا الطريق ليس هو الصحيح.
- وأخيرًا: انظر إلى استخفاف أحمد بهاء الدين وسوء أدبه يكتب مقالاً له بعنوان "الله يقيم أوكازيونًا في ليلة القدر"وقد ردّ عليه الأستاذ أحمد أمين في جريدة الأخبار في عددها ٩٤٧٤ بتاريخ (٢٢/ ١٢/١٩٨٢) وقد قامت القيامة على الأستاذ أحمد زين حين ردّ على هذا المنحلّ دينيًا وقالوا هذه حرب الرأي وحرية الفكر لا نريد رجال الكنيسة مرة أخرى.
* موسى صبري وفجوره وعشيقاته:
وموسى صبرهم يعوى جهارًا ... يسبُّ الحبر يهجو المسلمينا
يهاجم موسى صبري (أخبار اليوم) الشيخ محمد الغزالي؛ لأنه أثار ضجة حول المرأة في اجتماعات المؤتمر الوطني (١٩٦٢) يقول: يرى الشيخ الغزالي أن الرجل والمرأة سواء في جميع الفضائل والتعاليم الدينية، ومن حق المرأة أن تعمل في التجارة وتعمل مدرسة وطبيبة وممرضة ولا مانع من اشتغالها محامية، ولكنه يرى استحالة مساواة المرأة بالرجل في الوظائف وتولي المناصب القيادية، فالرجال قوامون على النساء بحكم الطبيعة والدين الذي جعل حق الإنفاق وقيادة الأسرة للرجل وشهادة الرجل وميراثه كشهادة وميراث امرأتين، أما مساواة الرجل في الوظائف فإني اكتفي فيها بشهادة ديوان الموظفين عن مدى صلاحية المرأة للتوظيف قبل وبعد الزواج، وهي لا
تصلح للمناصب الرئيسية، ويهاجم موسى صبري هذه الآراء ويصف الشيخ محمد الغزالي بأنه عدو جديد للمرأة، ولا ريب أن موسى صبري يعد متطفلاً في هذه المسألة فإن القضية تتعلق بالمرأة المسلمة لا بالمرأة بصفة عامة، وهو والله للمرأة كالذئب للشاة، وأخباره الماجنة مع عشيقاته تزكم الأنوف وسارت بها الركبان، وسلوا فنادق أوربا تخبرك بإثمه وفجوره ودنسه ... أما موقفه من الشباب المؤمن الملتزم بدينه فمعروف.
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا ... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
- "يتحدث موسى صبري عن حرية الحب في السويد، وينقل إلينا الصورة مع اختلاف البيئة والزمن والدين والتقاليد والقيم الاجتماعية، ويقصد بحرية الحب حرية الجنس، ويفيض في الحديث عن التجربة التي تعلم الجنس للفتيات في سن مبكرة واعتبار الجنس متعة كالطعام والملابس، ويردد عبارات أساطين الجنس والانحلال فيقول: إن ما يباح للشاب يجب أن يباح للفتاة، وأن أحدهم يقول أنه يحترم العلاقة الشاذة بين أخته وصديقها وإنها مسئولة عن نفسها تمامًا.
ولا يتردد موسى صبري أن ينقل لأبنائنا تلك السموم التي ترددها كتابات دعاة التحلل وتدمير المجتمعات كأنما هي "التصريح الذي يؤهلهم لتسلم مراكز القيادة في الصحف"ويتساءل موسى صبري: ماذا تفعل الفتاة إذا أصبحت أمّا بغير زوج؟ والجواب: هو إما أن تتخلص من جنينها، أو أن الدولة كفيلة برعايته، والابن غير الشرعي له تقدير في نظر المجتمع وهكذا نجد أن الصحافة تنقل لنا سموم المجتمع الغربي لا بقصد تفسيره في ضوء مجتمعاتنا ولا من أجل تبريره والدفاع عنه بل لهدف أخطر وأشد خطراً هو أن تصبح مجتمعاتنا منقادة لهذه الأعراف الفاسدة الضالة وقابلة لها وهم يضعون بين يدي المنحلين والفاسدين العبارات والوسائل والدفوع التي
يتذرعون بها في دعواهم وفي محاولاتهم لخداع الفتيات واغتصاب البريئات.
- "الابن غير الشرعي له كل تقدير في نظر المجتمع"هذه العبارة لا ترمي إلا إلى أن تهدم مقومات هذا المجتمع المسلم الذي يقوم على أساس حماية العرض وإنكار الزنا، وتقوم شريعته الإسلامية على أساس الضرب على أيدي المفسدين بالجلد والتنكيل.
ثم يصور لنا موسى صبري كيف أن هذه الدول التي يصل الدخل القومي فيها إلى أعلى مستوى في العالم يقوم شبابها على أساس إدمان المخدرات والخمور وأن عشر الذين يصلون إلى سن البلوغ في السويد يتعرضون لاضطرابات عقلية تلازم أمراضهم الجسدية، ألا يكفي هذا في نظر الكاتب صاحب الأمانة لوطنه وقومه أن يتوجه إليهم بالحديث على نحو آخر.
ولكن هذه هي الصحافة ورسالتها كما فهمها هذا الجيل، وهي التي وصلت بهذه الأمة إلى الهزيمة والنكبة والنكسة.
* محمد عودة الماركسي يثني على علاقة سيمون في بوفوار مع عشيقها سارتر ويقول إن الثورة الاشتراكية ثورة في العلاقة بين الرجل والمرأة:
تهتم الصحافة اليومية بتقديم النماذج الفاسدة المنتقاة من جميع صحف العالم، وتعنى بالمرأة الآبقة (سيمون دي بوفوار) وتردد كثيرًا مقالتها وآراءها في الهجوم على العفة والأخلاق والقوامة.
وقد أولتها اهتمامًا خطيرًا أثناء زيارتها لمصر مع جون بول سارتر وحاولت أن تصور هذه العلاقة بأنها أعلى وأكبر وأجل من علاقة الزواج من حيث إن سيمون ليست زوجة شرعية لسارتر ولكنها محظية، ولقد نشرت الصحف فخرها بهذه العلاقة، واهتمت بتصويرها وإعلاء شأنها، مع أن
تحسين هذه العلاقة يرمز إلى احتقار مفهوم الزوجية الشرعي، ويدمر مفهوم علاقة الرجل بالمرأة في وضعها الطبيعي ومن الأسف أن اهتمت الصحف بعباراتها التي قالت عنها أنها تدعو إلى تحطيم قوامة الرجل وأي وصاية من الرجل على المرأة.
- ويصور هذا المعنى تصويرًا مسمومًا الكاتب الماركسي محمد عودة (الجمهورية ١٩/ ١/١٩٦٧) فيقول:
"هي علاقة قد لا يفهمها البعض عندنا بمقاييسنا الشرقية وذلك كما لا يفهمها أيضًا البعض في أوربا المحافظة، ولكنها إحدى العلاقات التاريخية التي تقوم على أعمق وأصدق ما تقوم عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، وقد أغنت الحياة الأدبية والعاطفية للعصر كله، وهي علاقة لا بد أن يفهمها ويستشعرها شبابنا وفتياتنا لأن الثورة الاشتراكية هي أيضًا ثورة في أعم علاقة إنسانية وهي العلاقة بين الرجل والمرأة".
وهذه العبارات المسمومة لا تعني أكثر من قلب للمفاهيم الأصيلة التي يعرفها الناس جميعًا عن العلاقات الشرعية بين المرأة والرجل حسبما أحل الله ذلك وأن كل علاقة غير هذه، أو من هذا النوع الذي يجهر به سارتر وسيمون هو نوع من الدعارة والزنا والفساد الذي لا يقره عرف ولا شرع، والذي لا يرضى عنه أي دين أو أي مذهب، أو أي نحلة فحين يحاول أمثال محم
...