Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

ذكريات فاشية

$
0
0

ذكريات فاشية

"الفاشية فيها الكثير من الإسلام"... من حديث السيد/ أحمد حسين مع جريدة جورنال دى جنوا منشور فى عدد 11 أغسطس 1938 من مجلة مصر الفتاة..
وأحمد حسين هو الطالب الذى كان متألقا فى شبابه وأنشأ مشروع القرش وكان يدعو بصراحة للفاشية ويمتدح كل من موسولينى وهتلر جهارا نهارا ويبشر بالحاكم القوى الذى يلم شمل الأمة ويجمع كلمتها إلى آخر هذه الدعايات الفاشية.. وقد بدأ أحمد حسين يعرف فى الأوساط السياسية المصرية عام 1929 برعاية وزارة محمد محمود التى إتصفت بالإجراءات الدكتاتورية والتعالى حيث أن محمد محمود كان من أغنى رجالات مصر قاطبة حتى أنه إشتهر عنه شائعة أنه لا يقوم بكى ملابسه فى مصر وإنما يرسلها لانجلترا بسبب ثرائه وتعاليه.. والظاهر أن بعض الشباب المصرى كان فى طبيعته أقرب فى ذلك الوقت للثقافة الإيطالية منه للثقافة الألمانية حيث أن عدد الإيطاليين المقيمين فى مصر كان أكبر كثيرا من عدد الألمان، كما أن إيطاليا دولة بحر متوسط تتشارك فى ثقافته مع مصر بالإضافة إلى أن الحركة الفاشية فى إيطاليا وصلت للحكم قبل الألمانية بعشر سنوات.. صحيح أن التفانى الألمانى والسعى إلى الكمال أعطيا هذه الحركة أو هذا التيار الفكرى دفعة قوية للإمام إلا أن تجربة قيادة الدولة فى إيطاليا هى الأقدم...
ويلاحظ المرء أن كل هذه الحركات بدأت إشتراكية حتى أن الحزب الألمانى الذى أتى بهتلر إلى الحكم كان إسمه الحزب القومى الإشتراكى للعمال الألمان أى أنه كان حزب عمال.. والحركة إسمها حتى اليوم فى التاريخ الحركة الإشتراكية القومية.
Nationalsozialismus
ومن بعد القفز على السلطة كانت لهذه الأحزاب سياسة معاداة لا هوادة فيها للأحزاب الإشتراكية التقليدية مثل الشيوعيين أو الإشتراكيين الديموقراطيين الذين لا يتحركون على أرضية تنادى بالنعرة القومية والخيلاء الوطنى وإنما يسعون لتحسين أوضاع العمال وإعادة تقسيم الثروة دون اللجوء إلى الثورة، أى إلى التفاوض الهادىء والحلول التوافقية..
ويذكر التاريخ الألمانى مثلا أن جل قواعد وكوادر الحزب الإشتراكى الديموقراطى وكذلك الحزب الشيوعى إما دخلت المعتقلات وقضت فيها أو إضطرت للهروب من ألمانيا غداة صعود الحزب النازى فى يناير 1933 بل أن بعض الشيوعيين وجدوا ملجأ لهم فى الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية مثل بيرتولد بريشت الكاتب المسرحى الشهير..
والظاهر أن فترة مابعد الإستقلال فى مصر كانت من أخصب الفترات حيث تنازعت المدارس الفكرية بكل إتجاهاتها شباب مصر فكان الحزب الشيوعى قويا وكذلك ظهرت الحركات الإشتراكية (رغم عدم وجود طبقة عاملة حقيقية) وظهرت أحزاب تنادى بحقوق الفلاح وبالطبع أحزاب فاشية كحركة مصر الفتاة المستوحاة من حركة إيطاليا الفتاة فى القرن التاسع عشر..
فالفاشية المصرية هى إذن حركة مصطنعة ومقلدة للفاشية الإيطالية إلا أنها رغم كل ذلك حركة قديمة تعود إلى 80 عاما فى التاريخ المصرى.. والتكتيكات التى تستعملها هى الحشد الجماهيرى العاطفى وإستعراض القوة وإعادة تربية وتأهيل الداخلين فيها لكى تدخل أفكار الزعيم إلى أرواحهم بطريقة لا تسمح بالمناقشة أو حتى الإستيضاح بل هى روح شبه عسكرية صارمة.. كما أن من تكتيكاتها المعروفة سواء فى مصر أو ألمانيا أو إيطاليا أو النمسا أو غيرها من الدول التى شهدت مثل تلك التطورات حمل السلاح الغير نارى كالسلاح الأبيض والتدريب عليه وعلى الدفاع عن النفس بالرياضات المخصصة لذلك من مصارعة وملاكمة وجودو وخلافه.. وكذلك تقوم تكتيكات هذه الجماعات على محاولة تحدى الدولة وسلطتها لو أن هذه الحركات خارج الحكم.. أما إن كانت فى الحكم فهى تسعى إلى تذويب الشباب المدرب من أبناء هذه الجماعات فى الجهاز الأمنى للدولة مثلما فعل هتلر بجماعة الإس إس التى كان أساسها حماية مؤتمراته الجماهيرية فى بداياته الأولى من هجمات المعترضين على خطه السياسى..
ومن تكتيكات هذه الحركات أيضا إجبار الشركات والوحدات الإقتصادية على التبرع "الطوعى"بالمال للحركة ويتم ذلك بطريقة تبدأ عادة ناعمة ثم تنتهى خشنة لا هوادة فيها..
وإذا كانت الأحزاب الديموقراطية التى تقبل بالتعدد والتداول فى مجموعها تؤمن بمبدأ عش ودع الآخرين يعيشون فالحركات الفاشية لا تعرف تلك الطريقة من التفكير فهى تمتلك الحقيقة ولا تقبل التنازع بشأن تلك الحقيقة وتتحول فى حالة التنازع حول تلك الحقيقة إلى وحوش دموية مستعدة لأقصى درجات الهجوم الذى قد ينتهى بالقتل الجماعى كما فعل هتلر ومن بعده قادة الأحزاب الفاشية فى يوجوسلافيا السابقة فى التسعينات..

فالحركات الفاشية أو المتأثرة بالثقافة الفاشية فى مصر يعود تاريخها إلى فترة ما بعد ثورة 1919 متأثرة بما حدث فى أوروبا حيث تسببت الثورات التى إندلعت فى تلك الفترة عقب إنهيار النظم الإمبراطورية فى تأجيج تلك الحركات التى ضلت طريقها ووقعت فى محظور المناداة بحكم الزعيم وتوحيد الزى والفكر والتصرف وهى ظاهرة عادة ما تصحب قيام الثورات.
ولكن بما أن الحرب العالمية الثانية قد أثبتت فشل تلك الحركات فى مجال الفكر وكشفت عن الأساس الضحل الذى تقوم عليه فقد توقف العقل البشرى لفترة طويلة تكاد تقترب من 45 عاما عن إنتاج مثل هذه الأفكار التى لم تتكرر منذ محاكمات نورنبرج إلا عند إندلاع حروب يوجوسلافيا..
ولكن إن كان الشعور الوطنى أو القومى لم يعد أساسا مقبولا فى معظم دول العالم لحشد المواطنين بطريقة مقبولة فكريا وقابلة للتنفيذ سياسيا فهناك أساس آخر لم يتطرق المؤرخون وعلماء الإجتماع إلى الخوض فيه بشدة كما تطرقوا لمفهوم القومية.. وهو الدين أو الأساس الدينى..
والسبب مفهوم وهو أن الخوض فى التحليل العقلانى للأساس الدينى فى العمل السياسى قد يعتبر فى كثير من الأحيان ولدى عديد من الشعوب خوضا فى الدين نفسه وتشكيكا فى قداسة معتقداته.. وهذا بالطبع مما لا يجرؤ عليه كثيرون.. فلا الكاثوليك فى أوروبا يتحدثون عن معتقدات البروتستانت ولا العكس له وجود.. بل أن تجارب الحروب الأوروبية عبر القرون وبالذات الحربين الأخيرتين جعلت من حديث الأديان أمرا مستهجنا لا يخوض فيه إلا الجاهل أو عديم الثقافة.. فلكل دينه ومعتقداته ولا تداخل بين هذا وذاك..
هذا فى أوروبا... أما فى المشرق العربى فالصورة جد مختلفة..
فالقومية العربية الشاملة أو القومية القطرية لكل وحدة سياسية هى أمر مستجد على معظم دول الشرق الأوسط باستثناء تركيا وإيران.. وبيان ذلك أن القومية تنشأ دائما عبر أجيال طويلة من الأعمال المدنية والعسكرية لها خاصية ملاحمة أبناء هذه القومية وإعطائهم الشعور بأنهم معا أقوياء وقادرون على الإنتصار.. وهذه الأعمال المدنية والعسكرية ليس لها تقليد طويل فى معظم دول الشرق الأوسط بما فيها مصر.. وعلى ذلك فالخطاب القائم على القومية إن لم يكن فاشلا فهو قاصر قصورا شديدا فى الشرق الأوسط..
إن ذكر ثورة 1919 هو مجرد نوع من وضع العلامة الزمنية الفارقة فى الفصل بين نوعين من التفكير، تفكير أمة مستعمرة وتفكير أمة حصلت على إستقلال – حتى ولو جاء منقوصا. أما ثورة 1919 فليس لها دخل فى نشوء الحركة اللهم إلا إعطاء الإحساس للمصريين – وبالذات للشباب المتعلم منهم وقتها – أن زمانهم قد حل ودانت لهم الدنيا ولما إلتفتوا حولهم ظنوا أن المستقبل لهذه الحركات فقلدوها، وخصوصا وأن الدولة الديموقراطية التى لم تتأثر كثيرا بهذه الحركات وهى إنجلترا كانت قد ضعفت كثيرا عما كان عليه وضعها قبل الحرب ولم تعد سيدة العالم بعد أن صعدت الولايات المتحدة كنتيجة هامة للغاية من نتائج الحرب الأولى..

والظاهر أن التعامل المستمر والتفاعل بين مختلف الحضارات وخصوصا التعامل المباشر اليومى المتمثل فى المعيشة المتجاورة بين أبناء الأمة والمهاجرين الوافدين إليها – سواء كان ذلك فى بلاد الشرق أو بلاد الغرب – قد فشل فى تحقيق أحلام جيل الستينات فى الحب والسلام والتناغم بين الأجناس والأديان.. فمن ناحية جاءت السبعينات بأزمات إقتصادية نشأ عنها بطالة طالت كل دول الغرب ومن ناحية أخرى وعلى الجانب الآخر تعثرت كل الجهود التنموية فى الشرق مما نتج عنه موجات من الهجرة أو الرغبة فى الهجرة إلى الدول الغربية بحثا عن حياة أفضل..
كما أن الغرب كان قد بدأ يخطو الخطوة النهائية فى إتجاه تقديس الحرية الشخصية مما حطم أو كان فى طريقه لأن يحطم المقدسات الدينية والإجتماعية المتوارثة عبر القرون كالعيش بلا زواج أو حماية حرية الميل الجنسى أو مساواة المرأة بالكامل أو حرية الإعتقاد الدينى.. وفى نفس الوقت خطا الشرق خطوة تراجعية على طريقه السابق واختار طريق التمسك بالثوابت الدينية أو ما يعتقد أنه ثوابت دينية كنوع من الحماية من الهجمة الشرسة التى إجتاحت الغرب وأفسدته وتفرع عن الفكر الدينى السائد عشرات بل مئات المدارس الفكرية الرافضة لكل حوار أو حتى تدبر فى أمر الحوار مع الغرب.. أى أن كل مجتمع قد خطا خطوتين بعيدا عن الآخر، خطوة حضارية إجتماعية وخطوة إقتصادية..
والواقع أن الغرب هو أول من تنبه إلى ذلك البون بين النظامين وحاول إستغلاله – واستغله بالفعل- قبل أن يتنبه أبناء الشرق إلي وجود تلك الفجوة.. وكان الغرب وقتها منهمكا فى صراع فكرى وأيديولوجى لم يسبقه مثيل فى التاريخ المعروف حيث أن الرابح – أو هكذا تصور طرفا الصراع – سوف يربح العالم كله جائزة على حسن إدارته للصراع وإنتصاره فيه - إنها الحرب الباردة..
وهكذا بدأ الغرب يستعمل الدين – سواء منه المسيحى فى شرق أوروبا أو الإسلامى فى المنطقة المنكوبة – كسلاح لتهييج الإضطرابات وإضعاف من لا يقبل بهيمنة الغرب على بلاده من النظم..
نحن الآن فى عام 1990 وقد إنتهت الحرب الباردة ووضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بصفة نهائية وقانونية بتوقيع إتفاقيات سلام بين المتحاربين تم على أثرها تحقيق الوحدة الألمانية بين شطرى الوطن المقسوم وأقيم لذلك إحتفال ضخم فى الهواء الطلق أمام مبنى البوندستاج فى برلين حضره كل الساسة بلا إستثناء وجميع نجوم المجتمع وكثير من الضيوف الأجانب.. وكلمة بلا إستثناء لها مدلول خطير فى تلك القصة إذ أنه ثبت بعد ذلك من صور الإحتفال أنه كانت هناك راية مرفوعة بين مختلف الرايات الألمانية للولايات لم يلحظها كثيرون، إنها راية جماعة ألمانية يمينية فاشية متطرفة ليس لها وجود حقيقى على الأرضية السياسية ولكنها شاركت فى الإحتفال باعتباره عيدا لكل أبناء الوطن..
ولكن هذا الظهور المفاجىء للفاشية فى ألمانيا كان قد سبقه ظهور آخر فى بلد إشتراكى، يوجوسلافيا.. ففى يونيو من عام 1989 عندما بدت بوادر تفكك المعسكر الذى كان يقوده الإتحاد السوفيتى ألقى الرئيس اليوجوسلافى وقتها، سلوبودان ميلوشيفتش خطابا ناريا فى الذكرى الستمائة للمعركة التى هزمت فيها صربيا على يد الجيش العثمانى والتى نتج عنها إلحاق إقليم كوسوفو بالدولة العثمانية.. ومن المفارقات الغريبة أن هذا الخطاب جاء مليئا بعبارات حشدية مثل وحدة الشعب الصربى واتحاد القيادة وأهمية القبض بيد واحدة على القيادة للعمل على رفعة الشعب الصربى .. كما عدد ميلوشيفتش فى ذلك الخطاب التاريخى – وكان رئيسا جديدا تسلم منصبه منذ عدة شهور فقط – أسباب هزيمة الصرب فى المعركة أمام الجيش العثمانى بأنها كانت الفرقة والتشتت والتشرذم..وبالطبع كان هدف ميلوشيفتش من هذا الخطاب حشد الدعم الصربى ضد سكان إقليم كوسوفو من بقايا الأتراك الذين نزحوا إلى الإقليم عبر القرون ليستوطنوه (تماما كمشكلة الشرق الأوسط فى فلسطين)..
وكما وقع الأمر فى ألمانيا كان وقوعه فى يوجوسلافيا عقب عقود من الحكم الإشتراكى الذى لا يعترف بالقوميات بل يرى أن الدول تنشأ على أساس فكرة الإشتراكية التى تذيب القومية وتجعل من الجميع مواطنين فى المجتمع الإشتراكى الذى يتم التخطيط فيه مركزيا بلا خلفية قومية ولا نظر للأعراق بل نظر فقط لمصلحة الجماعة التى تدين بالإشتراكية..
والحقيقة أن عقود الحكم الإشتراكى بما صاحبها من إخفاقات إقتصادية وكبت للحريات مقارنة بما كان يتمتع به المواطن فى المعسكر الغربى – سواء فى مجال الإقتصاد أو فى مجال الحريات – لم تفلح فى قتل الروح العرقية أو القومية المغالى فيها والتى كانت سائدة فى معظم نواحى أوروبا الشرقية قبل نزول الستار الحديدى عام 1946..
فألمانيا الشرقية التى كانت تربى النشء على مبادىء من إنكار الروح القومية وتغليب الروح الإشتراكية كانت بعد أن أزيح الغطاء عن أنشطة شعبها مرتعا للفكر النازى ومركزا لنشر تلك القراءة النازية للتاريخ..
وكانت النتيجة الطبيعية لمثل تلك التأجيجات الديماجوجية أن إشتعل البلقان ودخلت كل مناطقه فى حروب عرقية دينية وكأن الإنسانية لم تخط خطوة واحدة للأمام خلال القرن العشرين.. فأيدت أوروبا الغربية الكروات الكاثوليك وأيدت روسيا التى بقيت من الإتحاد السوفيتى صربيا الأرثوذكسية ووقف الجميع فى إنتظار موقف الولايات المتحدة التى كانت تحت رئاسة بوش ومن بعده كلينتون عازفة عن القيام بدور الشرطى بعد أن خرجت من حرب الكويت منتصرة نصرا مشكوكا فى إكتماله بسبب بقاء صدام فى السلطة ثم أهينت فى الصومال البلد الأفريقى البدائى، فما بالك بالدخول إلى مستنقع بلد متطور مثل يوجوسلافيا يحمل كل تلك المواريث التاريخية المعقدة والدامية؟


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles