Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

الرئيس سليمان فرنجية ..الوجه الآخر

$
0
0
 
تأليف : محمد السويسي
مادفعني إلى الكتابة عن الرئيس سليمان فرنجية حالياً هو كتاب طالعته خلال هذا الأسبوع آلمني ماجاء فيه وقد حوله مؤلفه من كتابة سيرة زعيم عروبي إلى التحدث عن قائد ماروني متزمت  لم يكن لدى الرئيس فرنجية أي صفات منها إلا ضمن الأفق السياسي اللبناني  الذي يتناوله الدستور في توزيع الصلاحيات والوظائف على الطوائف والمذاهب وفق نسبها من قبل أن يكرسها دستور الطائف بصورة نهائية .
ولاأعتقد أن الرئيس فرنجية لو كان حياً ، بماعرفته عنه عن قرب ، ليوافق على مضمون هذا الكتاب الذي اشاد فيه المؤلف على غير حقيقة وواقع الرئيس سليمان  فرنجية وتطلعاته ونظرته للواقع اللبناني وفهمه له الذي انتهجه وفق المنظور السياسي الذي يتداوله الساسة في لبنان بعيداً عن الطائفية والعصبية الدينية أو المناطقية .
لإنه لمن المستحيل أن تعرف  قائد سياسي ما عن حق إلا بالإقتراب منه وسبر أغواره . وقد عرفت سليمان فرنجيه معرفة حقة وقريبة وفقاً لموقعي الوظيفي كرئيس مصلحة سابق لدى وزارة الإقتصاد ، وموقعي السياسي فيما سبق كعضو في هيئة التنسيق الشمالية وكممثل للرئيس أمين الحافظ في هذه الهيئة ثم ممثلاً للدولة نيابة عن المحافظ ،  ومن ثم قربي الشديد من دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي وتكليفه لي بمهمات عدة سياسة وإقتصادية في الداخل والخارج ، مما زاد من التقارب وتوطد العلاقات والصداقة المتينة  بيني وبين الرئيس سليمان فرنجية لما في ذلك من مصلحة مشتركة لطرابلس وزغرتا .
لقد كان الرئيس فرنجية فارساً بكل معنى الكلمة في عروبتة ووفائه لأصدقائه . وكانت علاقاته مع مؤيديه وأنصاره عفوية تتجاوز البروتوكولات كزعيم أو كرئيس سابق . وكان يعتبر ان طرابلس وزغرتا مدينة واحدة وعائلة واحدة ، رأيت تفسيرها على ارض الواقع بما كنت أرى عنده من وجهاء وشخصيات طرابلسية ومن عامة الناس الذين كانوا يقصدونه لخدمات خاصة .
كانت زياراتي له متعددة متقاربة ولكن بناء لمهمات ، إذ لم يسبق أن توجهت اليه دون مهمة رسمية  أو متعلقة بشأن مشترك بين زغرتا وطرابلس . وسوف أوجز المقال بإيراد عدة محطات أعتقد أنها كافية للتدليل والتعريف عن نفسية الرئيس فرنجية ونمط تفكيره وتوجهاته بالنسبة لمدينة طرابلس ولبلدته ولأصدقائه .
تعرفت إليه بداية الثمانينات ، إذ كنت قد  اتفقت مع الموظفين في المصلحة في طرابلس على القيام بجولة  في زغرتا على الباعة ومحطات الوقود والأفران . وكان من الطبيعي أدبياً أن أمر للتسليم عليه ، بغض النظر عن طلب الموظفين المرافقين من مدينة زغرتا إذ أني كنت أعرف الأصول . وقد رحب بي وأبدى إستعداداً للمساعدة في جولاتي ضمن زغرتا والزاوية ، وقد شكرته .  إذ كانت زيارتي بحكم العمل الذي تقتضيه الوظيفة ، كما زياراتي لكل مدن وقرى محافظة الشمال دون إستثناء ، من باب التعرف إلى أحوال البلاد ونشاطها  وطرق عمل الموظفين وحركة الأسواق والتجارة فيها ، أكثر منها للمراقبة مع وجود موظفين يقومون بواجباتهم في زغرتا وسائر أقضية الشمال ، لأضمنها تقاريري المعتادة إلى الوزارة ، بالمعاينة الشخصية كل فترة ،  وفقاً للأصول الإدارية ضمن مدد محددة  .
مع تعدد المهمات ، خارج إطار عمل الوزارة وضمنها ، نمت الثقة والصداقة مع الرئيس فرنجية ، إذ كنت في كل مرة أرى فيه بصورة أوضح وأعمق ، صفات الزعامة القائمة على التواضع والإندفاع للخدمة العامة والسهر على راحة مواطنيه ومتطلباتهم ماأمكن . وقد فاجأني في إحدى المرات  ، في تعليق على موضوع  معين بأنه كان موظفاً مطلع شبابه لدى مصلحة مياه طرابلس وأنه لم يكن يرى في ذلك حرجاً بل فخر له ، مع أنه لم يكن بحاجة للوظيفة ، ولكن حبه لطرابلس وأصدقائه فيها  وقتذاك أشغل فيها نفسه بتلك الوظيفة  وإن كان لوقت غير طويل ، وقد اتخذ منزلاً لسكنه وعائلته في المدينة لشدة تعلقه بها  وحبه لها .
معظم الأحيان كنت آتيه دون مواعيد مسبقة لأن مجيئي عادة مايكون طارئاً فأجلس معه في الصالون بين مواطنيه الذي كانوا يأتون للتسليم عليه ، فيحادثونه ويحادثهم في الأمور العامة واهتمامات زغرتا ، قبل أن ننتقل بعد قليل الى غرفة جانبية . وأول مرة شاهدت سليمان الصغير (النائب الحالي ) ، كان فتى ، وقد دخل علينا مع مرافقين  الى الصالون فإذا بجده  يأخذه بالأحضان ويقبله إذ كان يكن له حباً جارفاً وقد أشغله عن جميع الناس إلا أنه لم يلبث إلا قليلاً ليذهب مع مرافقيه إلى داخل القصر  .
ومع توطد العلاقة مع الرئيس فرنجية وجَدَت الدولة أن التوسط معه من خلالي أضحى أكثر سهولة مما كان عليه من خلال آخرين . وللحقيقة أن الرئيس فرنجية كما قلت كان فارساً في شهامته إلا أن معظم من كان  يأتي اليه في امر ما من الحكومة أو الدولة كان لايحسن الحديث أو التصرف ، لذا كان الأمور دائما تنتهي إلى طريق مسدود .
وبالمناسبة أذكر أن أحد المسؤولين الكبار قد إتصل بي ، مطلع الثمانينات ، لأمر هام فالتقيت به في مكتبه بناء لرغبته  لأجد معه بعض أركان السلطة يتشاورون بموضوع هام  يتعلق بضرورة جمع الرئيسين رشيد كرامي وسليمان فرنجية بعد طول إنقطاع بينهما وأنهم  فشلوا في ذلك لعدم معرفتهم الكيفية والأسلوب ،  إلى ان نصحهم البعض بالإتصال بي لما تربطني من علاقة جيدة مع الزعيمين لتحقيق هذا الأمر من أجل مصلحة طرابلس وزغرتا والشمال ، وبالفعل تم تحديد الموعد في نفس الجلسة دون الرجوع اليهما ، مع إقتراحي أن يكون المكان خارج طرابلس بالطبع ،  وفق ترتيبات معينة  ، ولم أجد أي إعتراض فيما بعد على ترتيباتي التي اقترحتها بالنيابة عنهما والموعد ، وتم اللقاء بعد عدة أيام مع نهاية الأسبوع .
أمر أخر يتعلق بزغرتا وقد نشأ  نزاع بين حارتين في زغرتا ورفع السلاح وغاب الناس عن الشوارع عند نقاط  التماس ،بسبب  الخلاف بين لجنة الدقيق المدعومة من الرئيس فرنجية والعائلات ،  وبين هذا الشخص الذي دعا الى تعديل توزيعاتها بعد أكثر من سبع سنوات من العمل بنظامها .  إتصل بي الرئيس فرنجية صباحاً على الهاتف لأحضر ، وأخبرني عن الموضوع باقتضاب وطلب منى التوسط لإنهاء الوضع . الحقيقة إستغربت لهذا الطلب وأنا الغريب عن البلدة ورجوته أن يكلف آخرين من داخل زغرتا  ، ولكن ببصيرته قال لي أنت  على معرفة بالآخرين بحكم وظيفتك وأنت الأصلح لأنك موظف رسمي فاستعمل صلاحياتك لإنهاء هذا الوضع المستجد  ، أجبته ليس من مشكلة إلا ولها حل يافخامة الرئيس ولكني أريد تفويضاً كاملاً دون الرجوع اليك لأن الجو الذي شاهدته من مظاهر السلاح والتوتر  وأنا قادم اليك لايحتمل الذهاب والإياب  ، أجاب انت تمثلني واختر الحل الذي تراه ، ومع وجودي لن يراجعك أحد وسألتزم بما تتفق مع الطرف الآخر   ولو  كان فيه غرماً ، فالمهم أن يتوقف التوتر في البلدة  ولاأريد دماً فكل شيء يرخص للمحافظة على الوحدة والألفة في زغرتا . كبر في عيني ولم تكن المفاوضة المضنية سهلة إلا أن ابناء زغرتا إجمالاً ينتخون ، ومن هذا الباب  تمت تسوية الأمر .وعاد الوئام واختفي السلاح خلال دقائق وعادت الأجواء طبيعية وقد زال التوتر .
رواية أخرى ، أذكر أنه كانت هناك مناسبة رسمية في زغرتا ، وكان على المحافظ أن يمثل رئيس الجمهورية ، إلا أن المحافظ لم يكن ليجرؤ على التوجه للإحتفال إذ كان غير مرضي عنه من الرئيس فرنجية ولم أكن أعلم بذلك .
 إتصل بي المحافظ واخبرني بالمشكلة وأنه لايجرؤ على الصعود إلى زغرتا وأن كثيرين حاولوا إصلاح الأمرلأكثر من عام  إلا أنهم لم يوفقوا ، طالباً مني التوسط لإصلاح ذات البين ، أجبته إن شئت تستطيع ان ترافقني لتجد أن الرئيس فرنجية سيستقبلك بما عنده من فروسيه ولن يخذلك إن دخلت إلى بيته ، إلا أنه أصر أن أجس له النبض . وبالفعل توجهت الى الرئيس فرنجية فوراً وشرحت له الأمر ، والواقع أنه كان مغتاظاً منه بشدة ، إلا انه لم يمانع مطلقاُ بأن يستقبله كممثل لرئيس جمهورية البلاد وقتذاك وأن يصافحه أيضاً وأنا بجانبه وانتهى الإشكال . وقد انتهزت في حينه الفرصة ، إذ كان الرئيس فرنجية غاضباً من أحد كبار رجال الدين من طائفته ، الذي كان يعتبره محابياً للقوات اللبنانية ضده ،  لألطف  الموضوع وإنهي هذا الخلاف المزمن معه  وليتواجد  مع المحافظ في الإحتفال  ولينتهي الإشكال بالمصالحة معه أيضاً .
أمر اخير اكتفي به وأعتبره كافياً ، رغم وجود الكثير غيره ،  وهو أن قائد مدينة طرابلس كان برفقة وفد رفيع من إحدى الوزارت وزارني في مكتبي بالسراي برفقتهم راجياً مني الإتصال بالرئيس فرنجية ليجتمعوا به لأنه يرفض اللقاء مع الوفد رغم وساطات عدة .
الواقع أن الرئيس فرنجية كان يقول لي دائماً أنت لاتحتاج إلى موعد لأنك تستطيع أن تأتيني متى تشاء وإلا فلن أستقبلك بموعد ؟! ومن هنا قلت فلنتوجه مباشرة  فذلك أفضل لئلا يرفض إن اتصلنا به لتحديد موعد للقاء ، ولندخل إليه كضيوف فعاداتنا وعادات أهل زغرتا واحدة فالضيف له صدر البيت ، إلا أنني إستأذنت قليلاً قبل التوجه معهم للإتصال بمدير مكتبه، دون أن أطلب الرئيس فرنجيه ،  ووضعته في الجو  ليخبر  الرئيس أنني في طريقي اليه لأجتمع به مع ضيوفي .
وبالفعل وصلت الى القصر فوجدنا  سيارة بانتظارنا توجهت امامنا نحو مزرعة خاصة قريبة من زغرتا ،  حيث وجدت الرئيس جالساً وسط كشك  خشبي أبيض جميل وقد استقبلني بحفاوة ورحب بي وعاتبني أن اتصلت بمدير مكتبه قائلاً ، سبق وان أكدت عليك أنك تستطيع أن تأتيني متى تشاء دون موعد مسبق ولك صدر البيت ،  وضيوفك أستقبلتهم إكراماً لك .؟! الواقع أحرجني هذا الكلام إلا انه أكد لي عمق الوفاء من الرئيس فرنجية لأصدقائه ، لأنه في الواقع كان يريد إسماعهم وقد عجزوا عن الإجتماع به لأسابيع ، ولم يتمكنوا من لقائه  إلا من خلالي ، وقد  أنتهزت الفرصة ورجوته أن يستمع اليهم وإن يسهل امورهم ، عندها رحب بهم واستمع اليهم ، بل وأبقانا جميعاً الى الغداء.
فأين الطائفية أو المذهبية الدينية أو العصبية المناطقية بعد هذه الأمثلة القليلة ، بما جاء في الكتاب الذي سبق أن أشرت إليه أعلاه ، عن سيرة هذا الرجل القائد والزعيم ؟! لقد خسرنا الرئيس سليمان فرنجية  كقائد لبناني صميم كما خسرنا الرئيس رشيد كرامي ، ونحن حالياً نعاني من أزمة مرجعيات قيادية لإعادة النهوض بلبنان من كبوته .لقد كان هم الزعيمان فرنجية وكرامي مصلحة طرابلس وزغرتا وحسن الوئام بينهما كما مصلحة لبنان والشعب اللبناني .

Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles