من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
٤ - ما يقوم من الجزيرة العربية والشمال الإفريقي من فروق أو تباينات فهو يصفها بأنها كبيرة للغاية، ولكننا لا نرى أنها تزيد بأية حال على الفروق التي تقوم بين أهل اسكوتلندة مثلاً وأهل ويلز، فاللغة واحدة تقريبًا.
والتاريخ واحد إلى حد كبير.
٥ - أراد أن يظهر أن كل من اعتنق الإسلام إنما كان بدافع الانتهاز والتقرب من الحاكمين والتساوي بهم هو قول خطأ كل الخطأ إذ لو صح دافع الانتهاز لانقلب المسلمون على دينهم في البلاد التي خضعت لهذا الإسلام.
٦ - محاولة التفرقة بين العرب والبربر في المغرب العربي، وهي تفرقة غذاها الاستعمار الفرنسي طيلة وجوده في المغرب، إذ حاول أن يجعل من البربر أقلية مميزة.
٧ - يصر جلوب على إخفاء الدور الذي لعبه الشعوبيون وفي مقدمتهم اليهودي عبد الله بن سبأ وأتباعه في المؤامرة ضد الإسلام.
وقد علق الباحث العربي: محمد عبد الغني حسن على هذه الدراسة فقال: إن جلوب قد حمل على المؤرخين العرب في تواريخهم واتهمهم بسوء التقدير، ونسي أن تواريخ اليونان والرومان القديمة فيها كثير من هذا الذي عابه على العرب وقال: إن جلوب قصد إلى رسم صورة فيها تشكيك وتضليل ورسم الصورة الزائفة التي تشكك في النبي وقادة الإسلام (١).
* اليهودي جولد تسيهر ودجله الواضح في كتابه "العقيدة والشريعة":
أثار جولد تسيهر عدة شبهات وشكوك حول السنة والفقه والتشريع
.الإسلامي فقد حاول التشكيك في قيمة الأحاديث النبوية وذلك بالقول بأن السنة بدأ تدوينها بعد وفاة النبي بتسعين عامًا، وقوله في كتاب "العقيدة والشريعة"أن التوحيد الإسلامي ينطوي على غموض في حين أن التثليث واضح في فهم الألوهية ومن ذلك قوله: إن الشريعة الإسلامية تأثرت بالقانون الروماني في بداية عهد تكوينها.
وجولد تسيهر مستشرق يهودي ولد ١٨٥٠ وتوفي ١٩٢١، ودرس في مدارس اللغات الشرقية ببرلين وليبزج وفيينا ورحل إلى سوريا ١٨٧٣ وتتلمذ على الشيخ طاهر الجزائري، ونزح إلى مصر وتضلع في الدين على شيخ الأزهر، وبدأ حياته بالتأليف عن الظاهرية ومذهبهم وتاريخهم وله في ذلك دراسات إسلامية ومحاضرات، وقد اشتهر بكتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام"الذي ترجمته له دار الكاتب المصري التي أشرف عليها الدكتور طه حسين، ولم يعن مترجمو هذا الكتاب بالرد على الشبهات التي أثارها المستشرق على نحو يعصم قارئها من الخطأ، وله كتاب "مذهب المسلمين في تفسير القرآن". وقد واجهت كتاباته المتعصبة كثيرًا من المجاراة من كتاب وأساتذة الجامعات المدنية والأزهرية، كما وجدت تفنيدًا من كثير من الكتاب اليقظين في مقدمتهم: مصطفى السباعي، ومحمد الغزالي، وسليمان الندوي. وقد تابع جولد تسيهر كثير من المستشرقين في آرائه المتعصبة في مقدمتهم المستشرق اليهودي شاخت (جامعة ليدن) بهولندا وقد التقى به الدكتور مصطفى السباعي وباحثه طويلاً في تعمده تحريف النصوص التي ينقلها من كتب المسلمين وقد حاول شاخت أن ينكر ذلك فكشف له الدكتور السباعي عن بعض الأمثلة في هذا التحريف الذي تورط فيه.
وجولد تسيهر يحاول في مجمل رأيه أن يصور الفقه الإسلامي بأنه من صنع الصحابة والتابعين، ولا شك أنه رأي مصدره الخطأ الناتج عن قصور. الاستقصاء، أو العجز عن فهم أصول الإسلام وأمرها يسير، ويمكن المراجعة فيه والنظر، إذا كان صاحبه حريصًا على بلوغ الحق، أما حين يكون الاتهام صادرًا عن التعصب أو الخصومة المغرقة، فإن المراجعة لا قيمة لها.
وإذا كانت عبارات جولد تسيهر في مجموعها ترفض صلاحية الإسلام الفقهية لكي يشرع للأمم والأجناس، فليس معنى هذا هو عجز الرجل عن الفهم، وإلا فإن أمامه ذلك الفيض الضخم من ثقافة الإسلام وهو قادر على أن يرده عن هذا الرأي، لو كان منصفًا ولكنه هو أساسًا ليس قابلاً للوصول عن طريق البحث العلمي إلى الحقيقة؛ لأنه يفترض أساسًا أن القرآن من وضع محمد نقلاً عن غيره، وأن السنة من وضع الصحابة والتابعين نقلاً عن الشريعة الرومانية. ومن هنا فهو يسد الطريق على كل سلامة في تقدير، أو بلوغ وجه الصدق أو تقبله. ولقد واجه أخطاء جولدتسيهر عالم غربي منصف هو العلامة (فتز جيرالد) في كتاب عنوانه "الدين المزعوم للقانون الروماني على القانون الإسلامي"فعرض آراء جولد تسيهر ومن جرى مجراه، فقال: إنه كان مدفوعًا في كتاباته بغرض سياسي خاص هو إظهار أن التشريع الإسلامي كان قابلاً للمؤثرات الغربية، وقال: أنه إذا أخذت فكرة عند شعب إلى شعب آخر، ظهر في لغة وكتابات الشعب الآخر أثر لهذه الفكرة. وهذا واضح مثلاً فيما أخذ عن اليونان في القانون الروماني، كما هو واضح كذلك في شريعة "التلمود"اليهودية المملوءة بالكلمات والمصطلحات اليونانية واللاتينية. أما في الإسلام فإنه لا يوجد لفظ واحد مستعار من اللغة اللاتينية أو اليونانية في القاموس الضخم للفقة الإسلامي وتشريعه، كما لا يوجد في جميع المؤلفات الفقهية الإسلامية أدنى ذكر لمصدر روماني علمي، وهذا أيضًا وحده مما ينفي فكرة كل استعارة من القانون الروماني، لذلك كله ترى أنه لا داعي مطلقًا الافتراض أن مصادر هذا التشريع كانت شيئًا آخر غير ما قاله. الكتاب المسلمون أنفسهم، والقول بغير هذا يعد افتراضًا لا حقيقة له، وقولاً بغير علم ولا دليل، ومن ثم يجب رفضه وعدم الاعتداد به.
- والتشريع الإسلامي يختلف أساسًا في طابعه ومقصده عن القانون الروماني، وهذا القانون الذي هو من وضع رجال حذقوا لغة القانون ومصطلحاته أما الشريعة الإسلامية فهي نظام من المسائل الفقهية الدقيقة، وقد نظر إليها من حيث علاقة الإنسان بالله أولاً، ولهذا تشمل ما يُسمى بـ (العبادات) من صلاة وصوم وزكاة وحج، وغير ذلك، وحتى عندما تعالج المسائل المدنية، كالبيع والرهن مثلاً، نجد فيها أثر الدين واضحًا"اهـ.
- هذا غيض من فيض مما طفحت به كتابات كبار رواد الصليبيين وعتاة مخططيهم ويكفيهم هذا البيت من الشعر.
يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
* محاولات التشكيك وإِثارة الشبهات من قبل المستشرقين الصليبيين:
- جرت محاولات التشكيك والإثارة في خمسة مجالات كبرى:
١ - رسول الإسلام.
٢ - الإسلام.
٣ - الفكر الإسلامي العربي.
٤ - القرآن واللغة العربية.
٥ - التاريخ العربي الإسلامي.
- وقد ترددت هذه الشبهات في محاولة لتمييع القيم الأساسية للفكر العربي الإسلامي واتهامها:
١ - بأنها قيم دينية صرفة قاصرة في مجال العقيدة. ٢ - قيم تاريخية قاصرة في مجال الزمن.
٣ - اتهام الجضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة غير أصيلة وذلك في محاولة لإسقاطها من مجال تطور الحضارة الإنسانية وتجاهل فترة الألف عام الإسلامية بين الحضارتين الرومانيه والحديثة.
٤ - ترديد الاتهامات التي تنقض أصالة الفلسفة الإسلامية على أنها يونانية مكتوبة باللغة العربية.
٥ - اتهام مفهوم الإسلام بأنه لم يعد قوة محركة تهدي الناس إلى الوجهة الصحيحة.
٦ - جحود التراث.
٧ - إثارة الشبهات حول الغيبيات.
٨ - اتهام الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر تجريدي.
٩ - الزعم بأن العقلية العربية عقلية سامية قاصرة عن الخلق عاجزة عن استنتاج المعاني المجردة.
١٠ - القول بأن الفكر العربي الإسلامي يحمل دعوة التزهيد في العالم الأرضي ويجعل مسألة الموت والتطلع إلى الآخرة مسألة رئيسية.
١١ - محاولة خلق الفوارق بين العرب والبربر كوسيلة لخلق خلاف جذري في العالم الإسلامي والأمة العربية.
١٢ - اتهام القرآن بأنه موضوع، وليس وحيًا من الله وأن القرآن مرآة لأفق خاص من الحياة: أفق عقيدة صحراوية في الجزيرة العربية.
١٣ - القول بأن شرائع الإسلام اقتبست من الأديان السابقة له.
١٤ - القول باختلاف الشعوب.
١٥ - اتهام اللغة العربية بأنها لغة ميتة، عاجزة عن التعبير غير قادرة. على الاستجابة للحضارة.
١٦ - الدعوة إلى اتخاذ اللهجات العامة لغات محلية إقليمية.
١٧ - تزييف التاريخ العربي الإسلامي وإثارة الشبهات حوله، واتهامه بأنه مليء بالثغرات.
١٨ - الفصل بين العروبة والإسلام.
١٩ - اتهام العرب والمسلمين بأنهم لم يستيقظوا حتى أيقظهم الغرب.
٢٠ - القول بأن الإسلام عائق عن التقدم والحضارة.
٢١ - إبراز جوانب الانحراف والتأكيد عليها كقضايا الباطنية والشعوبية والاهتمام في دراسات التصوف بدعاة الحلول ووحدة الوجود.
هذا مجمل سريع للشبهات التي أثارها التغريب وأثارتها الشعوبية في الفكر العربي المعاصر.
* رينولد نيكلسون وهنري جونستون وجب وكرومر وطعنهم في القرآن:
واجه "القرآن الكريم"حملة من أعنف الحملات وأثيرت حوله شبهات متعددة. كانت تهدف في مجموعها إلى القول بأن:
١ - القرآن من نظم النبي محمد، وأنه موضوع وليس منزلاً من عند الله.
٢ - أنه كتاب مضطرب وغير متماسك وفيه تعارض.
٣ - أنه صعب الفهم وركيك.
٤ - أنه غير منظم أو مبوب.
٥ - أنه العقبة الكئود في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية والمسئول عن تقهقرها.
٦ - أن القرآن مقتبس من التورة والإنجيل.
٧ - القرآن مرآة لأفق خاص من الحياة.
٨ - كتاب مواعظ وحكم وإنذارات. فهذا (رينولد نيكلسون) يقرر أن مؤلف القرآن مضطرب غير متماسك في معالجة كبار المعضلات وأنه نفسه لم يكن عالمًا بوجود هذا الاضطراب والتعارض، وأن بيان صحابة الرسول الساذج قد دفعهم إلى الإيمان بأن القرآن كلام الله. وأن الفرق الإسلامية قامت بسبب التعارض الذي يحتويه القرآن.
- ويقول (هنري جونستون): القرآن ليس سوى مجموعة أقوال مقتبسة من التوراة والإنجيل وبعض تعاليم المجوس، وأنه يحتقر المرأة، وقد اشتهر الإسلام بكونه غير قابل للتكيف لما يطابق أحوال الزمان والمكان.
وقد أشار مستر جب كبير الستشرقين الإنجليز في كتاب "الأدب العربي"الذي أصدره عام ١٩٦٣ إلى أن القرآن من صياغة محمد. وقد ردد هذه الشبهات كثير من كتاب التغريب والشعوبية، ونشرها بيننا عدد ممن يكتبون باللغة العربية في صحف مشبوهة تصدر في بعض عواصم العالم العربي كما حاول آخرون أن يزجوا بهذه الشبهات في بعض الرسائل والأطروحات والمؤلفات.
وقد كان مصدر هذه الحملة على القرآن الكريم أساسًا هو الإيمان الأكيد بأن القرآن هو المصدر الأول والأساسي لمقومات الفكر العربي الإسلامي وأن إثارة الشبهات حوله إنما هو هدف كبير في سبيل القضاء على هذه المقومات، وقد بدأ ذلك في عبارات الاستعماريين أمثال (غلادستون) رئيس وزراء بريطانيا الذي حمل المصحف أمام أعضاء مجلس العموم البريطاني وقال: ما دام هذا الكتاب باقيًا في الأرض فلا أمل في إخضاع المسلمين.
ويتصل بهذا ما ذكره كرومر من اتهامات للقرآن من أنه هو المصدر الأول لتأخر المسلمين، غير أن هذه الشبهات لم تكن صادرة إلا عن تعصب أو خصومة أو دوافع استعمارية، وروح صليبية.
* قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: ٣٢].
* وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: ٨ - ٩].
- هل رأوا إلا كلامًا تضيء ألفاظه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، ونور القمر من كف يحسب صاحبها أنها في حجمة فيرفعها كأنما يخفيه! وهيهات هيهات دون ذلك درج الشمس وهي أم الحياة في كفن، وإنزالها بالأيدي وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.
* الاستشراقيون الصليبيون ومؤامرة ابتعاث الفكر الوثني الهليني والباطني والصوفي الفلسفي والشعوبي وتمجيد الفرق الضالة لضرب فكرة التوحيد في الصميم:
لقد كان من أخطر التحديات التي واجهت الإسلام في العصر الحديث ما قام به الصليبيون والاستشراقيون ودعاة التغريب من إحيائهم للفكر الوثني والغنوصي القديم الذي كان معروفًا قبل ظهور الإسلام والفكر الذي يجمع بين الوثنية والإلحاد والإشراق والمادية والذي عرفه العرب والمسلمون بعد ترجمة الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية وظهر أثره في الفلسفة وعلم الكلام والتصوف والدعوات الباطنية المتجددة عن المجوسية وغيرها. وكذلك ما فعله هؤلاء الصليبيون وأذنابهم من إعادة كتابة تاريخ القرامطة والزنج وغيرهم من الحركات الضالة على أنها ثورات عدل وحرية، وكذلك إلقاء. السموم بنشر كتب التصوف الفلسفي وأخبار الحلاج وابن عربي والسهروردي وابن سبعين وطبع كتب وحدة الوجود والاتحاد والحلول ونشر شعر ابن الفارض وتجديد صفحات هذا الركام المضطرب العفن كمحاولة خسيسة (لاحتواء الإسلام)، ثم محاولات من تربوا على مائدة الفكر الغربي وخانوا أمتهم في الصميم وكانوا أذنابًا للمستشرقين مثل محاولات زكي نجيب محمود بتحسين كتابات الاعتزال وابن الراوندي، أو كتابات عبد الرحمن بدوي بإعلاء التصوف الفلسفي والحلول والاتحاد، أو كتابات محمود إسماعيل بإعلاء حركات القرامطة والزنج أو اتجاه الدكتور محمود الشنيطي إلى إحياء ابن عربي، أو طه حسين إلى إحياء رسائل إخوان الصفا، أو ماسينون وصلاح عبد الصبور إلى إحياء الحلاج، أو عباس صالح وعبد الرحمن الشرقاوي وطه حسين إلى تفسير إحياء الإسلام تفسيرًا ماركسيًّا أو ماديًّا، كل هذه المحاولات تدخل في نطاق المؤامرة على الإسلام أو إعادة محاولة "احتواء الإسلام الأولى"التي كانت في القرن الرابع الهجري وابتعاثها في القرن الرابع عشر الهجري، كذلك فإن الدعوات القاديانية والبهائية والروحية الحديثة هي أيضًا محاولات جديدة في نفس الطريق.
- اهتم الاستشراق ودعاة التغريب والغزو الثقافي بالمعتزلة ووصفوهم بأنهم أغارقة الإسلام الحقيقيون أو المعتزلة العظام.
"وتصدى لهم قديمًا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ثمانية عشر عامًا ووقف سدًا منيعًا أمام الاتجاه إلى الفكر الفلسفي المتهور الذي قال عنه الشافعي "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا بتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس".
ثم يأتي أحمد أمين ويقول: إن المسلمين ضعفوا وتخلفوا؛ لأنهم لم يأخذوا بأسلوب المعتزلة العقلاني .. وتصدى أئمة السلفية لتقديم العقل على النقل وانتصر المذهب الفلسفي. إِحياء الفكر الصوفي الفلسفي على يد المستشرقين الصليبيين:
"أسدل الزمان ستار النسيان على كتب التصوف الفلسفي القديمة حتى جاء المستشرقون ينقبون عن مادة جديدة للفتنة يؤججون بها نيران الخلاف بين المسلمين من جديد فوجدوا ضالتهم في آثار الصوفية الفلسفية فأقبلوا عليها وقرأوا في ضوء العقلية المسيحية وطقوس الرهبنة أخبار المتصوفين الفلاسفة وكتاباتهم واستهوتهم أفكارهم فجمعوا من أقوال الصوفية الفلاسفة كل شاردة وواردة وعنوا بتنظيم موضوعاتها وترتيبها حتى يمكن القول: أن بحوث التصوف الحديثة وكتاباته كلها ترجع إلى عمل المستشرقين الذين اهتموا فوق ذلك بالتعليق على موضوعاته وتوجيه مسائله الوجهة التي يرضونها بما عُرِف عنهم من مهارة وصبر للتشكيك في عقيدة المسلمين وطعن المسلمين في أغلى مقدساتهم وهو التوحيد، وابتعثوا من جديدة الفكر الصوفي الفلسفي ممثلاً في نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد والفناء والتناسخ والاستشراق وهي مفاهيم دخيلة على عقيدة المسلمين.
- وقد تخصص عدد من المستشرقين في هذا النوع من الفكر الإسلامي أهمهم: ماسينون وجولد زيهر، وجب، وبرون، وماكدونالد، ومارجليوث اليهود، ونيكلسون وفون كريمر.
ودرس المستشرقون الفرق المنحرفة، فدرس ماسينون التصوف الفلسفي والباطنية والقرامطة والنصيرية واهتم بأهل الباطن والتأويل، واهتم أكثر من غيره بدراسة الاتحاد والحلول والإشراق ووحدة الوجود.
- ولا شك أن التصوف الفسلفي يتعارض تمامًا مع المفهوم الإسلامي الأصيل، والذين قالوا به تأثروا بالأفلاطونية المحدثة وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ومسيحية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والزرادشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين.
- آسين بلاسيوس وكتابه عن ابن عربي "مفكر الإسلام المتنصر".
وقد أشار آسين بلاسيوس في كتابه عن محيي الدين بن عربي إلى تأثير النصرانية في مفاهيمه.
* لويس ماسينون والكتابة عن الحلاج وإحياء فكره طيلة أربعين سنة:
لقد عُني لويس ماسينون بأخبار الحلاج أربعين سنة يبحث عنها ويمليها ويعيد طبعها ويضعها سمومًا بين أيدي المثقفين في هذا العصر، حريصًا أشد الحرص على أن ينفي الصلة بينه وبين القرامطة، وقد واجه الدكتور محمود قاسم هذه القضية وكشف وجه الحق فيها قال: بدأ ماسينون شديد الحرص على نفي الصلة بين الحلاج والقرامطة وظل يؤكد على أن هذا المتصوف لم يكن داعية سياسيًّا إلا أنه انتنهى به الحب الإلهي إلى التضحية بنفسه على مذبح الحب، كذلك يؤكد لنا دون ملل أن الحلاج كان متصوفًا سنيًّا أراد تعميق الروح الدينية في بيئة جفّت عاطفتها الروحية، وقد ظن ماسينون وبعض تلاميذه أن الحلاج الذي قال بحلول الله فيه يعد جسرًا بين المسيحية والإسلام السني. ومع ذلك فإن هذا الحرص الشديد على نفي الصلة بين الحلاج والقرامطة قد يؤذن على عكس ذلك بوجود هذه الصلة بينه وبينهم، وقد اعترف ماسينون في موطن ما من كتابه عن الحلاج بأن موقف هذا المتصوف من فريضة الحج كان سببًا في إدانته ومصرعه، وأنه جرد مكة من أفضليتها مما شجع القرامطة على مهاجمتها والفتك بالحجاج ومحاولة هدم الكعبة ونزع الحجر الأسود منها ثم إرساله إلى هجر حيث بقى هناك نحوًا من اثنين وعشرين سنة.
وقد قال الإمام الجويني إمام الحرمين أن الحلاج كان من دعاة القرامطة.
وكانت قائمة اتهامات الحلاج التي حوكم بسببها في أيام الخليفة المقتدر أنه. اتهم بمعارضة القرآن، وذكر إمام الحرمين في كتابه "الشامل"إنه كان بين الحلاج وبين الجنابي رئيس القرامطة اتفاق سري على قلب الدولة وأن هذا هو السبب الحقيقي في قتل الحلاج، وقوله بالحلول.
* بروكلمن وا. رتين وفادي برج وماسينون وكراوس وهنري كوربان والاهتمام بمذهب الإِشراق وصاحبه السهروردي:
ومذهب الإشراق مذهب يوناني مستفاد من نظرية الأفلاطونية المحدثة قال به السهروردي وهو جماع شطائر من الفلسفة اليونانية الوثنية والفلسفة المجوسية الفارسية، وجماع آراء وتيارات راجت عن السريان وانتقلت إلى الفكر الإسلامي في عصر الترجمة، وتنسب الحكمة الإشراقية إلى أفلاطون ثم إلى دعاة الأفلاطونية الجديدة في مدرسة الإسكندرية، ومذهب الإشراق خارج تمامًا عن مفهوم الإسلام ويعبر عن الله بالنور ويصف العوالم بأنها أنوار مستمدة من الله، وهو ما لم يقل به القرآن أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة ولقد اهتمت طائفة من المستشرقين بالسهروردي ونظريته؛ ونبشوا الكتب القديمة التي كشف المسلمون عن زيفها، فأعاد المستشرقون طرحها في أفق الفكر الإسلامي لإثارة الشبهات والشكوك في نفوس بعض المسلمين الذين لم يتسلحوا بدراسة عقيدة السلف أهل السنة والجماعة.
وكان بروكلمن وا. رتين، وفادي برج من أوائل هؤلاء، فترجموا "هياكل النور"للسهروردي، وقام ماسينون صديق الحلاج بالاهتمام برسائل السهروردي التي جمعها تحت اسم الحكمة المشرقية، وأولى ذلك اهتمامًا كبيرًا باول كراوس، وهنري كوربان وقال هؤلاء: إن شخصية السهروردي وكتبه تمثلان لحظات جوهرية في تاريخ الفكر الإسلامي، وتابعهم في ترجمة ذلك والاهتمام به عبد الرحمن بدوي وإبراهيم مدكور وأحمد أمين.
ومذهب السهروردي زائف مضلل ووافد وليس من الإسلام في شيء، والسهروردي معطل في عقيدته انحلال وانحراف بل وردة، يقول: إن الله قادر على أن يرسل نبيًّا بعد محمد وأنه يعني بذلك نفسه، وهو يصف الله بأنه نور الأنوار، ويستعمل نظرية العقول العشرة الوثنية اليونانية تحت اسم الأنوار، وقد دافع عنه ونشر فكره سامي الكيالي. وقد كان دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبًا ولا بدنًا وقُتل عام ٦٣٢ هـ بأمر من الناصر صلاح الدين الأيوبي.
* إميل درمنجم وكتابه "خمرية سلطان العاشقين"وابن الفارض والحلول والاتحاد:
أَوْلى المستشرقين ابن الفارض اهتمامًا واسعًا، وترجم إميل درمنجم ما أسماه "خمرية سلطان العاشقين"وقدّم لها مقدمة عن التصوف، وقال: إنها ستلقى ما لا يقلّ عما لقيته رباعيات الخيام من الحظوة. وقد تُرجِم شعر ابن الفارض إلى اللاتينية منذ القرن السابع عشر، وإلى الإيطالية والألمانية والإنجليزية.
وقد ناقش فكر ابن الفارضُ وأدانه البقاعي في كتابه "تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد"، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وعز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد والبلقيني، وتقي الدين السبكي وبدر الدين بن جماعة وزين الدين الحنفي.
* الاستشراقيون وإِحياء الفكر الفلسفي:
وقف الإسلام من تراث الفلاسفة المترجم من اليونانية والفارسية والهندية موقفًا واضحًا وهو أن هذه المدرسة التي اشتغلت بالفلسفة وعلى رأسها الكندي وابن سينا والفارابي هي امتداد للمدرسة اليونانية الإغريقية. أنها ليست نتاجًا إِسلاميًّا خالصًا.
وذهب طه حسين ولطفي السيد وإبراهيم بيومي مدكور من أن منطق أرسطو سيطر على بعض دوائر الفكر الإسلامي.
ومنذ جاء المستشرقون يدرسون مادة الفلسفة في الجامعة وهم يفرضون مفهومًا زائفًا هو أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية.
- وظن بعض التغريبيين أن للفكر اليوناني مكانة وأثرًا في الفكر الإسلامي من قَبْل جديرة بأن تجعل لوليده الفكر الغربي أثرًا في الفكر الإسلامي الحديث. "تلك هي أخطر الدعاوي التي حملها طه حسين وهي قمة المؤامرة على الإسلام.
- وحاول أهل التغريب إحياء أرسطو وتكوين هالة ضخمة حوله (طه حسين ولطفي السيد وإبراهيم بيومي مدكور)، وردّ عليهم أهل الأصالة أصحاب الفكر الإسلامي الصحيح.
* إِحياء الفكر الباطني الشعوبي:
بدأت كتابات المستشرقين تدافع عن الباطنية والقرامطة والزنج وتعتبر هذه الحركات دعوات إصلاحية، وتصورها على أنها ثورات قامت باسم الإسلام.
وتوزع التغريبيون على مجالات الأدب والتاريخ فوجدنا من يموه ويكذب ويزيف ويبث سموم دجله ويعيد الكتابة في فضل أبي نواس وبشار ابن برد وحماد عجرد ومطيع بن إياس، وهناك من أعادوا الكتابة عن حركات القرامطة والزنج والراوندية، وهناك من جدد فكر إخوان الصفا وبعث رسائلهم كطه حسين، وهناك من قدم ابن سينا والفارابي على أنهم قمم من. أعلام الفلسفة والفكر. ولا يراد من وراء هذا كله إلا ضرب الإسلام في الصميم ونشر الوثنيات والإباحيات.
* الاستشراقيون نيكلسن وجولد زيهر وأوليري وكازنوفا وتعريب "رسائل إخوان الصفا":
كان لبول كازانوفا السبق في إظهار رسائل إخوان الصفا في العالم الغربي ١٨٩٩، ولا ريب أن اهتمام الاستشراق والتغريب بهذه الرسائل كان بالغًا، ولذلك فإن جماعة منهم (نيكلسن - جولد زيهر - أوليري) بالإضافة إلى كازانوفا قد وضعوا عددًا من الأبحات حولها.
- يقول أوليري: هناك ما يُغري بأن حركة إخوان الصفا كانت حركة إصلاح من جانب بعض الإسماعيليين أرادوا الرجوع إلى تعاليم الإسماعيلية القديمة.
- ويقول جولد زيهر: أعتقد أن رسائل إخوان الصفا كانت الأساس الذي بُنيت عليه معتقدات الإسماعيلية.
ولذا قامت المطبعة الكاثوليكية في بيروت بإعادة طبع هذه الرسائل، ثم جاء الدكتور طه حسين من أوربا ١٩٢٩ م ليعيد طبع رسائل إخوان الصفا وادعى الدجال طه حسين أن إخوان الصفا قوم مجددون مصلحون قدموا للمجتمع الإسلامي الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية لإنشاء ثقافات جديدة، وهي الثقافة التي يجب على الرجل المستنير أن يظفر بها وكان على طه حسين أن يبين للناس أن هذه الرسائل تعارض مفهوم الإسلام الأصيل في عدة أمور:
أولاً: إنكار البعث بالأجساد.
ثانيًا: تفسير الجنة والنار تفسيرًا مخالفًا لما تواتر عند المسلمين.
ثالثًا: تفسير الكفر والعذاب تفسيرًا باطنيًا معنويًّا.
رابعًا: قولهم بأن النبوة يمكن اكتسابها عن طريق الرياضة.
خامسًا: قولهم بإسقاط التكاليف.
ومن أشد فساد عملهم محاولتهم صهر الأديان والعقائد كلها في صورة زائفة، ومن ذلك قولهم: الرجل الكامل يكون فارسي النسب عربي الدين عراقي الآداب عبراني المخبر مسيحي النهج شامي النسك يوناني العلم هندي البصيرة صوفي السيرة ملكي الأخلاق.
تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما جدوا، وحاموا وما وردوا، ونسخوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا، حصلوا على خرافات وتلفيقات وتلزيقات ولوثات قبيحة ولطخات ناضجة، وألقاب موحشة، وعواقب مخزية، وأوزار مثقلة.
* المستشرقون وأذنابهم ودعاة الباطنية كابن المقفع وابن سينا والفارابي وابن الراوندي:
حظي دعاة الباطنية الذين حملوا سموم هذه النحلة بتقدير كبير من رجال التغريب، وكان لهم القدح المعلى لدى حركة الاستشراق والتبشير، فكتبت الأبحاث الطول حول عبد الله بن المقفع، وابن سينا، والفارابي، وابن الراوندي، ووضعوا جميعًا مواضيع التمجيد والتقدير، واحتفل بهم في ميادين مختلفة منها ميادين الأدب والتاريخ والفلسفة.
- وألف طه حسين كتاب الفتنة الكبرى لتبرئة اليهودي عبد الله بن سبأ.
- ويأتي ابن المقفع الزنديق فيُعلي من شأنه طه حسين وأحمد أمين وبطرس البستاني ويقرر طه حسين كتاب كليلة ودمنة مع ما فيه من سموم على طلاب المدارس الثانوية. - قال الخليفة المهدي عن ابن المقفع: ما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع ووصف دعاة التغريب ابن المقفع بأنه من أعلام الفكر الحر وأنه مصلح اجتماعي. وهم يعلمون أنه أكبر طاعن على الإسلام، قدّم أول ما قدم للقضاء على نظام الإسلام الاجتماعي "كتاب مزدك"ثم كتاب "بروزيه"ليثبت تناقض الأديان وبخاصة الإسلام.
وكشف إبراهيم أبو القاسم في كتابه "الرد على اللعين عبد الله بن المقفع"أنه كان يعارض القرآن.
ويكفي لزندقته "باب بروزيه"الذي أضافه إلى كتاب "كليلة ودمنة"قاصدًا به تشكيك الناس في دينهم.
ثم اتصالاته بخلفاء الشعوبيين والمجان المتهمين بالزندقة من أمثال إقبال البقلي (الذي أنكر البعث والقيامة) وعمار بن حمزة وأبان اللاحقي وسهل بن هارون وحماد عجرد. ولقد ارتبط اسم ابن المقفع بالزندقة عند ابن خلكان والبيروني والصفدي.
- ومما يردده دعاة التغريب الثناء على الباطنية أنها حاولت أن تعيد للمرأة حقوقها وحريتها وكذلك وصفت المشاعية والدعارة التي دعت إليها وأقرّتها هذه الجماعات بأنها حركة تقدمية للمرأة (١).
كيف يمكن من يستخرج فكر بابك الباطني ويقدمه مرة أخرى للمسلمين على أنه فكر تقدمي أو اشتراكي، وكيف يمكن أن توصف هذه الحركات الباطنية المتآمرة بأنها حركات عدل اجتماعي كما صورها طه حسين وجماعة المستشرقين ودعاة التغريب (٢).
* وهكذا اتسع نطاق المؤامرة على الإِسلام:
عمدوا إلى إحياء هذا الركام العفن الذي مرّ سابقًا وإعادة طبعه ونشره.
بدأت هذه المرحلة عام ١٩٠٩ بكتاب ماسينون حتى حمل لواءها طه حسين ١٩٢٦ بعد سقوط الخلافة ثم جددعا عبد الرحمن بدوي ١٩٤٦ ثم جاء زكي نجيب محمود منذ عام ١٩٦٧ وفي ظل النكسة لإحياء هذا التراث على نحو جديد:
١ - نشر لويس ماسينون كتابات الحلاج والسهروردي وفريد الدين العطار وابن سبعين.
٢ - نشر جولد زيهر كتابات صالح بن عبد القدوس.
٣ - نشر كريمسكي عن أبان بن عبد الحميد اللاحقي.
٤ - نشر فرنسسكو جيريلي وباول كراوس عن ابن المقفع.
٥ - نشر باول كرواس عن ابن الراوندي.
٦ - نشر فرنسسكو جبريلي عن بشار بن برد.
٧ - نشر باول كراوس عن محمد بن زكريا الزنديق.
٨ - ما كتبه آسين بلاسيوس عن ابن عربي.
* ثم جاء دور التغريبيين:
فقاموا بدورهم على أتَمِّ وجه:
١ - كتب طه حسين عن الزنادقة بشار بن برد وأبي نواس وحماد وأبان ابن عبد الحميد وجدد طبع آثار ابن المقفع ورسائل إخوان الصفا.
٢ - كتب عبد الرحمن بدري كتابيه "شخصيات قلقة"و"من تاريخ الإلحاد في الإسلام"تناول فيهما الحلاج والسهرورد"وابن المقفع وابن الراوندي والرازي، وقدم شطحات الصوفية عن أبي يزيد البسطامي ورسائل. ابن سبعين وترجم ما كتبه آسين بلاسيوس عن ابن عربي، وبذلك أحيا قدرًا كبيرًا من ذلك التراث الغنوصي المجوسي القديم، وإن كان ما قدمه كمترجمات لآثار المستشرقين.
٤ - أما الدكتور زكي نجيب محمود في كتابيه "تجديد الفكر العربي"، و"المعقول واللامعقول في التراث العربي"فقد أعاد صياغة الفكر البشري الوثني الغنوصي صياغة جديدة.
- وتتمثل حركهّ تجديد الفكر البشري في عدة ظواهر:
أولاً: إعادة كتابة تاريخ القرامطة والزنج والباطنية على أنها حركات عدل وحرية أو ثورات إسلامية ومن ذلك ما كتبه محمود إسماعيل عن الحركات السرية في الإسلام.
ثانيًا: إعادة الدعوة للاعتزال والراوندية على النحو الذي حاوله زكي نجيب محمود.
ثالثًا: إعادة طبع كتب وحدة الوجود والحلول والاتحاد مثل طبع كتب ابن عربي والحلاج.
رابعًا: محاولة فرض منهج التفسير الماركسي للتاريخ كما فعل أحمد عباس صالح فيما أسماه اليمين واليسار في الإسلام.
خامسًا: محاولة لطفي السيد ترجمة كتاب الأخلاق لأرسطو والقول بأن فلسفة أرسطو هي مصدر النهضة العربية الحديثة.
وترجمة تمام حسان لكتاب "مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب"تأليف أوليرى.
وكتاب "الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام"لإبراهيم بيومي مدكور. .- وهناك شطحات الصوفية لعبد الرحمن بدوي، ورسائل ابن سبعين.
- وجدد عبد الرحمن بدوي في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام"الحديث عن الزنادقة وترجم لهم بتوسع، وأرخ لهم ووضع فكرهم مجددًا أمام المثقفين العرب ويتحدث عن طالوت ونعمان وصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء وأبي عيسى الورّاق وبشار وحماد وأبان بن عبد الحميد وأبو العتاهية ويؤلف سيد حسين نصر الإيراني عن ابن سينا والسهروردي وابن عربي كتابًا تحت اسم حكماء مسلمين.
* مرة أخرى مع الحداثي أحمد عبد المعطي حجازي:
متى يكف الشاعر الكبير عن تصدير أفكاره؟
عبد المعطي حجازي انتقد كل ما هو ديني "حتى السلام عليكم"! في منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية والذي استضاف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي. - بدأ حجازي حديثه بالدفاع عن (نصر أبو زيد) ودعوته لتبني خطاب عقلاني جديد بدلاً من الخطاب الموحد للأزهر ودار الإفتاء وما أسماه الجماعات المتطرفة، ولم ينس حجازي الإشادة بالمؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة وإعلان (القاهرة الثقافي)!! وقال: إن الكلام عن تجديد الخطاب في وادٍ والعمل على تجديده في وادٍ آخر؛ لأن الكثيرين من علماء الدين يمنعهم الكسل العقلي من متابعة التطورات الفكرية فيخلطون بين تجديد الخطاب وتجديد لغة الخطاب اعتمادًا على المقولة الشائعة "خاطبوا الناس على قدر عقولم". ويبدو أن حجازي خانته الذاكرة فلم يعرف أن صاحب المقولة هو سيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-!!
- وبدأ حجازي وصلة هجوم على البرنامج الشهير (العلم والإيمان)
قائلا: إن (السيد) الذي كان يقدمه في التليفزيون يعرض لقطات تسجيلية من عالم النباتات والحيوانات والنجوم ويكتفي فقط بالتعجب قائلا (سبحان الله) يقصد الدكتور مصطفى محمود ولم يشأ حجازي ذكر اسمه.
- ويقول حجازي إن البرنامج (يزعم) وجود علاقة بين العلم والإيمان وهي غير موجودة بالطبع!!! وأكد حجازي أن هناك خلطا واضحا بين العلم والدين بدليل وجود لفظ شائع اسمه (الطب النبوي) وهو غير صحيح أيضا -على حد زعم حجازي- وهاجم حجازي صحيفة (الأهرام) التي يكتب بها مقالا أسبوعيا؛ لأنها تخصص صفحة كاملة تحت عنوان (الإعجاز العلمي للقرآن) مشيرا إلى أنه موضوع غير صحيح ولا يستحق المناقشة لأن من يكتبون فيه يزعمون أن القوانين التي اكتشفها علماء العصور الحديثة في الطبيعة والفلك والكيمياء موجودة في القرآن وهذا بالطبع غير صحيح -على حد زعم حجازي- لأن النصوص الدينية تخاطب القلب وإن كانت تخاطب العقل أيضا ولكن لتجعله ينظر في السموات والأرض لا لكي تلقنه نظريات العلم وإلا لو كانت النظريات والقوانين موجودة في القرآن فلماذا لم نعرفها قبل غيرنا؟ ولماذا لا نغلق الجامعات ونكتفي بالتعليم في الكتاتيب؟! والعجيب -كما يشير حجازي- أن المهتمين بموضوع الإعجاز في القرآن تجند لهم أجهزة الإعلام لكي يقنعونا بأن العلم ليس إنسانيا وإنما مرتبط بالدين وأن العلم ليس جهد الإنسان واكتشاف العقل ولكنه موجود وعلى هؤلاء أن يستخرجوه من النصوص الموجودة سلفا ويريدون أن ينزعوا عن الإنسان كل مجد ويحرموه من كل فضيلة ويصوروه متلقيا فقط عاجزا عن المعرفة والإضافة والإبداع من منطلق مقولة: "إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ..
ويبدو أن حجازي نسي أنه حديث شريف يتحدث عن البدعة وليس الإبداع!!! - وهذا في رأيه خطاب العصور الوسطى لحصر العمل في العبادة. والتسليم والنتيجة هي الوجود السلبي في الحياة، يساعدهم على هذا الزعم أنهم يخاطبون في الناس ما يحبون وأننا نحتاج لمن يقول لنا أننا قد سبقنا إلى كل شيء مع إننا في الحقيقة لم نسبق لشيء، وإن كنا سبقنا فقد تركنا السبق وغرقنا في عصر الانحطاط!!
- هاجم حجازي أيضا (أسلمة العلوم) ووصفها بأنها نشاط محموم تنفق عليه بعض الدول العربية بسخاء ليكتسب العلم صفة الإيمان ويصبح سلاحا من أسلحة العقيدة وهي في الحقيقة دعاية سياسية ومحاولة كسب الحصانة من الدين.
والأغرب من ذلك .. أن حجازي هاجم أيضا تحية الإسلام (السلام عليكم) قائلا إننا لكي نثبت وجودنا في ثورة الاتصالات نحاول إلغاء الصيحة العالمية المتفق عليها (آلو) ونستبدلها بكلمة (السلام عليكم) وأنا لا أفهم كيف أتصل بشخص تليفونيا ويرد قائلا: (سلامو عليكو) لماذا؟!!!!!!!
- وقال حجازي: إننا ما دمنا نشك في قدرة العلم والإنسان والعقل البشري على انتهاك كل الأسرار والحجب فنحن نعيش في العصور الوسطى ونخاف الحياة ونعجز عن التحكم في مستقبلنا ونشعر بالنقص ونكتفي بالحديث عن التميز والخصوصية واعتزال (الآخر) وأصبحنا عالة على غيرنا من الغرب الذين يحبون الحياة ويفهمون أسرار الطبيعة ويتحكمون فيها ويخضعونها بينما نحن نحتقر الحياة ونتصورها مجرد (حياة عابرة) يجب أن نمر مرورا سريعا إلى الحياة الباقية؛ لأن الحياة التي نعيشها (لهو ولعب) ونكتفي بالفخر أن لنا (الحياة الباقية) ولهم (الحياة الفانية)!! (١).
الإسكندرية - جيهان حسين
.* خليل عبد الكريم و"سنوات التكوين":
كتب وائل لطفي:
أصدر مجمع البحوث الإسلامية يوم الأربعاء الماضي قرارا بحظر تداول وطبع كتاب "سنوات التكوين في حياة الصادق الأمين"لمؤلفه خليل عبد الكريم بناء على تقرير قدمته إدارة الثقافة والبحوث في المجمع وكتبه الشيخ عبد العظيم المطعني الأستاذ بكلية اللغة العربية.
"اعتمد الأعضاء في اتخاذهم للقرار على تقرير الشيخ المطعني الذى اتهم الكتاب بإنكار الديانات السماوية والإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم -" (١).
* الحداثيون إباحيون يضج من إباحيتهم قوم لوط عاملهم الله بما يستحقون:
هؤلاء الحداثيون الاستعلائيون الظلاميون الإرهابيون فقدوا كل شيء بعد أن اتهم أبو زيد أكاديميا بـ "الجهل وتزوير النصوص"وقضائيا بـ "الردة"، وأكدت ما ذكره (أدونيس) وهو واحد من أكثر الحداثيين العرب تطرفا، عندما قال: "إن الحركة الحداثية، تمتلئ بالحواة والمهرجين" (٢) .. بيد أن اكتمال المحنة التي أجهزت على "الحداثة"، في عالمنا العربي تقريبا، جاءت بعد إسدال الستار على قضية (أبو زيد)، بخمس سنوات، عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية، رواية "وليمة لأعشاب البحر"للسوري (حيدر حيدر)، وهي من النوع الذي ينتمي فنيا إلى ما يسمى بـ "أدب الجسد"، والأخير يمثل رافدا من روافد "الحداثة"، في الشعر والرواية، والمسرح، والسينما. ويرجع هذا النوع إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، عندما ظهرت مجموعة من الأعمال
.تناولت حياة (البغايا) وطقوسهن في العوالم السفلية والمخملية، ابتداء من اللبناني (توفيق يوسف عواد) في روايته (الرغيف) عام ١٩٣٩، ومرورا بالشاعر العراقي (بدر شاكر السياب)، في قصيدته "المومس العمياء"عام ١٩٥٣، وصولا إلى المصري (نجيب محفوظ) في ثلاثيته "بين القصرين"عام ١٩٥٦، وفي "قصر الشوق"و"السكرية"عام ١٩٥٧.
كان هذا المنحى -في بداياته الأولى- يتحفظ في الولوج إلى وصف (تضاريس الجسد)، بشكل مبتذل ورخيص ومسموم، على النحو الذي بلغه في الثلاث عقود الأخيرة من القرن الماضي باسم "الحداثة"، ويكفي في هذا السياق أن نعرض قائمة سريعة ببعض العناوين لهذا النوع من (الأدب):
"شهوة ملتبسة"لـ نضال حمرانة، "أوهام أيروسية"لـ مي زيادة، "لواطيات الجنابي"لـ عبد القادر الجنابي، "رائحتي شهية كالنعناع"لـ ليلى العثمان، "عن صبي يفوح جنسا"لـ غالب هلسا، "جسد سعاد حسني"لـ عناية جابر، "في سرير الرفيقة"لـ سعدي يوسف، "هكذا أفهم الجسد"لـ صباح خراط، "أنا والعادة السرية"لـ حميد العقابي، "اغتصبت في صباي"لـ خالد المعالي، "ملح على ثدي يرتعش"، "خواطر سحاقية"لـ عالية شعيب، "حلمت بحيوان يضاجعني"لـ دني طالب!! مع ذلك فإن هذا "التحفظ " -الذي ميز جيل خمسينيات القرن الماضي- لم يعفه من مسئولية التأسيس، لنوع من الكتابات تعتمد على "لغة الجسد"، وإطلاق حريته في تلبية شهواته، ووصف مواقعة الذكر للأنثى من جهه، ومواضع العفة لديهما من جهة أخرى بلا حياء، وهو منحى يترتب عليه بالتبعية، الاستهزاء والاستخفاف بكل ما يعتبره معوقا من معوقات التعبير عنه، وعلى رأسها التقاليد الاجتماعية المحافظة، والثقافة الدينية الحاضنة لها.
- ورغم أنه في سبعينيات القرن الماضي، ومع ما لاقته الحداثة من تبن. وترحاب ودعاية، قد تنامت النظرة إلى هذه "القوالب الفنية"، باعتبارها أنساقا فنية تنتمي إلى منظومة التقاليد القديمة، التي تقتضي الحداثة تجاوزها بل وتدميرها، إلا أن الأعمال الروائية -التي رضعت من ثدي الحداثة، اتخذت من "الجسد"قوام موضوعها الأساسي- أبقت على هذه الكراهية لـ "الشرعية الدينية"، بل واتخذتها هدفا انتوت إنجازه كما فعلت القاصة الكويتية "عالية شعيب"، في قصتها القصيرة "ملح على ثدي يرتعش"، تروي بين سطورها تفاصيل علاقة سحاقية.
إن الفارق بين الجيلين (الذي عاش وكتب في النصف الأول من القرن الماضي، ونظيره الذي مارس الكتابة في نصفه الثاني)، كان في تمرس الأخير بـ "المجاهرة بالمعاصي"، باعتبارها "فعلا حداثيا"!، فيما بينت التجربة، أنها كانت لإخفاء الضعف المهني والفني، الذي كان قاسما مشتركا لجل هذا الجيل.
- يقول الشاعر المصري فاروق جويدة: "منذ شهور تلقيت مجموعة قصصية لكاتبة .. وعندما بدأت أقرأ فيها، اكتشفت أن الكاتبة، غير قادرة على صياغة جملة عربية سليمة وكانت أفكارها مشوشة القصص جميعها تنحصر في تجربة امرأة تمارس الجنس مع نفسها" (١).
ثم إن كان هناك بعد "تبشيري - غربي"، ساعد على إنعاش مثل هذه "المجاهرة"، يفسر ذلك فاروق جويدة يقول: "إن هذه الكتابات تجد صدى واسعا في الدوائر الغربية حيث تترجم كل يوم، ويتلقى أصحابها التهاني والورود والدعوات ويشاركون في المؤتمرات، والسبب في ذلك أن هناك تجارة رابحة في الغرب الآن ويستطيع أي كاتب عديم الموهبة، أن يقدم نفسه من
.خلالها أن يكتب في الجنس ولغة الجسد .. أو يهاجم الإسلام" (١).
- ففي وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي كتب المغربي (محمد شكري) روايته "الخبز الحافي"سجل فيها المؤلف "سيرته الذاتية"، وتجربته في ممارسة الجنس مع البغايا وغيرهن"، وحياة التشرد التي عاشها، وكيف انخرط خلالها في معايشة كل طقوسها ومفردات حياتها اليومية، من جنس وشذوذ ومخدرات وغيرها، والرواية بالمعايير الأدبية ضعيفة فنيا، ومبلغ القول فيها أنها "رواية ساقطة"، تحكي ذكريات رجل شاذ جنسيا؛ ولأنها كانت صادمة لمشاعر المسلمين، رفضت معظم دور النشر العربية نشرها، فيما وجد فيها الغرب (صيدا ثمينا)، يمكن توظيفه بوصفها (شهادة إدانة) عربية لما يعتبره الغرب (تقاليد إسلامية)، حيث ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، فيما تكبد المستشرق الياباني (نوتوهارا)، مشقة السفر من اليابان إلى المغرب، لزيارة (محمد شكري) عام ١٩٩٥، ليعمل على ترجمة الرواية، ويطلب إليه أن يرافقه في زيارة الأماكن التي وصفها في "الخبز الحافي"!! في الوقت ذاته يسارع الإسرائيليون إلى الالتحاق بطابور المهتمين بالرواية ومؤلفها ممثلين في "دار الأندلس"الإسرائيلية التي ترجمتها إلى العبرية (٢) بل إن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قبل منع تدريسها إثر احتجاجات طلابية واسعة في العام الدراسي ٩٨/ ٩٩ - أدرجتها بين المناهج المقررة على طلابها (مادة الأدب العربي)!
* صدام مروع مع الرأي العام:
بيد أن الحداثة كانت بـ "برج عاجيتها"، بعيدة عن أي صدام مباشر مع الرأي العام، ما أتاح لها تداول هذا النوع من الأدب، في دائرة ضيقة (بين. النخبة الحداثية فقط)، حتى عام ٢٠٠٠ عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية، رواية من هذا النوع وهي "وليمة لأعشاب البحر".
ويعتبر صدور الرواية -وبسعر زهيد، وفي أكبر سوق عربي (مصر)، وتتولى السلطات الرسمية (وزارة الثقافة) طبعها ونشرها- منعطفا فاصلا، في مسيرة الحداثة في العالم العربي.
حتى قبيل هذا الحدث، لم يكد أحد من العامة يعرف شيئا عن الحداثة، في تجلياتها الفكرية والثقاقية والسياسية، كانت هناك مياه كثيرة مرت تحت الجسر، ونعني بها بعض الاشتباكات"العارضة"التي وقعت في الظل، انحسرت بالمصادرة السريعة (مثل الخبز الحافي، وبيضة نعامة في مصر)، و"الرحيل"و"في ليل تأتي العيون"ليلى العثمان، و"عناكب ترثي جرحا"لعالية شعيب بالكويت، وبعضها خرج إلى العلن، وانتظمت مؤسسات أهلية ورسمية وإعلامية، في الجدل الواسع والعنيف الذي احتدم بشأنها. بيد أنها شكلت وعيا "أوسع"بالبعد الأكاديمي والمنهجي للحداثة، وكان أبرزها أزمة (نصر حامد أبو زيد)، إذ إن الأخير استخدم "البنيوية الماركسية"في تأويل "النص القرآني"، الأمر الذي أفضى به في النهاية، إلى شكل من أشكال النكوص العقائدي، وإعادة إنتاج المواقف القرشية "الجاهلية"القديمة، من النبوة والوحي، على نحو ما أسلفنا فيما تقدم. هذا "النكوص"سدد (أبو زيد) فاتورته بالكامل من جهة، وشكلت محطة متقدمة، في مشوار الحداثة نحو "مواتها"، المهين والمذل، في بلاد العرب من جهة أخرى. غير أنه من المؤكد، أن أزمة "وليمة لأعشاب البحر"كانت هي المحطة اللاحقة والأخيرة في هذا المشوار.
- فإذا كانت الأولى بما خلفته من أدبيات -حتى في أشكالها القانونية التي صيغت في صورة مذكرات ادعاء أمام المحاكم، أو حيثيات ما أصدرته. الأخيرة من أحكام بشأن الأزمة- قد مثلت موات الحداثة العربية أكاديميا، لا سيما بعد ظهور كتابي د. عبد العزيز حمودة: "المرايا المحدبة"و"المرايا المقعرة"، رغم صدورهما في مرحلة متأخرة من الأزمة. فإن الأخيرة (أي رواية وليمة) أشعلت الحرائق، فيما تبقى من "مصداقية"أو "نجومية"لرموز حداثية كبيرة، ظلت ولعدة عقود تمثل "المخزون اللوجستي"، الذي تعهد النشاط الحداثي العربي (السري منه والعلني) بالحماية والدعم (بنوعيه المادي والإعلامي). أي أنها حرمت الحداثيين العرب الأقل والأقصر قامة، من مرجعيات كانت تفتح لها أبواب "أنشطة"، من "النوع"الذي يتحول إلى دولارات وشيكات وحسابات في البنوك من جهة، وتتعهدها بالتلميع الإعلامي الواسع والغير محدود من جهة أخرى: فمن المعروف أن رواية "حيدر حيدر"، كانت من النوع الذي لا يقترب فحسب -في توصيفه- إلى ما يشبه أفلام "البورنو الجنسية"، ولكنها نالت من (القرآن والسنة) بلغة مبتذلة ورخيصة، وبمفردات وخطاب تهكمي ساخر .. ويكفي هنا أن نستعرض خلاصة رأي مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمشيخة الأزهر في الرواية، إذ يقول البيان:
- إن الرواية مليئة بالألفاظ والعبارات التي تحقر وتهين جميع المقدسات الدينية بما في ذلك ذات الله سبحانه وتعالى والرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم واليوم الآخر، والقيم الدينية.
- إن الرواية خرجت على الآداب العامة خروجا فاضحا وذلك بالدعوة إلى الجنس غير المشروع واستعمال الألفاظ في الوقوع وأعضائه الجنسية للذكر والأنثى بلا حياء؛ مما يعف اللسان عن ذكرها وكتابة نصها، حفاظا على الحياء العام الذي انتهكته الرواية إلى آخر ما ورد في التقرير المشهور والمنشور.
ويكتسب ظهور رواية "وليمة"، بعد أزمة أبحاث نصر حامد أبو زيد،. أهميته من دورها في استكمال النصف الآخر من صورة "الحداثة".
فإذا كانت أزمة أبو زيد، قد انتهت بتوثيق تهافت الحداثة "أكاديميا"، فإن "وليمة"أماطت الستار. عن وجهها "السوقي"والمبتذل، شاءت الأقدار أن تأتي هذه "السوقية"، في المشهد الأخير من مشوار الحداثة العربية نحو نهايتها المخزية، ليظل هذا المشهد عالقا، في وجدان الأمة ووعيها الجمعي، ولتختم لكل من دافع عن الرواية، وعن مؤلفها أو اعتبرها إبداعا، بسوء الخاتمة.
ولعل هذه الخاتمة كانت هي الأخطر في مجمل نتائج هذا المشوار، إذ إن أسماء حداثية كبيرة خرجت من هذه المعركة، وقد فقدت سلطتها الأبوية بالكامل، التي كانت تمارسها على السلطات الثقافية الرسمية، ولعدة عقود مضت، وباتت تشبه "خيول الحكومة العجوزة"، ولم يمهلها وزير الثقافة المصري فاروق حسني -الذي كاد أن يفقد منصبه الوزاري بسبب الأزمة- أن تظل عبئا عليه وعلى حكومته بعد أن احترقت (تلك الأسماء)، وكادت تحرق النظام السياسي بكامله.
بعد أزمة "وليمة"بدأت ملامح وتضاريس جديدة تتبلور، تشير في تدافعها وتلاحقها، إلى ما يمكن تسميته مرحلة "نهاية الحداثة"في عالمنا العربي وهي مرحلة يمكن الاستدلال على تشكلها بعدة علامات: ففي شهر مارس من عام ٢٠٠٠ أي قبل صدور رواية "وليمة"بنحو شهرين، ألقت سلطات الأمن المصرية، القبض على صلاح الدين محسن، بعد نشره رواية وصف فيها القرآن الكريم بأنه "كتاب الجهل البدوي المقدس"، وجرت محاكمة المؤلف متزامنة مع أجواء أزمة "وليمة"، وفي شهر يوليو من نفس العام، قضت محكمة أمن الدولة، بحبس صلاح الدين محسن "ستة أشهر مع وقف التنفيذ".
- وبادر البعض بتفسير هذا الحكم "المخفف"بأنه "انتصار"للحداثة،و"هزيمة"لأعدائها، وأنه دلالة على قوة الحداثيين وقدرتهم على التأثير، أن الحكم جاء ثمرة خطابهم المدافع عن "حرية"التعبير وعن "الإبداع"، وأن منصة القضاء تأثرت (أو استجابت) لهذا الخطاب الحداثي.
وواقع الحال أن رد الفعل الرسمي من الدولة، لتبرير موقفها من نشر الرواية، كان مرعبا ومخيفا ومدعوما بالمؤسسة الإعلامية الرسمية الضخمة والعاتية، وكانت شهادات الاتهام بـ "الظلامية"جاهزة لكل من هاجم الرواية أو اعتبرها إسفافا لا إبداعا .. حتى إن بعض من هاجموا الرواية في مستهل الأزمة، استجابوا للابتزاز الحداثي، وانقلبوا على أدبارهم في منتصف الطريق، خوفا من أن ينالهم العلمانيون بأذى، وطمعا في الإنعام الحداثي عليهم بلقب "المفكر المستنير"، وربما قد تأثر الحكم على "صلاح الدين محسن"بهذا المناخ، وبكل تفاصيله التي هدفت إلى ترويع النفوس والأفئدة غير أن هذا المشهد على الجهة الأخرى، كان أشد رعبا للدولة، فالذي حدث كان أشبه ما يكون بـ "الاستفتاء العفوي"على شرعيتها، أي أن الأزمة وضعت "شرعية السلطة"على محك حقيقي، ونقلتها إلى اختبار بالغ الصعوبة، وأن عليها أن تختار، إما أن تستمد شرعيتها من "الحداثة"بنسختها المعادية للدين وللنسق القيمي العام للمجتمع، وإما أن تستمدها من دين الدولة الرسمي، والحاضن في الوقت ذاته، للمنظومة الأخلاقية والقيمية السائدة.
كانت قضية "صلاح الدين محسن"، هي المفصل الذي حسمت عنده الدولة خياراتها، حيث اعترضت النيابة العامة على الحكم (ستة أشهر مع وقف التنفيذ)، واعتبرته في "غاية الرأفة"، فيما رفض رئيس الوزراء د. عاطف عبيد المصادقة عليه، وقرر إعادة محاكمته، وقالت النيابة إن "كتبه تضمنت ازدراء للإسلام وإثارة للنقمة، ومسا بالذات الإلهية، وإنه زعم أن.
.
.الدين الإسلامي هو السبب في تخلف الدول العربية، ودعا إلى قيام رابطة للملحدين".
وعلى إثره ألقي القبض عليه، وصدر في حقه حكم قضائي، بحبسه ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ. ومن اللافت أن رد فعل دعاة الحداثة العلمانية على الحكم، كان خافتا ضعيفا يكاد لا يسمعه أحد؛ بل إن اتحاد الكتاب المصريين، قرر فصل "الكاتب"من عضويته، وتبرأ "الجميع"منه، رغم أن ما حدث، لو قدر له أن وقع، قبل أزمة "وليمة لأعشاب البحر"، لأقام الحداثيون الدنيا وما أقعدوها .. وهو ما يعني أن ثمة واقعا جديدا، أفرزته تلك الأزمة" (١).
- وبعد يا أهل الحداثة .. لقد بلغ فسقكم وفجوركم إلى النهاية فعاملكم الله بما تستحقون وأخزاكم في الدنيا قبل الآخرة إن لم تتوبوا.
نعم ملة الإسلام في الكون دوحة ... وفي ظلها يغدو الهدى ويراوح
على كل فرع عندليب مغرد ... وفي كل غصن بلبل الحق صادح
* وبعد دسائسهم ومكايدهم وكتاباتهم ومؤامراتهم وعفنهم يبقى الإسلام:
* قال تعالى: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: ٣]. يئسوا أن يبطلوه، أو ينقصوه، أو يحرفوه، وقد كتب الله له الكمال وسجل له البقاء.
فالإسلام روح الحياة، وحياة الروح، وسر العالم وعالم الأشرار، وجمال الدنيا ودنيا الجمال، ونور الطريق، وطريق النور.
.- كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمى بالنهار، جاء الإسلام فوجد في العالم ينبوع النور.
ورعشات الضوء من الشمس هي قصة الهداية للكون في كلام من النور، وأشعة الوحي في الإسلام هي قصة الهداية لإنسان الكون في نور من الكلام.
- وإذا تعسف الناس الحياة لا يدرون أين يؤمون منها، ولا كيف يهتدون فيها فتضطرب الملايين من البشر، يأتي الإسلام نورا هاديا من غلط الحياة وتحريف الإنسانية يصحح ما اعترى هذه الأنفس.
- الإسلام أفق وضيء يطهر البشرية من غبش الجاهلية، وأهل الشقاء يفرون منه إلى موتهم {كأنهم حمر مستنفرة (٥٠) فرت من قسورة} [المدثر: ٥٠ - ٥١].
- الحياة في ظل الإسلام نعمة .. نعمة لا يدركها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه، يعيش المرء في ظل الإسلام ينظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة ويعجب .. ما بال هؤلاء الناس؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجميل الجليل؟ النداء الذي يرفع العمر ويباركه.
{أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران: ٨٣].
- هذا الإسلام مرتقى عال، ونور وضيء.
ارتضاه الله دينا لكل أنبيائه وهو أرقى تصور للوجود والحياة، وأقوم منهج للبشرية وهو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه.
- لقد التقط الإسلام الناس من سفح الجاهلية ودركها، وسار بهم في. الطريق الصاعد إلى القمة السامقة، وجعلهم ينظرون من عل إلى سائر أمم الأرض من حولهم في السفح، في كل جانب من جوانب الحياة، عرفوا السفح وعرفوا القمة، وعرفوا حب الله ورضاه عن هذه الأمة.
- الإسلام لا يتولى عنه إلا موكوس منكوس مطموس، شاذ في هذا الوجود الكبير ناشز في هذا الكون الطائع المستسلم المستجيب.
- لقد شقيت البشرية في تاريخها كله حين قادها العمي الذين يلبسون أردية الفلاسفة والمفكرين والمشرعين والسياسيين على مدار القرون، ولم ترتفع إنسانيتها قط إلا في ظل الإسلام.
- الإسلام نور في القلب والنفس، نور للمسلم تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف، ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم.
- جرعة من كأس الإسلام أروت العقل والقلب، جرس سورة الصافات، أذان بدر واليرموك، وسيف صلاح الدين، ونظرة الفضيل، ومفتاح كنوز الدنيا، غيض من فيضه، القادسية وعين جالوت وحطين نفحة من نفحاته، وومضة من أنواره وبركاته.
- به صنع ركب الرجال العظام على مدار التاريخ، فانظر إلى ركب المؤمنين الأبرار كيف شقوا طريق المجد في علو وجمال، وتطلعت إليهم من فتحات الأبواب أسرى القرون والأجيال.
- الإسلام هو المفتاح الفذ لأقفال الحياة.
- الإسلام أنفاس الحياة الآخرة، رقة تستروح منه نعيم الجنان، ونور تبصر في مرآة الزمان وجه الأمان، يرف بندى الحياة على زهرة الضمير، ويخلق في أرواحها من معاني العبرة معنى العبير.
- الإسلام من السماء، ودين الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى. الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، وكذلك تمادى المجرمون في طغيانهم يعمهون، وظل الإسلام يلقف ما يأفكون {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون} [الأعراف: ١١٨].
- إن الناس في اليوم والغد لن يستجيبوا إلا لنداء الإسلام، ولن يصلحوا إلا به، ولن يتفاعلوا إلا معه .. سيعلو نداء الإسلام ويرتفع ويقوى ويشتد.
- ألا بارك الله في الأقلام المتوضئة التي تكتب باسم الإسلام.
ألا بارك الله في الحناجر المؤمنة التي تطلق نداء الإسلام
والأصوات المباركة التي ترتفع بنداء الإسلام،
والآذان الواعية التي تسمع نداء الإسلام،
والقلوب الحية التي تتفاعل مع نداء الإسلام.
والحياة الكريمة التي تزكو وتطهر بنداء الإسلام.
وصدق الله العظيم إذ يقول: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: ٣٣].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***