Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-9

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
 

- قال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان، والنيران من العرب (١).
ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم ولو رغم أنف الدكتور في نار جهنم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
- قلت: قد يوحي الشيطان إلى الدكتور أن هذه السورة في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم - كما يزعم الذين خرجوا عن الأمة الواحدة، أو لم يقيموا دينهم مثلاً، لا أستبعد ذلك منه، فيقال: لو صح ما تقول -وهو خرافة إبليسية- لقيل لك إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا طيبهم -عندك- وخبيثهم وهذا بين، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمنًا! وهذا ما لا تقول به باعترافك لأنه لم يقر بالتوحيد ولأنهم كلهم محاربون للدين الجديد.
٢ - قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.
٣ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]، الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين. ٤ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}.
٥ - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١٥٠ - ١٥٢].
- قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد - صلى الله عليه وسلم - والسامرة لا يمؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يمؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله {يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا ومسلكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛لأنه ليس شرعيًّا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه لو نظروا حق النظر في نبوته" (١). قلت: وهذه الآية أعتقد أنها قاصمة الظهر للدكتور .. فأين المفر؟.
٦ - قال تعالى عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.
٧ - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}.
٨ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا} [النساء: ٤٧].
- قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا" (٢).
٩ - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا. ثم في هذه الآية أمر لنا بالإيمان بالكتب السابقة. أفلا يُستغرب أن نؤمر بالإيمان بكتبهم ولا يؤمرون كما يرى الدكتور بالإيمان بكتابنا والرب واحد؟
١٠ - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ .. } الآية. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} قلت: فإذا كفتهم رسلهم فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؟.
١١ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
١٢ - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}.
١٣ - قال تعالي: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى!
الوجه الثاني: مما يشهد على كفرهم من السنة: وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن؛ لأن الدكتور لا يؤمن إلا به!.
١ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"قال النووي: "وقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم" (١).
٢ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" (٢).
  - قلت: أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه - صلى الله عليه وسلم -.
٣ - عن أبي موسى "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل -وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -" (١).
- قلت: والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى، ثم رجع إلى دينه قتل؛ لأنه مرتد ولم يقل أحد كالدكتور أن الأديان كلها توصله إلى النجاة. وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره. ثم لو تأملنا قول الدكتور لوجدناه يلغي كتبًا وأبوابًا في الفقه الإسلامي بعنوان "حكم المرتد"!.
الوجه الثالث: إن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى، ولم يشذ أحد منهم غير من ذكرناه من غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع": "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا" (٢).
- وقال ابن تيمية: "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة" (٣).
وقال: "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم" (٤).
.وقال: "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام" (١)
الوجه الرابع: أن يقال هذا القول منك قد ناقضته كعادتك بنفسك! بل وفي كتابك هذا "الإسلام والوحدة القومية"! وهذا من أطرف ما عثرت عليه من تناقضاتك الكثيرة فقد قلت فيه: "إن الإسلام على الرغم من أنه دعوة للبشر أجمعين إلا أن سنن الله في الكون وقوانينه لن تتبدل أن يظل الخلاف والاختلاف والتمايز قائمًا بين البشر في الدين .. فلن يجتمع الناس على دين واحد .. ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى أن يكره الإنسان إنسانًا على الدخول في دينه .. ومن يحب النجاة لأخيه ويتمنى أن يقاسمه نعيم الجنة فأولى به أن يسلك لهدايته طريق الحكمة والموعظة الحسنة لا طريق الحرب والسيف والعنف والإكراه"فقد اعترفت بعدم دخولهم الجنة!!.
الوجه الخامس: يقول الشيخ عمر الأشقر -حفظه الله-: "قد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في طريق وسط بزعم التوفيق وأخبر أن هذا فعل المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (٢).
٢ - محمد عمارة والوطنية:
١ - مر معنا أن الدكتور عمارة يرى نجاة اليهود والنصارى يوم القيامة إذا تمسكوا بدينهم الآن ولو لم يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام وهذا تمهيد منه للوطنية وأن المسلم المصري لا يفرق بين المسيحي واليهودي المصري إلا بالشريعة التي أراد الله بحكمته أن تتنوع بين البشر. فلا فرق بيننا إذن عند الله .. وبعد أن قرر الدكتور هذا سهل عليه أن يقول ما شاء في الوطنية.
٢ - يقول الدكتور: "عندما هاجم المستعمرون الإنجليز مصر سنة ١٨٠٧ بحملتهم التي قادها الجنرال فريزر لم يكونوا يعتمدون مثلاً على أقلية من الأقليات الدينية التي تعيش في مصر .. وإنما كان الذين تعاونوا مع الحملة الإنجليزية الفاشلة هم أمراء المماليك بقيادة الألفي بك .. وهم الأمراء الذين لم تكن تربطهم بأهل البلاد روابط حضارية ولا قومية ولا عرقية، ولم يكن بينهم وبين المصريين سوى رابطة الدين""نظرة جديدة" (٢٢٨) أي أن الدين في نظره أقل تأثيرًا من رابطة الوطنية.
٣ - يقول عن رفاعة الطهطاوي: "الناس عنده لا ينقسمون إلى مؤمنين وكافرين وإنما ينقسمون على أساس من التحضر والتمدن وليس على أساس من العقائد والأديان. فيحدثنا هذا الشيخ في كتابه "تخليص الإبريز"عن انقسام "سائر الخلق"إلى عدة مراتب:
"المرتبة الأولى: مرتبة الهمل المتوحشين .. المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين .. والمرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر .. ".
وعندما يوزع الشعب على هذه المراتب الثلاثة، يضع بعض الشعوب المسلمة، الذين "يعرفون الحلال من الحرام .. وأمور الدين .. غير أنهم لم تكمل عندهم درجة الترقي في أمور المعاش والعمران والصنائع البشرية والعلوم العقلية والنقلية .. " -مثل عرب البادية- يضع هؤلاء المسلمين في مرتبة "البرابرة الخشنين" .. بينما يضع "بلاد مصر والشام واليمن والروم والعجم والإفرنج والمغرب وسنار وبلاد أمريكة، على أكثرها، وكثير من جزائر المحيط"يضعها في مرتبة "أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن
 
والتمصر"؛ لأنهم "أرباب عمران وسياسات، وعلوم وصناعات، وشرائع وتجار، ولهم معارف كاملة في آلات الصنائع .. ولهم علم بالسفر في البحور، إلى غير ذلك .. ""نظرة جديدة" (٢٢٨).
٤ - ينقل فتوى محمد عبده بجواز مساعدة الكفار من أهل الوطن والتي يقول في نصها "قد قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين على ما فيه خير ومنفعه المسلمين وإن الذين يعمدون إلى هذه الاستعانة .. لم يفعلوا إلا ما اقتضته الأسوة الحسنة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأن من كفرهم أو فسقهم فهو بين أمرين إما كافر أو فاسق فعلى سعاة الخير أن يجدوا في دعوتهم، وأن يمضوا في طريقهم ولا يحزنهم شتم الشاتمين ولا يغيظهم لوم اللائمين""نظرة" (٢٣٧).
٥ - ويقول أيضًا: "إيمان هذه الأمة بالوحدة الوطنية والقومية إيمان راسخ لا شك فيه .. بل لقد رأت، ببصيرتها النافذة وحسها الفطري، أن الشقاق الطائفي كان، على مر تاريخها، الثغرة التي يحاول أعداؤها النفاذ منها، بحثًا عن الركيزة التي تضمن لاستعمارهم واستغلالهم الفعالية والاستمرار! .. وأوضح ما كانت وتكون يقظة أمتنا لهذه الحقيقة في لحظات المحن والمواجهة مع الأعداء .. ففي مصر مثلاً أثناء الثورة العرابية (١٨٨١ - ١٨٨٢ م) كانت أوربا الاستعمارية وإنجلترا بالذات تسعى لشق وحدة الصف الوطني الذي ارتفع متينًا وشامخًا خلف أحمد عرابي (١٢٥٧ - ١٣٢٩ هـ ١٨٤١ - ١٩١١ م) .. وفي مواجهة هذا المسعى الاستعماري كانت يقظة الشعب والثورة، التي تجلت في وحدة طوائف الأمة، على نحو لا مثيل له في غير مجتمعاتنا العربية التي تنعم بسماحة دين الإسلام! ..
فعندما انحاز الخديوي توفيق (١٢٦٩ - ١٣٠٩ هـ - ١٨٥٢ - ١٨٩٢ م) وأعوانه إلى الإنجليز الغزاة، رفض الشعب الاستسلام وخلع عن سلطة .الخديوي شرعيتها، وتجسدت إرادة الشعب يومئذ في "برلمانه الثوري"الذي سمي بـ "المجلس العرفي" .. وفيه تجسدت وحدة الشعب الوطنية والقومية كأروع ما تكون .. فمع عدد من الأمراء، ورجال الدولة، والإدارة، والتجارة والأعيان، كان علماء الإسلام، بمذاهبه المتعددة، وكذلك قضاة الشرع، ونقيب الأشراف .. وأيضًا كان بهذا المجلس العرفي: مرخص الأرمن الكاثوليك، ووكيل الأقباط الكاثوليك، ووكيل بطريكية الروم الأرثوذكسي .. كان جميع هؤلاء أعضاء في برلمان الثورة العرابية "المجلس العرفي"يجسدون وحدة الأمة الوطنية والقومية، على اختلاف مذاهبها وأديانها وشرائعها .. فأين .. في غير إطار أمتنا العربية الإسلامية، اشتركت وشاركت الأقليات جميعًا في صنع مصير الأمة عند الملمات؟! ""التراث" (٢٣٤).
إذن فخلاصة فكر الدكتور أنه يرى أن الوطنية -أي اجتماع أبناء الوطن بمختلف دياناتهم في سبيل بنائه وخدمته والدفاع عنه- هي السبيل الأمثل لمواجهة المستعمر! وأن المسلمين يجب أن يكونوا كغيرهم من المواطنين لا يسعون إلى أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يعلو الإسلام على غيره من الديانات .. لأن في ذلك إحياء للطائفية والنزاع بين المواطنين (١). ولقد استقى هذه الفكرة كما علمت من مشايخه في الغيب الطهطاوي والأفغاني وعبده والكواكبي.
 
* الوطنية في الميزان السلفي:
تقديم الوطن على الدين كفر صريح لا يحتمل التأويل؛ لأنه يستلزم. 
.الآتي دون شك:
أولاً: موادة الكافرين ومعاداة المؤمنين فالمصري المسلم سيوالي ويواد المصري الكافر ويعاديان جميعًا التركي المسلم مثلاً، وهذا كفر صريح لمصادمته للأدلة التالية - وقد تركت أضعافها للاختصار ولأن القضية واضحه في حس كل مسلم:
* قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} وأنتم تقولون إنما وليكم المواطنون المؤمنون والكافرون.
* قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ .. } الآية. وأنتم توالون من حاد الله ورسوله من كفار اليهود والنصارى.
* قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. فمن والاهم ووادهم فهو منهم وأنتم مقيمون على ذلك.
• قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم""مسلم" (٨/ ١٨).
ثانيًا: تقديم الوطن على الدين يستلزم أن يكون الإسلام معليًا عليه بالقوانين الكافرة التي يقرها اليهود والنصارى ولا شك فهم لن يرضوا أبدًا أن يحكموا بالإسلام كاملاً، ولذلك سيزاحموه بقوانينهم الكافرة إلى أن يلغوه.
وقد تمكنوا من ذلك. فهذه البلاد المصرية تحكم بقوانين الكفر دون قوانين الإسلام وفي هذا رد على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
ثالثًا: تقديم الوطن على الإسلام يستلزم منه تعطيل الجهاد واقتصار الحروب على الدفاع عن الوطن. وفي هذا نبذ للإسلام وأحكامه وإحياء للشعارات الجاهلية المؤدية بصاحبها إلى النار.رابعًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض للتوحيد لا فيه من عدم البراءة من المشركين.
خامسًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض لإرادة الله من إرسال الرسل وإنزال الكتب الداعية إلى عبادته وحده والدخول في طاعته وموالاة أوليائه. إلى غير ذلك من المعارضات الكثيرة للإسلام.
 
* الدكتور محمد عمارة والقومية:
القومية أرفع درجة من الوطنية .. ولكنها تشاركها في الوثنية! والدكتور عمارة سمى أحد كتبه "الإسلام والوحدة الوطنية"، ثم تراجع في الطبعات التالية فسماه "الإسلام والوحدة القومية"فقد ارتقى درجة في سلم الوعي .. ونتمنى أن يأتي الوقت الذي يسميه فيه "الإسلام والوحدة الإسلامية"وما ذلك على الله بعزيز كان مصريًّا ثم تراجع ليكون قوميًّا يدخل العرب في ولاء واحد هو ولاء القومية، والقومية كأختها الوطنية عندما تقرأ قول الدكتور عمارة: "وحيثما امتد الفتح العربي امتد نور الإسلام .. فالعرب الذين فتحوا البلاد لم يحملوا معهم سلطان الدولة وحده، وإنما حملوا معهم نور الإسلام ... وكانت عروبة القرآن مع عروبة الفاتحين. مما أعان على ارتباط العروبة بالإسلام، فامتد نطاق العروبة بامتداد نطاق الإسلام. لما بين فقه الدين وتذوق العربية من روابط وعلاقات؟.
ولقد رَسَّخ من هذه الحقيقة، وجعلها مقبولة، بل ومطلوبة، لدى الشعوب التي فتح العرب بلادها، أن مفهوم العروبة، لدى العرب الفاتحين لم يكن عرقًا ولا جنسًا ولا عصبية عمياء، كتلك التي عرفتها جاهليتهم، ثم جاء الإسلام فمحاها .. وإنما كانت عروبة حضارية، يسعى إليها الناس، لا خوفًا من جنس ولا خضوعًا لعصبية، وإنما رغبة في فقه الدين وسعيًا إلى إدراك أسرار كتابه العربي المبين .. لقد دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب إلى ترك  العصبية العرقية الجاهلية؛ لأنها (منتنة) ""الإسلام والمستقبل" (١٢٣).
- عندما تقرأ ذلك تظن أن الدكتور عمارة من المعارضين للقومية العربية بمفهومها المخالف للإسلام. وأنه يؤمن بأفضلية العرب كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية .. ولكنك تفاجأ عندما تعلم أن الدكتور عمارة من (غلاة) القوميين العرب. لا تختلف دعوته عن دعوتهم أي اختلاف يذكر ما عدا أنهم جاهروا بها بعيدًا عن الإسلام .. وأما هو فقد خمر وجهها بخمار إسلامي خفيف فكيف ذلك؟
١ - يرى الدكتور عمارة أن العرب الشرقيين قبل الإسلام كانوا في صراع حضاري! مع الغرب البيزنطي. "وأمام هذا الخطر الذي أحدق بالجامعة العربية برزت ضرورات الوحدة بين قبائلها فبدأ التواصل بين وسط شبه الجزيرة وبين اليمن بعد تحريرها بقيادة سيف بن ذي يزن .. ولعبت الأشهر الحرم دورها في جعل القبائل العربية تعيش فترات من المسلم تنمو فيه روابط الوحدة في اللغة والتجارة والعادات والآداب .. ""الإسلام والمستقبل" (١٢٢).
هذا قبل الإسلام وعندما ظهر الإسلام كان أحد العوامل التي ألفت بين العرب في مواجهة عدوهم .. فهو عامل توحيد فقط! وبظهوره أصبحنا نرى -كما يزعم الدكتور- تمايزًا بين الوحدة الدينية والوحدة القومية .. فهناك أمة (الدين) وأمة (الدولة) فأمه الدين يدخل فيها المسلمون فقط؛ لأنهم أصحاب دين واحد. وأما أمة السياسة والدولة فيدخل فيها المسلمون والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم .. لكن بشرط أن يكونوا عربًا!
ويحتج الدكتور على ذلك بما يسميه (الصحيفة) التي كتبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قدومه المدينة وفيها جعل المسلمين (أمة واحدة من دون الناس) ومن لحق بهم وجاهد معهم فهم نواة الرعية السياسية وهم أمة مع المؤمنين برغم اختلاف الدين.
٢ - يرى الدكتور عمارة أن العروبة هي اللغة فقط. فمن تكلم بالعربية فهو عربي: "فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ينكر المضمون (العرقي) للعروبة، ويدعو إلى اعتماد المضمون الحضاري رابطة ومعيارًا لمن هو العربي؟ ومن هم العرب؟ فاللغة، وهي وعاء للفكر والتراث والحضارة والذكريات .. هي المعيار والرباط الذي دعا الرسول إلى اعتماده بدلاً من (العرق) و (القبلية)، ذلك أن مجتمع شبه الجزيرة كان يضم (عربًا باللغة) والحضارة غير (العرب) بالعرق والجنس والدم. ومن ثم فإن اعتماد المعيار الحضاري كان سبيلاً، لا لتجاوز النعرات الجاهلية والمفاهيم المختلفة والمتعصبة فقط، وإنما أيضًا لبناء كيان جديد وأوسع من ذلك الذي يمكن بناؤه على أساس من العرب والجنس .. وهي أيضًا قفزة حضارية، وتطور متحضر هام إلى الأمام .. يبشر الرسول بهذا المفهوم الجديد عندما يخطب في الناس قائلاً: "أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان (اللغة) فمن تكلم العربية فهو عربي""العرب والتحدي" (٣٥).
٣ - ينكر الدكتور عمارة على الدكتور محمد رشاد خليل مساواة المسلم العربي بالمسلم غير العربي! "هو يتحدث عن الدكتور رشاد قائلاً: "ثم كتب فجعل علاقة المسلم المصري بأخيه المصري مساوية لعلاقته بالمسلم في أندونيسيا ونيجيريا وتركستان! مهملاً أي أثر للقوميات وقسماتها الأمر الذي جعل هذا الفكر لم يبصر سوى رابطة العقيدة الإسلامية""الإسلام والعروبة" (٨١).
٤ - يرى الدكتور إن طلائع القوميين العرب هم المعتزلة الذين واجهوا الهجوم الشعوبي وعلى رأسهم الجاحظ فهو يقول: "أما الجاحظ فإننا واجدون عنده بواكير الصياغات النظرية للفكر القومي العربي بمضمونه الحضاري والإنساني المستنير حتى ليحسب المرء أنها من ثمرات العقل المستنير في عصرنا  الحديث""العرب والتحدي" (٥٨). كما يرى أن تيار الأفغاني هو: "الذي بلغت في دعوته روابط العروبة والإسلام .. قمة الوضوح والعمق والشمول فالأفغاني يؤمن بوحدة النوع الإنساني وبوحدة الأمة الإسلامية لكنه ينبه على أثر تمايز الأقاليم وما يحدثه هذا التمايز من مغايرة بين الأقوام""الإسلام والعروبة" (١٢٩).
٥ - يرى الدكتور أن الفتوحات الإسلامية التي بدأت في عصره - صلى الله عليه وسلم - ثم في عصر أصحابه لنشر الإسلام فتوحات (عربية) لصد المستعمر الغربي وإزالة الظلم عن أبناء تلك البلاد الذين شاركوا (العرب) في حروبهم ضد المستعمر؛ لأنهم عرب مثلهم أو شرقيون إن لم يكونوا عربًا.
٦ - يؤمن الدكتور إيمانًا تامًا (بخرافة) الصراع بين الشرق والغرب فلم يعد يرى في الأحداث التاريخية سواه .. وعندما مر على خبر التتار وصراعهم مع المسلمين. أسقط في يده فهم شرقيون يقاتلون شرقيين كما يزعم! فكيف يخرج من هذه الورطة؟ لقد فكر وقدر فقاده فكره مع سيطرة الخرافة عليه إلى القول بأن: "الغرب الاستعماري كان قد قرر أن يقوم بجولة أخرى في صراعه ضد حضارة العرب والمسلمين، وإذا كانت قواه الذاتية، وعلاقات دولة بعضها مع البعض الآخر، والحالة التي عليها بقايا إماراته وقواده الاستيطانية في المشرق، إذا كانت هذه العوامل لا تتيح الفرصة كي يقوم هو بهذه الجولة الجديدة، فليبحث إذن عن قوة مدمرة يستخدمها ضدنا في هذا الصراع، وليفتش عن قبضة حديدية يحاول أن يصرع بها هذا الشعب الذي يعيش ما بين الخليج والمحيط .. ولقد توافق هذا التفكير الاستعماري مع ظهور قوة الدولة المغولية في أواسط آسيا، تلك الدولة التي كونتها قبائل وثنية جبلية متبربرة، اختطت لنفسها طريق السلب والنهب والتدمير، واتخذت من تدمير الحضارات وتخريب المدن صناعة لا تعرف غيرها من الصناعات ..  وقبل أن ينتصب القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك استعدادات في بلاط الدولة المغولية للقيام بزحف مدمر يستهدف احتلال الكثير من أوروبا بالإغارة على المناطق الشمالية الغربية لأوروبا وهنا بذل الغرب الاستعماري جهوده المضنية كي يجعل وجهة هذا الزحف التتري إلى بلاد العرب والمسلمين، ولكي يقيم تحالفًا غير مقدس بينه وبين هذه القوة الوثنية العنصرية، عله يقتسم معها الوطن العربي، ويعيد سيطرته ثانية على القدس وغيرها من مدن الشام وفلسطين""معارك العرب" (١١٦).
٧ - يرى الدكتور أن بداية التفريق بين الإسلام والعروبة بدأ مع المماليك الذين انتشر في عهدهم الظلم والخرافات. فاختفت العروبة مع سيطرتهم على الدولة الإسلامية .. وهكذا العثمانيون إلى إن ظهرت اليقظة العربية المعاصرة.
٨ - ينتقد الدكتور المودودي وسيد قطب والندوي وسعيد حوى وغيرهم من مفكري الإسلام لانتقادهم القومية واعتبارها خطرًا على الإسلام .. حيث لم يفرقوا بين القومية العربية والقومية العلمانية التي لا تعترف بالدين.
هذه أخي القارئ أبرز معالم الدكتور عمارة حول القومية، وهو يوهمنا بأنه لا يرى رأي القوميين العرب الذين نبذوا الإسلام .. وإنما هو يمزج بين الإسلام والقومية مزجًا يعطي كلاً منهما حقه. ويخترع لذلك قضية أمة الدين وأمة الدولة زيادة في التلبيس على القارئ والحق يقال إن الدكتور -كما قلت سابقًا- من غلاة القوميين العرب المعاصرين ويشهد لذلك كذبه واختراعاته العجيبة. كما يشهد لذلك فلتات قلمه التي تظهر ما في نفسه.

وقبل أن ينتصب القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك استعدادات في بلاط الدولة المغولية للقيام بزحف مدمر يستهدف احتلال الكثير من أوروبا بالإغارة على المناطق الشمالية الغربية لأوروبا وهنا بذل الغرب الاستعماري جهوده المضنية كي يجعل وجهة هذا الزحف التتري إلى بلاد العرب والمسلمين، ولكي يقيم تحالفًا غير مقدس بينه وبين هذه القوة الوثنية العنصرية، عله يقتسم معها الوطن العربي، ويعيد سيطرته ثانية على القدس وغيرها من مدن الشام وفلسطين""معارك العرب" (١١٦).
٧ - يرى الدكتور أن بداية التفريق بين الإسلام والعروبة بدأ مع المماليك الذين انتشر في عهدهم الظلم والخرافات. فاختفت العروبة مع سيطرتهم على الدولة الإسلامية .. وهكذا العثمانيون إلى إن ظهرت اليقظة العربية المعاصرة.
٨ - ينتقد الدكتور المودودي وسيد قطب والندوي وسعيد حوى وغيرهم من مفكري الإسلام لانتقادهم القومية واعتبارها خطرًا على الإسلام .. حيث لم يفرقوا بين القومية العربية والقومية العلمانية التي لا تعترف بالدين.
هذه أخي القارئ أبرز معالم الدكتور عمارة حول القومية، وهو يوهمنا بأنه لا يرى رأي القوميين العرب الذين نبذوا الإسلام .. وإنما هو يمزج بين الإسلام والقومية مزجًا يعطي كلاً منهما حقه. ويخترع لذلك قضية أمة الدين وأمة الدولة زيادة في التلبيس على القارئ والحق يقال إن الدكتور -كما قلت سابقًا- من غلاة القوميين العرب المعاصرين ويشهد لذلك كذبه واختراعاته العجيبة. كما يشهد لذلك فلتات قلمه التي تظهر ما في نفسه.

* القومية في ميزان أهل السنة والجماعة:
- قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة. وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
الوجه الأول: إن الدعوة إلى القومية العربية تفرّق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرّق بين العرب أنفسهم لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابًا، فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه، وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوي كما يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
* وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
* وقال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذّر منها وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق، وكم جرّت دعوى الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل وغرس العداوة. والشحناء في القلوب والتفريق بين القبائل والشعوب.
- قالت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"وغضب لذلك غضبًا شديدًا. انتهى.
ومما ورد في ذلك من النصوص قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
* وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}.
• وفي سنن أبي داود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية".
• وفي "صحيح مسلم"أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد".
ولا ريب أن دعاة القومية يدعون إلى عصبية ويغضبون لعصبية ويقاتلون على عصبية، ولا ريب أيضًا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر لأن القومية ليست دينًا سماويًّا يمنع أهله من البغي والفخر، وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء، وإن كانت هي الظالمة وغيرها المظلوم.
- وهنا شبهة يذكرها بعض دعاة القومية أحب أن أكشفها للقارئ، وهي أن بعض دعاة القومية زعم أن النهي عن الدعوة إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص العرب وإنكار فضلهم.
- والجواب أن يقال: لا شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير صحيح، فإن الاعتراف بفضل العرب وما سبق لهم في صدر الإسلام من أعمال مجيدة لا يشك فيه مسلم عرف التاريخ كما أسلفنا، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم أبو العباس ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم، وأورد في ذلك أحاديث تدل على ذلك، ولكن لا يلزم من الاعتراف بفضلهم أن يجعلوا عمادًا يتكتل حوله ويُوالى عليه ويُعادى عليه، وإنما ذلك من حق الإسلام الذي أعزّهم الله به وأحيا ذكرهم ورفع شأنهم، فهذا لون وهذا لون، ثم هذا الفضل الذي امتازوا به على غيرهم، وما منّ الله به عليهم من فصاحة اللسان ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال الرسول العام بلسانهم ليس مما يقدّمهم عند الله في الآخرة ولا يوجب لهم النجاة إذا لم يؤمنوا ويتقوا، وليس ذلك أيضًا يوجب تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين، بل أكرم الناس عند الله أتقاهم كما تقدم في الآية الكريمة والحديث الشريف، بل هذا الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه أكثر من غيرهم، وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه الذي رفعهم الله به، وأن يوالوا عليه ويعادوا عليه دون أن يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من الأفكار المسمومة والدعوات المشئومة، ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئًا لم يكن أبو لهب وأضرابه من أصحاب النار، ولو كانت تنفعهم بدون الإيمان لم يقل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا"، وبذلك يعلم القارئ السليم من الهوى أن الشبهة المذكورة شبهة واهية لا أساس لها من الشرع المطهر ولا من المنطق السليم البعيد من الهوى.
الوجه الثالث: هو أنها سلّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم. ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة. والنصوص في هذا المعني كثيرة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ .. } الآية. سبحان الله ما أصدق قوله وأوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون لأجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين وملاحدة وغيرهم تحت لواء القومية العربية، ويقولون: أن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله ومخالفة لشرع الله وتعدٍّ لحدود الله وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟ فما أعظمَ ذلك من باطل وما أسوأه من منهج. القرآن يدعو إلى موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا وكيفما كانوا، وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ}.
* ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
ونظام القومية يقول: كلّهم أولياء مسلمهم وكافرهم، والله يقول: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .. } الآية.
* ويقول سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ   قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}.
* وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} وشرع القومية، أو بعبارة أخرى شرع دعاتها يقول: أقصوا الدين عن القومية، وافصلوا الدين عن الدولة، وتكتلوا حول أنفسكم وقوميتكم حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم، وكأن الإسلام وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم، هذا والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية، سبحانك هذا بهتان عظيم.
والآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين والتحذير من توليهم لا تخفي على أهل القرآن، فلا ينبغي أن نطيل بذكرها، وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل وأبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده إلى يومنا هذا إخوانًا وأولياء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ومن سلك سبيلهم من العرب إلى يومنا هذا .. هذا والله من أبطل الباطل وأعظم الجهل. وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه وإن أنكره بعض دعاتها جهلاً أو تجاهلاً وتلبيسًا.
الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكامًا وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام .. وقد صرح الكثير منهم بذلك .. وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال. تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١).

* محمد عمارة والعلمانية:
للدكتور عمارة كتاب بعنوان (العلمانية ونهضتنا الحديثة) خصصه للرد على غلاة العلمانيين ممن يرون فصل الدين عن الدواء واستبعاده عن قيادة الأمة في مجال السياسة .. وله أيضًا حوارات كثيرة معهم .. إذن! .. لماذا هذا المبحث؟
فأقول: سيزول عجبك قريبًا.
وفيما يلي لن أبحث تطور العلمانية في بلادنا وكيفية انتقالها؛ لأنه مبحث طويل يعرفه الجميع. وخير من بحث فيه من المعاصرين الشيخ محمد قطب في كتابه "مذاهب معاصرة"والشيخ سفر في رسالته "العلمانية"فخلاصة العلمانية التي يعرفها الجميع لكثرة الحديث حولها هي "فصل الدين عن الدولة"وجميع القراء تقريبًا يعلمون أنها مخالفة لهدي الإسلام فملخص حكم الإسلام فيها كما قال الشيخ سفر: "إن العلمانية تعني بداهة الحكم بغير ما أنزل الله فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين ومن ثم فهي بالبديهة أيضًا نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام بل هو كافر بنص القرآن الكريم {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (٢). فهذا المبحث لن أخصصه لذلك، وإنما سأعرض فيه رأي الدكتور حول طبيعة السلطة في الإسلام ليقتنع القارئ بعلمانيته ثم أفند شبهاته وآراءه بعد ذلك.* العلمانية عند الدكتور عمارة:
- يقول الدكتور: "إن فصل الدين عن الدولة على النحو الذي تقرره العلمانية الغربية لا يمكن أن يكون شعار الذين يفهمون الإسلام حق الفهم .. فهو شعار مرفوض""الدولة الإسلامية" (٦٤). فالدكتور يرفض علمانية الغرب التي تفصل الدين عن الدولة وتجعل الدين يقبع في الكنيسة.
٢ - لماذا يرفض الدكتور العلمانية؟ يقول: "شعار العلمانية قد ارتفع في أوربا بمعنى عزل السلطة الدينية للكنيسة عن شئون المجتمع السياسية؛ لأن تراث أوربا وواقعها كانا يشهدان سلطة دينية تحكم قبضتها على مقدرات المجتمع كلها أما في واقعنا نحن وتراثنا ومنطلقاتنا فالأمر مختلف بل وعلى النقيض فالإسلام لم يقر السلطة الدينية بل هو كما يقول الإمام محمد عبده ينكرها ويدعو إلى رفضها بل ويهدمها من الأساس .. ""الدولة الإسلامية" (٦٣).
إذن هو ينكر العلمانية الغربية؛ لأنه لا يوجد لدينا سلطة دينية تواجهها في الطرف الآخر كما حدث في الغرب مما اضطرهم للجوء إلى العلمانية للحد من سلطات الدين ورجاله .. لهذا فالدكتور عمارة أيضًا.
٣ - ينكر السلطة الدينية في الإسلام ويقول: "أما إسلامنا فإنه ينكر السلطة الدينية التي تجعل لنفر من البشر سلطانًا اختص به المولى سبحانه ورسله عليهم الصلاة والسلام""الدولة الإسلامية" (٦٣).
ويقول: "إن السلطة الدينية تعني -في كلمات بسيطة ودقيقة- أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحق الانفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره. وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الادعاء من قبل فرد. يتولى منصبًا دينيًّا أو منصبًا سياسيًّا. وسيان كذلك أصدرت كهذه الدعوى من فرد أو من مؤسسة فكرية.  
.أو سياسية.
وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي، فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية -باستثناء الشيعة- تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء""الدولة الإسلامية" (١٤).
٤ - يرى الدكتور: "أن مصدر هذه النظرية قديم قدم طموحات السلطة المستبدة بمقدرات البشر، من أن حاول أصحابها تغليف استبدادهم وانفرادهم بالسلطان بغلاف ديني يصد الناس بسلاح الإيمان والدين عن السعي لممارسة حقهم، بل واجبهم في محاسبة الحكام .. لقد بدأت وظلت. ولا تزال محاولة يريد بها البعض الإفلات من نطاق محاسبة الجماهير، عن طريق تجريد الأمة من حقها في التشريع وحقها في أن تكون مصدر السلطان والسلطات .. زاعمة هذه المحاولة أن الحاكم نائب عن الله لا عن الأمة .. وهم بذلك يغفلون أو يتغافلون عن أن "حق الله"هو "حق المجتمع"، أي حق الأمة والناس .. بحكم خلافة الإنسان -في الأرض- عن الله ..
وإذا نحن ذهبنا نلتمس بدايات هذه الدعوى في تراث الإنسانية السياسي وجدناها لدى فراعنة مصر الأقدبين الذين ادّعوا بنوتهم للإله .. ووجدناها في الكسروية الفارسية التي سبقت ظهور الإسلام. عندما كان كسرى يحكم "بالحق الإلهي". جاعلاً من قراراته وأحكامه وحي الإله "أهورا - مزدا" .. وجدناها كذلك في القيصرية الرومانية. قبل اعتناقها المسيحية، عندما كانت ذات الإمبراطور "مقدسة إلهية" .. وحتى بعد اعتناقها للمسيحية فلقد طوعت أوربا المسيحية لتراثها في نظرية الحكم بالحق الإلهي. ولم تطوع المسيحية أوربا لتعاليمها التي عرفت بالشرق خالية من هذا المفهوم. وبعبارة قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (٤١٥) فإن النصرانية (المسيحية)  عندما دخلت روما لم تتنصر روما ولكن المسيحية هي التي ترومت؟! .. فلقد أصبح الإمبراطور رئيسًا للكنيسة. وحكم بالحق الإلهي في ظل المسيحية، كما كان الحال وهم يعبدون الأوثان! ..
فمن تراث أوربا الوثني القديم تسربت هذه النظرية إلى أوربا المسيحية.
حتى أصبحت المسئول الأول عن العصور المظلمة التي شهدتها أوربا لعدة قرون.
ومن تراث الكسروية الفارسية تسربت هذه النظرية إلى فكر الشيعة السياسي حتى لقد انفردت به هذه الفرقة من دون سائر فرق الإسلام.
فهي إذن نظرية غريبة عن فكر الإسلام الجوهري وتراثه النقي .. وهي إذن ميراث من مواريث الأمم الأخرى. سواء في العصور القديمة أم في العصور الوسطى""الدولة الإسلامية" (٨٠).
٥ - يرى الدكتور أن من الداعين إلى السلطة الدينية في عصرنا الحاضر - والذين لأجلهم ألف كتابه "تيار الرفض في حركة الصحوة الإسلامية"ويعني بهما الجماعات التي تأثرت بفكر السيد المودودي والسيد قطب كما صرح بذلك في أكثر من موضع بدعوى أنهما شابها الشيعة في دعوتهما المشهورة بأن تكون (الحاكمية لله) فهم في نظره "يزعمون أن السلطان السياسي في المجتمع الإسلامي ليس حقًّا من حقوق الأمة، فالبشر ليسوا هم الحكام في مجتمعاتهم، وإنما الحاكم في هذه المجتمعات هو الله وسبحانه وتعالى .. أي أن الأمة ليست هي مصدر السلطات، كما تعارفت على ذلك الدساتير والأنظمة والنظريات التي تسود أغلب أنحاء الدنيا في العصر الذي نعيش فيه! فهذه الجماهير وتلك الأمم والشعوب التي تناضل من أجل أن تصبح هي مصدر السلطة والسلطان على أرضها وفي مجتمعاتها، هي بنظر هؤلاء النفر من المفكرين والمشتغلين بشئون الإسلام، خارجة عن صراط الله 

المستقيم. ومتعدية حدودها، وجائرة على اختصاص المولى جل وعلا! ".
"وهم، بقولهم هذا، يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام
الإسلامي -الحاكم- وكيلاً عن الله -سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا- لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون، وهو في عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلي في المجتمع. فإذا قلنا إن السلطة لله.
كانت دينًا ووحيًا، ومن ثم كانت سلطة دينية، وكان متوليها حاكمًا "بالحق الإلهي"ونائبًا عن الله. وخليفة له وظلاًّ! .. أما إذا قلنا -كما هو الحال في الفكر الديمقراطي- بأن صاحب السلطة الأصلي هو الشعب. كان متوليها نائبًا عن الأمة ووكيلاً أو شبه وكيل. وكان مسئولاً أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته. وعزله إن هو أخل بشروط عند البيعة والتفويض والاختيار""الدولة الإسلامية" (٣١ - ٣٢).
٦ - وبعد أن رفض الدكتور العلمانية والسلطة الدينية فهو يختار أن الإسلام "يفرق بين العلوم الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها "بأصول الدين"، وبين ما سواها من العلوم .. فالعلوم التي تتعلق بالنبوة، واليوم الآخر، وبالعبادات وبأركان الدين، هي علوم شرعية، المرجع الأول فيها إلى النصوص الموحى بها، وهذه هي علوم الدين، أما ما سواها من العلوم، رغم تسميتها بالإسلامية، فإنها علوم عقلية، دنيوية جاءت ثمرة لنشاط العقل الإنساني المحكوم فقط، بالحقائق المقررة والمكتشفة في ميادين هذه العلوم، فنحن لدينا في تراثنا علوم وفنون مثل: "العمارة الإسلامية"و"الزخرفة الإسلامية"و"الفن الإسلامي"و"الطب"و"الصيدلة"و"الفلك" .. إلخ .. إلخ .. علوم وفنون تبلورت صروحها في المجتمع الإسلامي، فسميت إسلامية، ولكن بالمعنى الحضاري، ليس بالمعنى الديني، فهي علوم الحضارة الإسلامية وليست علوم الديانة الإسلامية، وهي علوم العقل الإسلامي. وليست علوم الوحي الإسلامي، وهي محكومة بحقائق العلم كما يقررها عقل العالم المسلم وليس المرجع في صحتها تفسيرًا أو تخريجًا يقتحم به دعي ميادين هذه العلوم .. فليست هناك "كيمياء"مسلمة وأخرى كافرة .. وليس هناك "جبر"مؤمن وآخر كافر .. لأن وصف كل هذه العلوم "بالإسلامية"إنما هو بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى الديني؛ لأن الإسلام كحضارة قد شمل ميادين أكثر عددًا وأوسع مدى من تلك التي امتد إليها نطاق الإسلام كدين .. فالإسلام يقرر "مدنية"السلطة السياسية في المجتمع، ويؤكد على "بشريتها"، وذلك عندما يقرر أن الطريق إلى تولي هذه السلطة هو شورى البشر، والاختيار والعقد والبيعة. وعندما يؤكد على نيابة الحاكم عن الأمة، ومسئوليته تجاهها وأمامها .. وهو في ذات الوقت لا يرى "الفصل"بين الدين والدنيا؛ لأنه -باعتراف الجميع- قد تناول عددًا من الأحكام وأشار إلى كثير من أمور الدنيا فاتخذت لنفسه فيها موقفًا، وقرر للحياة الاجتماعية عددًا من القواعد الكلية، المتمثلة في "مقاصد الشريعة"وآيات الأحكام التي قننت "للثوابت"دون "المتغيرات"ثم طلب من الناس أن يعيشوا ويتحركوا وأن يطوروا حياتهم ومجتمعاتهم في إطار هذه القواعد الكلية والوصايا الإلهية العامة، التي هي أشبه ما تكون بالمثل العليا والأطر الجامعة التي حددها الله للناس كي لا يضلوا عنها ولا يتنكبوا الطريق الموصل إلى تحقيقها أو الاقتراب منها على أقل تقدير .. ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبير الأدق عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية، أي ينكر "وحدة"السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا يفصل بينهما، وإنما هو "يميز"بينهما. فالتمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام.
فاستبعاد الدين ونفيه من نطاق العوامل الحاكمة والمؤثرة في المجتمع. خطأ فكري. لا يتصور وضعه موضع التطبيق .. وفي نفس الوقت فإن محاولة صبغ السياسة والحكم بالصبغة الدينية الخالصة هي محاولة غريبة عن روح الإسلام؛ لأنها دعوة إلى أن يقتفي المسلمون أثار الأمم الأخرى التي وحدت السلطتين: الدينية والسياسية، فعاشت أظلم عصور تاريخها تستوي في ذلك كسروية الفرس وقيصرية الروم، في القديم، وأوربا في العصور الوسطى""الدولة الإسلامية" (٦٢ - ٦٥).
- ويقول محددًا منهجه: "إن ما هو دين جاء به الوحي، وانتقل إلينا في القرآن - الذي هو معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نتلقاه بروح الإيمان. من مصدره هذا. مستعينين بالسنة. التي ينفي عنها الوضع والتحريف موافقتها للقرآن، ومستأنسين ومسترشدين في نظرنا هذا بالعقل الذي هو "وكيل الله"في الإنسان جعل إليه زمام أموره وقيادة نشاطاته .. وإذا كان العقل -كدليل- هو من خلق الله، والقرآن -كدليل- هو من عند الله، فيستحيل قيام التعارض الحقيقي أو التضاد بين دليلين أبدعهما خالق واحد، وتعهد بواسطتهما معًا مهمة هداية الإنسان .. فإذا حدث وبدا أن هناك تعارضًا بين ظاهر النص وبرهان العقل، وجب تأويل النص -دون تعسف- بما يتفق مع برهان العقل، حتى تتوافق في هداية البشر الأدلة النابعة من مصدر واحد، هو الخالق سبحانه وتعالى""الدولة الإسلامية" (١٦).
ويقول": "ما قضاه وأبرمه وقرره الرسول في أمور الدين عقائد وعبادات، لا يجوز نقضه أو تغييره حتى بعد وفاته؛ لأن سلطانه الديني، كرسول ما زال قائمًا فيه. وسيظل كذلك خالدًا بخلود رسالته عليه الصلاة والسلام .. على حين أن ما أبرمه من أمور الحرب والسياسة يجوز للمسلمين التغيير فيه بعد وفاته. لأن سلطانه هنا قد انقضى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
وخلفه سلطان الخليفة، الذي هو سلطان مدني لا أثر للسلطة الدينية فيه"  "الدولة الإسلامية" (٧٦).
٧ - يحتج الدكتور على دعواه السابقة بعدة أدلة يمكن تلخيصها كالآتي:
أ- حديث تأبير النخل "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
ب- أن الخلافة كانت بالشورى والاختيار والعقد والبيعة لا بالميراث.
ج- أن الحكم في القرآن والسنة لا يدل على الحكم في السياسة بل الحكم في القضاء والمنازعات.
د- أن عمر - رضي الله عنه - اقتبس بعض أنظمة الفرس كالديوان.
هـ- أن الإسلام قد قرر الفصل بين أمة الدين وأمة الدولة.
وأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى سنة دينية ملزمة وسنة دنيوية غير ملزمة ومنها مشاوراته للصحابة في عدد من الحوادث وقضاؤه بينهم بحسب ما يظهر له مستشهدًا على قوله هذا بكلام للقرافي والدهلوي سيأتي في موضعه.

* العلمانية في الميزان السلفي:
نحن نرفض العلمانية ونحن نرفض السلطة الدينية! هذا حكم أهل السنة وهو موافق لحكمك فما الفرق بيننا إذن؟ الفرق بيننا أن منهج أهل السنة يؤمن بالإسلام كاملاً، لأنه منهج يعم حياة المسلم صغيرها وكبيرها، وأما الدكتور عمارة فيؤمن بالعلمانية (المتمسلمة) التي تؤمن ببعض الإسلام وترد بعض فخلاصة كلامه -هداه الله- أننا يجب أن نأخذ العقائد والعبادات وأركان الدين من القرآن والسنة لأنها وحي لا يتغير بالزمن، وأما في السياسة وشئون المجتمع فالمرجع فيها إلى الأمة والمصلحة لا القرآن والسنة؛ لأنها ليست دين .. ولكن كل ذلك "في إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التيقررها هذا الدين"!! كما يقول. وأيضًا أمور الاقتصاد والعمران والتصوف بأنواعه مثلها. هذا ملخص ما يريد الدكتور وهو ينطوي على مخالفات شرعية مستترة ستتضح أثناء النقاش. فيقال للدكتور:
١ - لا أعرف أحدًا من الإسلاميين من أهل السنة في هذا الزمان يقول بالسلطة الدينية كما تزعم، وإنما تلك المقولات تخيلات في ذهنك أسأت بها فهم كلام الأستاذين المودودي وسيد قطب -رحمهما الله- (١) فالسلطة الدينية لم يقل بها سوى الشيعة الذين يجعلون للإمام العصمة في قراراته أما عندنا أهل السنة فلا يجرؤ أن يقول ذلك أحد.
فلماذا تكذب عليهما؟ وتحمل كلامهما ما لا يحتمل وما لا يقوله إلا جاهل بطبيعة المنهج الإسلامي فحديثهما في واد وأنت وفهمك في واد آخر فأنت تقول عن المودودي أنه: "ذهب فأحيا شعارًا من شعارات الخوارج -رغم عدائه لفكرهم- وهو شعار الحاكمية فأثار بلبلة ولغطًا وشبهات كثيرة في حقل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر""الطريق" (٢٦٧).
وهو يقول عن نفسه: "إن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من الناس، وإن الآيات التي أوردناها آنفًا لتدل دلالة صارخة على أن الطاعة ليست إلا لله عز وجل، وما جاء الإسلام إلا لأن يقمع شأفة عبودية الإنسان لغير الله، وأن يقضي على ألوهية البشر. ومن الواضح النبين أن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من البشر ككونه أحد أفراد البشر. فما طاعة الرسول إلا باعتباره قد أوتي الحكم والنبوة من الله، وما طاعة الحكام إلا باعتبارهم منفّذين لأحكام الله. .. ورسوله، وما طاعة العلماء إلا لأجل أنهم يرشدون الناس إلى أحكام الله ورسوله وحدود الله في مختلف شعب الحياة. فإذا جاء أحد منهم بأمر من الله، فالواجب على المسلم أن يطأطئ له رأسه دون أن يستنكف عن طاعته؛ لأنه لا حرية له في الفكر والرأي أبدًا أمام الله خالقه ورازقه وحاكمه الحقيقي المطلق. وأما إذا جاء أحد من البشر مهما كان شأنه يعرض على المسلم رأيه وفكرته من نسيج خياله فإن طاعته على المسلم ليس واجبًا. وله الحق كل الحق أن يمارس حريته في التفكير ويقيم رأيًا من الآراء. كما له الحق في أن يأخذ برأي غيره إن ارتاح إليه قلبه. وأن يخالفه بحرية تامة إذا رآه لا يستقيم" (١) "مفاهيم إسلامية" (١٢٩).
وأنت تقول عن سيد -رحمه الله-: "لم يختلف موقف سيد قطب في الجوهر عن موقف المودودي في نظرية الحاكمية الإلهية فهي بمقتضى لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته لا حاكمية إلا لله ولا سلطان لأحد على أحد لأن السلطان كله لله .. والحاكفية الإلهية عامة في الجانب الإرادي من حياة الإنسان كما هي في الجانب الفطري والوجودي شاملة لما هو دنيوي شمولها لما هو ديني عامة فيما هو سياسة عمومها فيما هو عبادة""الصحوة الإسلامية" (١٤٩).
وهو يقول: "الإسلام لا كهانة فيه ولا وساطة بين الخلق والخالق، فكل مسلم في أطراف الأرض، وفي فجاج البحر، يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، بلا كاهن ولا قسيس، والإمام المسلم لا يستمد ولايته من "الحق الإلهي"ولا من الوساطة بين الله والناس، وإنما يستمد مباشرته للسلطة من الجماعة الإسلامية، كما يستمد السلطة ذاتها من تنفيذ الشريعة، التي يستوي الكل في فهمها وتطبيقها متى فقهوها، ويحتكم إليها الكل على السواء. فليس في الإسلام "رجل دين"بالمعنى المفهوم في الديانات التي لا تصح مزاولة الشعائر التعبدية فيها إلا بحضور رجل الدين، إنما في الإسلام علماء بالدين، وليس للعالم بهذا الدين من حق خاص في رقاب المسلمين، وليس للحاكم في رقابهمم إلا تنفيذ الشريعة التي لا يبتدعها هو بل يفرضها الله على الجميع" (١) "العدالة الاجتماعية" (١٣).
فكيف تتهمهما بما لم يقولا به؟ الذي أظنه -والله أعلم- أنك تعلم حقيقة قولهما، ولكنك ترى بسوء فهمك إن هذا القول منهما يتضمن القول بالسلطة الدينية ولو أنكرا ذلك في كتبهما وهكذا غيرهما من دعاة الإسلام الذين يطالبون بتحكيم الشريعة (كاملة) ويدل لذلك قولك: "وهم بقولهم هذا .. يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام الإسلام -الحاكم- وكيلاً عن الله سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون .. ""الدولة الإسلامية" (٣٢) وهذا الفهم الخاطئ جرك إلى اعتقاد أن من يطالب بتحكيم الشريعة في هذا الزمان هو من الداعين إلى السلطة الدينية.
- يقول عبد القادر عودة -رحمه الله-: "إذا كان من وظيفة الحكومة الإسلامية أن تقيم الدين فإنها لا تعتبر من نوع الحكومات الدينية التي يسميها الفقه الدستوري حكومات ثيوقراطية" (٢).
- ويقول الشيخ سفر الحوالي: "أما السلطة الكهنوتية فلا وجود لها في الإسلام لا بالشكل الذي رأيناه سلفًا في أوربا النصرانية ولا بغيره. ذلك أن الإسلام -وهو دين التوحيد الخالص- إنما أنزله الله لتحرير العباد وإخراجهم. من عبودية العباد إلى عبادة الله وحده وطاعته دون سواه في التلقي وفي الاتباع في المنهج والسلوك " (١).
- ويقول الشيخ القرضاوي: "أما الحاكمية بالمعنى التشريعي ومفهومها أن الله سبحانه هو الشرع لخلقه وهو الذي يأمرهم وينهاهم ويحل لهم ويحرم عليهم فهذا ليس من ابتكار المودودي ولا سيد قطب بل هو أمر مقرر عند المسلمين جميعًا" (٢).
فالحاكم لا يطاع إلا لأجل تنفيذ أوامر الله وأحكامه وإما إذا خالف ذلك فلا حق له بالطاعة. وهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده - صلى الله عليه وسلم - والغريب أنك لم تطلق على حكمهم مسمى "الحكومة الدينية"مع أننا لا نطالب إلا بمثل حكمهم!! فما الفرق بيننا؟ الخلاف بيننا وبينك ليس هو في اعتقادك أن العلماء والدعاة يقولون بالحكومة الدينية بشكلها النصراني فأنت تعلم أنهم لم يقولوا بذلك كما سبق وإنما الخلاف بيننا في تحديد السلطة المدنية والسلطة الدينية كما فرقت بينهما أو أمور الدين وأمور الدولة. فقولك إن أمور السياسة والاقتصاد والعمران والفن لا تدخل ضمن الدين قول فيه إجمال فهو من الأسماء المبهمة التي يتوقف فيها أهل السنة فلا يجيبوا بنفي ولا إيجاب حتى يعرفوا معناها فهي كألفاظ الجسم والتركيب والجوهر والحيز في باب العقائد يتوقف فيها كما هو معروف من مذهب أهل السنة فإن كان حقًّا أقر وإن كان باطلاً رد .. وهكذا قولك هذا فماذا تعني بالسياسة؟ إن كنت تعني مثلاً أن تختار الأمة حكامها بنفسها مع الشروط التي اشترطها الإسلام فيهم وإن يشاورهم هذا الحاكم في أمور الدولة التنظيمية وفي شئون الحرب المتغيرة كخطة الحرب (التكتيكية) من أين يهاجم؟ وأي قائد يولي على هذه الجهة؟ 
.ونحو ذلك فهذا الأمر نوافقك في أنه لم يرد فيه نصوص ملزمة، وإنما هو متروك للحاكم.
وأما إن كنت تعني بالسياسة أن تكون الدولة ديمقراطية كما تصرح بذلك كثيرًا، وتكون السلطات بيد الشعب فهذا أيضًا مما يتوقف فيه لأنه مجمل. فإن عنيت بسلطات الشعب أن يشاركوا الحاكم في أحكامه التي سبق أمثله منها أي لم يكن فيها نص من القرآن أو السنة فهذا مما نوافقك عليه، ولكن لا نسميه ديمقراطية، وإنما هو الشورى الإسلامية ويتنبه هنا إلى أمرين:
١ - إن الذين يشاورهم الخليفة من الشعب في مثل هذه القضايا إنما هم أهل العقد والحل من أجلاء المسلمين وأصحاب الورع والتقوى والفكر الناضج وليست المشاورة لكل الشعب الذي يحتوي في مجمله على أناس من الجهلة والعوام والطغام الذين لا يفقهون شيئًا في هذه الأمور.
٢ - إن مشاورة الحاكم لهم لا تعني أن يلزم بما يقولون ما لم يكن فيه نص بل هو يستمع إلى آرائهم ثم يفصل في الأمر بما يراه هو محققًا لمصلحة الأمة. ولا يلزمه أحد بشيء كما فعل عمر - رضي الله عنه - في أحكام كثيرة.
وأما إن عنيت بسلطان الشعب (الديمقراطية الغربية) (١) وهو ما تعنيه.
أي أن تكون الأمة هي مصدر التشريع بحيث تشرع القوانين التي تراها مناسبة للزمن المعاصر ولو خالفت نصًا من الكتاب أو السنة فهذا ما نرفضه رفضًا تامًا؛ لأنه تدخل في ما اختص به الله تعالى. وهو ما يسميه سيد قطب والمودودي بالحاكمية. وهذا هو الذي تدندنون حوله فقد صرحت في بعض كتبك بأن الهدف من سن القوانين المتنوعة التي يراها الشعب هو مصلحة الأمة ولو عارض ذلك نصًّا من الكتاب والسنة ومثال ذلك قولك: "الإسلام كدين لم يحدد للمسلمين نظامًا محددًّا للحكم؛ لأن منطق صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان يقتضي ترك النظم المتجددة قطعًا بحكم التطور للعقل الإنساني الرشيد. يصوغها وفق مصلحة المجموع وفي إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين""الدولة الإسلامية" (٥٣)، وفي نص آخر تقول: "إن الأمة هنا هي مصدر السلطات شريطة أن تتقيد سلطاتها بالوصايا الدينية المتمثلة في النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة طالما بقيت هذه النصوص محققة لمصلحة الأمة في مجموعها وإلا قدمت المصلحة على هذه النصوص .. لأن الشريعة في السياسة والدولة والعمران مقاصد ورأس هذه المقاصد ومحورها وجماعها هو تحقيق مصلحة الأمة الكافلة لسعادتها في الدنيا والآخرة""العلمانية" (٥١).
- قلت: ومعنى هذا الكلام الخطير الذي (يميع) الإسلام وسلطانه في الأرض أن الشعب (الجاهل) إذا اجتمع يومًا ما ورأى أن أمرًا ما يحقق المصلحة للدولة فإن الحاكم يلتزمه ولو خالف القرآن والسنة كما قال الدكتور فيترتب على هذا الأمر الخطير قضايا كثيرة .. وهكذا قضايا كثيرة وخطيرة لا تحصر .. فإن العمدة عند الدكتور هو (المصلحة) لا غير فهو (براجماتي) مسلم! وأما النصوص الشرعية فكما اعترف هو بنفسه فإنها تقذف في البحر!! والعياذ بالله! والطريف قوله بعد ذلك: "في إطار الوصايا العامة

والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين"! فإن هذه العبارة تذكرني بعبارة كثير من الصحفيين عندما يطالبون بأمر يخالف الإسلام يتسترون بقولهم: "في ظل العقيدة السمحة"! فهي لافتات معروضة في الطريق لكل من أراد هدم الإسلام من داخله ودون أن يشعر به أحد .. (هم العدو فاحذرهم).

* محمد عمارة والاشتراكية:
- (العدل الاجتماعي) .. أحد أهداف الدين الإسلامي التي جاءت نصوصه لتحقيقها عن طريق حفظ حقوق المسلمين وعدم الإضرار بهم .. ومساواتهم أمام نظم الإسلام وأحكامه.
والدكتور عمارة يدعو كثيرًا إلى .. (العدل الاجتماعي). بل علمنا فيما مضى أنه الفكرة التي تُشغل باله وتملأ عليه حياته في السنوات الأخيرة.
وقد تأملت كثيرًا في .. (العدل الاجتماعي) الذي ينادي به الدكتور .. فألفيته اشتراكية ترتدي مسوح الإسلام! فلنستمع أخي القارئ إلى نصوصه وشبهاته حول ذلك ثم لنستمع إلى حكم الإسلام في الاشتراكية والإجابة عن شبهاته.
يقول الدكتور: "الإسلام كدين ومن خلال كتابه الكريم وسنته التشريعية العامة لم يحدد لمستقبل المسلمين نظرية اجتماعية بعينها ولم يشرع لمجتمعهم تشريعًا اقتصاديًّا دائمًا بذاته لأنه وهو خاتم الرسالات والمقرر أن لله في كونه سننًا منها سنة التطور والتحول والتغيير ما كان له أن يضع القيود المسبقة على المصالح المتجددة والمتغيرة""الإسلام والثورة" (٥٣).
ويقول: وإذا شئنا إيجازًا يكشف فلسفة الإسلام الاجتماعية فإن باستطاعتنا أن نقول: إنه قد انحاز كل الانحياز إلى صف مجموع الأمة وعامتها وانتصر مصالح العاملين من أبنائها .. ثم ترك للواقع المتطور والمتغير أمر الاختيار والصياغة لما يحقق هذه المقاصد من نظريات وقوالب وتشريعات""الإسلام والثورة" (٥٤).
ويقول: "والإسلام عندما انحاز في المسألة الاجتماعية إلى مجموع الأمة وجعل الاحتياجات معيارًا للحيازة إنما كان يستهدف تفادي المخاطر والمضار التي تنشأ عن تركز ثروة الله -ثروة الأمة- بيد قلة من الأغنياء يتداولونها ويحتجزونها فيما بينهم لأن في ذلك الفساد كل الفساد في المادة والفكر في الدنيا والدين .. فالثروة يجب أن توزع وفق الاحتياجات وذلك حتى لا يزداد غنى الأغنياء فيصبح المالى حكرًا عليهم يتداولونه دولة بينهم""الإسلام والثورة" (٥٧).
ويقول: "ومذهب أبي ذر الغفاري أنه ما زاد على حاجة الإنسان فهو كنز سيكوى به ويعذب يوم القيامة حتى وإن أخرج عنه الزكاة .. وهو أيضًا مذهب علي بن أبي طالب الذي قرر أن الحد الأقصى لنفقة الإنسان ٤٠٠٠ درهم وما كثر عنه فهو كنز وإن أديت زكاته""الإسلام والثورة" (٦٤)!!!.
ويقول: "فتحريم الربا -وهو المال الناشئ عن مال دون عمل- يقطع بأن الفلسفة الاجتماعية للإسلام تقف مع المذهب القائل أن العمل هو الذي يعطي الأشياء حقيقة ومعظم قيمتها. وهو الأساس في الكسب وعليه المعول الأكبر في التمايز والامتياز""الإسلام والثورة" (٧٠).
- أخيرًا يلخص فكرته قائلاً: "لقد جعل المال مالاً لله .. منه فاض وعنه صدر وجعل الناس جميعًا مستخلبين فيه .. وحدد العمل سبيلاً للاختصاص فيه والحيازة منه .. ونهى عن حيازة ما زاد عن الاحتياجات التي يحدد العرف والعادة ودرجة ثراء المجتمع حدودها القصوى .. ونبه على وجوب الاشتراك العمومي في المصادر الأساسية لثروة الأمة والمجتمع""الإسلام والثورة" (٧١).
* حكمها في الميزان السلفي:
- يقول الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله-: "لا اشتراكية في الإسلام، وإنما ذلك قول باطل دعا إليه بعض الناس وزعم أنه من الدين وسمى ذلك اشتراكية إسلامية تمويهًا وتضليلاً، فالمساواة بين الناس في المال مما لا سبيل إليه، وإنما هو تمرد على النظام السماوي غير أن الذي يُقال في هذا المقام إن هناك واجبات تجب في المال كالزكاة وحقوق الأقارب من النفقات وغيرها مما هو مذكور في موضعه من كتب الأحكام والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل".
- وقال الشيخ ابن باز: "إن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الله كفّار ضلاّل" (١).

* محمد عمارة (٢) والدعوة إِلى التقريب بين السنة والشيعة:
- يدعو محمد عمارة إلى التقريب بين السنة والشيعة، وهو يكثر النقل عنهم وخاصة من أهم كتبهم (نهج البلاغة) الذي شرحه شيخه محمد عبده .. ولذلك فهو يثني على الدولة العبيدية الرافضية بمصر ويعتز بالانتساب إليها ..
- قال في كتابه: "عندما أصبحت مصر عربية ٤٧": "ذلك التحيز الذي نجده في كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون السلفيون (السنيون) عن مصر والقاهرة في زمن الفاطميين وهو موقف يجب أن يبرأ منه الباحث المعاصر؛
لأنه لا ناقة له ولا جمل في هذه الخلافات التي فرقت العالم الإسلامي فكريًّا وسياسيًّا حينًا من الدهر والتي زالت منذ قرون بواعثها وأسبابها، ولم يعد مستساغًا أن نظل في القرن الرابع عشر الهجري أسري لحزازات ولدت أسبابها ثم ماتت في زمن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان".
- وقال أيضًا بعد أن ذكر وثيقة الحاكم في التقريب بين السنة والشيعة: "إذا كنا نعتقد بالأهمية الكبرى لهذه الوثيقة التي أصدرها الحاكم بأمر الله في رمضان سنة ٣٩٨ هـ في الأمور التي تتعلق بشئون الدين والاعتقادات والتي حوت أفكارًا وقيمًا لا يزال المسلمون المستنيرون! يجاهدون في سبيل سيادتها وتطبيقها حتى في عصرنا هذا عندما يتحدثون عن التقارب بين المذاهب والفرق الإسلامية فضلاً عن توحيدها" (عندما أصبحت مصر عربية ١١٣).
فهو لا يدعو إلى التقارب فقط بل إلى التوحيد الكامل .. وكيف ذلك؟ لا ندري! لأن الدكتور كما قلت لكم بارع في استخدام الألفاظ "المطاطة"التي لا تجد تحتها أي فائدة.
ونطالع في كتابه "تيارات الفكر"محاولة (غريبة) لتوحيد المذاهب كلها في مذهب واحد! ولكننا نفاجأ بعدم وجود مذهب أهل السنة والجماعة ضمن هذه المذاهب! وهو الأساس والكل يخطب وده فلذلك يحق لنا أن نسمي هذه المحاولة "التقريب بين أعداء السنة"! قال الدكتور: "وإذا نحن خرجنا من إطار نظرية الإمامة فلن نجد بين الشيعة الإمامية، وبين غيرهم من تيارات الفكر الإسلامي وفرقة خلافات تتجاوز في الأهمية أو التميز ما بين الفرق غير الشيعية من خلافات سواء أكان ذلك في إطار المباحث الكلامية أو فقه الفروع .. بل سنجد الاتفاق قائمًا أو التقارب متحققًا بين الشيعة الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين في العديد من القضايا والتصورات .. يلقي الضوء على هذه المقولة. مقولة الاتفاق الكامل أو التقارب الشديد أو الاختلاف.  المألوف بين الإمامية وغيرهم ممن لم يتشيع .. يلقي الضوء على هذه المقولة أمثلة نضربها للدلالة والتوضيح .. " (٢١٥) ثم ضرب أمثلة لتقاربهم مع المعتزلة وأهل البدع الآخرين إلى أن يقول: "تلك هي عقائد الشيعة الاثنى عشرية في الإمامة فكر مرفوض ممن عداهم .. كان ولا يزال سبب أنقسام أمة الإسلام وفي غير الإمامة اجتهادات يتفق أو يختلف معهم فيها غيرهم من المتكلمين المسلمين .. والأمر الذي يجعل أنظار الحريصين على وحدة الأمة الإسلامية تتركز حول مبحث الإمامة على أمل أن تطوير هذا المبحث من منطلق النظرة النقدية للتراث وفي ضوء منطق العصر ومصلحة الأمة كفيل بأن يجد تأويلاً -يرضى عنه كل الفرقاء- للمأثورات التي فصمت عرى وحدة الأمة لعدة قرون .. خصوصًا وأنها قد رويت لتعالج قضية صراع قد غدا الآن في ذمة التاريخ" (٢٢١).
- هكذا يا دكتور!! تجمع وتقرّب وتوحّد .. وأهل السنة والجماعة وهم أصحاب الشأن في هذا التقريب المزعوم لا نحس منهم من أحد في تقريبك ولا نسمع لهم ركزًا .. أم أن الأمر كما قيل:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يُستأمرون وهم شهود
- قال الدكتور في كتابه "الإسلام والمستقبل" (٢٤٤) عند حديثه عن تيار الجمود (١) (وهم نحن! ):
"وفي قوم زعموا أنهم مجتهدون رغم تسليمهم واستسلامهم لأساطير تراثية ظلت تفعل فعلها في تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة".

* التقريب في الميزان السلفي:
لا تقارب بين السنة والشيعة .. أعلنها المخلصون الأذكياء من هذه الأمة
.. من الذين عرفوا دين الرافضة ومحصوه عبر السنين فاقتنعوا بأنه دين آخر غير الإسلام يقترب من اليهودية أكثر من الإسلام.
- قال السيد محب الدين الخطيب: "إن استحالة التقارب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول كما اعترف به وأعلنه النصر الطوسي وأقره عليه نعمة الله الموسوي وباقر الخونساري ويقره كل شيعي" (١).
- وقال الشيخ الألباني: "لو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في مصطلح الحديث يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات ثم اعتمدوا جميعًا على ما صح منها لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلف فيها بينهم أما والخلاف لا يزال قائمًا في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة والله المستعان" (٢).
- ويقول الأستاذ عبد الله الغريب: "أطالب هؤلاء الذين يتباكون على ضرورة التقائنا مع الرافضة أن يقوموا بإحصائية لعدد من الكتب الحديثة التي ألفها كبار علمائهم وسيجدون أنها تزيد على الألف كلها تشكيك بأصولنا وعقيدتنا .. وعندئذ سيعلمون -لو أنصفوا- أن إمكانية الالتقاء معهم غير ممكنة" (٣). 

* محمد عمارة وتحرير المرأة:
الحديث عن المرأة المسلمة كما يقول الدكتور: "حديث طويل وعريض وعميق وأكثر من هذا فإنه مليء بالاختلافات والتناقضات""الإسلام والمستقبل" (١٩٩)، وصدق الدكتور! فإن الحديث عن المرأة في هذا العصر فيه اختلافات وهذه الاختلافات في قضايا واحده لا تتغير ولا تتبدل ..
وسبب هذه الاختلافات الهوى ولو التزم المختلفون كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مرجعًا لهم لما حدثت الاختلافات. والدكتور في حديثه عن المرأة ذكر بعض المخالفات الشرعية وجعلها هي الصواب وغيرها الخطأ زاعمًا أن ما خالفها فهو (تخلف)! هكذا دون أن يذكر آراء (المتخلفين) كي لا تؤثر في الأمة كما أثر غيرها لا سيما بعد انتشار (النقاب) الذي أسهر ليل الدكتور وأرقه أشد مما أسهرته وأرقته قضية فلسطين! فأصبح الهمّ الأكبر له ولأمثاله من (العقلانيين) أعني (غير المتخلفين)! فماذا يقول الدكتور حول المرأة؟ .. وماذا نقول؟ لنبدأ بالدكتور (المستنير) ليضيء لنا الطريق! ثم أتبعه بقول أهل السنة.
- يقول الدكتور: "لقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات دون أن تعني مساواته هذه إلغاء تمايز الجنسين في الطبيعة أو الاختصاص فقرر للمرأة إنسانيتها واحتفظ لها بتميزها بل رأى في هذا التمييز قسمة من قسمات إنسانيتها التي بها تتحقق المساواة بينها وبين الرجال""الإسلام والمستقبل".
- ويقول: "نحن إذا سلمنا بتمايز الرجل والمرأة في هذه الأمور -أي القوة الجسدية والنظام الجسدي والخصائص النفسية- وتلك حقيقة فلن يعني ذلك الانفصال الكامل بين ميداني عمل كل منهما""أبو الأعلى المودودي" (٣٧١).

يرى الدكتور أن ما دعا إليه قاسم أمين هو "الحجاب الشرعي""الإسلام والمستقبل" (٢٢٧) ويقول: "جمهور الفقهاء والمفسرين على أن الأصل هو جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها إلا إذا خشيت الفتنة .. أما الأستاذ المودودي فالأصل عنده هو النقاب وتغطية جميع أجزاء جسم المرأة ولا يجوز كشف الوجه والكفين إلا للضرورة. وهو بذلك قد ارتاد -في حركة الصحوة الإسلامية- التفكير لظاهرة الغلو بواسطة النقاب التي لا تكتفي بالحجاب""المودودي" (٣٨٤).
يرى الدكتور أن "ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو فكر إسلامي وآراء فقهية واجتهاد فقهاء وليس دينًا وضعه الله وأوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام""الإسلام والمستقبل" (٢٣٧).
أما حديث: "ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة"فهو "نبوءة سياسية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفشل الفرس المجوس أولئك الذين ملكوا عليهم امرأة وليس حكمًا بتحريم ولاية المرأة للقضاء .. فلا ولايتها العامة ولا الخاصة كانت بالقضية المطروحة على مجتمع النبوة كي تقال فيها الأحاديث""الإسلام والمستقبل" (٢٤١).
يرى الدكتور جواز الاختلاط في الأماكن العامة "المودودي" (٣٨٥).
يرى الدكتور جواز عمل المرأة في السياسة والقانون والفنون والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة و .. إلخ "المودودي" (٣٧٨).
يحتج الدكتور على آرائه في العمل والاختلاط العام بمشاركة بعض الصحابيات في بعض الغزوات.
يرى الدكتور جواز مشاركة المرأة في الانتخابات والمجالس النيابية "المودودي" (٣٨٠) ويحتج على ذلك بأن الصحابيات بايعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - واشتركن في بيعة العقبة. 
 

* محمد عمارة ومفهوم الجهاد عنده:
يرى الدكتور عمارة أن "القتال في الإسلام سبيل يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة، ضرورة حماية الدعوة وتأمين حرية الدعاة وضمان الأمن لدار الإسلام وأوطان المسلمين .. سيان كان ذلك القتال دفاعيًّا تمامًا أو مبادأة يجهض بها المسلمون عدوانًا أكيدًا أو محتملاً .. فهو في كل الحالات صد للعدوان .. إما إذا جنح المخالفون إلى المسلم وانفتحت السبل أمام دعوة الإسلام ودعاته وتحقق الأمن لدار الإسلام فلا ضرورة للحرب عندئذ ولا مجال لحديث عن القتال باسم (الدنيا) كان ذلك الحديث أو بالسم (الدين) ""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
ويقول: "الحديث عن أن الإسلام يوجب على أهله قتال كل حكومات المعمورة وجيوشها فإنه أقرب إلى هذيان الضعفاء ينفسون به عن العجز إزاء القهر الذي يمارسه الطغاة الداخليون منهم والخارجيون إزاء عالم الإسلام وشعوبه .. وهو هذيان يسخر منه الواقع الإسلامي بإمكانياته الحالية والمحتملة ومن ثم فلا أثر له إلا جلب العداء للمسلمين والنفور من الإسلام .. فضلاً عن منافاة فكر دعاة هذه الحرب الدينية لفكر الإسلام الحق في هذا الموضوع""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
ويؤكد رأيه قائلاً: "ليس في الإسلام حرب دينية .. لأن القتال لا يمكن أن يكون سبيلاً لتحصيل التصديق القلبي واليقين الداخلي الذي هو الإيمان""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
- قلت: فكرة الدكتور عمارة في هذه القضية تتلخص في أن الحرب في الإسلام التي مارسها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - من بعده هي حرب (سياسية) لا (دينية)! أي أنه لم يفرضها لنشر الإسلام وإكراه الناس على الدخول فيه. بل هي باختلافها حرب لتأمين الدولة الإسلامية ضد العدوان. عليها .. وأنه لا يمكن وجود حرب دينية في الإسلام لفرضه على الناس؛ لأن الله قد أذن بتعدد الشرائع .. فالإسلام ليس هو الدين الحق لوحده في هذا الزمان فهناك اليهودية والنصرانية .. فلماذا يقاتلهم المسلمون وهم مثلهم على هدى؟! ويرى أن الأجدى بدلاً من هذه الحرب الهجومية التي يطالب بها الدعاة أن نهتم بالنهضة الإسلامية "المؤسسة على الوعي الناضج بحقيقة الإسلام الدين والإسلام الحضارة تلك التي ستحول عالم الإسلام وبلاد المسلمين إلى شاهد صدق على عظمة الإسلام وتقدميته وجدارته بأن يكون الدين الذي تتدين به الإنسانية الراشدة دون سواه""الدولة الإسلامية" (١٣٦).
- ويجيب عن شبهات الدعاة بما سيأتي.
وهذا القول منه مخالف للكتاب والسنة وأحداث السيرة النبوية وتاريخ المسلمين. وهو قد استقاه من رجال عاشوا في زمن التبعية الغربية والانهزام الروحي أمام الكافر. فأصبح يردده في زمن أعز الله فيه الإسلام وأهله في عدة مواقع .. فكان الأحرى به أن يدع هذا القول (العتيق) ويتعالى بإسلامه قليلاً.
- قال سيد قطب -رحمه الله- رادًا على الدكتور ومن سار بسيره في هذه القضية: "المهزومون ررحيًّا وعقليًّا ممن يكتبون عن "الجهاد في الإسلام"ليدفعوا عن الإسلام هذا "الاتهام"يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تُعَبِّد الناس للناس، وتمنعهم من العبودية لله .. وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما .. ومن أجل هذا التخليط، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! -يحاولون أن يحصروا.   * محمد عمارة وخبر الآحاد:
- الدكتور عمارة في هذه القضية (مقلد) لفحول أهل الكلام ومن تابعهم من شيوخه يردد ما يقولون كما يردد فاتحة الكتاب في الصلاة فى دون أن يورد حججًا على هذه المقولة (الآحاد لا يقبل في العقيدة) .. وإنما هو الشعار الذي يعليه على هامته إذا كشفت الحرب بيننا وبينهم عن ساقها! واشتد الخطب فهي الملجأ وإليها المفزع من أحاديث الصفات والغيب (المرهبة) لكل مبتدع!
- قال الدكتور في حديث افتراق الأمة: "إنه ككثير من الأحاديث المشابهة حديث آحاد وليس بالمتواتر وأحاديث الآحاد وإن جاز أن نأخذ بها في الأمور العملية فإنها غير ملزمة في الاعتقادات""الإسلام وفلسفة الحكم" (١١٨)، ولو قلت (للدكتور): لماذا؟ لقال: هاه .. هاه لا أدري .. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته!
- ويقول الدكتور نقلاً عن المعتزلة أنهم: "يميزون ما بين الأحاديث التي موضوعها الدين والعقائد وتلك التي موضوعها السنة العملية فيرفضون الاستدلال بأحاديث الآحاد -والأغلبية السابقة من الأحاديث أحاديث آحاد- على أمور الدين والعقائد ويقبلون الاستدلال بها في العمليات؛ لأن ما طريقه الدين لا يجب قبول خبر الواحد فيه أصلاً""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٨٤).
- قال أبو المظفر السمعاني في كتابه "الانتصار لأهل الحديث": "إن الخبر إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الثقات الأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم هذا عامة قول أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولا بد من نقله. 

بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول. ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد" (١).
- وقال الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "إن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجري على ذلك كل فرقة .. حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع في ذلك" (٢).
- وقال صاحب "الروض الباسم": "قد انعقد إجماع المسلمين على وجوب قبول الثقات فيما لا يدخله النظر، وليس ذلك بتقليد بل عمل بمقتضى الأدلة القاطعة الموجبة لقبول أخبار الآحاد وهي محررة في موضعها من فن الأصول ولم يخالف في هذا إلا شرذمة يسيرة وهم متكلمو بغداد من المعتزلة والإجماع منطبق قبلهم وبعدهم على بطلان قولهم" (٣).
- وللرد على عمارة ينظر إلى كتاب "الصواعق"لابن القيم، و"الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"و"وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد"للشيخ الألباني، و"أصل الاعتقاد"للشيخ عمر سليمان الأشقر.

* ما هكذا يا دكتور عمارة تُورد الإِبلُ:
- يقول في كتابه "المعتزلة ومشكلة الحرية" (٥): "نحن في مواجهةخطر السلفية النصوصية الذي يتنكر للعقل والعقلانية ويتعبد بظواهر النصوص حتى ما تعلق منها بوقائع تاريخ السلف وتجاربهم البشرية واجتهاداتهم الإنسانية .. ونحن في مواجهة حركة التغريب التي تسعى إلى تغريب عقل الأمة وطرائق عيشها وأنماط سلوكها .. نواجه خطرًا تعني سيادته استلاب هوية الأمة وتميزها الحضاري وقطع سلسلة تواصلها المعرفي مع تراث الآباء والأجداد .. وبعض هذا الاستلاب متمثل في دعوة المتغربين إلى النمط الغربي في العقلانية تلك التي لا تقيم للنقل وزنًا ولا مكان للوحي فيها ولا التزام لها بشريعة السماء".
ويقول في كتابه "العلمانية" (٦): "الذين ينظرون إلى واقعنا الفكري الراهن تزعجهم أبعاد هذا الانقسام بين: سلفية نصوصية تتعبد بظواهر نصوص لا قداسة لها .. وسلفية نصوصية هي الأخرى بظواهر نصوص لم يبدعها سلفنا وإنما أبدعها مفكرو الحضارة الغربية .. ".
ويقول في كتاب "الإسلام والمستقبل" (٢٤٤): "عندما شرعت أمتنا في مغادرة إطار العصور المملوكية العثمانية إلى رحاب عصر يقظتها وإحيائها ونهضتها وتنويرها من خلف رواد مثل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي تصارعت على ساحتها واعتركت في أحشائها وتنازعت في عقلها ووجدانها تيارات رئيسية ثلاث: أولها: تيار الجمود الذي استعصم بفكرية العصور الوسطى واعتصم بعد أن أضفى على هذه الفكرية التي جسدت عصر تخلفنا الحضاري قداسة الدين وقدسيته .. وثانيها: تيار التغريب ذلك الذي انبهر أهله بتألق الحضارة الأوربية وإنجازاتها وانتصاراتها .. ".
- قلت: ولا يكاد يخلو كتاب للدكتور دون ذكر هذا التقسيم الثلاثي .. فالأمة عنده قد انقسمت إلى (متخلفين) (جامدين) (نصوصيين) (خرافيين) وإلى (متغربين) (علمانيين) .. وأما التيار الثالث (المنقذ! ) فهو تيار.الأفغاني (السوبرمان! ) أو تيار (السلفيين العقلانيين) (المتنورين) (المجتهدين) (تيار الوسط) .. ! وصفات تيار الجمود أنه يعيش في (خرافات) العصر المملوكي والعثماني وصفات أهل التغريب أنهم مولون ظهورهم للتراث .. وصفات المتنورين أنهم جمعوا الدين والعقل .. إلخ. لا يوجد طائفة أخرى في الأمة داخل هذه القسمة. فكأنه يريد أن يسوق الناس بعصاه إلى تيار الأفغاني كما تساق البهائم في المرعى! فهو يقول لهم: ليس أمامكم.
إلا أن تتغربوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
أو أن تتخلفوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
إذن فالزموا -حفظكم الله- نهج الأفغاني فالعدو من أمامكم والبحر من خلفكم! دعوة مغطاة إلى مذهب الباطل يتنبه لها كل فطن وهو في هذا الفعل يخون الأمة إذ لم يعرض لها المنهج الصحيح الذي يعرفه .. وهو المنهج السلفي الذي يجمع بين الدين كما عاشه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وبين الدنيا التي يحاول أن يبلغ فيها القمة -ولكن تعوقه عوائق يعلمها الدكتور! - فإذا كان الدكتور جاهلاً في المنهج فهو في تفصيلاته أجهل كما سيأتي.
ثم إن الباحث في كتبه -هداه الله- لا يدري هل يجعلنا من المتخلفين أم من المتغربين؟ أما المتغربون فلا أظنه يفعلها لبعد ما بيننا ولأني لم أعثر له على نص واحد في ذلك. وأما المتخلفون فإن الدكتور (يتخبط) في ذلك فتارة تراه يثني على (السلفيين) أو أحد أعلامهم وأنهم ضد التخلف .. وتارة يصمنا بالتخلف! فتعجب أهم ضد أنفسهم مثلاً؛ فهو يقول في كتاب "الطريق إلى اليقظة" (١٥٦): "المهام الأولى لليقظة الإسلامية مجابهة الجمود بالاجتهاد والتجديد .. والتصدي للغزوة الاستعمارية بالجهاد والتحرير"، ويجعل (الوهابية) أي (السلفية) كما هو معلوم في مقدمة هذه التيارات   . اليَقِظَة .. فهو إذن قد أخرجنا من أهل الجمود والتخلف.
وفي كتاب "التراث في ضوء العقل" (٢٣٦) يقول: "مصطلح السلفية من المصطلحات التي يحيط بمضمونها الغموض في عدد من الدوائر الفكرية والسياسية في واقعنا العربي والإسلامي والمعاصر فهناك من يرون (السلفية) و (السلفيين) التيار المحافظ والجامد في حياتنا الفكرية وفي الجانب الديني من هذه الحياة على وجه الخصوص .. وهناك من يرون في (السلفية) وأهلها التيار الأكثر تحررًا من الخرافة والبدع ومن ثم الأكثر استنارة في مجال الفكر الديني بالذات"، فهو هنا يصفنا بالجمود! لأنه يعني بالفريقين السابقين نحن والأفغاني! وقد قال عن أهل الجمود في هذا الكتاب (١٠): "لم يكن في التراث الذي يبشرون به العروبة التي غدت قيمة أعلى الإسلام الحضاري والحضارة العربية الإسلامية مكانها بحكم ما للعرب من مكان الريادة والقيادة في الدين والدنيا بهذا المحيط الذي نعيش فيه .. بل بشروا بالتبعية للعثمانيين في عصر غدت فيه الدولة العثمانية ثوبًا مليئًا بالثغرات التي تسلل منها الغرب الاستعماري في صورة امتيازات وتسهيلات وحماية للأقليات .. إلخ حتى أصبح يلتهم ديار العروبة والإسلام إقليمًا وراء إقليم هكذا كان تراثهم الذي له يدعون وبه يبشرون"فهم مع العثمانيين .. ثم يقول في كتابه: "معارك العرب" (١٦٤) عن نهضة محمد علي: "وكان لا بد لهذه الصحوة بأن تصطدم بأعداء هذه الأمة التقليديين التخلف الممثل في السلطنة العثمانية والاستعمار الأوربي .. "، ومن المعلوم أن محمد علي قاتل (الوهابيين).
فكيف يكون ذلك؟ أم أنه التناقض والتخبط الذي اعتدناه منك. لا مخرج لك إلا بأن تقول: أنا ضد الجميع فالعثمانيون والترك (متخلفون) .. والوهابيون (متخلفون)، ولكن تخلف الوهابيين أقل من تخلف العثمانيين؛ لأنهم شاركوا ولو بقليل في اليقظة الإسلامية! وهذا ما أرجحه وسيأتي  دفعه. ولكن كان الأولى بالدكتور (الثوري) -والثورية تعني الشجاعة- أن يجهر بقوله ويقول: أعني بالمتخلفين والجاحدين السلفيين الذين يعيشون في مكان كذا! ومن أئمتهم فلان وفلان ومن المعاصرين فلان وفلان؛ والسبب أنهم قالوا كذا وكذا وهذا تخلف .. والصواب كذا وكذا. هذا هو المنهج السليم إذا أردت أن تنقد طائفة ما أن تذكر أقوالهم "الصحيحة"وتفندها وتدلي بقولك الذي تراه لينظر فيه .. أما الكلمات الرنانة وتخويف الأمة من السلفيين (المرعبين)! فهذا منهج (المهرجين).
٢ - مثال ثان على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "المعتزلة" (٦) بعد أن حذرنا كالعادة من النصوصيين السلفيين ومن المغتربين (فالسلفية النصوصية تشل بالجبر والجبرية فعاليات الإنسان فتسهم في تأييد وتأبيد التخلف السائد في عالم الإنسان ومذاهب الغرب في الحرية قد أفقدت الإنسان توازنه واتزانه وذلك عندما حولته إلى حيوان مادي أو فرد متعال أو متغرب بسبب المادية والإلحاد عن الكون الذي يعيش فيه وليس سوى مذهب الإسلام! في الحرية الإنسانية سبيلاً للخروج من هذا المأزق الذي دفعنا إليه السلفيون النصوصيون! والمتغربون". ويعني بمذهب الإسلام .. مذهب القدرية كما علمنا في مبحث "المعتزلة"فالقسمة ثلاثية: جبريون .. وغربيون متحررون .. ثم يأتي الفريق الوسط أو (المنقذ! ) كما أسميناه. فهل حقًّا مذهب السلف الجبر؟ أم أن الدكتور يجهل (أو يتجاهل) ذلك كما قال شيخ الإسلام: "إذا كان الله قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون دل على أن كلا النوعين مذموم الجاهل الذي لا يفهم معاني النصوص والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه وهذا حال أهل البدع (١).
.لم يكن مذهب السلف الجبر أبدًا بل شنعوا على أهله وذموهم أكثر مما ذمهم الدكتور وشيوخه. قال صاحب "الطحاوية"في بيان مذهب أهل السنة في القدر: "منشأ الضلال: من التسوية بين: المشيئة، والإرادة، وبين: المحبة، والرضا، فسوّى الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا.
فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبًا مرضيًا. وقال القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدَّرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
وقد دل على الفرق بين: المشيئة، والمحبة. الكتابُ والسنةُ والفطرةُ الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب، فقد تقدم ذكر بعضها.
وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}.
* وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.
• وفي "الصحيح"عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
• وفي "المسند": إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتي معصيته وكان من دعائه: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك". فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول: الصفة، والثاني: أثرها المرتب عليها، ثم ربط ذلك بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره، فما أعوذ منه فى واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن. شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي، هي بمشيئتك أيضًا، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته" (١).
فالقسمة عندنا ثلاثية كما هي عندك ولكنها عندك كاذبة وعندنا صادقة، فهي عندنا: جبريون .. قدريون! .. أهل سنة.
٣ - مثال ثالث على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "الإسلام والعروبة" (٨٦): "الأمر الذي يجعل الأمة تواجه الخطر القديم الجديد .. خطر التشرذم والانقسام الحاد في قوى الأصالة الممثلة لذاتها الحقيقية: قوميون يديرون ظهرهم للإسلام .. وإسلاميون ينفرون من العروبة كل النفور"فالقسمة عنده: قوميون ملحدون .. أو إسلاميون شعوبيون .. ثم التيار (المنقذ! ) كالعادة. وقد سبق في مبحث (القومية) أن هذه القسمة باطلة وأن أحدًا من العلماء والدعاة المعاصرين لم ينفر من العروبة كل النفور كما يزعم الدكتور بل هم يتبعون النصوص الواردة في فضل العرب ولكن لا يغلون فيهم .. وكأن الإسلام لن يمضي دونهم وقد سبق بيان ذلك وبيان أن مذهب الدكتور الحقيقي في هذه القضية هو (القومية المستترة).
٤ - مثال رابع على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتابه "العلمانية" (٥): "في فكرنا السياسي الحديث يلعب الخلاف حول طبيعة.  السلطة في الدولة الإسلامية دور المحور الذي يحدد الاتجاهات والتيارات فالذين يرون السياسة والدولة دينًا خالصًا ووضعًا إِلهيًّا يقيسون خلافاتهم مع خصومهم بمعايير الكفر والإيمان وتكاد أن تظهر وتشيع في كتاباتهم مراسيم الغفران والحرمان .. أما الذين فصلوا الدين عن الدولة وباعدوا ما بين الرسالة والسياسة فإنهم الذين يتبنون اليوم في حياتنا الفكرية الدعوة إلى العلمانية".
فالقسمة ثلاثية عنده .. إما أن ندعو إلى السلطة الدينية (الكهنوتية) كما فعل النصارى أو أن ندعو إلى العلمانية ثم الفريق الثالثة (المنقذ! ) وهو الداعي إلى (العلمانية) المستتره كما مر معنا وكما صرح الدكتور به في كتابه "تيارات الفكر" (٣٢٣) نقلاً عن مشايخه حيث قال عن أحدهم (الكواكبي): "إنه يدعو إلى دولة قومية وليس إلى دولة دينية إسلامية فهو كغيره من أعلام هذا التيار كما سبق وأشرنا إلى مذهبه ينكر وجود سلطة دينية أو كهنوتية في الإسلام".
وقال عن محمد عبده بعد أن ذكر نقده للسلطة الدينية: " .. ثم يعمم هذا الموقف العلماني العقلاني فيقيم به التاريخ الإسلامي ويقرر أن الفتوحات التي حدثت بعد ظهور الإسلام كانت فتوحات سياسية، ولم تكن بالحروب الدينية .. ""نظرة جديدة" (٢٤٩).
ويقول عن شيخ مشايخه! الطهطاوي: "والطهطاوي الذي أنجز مع تلاميذه ترجمة القوانين المدنية والتجارية الفرنسية للدولة المصرية في القرن الماضي فعل ذلك من موقف عملي علماني .. ""نظرة جديدة" (٢٥٣).
وأما رأي أهل السنة والدعاة الإسلاميين فلا يذكره أبدًا؛ لأنه ينادي بتحكيم شرع الله في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

* عمارة والتصوف:
الوثنية! ويذم من يتعرض للقبور بسوء! وهذا من أعجب ما رأيت له. قال في كتاب "التراث" (١٥٦): "هل إذا قدر لتراث المصريين في التوحيد الديني أن يظهر وينشر وتسلط عليه الأضواء هل ستظل مكانه اللاهوت العبراني كما هي في دوائر الفكر العالمي؟ مكانة الرائد الذي يمثل أقدم النصوص المكتوبة في عقيدة التوحيد؟ .. كلا وتلك واحدة من مهام الفكر العربي في صراعه ضد الصهيونيين"فهو يطالب بإحياء (توحيد! ) الفراعنة لتغتاظ إسرائيل! .. قلت: بل لتفرح!، ويقول في كتاب "الإسلام وفلسفة الحكم" (٥٨٢) عن المتوكل العباسي: "كما عم انقلاب المتوكل العباسي المعتزلة بالاضطهاد فلقد شمل به الشيعة العلويين كذلك فالأمويون قد قتلوا الحسين والمتوكل هدم قبره وسواه بالتراب ثم حرث أرضه وزرعها كي لا يزوره أحد من الناس"، فهو ينكر على المتوكل إحياءه للسنة في هدم القبور المرتفعة ومنع الناس من الافتتان بها لا سيما إذا كانوا من جهلة الشيعة، وقد كان الأولى بالسلفي أن يمدحه لا أن يذمه.
٤ - ومما يشهد بعدم سلفية الدكتور مدحه للتصوف الفلسفي ورجاله وهو يعلم أنه لا لقاء بين السلفية والتصوف الفلسفي الذي يقوم على مبدأ (وحدة الوجود) و (الحلول) فاسمعه يقول عن الأفغاني -متأثرًا به-: "وهو فيما يتعلق بالوقف من التراث الصوفي في الفكر الإسلامي كان أقرب إلى التصوف العقلاني -إن جاز التعبير- منه إلى التصوف العملي القائم على التنسك والتذوق والحدس .. فمعروف عنه تقديره الكبير للشيخ محيي الدين ابن عربي الذي يعد من أبرز أعلام التصوف الفلسفي في الفكر الإسلامي""نظرة جديدة" (٢٤٧).
هذا غيض من فيض .. وقطرة من بحر مما لدى الدكتور من أفكار وكلمات تصادم المنهج السلفي فكيف يزعم أنه من رجاله؟
هم الرجال وعيب أن يقال ... لمن لم يتصف بمعاني وصفهم رجل.* الوهابية والسلفيون ومحمد عمارة:
١ - الوهابية: يرى الدكتور عمارة أن الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- "دعا إلى العودة لإسلام شبة الجزيرة الأول إسلام ما قبل عصر الفتوحات ذلك الذي يكفي الإنسان منه النصوص دونما حاجة إلى العقلانية الكلامية أو الفلسفية وما أثمرت من قياس ورأي وتأويل""الطريق" (١٦٠).
وإنه: "هاجم القياس حتى ولو كان صحيحًا وأعرض عن التأويل في فهم النصوص وتفسيرها وأعلن أن الرأي لا وزن له بجانب النصوص""الطريق" (١٦١).
وأن الوهابية: "حركة تجديد سلفية نشأت في بيئة عربية بسيطة لم تعرف الفكر المركب لخلوها من تعقيدات الحضارة وأنماطها الفكرية المركبة فكانت صورة إسلامها هي صورة الإسلام العربي الأول في عصر صدر الإسلام""الطريق" (١٦٣).
"كانت الوهابية كامتداد للفكر السلفي إسهامًا في الاستقلال الحضاري لأمتنا العربية الإسلامية وإن تكن بداوة بيئتها وفقر الأفكر الفلسفي عند أعلامها قد جعل إسهامها على هذه الجبهة متمثلاً في رفض التبعية الفكرية مع العجز عن الإبداع في بلورة البديل وتطويره""الطريق" (١٦٥).
و"الوهابية بسبب من بداوة البيئة التي نشأت بها قد اتخذت موقفًا غير ودي من العقلانية ومن التمدن""الطريق" (١٦٦)، ولذلك يقول محمد عبده عنها: "لم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء""الطريق" (١٦٧).
ولقد "عجزت عن تلبية حاجات البيئات العربية الإسلامية المتحضرة ذات الفكر المركب والتطور الحضاري المتقدم""الطريق" (١٦٧).
ولهذا "ظلت دعوة ودولة في شبة الجزيرة وحدها ودون أن تتعداها""العرب والتحدي" (١٥١).
 - هذه أبرز النقاط التي يعرضها الدكتور عن (الوهابية) أو التي حكم بها عليها ويمكن أن نرجعها إلى قسمين: قسم يمدح فيه الوهابية وقسم يذم فيه الوهابية .. فهو يمدحها لأنها:
١ - حركة تجديد سلفية أعادت للتوحيد نقاءه وحاربت الخرافة.
٢ - حركة انتصرت للعروبة في مواجهة الدولة العثمانية .. وهذا فهم خاطئ فهي حركة (إسلامية - سلفية) .. ولم تكن (عربية) بالمعنى الذي يريد الدكتور؛ لأنها لم تحارب الدولة العثمانية لأجل (العروبة) بل لأجل انحراف دولة الخلافة عن التوحيد وانتشار الشرك والبدع بين أفرادها وتقريبها للطرقية والجامدين من المقلدة.
قال الأستاذ (محمد جمعة) رادًا على الدكتور في هذه القضية: "الدعوة السلفية إذًا لم تصطدم بالعثمانيين لمجرد أنهم عثمانيون غير عرب؛ بل لأن العثمانيين قد أجازوا كثيرًا من البدع الشركية التي قامت الدعوة من أجل محاربتها ثم لأن العثمانيين هم الذين بدأوا الدولة السعودية الأولى والدعوة السلفية بالقتال فالمعروف تاريخيًّا أنه لم يكن هناك أي وجود حقيقي للعثمانيين في نجد أيام قامت الدعوة بل ربما أن العثمانيين لم ينتبهوا أو يهتموا بقيامها ولكن حين رأوها تنشط وتتوسع خافوها فحرضوا ولاتهم في العراق والشام على محاربتها فلما عجزوا كلفت الدولة العثمانية وإليها على مصر (محمد علي) بذلك""مقال تصحيح وإيضاح"مجلة الهلال أغسطس ١٩٨٣).

* وهو يذم الوهابية لأنها:
١ - عادت العقلانية والفلسفة وعلم الكلام.
٢ - عجزت عن تلبية احتياجات البلاد الأخرى في التمدن.
٣ - لأنها بدوية.

٤ - لأن الإمام محمد بن عبد الوهاب هاجم القياس.
٥ - لأنها عنيفة فلذلك لم تصل إلى بلاد أخرى.
- ونقول له:
يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
- ولله در القائل:
متى يصل العطاش إِلى ارتواء ... إِذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني (الأصاغر) عن مراد ... وقد جلس الأكابر في الزوايا

* محمد عمارة وبعض الأسماء:
١ - معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -:
- قال الدكتور: "إن المعتزلة قد ربطوا باستمرار بين نظرية الجبر وبين السلطة الأمرية ورأوا أن لهذه الأفكار الجبرية أبعادًا سياسية في المجتمع بل اتهموا معاوية بن أبي سفيان بأنه أول من أشاع هذا اللون من الفكر حتى يدعم سلطته وسلطانه ويوهم الناس أن انتقال الخلافة إليه وإلى أهل بيته إنما هو قدر الله وقضاؤه الذي يجب التسليم به والرضا عنه""المعتزلة" (١٥١).
"فمعاوية .. قد حاول استخدام عقيدة الجبر كي يبرر انتقال السلطة له وتغير طبيعتها على يديه""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٥٨).
ويقول: "دولة بني أمية وحكامها وولاتها يحكم عليها المعتزلة في الجملة بالضلال والفسق؛ لأنها قامت على ذنب من الذنوب الكبائر وهو تحويل الخلافة الشوروية إلى ملك وراثي عضود ولأنها مارست من المظالم والكبائر ما امتلأت به صحائف آثار كثيرة من كتب أهل الأعتزال""الإسلام وفلسفة الحكم" (٥١٠).
لقد اتهمه هذا الدكتور (الظالم) تبعًا لمشايخه الكذابين من المعتزلة بأنه  - رضي الله عنه - أول من ابتدع (الجبر) في الإسلام! حفاظًا على منصبه وولايته! والدليل عنده "قال الجبائي: أول من قال بالجبر وأظهره معاوية""المعتزلة" (١٥١)، ومثله عن ابن المرتضى. أفيقبل مسلم عاقل طعن هؤلاء المبتدعة المغضوب عليهم في أفضل الأمة؟ وقد أخبرناك بعض أقوالهم الآثمة في ذلك. أيُعَدَّل الفاسق ويُفَسَّق العدل؟ قال - صلى الله عليه وسلم - "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم""مختصر مسلم" (١٠٥٣) فهذه دعاوى من أشباه "الرافضة"قد استقوها منهم لا تقبل إلا ببينة صادقة. ثم يقال: إن أول من أظهر (الجبر) ونشره بين الناس هو (الجهم بن صفوان) كما هو معروف عند أهل الفرق وهو أحد الرجال الذين أثروا في المعتزلة! قال الشهرستاني: "الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وهو من الجبرية الخالصة" (١).

٢ - الحسن البصري:
- قال الدكتور: "إن المعتزلة يذكرون الحسن البصري في الطبقة الثالثة من طبقات رجالهم وهي الطبقة التي فيها التابعون ويثبتون له رسالته التي كتبها في القدر ردًّا على رسالة عبد الملك بن مروان، ولكن هناك من يشككون في هذه النسبة فيقولون: كان أهل القدر ينتحلون الحسن بن أبي الحسن وكان قوله مخالفًا لهم وهناك من يقول: إنه قال بالقدر ثم عدل ورجع عن القول به. ولكن الدراسة لأسس هذا الخلاف حول الحسن البصري تؤكد أن الرجل كان من أئمة الذين قالوا بالقدر على مذهب العدل""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٥٩) "مسلمون ثوار" (١٥٥).
ويقول: "الحسن كان بلا جدال ولا شك من أوائل الذين قالوا بالقدر على مذهب المعتزلة أهل العدل والتوحيد .. كل ما في الأمر أنه قد اختلف.  . معهم في أصل آخر هو المنزلة بين المنزلتين وفي قضايا أخرى مثل قضية تجريد السيف والخروج المسلح ضد بني أمية .. وعلى ضوء هذه الحقيقة نفهم ذكر المعتزلة للحسن في الطبقة الثالثة من طبقات رجالهم ونفهم قول الذين أرخوا لفرق المعتزلة عندما يذكرون (فرقة الحسنية) -نسبة للحسن- كإحدى فرق المعتزلة""الإسلام وفلسفة الحكم" (١٦٠).
- قلت: ابتلي الحسن -رحمه الله- بطائفتين من أهل البدع كلتيهما تجعله أصلاً لبدعتها .. الطائفة الأولى هي (المعتزلة) كما ذكر الدكتور والطائفة الثانية هم (الصوفية) .. قال الصوفي الشعراني في كتاب "اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر": "وقد كان الحسن البصري وكذلك الجنيد والشبلي وغيرهم لا يقررون علم التوحيد إلا في قعور بيوتهم بعد غلق أبوابهم وجعل مفاتيحها تحت وركهم ويقولون: أتحبون أن ترمى الصحابة والتابعون الذين أخذنا عنهم هذا العلم بالزندقة بهتانًا وظلمًا" (١).
وكل يدعي وصلاً (بحسن) ... و (حسن) لا يقر لهم بذاك
بل يقر -رحمه الله- لأهل السنة. لأنه أحد رموزهم الأكابر ولكنه جمع بين العلم والزهد والكلام (الحسن) فظنت كل طائفة أنه يعنيها وأما اتهامه بالقدر فتهمه قد براه الله منها قال ابن سيرين: "كانوا يأتون الشيخ -يعني الحسن- بكلام مجمل لو فسروه له لساءهم" (٢).
- وقال أبو سعيد الأعرابي: "كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء فيتكلم في الخصوص حتى نسبته القدرية إلى الجبر وتكلم في الاكتساب حتى نسبته السنة إلى القدر كل ذلك لافتنانه وتفاوت الناس عنده وتفاوتهم في. الأخذ عنه وهو بريء من القدر ومن كل بدعة" (١).

٣ - ابن عربي الصوفي:
- قال الدكتور: "ابن عربي -في التصوف الفلسفي- قمة القمم، لا في حضارتنا العربية الإسلامية فقط، بل وعلى النطاق الإنساني. وهو بمقياس "السلفية المحافظة"أو "الفقهاء"وثني زنديق.
والذين يلقون نظرة على تيارات الفكر الإسلامي يجدون الفكرة ونقيضها، والمدرسة وضدها والمقولة وما ينقضها أو يعاديها .. قام ذلك في كل شيء، حتى في تصور الذات الإلهية، نجد "المنزهة"أصحاب التجريد، ونجد (المشبهة) الذين يفضي قولهم إلى ألوان من التجسيد أو الحلول أو الاتحاد إلخ .. والذي أعتقده وخاصة في مثل عصرنا -أن الاستنارة يجب أن تجعلنا ننظر للاختلافات في الآراء، والتعدد في التصورات، كمصدر للغنى الفكري والثراء الثقافي .. وإذا لم يكن مفر من الاختلاف، فلنجعله في إطار (الخطأ والصواب)، وليس في إطار (الكفر والإيمان)، فلا كهانة في الإسلام، ولا سلطة لبشر، حتى الرسل، على ضمائر الناس وقلوبهم.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن مصادرة ابن عربي، أو غير ابن عربي، تصبح قضية وفعلة بينة الشذوذ خصوصًا وأنها تأتي من أناس لا علاقة لهم بالفكر الذي يصادرونه لأنه باعتراف علية المتخصصين- فكر يستعصي على كثير من الخواص، فضلاً عن العوام.
إن ابن عربي في التصوف الفلسفي، أشبه ما يكون باينشتين ونسبيته في العلوم، فمن في مجلس الشعب يستريح ضميره للحكم في مثل هذه الأمور؟ ""التراث" (٢٩١).- أما عند أهل السنة فقال شيخ الإسلام: "آل الأمر بملاحدة المتصوفة كابن عربي صاحب فصوص الحكم وأمثاله إلى أن جعلوا الوجود واحدًا وجعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق. وهذا تعطيل للخالق وحقيقة قوله فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون ثم إنهم جعلوا أهل النار يتنعمون فيها كما يتنعم أهل الجنة فكفروا بحقيقة اليوم الآخر ثم ادعوا أن الولاية أفضل من النبوة .. " (١).

٤ - عمرو بن عبيد:
- قال الدكتور عنه: "علامة بارزة على طريق تطور العقل العربي المسلم .. وعلم من الأعلام الذين صنعوا النشأة الأولى للتيار العقلاني في تراثنا قبل أن تعرف العربية حركة الترجمة عن اليونان وثائر في سبيل العدل والشورى التميز نظره بنظرة خاصة لقضية الثورة ركزت على ضرورة الاستعداد والتمكن والإعداد ورفضت الفوضى والتمردات ومع ذلك فهو زاهد ناسك عابد سلكه الزهاد والمتنسكون في سلك أئمتهم كما تزينت باسمه صحائف الفلاسفة والمتكلمين والثوار. فلقد ذهب إلى بيت الله الحرام -من البصرة- إلى الحج ماشيًا على قدميه أربعين مرة في أربعين سنة ومعه راحلته -جمله- مخصصًا إياه لركوب الفقراء والضعفاء""التراث" (٢٧).

٥ - غيلان الدمشقي:
- قال الدكتور: "غيلان الدمشقي إنسان إذا شئنا أن نلخص حياته والعطاء الذي قدمته نفسه في هذه الحياة في كلمات شديدة الاختصار استطعنا أن نقول: إنه كان موقفًا ثوريًا من كل سلبيات الحياة في العصر الذي عاش. فيه""مسلمون ثوار" (١٤٢).
وقال: "طلب من الخليفة -أي عمر بن عبد العزيز- أن يجعله قائمًا على رد المظالم والأموال المغتصبة من الأمة والتي كان الخلفاء والأمراء الأمويون قد احتازوها منذ علا نجمهم في خلافة عثمان بن عفان .. فقال غيلان الدمشقي للخليفة: ولني بيع الخزائن ورد المظالم. فولاه هذه المهمة وعهد إليه بتلك المسئولية""مسلمون ثوار" (١٤٧).
وقال: "كانت حياة غيلان نموذجًا فريدًا يجسد الموقف الثوري من سلبيات مجتمعه كذلك كان مماته نموذجًا فريدًا يجسد سلبيات هذا المجتمع ويدين هذه السلبيات""مسلمون ثوار" (١٤٩).
- قلت: قال ابن حبان: "كان داعية إلى القدر قتل وصلب بالشام لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به لبدعته التي كان يدعو إليها وقتل عليها".
ثم روى بسنده إلى إبراهيم بن أبي عُلية قال: "كنت عند عبادة بن نسي فأتاه آت فقال: إن أمير المؤمنين هشامًا قد قطع يدي غيلان ورجليه فصلبه.
قال: ما تقول؟ قال: قد فعل. قال: أصاب والله فيه القضاء والسنة ولأكتبن إلى أمير المؤمنين ولأحسنن له رأيه" (١).
- قال الذهبي: "غيلان بن أبي غيلان المقتول في القدر ضال مسكين" (٢).
وقال ابن حجر: "قال ابن المبارك: كان من أصحاب الحارث الكذاب وممن آمن بنبوته فلما قتل الحارث قام غيلان إلى مقامه. وقال له خالد بن اللجلاج: ويلك ألم تك في شبيبتك ترامي النساء بالتفاح في شهر رمضان ثم صرت خادمًا تخدم امرأة الحارث الكذاب المتنبي وتزعم أنها أم المؤمنين ثم. .. تحولت فصرت زنديقًا ما أراك تخرج من هوى إلا إلى أشر منه. وقال له مكحول: لا تجالسني. وقال الساجي: كان قدريًّا دعا عليه عمر بن عبد العزيز فقتل وصلب وكان غير ثقة ولا مأمون كان مالك ينهى عن مجالسته. قلت - آي ابن حجر-: وكان الأوزاعي هو الذي ناظره وأفتى بقتله" (١).

٦ - ابن جني:
- قال الدكتور عنه: "الرائد العملاق""نظرة جديدة" (٦٨).
وقال: "كان ابن جني كما أعتقد ثمرة للعقل العربي الذي سار مجتمع البصرة في القرن الرابع الهجري وإضافة خلاّقة لهذا العقل""نظرة جديدة" (٦٩).
وقال: "لقد كان -أحد تلامذة مدرسة بصرية امتازت باعتمادها على العقل وثقتها في قدرته إلى أبعد الحدود .. ألا وهي مدرسة الاعتزال""نظرة جديدة" (٧٣).

٧ - محمد علي:
- قال الدكتور عنه: "ارتادت مصر للشرق والوطن العربي عصر التنوير واليقظة والنهضة في ظل الدولة المدنية الحديثة التي أسسها محمد علي باشا الكبير""التراث" (١٨٩).
ويخصص الدكتور مبحثًا كاملاً في كتابه "العلمانية"للدفاع عن اتهامات (لويس عوض) لمحمد علي.

٨ - ثورة الزنج:
خصص الدكتور مبحثًا كاملاً من كتابه "الإسلام والثورة"للحديث عن ثورة الزنج، وكان مما قال: "كان قائد هذه الثورة -علي بن محمد بن أحمد ابن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب-شاعرًا وعالمًا يمارس في (سامراء) تعليم الخط والنحو والنجوم وكان واحدًا من المقربين إلى الخليفة المنتصر بالله" (٢٦٠).
"بالرغم من اشتهار هذه الثورة (بثورة الزنج) إلا أنها لم تكن ثورة عنصرية ولا خاصة للزنج وحدهم ولم تقف أهدافها عند المطالبة بتحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم .. فقائد هذه الثورة عربي وعلوي -رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي- وأغلب قوادها كانوا عربًا" (٢٦٠).
ودولة علي بن محمد التي يسعى لها: "تعمل من أجل نظام اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة" (٢٦٤)! يعلق الدكتور على هذا الموضع قائلاً: "يشبه نظام الملك الفلسفة الاجتماعية والتنظيم المالي لثورة الزنج بالمزدكية التي قامت على الاشتراك العمومي في ثروة المجتمع" (٢٦٤). فهلاّ شبهتها بالاشتراكية الحديثة!؟.
وأما في كتاب "نظرة جديدة"فقال: "إن ثورة الزنج قامت بجنوب العراق ضد نظام الحكم العباسي وشاركت فيها جماهير الفلاحين الفقراء مع العبيد الأرقاء والأقنان الذين كانوا يعملون في تخليص مزارع الأغنياء وكبار الملاك من ملوحة مياه الخليج .. وكانت لهم أفكار اجتماعية متقدمة وبطولات ثورية في ثورتهم هذه ضد النظام الاجتماعي والسياسي الذي ساد بغداد .. " (١٨) وفي كتاب "التراث في ضوء العقل"يقول عنها: "لم تكن ثورة عنصرية عرقية قام بها الزنج العبيد ضد العرب الأشراف كما يزعم ذلك بعض المستشرقين وإنما كانت ثورة عامة للذين اختاروا الصراع العنيف طلبًا للعدل والحرية ورفضًا لسيطرة الأعاجم الأتراك على الخلفاء العباسيين واستئثارهم بخيرات البلاد، وإذا كان لهذه الثورة شرف القتال لتحرير العبيد في ذلك الوقت المبكر من تاريخنا - وهو ما يشرف هذا التاريخ فإن هذا الشرف لم يكن هدفها الوحيد" (٢٢٠).
- قلت: الدكتور معجب أشد الإعجاب بثورة الزنج، وإذا عرف.   ..السبب بطل العجب فهي أولاً ثورة زيدية والزيدية كما علم شقائق المعتزلة.
وثانيًا: هي ثورة (اشتراكية) تدعو إلى الاشتراكية في المال ومساواة العبيد بغيرهم كما يوهم كلام الدكتور. فهل هي حقًّا كذلك؟ وهل يستحق أهلها أن يسموا (ثوارًا) "أم هم شراذم من قطاع الطريق والمفسدين في الأرض؟ انظر "الفتنة السوداء أو ثورة الزنج"للأستاذ محمد جمال.

٩ - الدكتور عمارة وعبد الله بن سبأ:
- قال الشيخ سلمان العودة في كتابه "عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام".
"ويرى الدكتور محمد عمارة أن ابن سبأ أقرب إلى الخرافة" (١).

١٠ - الحشوية:
نبز بها الدكتور محمد عمارة السلفيين أهل السنة والجماعة، ودمغ فكر أهل السنة بالحشو اتباعًا لشيوخه (الثقات) من أهل الاعتزال قال: "أطلق هؤلاء المجبرة على أنفسهم اسم أهل السنة وأهل الجماعة وشاعت عند عامة المسلمين وجماهيرهم التفسيرات التي تجعل كلمة السنة بمعنى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتجعل كلمة الجماعة منصرفة إلى جماعة المسلمين ولكن المعتزلة يسمون هذه الفرقة بالجبرية والمجبرة والمجورة وأهل الحشو""المعتزلة" (٢٩).
وقال: "المعتزلة يسمون هذه الفرقة (أي أهل السنة) بالحشوية وأهل الحشو ويقولون عنهم أنهم يسمون أنفسهم بأنهم أصحاب الحديث وأنهم أهل السنة والجماعة وهم بمعزل من ذلك وليس لهم مذهب معروف! ولا كتاب تعرف منهم مذاهبهم! إلا أنهم مجمعون على الجبر والتشبيه ويدعون أن أكثر السلف منهم وهم براء من ذلك وينكرون الخوض في الكلام والجدل ويقولون على التقليد وظواهر الروايات""المعتزلة" (٣٤).

وأما أهل السنة والسلفيون من الأئمة فقد ردوا هذا اللقب ولم يقبلوا إطلاقه عليهم؛ لأنه من الألقاب التي يقصد بها التنفير عن الحق. كما قال الشاعر.
تقول ذا جنى النحل تمدحه ... وإِن شئت قلت ذا قيء الزنابير
مدحًا وذمًا ما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
- قال ابن القيم: "هكذا شأن كل مبتدع وملحد، وهذا ميراث من تسمية كفار قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الصبأة، وصار هذا ميراثًا منهم، لكل مبطل وملحد ومبتدع، يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفرة.
وإذا قالوا: حشوية، صوروا في ذهن السامع قومًا قد حشوا في الدين ما ليس منه، وأدخلوه فيه، وهو حشو لا أصل له. فتنفر القلوب من هذه الألقاب وأهلها، ولو ذكروا حقيقة قولهم، لما قبلت العقول السليمة، والفطر المستقيمة سواه والله يعلم وملائكته ورسله وهم أيضًا أنهم براء من هذه المعاني الباطلة. وأنهم أبعد الخلق منها، وأن خصومهم جمعوا بين أذى الله ورسوله، بتعطيل صفاته، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقعدوا تحت قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (١).
وقال في موضع آخر: "ما ذنب أهل السنة والحديث إذا نطقوا بما نطقت به النصوص وأمسكوا عما أمسكت عنه ووصفوا الله بما وصف به نفسه ووصفه رسوله وردوا تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين الذين عندوا ألوية الفتنة. ..وأطلقوا عنه المحنة وقالوا على الله وفي الله بغير علم فردوا باطلهم وبينوا زيفهم وكشفوا إفكهم ونافحوا عن الله ورسوله فلم يقدروا على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ممثلة مجسمة حشوية" (١).
- وقال أبو حاتم الرازي: "علامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية" (٢).

١١ - نهج البلاغة:
يعتمد الدكتور عمارة كثيرًا في كتبه على كتاب "نهج البلاغة" للشريف المرتضي بدعوى أنه يحتوي على خطب وكلمات لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وتجده ينقل من هذا الكتاب الروايات والآثار والخطب العديدة المخالفة لمنهج أهل السنة والتي تحتوي على طعون في الصحابة الأجلاء ممن لا تواليهم الشيعة (٣)، ويأخذ الدكتور ذلك كله مسلمًا به .. بل يبني عليه أحكامه وإن لم يبن أحكايه فكفى به إثمًا أن ينشر مثل تلك الروايات الفادحة في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرأها العالم والجاهل في كتبه فتكون بابًا لسوء الظن بهم أو زلل اللسان عليهم. فمثلاً هو يقول عن معاوية - رضي الله عنه - في تصوير مدى عدائه للأنصار!! "لم ينس معاوية ولا الأمويون للأنصار موقفهم هذا ففي عهد معاوية وفدت جماعة من الأنصار على رأسهم النعمان بن بشير يشكون الفقر وضيق العيش وقالوا له: لقد صدق رسول الله في قوله لنا: ستلقون بعدي أثرة. فقد لقيناها، فقال لهم معاوية: فماذا قال لكم؟ قال لنا: فاصبروا حتى تردوا على الحوض قال فافعلوا ما أمركم به عساكم أن تلاقوه. 
.غدًا عند الحوض كما أخبركم! وحرمهم ولم يعطهم شيئًا""الإسلام وفلسفة الحكم" (٣٨١).
مرجعك يا دكتور؟ .. "شرح نهج البلاغة" (٦/ ٣٢)!!!.
روايات كثيرة يسردها الدكتور العقلاني وينثرها في كتبه خاصة ما يتعلق منها بالصحابة - رضي الله عنهم - فيها الألفاظ الجارحة والحزازات والحقد والغدر والخيانة والظلم لآل البيت وتجبر الأمويين والأغنياء المترفين والفقراء المساكين إذا قرأتها تشعر أنك تقرأ عن حفنة من اللصوص والمتصارعين على السلطة كما نرى في زماننا فتنكر قلبك بعدها وتستغفر الله أنك قرأتها فما بالك بمن تجرأ فنقلها وشهرها .. ثم ما بالك بمن كذبها؟ وليت الدكتور كان غافلاً عن رأي أهل السنة في هذا الكتاب ولكن اسمعه يقول: "إن المعارضين لفكر الشيعة في علم الإمام يستطيعون أن يشككوا في نسبة هذه العبارة لعلي بن أبي طالب؛ لأن نهج البلاغة قد جمعه الشريف الرضي نقيب الطالبيين ورأس الشيعة الإمامية في عصره""الإسلام وفلسفة الحكم" (٣٨١).
ويقول: "الذين يطالعون نهج البلاغة المنسوب للإمام علي بن أبي طالب - والذي نعتقد بصدق نسبته إليه .. ""تيارات الفكر" (٢١٨).

- قلت: قال الذهبي في الشريف المرتضي: "هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي - رضي الله عنه - ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل وفيه حق ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها. ولكن أين المنصف؟ وقيل بل جمع أخيه الشريف الرضي" (١).
وقال أيضًا: "من طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ففيه السب الصريح والحط على السيدين أبي بكر وعمر  - رضي الله عنهما - وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفه بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل" (١).
- قال شيخ الإسلام: "أهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب قديم ولا لها إسناد معروف فهي بمنزلة من يدعي أنه علوي أو عباسي ولا نعلم أحدًا من سلفه ادعى ذلك قط فيعلم كذبه، فإن النسب يكون معروفًا من أصله حتى يتصل بفرعه. وفي هذه الخطب أشياء قد علم يقينًا من علي ما ينقاضها ولم يوجب الله على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه، وإن ذلك من تكليف ما لا يطاق" (٢).
وقال السيد محب الدين الخطيب تعليقًا على هذا القول: "أكثر التزوير الذي عني به الرضي وأخوه المرتضي في نهج البلاغة يدور على الشيء الذي له أصل فيضيفان إليه ما لم يكن له أصل من أمثال لقد تقمصها فلان بينما الصحيح الثابت بالسند عن علي هو جميل الثناء على فلان فيقع التناقض بين قوله المستقيم الثابت عنه وبين القول الملتوي المعزو إليه بلا سند ولا دليل على صحته فأساءوا إلى علي بإظهاره متناقضًا ومتحاملاً وأنانيًا وحاشا لله أن يكون كذلك" (٣).

١٢ - الدولة العبيدية:
خصص الدكتور كما علمنا كتابًا كاملاً في تمجيد الدولة العبيدية الرافضية وعدّ توليها على مصر اكتمالاً لعروبتها .. وفي هذا تفضيل لها على. ما سبقها من حكم إسلامي ومن ضمنه حكما الخلفاء الراشدين بعد عمر - رضي الله عنه -! والذي زاد إعجاب الدكتور بهذه الدولة الرافضية أنها جعلت (مصر) مركزًا لها بعد أن كانت مجرد ولاية تابعة لدولة الخلافة .. فقد اختلطت عنده (الوطنية) بالنزعة (الشيعية) في هذا الكتاب.
- قال ابن كثير -رحمه الله-: "كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسرًا، فصاروا كأمس الذاهب {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}. وكان أول ملك منهم المهدي، وكان من سلمية حدادًا اسمه عبيد، وكان يهوديًّا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله، وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء والأئمة بعد الأربعمائة كما قد بسطنا ذلك فيما تقدم، والمقصود أن هذا الدعي الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد، ووازره جماعة من الجهلة، وصارت له دولة وصولة، ثم تمكن إلى أن بنى مدينة سماها المهدية نسبة إليه، وصار ملكًا مطاعًا، يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض. ثم كان من بعده ابنه القائم محمد، ثم ابنه المنصور إسماعيل، ثم ابنه المعز معد، وهو أول من دخل ديار مصر منهم، وبنيت له القاهرة المعزية والقصران، ثم ابنه العزيز نزار، ثم ابنه الحاكم منصور، ثم ابنه الطاهر علي، ثم ابنه المستنصر معد، ثم ابنه المستعلي أحمد، ثم ابنه الآمر منصور، ثم ابن عمه الحافظ عبد المجيد، ثم ابنه الظافر إسماعيل، الفائز عيسى، ثم ابن عمه العاضد عبد الله وهو آخرهم، فجملتهم أربعة عشرة ملكًا، ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة، وكذلك عدة خلفاء بني أمية أربعة عشر أيضًا، ولكن كانت مدتهم نيفًا وثمانين سنة، وقد نظمت أسماء هؤلاء وهؤلاء بأرجوزة تابعة لأرجوزة بني العباس عند انقضاء دولتهم ببغداد، في سنة ست وخمسين وستمائة، كما سيأتي. وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكمالها، حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشويك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما والى ذلك، إلى بلاد إياس وسيس، واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك، وقتلوا من المسلمين خلقًا وأممًا لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف، وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها وصارت دار الإسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف، وكادوا أن يتغلبوا على دمشق، ولكن الله سلم، وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته" (١).

- محمد عمارة عقلاني مستنير كما يقول ليس على منهج أهل السلطة والجماعة:
لقد انتقل الدكتور عمارة من تيار الفكر الماركسي الشمولي إلى تيار اليسار الإسلامي، أو تيار الأفغاني أو التيار الحضاري أو التيار المستنير أو العقلانية الإسلامية المعاصرة .. سَمّه ما شئت من هذه الأسماء فهي تصدق عليه.
أما إنه عاد إلى الإسلام بمعناه الصحيح وهو منهج أهل السنة.والجماعة .. فلا والله! لم يعُد.
وهذه الدراسة خير شاهد على ذلك.
فإن قلت: لعل الدكتور قد تراجع عن التعلق بهذا التيار أيضًا ورجع إلى منهج الحق. فحاله مال الأشعري في تنقلاته الثلاث.
فأقول: لا! لم يصنع ذلك.
ْويشهد لهذا أمور قد ذكرت بعضها عند الحديث عن مقالاته في اليمامة .. ومنها:
١ - أن كتبه التي اعتمدت عليها في هذه الدراسة لا زالت تطبع دون تغيير أو تنبيه على مثل هذا التراجع المزعوم .. فقد طبع (تيارات الفكر) وغيره طبعة جديدة في العام الماضي وما قبله.
٢ - أن الدكتور قد جمع أفكاره المعتادة التي يرددها دائمًا وضمّنها واحدًا من أواخر ما كتب وهو "معالم المنهج الإسلامي"الذي طبعه المعهد العالمي للفكر الإسلامي محتسبًا الأجر والنصح للمسلمين!!.
٣ - أنه يردد هذه الأفكار كثيرًا في مقالاته ومقابلاته كما نقلت ذلك عنه مرارًا .. وتابع مجلة المجتمع أو جريدة المسلمون تنبئك بصدق ادعائي! فهما لا تبخلان علينا بين الحين والآخر تبشران الأمة بمشروع عمارة الحضاري. والذي سينقذنا من مستنقعات التخلف التي يجرنا إليها .. النصوصيون المتزمتون الجامدون .. ! فلعلهما يتبصران الأمر بعد هذه الدراسة.
٤ - أن الدكتور الشاعر عبد الرحمن العشماوي .. قد أيدني في هذا عندما ردّ على الدكتور بعض أفكاره الجريئة .. وذلك عندما قال: "قيل عن الرجل ما قيل من أنه قد تراجع عن بعض آرائه العقلانية التي طرحها في كتبه .. "، ثم قال: "ثم إنني ما كدت أنتهي من حوار (المسلمون) الذي.    أشرت إليه حتى برزت أمامي صورة الرجل بملامحه القديمة" (١).
- قلت: فالرجل هو الرجل لم يتراجع عن (أي) شيء من أفكاره (المستنيرة) فيشترط لتوبته ما قاله ابن القيم -رحمه الله-: " .. فتوبة هؤلاء الفساق من جهة الاعتقادات الفاسدة: بمحض اتباع السنة. ولا يكتفى منهم بذلك أيضًا حتى يبينوا فساد ما كانوا عليه من البدعة. إذ التوبة من ذنب هي بفعل ضده. ولهذا شرط الله تعالى في توبة الكاتمين ما أنزل الله من البينات والهدى: البيان؛ لأن ذنبهم لما كان بالكتمان، كانت توبتهم منه بالبيان. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وذنب المبتدع فوق ذنب الكاتم؛ لأن ذاك كتم الحق. وهذا كتمه ودعا إلى خلافه. فكل مبتدع كاتم ولا ينعكس" (٢).
قلت: ويضاف إلى هذا الشرط (التبيين) الشروط المعلومة في التوبة (ترك الفعل -الندم- العزم على عدم العود) ثم قال -رحمه الله-: "القول على الله بلا علم صريح افتراء الكذب عليه (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا؟ ) فذنوب أهل البدع كلها داخلة تحت هذا الجنس فلا تتحقق التوبة إلا بالتوبة من البدع. وأنى بالتوبة منها لمن لم يعلم أنها بدعة، أو يظنها سنة، فهو يدعو إليها، ويحض عليها؟ فلا تنكشف لهذا ذنوبه التي تجب عليه التوبة منها إلا بتضلعه من السنة. وكثرة اطلاعه عليها، ودوام البحث عنها والتفتيش عليها. ولا ترى صاحب بدعة كذلك أبدًا. فإن السنة -بالذات- تمحق البدعة. ولا تقوم لها. وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة، وأزالت ظلمة كل ضلالة. إذ لا سلطان للظلمة مع. سلطان الشمس. ولا يرى العبد الفرق بين السنة والبدعة، ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة، إلا المتابعة، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله، بالاستعانة والإخلاص، وصدق اللجوء إلى الله والهجرة إلى رسوله، بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"، ومن هاجر إلى غير ذلك حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة. والله المستعان" (١).
- قلت: وليعلم الدكتور -هداه الله- أني لم أبادله الرد في هذا الكتاب إلا دفعًا لفساد بدعته (بل بدعه) التي أراد نشرها بين عامة المسلمين وإيقافًا له عن الترسل فيها ..
- قال شيخ الإسلام في حديث له: " .. كذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية فهذا إذا تكلم فيه الإنسان، بعلم وعدل وقصد النصيحة فالله تعالى يثيبه على ذلك لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيًا إلى بدعة فهذا يجب بيان أمره للناس فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق".
- وقال -رحمه الله-: "إذا كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم فإن بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت، ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله، فإن دُفع صيالهم وبُيِّن ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله"غافر الله لمحمد عمارة وهداه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة.
* عفوًا ومعذرة يا إِقبال .. فكُلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إِلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
- قال عنه السيد أبو الحسن الندوي: "إن إقبال أنبغ عقل أنتجته الثقافة الجديدة، التي ظلت تشتغل وتنتج في العالم الإسلامي من قرن كامل، وأعمق مفكر أوجده الشرق في عصرنا الحاضر" (١).
- وقال عنه الدكتور أحمد مظهر -رئيس قسم اللغة العربية بجامعة البنجاب بلاهور-: "لم يكن إقبال شاعر مسلمي شبه القارة وحدهم أو شاعر العالم الإسلامي الشرقي وحده، وإنما كان من هؤلاء الآحاد الأفذاذ الذين قلما يجود الزمان بهم، فهو شاعر الإسلام وشاعر الشرق، وشاعر الإنسانية كلها" (٢).
- قال عنه الدكتور عبد الوهاب عزام: "محمد إقبال شاعر نابغة، وفيلسوف مبدع، شاع ذكره وانتشر شعره وفلسفته في الهند، ولا سيما بين المسلمين فيها، ثم اتسع صيته وشاعت آراؤه في العالم، ولا سيما بعد أن قامت دولة باكستان العظيمة، وهي حقيقة تخيلها والناس منه يضحكون، ويقظة حلم بها والبائسون منه يسخرون، ولا يزال أنصاره وتلاميذه يكثرون على مر الأيام إعجابًا بفلسفته، فلسفة الحياة والأمل والعمل، وإكبارًا للمفكر المؤمن، والفيلسوف الذي لا يأسره الزمان، ولا يخضعه تقلب الحدثان، والشاعر الذي ينفخ الحياة في الموات، وينضر في القفر ألوان النبات، ويشعل الجمر الخامد في الرماد الهامد" (٣).
.- وقال عنه الدكتور أحمد مظهر: "ولو كان إقبال شاعرًا نابغًا لكفاه، ولو كان فيلسوفًا مبدعًا لكفاه، ولو كان مصلحًا اجتماعيًّا أو زعيمًا سياسيًّا لكفاه، ولكن الله سبحانه وتعالى قد وهبه شخصية جامعة لهذه الأوصاف النبيلة".
واعتبره الدكتور نجيب الكيلاني أحد أولئك القلائل الذين بعثوا النور في سماء الشرق من أمثال الأفغاني!!! ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم (١).
وقال أيضًا: "إن إقبال شاعر الإسلام وفيلسوفه الكبير، وصاحب فكرة إنشاء دولة باكستان، هو أول أديب مسلم في العصر الحالي، استطاع أن يستلهم الإسلام في وضع فلسفته المشهورة -فلسفة الذات أو (خودي) - وكان شعره وعاءً لهذه الفلسفة التي آمن بها ودعا إليها في صدق وحرارة، ولم يحظ شاعر أو فيلسوف مسلم بشهرة تضارع شهرة شاعرنا الكبير في هذا العصر" (٢).
- وكانت شخصية إقبال الإصلاحية مثار اهتمام الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور فأبرز ما قام به من دور فعال في سبيل الدعوة إلى تأسيس الباكستان من ناحية، وحفظ كيان المجتمع الإسلامي من الذوبان والتلاشي من ناحية أخرى (٣).
- وقال"عنه محمد علي جناح أول رئيس لباكستان: "كان شاعرًا منقطع النظير، طبق صيته الآفاق، وستبقى كلماته حية أبدًا. إن مساعدته لأمته وبلده لتضعه في صف أكبر كبراء الهند". كتب إلى محمد علي جناح: "إنه ينبغي على مسلمي الهند من أجل أن يتيسّر عليهم حلّ مشكلاتهم إعادة توزيع البلاد، وإقامة دولة إسلامية -أو أكثر- فيها أغلبية ساحقة لهم. أولاً: تعتقد أن الوقت لمثل هذا المطلب قد حان بالفعل؟ ولعلّ هذا هو أقصر رد يمكن أن تردّ به على الاشتراكية الإلحادية لجواهر لال لنهروا" (١).
وتحقق أمله ويكفيه هذا فخرًا.
- وقال الدكتور نظير قيصر الباكستاني: "هو بدون شك شاعر الشرق وحكيم المله فيلسوف العالم الإسلامي وهو في الوقت نفسه شاعر الكون بأسره".
- ولقبّه شعراء الهند (ترجمان حقيقت) أي (ترجمان الحقائق).
- وأبرز الأستاذ أحمد حسن الزيات دور إقبال في الدفاع عن المحمدية فقال: "فإذا كان حسّان شاعر الرسول فإن إقبالاً شاعر الرسالة، وإذا كان لحسّان من نازعه شرف الدفاع عن - صلى الله عليه وسلم - فليس لإقبال من ينازعه شرف الدفاع عن المحمدية" (٢).
- وقال عنه الدكتور عبد الودود شلبي: "فإذا كان للعرب في عصرهم الحاضر شاعر يلقب بأمير الشعراء هو أحمد شوقي، فقد كان أمير شعراء الإسلام في عصرنا الحاضر من غير منازع هو العلاّمة الدكتور محمد إقبال" (٣).

- وقال عنه الأستاذ فتحي رضوان: "محمد إقبال رمز لأحسن ما في الحياة الإنسانية".
- وذهب طه حسين إلى أن إقبال فرض نفسه على الدنيا وعلى الزمان، وأن المسلمين احتاجوا إلى نحو عشرة قرون ليوجد بينهم ثان لأبي العلاء.
- وذهب توفيق الحكيم إلى أن "الشاعر محمد إقبال هو مفخرة من مفاخر الشرق في عصوره الحديثة، فهو الخلاصة للمعرفة الكونية النابعة من الشرق، وللمعرفة العقلية الصادرة عن الغرب .. لذلك كان إقبال هو بحق المفكر المجدد في فهم الإسلام والكاشف الصادق لجوهره العظيم" (١).
- ويرى الدكتور طه حسين أن إقبال كان ينظر إلى العرب ويشيد بهم ويثني عليهم، ويتخذهم المثل الأعلى للإنسانية الجديرة بالوجود والحياة والبقاء (٢).
- ولقد عرّى إقبال حضارة الغرب ونقدها وهو العليم بها وقال: "يا ساكني ديار الغرب ليست أرض الله حانوتًا، إن الذي توهَّمتموه ذهبًا خالصًا سترونه زائفًا، وإن حضارتكم ستبعج نفسها بخنجرها، إن العزّ الذي يُبنى على غصن غض رقيق لا يثبت" (٣).
- ولقد أشار إقبال إلى أنه اكتوى بنار التعليم الغربي وخاض في دراسته، ولكنه مع ذلك خرج سالمًا وازداد إيمانًا بخلود الإسلام ومبادئه  .السامية، كما خرج إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، فقال: "كسرت ظلم العصر الحاضر، وأبطلت مكره، التقطت الحبة وأفْلتُ من شبكة الصياد، يشهد الله أني كنت في ذلك مقلدًا لإبراهيم، فقد خضت في هذه النار واثقًا بنفسي، وخرجت منها سليمًا محتفظًا بشخصيتي" (١).

* إِقبال حبيب إِلى النفوس ولكن الحق أحب إِلينا منه:
- قوله في صفات الله عز وجل:
الحق أن إقبالاً يؤيد مسلك السلف وما أرشد إليه الكتاب والسنة في هذا الباب، ولكنه تأثر كثيرًا بتفسير الصوفية وتفسير بعض فلاسفة الغرب في ذلك. مثل كانط وهيجل وهوايتهيد وبرجسون. ومن الصحيح كذلك أنه لم يستند كثيرًا إلى أقوال المفسرين والمحدثين والمتكلمين المسلمين في شرح نصوص القرآن والسنة، في محاضراته ومقالاته ودواوينه. ولذلك نجد أن كلامه غامض في غالب الأحيان، ومثقل باستخدام مصطلحات التصوف وفلسفة الغرب في شرح أفكاره.
ومن الصفات التي وصف بها إقبال الله سبحانه وتعالى، أنه الذات الحقيقية والنهائية والأولى وواجبة الوجود، وهو الذات العليا والنفس العظمى والفرد الكامل الأعظم. وهو الإرادة الخالقة والقوة المحركة والنور الأصلي والأزلي الأحد، الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد (٢).
ويقول: " .. صفة العلم وصفة الخلق أمر واحد" (٣).
.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles