كانت مصر دولة معتمدة فى تسليحها بالكامل على الخارج، فلم تكن هناك أي صناعة عسكرية تذكر. وكان المورد الاساسي وربما الوحيد هو الإتحاد السوفيتي. ةفى عام 1998 أدلي رئيس الأركان المصرى الذى خاض المعارك الفريق سعد الدين الشاذلى بحديث إلى قناة الجزيرة عن ذكريات حياته العسكرية. والشاذلى هو الرجل الذى إختلف إختلافا عميقا مع الرئيس السادات فى ليلة التاسع عشر من أكتوبر بمقر القيادة المصرية حول طريقة التعامل مع الثغرة التى نتجت عن مغامرة الجنرال شارون لدخول الضفة الغربية لقناة السويس. وخلافه مع السادات أدي إلى عزله من قيادة الأركان وتوليه وظيفة مدنية هي سفير لجمهورية مصر العربية فى لندن. وقد إختلف مرة ثانية من هذا المنصب الجديد مع الرئيس السادات بسبب زيارة القدس واستقال من الوظيفة ومن كل مصر وظل بالخارج حتى عام 1990 عندما عاد لمصر وحوكم وقضى فترة بالسجن بتهمة إفشاء أسرار عسكرية أثناء وجوده بالخارج. وق\ ظل من أشد معارضى السادات حتى وفاته فى عام 2011. وفى ذلك الحديث قال الفريق الشاذلى أن القوات المسلحة المصرية لم تكن تملك خطة للتعمق داخل سيناء لأكثر من 7 أو 10 كم بعد خط القناة. ثم قال أن السبب يكمن فى عدم وجود صواريخ دفاع جوي يصل مداها إلى ما هو أبعد من ذلك وبالتالى يكون إرسال أي جنود إلى شرق هذا الخط هو عملية إنتحارية لا شئ يرجي منها سوي قتل الأفراد.
وسبب عدم إمتداد تأثير الصواريخ المضادة للطائرات لأكثر من هذا المدي هو أنها لكي تبني تحتاج إلى منشآت ثقيلة من الخرسانات والإمدادات المختلفة وهذه لا يمكن ترحيلها إلى الشرق بغرض بنائها تحت ظروف الحرب الدائرة. ولهذا كان التخطيط أن تظل هذه القواعد الصاروخية فى مكانها الأصلي غرب القناة ويظل المقاتلون المصريون محتمين بمدي تأثيرها لا يخرجون عنه.
وهذه الظروف معروفة جيدا جدا للطرف الذى يورد السلاح لمصر وهو الإتحاد السوفيتي.
وعلى ذلك يكون الإتحاد السوفيتي هو أول طرف يعلم علم اليقين بعدم قدرة مصر على توسيع أو تعميق نطاق العمليات داخل سيناء.
والرئيس السادات قد صرح فى أكثر من مناسبة بعد الحرب بأن ستراتيجيته كانت تتلخص فى عملية واضحة المعالم هي العبور ثو التشبث بشريط (10 سنتيمتر على نص قوله هو شخصيا) وعدم التفريط فى هذا الشريط بأي حال، وهذا الشريط مهما ضاق عرضه فهو كفيل بإحداث الزلزال الذى يجعل إسرائيل تعدل من موقفها "المتغطرس"وتعود إلى رشدها، حيث أن الهدف الستراتيجي لعملية أكتوبر بأسرها هي إثبات تهافت نظرية الدفاع الإسرائيلي القائمة على أن الأراضى المحتلة تضمن لها بقاءا آمنا داخل حدودها الأصلية (رغم أنها لم تقم يوما واحدا يتعريف حدودها الأصلية!!).
والفريق الشاذلى أكد بنفسه فى مذكراته وفى حديثه مع قناة الجزيرة أن المقدرة العسكرية للقوات لم تكن تسمح بأكثر من ذلك.
وعلي ذلك فالقول بأن السادات قد منع الجيش من التقدم فى عمق سيناء هو قول ينطوي إما على جهل أو على سوء طوية. هذا من ناحية مصر والإتحاد السوفيتي.
والآن نفحص أثر هذه الفقرة التى أسماها هيكل كارثية على الولايات المتحدة الأمريكية.
سبق القول بأن الإتصال المصري الأمريكي الذى جري في بداية عام 1973 عقب طرد الخبراء السوفيت بحوال 7 شهور قد أسفر عن خلق شعور لدي الإدارة الأمريكية بأن مصر تريد إبلاغها شيء ما وأنها تريد التصرف بطريقة تشبع الزهو الأمريكي الذى عبر عنه الرئيس دوايت آيزنهاور فى بيان ألقاه بنفسه عقب الغزو البريطاني الفرنسي لمصر عام 1956 والذى أبدي فيه إستياءه من عدم إبلاغ الولايات المتحدة مقدما وعدم إستشارتها. وقد نجح الرئيس السادات فى الغالب فى هذا الأمر نجاحا ملحوظا تبدي فى هرولة هنرى كيسنجر لزيارة القاهرة بمجرد تماسك وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية حيث وصل القاهرة فى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر والتقي بالرئيس السادات لأول مرة بدون وسطاء.
وهذه الهرولة التى سعي بها هنري كيسنجر لمقابلة السادات هي نتيجة التفاهم المتباعد الذى وقع بين الحكومتين عن طريق زيارة حافظ إسماعيل للولايات المتحدة ثم عن طريق مراسلاته مع كيسنجر بعد ذلك أثناء الأسبوع الأول للقتال. إنها وثيقة التأمين التي تهكم كيسنجر منذ 16 شهرا فقط على السادات لأنه لم يبرمها مع واشنطن مقدما قبل أن يطرد الخبراء السوفيت.
فما هي قيمة هذه الوثيقة بالضبط وما هو الدور الذى لعبته؟