Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Derek Reynolds

$
0
0

Derek Reynolds

 

هو رجل إنجليزى يكبرنى بحوالى 7 أو 8 سنوات. كان يعمل معى فى نفس الشركة مساح كميات وهى مهنة لا تعرفها شعبات الهندسة المختلفة فى مصر حيث أنها ليست هندسة. فعملهم ينحصر فى حساب الكميات وقراءة اللوحات لكى يجهزوا كراسة المواصفات بالكميات المعروفة فى هذه المرحلة. وقد كان يعمل فى موقع آخر غير الموقع الذى كنت أعمل فيه ولكننا كنا نلتقى كثيرا بسبب صداقته لإنجليزى آخر هو أنتونى بيركنز الذى كان نديم طعامى فى أى مطعم يقع عليه إختيارنا كل ليلة بعد العمل فى نفس الموقع فى برلين.

وكنت كلما قابلناه ألاحظ نبرة إنتقاد واضحة فى حديثه لكل شىء وكان ذلك فى أعوام 94 و95 و96. وفى ذلك الوقت لم تكن الصين قد فتحت أبوابها بعد للمستثمرين الأجانب بالطريقة التى نعرفها الآن، حيث أنها كانت لا تزال تداوى جراح حادثة تيان آن من فى عام 89. وكان ديريك هذا ساخطا على الصين بالذات لأنها لا تفتح الباب للشركات الأجنبية لكى تعمل هناك. وكان يقول دائما هم بحاجة إلينا لأنهم لا يملكون ال know how  اللازم لإعادة بناء البلد. وكان دائما يحاجج بأن صناعة الإنشاءات الغربية لابد لها من أن تستمر فى حالة عمل وإلا فقد العالم هذه المعارف والخبرات بسبب عدم الإستعمال وأن أفضل سوق متاح لذلك هو الصين حيث أن الدول الأوروبية لا تحتاج لذلك كما أن الدول العربية النفطية لم تكن قادرة على تلك التكاليف حيث أن سعر برميل البترول طوال التسعينات لم يتعد ال 13 دولار على ما أذكر..

وفى أحد المرات عندما كنت أناقشه بأن الأمر يتعلق بقرار صينى لا قرار غربى وأن كل دولة لها الحرية لكي تتخذ ما تراه كفيلا بتحسين حال الحياة لمواطنيها إلخ.. إنفجر فىّ قائلا"إذن قل لى أين يمكن للمرء أن يكسب مالا  make money  لو لم يعمل فى الصين وتلك الدول؟".

وهنا تدخل أنتونى بيركنز صديقى الآخر وصرخ فيه"هم لا يحتاجون إليك. فالصينيون حاذقون ولديهم من القدرة السريعة جدا على التعلم مما يحرمك من عمل هذه الثروة التى تحلم بها"..

ولكن ديريك لم يكن قادرا ولا مستعدا لأن يتفهم أن الصين حرة فى قرارها.

وشربنا جميعا ونسينا الأمر وذهب كل منا فى حال سبيله.

وهذه القصة على بساطتها إلا أنها تعرض لنا كثيرا مما آخذه على العقلية الغربية فى مجال الأعمال، وبالتالى وبالتبعية فى مجال السياسة.

ومغزي هذه القصة البسيطة واضح لكل ذى عينين.
فإذا كان إبن خلدونقد عاب على العربي البدوي أنه عندما يشعر بالجوع لا يرد على خاطره سوي الإغارة على جاره ليسرق منه ماعز أو أى شىء يسد به رمقه، ولا يفكر أبدا فى أن يعمل بطريقة تدر عليه دخلا يكفيه ممارسة البلطجة فالملاحظ على الغرب أنه كلما شعر بالجوع لا يخطر على باله إلا التجارة مع الغير حتى يسد رمقه أيضا. وفى سبيل ممارسة التجارة فهو لا يتورع عن شن الحروب كما فعلت إنجلترا فى حروب الأفيون فى الصين. وأكثر من ذلك فإن حركة البوكسر الصينية فى آخر عام من القرن التاسع عشر لم تكن تهدف إلا إلى مقاومة نفوذ التجار الأوروبيين داخل الصين بعد أن جاءوا بالكائن الحديدي ذى الألف رجل (القطار) والذى جعل الحمالين التقليديين بلا عمل حيث أنه يحمل أكثر كثيرا وأسرع وأبعد مدى وبالتالى فهو أرخص منهم.. والحركة تم إخمادها بمجهود عسكرى غربى مشترك بين كل الدول الأوروبية تقريبا وأشهرهم ألمانيا وكان ذلك مهانة كبرى للكبرياء الصينى حيث أنهم أنهوا حياة الإمبراطورية الصينية ودخلوا المدينة المقدسة ودنسوها إلى آخر القصة المعروفة.
وجورج بوش الأب عندما كان رئيسا منتخبا جديدا لم يدخل البيت الأبيض بعد ولكنه فاز بالإنتخابات قابل ميخائيل جورباتشوف فى واشنطن وكان أول سؤال وجهه إليه هو ما هى الضمانات التى تستطيع أن تقدمها لى الآن لكى أنقلها لرجال الأعمال الأمريكيين حتى يمارسوا نشاطهم فى الإتحاد السوفيتى فى عهده الجديد من الإنفتاح الذى تدعو إليه؟

وهذه الصراحة التى لا نفهمها نحن فى الشرق هى الروح التى أملت على إنجلترا كل حملاتها الإستعمارية عبر 300 عام وفى كل القارات.
وبيان نابليون إلى الشعب المصرى لدى دخوله إلى مصر كان يتكىء فى تبرير غزو مصر على أن المماليك الأشرار لا ينصفون التجار الفرنسيين!!

وكل علاقات الدولة العثمانية مع أوروبا كانت تدور حول حقوق التجار الأوروبيين فى العمل على أراضى الدولة العثمانية ولا شىء غير ذلك.

وهذه المطالبات كانت هى السبب فى الإمتيازات التى أعطتها الدولة العثمانية للدول الأوروبية على اراضيها فيما يتعلق بالتقاضى وتنفيذ الأحكام. والإمتيازات الأوروبية قديمة بدأها المماليك ثم توسعت فيها الدولة العثمانية وهو موضوع تحدثنا فيه من قبل.
ولكن ما يهمنى هو دراسة تلك الروح المتميزة التى تملى على الغربيين تلك التصرفات. فكل من لديه فهم سوىّ يعرف أن العقود هى تصرفات رضائية ولا يمكن في شأنها ممارسة الإجبار. وسواء كان البائع مليئا أو مفلسا فلا يمكن إجبار الطرف الثانى على الشراء.

إلا أن هذه القواعد القانونية البسيطة تسري فقط علي المجال الخاص أي بين الأفراد..

 بينما المجال العام، أي الذي يخص الدولة، له ‏قواعد مختلفة.

‏فالولايات المتحدة أو إنجلترا تجاهران في كل العالم بحجة تجعل الآخرين لا يحارون جوابا.

أنها حجة المصالح. فالسياسيون في هذين البلدين ‏بالذات، خلافا للمعمول به في أوروبا، لا يخجلون من وضع تلك الحجة بمنتهي الصراحة أمام الجميع.

 

وأظن أن هذه الطريقة الصريحة أو قل الفجة فى التعبير عن دوافع التصرفات هى طريقة بريطانية فى الاساس وبالتالى إنتقلت إلى الولايات المتحدة حيث أن الفرنسيين أو الألمان أو الهولنديين أو غيرهم من الأوروبيين أو أصحاب الأصول الأوروبية لم يستعملوا هذه الحجة إلا حديثا جدا وبعد الحرب العالمية الثانية بمدة طويلة. وقد إستعملتها أستراليا مثلا فى عام 1997 لكي ترسل قواتها لمراقبة إعادة إنفصال شرق تيمور عن إندونيسيا حيث قالت أن لها مصالح تريد الحفاظ عليها.

والأوروبيون الأصليون مثل فرنسا وألمانيا بل وحتى إسبانيا كانوا يتذرعون بأسباب أخرى مثل الإكتشاف الجغرافى أو نشر التنوير أو حتى نشر كلمة الرب كما كانت إسبانيا تقول.

ولست أجد تبريرا لهذا الإختلاف إلا التبرير القانونى. فالدول الأوروبية جميعا هى من وارثى القانون الرومانى بينما إنجلترا وحدها دولة شريعة عامة. والقانون الرومانى يعرف ويعترف بمبدأ حرية التعاقد ويقدس هذا المبدأ ويبطل أى تصرف يقوم على غير هذه الحرية. والشريعة العامة أيضا تعرف هذا المبدأ إلا أن الفارق ربما يقع فى قيمة ووزن السابقة فى نظام الشريعة العامة.

ولست أعرف السبب الذى جعل من تلك الحجة مقبولة وراسخة فى العقلية البريطانية سوى أن إستعمالها عدد من المرات قد نجح فى تحقيق الغاية منه وبالتالى إستقر فى وجدان الإنجليز أن ما قبل عدة مرات يرقى إلى مستوى القاعدة القانونية التى لا خلاف عليها. وهذا التكرار هو ما يثبت السابقة ويجعل لها مرجعية راسخة.

والحديث حول الفروق فى العقلية والثقافة بين نظامي القانون المكتوب والقانون المستنبط من الشريعة العامة هو حديث طويل للغاية وكتبت فيه مراجع كثيرة، وله مجال وموعد قد يأتى فيما بعد..


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles