Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-10

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
 

وانظر إلى كلامه عن العلم والقدرة. والواقع أن إقبالاً قد حار في كلامه هذا حيرة الفلاسفة والمتصوفة.

* وحدة الوجود ووحدة الشهود:
لقد تضاربت آراء دارسي فكر إقبال حول موقفه من فكرة وحدة الوجود. فمنهم من رأى أنه ظل معتقدًا بها طوال حياته، ومن بين من قال بذلك تلميذ إقبال وشارح دواوينه الأستاذ يوسف سليم جشتي، ومنهم من رأى أنه كان يعتقد بها في أول عهده، ثم رفضها وندد بها حين رتب منظومة "الأسرار والرموز"بعد رجوعه من أوربا، وذلك رأي معظم الكتاب عن فكر إقبال ومن بين من رأى ذلك الدكتور سيد عبد الله وخليفة عبد الحكيم والدكتور ظ. الأنصاري (١). ومنهم من رأى أن إقبالاً لم يكن يعتقد بها في أول عهده ولكن اعتنقها خلال الفترة الأخيرة من حياته. والقائل بذلك الأستاذ ميكش أكبر آبادي في كتابه "نقد إقبال" (٢)، ويرى الأستاذ جكن نات آزاد الهندوكي أن إقبالاً ظل يعتقد بتلك الفكرة طيلة حياته، ما عدا فترة ما بين رجوعه من أوروبا في عام ١٩٠٨ م، وبين نشر ديوانه""رسالة المشرق" (٣).
ويرى السيد نذير نيازي صاحب إقبال لمدة طويلة ومترجم محاضراته "تجديد التفكير الديني"إلى الأردية تحت إشراف إقبال نفسه، أنه لم يعتنق تلك الفكرة ليوم واحد لا في أول عهده ولا في آخره، غير أنه وجد بيئة صوفية
 
في أسرة نشأ بها، فسمع شيئًا عنها وتأثر بها تأثرًا ما، كما أنه وجد معظم الشعر الأردي والفارسي مصطبغًا بتلك الفكرة، فنسمع صداها في بعض أبيات نظمها إقبال خلال الفترة الأولى لشعره، بينما نجد أن أستاذه المولوي السيد مير حسن كان معروفًا باتجاهاته الوهابية وكان يتهم أحيانًا بالطبيعية.
ففكرة وحدة الوجود لم تصل إلى مستوى العقيدة في فكر إقبال وشعره في يوم من الأيام (١).
ورأي السيد نذير نيازي هذا يبدو لنا أقرب إلى الصواب، فإن إقبالاً كان متأثرًا بحركة السيد المجدد السرهندي لتطهير التصوف من الأفكار غير الإسلامية أو العجمية، على ما يسميه إقبال. والسيد السرهندي قد ردّ ردًّا عنيفًا على أفكار محي الدين بن عربي الأندلسي، رأس القائلين بوحدة الوجود. فكان من قوله ضمن بعض رسائله: إن ابن عربي قد زلقت رجله في أثناء الطريق، وانخدع بما يعترى السالك من الأحوال في سفره الروحي ويتراءى له من وحدة هذا الوجود فلو تقدم خطوة لشاهد أن لا وحدة بين وجود العبد والمعبود، وأن الله هو الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء. وقد سمى السيد المجدد هذه الوحدة التي تتراءى أثناء سلوكه بمرحلة وحدة الشهود لا بوحدة الوجود في الحقيقة. وكذلك جاء ضمن بعض رسائله: "إننا نحتاج إلى النصوص لا إلى الفصوص" (٢).
وانظر قوله ضمن مقدمة "الأسرار والرموز" (٣).  
* رأي إِقبال في النبوّة:
محبة إقبال للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعنى حبه لديه اتباع سنته واقتفاء أثره - صلى الله عليه وسلم -:
- يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي عن حب إقبال للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
"لقد عاش الدكتور محمد إقبال شاعر الإسلام وفيلسوف العصر -مدة حياته- في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأشواق إلى مدينته، وتغنى بهما في شعره الخالد. وقد طفح الكأس في آخر حياته، فكان كلما ذُكِرت المدينة فاضت عينه وانهمرت الدموع. ولم يقدر له الحج وزيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجسمه الضعيف، الذي كان من زمان يعاني الأمراض والأسقام. ولكنه رحل إلى الحجاز بخياله القوي، وشعره الخصب العذب، وقلبه الولوع الحنون، وحلق في أجواء الحجاز وتحدّث إلى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بما شاء قلبه وحبه وإخلاصه ووفاؤه (١)، وتحدّث إليه عن نفسه، وعن عصره، وعن أمته وعن مجتمعه. وقد فاضت في هذا الحديث قريحة الشاعر، وانفجرت المعاني والحقائق التي كان الشاعر يغالبها ويمسك بزمامها وينتظر فرصة إطلاقها، وقد رأى أن فرصتها قد حانت .. فكان شعره في النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، من أبلغ أشعاره وأقواها، وكان حشاشة نفسه وعصارة عمله وتجاربه، وكان تصويرًا لعصره وتقريرًا عن أمته وتعبيرًا عن عواطفه" (٢).
- وفي معنى حاجة المسلمين إلى التمسك بتعاليم السنة، يقول إقبال في "رموز اللاذاتية"تحت عنوان "الرسالة":
"بالرسالات بدا تكويننا ... شرعنا منها ومنها ديننا
...ذاك من "يهدي إِليه من يريد" ... حلقة منها حوالينا يشيد
خلقة ذات محيط يعجز ... ساحة البطحاء فيها مركز
نحن مما جمعتنا أمة ... أرسلت للناس فيها الرحمة
موجنا في بحرها متصل ... موجة من موجة لا تفصل
أمة في حرز سور الحرم ... في حفاظ مثل "أسد الأجم"
نظرة الصديق رب الفهم ... وإِلى القلب من الربّ أحب
فالنبي الروح فينا والعصب ... شرعه حبل وريد الأمة" (١)
- ويقول، تحت عنوان "إن حسن سيرة الأمة المسلمة من التأدب بالآداب المحمدية":
"أنت كمّ في فروع المصصفى ... فتفتح في ربيع المصطفى
نظرة من روضه فالتمس ... وسنا من خلقه فاقتبس
مرشد الروم الذي قطرته ... قد حوت بحرا، سمت قولته:
"لا تجدّ الحبل من خير البشر ... لا تقل عندي فنون وبصر"
فطرة المسلم طرا رأفة ... قوله والفعل كل رحمة
.لعظيم الخلق من شق القمر ... رحمة عمّت ونور للبشر
لست من معشرنا فاعتزل ... إِن تكن منه بعيد المنزل" (١)
 
* جُهوده في الرّد على القاديانية في مسألة ختم النبوة:
قام إقبال ببذل جهود جبارة في الرد على القاديانية القائلة بأن سلسلة النبوة لم تنته برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ففي مايو ١٩٣٥ م نشر إقبال مقالة في الرد على القاديانية، تحت عنوان "القاديانية والمسلمون"فقام الزعيم الهندوكي البانديت جواهر لال نهرو، يرد عليه مدافعًا عن القاديانية فكتب إقبال عدة مقالات بالإنجليزية في جواب نهرو، دافع فيها عن مسألة ختم النبوة برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ببالغ حماسة وحكمة (٢).
- يقول الأستاذ مسعود عالم الندوي عن جهاد إقبال في ردّ القاديانية:
"ولصاحبنا (إقبال) مأثرة جليلة أخرى في باب الدعوة الدينية والدفاع عن حرمة الدين المبين، لا تنسى أبد الدهر. ولو لم يكن من أعماله الجليلة الخالدة إلا هذه المأثرة العظيمة لكفته فخرًا في الدنيا وذخرًا في الآخرة، ألا وهو موقفه الجليل المشهود بإزاء النحلة القاديانية الضالة المضلة، في السنين الأخيرة من حياته .. إن الزعيم جواهر لال نهرو كتب مقالتين .. ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الدينية حركتها ضد القاديانية ويؤيد جانب القاديانية.
وفي مثل هذه الأحوال انبرى المسلم المؤمن محمد إقبال للدفاع عن حظيرة الإسلام وردّ كيد القاديانية في نحورها. وتطهير الدين المبين من أرجاسها
وأدناسها. فنشر تصريحات عديدة في الصحف، بين فيها موقف الإسلام بإزاء هذه النحلة المارقة التي تؤمن بنبوة الغلام القادياني الكذاب، وكشف عن عورات القاديانيين، وأماط اللثام عن خدماتهم للاستعمار البريطاني وتمسكهم بأذياله" (١).
 
* مناقشة رأي إِقبال في النبوة:
"إذا نظرنا في تفسير إقبال للنبوة نظرة دقيقة، وجدنا أنه أخطأ في عديد من الأمور. منها:
أولاً: أن النبوة ليست ضربًا من الوعي الصوفي، كما توهم إقبال، فإنه يقول في تعريف النبوّة: "إنها ضرب من الوعي الصوفي ينزع ما حصّله النبي في مقام الشهود إلى مجاوزة حدوده وتلمس كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجمعية توجيهًا جديدًا، وتشكيلها في صورة مستحدثة" (٢).
- وهذا القول منه ليس بصواب فإن الله تعالى يختار النبي من عباده ويصطفيه من بينهم حسب إرادته وحكمته فإنه تعالى أعلم حيث يجعل رسالته. فالنبوة موهبة ومكرمة وتكليف من الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ويحمّلها من يختاره منهم، على خلاف أمر الوعي الصوفي فإنه يحصل عليه بممارسة الرياضة الصوفية كل من يجتهد في الحصول عليه. فالنبوة مرتبة لا يمكن أن يتشرف بها أحد من اختياره وكسبه ورياضته، والوعي الصوفي يمكن الحصول عليه بالكسب والاجتهاد، وإذا كانت الولاية بالمصطلح الصوفي، ليس من الضروري الحصول عليها بالكسب والاجتهاد، مع أنها   أدنى رتبة من النبوة، فليست كل صوفي وليًا، كما أنه ليس كل ولي صوفيًّا، فكيف بالنبوة؟ ويوهم تفسير إقبال للنبوة المبيّن في "تجديد الفكر الديني"أنه يمكن التشرف بها بالكسب والاجتهاد، وذلك خطأ واضح، فإن الأنبياء قد وهبوا النبوة مفاجأة، مثل قصة سيدنا موسى عليه السلام، فإنه لم يكن على معرفة أن الله تعالى قد اختاره للنبوة حتى لحظة أن رأى نارًا في طور سيناء، وكلمه الله تعالى وأخبره باختياره نبيًّا، وكذلك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على معرفة من أنه سوف يُختار للنبوة حتى إذا نزل عليه الروح الأمين في جبل حراء، وألقى إليه رسالة الله تعالى، رجع إلى البيت وهو خائف، يقول: زمّلوني ودثّروني. فلو كان الوحي نوعًا من وعي يتحصل بقطع المدارج الصوفية وسلوك المناهج الروحية المعتادة لدى الصوفية، لما حدثت تلك المفاجأة عند نزول الوحي في أول الأمر، على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيدنا موسى عليه السلام. ففي هذا التفسير انخدع إقبال بآراء الصوفية الذين يفسرون النبوة والولاية بتفاسير ليس لها برهان منزل من الله تعالى، حتى قد اغتر بعضهم إلى حد أنه قال: إننا، معشر الصوفية أفضل من الأنبياء؛ لأن اتصالنا بالله تعالى مباشر واتصال الأنبياء به تعالى يحتاج إلى واسطة وهي الملائكة.
ثانيًا: أن إقبالاً لم يشرح في تفسيره كيفية نزول الوحي بواسطة الملائكة والروح الأمين، فإن الروح الأمين هو الذي يقوم بنقل الوحي إلى الأنبياء، ولم يشر إقبال في تفسيره إلى هذه المسألة مطلقًا.
ثالثًا: يوهم تفسير إقبال كأن النبوة عمل خاص للنبي وله فيه رغباته وتصرفاته وليس ذلك حقًّا، فإن النبيّ مأمور بأوامر الله تعالى، فإنه تعالى يربيه للتجرد إليه والعمل من أجل مرضاته حتى لم تعد للنبي رغبة ذاتية، ولو للهداية، فقد قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: ٥٦].

* وقال تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.
* وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨].
والفارق الذي أوضحه إقبال بين عمل الصوفي وعمل النبي من أن عمل الصوفي يبقى فرديًّا، وعمل الرسول ينتقل إلى المجتمع، صحيح ولكن عمل الرسول ليس من عند نفسه، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاد خائفًا حين نزل عليه الوحي في بدء الأمر، وقال: دثروني وزملوني ولم يقل: إني مارست هذه التجربة، فتعالوا، أيها الناس، وأوجدوها في حياتكم.
رابعًا: لا شك في أن للعقل دورًا بالغًا في بناء المجتمع وتوجيهه وتطوير العلوم والتجارب ولكن له مجال محدد وليس في استطاعته إقامة ميزان ثابت يميز به الحق من الباطل. فدور العقل في الإسلام مقيد بالوحي والأمة المسلمة مسئولة أن تحمل رسالة الإسلام في ضوء ذلك الوحي المنزل، وليس العقل في المنهج الإسلامي حرًّا طليقًا في تصرفاته يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء كما يوهم تفسير إقبال هذا.
- والواقع أن إقبالاً متأثر ومنخدع في رأيه أن العقل حلّ محلّ الوحي في العصر الحاضر، بأفكار الغربيين. والواقع كذلك أن هذا الرأي لا يمثل وجهة نظره الشاملة في هذا الشأن، فإنه قد أعطى القرآن الكريم حقه والسنة النبوية حقها في أكثر من موضع من دواوينه ومقالاته، فقال مثلا، ضمن منظومة "رموز اللاذاتية":
"إن دين محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو دين الحياة وشرعه شرح لنظام الحياة. وإذا فقدت الأمة أسوة الرسول تفقد وجودها وبقاءها".
وقال كذلك، تحت عنوان "إن الأمة لا تنتظم بدون شريعة وشريعة.  

..الأمة المحمدية القرآن الكريم:
"لكتاب الله حق، فاقرأن ... كل ما تبغيه، منه فاطلبن"
وقال:
"وحدة الشرع حياة الأمة ... فمن القرآن روح الملة
نحن طين وهو قلب لا جرم ... هو "حبل الله"من شاء اعتصم
فانتظم في سلكه كالدرر ... أو غبارا في الرياح انتثر" (١)
- يرى إقبال أن النبوة ضرب من الوعي الصوفي يستعمل فيه النبي ما حصّله في مقام الشهود في سبيل توجيه قوى الحياة توجيهًا جديدًا. ورغبة النبي في أن يرى رياضته الدينية تتحول إلى قوى عالمية حية رغبة تعلو على كل شيء. واختبارها ليس إلا اختبار هذه القوى الحية التي أوجدها النبي في إطار إنشائي بالميزان التاريخي فعندما يتغلغل النبي فيما يواجهه من أمور مستعصية وينفذ إلى أعماقها تتجلى له حينئذ نفسه، فيعرفها ويزيح القناع عنها فتراها أعين التاريخ. ولهذا كان من بين ما يحكم به على قيمة دعوة النبي ورسالته، البحث في نوع البطولة الإنسانية التي ابتدعها، والفحص عن العالم الثقافي الذي انبعث عن روح دعوته.
ثم يوضح إقبال طبيعة الوحي باعتباره الصلة القائمة بين الله والنبي، ويرى أنه ظاهرة عامة من ظواهر الوجود. فالظواهر البيولوجية والفسيولوجية في عالمي الحيوان والنبات إنما تستمدّ اتجاهها من الإلهام الذي يوجه الحياة كلها
 
في اتجاهها الخلاق. والقرآن نفسه يستعمل الوحي لعوالم مختلفة، كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: ٦٨].
وهكذا يعتبر إقبال النبوة ظاهرة طبيعية أملتها المراحل التطورية للبشرية. ففي طفولة البشرية كانت القوى الروحانية تتطور أحيانًا، إلى ذروة الوحي النبوي لتوجيه الناس وتحقيق مصالحهم. فالنبوة التي هي ثمرة القوى الروحانية الفطرية، كانت وسيلة للاقتصاد في التفكير وتمييز النافع من الضار، غير أنه بنمو ملكة العقل والتفكير لدى الإنسان أخذت الحياة نفسها تعمل لكبت تلك القوى التي لا تعتمد في معارفها على التفكير الاستدلالي.
وهكذا عرفت الإنسانية في تاريخها طورين عظيمين:
١ - طورًا اعتمدت فيه على قواها الروحية، ممثلة في الوحي.
٢ - طورًا نسخ ذلك الطور السابق وتميز باعتمادها على القوى العقلية المنظمة. ورسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - صلة وصل بين الطورين أو العالمين، عالم الفطرة وعالم العقل. فهو من عالم الفطرة باعتبار مصدر رسالته وهو الوحي، وهو من العالم الحديث، عالم العقل، باعتبار مضمون رسالته يعني ما احتوته رسالة الإسلام والنص القرآني من دعوة صريحة إلى استعمال العقل، وحث على النظر في الكون، بحيث اعتبرت هذه الدعوة فريضة دينية قائمة. وهكذا ينص إقبال على أن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا إلى الأبد على زمام يقاد منه، وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو، وأن مخاطبة القرآن للعقل وحثه على التجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة 
.الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة (١).
 
* قضية الجبر والقدر في فكر إقبال:
في مسألة كون الإنسان مختارًا أو مجبرًا في إرادته وأعماله، يذهب إقبال إلى أن الله تعالى قد منح الإنسان حرية واسعة لإبراز إمكانياته واختيار أعماله ومراداته. وعمل القضاء والقدر ليس من خارج الأشياء أو النفوس، بل من داخل إمكانياتها واستعداداتها، ويؤثر القدر تأثيره داخل حدود الزمان والمكان. يقول إقبال في "تجديد التفكير الديني":
"الزمان باعتباره كلاً مركبًا، هو الذي يسميه القرآن، "التقدير"وهي كلمة أسيء فهم معناها كثيرًا في كل من العالم الإسلامي وفي خارجه.
والتقدير هو الزمان عندما ننظر إليه على أنه سابق على وقوع إمكانياته: هو الزمان الخالص من شباك تتابع العلة والمعلول .. والزمان بوصفه تقديرًا هو ماهية الأشياء ذاتها، كما جاء في القرآن {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩]، فتقدير شيء إذن ليس قضاءً غاشمًا يؤثر في الأشياء من خارج، ولكنه القوة الكامنة التي تحقق وجود الشيء، وممكناته التي تقبل التحقق، والتي تكمن في أعماق طبيعته وتحقق وجودها في الخارج بالتالي، دون أي إحساس بإكراه من وسيط خارجي" (٢).
ويرى إقبال كذلك أن قوة الاستبصار والسيطرة المدبرة الملحوظتين في نشاط النفس تكشفان عن حقيقة الحرية التي منحها الله للإنسان، بعد أن هيأه لتحمل مسئوليته من تلقاء نفسه في اختيار تشكيل مصيره وتحديد سلوكه
مستدلاً بمثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩].
وقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧].
وإذا كان من غير الممكن إنكار مبدأ القضاء والقدر السابق لحرية الإنسان، كما يقرره القرآن، فإن إقبالاً يرى أن معنى هذا القدر أو التقدير يعطي للنفس الإنسانية قوة عظيمة على مواجهة الضرورات التي لا مفر منها.
والقرآن نفسه -في رأي إقبال- يقرّ بحقيقة من حقائق النفس الإنسانية، وهي الارتفاع والانخفاض في قدرة الإنسان على اختيار أفعاله.
وحاول إقبال أن يفسر ذلك على ضوء نظرية اشبنجلر Spengler-١٨٨٠ - ١٩٣٦ القائلة بأن الإنسان يمارس حياته بطريقتين: طريقة عقلية تقوم على فهم الكون باعتباره نظامًا ثابتًا من علة ومعلول وطريقة حيوية تقوم على الاستجابة المطلقة لضرورات الواقع الذي يعكس الزمان المتجدّد بما ينطوي عليه من خلق وإبداع. وهذه الطريقة الأخيرة هي التي يواجه بها المسلم الحياة، مفعمًا بالإيمان بضرورة ما يمليه التجدد الزماني الخلاَّق، وتبلغ نزعة الإيمان لديه بهذه الضرورة درجة من الخصب والعمق بحيث تفنى إرادته في إرادة الله المطلقة (القضاء والقدر) فتكتسب من ذلك حيوية وصلابة.
أما النزعة الجبرية التي سادت العالم الإسلامي، فيرى إقبال أن مرجعها إلى ما عرفه تاريخ المسلمين من أنظمة الحكم الجائر، وإلى تأثير الفلسفة التي طبعت النظام الكوني بالسببية المفضية إلى اعتبار العلة الأولى في إرادة الله وعنها يصدر كل شيء. فالمادية العملية التي ظهرت عند أمراء دمشق من بني أمية النهازين للفرص، احتاجت إلى سند يستندون إليه في سوء صنيعهم بكربلاء فقالت بقدر الله -يُروى أن معبد الجهني قال للحسن البصري: إن بني أمية يسفكون دماء المسلمين ويقولون إنما تجري أعمالهم على قدر الله.   .تعالى. فأجابه الحسن أنهم أعداء الله، وأنهم لمفترون. وهكذا نشأ -على الرغم من معارضة علماء الدين في الإسلام معارضة صريحة- القول بالقدر (١).
 
* مناقشة رأيه هذا في القدر:
يبدو أن إقبالاً قد حاول في تفسيره للقضاء والقدر أن يوفق بين طرفي الجبر والاختيار. فبكونه مسلمًا مؤمنًا بالله تعالى وبقدره، لم يستطع أن ينكر قدر الله وقضاءه إطلاقًا، ولكنه حين رأى أن القول بقدر الله والاتكاء عليه، قد دفع المسلمين خلال القرون الأخيرة، إلى ترك العمل والكفاح في حياتهم، وإلى الفشل في مقاومة التحديات التي واجهت العالم الإسلامي منذ قرون عديدة، ورأى كيف أن المستعمرين المستبدين استغلوا هذه النزعة وكيف انتهزوا هذه الفرصة لنهب الشعوب المتمسكة بهذا المبدأ، حاول أن يفسر عقيدة القضاء والقدر تفسيرًا يستطيع أن يوفق به بين الاعتقاد بقضاء الله تعالى، وبين كون الإنسان حرًا مختارًا في فكره وعمله، فرأى أن عملية تقدير الله تعالى لا تقوم بالأشياء والنفوس من خارجها، بل تأتي من داخل إمكانياتها، ولكنه في تفسيره ذلك، قد يندفع أحيانًا إلى القول: بكون واجب الوجود تعالى موجبًا في إرادته وأعماله، كما يزعم الفلاسفة، وأحيانًا إلى القول: بعدم وجود قضاء سابق من عند الله تعالى، قال:
"لا شك في أن ظهور ذوات لها القدرة على الفعل التلقائي، ومن ثم يكون فعلها غير متنبأ به، يتضمن تحديدًا لحرية الذات المحيطة بكل شيء.
ولكن هذا التحديد لم يفرض على الذات الأولى من خارج، بل نشأ.عن حريتها الخالقة التي شاءت أن تصطفي بعض الذوات المتناهية لتقاسمه في الحياة والقوة والاختيار" (١).
- والواقع أن إقبالاً ينزع إلى القول بقدر الإنسان وكونه حرًا مختارًا في سلوكه وتصرفه، كما ذهب إليه المعتزلة، فهو معتزلي النزعة في هذا الأمر.
وقد أخطأ في رأيه أن القول بقدر الله تعالى بدأ في الإسلام أيام بني أمية، فإن ذلك إنكار لبعض نصوص الكتاب والسنة الصريحة. ولعل الصحيح أن استغلال هذا المبدأ بدأ في تلك الأيام. وكذلك أخطأ إقبال في فهم أن بعض الذوات المتناهية مشاركة للذات اللامتناهية، في الخلق والاختيار، وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] فالخالقون في رأيه أكثر من واحد، والله تعالى أحسنهم.
ويرجع هذا الخطأ إلى عدم معرفته أسلوب اللغة العربية جيدًا وعدم إمعان الدراسة في ضوء الآيات الأخرى مثل قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] فالآية صريحة في حصر الخلق والأمر على الله تعالى.
* وقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: ٣].
* وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: ٤٠]. وأمثالها من الآيات.
ولم ينكر إقبال مبدأ القضاء والقدر على الإطلاق فإنه قد أوضح في عديد من المواضع أن الذات في نفسها بين اختيار وجبر، ولكنها إذا قاربت الذات المطلقة، نالت الحرية الكاملة. والحياة جهاد لتحصين الاختيار ومقصدًا لذات أن تبلغ الاختيار بجهادها، فإذا قاربت الذات المطلقة نالت.  الحرية الكاملة (١).
ويرى إقبال كذلك أن العبد ينال الحرية والاختيار، متقربًا إلى الله تعالى بأداء الصلاة وامتثال أوامره تعالى. وقد أريد بتعيين مواقيت للصلاة في كل يوم تخليص النفس من آثار الآلية الموجودة في النوم والعمل. فالصلاة في الإسلام خلاص للنفس ينقذها من الآلية إلى الحرية (٢).
وأوضح إقبال وجهة نظره تجاه مسألة القضاء والقدر والاختيار والجبر ضمن شعره في عدة مواضع. منها ما قاله على لسان الحكيم المريخي ضمن ديوان جاويد نامه، حيث يتساءل: "زنده رود" (إقبال) الحكيم المريخي عن أن السائل والمحروم بقضاء الله وقدره، والحاكم والمحكوم بقضاء الله وقدره.
وليس من خالق للقدر سوى الله تعالى، فلا ينفع تدبير للخلاص من القدر ولا يغني منه حذر. فيردّ الحكيم المريخي عليه بقوله:
"إنك مخطئ تمامًا في فهم القدر. إن عليك لا أن ترضى فحسب بقدر الله، بل تطلب المزيد منه. فادع الله أن يحكم بقدر آخر إذا رمى قلبك بفعل قدر واحد، فإنك إذا طلبت. قدرًا جديدًا، كان ذلك أمرًا مشروعًا تمامًا، إذ لا نهاية لأقدار الله تعالى. حقًّا لقد فات أهل الأرض الشيء الكثير؛ لأنهم لم يعرفوا المعنى الدقيق للقدر، فأضاعوا بذلك قيمتهم الذاتية (نقود الذات) التي يمكنهم بها أن يتعاملوا مع الكون من ناحية ومع الخالق من ناحية أخرى.
فالقدر لا يعني أن يصبع الإنسان مجبرًا جبرًا خالصًا شأنه في ذلك شأن الجماد والنبات، فإن هذه السلبية طبيعة الفطرة الإنسانية.
أأقول لك سر القدر؟ إن هذا السر الدقيق تنطوي عليه جملة واحدة: إذا غيرت نفسك سيتغير هو الآخر، فلقد قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ثم يضرب الحكيم المريخي بضعة أمثلة لتوضيح هذه القضية الدقيقة، فيقول:
كُن ترابًا يهبك القدر الرياح، كن حجرًا يقذف بك الزجاج. إذا كنت قطرة من الندى فالسقوط قدرك، وإذا كنت محيطًا من المحيطات فالثبات قدرك".
- ويستطرد الحكيم قائلاً:
"ربما أُلقي في روعك أن القدر حكم على بعض الناس أن يكدحوا طيلة حياتهم، دون أن يصلوا في النهاية إلى تكون الثروات، وأنه حكم بأن يحصل البعض الآخر على كنوز وثروات طائلة دون جهد يذكر .. ، إذا كانت هذه عقيدتك أيها الغافل، فإنها تؤدي بنا إلى القول بأن المحتاج سيظل أبدًا أكثر احتياجًا، ولن يصبح أي محتاج وفقير ثريًا أو غنيًا. فتبًّا لعقيدة تظل بك حتى تنام وما تزال تبقيك في نوم عميق. أهذا دين أم سحر وخرافة؟ أهذا دين أم حبة أفيون؟ ".
- ومنها قوله ضمن ديوان رسالة المشرق:
"لا يمكن الحكم بأنني مختار أو مجبر، فإنني تراب حيّ لا أزال أتقلب وأتحرك".
- ومنها قوله ضمن منظومة "حديقة الأسرار الجديدة":
"لقد كان من قول قائد معركة بدر (يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم -) الحق أن العبد حر من جهة ومجبر من جهة. فالإيمان بين الجبر والقدر".
وقد عدّ أبو عمران الشيخ إقبالاً ثالث ثلاثة ممن سعوا إلى النهل من الفكر الاعتزالي العقلاني، والدعوة إلى الحرية الإنسانية وما هؤلاء الثلاثة الذين سعوا إلى إحياء روح الفكر الاعتزالي مع مطلع القرن التاسع عشر.  .وبداية القرن العشرين سوى جمال الدين الأفغاني، ومحمد إقبال (١)
 
* البعث وخلود النفس لدى إِقبال (٢):
يرى إقبال عن المصير الإنساني أن فكرة الإسلام الكلية عن الإنسان تؤكد البعث والخلود، إلا أن الحياة في هذه الدنيا هي التي تهيئ للإنسان مجال العمل من أجل تلك الغاية. وما الموت إلا ابتلاء نشاط يعقبه البعث.
وكان على إقبال أن يواجه مشكلة "البعث"ما دام قد انتهى إلى اعتبار النفس حقيقة قائمة، أو جوهرًا روحيًا يجاهد جهادًا موصولاً إلى اكتساب الوحدة والتكامل والحرية والخلود. فيقول في شرح تلك الفكرة:
"إن النهاية أي انقضاء الأجل ليس بلاء {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٣ - ٩٥].
وهذا أمر بالغ الأهمية ينبغي أن يفهم على وجهه الصحيح .. فالإنسان .. أو الذات المتناهية -بشخصيته المفردة التي لا يمكن أن يستعاض عنها بغيرها، سيقت بين يدي الذات غير المتناهية، ليرى عواقب ما أسلف من عمل وليحكم بنفسه على إمكانيات مصيره {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: ١٣ - ١٤]- فأيا كان المصير النهائي للإنسان، فإنه لا يعني فقدان فرديته. والقرآن لا يعد التحرر التام من التناهي أعلى مراتب.  .
.السعادة الإنسانية، بل "جزاؤه الأوفى"هو في تدرجه في السيطرة على نفسه، وفي تفرده وقوة نشاطه بوصفه روحًا، حتى أن منظر الفناء الكلي الذي يسبق يوم الحساب مباشرة، لا يمكن أن يؤثر في كمال اطمئنان الروح التي اكتملت نموًا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر: ٦٨].
ومن يكون أولئك الذين ينطبق عليهم هذا الاستثناء، إلا الذين بلغت أرواحهم منتهى القوة. فالإنسان في نظر القرآن متاح له أن ينتسب إلى معنى الكون وأن يصير خالدًا .. إن كائنًا اقتضى تطوره ملايين السنين ليس من المحتمل إطلاقًا أن يلقى به كما لو كان من سقط المتاع. وليس إلا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار، إذ يمكن أن ينتسب إلى معنى الكون: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٧ - ١٠].
وكيف تكون تزكية النفس وتخليصها من الفساد؟ إنما يكون ذلك بالعمل {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: ١، ٢]، فالحياة تهيئ مجالاً لعمل النفس، والموت هو أول ابتلاء لنشاطها المركب.
وليست هناك أعمال تورث اللذة، وأعمال تورث الألم، بل هناك أعمال تكتب للنفس البقاء أو تكتب لها الفناء. فالعمل هو الذي يعدّ النفس للفناء أو يكيفها لحياة مستقبلة. ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو احترامي للنفس فيّ وفي غيري من الناس. فالخلود لا نناله بصفته حقًّا لنا، وإنما نبلغه بما نبذل من جهد شخصي.
والبعث إذن ليس حادثًا يأتينا من خارج. بل هو كمال لحركة الحياة في داخل النفس. وسواء أكان البعث للفرد أم للكون، فإنه لا يعدو أن يكون نوعًا من جرد البضائع أو الإحصاء لا أسلفت النفس من عمل، وما بقيت  أمامها من إمكانيات.
"يجنح إقبال إلى تأويل حدوث البعث تأويلاً لا يخلو م مباينة لما عليه حقيقته في التصور الإسلامي، فهو يقول: "على أنه لا مفر للنفس من أن تكافح كفاحًا موصولاً حتى توفق إلى التماسك وإلى الفوز بالبعث" (١).
وعلى ذلك الأساس فالبعث ليس حادثًا يأتينا من الخارج، بل هو كمال لحركة الحياة داخل النفس كما يصرّح إقبال.
وتبدو مباينة وجهة نظر إقبال للتصور الإسلامي للبعث بوضوح في قوله: "وسواءً أكان البعث للفرد أم للكون فإنه لا يعدو أن يكون نوعًا من - جرد البضائع أو الإحصاء لما أسلفت النفس من عمل، وما بقي أمامها من إمكانات" (٢) ا. هـ (٣).
 
* الجنة والنار عند إِقبال حالتان لا مكانان:
أما الجنة والنار فهما حالتان، لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. فالنار في تعبير القرآن: {نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: ٦، ٧]، هي إدراك أليم لإخفاق الإنسان لوصفه إنسانًا. أما الجنة فهي سعادة الفوز على قوى الانحلال.
وليس في الإسلام لعنة أبدية. ولفظ الأبدية، الذي جاء في بعض الآيات وصفًا للنار، يفسره القرآن نفسه، بأنه حقبة من الزمان: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: ٢٣]، والزمان لا يمكن أن يكون مقطوع النسبة إلى تطور الشخصية انقطاعًا تامًا. فالخلق ينزع إلى الاستدامة، وتكييفه من جديد يقتضي زمانًا.وعلى هذا فالنار، كما يصورها القرآن، ليست هاوية من عذاب مقيم يسلطه إله منتقم. بل هي تجربة للتقويم، قد تجعل النفس القاسية المتحجرة تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله. وليست الجنة كذلك إجازة أو عطلة.
فالحياة واحدة ومتصلة، والإنسان يسير دائمًا قدمًا، فيتلقى على الدوام نورًا جديدًا من الحق غير المتناهي الذي هو {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩].
ومن يتلقى نور الهداية الإلهية ليس متلقيًا سلبيًّا فحسب؛ لأن كل فعل لنفس حرة، يخلق موقفًا جديدًا، وبذلك يتيح فرصًا جديدة تتجلى فيها قدرته على الإيجاد" (١).
- لقد جانب إقبال الحقيقة الدينية المتعارف عليها في البعث والخلود في بعض الجزئيات، فهو مثلاً قد جعل من البعث فترة "لجرد البضائع"، وجعل الدار الآخرة موصولة بالدار الدنيا في حياة الإنسان، وأنه يمكن للمرء بعد موته أن يواصل عمله لمزيد من استكمال نموه النفسي وكماله الروحي، وهذا ما لا يقرّ به الإسلام الذي يرى الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وهي وحدها دار فرصة للعمل، وبموت الإنسان ينقطع عمله. والآخرة دار قرار وسكون وانقطاع عن العمل وجزاء عما قدّم الإنسان في الحياة الدنيا (٢).
 
* يقول الدكتور خليل الرحمن عبد الرحمن فى كتابه "محمد إِقبال موقفه من الحضارة الغربية" (ص ١٩٧ - ١٩٩):
قد أخطأ إقبال في تفسيره لقضية البعث والخلود خطأين أساسيين:
أولاً: أنه رأى أن الجنة والنار حالتان لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. وذلك رأي يعارض ما جاء به الكتاب والسنة. فإن الجنة والجحيم مكانان محسوسان، وليسا نفسيين    فحسب، على ما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلافًا، وعلى ما يشهد بذلك كثير من الآيات والأحاديث، مثل قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: ٣٠، ٣١].
* وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: ٢٧ - ٣٠].
ثانيًا: إنه فسر الخلود والأبدية بحقبة من الزمن، تمنح النفس بعدها فرصة أخرى لاستئناف نشاطها وكفاحها، وليس في الإسلام، على ما يراه هو، لعنة أبدية، فالنار ليست هاوية من عذاب مقيم بل هي تجربة للتقويم، قد تجعل النفس القاسية تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله .. إلخ. وهذا تفسير يخالف، كذلك، إجماع الأمة، كما يعارض نصوص الكتاب والسنة الصريحة. فإن الآخرة ليست دار عمل وكفاح للنفس وإنما هي دار جزاء على أعمالها في الدنيا، فيما ينص عليه الكتاب والسنة. يقول الدكتور محمد البهي في هذا الخصوص:
"يلاحظ على تفكير إقبال أنه في محاولته شرح استمرار العالم، أو شرح خلوده وبقائه يرتفع في هذا الشرح عن المستوى الديني الذي يصوره الإسلام نفسه. وبذلك يبعد في تفسير النصوص التي استعان بها، عن مدلولاتها الطبيعية التي تلائم هذا المستوى .. فإذا جعل البعث فترة "لجرد البضائع"، وربط الدار الآخرة بالدار الدنيا في حياة الإنسان، فإنه يثير تساؤلاً عن (التكليف) من قبل الشرع ومدته، أهو في الدنيا والآخرة معًا؟. وتفسيره الخلود في النار عندئذ في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا}، بأنه حقبة وفترة ما، يعطي بعدها الإنسان فترة أخرى للبقاء، أو للعمل يدعو لبقاء الإنسان خلوده - يشرح أن الإنسان في نظر إقبال مكلف في الدارين معًا .. ولكن الإسلام ينظر إلى الدنيا على أنها دار ابتلاء وامتحان، وينظر إلى الآخرة على أنها دار. قرار وسكون، أي دار ينقطع فيها الامتحان والاختبار .. " (١).
- ويقول سيد قطب -رحمه الله- منبهًا إلى أن دفعة الحماسة لمقاومة انحراف معين، قد تنشئ انحرافًا آخر:
" .. أراد (إقبال) أن ينفض عن الفكر الإسلامي وعن الحياة الإسلامية ذلك الضياع والفناء والسلبية، كما أراد أن يثبت للفكر الإسلامي واقعية (التجربة) التي يعتمد عليها المذهب التجريبي ثم المذهب الوضعي!، ولكن النتيجة كانت جموحًا في إبراز الذاتية الإنسانية، اضطر معه إلى تأويل بعض النصوص القرآنية تأويلاً تأباه طبيعتها. كما تأباه طبيعة التصور الإسلامي.
لإثبات أن الموت ليس نهاية للتجربة، ولا حتى القيامة فالتجربة والنمو في الذات الإنسانية مستمران أيضًا، عند إقبال - بعد الجنة والنار. مع أن التصور الإسلامي حاسم في أن الدنيا دار ابتلاء وعمل، وأن الآخرة دار حساب وجزاء. وليست هنالك فرصة للنفس البشرية للعمل إلا في هذه الدار. كما أنه لا مجال لعمل جديد في الدار الآخرة بعد الحساب والجزاء" (٢).
ومما يبدو أن إقبالاً في رأيه هذا متأثر تأثرًا ما، بفكرة التناسخ لدى الهندوس وبنظرية التطور الدائم المستمر لدى نيتشه، مع أنه يؤمن بانفصال الدارين، الدنيا والآخرة إيمانًا لا غموض فيه ولا شك، وذلك واضح من كتاباته وشعره. وقد تراجع إقبال عن رأيه هذا في آخر حياته على ما شهد به الأستاذ المودودي بأنه عاد صحيح العقيدة في أيامه الأخيرة (انظر إقباليات للمودودي ص ٣٣).
 
الكفر ملة واحدة عنوانها العداء للإِسلام
 
* المعلم "يعقوب"أو الجنرال يعقوب الخائن لمصر:
في إطار المخادعة وإلباس التاج أو وضعه فوق رأس الخونة ومن لا يستحقون، يقدم لنا (لويس عوض) شخصًا نصرانيًّا اسمه (المعلم يعقوب) أو (الجنرال يعقوب) كما يسميه، علامة على نمو النزعة القومية لدى المصريين -كما يزعم- نتيجة للثورة الفرنسية وحملة نابليون على مصر، ويخصص لويس الباب الرابع من "الخلفية السياسية"في كتابه "تاريخ الفكر المصري الحديث"للحديث عن يعقوب تحت عنوان "مشروع الاستقلال الأول" (١)، ويخبرنا أن (يعقوب) كان يحمل في جعبته مشروعًا خطيرًا كان في نيته عرضه على الإنجليز والفرنسيين، وهو مشروع استقلال مصر (٢)، ويوحي كلامه بأن (يعقوب) كان يمثل المسلمين والنصارى (٣)، ويربط بين الحركات الثورية التي قامت في أرجاء العالم العربي، وبخاصة الحركات الباطنية (الزنج والقرامطة والكورانية والنصيرية والشعشاعية وغيرها) وبين حركة المعلم يعقوب، كما يشير إلى تشابهها مع جمهورية همام التي قامت في الصعيد ويعدها نموذجًا لنظام الحكم الذي يقترح يعقوب قيامه في مصر (٤).
والسؤال هو: استقلال مصر عن من؟ ولماذا؟ ومن الذي كان يحكم مصر؟ وهل لا بد من أن يأتي الاستقلال على يد الخائن يعقوب؟
إن لويس يقصد باستقلال مصر انفصالها عن الخلافة العثمانية أو الباب.  ..العالي؛ لأن ارتباط مصر بالشعوب الإسلامية، يجور على استقلالها، أما ارتباطها بالاستعمار الفرنسي، فهو بداية القومية المصرية والعصر الديمقراطي، وإذا كان المماليك والأتراك، يحكمون مصر، فلا بد من التخلص منهم أولاً -وليس من الحملة الفرنسية- ليكون نظام الحكم على غرار جمهورية الأمير همام في الصعيد الذي أعلن استقلاله بعد استنفار قواته لمواجهة الترك والمماليك جميعًا .. ومن ثم. فإن الاستقلال على يد الخائن يعقوب، يصبح هو طوق النجاة، الذي بشَّر به من خلال مشروعه الذي عرضه على الدول الأوربية ..
ترى ما الذي جعل المعلم يعقوب يبدو بطلاً لاستقلال مصر كما صوره لويس عوض؟
كان المعلم يعقوب يعمل في مجال الصرافة (تحصيل الأموال من المصريين)، وعندما جاءت الحملة الفرنسية استغلت نفرًا من طائفة النصارى المصريين والشوام، واستمالتهم إلى جانبها والقتال معها أو تأمين قواتها، ويشير (عبد الرحمن الرافعي) إلى أن نابليون أصدر أمره بتكليف كتيبة من الأروام المقيمين في ذلك العهد بالقاهرة ورشيد ودمياط وعهد إليها حراسة السفن الفرنسية أثناء مرورها بالنيل، وأراد نابليون من هذا الأمر أن يوفر بعض الجنود الفرنسيين، وأن يستخدم في هذه المهمة الأروام الذين أظهروا ولاءهم للجيش الفرنسي، لكن الأروام لم يتطوعوا لهذه المهمة بالعدد الذي كان ينتظره الفرنسيون (٢).
ويلاحظ أن الرافعي لم يشر إلى تشكيل الفيلق القبطي بقيادة المعلم.  
.يعقوب، الذي أسهب الجبرتي في الحديث عنه، وعن خيانته لوطنه .. يذكر الجبرتي في حوادث سنة ١٥٢١ هجرية (١٨٠٠ - ١٨٠١ م) أن "يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية، وجعلوه ساري عسكر الضبطة، جمع شبان القبط وحلق لحاهم، وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية، مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رءوسهم، مشابه لشكل البرنيطة، وعليها قطعة فروة سوداء من جلد الغنم .. في غاية البشاعة! وصيرهم عسكره وعزوته، وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى -التي هو ساكن بها- خلف الجامع الأحمر، ربنى له قلعة، وسورها بسور عظيم وأبراج، وباب كبير يحيط به بدنات عظام. وكذلك بنى أبراجًا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية، وفي جميع السور المحيط والأبراج طيقانًا للمدافع وبنادق على هيئة سور مصر الذي رمّه الفرنساوية، ورتب على باب القلعة -الخارج والداخل- عدة من العسكر الملازبين للوقوف ليلاً ونهارًا، وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية" (١).
هذا هو المعلم يعقوب الذي أعدّ أول مشروع استقلال لمصر كما يرى لويس عوض أنه يكوّن فيلقًا عسكريًّا على الطريقة الفرنسية يتكون من شباب النصارى ويشيّد التحصينات والقلاع ليحارب!! يحارب من؟ يحارب الفرنسيّين أم غيرهم؟ لو حارب الفرنسيّين، فإن مشروعه الاستقلالي يصبح ذا موضوع، ولكن الجبرتي يقول إنه: "تظاهر مع الفرنساوية"، أي صار ظهيرًا لهم، أي واحدًا منهم، أي عدوًّا لشعبه ووطنه الذي يزعم لويس أنه يريد أن يحقق له الاستقلال!.
والجبرتي -كما يصفه عبد الرحمن الرافعي- كان يتحرى الصدق والدقة. ويتوخى الحق، ولم يكن يتحيز لطائفة أو دولة، أو لأي إنسان مهما عظم نفوذه، ثم يقول الرافعي: "وإنك لتستطيع أن تتحق نزاهة الجبرتي من مطالعة كتابه وإمعان النظر فيه" (١).
والجبرتي هو الذي يصف لنا ما أنزله يعقوب -تحت ظلال حملة نابليون- بالشعب المصري، من خلال نزعته الطائفية التعصبية، فقد "كرنك في داره بالدرب الواسع جبهة الرويعي، واستعدّ استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين، وتحصّن بقلعته التي كان قد شيدها بعد الواقعة الأولى (أي ثورة القاهرة الأولى ضد بونابرت وجيشه). فكان معظم حرب حسن بك الجداوي (من زعماء المماليك) معه" (٢).
- ويذكر الجبرتي في حوادث سنة ١٢١٦ هجرية (٢٠ من المحرم = يونيه ١٨٠١ م):
"توكل رجل قبطي يقال له عبد الله -من طرف يعقوب- بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس، فتعدّى على بعض الأعيان، وأنزلهم من على دوابهم، وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه .. فتشكى الناس من ذلك القبطي، وأنهوا شكواهم إلى "بليار"قائمقام، فأمر بالقبض على ذلك القبطي، وحبسه بالقلعة، ثم فردوا -لعلها فرضوا- على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما أجرة من شيخ الحارة" (٣).
ويشير الجبرتي في حوادث سنة ١٢١٤ هـ (٢٠ من ذي الحجة = ١٥ مايو ١٨٠٠ م) إلى التعنّت الذي مارسه الفرنسيون بإرشاد القبطة وطوائف البلاد (أي بمساعدتهم) "لأنهم هم الذين تقلّدوا المناصب الجليلة، وتقاسموا الأقاليم، والتزموا بجمع الأموال، ويضيف "وانضم إليهم الأسافل من القبط والأراذل من المنافقين" (١).
ويتحدث الجبرتي في حوادث السنة ذاتها إلى تطاول النصارى القبط والشوام على المسلمين بالسب والضرب والنيل منهم وإظهار الحقد عليهم "ولم يبقوا للصلح مكانًا، وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحّدين" (٢).
هذا هو المعلم يعقوب أو الجنرال يعقوب وجماعته الذين كوّنوا جيشًا يتحالف مع نابليون لإذلال المصريين، فهل يمكن لعاقل أن يفهم بعد ذلك طبيعة المشروع الاستقلالي الذي يتحدث عنه لويس عوض؟
لقد تناول عدد من الكتاب مسألة المعلم يعقوب بالشرح والتحليل، منهم محمد جلال كشك، في كتابيه "ودخلت الخيل الأزهر"الذي أشرنا إليه من قبل، و"الغزو الفكري"حيث خصص له فصلاً كاملاً (من صفحة ٨٤ إلى ص ١٣٠)، ويردّ فيهما على مزاعم لويس حول يعقوب وبطولاته، واستشهد بما قاله "محمد شفيق غربال"الذي نقل عنه لويس ما قاله في يعقوب، واستشهد أيضًا بالجبرتي لدحض هذه المزاعم، ويعترف محمد جلال كشك أنه شارك في خطيئة الإشادة بالجنرال يعقوب عندما كتب مؤلفه "مصريون لا طوائف"، ويرجع ذلك إلى أنه كان صغير السن آنئذٍ" (٣).
ويخصص (أحمد حسين الصاوي) كتابًا كاملاً عن يعقوب، ويتناول الآراء التي قيلت فيه، ويصل إلى نتيجة تقول: "إنه لم يكن مجرد خائن.  لقومه وبلاده، فوصفه بذلك من قبيل إطلاق الأحكام العامة التي تفتقر إلى التحديد، والأدق أن يوصف بأنه منشق على نظام الحكم القائم وبنيته رافض له، ولكن ما أساء إلى موقفه أبعد الإساءة أن هذا الانشقاق والرفض اتخذ من البداية بُعْدًا طائفيًّا مذمومًا، فضلاً عما امتزج به من طموحات شخصية" (١).
ولا أدري بم نصف مواطنًا انحاز لعدوّ البلاد الذي قتل أبناءها واغتصب نساءها ونهب أموالها وخيراتها وأهلك قراها ومدنها .. ثم حارب إلى جانبه، وأسفر عن وجهه الطائفي المتعصّب، وآذى -كما أخبرنا الجبرتي- مواطنيه وشعبه؟ هل يكفي أن نصفه بالمنشق على نظام الحكم؟ أليست القرائن الدالة والسلوكيات التي مارسها يعقوب خير برهان على خيانته وعمالته؟
إن الصاوي نفسه يزيد هذه القرائن والسلوكيات توضيحًا عندما يقول: "لقد رفض يعقوب إذ واتته الفرصة أن يستمر في الخضوع لنظام الحكم الإسلامي، الذي كان في رأيه يمثل طغيان الأغلبية على الأقلية، وفي ظلّه تضطهد طائفته القبطية وتمتهن حقوقها، وانشق يعقوب على أمته، فصانع -كما رأينا- الحاكم الفرنسي منذ البداية، وذهب في مصانعته إلى أبعد مدى، وكان له من رفضه وانشقاقه موقف لم يحد عنه، بل راح ينتهز كل فرصة لإثباته وتأكيده، وهو موقف اتسم بنظرة طائفية متطرفة كانت لها مظاهرها التعصبية الحادة" (٢).
والصاوي نفسه هو الذي يصفه يعقوب بالشذوذ عن مألوف طائفته، وارتداء الزيّ المخالف، واتخاذ امرأة من غير جنسه بطريقة غير شرعية (كانت سورية)، ولم يكن رجال الدين راضين عن غروره وخروج تصرفاته معهم. 
.ومع الكنيسة عما تنبغي مراعاته من الأصول والتقاليد (١).
لقد كان يعقوب خائنًا بكل المقاييس، والأمر. ينطبق على أي مسلم ينضم إلى قوات العدو الغازية، أيًّا كانت الأسباب وراء هذا الانضمام، فما بالك برجل باع نفسه تمامًا للحملة الفرنسية، وقَبِلَ من أحد قادتها (كليبر) رتبة الجنرال، وبعد انهزام الحملة هرب معها؟
إن يعقوب ليس مجرد منشق، وإنما كان خائنًا، ألبسه (لويس عوض) تاج الوطنية، وأسند إليه شرف البطولة في البحث عن استقلال مصر عن الباب العالي ودولة الخلافة، وفضّله على واحد من أعظم أبطال مصر الحقيقيين وهو السيد (عمر مكرم) نقيب الأشراف الذي عزل (خورشيد باشا) وولّى (محمد علي) وألبسه الكرك ونزل الخليفة العثماني على رأيه ورأي علماء الإسلام، وإن كانت نتيجة بطولته أن نفي إلى دمياط!
ومع أن الذين ناقشوا آراء لويس حول يعقوب، قد اعتمدوا الأسلوب العلمي في مناقشة، وبيان تهافت ما ذهب إليه مع تفاوت آرائهم في الحكم على يعقوب، ألا أنه يكتفي بوصفهم بالرجعية والتعصب الديني، ويتوعدهم بحساب التاريخ، ويقول: وسوف يحاسب التاريخ الرجعية العربية حسابًا عسيرًا، لأنها سجدت أمام التمثال الذي أقامه شفيق غربال للجنرال يعقوب، ثم مزقتني إربًا لمجرد أنني رددت آراءه وترجمت وثائقه. ونقادي لا يستطيعون ادعاء الجهل؛ لأني أصلت لهم كل شيء قلته عن الجنرال يعقوب في شفيق غربال، فإذا كانوا قد رجعوا إليه، ومع ذلك تعمّدوا تمزيقي لطرق قضيّة (يعقوب اللعين) بهذه الحيدة أو بشيء من التعاطف، فإن هذا يثبت سوء نيتهم، وإذا كانوا لم يهتموا بالرجوع فهذا يثبت انحطاطهم لإصرارهم على.الإدانة رغم وجود شهود النفي. وعلى كل فقضية الجنرال يعقوب أخطر من أن تصرف بكلمتين فلي إليها عودة في مكانها الطبيعي" (١).
بالطبع، لم يعد لويس إلى القضية أبدًا، ولم يكن ردّه الانفعالي الذي سبّ فيه منتقديه، وصفهم. بالانحطاط وسوء النية والرجعية والتعصب الديني، كافيًا لإثبات حسن نيته .. فالعلم حجة وأخرى مضادة .. ومن يملك الدليل والبرهان لا يرد عليه إلا بالدليل والبرهان .. وكون شفيق غربال قد سبق إلى الكتابة عن يعقوب وصديقه الحميم لاسكاريس بالفرنسية أو نقلاً عنها، فهذا لا يعفي لويس من المؤاخذة؛ لأن القضية التي يناقشها لا تقتصر على شخص يعقوب، بل تمس تاريخ أمة وكيانها وحاضرها ومستقبلها، ولويس أبدى آراءه القاطعة، وأحكامه الجازمة، بل جعل عنوان الحديث عن يعقوب "مشروع الاستقلال الأول"، وربط هذا المشروع بما زعمه من تقديم الحملة الفرنسية معالم حضارية حديثة لمصر القومية والديمقراطية .. فهل يحق له بعدئذ أن يصرخ من تمزيقه إربًا؟ وهل هذا اعتراف ضمني بهشاشة موقفه؟ ألم يكن من الأولى أن يحدثنا عن بشاعة الحملة الفرنسية ودمويتها وكيفية مقاومتها، وقبح الانضمام إلى المستعمر الغازي أيًّا كانت الأسباب، وأيًّا كان الأشخاص المنضمين إليه؟ " (٢).
 
* الدكتور فيليب حتّى صاحب "تاريخ العرب"وتزييفه لتاريخ المسلمين والعرب:
"ما يزال كتاب "تاريخ للعرب"للدكتور فيليب حتى، مرجعًا من المراجع الهامة التي يعتمد عليها الباحثون وأساتذة الجامعات والكتاب،.   .
.كمصدر سهل ميسور بالرغم مما يحمل في تضاعيفه من أخطاء وشبهات، وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدوري مواجهة انحرافات هذا الكتاب في دراسة شاملة فأشار إلى أن تسمية مؤلفة (تاريخ العرب) تشعر بوجهة نظر مؤلفه الخاصة، فلم يسمه تاريخ الإسلام مثلاً، وهي تسمية تباين الكتاب في استعمالها بحسب تقديرهم لطبيعة هذا التاريخ، ومع أن نظرته لدور العرب الحضاري فيها مجال لإعادة النظر، إلا أنه يشعرك بأن العرب هم محور هذا التاريخ وقاعدته، أما مادة الكتاب فلا تشعر بوجهة نظر تاريخية، ولكنا نشعر أن مؤلفه وقع تحت تأثير مصادره أكثر مما تشعر بوجهة له، ونحن نرى في بعض النواحي الكتاب تلخيصًا لآراء حديثة لبعض المستشرقين أوردها لبعضهم تبين أنها واهية. لم يحاول المؤلف وضع مفهوم جديد للفتوحات ولم يخرج عن هيكل نظرية (كايتاني) رغم ما تعرضت له من هزات.
وتحدث المؤلف عن مناحي الحياة الفكرية في العصر الأموي وردد مع غيره أن العرب الفاتحين لم يكن لهم "أي ثقافة أو تراث فكري"، وأنهم تعلقوا بحضارة الأمم التي غلبوها فنقلوا عنها، وكانوا مهرة في النقل وأظهروا قابلية للغذاء العقلي. ويرى أن شجرة الفكر (العربي) التي ازدهرت في العصر العباسي تأصلت جذورها في ثقافات العهود السابقة في الإغريق والفرس واليونان. ونحن نعرف النشاط الفكري في العصر الأموي كما بان في عرف المؤلف نفسه -في الدراسات العربية الإسلامية، وظهر في مراكز عربية صرفة وهي المدينة والكوفة والبصرة، وأن الخطوط العامة لهذه الدراسات وضعت في العصر الأموي، أما الأخذ عن الحضارات القديمة فكان في حقل الإدارة (خاصة الضرائب)، وإن تسربت بعض الآراء فقد كان ذلك عرضًا وبطريق الاتصال الشفوي، ولم يحصل الأخذ المنظم إلا في زمن العباسيين، وهذا يصدق على "علوم الأوائل"ولا يمكن تعميمه على نواحي.  الفكر المختلفة.
ويتابع (فيليب حتى) نفس الوجهة حين يتحدث عن (الأندلس) فهو يرى أن سبب تأخر أسبانيا في نشوء فقه اللغة العربية والعلوم الدينية وكتابه التاريخ؛ "لأنه لم يكن عند الأسبان أهل البلاد من العلم والفن ما يفيدون به العرب بخلاف ما كانت عليه الحالة في الشام والعراق حين دخلهما الفاتحون"، ونسي المؤلف أن مراكز الدراسات العربية الخالصة وليس في المدن القديمة كدمشق والإسكندرية، وأنها كانت على يد العرب ولم يشارك فيها غير العرب جديًا إلا بعد أن تعربوا. وبعد هذا يحق لنا أن نتساءل: هل أن العرب خرجوا من الجزيرة وهم دون أي ثقافة أو تراث فكري، وماذا حل بعرب المدن في جنوب الجزيرة وشمالها. إن النقوش تكشف لنا تدريجيًّا عن نواح حضارية كانت مجهولة لدينا، كما أننا تحت تأثير مصادرنا - لم نعن بدراسة أثر عرب الجنوب في الحضارة العربية، وإذا كانت معلوماتنا الآن محدودة فإن هذا لا يخير لنا الحكم السلبي.
- كتابة التاريخ عند العرب:
ويذهب (فيليب حتى) إلى أن لكتابة التاريخ عند العرب أصولاً شيدت على أسس الطريقة الفارسية.
- ويقول الدكتور الدوري: وقد تبين لي من دراسة نشأة علم التاريخ عن العرب أن هذا العلم عربي النشأة والأصول، وأن خطوطه الأساسية تحددت قبل الترجمة عن الفارسية، ولذا فإن قول فيليب حتى بأن (المثال) الذي احتذاه المؤلفون فارسيًّا في الأصل على طريقة (خذ اينامه) مردود لأننا نعرف أن كتابة التاريخ على أساس السير وعلى أساس الأسر الحاكمة عرف قبل ترجمة "الخد اينامه"وقد بدأ علم التاريخ عند العرب من أصول تتصل بدراسة الحديث (المغازي) من جهة، وبمتابعة الاهتمام الموروث من الجاهلية بالأيام كما ظهر لدى الإخباريين.  - ويقول: الدكتور الدوري: أن ما أورده حتى عن المذاهب الفقهية فيه قلق، ومن الحديث يشعر بأنه لم يدقق ولم يستفد من بعض الباحثين المبرزين، وما كتبه عن الإسماعيلية والقرامطة يعكس ببساطة بعض الروايات الشائعة، وكأنه لم يستفد من الدراسات الحديثة.
وحديثه عن الشيعة قلق، وهو أحيانًا يلخص بعض المعلومات عن المصادر الأولية دون نقد، وتفسيره لانتشار الإسلام بأسباب مادية (ص ٤٤١) يحتاج إلى إعادة نظر، وقد فاته أن انتشار الإسلام في أدوار ضعفه السياسي كان أوسع من انتشاره قبل ذلك، ويكفي أن تشير إلى كتاب أرنولد "الدعوة إلى الإسلام". وتفسيره للشعوبية (ص ٤٨٨) بعيد كل البعد عن تحليل دوافعها واتجاهاتها، فهو يراها مجرد دعوة للتسوية في حين أن الحركة لها جذور عميقة في الوعي القومي والديني للشعوب الأخرى، وخاصة الإيرانيين وأنها بدأت بنبرة التسوية في العصر الأموي فإنها سرعان ما انتقلت إلى تفضيل العجم على العرب وإلى مهاجمة التراث والكيان العربي الإسلامي، وكانت وثيقة الصلة بالزندقة. ولكنها برزت في حركة أدبية فكرية قوية.
- كما قبل المؤلف أسطورة العبّاسة لتفسير نكبة البرامكة دون تمحيص" (١) اهـ.
 
* غاندي .. الهندوسي المتعصب يسرق الحركة الوطنية من المسلمين:
"الهندوسي المتعصب الذي أخفى هندوسيته البغيضة وراء المغزل والشاة.
وكان أول سياسي طالب بتأجيل الاستقلال مناديًا بمهادنة السلطة، وعدم مناوأة حكومة الاستعمار.
وكانت فلسفة غاندي التي استقاها من تولستوي ولقنوها لنا في الشرق.  هي التغاضي عن تصرفات المستعمر والاستسلام له.
- والحقيقة أن الزعماء المسلمين هم الذين أعلنوا استقلال الهند الحقيقي وعينوا قضاة المحاكم وحكام المقاطعات وتجاهلوا جميع كل السلطات وقد ظهرت آثار المسلمين واضحة في الحركة الوطنية وضعفت وطنية الهندوك فحاربوا المسلمين بكل سلاح حتى سلاح الفتنة الوطنية والدس الرخيص.
ا"كان السؤال: حول غاندي وتكريمه، والأحاديث التي تنشر عنه في الصحف، وتصويره بصورة البطل: ومحاولة القول بأنه كان رمزًا للمصريين إبان الحركة الوطنية المصرية بعد ثورة ١٩١٩ وكانت الإجابة كالآتي:
بدأت الحركة الوطنية لتحرير الهند في أحضان الحركة الإسلامية، وقد أزعجت الاستعمار البريطاني هذه الخطوة فعمدوا إلى القضاء عليها بأسلوب غاية في المكر والبراعة فقد نحى المسلمين عن قيادة الحركة الوطنية وأسلمها إلى الهندوس، وأجراها على الأسلوب الذي سيطر على الهند بعد ثورة ١٨٥٧ التي قادها المسلمون وكان الاستعمار البريطاني حريصًا على ألا تتحقق للمسلمين السيطرة على الهند بعد أن ظل الإسلام يحكم الهند أكثر من خمسمائة عام إلى أن أزاله الإنجليز.
والمعروف أن المسلمين قاطعوا مدارس الاحتلال وعزفوا عنها حتى أتيح لهم إقامة نهضة تعليمية داخل إطار دينهم وثقافتهم وذلك بإنشاء عدد من المعاهد الإسلامية، انتشرت في "لاهور"و"لكنؤ"ولم تلبث أن حققت تقدمًا واضحًا واسع المجال. ثم اتجه العمل لتحرير الهند فألفت الجمعية الإسلامية العامة في الهند لكنؤ (بومباي) وكان يشرف عليها كبار المسلمين في الهند مطالبين بحقوق المسلمين في الهند كوطنيين وكان الهندوك قد أعلنوا إنشاء المؤتمر الوطني العام وسموه المجلس الملّي الوطني الهندي العام. وكان غايته أن ينالوا حقوقًا سياسية تخولهم السيادة على الأقليات (وهم لا يريدون من.  .كلمة الأقليات غير المسلمين)، وفي عام ١٩١٠ نبهت حكومة الاحتلال إلى حركة الجمعية الإسلامية فأوعزت إلى محمود الحسيني أن يغادر الهند وقبض على أعوانه: أبو الكلام أزاد، حسرت مهاني، ظفر الله خان، محمد علي، شوكت علي. ولما عقدت الهدنة في ١١ نوفمبر ١٩١٨ أعلنت الحكومة البريطانية استعدادها لإجراء إصلاحات في قانون الهند. فاتفق الفريقان (المسلمون والهندوس) على عقد مؤتمر في لكنؤ يجتمع فيه زعماء الفريقين.
وفي عام ١٩١٩ أطلقت الحكومة سراح المسجونين السياسيين المسلمين، فاجتمع زعماؤهم في لكنؤ بدعوة مولاي عبد الباري رئيس علماء أفرنجي محل فتداولوا في تأسيس جمعية إسلامية لتنظيم مطالب الاستقلال وكان قد ظهر في هذا الوقت تآمر الدول الكبرى على تمزيق شمل الدولة العثمانية.
فأطلق على هذه الجماعة (جمعية إنقاذ الخلافة من مخالب الأعداء الطامعين) وتأسست جمعية الخلافة في بومباي (١٨ فبراير ١٩٢٠) برئاسة غلام محمد فتو، ميان حاجي خان. ودخل في عضويتها الزعماء المسلمون المعروفون في الهند، ودعت اللجنة المسلمين إلى جمع الإعانات للدفاع عن حوزة الخلافة، فأقبل المسلمون بسخاء وجمع ما لا يقل عن سبعة عشر مليون روبية إلى أضعاف ذلك كما يقول السيد عبد العزيز التفالي الزعيم التونسي الأشهر في تقريره الذي قدمه للأزهر الشريف في يونيو ١٩٣٧ بعد زيارته للهند ودراسته لأحوال المسلمين هناك.
كان (غاندي) إلى تلك الآونة غير معروف في الهيئات السياسية في الهند، وكان متطوعًا في فرقة تمريض الجنود، ولما انتهت الحرب وانفصل عنها كانت جمعية الخلافة في بدء تآليفها فأقبل عليها وكان اسمه غير معروف إلا بين الأفراد القلائل الذين عرفوه في جنوب أفريقيا. فتيامن به زعماء المسلمين رغم تحذير المولوي (خوجندي) وكان على صلة به من قبل، ويعلم من أمره.  ما لا يعلمون وبالأخص من ناحية تعصبه للهنادكة مع المسلمين. وشاءت الغفلة أن تنطوي هذه الحركة العظيمة على يديه. فقعد في جمعية الخلافة مقعد الناصح الأمين وجعل يشير عليها باستئلاف الهنادكة فقبل الأعضاء نصحه عن حسن نية، وندبوه للسعي إلى ذلك فقام وطاف الهند علي حساب الجمعية يدعو إلى الوفاق ويقول المطلعون على خفايا الأمور أنه كان يتصل بالهنادكة، ويتآمر معهم على شل الحركة الإسلامية ولما عاد من الرحلة سعى إلى إقناع جمعية الخلافة بانضمام إلى الكونجرس (المؤتمر الوطني) الذي تأسس لملاحقة المسلمين وانتزاع حقوقهم في الهند فانضمت إليه جمعية الخلافة وتبعتها بقية الأحزاب الإسلامية المعروفة ارتكازًا على الثقة في (غاندي) وعقد الكونجرس اجتماعًا فوق العادة بعد انضمام المسلمين إليه في مارس ١٩٢٠ في بلدة باكبور حضره ٢٥ ألف مندوب أكثرهم من المسلمين ولما تُلي عليهم القانون الأساسي اقترحوا تعديل المادة التي تقول: بإصلاح حالة الهند إلى عبارة (استقلال الهند) فوافق على ذلك المؤتمر، وشرعت الأحزاب الهندوكية منذ ذلك الوقت تطالب بالاستقلال التام طبق رغبة المسلمين، وكانوا قبل ذلك لا يطالبون إلا بإجراء إصلاحات. فارتاعت الحكومة (البريطانية) لهذا التعبير وعدته فاجعة في سياسة البلاد وعلى أثره ألقت القبض على الزعماء، وزجتهم في السجون.
واجتمع قادة الحركة وعرض أبو الكلام آزاد اقتراحًا باسم الأعضاء المسلمين يتضمن إعلان (الأمة الهندية) وبأن الحكومة الحاضرة غير شرعية.
مع دعوة البلاد إلى مقاطعتها فوافقت الجمعية، وانعقد على أثره (مؤتمر جمعية الخلافة) فأعلن موافقته أيضًا بالإجماع. وبعد أن جرى تصديق المؤتمر على قرار المقاطعة قام غاندي خطيبًا وقال: إن اتحاد الهنادكة مع المسلمين يبقى متينًا ما لم يشرع المسلمون في مناوأة الحكومة، ويشهروا السلاح في وجهها. ورد عليه أبو الكلام آزاد فقال:
"إن غاندي يتصور أن أعمال المسلمين في الهند لا تقوم إلا على مساعدة الهنادكة فقد آن له أن يخرج هذه الفكرة من دماغه وليعلم غاندي أن المسلمين لم يعتمدوا قط على أحد إلا الله عز وجل وعلى أنفسهم".
وشرعت الأمة الهندية عقب ذلك في مقاطعة الحكومة، وإظهار العصيان المدني فامتنعت عن دفع الضرائب والرسوم، وتخلى المحامون عن الدفاع أمام المحاكم. وأعاد الناس الرتب والنياشين، والبراءات للحكومة، وأحرق التجار المسلمون جميع ما في مخازنهم من البضائع الإنجليزية، وترك المسلمون الموظفون مناصبهم في الحكومة فحل الهنادكة محلهم وهاجر كثير من المسلمين إلى الأفغان بعد أن تركوا أملاكهم وأرضهم في الهند واشتدت المقاطعة في البنغال اشتدادًا عظيمًا ليس له مثيل، فقد امتلأت سجونها بالمقاطعين من المسلمين حتى إذا أعيى الحكومة أمرهم صارت تقبض كل يوم على ألف شخص في الصباح وتطلقهم في المساء؛ لأن السجون لم تعد تتسع للمعتقلين. وخطب اللورد ريدنج (الحاكم العام) في كلكتا فقال:
إنني شديد الحيرة من جراء هذه الحركة ولست أدري ماذا أصنع فيها.
ومن هذا السياق تستطيع أن تتصور قوة المسلمين في الحركة الوطنية، وضعفها في الهندوكية ولا شك أن الهندوكي بالغًا ما بلغ من النشاط السياسي لا يستطيع أن يجابه الحكومة، كما لا يستطيع أن يحارب المسلمين إلا بسلاح الدس. وقد اجتمع الزعماء المسلمون في عام ١٩٢١ وأعلنوا استقلال الهند استقلالاً فعليًّا وعينوا ولاة الولايات، وحكام المقاطعات، وقضاة المحاكم في جميع المدن.
فكان الوطنيون يرفعون قضاياهم أمامهم، ويتجاهلون محاكم الحكومة وبسبب ذلك تعطلت أعمال الحكومة والبوليس، وحدث ارتباك شديد في.  الدوائر العالية بالهند غير أنها بدلاً من أن تستعمل سلاح القوة القاهرة لكفاح الشعب الأعزل لجأت إلى المناورات السياسية وهي أشد خطرًا، وكان بطل هذه المناورات المهاتما غاندي، فقد اتفق اللورد ريدنج مع غاندي على حل الوفاق القومي بين المسلمين والهندوك وقد أذيع الحديث بواسطة المصادر البريطانية بعد ستة أشهر. فقد نقل إلى اللورد الذي قال لغاندي:
"إن مصدر الحركة الاستقلالية في الهند هم المسلمون، وأهدافها بأيدي زعمائها فلو أسرعنا وأجبناهم إلى طلباتكم وسلمنا لكم مقاليد الأحكام ألا ترى أن مصائر البلاد آيلة للمسلمين. فماذا يكون حال الهنادكة بعد ذلك؟ هل تريدون الرجوع إلى ما كنتم عليه قبل الاحتلال البريطاني وهل تفيدكم يومئذ كثرتكم وأنتم محاطون بالأمم الإسلامية من كل جانب، وهم يستمدون قوتهم منها عليكم. إذا كنتم تريدون أن تحتفظوا لأنفسكم باستقلال الهند فعليكم أن تسعوا أولاً لكسر شوكة المسلمين وهذا لا يمكنكم بغير التعاون مع الحكومة وينبغي لكم أيضًا تنشيط الحركات الهندوكية للتفوق على المسلمين في جميع الأعمال الحيوية وفي بلوغهم الدرجة المطلوبة فإني أؤكد لكم أن حكومة بريطانيا لا تتمهل في الاعتراف لكم بالاستقلال".
وقبل انصراف غاندي أوعز اللورد إليه أن يشير على (مولانا محمد علي) كتابة تعليق على خطاب كان ألقاه في مؤتمر الخلافة، وحمل فيه على الحكومة حملة عنيفة. يقول في هذا التعليق:
"إن ما فهمته الحكومة كان مخالفًا لمرادي"فصدع غاندي بالأمر ودعا محمد علي لكتابة هذا البيان بعد أن أفهمه أن الكتاب سيكون سريًا لا يطلع عليه أحد غير اللورد فكتب البيان تحت التأثير السحري الذي كان لغاندي عليه. وما كاد الخطاب يصل إلى اللورد حتى أذيع في جميع أقطار الهند بعد أن صورته الحكومة بمقدمة قالت فيها: إن محمد علي تقدم إلى الحكومة يطلب منها العفو عن الهفوة التي ارتكبها".
واتهم محمد علي من المسلمين بالتراجع، ورُمي بالخور والضعف غير أنه لم يحاول أن يصحح موقفِه إلا حين عقد مؤتمر في كراتشي (أغسطس ْ١٩٢٠) حين أعلن سياسة المناوأة للحكومة لا موالاتها. فتلقى منه الهنادكة والمسلمون هذا التصريح بالارتياح التام ولكن عقب انفضاض المؤتمر أمرت الحكومة باعتقاله مع ستة آخرين من الزعماء، شوكت علي، حسين أحمد، كثار أحمد، ببرغلام محمد، الدكتور سيف الدين كتشلو. وساقتهم جميعًا إلى المحكمة المخصوصة للمحاكمة. فرفضوا الاعتراف بالحكومة وهيبة المحكمة عملاً بقرار المؤتمر السابق وامتنعوا عن الدفاع عن المتهم. ولكن المحكمة أدانتهم بمجرد الاتهام، وحكمت عليهم بالحبس عامين مع الأشغال الموجهة إليهم. وبعد الحكم أصدر محمد علي، وسيف الدين كتشلو منشورًا بتوقيعهما يخاطبان فيه الشعب وينصحانه بعدم الاهتمام بما حصل ويعدانه بأن الزعماء المعتقلين سيحضرون اجتماع الكونجرس القادم في ديسمبر بمدينة (أحمد أباد) سواء رضيت الحكومة أم كرهت لاعتقادهما أن الكونجرس سيعلن بصفة رسمية استقلال الهند، وتأليف حكومة وطنية هي التي ستقرر الإفراج عنهم. ولكن الحكومة لم تأبه لهذا المنشور؛ لأنها كانت واثقة من أن الكونجرس لن يفعل. ولما عقد اجتماع الكونجرس (ديسمبر سنة ١٩٢٠) حضر غاندي وقال:
"بما أن الزعماء معتقلون، ولا سبيل للدولة معهم في منهاج أعمال المؤتمر فأقترح عليكم تعييني رئيسًا للمؤتمر، وتخويلي السلطة المطلقة لتنفيذ ما أراه صالحًا من الإجراءات".
فوافقته اللجنة على ذلك دون أن تنتبه إلى ما كان يضمره هو من.  المقاصد التي قد لا تتفق مع خطة المؤتمر، وتقرر فيها أيضًا إسناد رئاسة مؤتمر الخلافة إلى أجمل خان، ومؤتمر مسلم ليك إلى حسرت مهاتي. وقبل اجتماع مؤتمر الخلافة قال غاندي للحكيم أجمل خان:
"إن إعلان الاستقلال في الظروف الراهنة غير مناسب".
وما زال به حتى أقنعه بالعدول عن إعلان ذلك مع أن الزعماء المسلمين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، وكانت الحكومة تتوقع صدوره من أحزاب المسلمين بقلق شديد وما عساها تصنع لو تخلف غاندي عن الوفاء لها بوعده. وفي أغسطس ١٩٢١ أجمع الكونجرس تحت رئاسة غاندي في أحمد أباد فأعلن أن الوقت الذي يصرح فيه المؤتمر باستقلال الهند لم يحن بعد، فهاج الأعضاء وماجوا. وعقب انتهاء جلسات المؤتمر انعقد مؤتمر الخلافة، وتهيب الحكيم أجمل خان أن يثير عاصفة من قبل المسلمين فأمسك عن إعلان الاستقلال. أما حسرت مهاتي فقد أعلن في مؤتمر مسلم ليك أن الهند تريد أن تعرب بواسطتهم عن إرادتها في الاستقلال. فعلى الهنود أن يشعروا اليوم بأنهم مستقلون وألا يعترفوا بقوانين الحكومة الملغاة. فأمرت الحكومة بالقبض عليه وحكم عليه بالسجن عشر سنين مع الأشغال، وأجمعت الصحف الهندية على نقده ووصفه بالشدة وخفضت العقوبة إلى سنتين.
وعقب ظهور هذا الفشل الكبير في سياسة البلاد اعترت المسلمين شكوك في تصرفات غاندي، واستيقنوا أن زعماء الهنادكة متفقون على ذلك فدب الانشقاق بين الطرفين.
هذا هو النص الذي أورده العلامة الزعيم عبد العزيز الثعالبي عن دور المسلمين في الحركة الوطنية الهندية وكيف قضى عليه غاندي بالتآمر مع النفوذ البريطاني فانهار مخطط الاستقلال. وفي خلال سجن زعماء الحركة المسلمين تسلم غاندي الحركة وحولها إلى وجهة أخرى مخالفة مما دعا المسلمين منبعد إلى المطالبة بكيان خاص لهم.
هذا هو غاندي في حقيقته التي لم تعرف في بلادنا وفي المشرق. والتي أخفيت عنا تمامًا خلال تلك الفترة التي كان المصريون بتوجيه من السياسة البريطانية يعجبون بغاندي وبدعوته إلى الاستسلام للنفوذ الأجنبي وقبول ما يعرض وعدم العنف.
وهذه هي الفلسفة التي استقاها غاندي من تولستوي وذاعت كثيرًا في بلاد المسلمين معارضة لمفهوم الإسلام الصحيح من الجهاد المقدس في سبيل استخلاص الحقوق المغتصبة إبان الحركة الوطنية المصرية حيث كانوا يجدون في غاندي وأخباره ما يؤيد النفوذ الأجنبي ويدفع الوطنيين المصريين ناحية التفاهم مع الاستعمار البريطاني، ولذلك فإن هذه الصفحات التي ينشرها بعض الكتاب لرسم صورة مزخرفة لغاندي يجب أن لا تخدعنا كثيرًا فإنه رجل هندوسي متعصب لهندوسيته كاره للمسلمين. وقد كان هو وتلميذه نهرو أشد عنفًا وقسوة في معاملة مسلمي الهند، وكانت أنديرا غاندي ابنة نهرو إبان حكمها قد حكمت على المسلمين في بعض المناطق بتعقيمهم عن طريق العمليات الجراحية عملاً على الحد من تعداد المسلمين في الهند.
فيجب علينا أن نعرف الحقائق ولا تخدعنا الأوهام الكاذبة والصور البراقة التي يراد بها تغطية حقيقة واضحة وجريمة كبرى هي أن غاندي في الحقيقة سرق الحركة الوطنية من الزعماء المسلمين وتآمر عليهم مع الحكومة البريطانية وأدخل أمثال محمد علي وشوكت علي وأبو الكلام آزاد وهم من أقطاب المسلمين، أدخلهم السجون، وسحب بساط الحركة الوطنية بالتآمر من تحت أرجلهم، وحال دون قيام حكومة هندية حرة يكون المسلمون فيها سادة.
وذلك لخدمة الاستعمار البريطاني وتسليم الهند إليه لتحويل المسلمين إلى أقلية فيها مما دعا المسلمين إلى العمل على قيام باكستان والتحرر من نفوذ    غاندي والهندوكية والاستعمار البريطاني.
راجع تقرير الشيخ عبد العزيز الثعالبي (البلاغ ١٩٣٧) " (١).
 
* بطرس غالي الجد .. والحفيد وسجل الخيانات القذرة:
مسلسل لا ينتهي من مسلسلات الخيانة الصليبية ..
آية ذلك أن بطرس (بيتر) غالي كان مع التصور الغربي الصليبي الاستعماري قلبًا وقالبًا، مما يمكن معه القول أنه كان تلميذًا مخلصًا للمدرسة الاستعمارية التي رعاها (كرومر) وكان جده من طلائعها".
- "يحكي محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية السابق، في كتابه "السلام الضائع"عن فترة وجوده بكامب ديفيد برفقة أنور السادات عام ١٩٧٨ م فيقول (٢): "ومن النوادر التي حدثت في ذلك الوقت، كان بطرس غالي يحكي عن خطابات التهديد التي وُجِّهت له بعد مرافقته للرئيس السادات في القدس، ثم أردف قائلاً بالفرنسية: "إنهم يتهموني بأني الجيل الثالث من الخونة في عائلة غالي"فقتلت ضاحكًا: "كيف؟ إني لا أعرف إلا اثنين فقط، هما جدك، وأنت، فمن الثالث؟ "أجاب بطرس: فيقولون إن عمي نجيب باشا غالي، قد تورط مع الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى".
 
* الجد بطرس قاتل المسلمين في دنشواي الجيل الأول من الخونة في عائلة غالي:
- يقول آرثر إدوارد جولد سميث (الابن) (٣).  أطلق صيدلي شاب يدعى إبراهيم ناصف الورداني النار على بطرس غالي وأصابه بجراح خطيرة. على الرغم من نقله إلى المستشفى وإجراء عملية جراحية سريعة له لإخراج الرصاصات فقد أزهقت روحه، وتوفي في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي.
وقُبِض على الورداني في موقع الجريمة واستجوبته النيابة العامة، واعترف بجريمته، وقرر أن دافعه للجريمة هو خيانة بطرس للأمة بتوقيع اتفاقية الحكم الثنائي للسودان، وبرئاسة لمحكمة دنشواي، وإحياء قانون المطبوعات، والحث على قبول اتفاقية قناة السويس (١).
ورفض مفتي الديار المصرية إصدار فتوى تؤيد إعدام الورداني، وبُذِلت جهود عديدة لإنقاذ حياته، وبالرغم من أن الجميع توقعوا أن ينجو الورداني من الموت بطريقة ما، فإنه شنِقَ في سرية تامة في ٢٨ يونيو ١٩١٠.
بعد أربع سنوات تمامًا من تنفيذ أحكام دنشواي، وقبل أربع سنوات تمامًا من وقوع حادث اغتيال أخطر (٢).
- وكان بطرس غالي وزيرًا للخارجية في وزارة مصطفى فهمي وظل يشغل هذا المنصب لمدة ١٣ عامًا، وكان طوال الخمس عشرة سنة السابقة حريصًا على إبقاء حسن الروابط سواء مع الاحتلال أو مع القصر (٣).
ويقال إنه من قبل كان جاسوسًا على الحركة الوطنية لحساب الإنجليز (٤)، "قبل أن يتولى وزارة الخارجية في وزارة الاستسلام والولاء المطلق للاحتلال. البريطاني" (١).
وقد رأس بطرس غالي بنفسه، المحكمة الإنجليزية الكافرة التي شُكلت للنظر في حادثة دنشواي، وكانت تضم في عضويتها:
مستر (وليم جود) المستشار القضائي بالنيابة.
ومستر (بوند) وكيل محكمة الاستئناف، والكولونيل (لاولو) القائم بأعمال المحاماة والقضاء في جيش الاحتلال.
و (أحمد فتحي زغلول) (٢) رئيس محمكة مصر الابتدائية الأهلية.
و (عثمان رفقي بك) سكرتير الجلسة (٣).
وكانت المشانق قد وصلت قرية دنشواي لإعدام المتهمين، قبل صدور حكم المحكمة (٤)، وكان هذا واحدًا من الأسباب الرئيسية التي دفعت (إبراهيم الورداني) لاغتياله وفقًا لما جاء بأقواله.
أما السبب الثاني فهو امتياز شركة قناة السويس الذي كان مقررًا انتهاؤه في عام ١٩٦٩، ولكن بطرس غالي إرضاء للقصر الحاكم من ناحية، ولسلطات الاحتلال من ناحية أخرى قد وافق على مشروع المستشار المالي البريطاني بول هارفي بحجة سد حاجة الحكومة المصرية إلى المال المستباح الذي يغترف منه الخديوي وحاشيته ووزرائه بلا رقيب أو حساب، فاتفق مع شركة القناة لمد عقد امتيازها لمدة أربعين عامًا، لقاء أربعة ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة إلى جانب جزء من الأرباح من سنة ١٩٢١ حتى سنة ١٩٦٨.
.وقد ظل المشروع سريًا بينهم وكأن مصر عزبة خاصة بهم وحدهم يبيعون فيها ويشترون، حتى كشفه محمد فريد، عندما حصل على نسخة منه، ونشرها بجريدة اللواء ليشهد كل شعب مصر على طغمة ممن تآمروا عليه وخانوه.
وافتضح سر فكرة المشروع الذي نص على أن يُجدد عقد امتياز الشركة، بحيث تبدأ التسعة والتسعون عامًا، من تاريخ توقيع العقد الجديد، فيمتد أجل الامتياز حتى ٣١ ديسمبر سنة ٢٠٠٨.
أما ثالث خيانات بطرس، إعادة قانون المطبوعات القديم، الصادر أثناء الثورة العرابية -والذي أُبطل العمل به- لردع الصحف التي تجاوزت الحدود، وأجادت عملها في كشف المستور من الخيانات والمؤامرات، بحيث تحول التهم الصحفية إلى محكمة الجنايات مباشرة.
ثم تجيء رابع الخيانات الكبرى عندما وقع بطرس غالي اتفاقية السودان، التي أعطت الإنجليز حق الحصول على نصف حقوق مصر في السودان، وأصبح حاكم السودان تحت وصاية الخديوي، بناء على طلب حكومة إنجلترا.
ولذا كله، عندما سُئل إبراهيم الورداني عن دوافع ما فعله، قال:
"لقد قتلته؛ لأنه خائن وجزاء الخائن هو البتر" (١).
ومن قبل لما شرعت النظارة العدلية (وزارة العدل) المصرية عام ١٨٧٤ م، في التحضير لإنشاء المحاكم المختلطة -استجابة لأطماع النصارى التي تتجدد في صمت ودهاء بلا هوادة- بعد أن كانت تطبق نظم الشريعة الإسلامية فقط، أسندت إلى الجد بطرس باشا غالي بمعاونة محمد باشا قدري، ترجمة قوانين هذه المحاكم -التي احتوت على كثير من التشريعات     الفرنسية- إلى اللغة العربية، وهي التي ما زلنا نُحكَم بها حتى اليوم (١).
 
* الجيل الثاني من الخونة في عائلة غالي: نجيب وواصف غالي:
ظل نجيب غالي المسئول عن الخارجية المصرية طوال فترة الحماية البريطانية على مصر ومن أجل عيون الاحتلال، كان عينًا لهم بين صفوف الوطنيين، وكان عونًا لهم على تمثيل مصر في المحافل الدولية المشاركة في التآمر على تاريخ مصر.
ثم جاء شقيقه واصف بطرس غالي أفندي، ليشغل المناصب التالية على الترتيب في نفس التخصص:
- وزيرًا للخارجية في وزارة سعد زغلول باشا الأول.
(١٨ يناير ١٩٢٤ - ٢٤ نوفمبر ١٩٢٤)
ولقد لعب دورًا ضخمًا في تحقيق أهداف الإنجليز لدى وزارة سعد الوفدية، والتي تمثلت في الاعتراف بوجود بريطاني فعال في مصر عن طريق المفاوضات، إذ أن مثل هذا الاعتراف أدى بشكل قوي إلى تحقيق مرمى الاستراتيجية البريطانية حينذاك في تثبيت دعاماتها بأرض مصر.
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الأولى.
(١٦ مارس ١٩٢٨ - ٢٥ يونيه ١٩٢٤)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثانية.
(١ يناير ١٩٣٠ - ١٩ يونيه ١٩٣٠)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثالثة.
(٩ مايو ١٩٣٦ - ٣١ يوليو ١٩٣٧)
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الرابعة.
(أغسطس ١٩٣٧ - ٣٠ ديسمبر ١٩٣٧)
ويلاحظ أن واصف بطرس غالي كان أول وزير خارجية ممثلاً لحزب الوفد مع سعد زغلول في وزارته الأولى، ثم اختفى ليعود ثانية ملازمًا للتشكيلات الأربع لوزارات النحاس، ثم انتهى بانتهاء النحاس ولم يُسمَع له صوتٌ بعد ذلك.
ولم يحتفظ له التاريخ بسطر واحد، يمكن أن يشهد له أنه كان لمصر قبل الإنجليز، أو أنه تمثل موقفًا وطنيًا أعلن من خلاله رفضه للاحتلال والوصاية.
وحتى لا تترك أسرة غالي مجالاً لتَلَمُّس براءتها من هذه الأدوار المشبوهة في تاريخ مصر، أصدر (مترى بطرس غالي) عام ١٩٣٨ كتابًا على غاية من الخطورة في تلك الحقبة الخطرة، تحت عنوان "سياسة الغد"وضع فيه الخطوط العريضة للسياسة الوطنية المصرية تجاه الوجود الاستعماري، ظهرت من خلال سطوره، روح تعاونية مع البريطانيين، ثم تَذَمَّر من اهتمام المصريين وقادتهم، بالاستقلال والوطنية (١).
 
* بطرس غالي الحفيد ودوره الجهنمي في الصلح مع إسرائيل واليهود أصهاره:
- قال الباحث عبد العاطي محمد أحد تلاميذ بطرس غالي الأوفياء في حديث له بمجلة السياسة الدولية أن بطرس غالي كان "من أشد المتحمسين للسلام بين العرب وإسرائيل" (٢).
...* بطرس غالي الخائن فرعون السلام مع اليهود:
- ومن مذكرات موشى ديان (١) يقول ديان:
"اقترحت على غالي أن يطلب من السادات ألا يتكلم في نقاشه مع الحكومة الإسرائيلية، عن اشتراك هذه المنظمة في المفاوضات؛ لأن رد الحكومة سيكون بالنفي، ووعدني بذلك، وفعلاً لم يذكر السادات منظمة التحرير الفلسطينية في خطابه الذي ألقاه في اليوم التالي.
.. وعند مدخل فندق الملك داود، استطعنا بصعوبة بالغة اختراق جموع المضيفين والصحفيين. وقد رافقت بطرس غالي حتى غرفته ثم تركته وذهبت" (٢).
كما أشار ديان في مذكراته أيضًا، إلى أنه شعر بالارتياح لمحادثاته مع غالي، حيث قال: "إننا نظمنا خلافاتنا، وطالب ديان غالي عوضًا عن بحث المشاكل، الكلام عن العلاقات التي ترغب إسرائيل في إنشائها مع مصر .. فركز غالي على تحديد إطار للتسوية الشاملة" (٣).
ولما تبادل ديان مع غالي الكلام حول مدينة القدس الشريفة.
- قال ديان لغالي:
"إننا عندما نبحث مستقبل القدس، فإننا سنعمل جيدًا إذا لم نبدأ البحث بسيادة القدس، بل نعالج مشاكل الأماكن المقدسة" (٤).
وبدلاً من أن يغضب بطرس غالي في وجه ديان، والذي أثار دهشة.   
.ديان، أن بطرس علق قائلاً:
- نعم، إنه يجب أن نتطلع لمحاولة إيجاد مفهوم جديد يتعلق بسيادة القدس.
كانت الإجابة غامضة، لكنها على كل حال تسير في نفس اتجاه ديان، مما شجعه على طرح السؤال الأكبر.
- إذا كان بإمكانك أن تبحث مع ( ... ) مسألة السيادة على القدس، ذلك أن اهتماماتهم ومفهومهم عن القدس قد أصبح مفهومًا قديمًا وقد طواه النسيان؟
فتأمله غالي ثم أجابه بهدوء:
- إنك على حق"ا. هـ.
"وشارك غالي في المركز الأكاديمي المصري -الإسرائيلي بالقاهرة كعضو عامل وفعال، من خلال محاضراته وجهوده الدءوبة لبث ثقة متبادلة بين الشعبين"وحث تلاميذه على ترسيخ مفاهيم التطبيع، وإنشاء المصطلحات السياسية والثقافية والفكرية التي تعمل على إذابة الجليد بين المصريين والصهاينة.
- ثم يضيف الدكتور نبيل السمان (١) قائلاً:
"وَأحَبَّ الدكتور غالي أن تُلتَقط له صور تمثل معركة قاديش التي جرت عام ٢٩٩ قبل الميلاد، والتي جرت بين مصر الفرعونية وإمبراطورية الحيثيين، ونتج عن هذه المعركة الفاصلة، قناعة لدى فرعون مصر، رمسيس الثاني، والذي تمتع بشهرة عالمية واسعة، وأول من وقع معاهدة سلام مع خصومه من منطق قوة، وليس ضعف، إذ كان يشعر بسطوته، وضعف أعدائه، ولكن.  .السلام الذي أرسى رمسيس دعاتمه، يمكن أن يمتد ليومنا هذا حسب ما يشير إليه الدكتور غالي:
"ما توصل إليه سكان المنطقة قبل ثلاثة آلاف سنة، يمكن لأبنائهم أن يحاكوه ويقلدوه" (١).
ولكن مقولة الدكتور غالي، لا تنطبق على المصريين أو العرب، حسبما نرى ويرى هو، ولكنها تنطبق تمامًا -وهذا ليس بغائب عن فهم الدكتور- على الإسرائليين الذين يملكون من أسباب المنعة والقوة من الأسلحة النووية، والتقليدية .. ما لا يملكه خصومهم العرب.
ونظرًا لكون الدكتور غالي أحد مهندسي معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، والتي أدت إلى توقيع معاهدات كامب ديفيد -السرية والعلنية- فإنه يشعر أن من حقه وضع الفرعون رمسيس -كمثله الأعلى- في التسامح والسلام الواقعي ولذا، كان سباقًا، فقبل مشاركته السادات في رحلته التاريخية إلى القدس وضع تصورًا كاملاً لتفاصيل اتفاقية السلام مع الصهاينة، وحدد نقاط اهتمامه بضرورة التعايش السلمي بين مصر الفرعونية (!! ) والصهيونية ذات الأصول الفرعونية أيضًا، ويشير إلى ذلك قائلاً:
"لقد عملت في المفاوضات مع إسرائيل لسنوات طويلة، حتى أن الإسرائيليين اتهموني بأني المهندس الأكاديمي لمبادرة الرئيس السادات ( ... ) لكن ما حدث أن الإسرائيلبن بحثوا في مقالاتي، ووجدوا مقالاً كنت قد كتبته في مجلة السياسة الدولية، وذكرت فيه صراحة، أنه لا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي مع إسرائيل.
ووجدوا أيضًا أنني قمت في عام ١٩٧٥ بعمل ندوة في مركز. الدراسات السياسية والاستراتيجية (بمؤسسة الأهرام)، ودعوت فيها بعض العناصر الصهيونية، وعلى هذا الأساس بنوا افتراضهم هذا ( ... ) " (١).
 
* بطرس غالي وما أدراك ما بطرس؟
كانت نقطة التحول الكبرى في حياته العملية، تدريسه في جامعة كولومبيا الأمريكية من خلال منحة فولبرايت الأمريكية وهي هيئة صليبية صهيونية ومركزها وتمويلها المالي من أمريكا.
- وعندما تسلم بطرس ملف أفريقيا في الخارجية المصرية كانت الغالبية العظمى من الدول الأفريقية ملتزمة بقطع علاقاتها مع الكيان اليهودي ثم تغيرّ الوضع على يد بطرس صدق أو لا تصدق؟!
ففي إحدى ندوات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة القاهرة سأل أحد الباحثين بطرس غالي:
- كيف تذهب إلى إسرائيل في إطار العلاقات المصرية الإسرائيلية، وتطالب الأفريقيين بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل؟!
كان السؤال في موضعه الصحيح حيث تزامن مع تهافت عدد من الدول الأفريقية لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، استجابة للضغوط الأمريكية عليها، وكان رد بطرس عجيبًا، فقال:
- أنا أقول للأفريقيين أن مصر أقامت علاقاتها مع إسرائيل لاستعادة أراضيها، أما أنتم فإن إسرائيل لا تحتل أراضيكم، وبالتالي لماذا تقيمون معها علاقات!!
واندهش بطرس من طرح إحدى معيدات كلية الاقتصاد  .السياسية يومها حول حتمية توظيف مصر للعنصر الإسلامي لمحاصرة التغلغل الصهيوني في القارة السوداء، وأنه بدون الاستناد إلى الظهير الإسلامي، فإن التنافر بين مصر والكيان الصهيوني في أفريقيا سيكون في صالح الأخيرة التي تحرص على توظيف عقيدتها اليهودية وتحظى بدعم الولايات المتحدة ومنظمات التبشير في آن واحد.
وكان مثار دهشة بطرس أن علاقات الكيان الصهيوني مع أفريقيا تنحصر في مجال التعاون الأمني والزراعي، حيث تقوم بتدريب أطقم الحراسة لعدد من الرؤساء الأفارقة، وترسل عددًا من خبرائها في الزراعة إلى عدد من الدول الأفريقية .. فقط ليس أكثر من هذا!! وهل هناك تعاون أكثر من هذا!! (١).
 
* كفى كفى يا بطرس:
صدرت عن الدكتور بطرس غالي سكرتير الأمم المتحدة عدة تصريحات منذ بدأ مهام منصبه أثارت غضب واستياء الكثيرين؟ فقد صرح بأن القرار ٢٤٢ غير ملزم لإسرائيل. وقد قال هذه العبارة باللغة العربية، والمعنى واضح تمامًا، وليس هناك أي مجال للتحجج بأن الترجمة غير دقيقة.
وعلى مدى ٢٥ عامًا في صدور القانون ٢٤٢ تولى خلالها منصب السكرتير العام للأمم المتحدة عدة أشخاص، لم يصدر عن أي منهم مثل هذه العبارة التي قالها الدكتور غالي والتي تفتح الباب أمام إسرائيل لمزيد من التبجح والتهرب من تنفيذ قرار الأمم المتحدة. طلب المسئولون الفرنسيون من الدكتور بطرس غالي بعد انتهاء العدوان الهمجي البربري للصرب على جمهورية البوسنة والهرسك بأن ترسل الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام ومنع اعتداءات الصرب على البوسنة والهرسك، فرفض الدكتور بطرس غالي إرسال قوات من الأمم المتحدة؛ لأن القدرات الحالية للأمم المتحدة لا تسمح بذلك! وهو أمر لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال.
ويثير الشكوك حول حياد الأمم المتحدة في التعامل مع دول العالم المختلفة، إرسال أكثر من أربعة عشر ألف جندي من القوات تحت أعلام الأمم المتحدة بسلاحهم ومدرعاتهم إلى كرواتيا قبل أن يصدر عن الدكتور غالي رفضه إرسال قوات إلى البوسنة والهرسك بأسابيع قليلة.
ثم رفض الدكتور غالي طلب مجلس الأمن بإشراف الأمم المتحدة على عملية تسليم الأسلحة الثقيلة بمقتضى اتفاقية لندن، وبعث بخطاب شديد اللهجة، لأعضاء مجلس الأمن يحتج فيه على عدم إشراكه في اتخاذ القرار، وقال: إنه لن يوصي بتنفيذه، موضحًا أن أحد أسباب رفضه يرجع إلى مسألة الأولويات.
وبعد ذلك بأيام تقدم الدكتور غالي يطلب من مجلس الأمن الموافقة على زيادة عدد قوات الأمم المتحدة في كرواتيا، وتمت الموافقة على ذلك، أي أنه بكل وضوح يكيل بمكيالين.
يرفض إرسال قوات عددها ألف ومائة رجل إلى البوسنة والهرسك للسيطرة على الأسلحة الثقيلة، وفي نفس الوقت يطلب زيادة القوات في كرواتيا التي يوجد بها بالفعل أكثر من أربعة عشر ألف رجل من قوات الأمم المتحدة.
إن الاختلاف الجذري الذي حدث في تقييم العالم للدكتور بطرس غالي.   ..يوم توليه مهام منصبه كسكرتير عام للأمم المتحدة والتقييم الذي تردده الصحافة الدولية الآن، ليس من قبيل الصدفة، بل على ما أعتقد أنه عقاب من السماء للدكتور بطرس، على رفضه منذ شهور إرسال قوات من الأمم المتحدة لحفظ السلام في البوسنة والهرسك مثل ما تم في كرواتيا.
- إن عشرات الآلاف من القتلى قد صعدت أرواحهم إلى الله تشكو وأن عشرات الآلاف من الجرحى الذين يتألمون لا يكفون عن التوجه إلى الله بالدعاء ( ... ) وقد نقلت شبكة تلفزيونية أمريكية عدة مشاهد تصور فظائع معسكرات الاعتقال الصربية لأبناء البوسنة والهرسك من المسلمين، وصفها مراسل الشبكة التلفزيونية بأنها وحشية لا مثيل لها في التاريخ".
 
* قبل أن نفقد الذاكرة:
نشرت مجلة الدعوة السعودية (٢٥/ ٢/١٩٩٣) الخبرين التاليين:
- (جثمان) مجلس الأمن:
قام المبعدون الفلسطينيون في مخيم مرج الزهور بالجنوب اللبناني، بتشييع جثمان مجلس الأمن إلى القبر وذلك بعد أن رضخ المجلس لشروط ومطالب إسرائيل ورفض تنفيذ قراره رقم ٧٩٩ الذي يقضي بعودة جميع المبعدين إلى الأراضي المحتلة فورًا.
قام المبعدون بمسيرة في موقع إبعادهم، حملوا فيها (جثمان) مجلس الأمن، وقد كتبت عليه عبارة "مصداقية مجلس الأمن إلى مثواها الأخير"وألصق على وجه (الجثمان) علم الأمم المتحدة.
وتقدم المسيرة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين والدكتور عزيز دويك والشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى .. نعم هذا هو مجلس الأمن!!.   * بطرس والمُبْعَدُون!!
من الواضح أن الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس صرف نظره عن قضية المبعدين، كما صرف نظره عن الأعمال الإجرامية البشعة التي يقوم بها الصرب ضد المسلمين. كما غفا بصره عن الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الهند في كشمير والتي يقوم بها راموس في الفلبين ضد المسلمين، والتي تقوم بها السلطات البورمية ضد مسلمي أركان .. ولكن بطرس بطرس متيقظ تمامًا لأي تحرك مسلم حتى ولو كان للدفاع عن النفس .. فمنذ أيام أصدر بطرس بيانًا شديد اللهجة ندد فيه بالهجوم الذي شنته القوات المسلمة على مواقع صربية قرب مطار سراييفو .. وكان لسان حاله يقول: "على المسلمين أن يسلموا أعناقهم لتقطعها خناجر الصرب ولا يجوز لهم حتى التأوه".
القوات المسلمة في البوسنة شنت هجومًا كبيرًا على الصرب في منطقة ابليدزا القريبة من المطار .. !!
 
* بطرس يذبح فلسطين على مذبح الأمم المتحدة الماسونية وفي ظل حكومته العالمية:
- نتيجة من النتائج:
إن قول بطرس بأن قرار الأمم المتحدة كانت رقم ٢٤٢ غير ملزم هو وصف لم تستطع إسرائيل نفسها أن تدعيه، بل كانت تلف وتدور حوله بالادعاء بأنها كانت في حالة دفاع عن النفس في حرب ١٩٦٧.
وكانت أول مرة تشير إسرائيل إلى شيء قريب مما قاله بطرس غالي، عندما خرج الإرهابي مناحم بيجين بعد اجتماعه مع السادات في الإسماعيلية ليقول في مؤتمر صحفي:    "إن الرئيس السادات اعترف لي بأن قرار عبد الناصر مطالبة سحب القوات الدولية من سيناء، يحمل معنى العدوان وأن إسرائيل كانت محقة فيما اتخذته من إجراءات".
ولم يعلق السادات على هذا الكلام وقتئذ!!
وكان هذا التقسيم لقرارات الأمم المتحدة إلى قرارات ملزمة وأخرى غير ملزمة هو الأول من نوعه في تاريخ المنظمة الدولية (١).
 
* بطرس غالي صاحب فكرة جامعة سنجور التنصيرية:
- قال بطرس غالي: "إن الدائرة التي يجب أن تنال اهتمامنا يجب أن تكون الدائرة الأفريقية؛ لأن مصر دولة أفريقية بالأساس، ليس فقط كذلك، ولكنها دولة أفريقية ممتدة جنوبًا حيث تظهر منابع النيل".
ولم يكتف د. بطرس بطرح هذا التوجه السياسي المشبوه، على شعب مصر الإسلامية العربية لسلخ مصر عن الأمة التي تنتمي إليها، لغة وعقيدة وجغرافية وتاريخًا وحضارة، بل أراد وحقق ما أراد، بوضع أسس عملية لهذه العلاقة التاريخية" (٢).
- فلقد أعاد الجسور بين الكنيسة المصرية وبعض الكنائس الأفريقية التي كانت قد اتخذت مواقف عكسية بعد انفصال الكنيسة الأثيوبية عنها.
- ثم إنه هو صاحب فكرة إنشاء الجامعة الدولية الناطقة بالفرنسية، على غرار الجامعة الأمريكية في مصر والتي تحرر عقد إنشائها في ٢٧/ ٥/١٩٨٩ بالعاصمة السنغالية داكار وبذل جهدًا جبارًا ليكون مقرها الإسكندرية، وأطلق. عليها اسم "جامعة سنجور"ومن مهامها الأولى بعد مهمة التنصير، صناعة زعماء المستقبل للدول الأفريقية في ظل النظام الدولي الجديد الذي تم التخطيط له منذ سنوات.
وقد قام الرئيس مبارك بافتتاحها في ٤/ ١١/١٩٩٠ وحضر الافتتاح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، والرئيس السنغالي عبده ضيوف، والرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو، وولي العهد البلجيكي، والرئيس السنغالي السابق ليوبولد سنجور الذي أطلق -بطرس- اسمه على الجامعة.
 
* ضيوف بطرس يوم افتتاح جامعة سنجور التنصيرية:
وإذا كانت فكرة إنشاء هذه الجامعة تشكل أهمية في التدليل على خيانات بطرس للتاريخ ودأبه على زرع هذه القلاع الكنسية في بلاد المسلمين، فإن الدليل الذي لا يصح إغفاله، هو تسليط الضوء بإيجاز شديد على ثلاثة ممن استضافهم بطرس لافتتاح الجامعة.
 
* سنجور:
هو (ليوبولد سنجور) الذي تحمل الجامعة اسمه تعبيرًا من بطرس عن اعتزازه به وإشادة بدوره التنصيري في أفريقيا.
وهو صليبي متعصب يكره الإسلام والمسلمين.
- ولد من أبوين مسلمين في السنغال، ثم خطف إلى فرنسا منذ صغره، وأُعد إعدادًا متميزًا ليكون هو أول رئيس لجمهورية السنغال بعد تحررها الشكلي من الاحتلال العسكري الفرنسي الصليبي، فمارس كل أشكال الإرهاب والقهر ضد المسلمين هناك، ومنع إنشاء المساجد، ولم يسمح بأي نشاط اجتماعي للمسلمين في غير الأطر التنظيمية التي تسمح بها الكنائس هناك.   وبذلك فإن اختيار اسم الجامعة التي أقيمت على أرض الإسكندرية،
بأن يكون اسمًّا لصليبي، ذي أصول إسلامية، فإنما يحمل رسالة ودلالة، لمسلمي مصر من ناحية، ولنصارى فرنسا وما يتبعهم من كنائس في بلاد المسلمين من ناحية أخرى.
 
* موبوتو سيسي سيكو:
هو القديس (٦٢ عامًا) الذي تمر أشعة الشمس من خلال أشجار الغابة والزجاج الملون لنوافذ كنيسته، فتصنع حول رأسه هالة من الضوء متعددة الألوان، قابضًا يديه الاثنتين معًا على صدره، منحنيًّا يصلي في صمت الرهبان.
تولى الحكم الديكتاتوريَ المطلق لأكثر من ٣٥ مليون زائيري منذ ٢٧ عامًا، لم يغب فيها مرة واحدة عن قُداس يوم الأحد إلا لسفره خارج بلاده، وما خرج يومًا من قداسه، إلا واجتمع بحاشيته في القصر الرئاسي المجاور للكنيسة، ليحتسي شرابه المقدس من الخمر (شمبانيا لوران بيرون الوردية).
اتخذ لنفسه اسمًا يصعب على أي بشر أن يحمله، أو يترك سلطانًا لحكم وقع تحت يديه، وهو: "موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبيندو وازا بانغا".
ومعناها: "المحارب شديد المراس الذي وبسبب قوة تَحَمُّله وصلابته، سيفوز خارجًا من نصر إلى نصر مخلفًا النار في أثره".
 
* فرانسوا ميتران:
أما عن فرانسوا ميتران ذلك الصليبي المتعصب، فيكفي أن نذكر عبارته الوقحه التي بثها عن طريق وكالات الإعلام الصهيونية في ديسمبر الماضي ١٩٩٢ وتناقلتها أجهزة الإعلام العربية بغباء شديد قوله:
"إنني لا أرضى على ما يحدث في البوسنة من جرائم بشعة، لكنني لن.   .أسمح بأن تكون البوسنة دولة إسلامية في قلب أوربا".
 
* بطرس وميوله الصليبية للغرب:
في ندوة نظمتها جمعية القانون الدولي في لاهاي عام ١٩٥٦ "وقف بطرس غالي الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة وقتها؛ ليؤيد التدخل الفرنسي والإنجليزي في قناة السويس .. وعندما كرر بطرس غالي ترديد هذه الآراء غير الشريفة لم يتمالك الدكتور عز الدين فودة -أستاذ المنظمات الدولية في جامعة القاهرة نفسه، وطرح بطرس غالي أرضًا، وانهال عليه ضربًا بالأيدي والنعال، ولم يخلّصه منه إلا عم "حسّان"مسئول المطبعة بالكلية" (١).
 
* اختيار بطرس سكرتيرًا وأمينًا عامًا للأمم المتحدة بيت صهيون:
- تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) (٢):
"إن الذي قد يغيب عن الوعي العام، هو أن هيئة الأمم المتحدة هي البديل الصهيوني الأمريكي من عصبة الأمم المتحدة، التي قامت بعد إعلان هدنة الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من نوفمبر سنة ١٩١٨، ونيط بها تنفيذ الميثاق الذي أعلنه مؤتمر السلام من قصر فرساي بجنيف في العالم التالي للهدنة، وفيه تقرر وضع فلسطين تحت انتداب بريطانيا العظمى التي سبق أن أعلنت (وعد بلفور) من لندن في نوفمبر سنة ١٩١٧.
من شهود العصر، الكونت دي سان أوكلير (السفير الفرنسي بلندن وقتئذ) وقد سجل في كتابه: "في جنيف نحو السلام"نص برقية من ألف. * كلمة تلقاها "الرئيس الأمريكي نيلسون" -رئيس مؤتمر السلام- يوم ١٨/ ٣/١٩١٩ م من (يعقوب شيف) ممثل المنظمة اليهودية في الولاية المتحدة الأمريكية، عن القضايا الخمس المعروضة على مؤتمر السلام، وأولاها قضية فلسطين.
وأكد السفير أن النصوص التي تضمنتها معاهدة فرساي، هي من وضع (يعقوب شيف) وأبناء جلدته، وذلك ما صرح به (حاييم وايزمان) في خطابه في المؤتمر الصهيوني في بودابست سنة ١٩١٩، قال:
"إن منظمتنا ستلعب دورها في تنظيم العالم الجديد بعد الحرب، إننا نحن الذين صنعنا عصبة الأمم، وسوف نتابع السير وراء هذه المنظمة الدولية لتوجيهها ( ... ).
ومن ثم كانت المنظمة الصهيونية وراء نقل عصبة الأمم من جينيف إلى نيويورك باسم هيئة الأمم المتحدة، مفيدة بمجلس الأمن، الذي يحكم العالم الجديد بحق (الفيتو)، ينقض ما لا ترضاه الشرعية الدولية لهيئة الأمم المتحدة.
وجاء في محاضر مؤتمر المحافل الماسونية العالمية المنعقد في ٢٨، ٢٩، ٣٠/ ٦/١٩١٧ - أي قبل أن يفكر أحد من غير اليهود في تأسيس عصبة الأمم:
"إنه لمهم جدًّا أن نبني مدينة المستقبل السعيدة. ومن أجل تلك المهمة الماسونية الصادقة دعيتم اليوم. لقد حولنا هذه الحرب إلى نزاع رهيب بين الديمقراطيات المنظمة والقوى العسكرية الجبارة. لقد تحطمت في هذا الإعصار القوى القديمة (القياصرة) ولسوف تجرف رياح الحرية (المزيفة) بقية الحكومات، فلا مندوحة إذن من صنع سلطة عالمية عليا. إن الماسونية صانعة السلام، تطرح على بساط البحث موضوع هذه الهيئة الجديدة: عصبة الأمم".    .* بعد قيام عصبة الأمم:
- قال اليهودي جسي سامتر في كتابه "الدليل إلى الصهيونية": "إن عصبة الأمم فكرة يهودية قديمة".
- وقال اليهودي الماسوني لينهوف في جريدة "واينر فريمور رازايتنج"عدد ٦ عام ١٩٢٧ م:
"لقد صدق الذين يربطون بين عصبة الأمم والماسونية؛ لأن عصبة الأمم كما هي اليوم مشتقة من تعاليم الماسونية وأفكارها".
- وقالت جريدة (Judische Rundschau) اليهودية في عددها ٨٣ عام ١٩٢١ م.
"المكان الصحيح لعصبة الأمم ليس "جنيف"أو "لاهاي" .. لقد حلم جينزبرج بهيكل على جبل صهيون حيث يدشن ممثلو جميع الأمم الهيكل (المزعوم) في المكان الأبدي. ولا يمكن أن يقوم سلام ما لم يتوجه جميع الناس في العالم لزيارة ذلك الهيكل كسيّاح".
- وقال المؤرخ اليهودي إسرائيل زانجويل في جريدة "الجويش جارديان"
اللندنية بتاريخ ١١/ ٦/١٩٢٠ م: "إن معاهدات الأقليات هي المحك لعصبة الأمم، وذلك هو اهتمام اليهود وطموحهم".
وقال الصهيوني ناحوم سوكولوف في المؤتمر اليهودي الذي عقد في كارلسباد بتاريخ ٢٧/ ١/١٩٢٢ م ونشرته جريدة نيويورك تايمز في اليوم التالي:
"إن عصبة الأمم فكرة يهودية، لقد صنعناها بعد كفاح دام ٢٥ سنة.
وستكون القدس يومًا ما عاصمة للسلم العالمي. إن ما حققناه نحن اليهود بعد كفاح ٢٥ سنة، يرجع الفضل فيه إلى زعيمنا الخالد تيودور هرتسل". * الأمم المتحدة:
أنشأ اليهود عصابة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي دبروها وخططوا لها، لتقرر بدء عملية تهويد فلسطين، ولتشرف على تنفيذ تلك العملية الإجرامية.
ثم دبر اليهود وخططوا للحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها أنشأوا الأمم المتحدة لتقوم بالمرحلة الثانية في جريمة اغتصاب فلسطين، بإصدار قرار تقسيمها وإنشاء دولة لليهود على أرضها المقدسة.
ومنذ إعادة تأسيس بيت صهيون باسمه الجديد (الأمم المتحدة) وهي تضم ٦٠% من موظفيها من اليهود الصهاينة مع أن نسبة عدد اليهود إلى سكان العالم لا تزيد على ٠. ٥% أي نصف في المائة.
وكانت الأمم المتحدة من إنشائها حتى يومنا هذا أداة في خدمة فكرة الصهيونية، وكل قرار لها يتعارض مع رغبة اليهود يُجمَّد، ولا تجد من يثيره أو يطالب بتنفيذه؛ لأن أكثر من ١٠٠ دولة تعترف بإسرائيل وتتبادل معها التمثيل السياسي والقنصلي وترسل سفراءها إلى مقر الحكومة اليهودية في القدس.
وليس هذا فقط وحسب، بل إن الأخطبوط اليهودي المحتل ينشب أظفاره في كيان الأمم المتحدة، يوجه نشاطها إلى مصلحة الصهيونية العنصرية، والإحصائية التالية تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، وهذه الإحصائية عن السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ م تثبت جانبًا من قوة ذلك الأخطبوط، الذي ما زال باسطًا أذرعه على كل إدارات الجمعية، ومسيطرًا على كل مناطق النفوذ والقرار فيها، وبيانها كما يلي:
تريجفي لي: أول سكرتير عام للمنظمة، يهودي ويظن الناس أنه عميل يهودي فقط.  
 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles