Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-17

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى 

المنهج التجريبي في أول عصر النهضة، ثم جاء فأعطى المسلمين منهج أرسطو في أول عصر النهضة العربية على يد لطفي السيد في مقدمة ترجمة كتاب "الأخلاق".

والسؤال هو: هل حقا كان لطفي السيد أستاذ الجيل صادقا فيما قال وفيما دعا إليه العرب والمسلمين من اتخاذ أرسطو منطلقا إلى النهضة الجديدة، وقد مضت كتاباته وكتابات طه حسين وغيره من بعده دعوة ملحة إلى هذا الطريق. أم أن الأمر كان فيه شبهة وخدعة؟!.
وهل كان حقا (أرسطو) هو منطلق الحضارة الغربية في عصر النهضة وما بعدها، أم أن أول عمل قامت به النهضة هو نقض أرسطو وتزييفه، والحملة على منهجه واعتبار منهجه هو عامل التجميد الذي عاش فيه الغرب معتقلا قرونا حتى جاء نور الفجر مع منهج التجريب الإسلامي الذي أطلق الطاقات إلى عصر العلم الحديث، ندع هذا للباحثين، لقد كان علماء المسلمين انطلاقا من القرآن هم الذين أنشأوا المنهج العلمي التجريبي الذي كان أول حجر في بناء الحضارة والعلم بشهادة:
دراير وبريفولت وجوستاف لوبون في القديم، وسارتون وهونكه وغيرهم في العصر الحديث ومن أهم الكتب في هذا الشأن كتاب هونكه "شمس الله تشرق على الغرب"وكتاب "أوربا ولدت في آسيا".
إذن فلم يكن لطفي السيد صادقا في دعواه ولم يكن عميد الأدب العربي طه حسين أمينا حين نقل إلينا هذا المعنى، ذلك أن المسلمين نقدوا أرسطو أولا (في القرن الرابع الهجري)، ثم جاء الأوربيون فنقدوه ورفضوه فى القرن (الخامس عشر الميلادى)، واستعملوا أسلوب المسلمين في نقده، والتمسوا منهج المسلمين الذي دفعهم إلى ذروة الحضارة والعلم والتكنولوجيا الآن.  إذن فلماذا هذا التعارض. يسأل عن هذا الاستشراق والاستعمار، ذلك بأنهم على حد تعبير الدكتور محمود قاسم: نقلوا المسلمين إلى أرسطو ونقلوا أنفسهم إلى منهج المسلمين (جابر وابن الهيثم والبيروني).
ذلك أن أرسطو هو الذي سيضع المسلمين مرة أخرى داخل القوقعية المنطقية التأملية ويحرمهم من ثمرات منهج التجريب الذي أنشاه دعاة الغرب.
وهكذا نجد أن هذا المنطلق على يد لطفي السيد وطه حسين وجماعة من أتباعهم يتسع ويمتد حتى يقرر: أن العرب خضعوا لمنهج اليونان وأرسطو في القديم ولما كان الفكر الحديث هو ثمرة فكر اليونان فإن تبعية المسلمين والعرب له لا يعد شيئا غريبا ولا جديدا؛ لأنهم كانوا تابعين لليونان من قبل فلا عجب أن يتبعوا ما جدده أحفاد اليونان، لم يكن أستاذ الجيل صادقا إذن ولم يكن الدكتور طه حسين صادقا في هذا، فإن المسلمين لم يقبلوا أرسطو ولم يعتنقوا فكر اليونان وإنما العكس هو الصحيح، ذلك أنهم قاوموه ونقدوه وأبانوا عن وجوه الخلاف العميق بينه وبين منطق القرآن وتصدى كثيرون منهم لهذا وفي مقدمتهم الشافعي وابن حنبل والغزالي وابن تيمية.
وقد أثبت الشيخ مصطفى عبد الرازق وأبو ريدة والنشار أن المنطق الأرسطوطاليسي هو منهج الحضارة والفكر اليوناني لم يقبل في المدارس العقلية الإسلامية، وأن المنهج التجريبي الإسلامي هو الذي عرفته أوربا بعد قرون من مطلع حضارتها الحديثة لمباينته للحضارة اليونانية، وأن اكتشاف وجود هذا المنهج لدى المسلمين يفسر روح الحضارة الإسلامية، فالحضارة الإسلامية حضارة عملية تجريبية تتجه إلى تحقيق الفعل الإنساني في ضوء نظرية حية ملموسة. كذلك، فقد كشفت الأبحاث المتعددة عن اضطراب خطير في المراجع التي اعتمد عليها الفارابي وباعتراف الدكتور محمد عبد الرحمن.  مرحبا: "أن الفكر الذي نقل إلى المسلمين من اليونان والإغريق لم يكن صحيح الأصول بل كانت صورة زائفة دخلت عليها مفاهيم السريانية والنساطرة المترجمين وعقائدهم، وكانت تهدف إلى خدمة مفاهيم دينية، ومن هنا كان فسادها في أن تعطي الفكر الإسلامي شيئا، ومن ناحية أخرى فقد تبين أن المقاومة للفلسفة اليونانية ومذهب أرسطو بالذات قد بدأت منذ أن تمت الترجمة، وأن المعارضة بدأت منذ اليوم الأول، ذلك أن الفكر الإسلامي كان قد تم تشكيله قبل الترجمة على أساس قيمه القرآنية من التوحيد والأخلاق، ومن الربط بين الوحي والعقل، ولذلك فإنه كان من العسير أن تنصهر فيه الفلسفة اليونانية أو ينصهر فيها، خاصة وهي فلسفة مجتمع وثني قام على العبودية وإعلاء الشهوات وعبادة الجسد فضلا عن أن محاذير الترجمة من فساد وانتحال وتحريف نصوص وإن كانت طائفة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم المشائين قاموا بمحاولة شاقة وعسيرة لإدخال الفلسفة اليونانية في إطار الإسلام ولكن المحاولة فشلت تماما، وكانت وقفة الإمام الغزالي في وجه الفلسفة اليونانية وقفة صارمة ردت السهم إلى صدور أصحابه فقد كشف عن الفرق بين الفلسفة الرياضية والطبيعية وبين الفلسفة الإلهية ورفض الأخيرة؛ لأنها متعارضة مع التوحيد وأعلن أن الكلام في الطبيعيات برهاني، أما في الإلهيات فهو تخميني. وفي الفلسفة الإلهية عارض الغزالي القضايا الكبرى الثلاث التي تقرها الفلسفة اليونانية وتختلف مع مفهوم الإسلام:
١ - ما يقولون به من قدم العالم.
٢ - وأن الله (جل وعلا) لا يحيط علما بالجزئيات.
٣ - وإنكارهم البعث، وهاجم الفلاسفة الذين جحدوا الصانع أو زعموا أن العالم قديم كالدهرية والزنادقة، والذين قالوا: أن النفس تموت ولا تعود ومن أنكروا الأخرة.  مرحبا: "أن الفكر الذي نقل إلى المسلمين من اليونان والإغريق لم يكن صحيح الأصول بل كانت صورة زائفة دخلت عليها مفاهيم السريانية والنساطرة المترجمين وعقائدهم، وكانت تهدف إلى خدمة مفاهيم دينية، ومن هنا كان فسادها في أن تعطي الفكر الإسلامي شيئا، ومن ناحية أخرى فقد تبين أن المقاومة للفلسفة اليونانية ومذهب أرسطو بالذات قد بدأت منذ أن تمت الترجمة، وأن المعارضة بدأت منذ اليوم الأول، ذلك أن الفكر الإسلامي كان قد تم تشكيله قبل الترجمة على أساس قيمه القرآنية من التوحيد والأخلاق، ومن الربط بين الوحي والعقل، ولذلك فإنه كان من العسير أن تنصهر فيه الفلسفة اليونانية أو ينصهر فيها، خاصة وهي فلسفة مجتمع وثني قام على العبودية وإعلاء الشهوات وعبادة الجسد فضلا عن أن محاذير الترجمة من فساد وانتحال وتحريف نصوص وإن كانت طائفة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم المشائين قاموا بمحاولة شاقة وعسيرة لإدخال الفلسفة اليونانية في إطار الإسلام ولكن المحاولة فشلت تماما، وكانت وقفة الإمام الغزالي في وجه الفلسفة اليونانية وقفة صارمة ردت السهم إلى صدور أصحابه فقد كشف عن الفرق بين الفلسفة الرياضية والطبيعية وبين الفلسفة الإلهية ورفض الأخيرة؛ لأنها متعارضة مع التوحيد وأعلن أن الكلام في الطبيعيات برهاني، أما في الإلهيات فهو تخميني. وفي الفلسفة الإلهية عارض الغزالي القضايا الكبرى الثلاث التي تقرها الفلسفة اليونانية وتختلف مع مفهوم الإسلام:
١ - ما يقولون به من قدم العالم.
٢ - وأن الله (جل وعلا) لا يحيط علما بالجزئيات.
٣ - وإنكارهم البعث، وهاجم الفلاسفة الذين جحدوا الصانع أو زعموا أن العالم قديم كالدهرية والزنادقة، والذين قالوا: أن النفس تموت ولا تعود ومن أنكروا الأخرة.  ويقول الدكتور النشار: أن المنطق الأرسطاليسي قد نقل إلى العالم الإسلامي وأثر فقط في المدرسة المشائية الإسلامية وبقيت المدارس الأخرى المنبثقة عن النظام الإسلامي بعيدة كل البعد عنه، تحاربه وتجاهده، وكانت قد وضعت منطقا مختلفا تمام الأختلاف في روحه وجزئياته.
وقد وصل علماؤنا في مجال البحث من منهج أرسطو إلى حقيقة أساسية هي أن: منطق أرسطو يعبر تعبيرا دقيقا عن المجتمع اليوناني العبودي المنقسم إلى سادة يتأملون وعبيد يعملون، السادة هم الصورة والعبيد هم المادة، ولكن المجتمع الإسلامي يختلف عن المجتمع اليوناني اختلافا كبيرا تقوم دولته على الأخوة والمساواة وتنطلق من نقطة النظر في السموات والأرض والعمل والكسب والسعي والتجريب.
ومن هنا اختلف منهج المجتمع الإسلامي عن مجتمع اليونان من جملة جوانب أهمها:
التوحيد وإلغاء العبودية والممارسة في مجال العلم، وبذلك بدأ ذلك التعارض الواضح العميق بين مجتمع ومجتمع وفكر وفكر خرج الفكر الإسلامي من الطبقة الأرسطية التي ترى أن العلم لا يكون إلا بالكلي أما العلم الجزئي فليس علما، فتقدم الفكر الإسلامي فحطم هذه القاعدة.
وقد صور كثير من الباحثين أثر منهج أرسطو فوصفه الدكتور محمود قاسم بأنه كان منهجا عقيما، وأنه ضلل كثيرا من مفكري العرب، ثم وقف حائلا دون ازدهار الحضارة العربية، ويرجع عقمه إلى أنه كان خلوا من الخيال، وأنه كان أكثر اهتماما بالقضايا العامة المجردة منه لدراسة التفاصيل والجزئيات، يستدل على صدق دعوانا وتواضعها بتاريخ النهضة الأوربية، فإنها لم تتحرر من الجمود الذي فرضه عليها منهج اليونان إلا بعد أن عرفت مناهج العرب في العلم والفلسفة ولنا أن نستشهد برنيان نفسه، ذلك أنه
يصف (روجر بيكون) بأنه الأمير الحقيقي للفكر الأوربي في القرن الثالث، ويجب أن تعلم كيف جاءته إمارة الفكر، إذ ليس في هذا المجال خلق من العدم ومن اليسير أن نكتشف سر أصالته إذا نحن بينا أنه أول من نادى بمهاجمة المنهج الأرسطاطاليسي في أوربا ودعا إلى اصطناع نهج العرب فهو يأخذ على معاصريه بأنهم يصبون لعناتهم على الرياضة من أنه من الممكن أن يبرهن بالرياضة على كل ما هو ضروري لفهم الطبيعة ولولا الرياضة لاستحال علينا أن نعرف أشياء هذا العالم معرفة صحيحة تعود علينا بالنفع في الأمور الإنسانية والأمور الدينية أيضا، كذلك يأخذ عليهم الانصراف عن استخدام الملاحظات والتجارب مع أن الطبيعة لا تكشف أسرارها إلا بدراسة الأمور الجزئية حتى تصعد بنا إلى القوانين الكلية".
وهكذا انتصر المنهج الإسلامي على المنهج الأرسطي وحطمه في عقر داره بعد أن حطمه في مجال الفكر الإسلامي نفسه.
فإذا أردنا أن نتبين فكر أرسطو وجدناه يقول بالنظام العبودي اليوناني ويرى أن (نظام الرق) هو أصلح نظام للبشرية وأن العبد إذا تحرر من عبوديته فهو عبد والأمير إذا استعبد فهو أمير، ومفهومه لله تبارك وتعالى ناقص وضال وماديته في التفكير بكونه أساس المذهب المادي واضح لا شبهة فيه، ولذلك فقد كان لا بد أن يصحح الفكر الإسلامي موقفه من أرسطو وفلسفته وخير ما يذكر في ذلك ما كتبه الإمام الجليل ابن تيمية في كتابه "منطق القرآن في مواجهة منطق أرسطو".
يقول أحد الباحثين: أن لطفي السيد هو أول من ضرب وحدة الفكر العربي الإسلامي وقسمه إلى تيارين: قومي وديني وسارت الأحزاب المصرية المنبثقة من حزب الأمة (الوفد، الأحرار الدستوريين) على نفس الطريق الذي رسمه كرومر ونفذه لطفي السيد، والذي كان سعد زغلول أكثر إيمانا به، وقد.  حمل لواءه سعد زغلول بعد ثورة ١٩١٩ واستطاع هذا الاتجاه أن يسيطر بعد الاستقلال وأن يمتلك نفوذ الحكم والسيطرة السياسية بينما وقف الاتجاه الإسلامي في حدود ضيقة وبرز من خلال الجمعيات الإسلامية والأزهر بعد أن انتشرت حركة التبشير في الجامعة الأمريكية وسقوط الخلافة، وظل مسيطرا حتى أسلم نفسه لحركة يوليو التي عمقت خطر العلمانية تعميقا كبيرا، وفتحت الباب واسعا أمام الماركسية اللينية.


* عبد العزيز فهمي الداعي إلى استبدال العربية بالحروف اللاتينية:
صديق لطفي السيد ورفيق عمره، دعا إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية، ولدت دعوته ميتة، وتصدى له العلامة أحمد شاكر كما مر بنا.


* إسماعيل مظهر ساهم في نقل الدارونية إلى الشرق الإسلامي:
دعا إسماعيل مظهر إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ حضارته دون وعي وتمييز. وكان ضمن ثلاثة أسهموا بصفة بارزة في نقل الدارونية إلى الشرق بطريق الترجمة المباشرة وبالدراسة المستفيضة في الصحف هم: شبلي شميل وسلامة موسى وإسماعيل مظهر (١)، والأولان نصرانيان أشهرا إلحادهما وكفرهما بكل دين (٢)، أما الأخير فمسلم الأصل إلا أنه كتب ما لا يتردد أحد في نسبة قائله إلى الكفر، وكان لكتبهم وأبحاثهم الأثر الكبير في جيلهم ومن تلاه.
وكتب إسماعيل مظهر في عدد مارس ١٩٢٨ م من مجلته مقالا،. .جاء فيه:
"أما تفكير الإنسان الجدي فأصبح في تحديد علاقته لا بواجب الوجود ولكن بالكون، فبعد أن أسقط العلم الإنسان عن عرش الملائكة العلوي وأنزله إلى أفق الحيوان، أخذت الإنسان فكرة جديدة ليست بأقل إشكالا من الفكرة التي ملكت زمامه من ناحية الأديان ".
"بعد أن أظهر النشوئيون أصل الإنسان الحيواني، وأثبتوه علميا (! ) وبعد أن أثبت الجيلوجيون قدم الأرض والفلكيون قدم النظام الشمسي وأظهر هؤلاء بأبحاثهم سلسلة التدرج الطويل التي مضى عليها الكون لينتهي بظهور الحياة فوق الأرض أخذ العقل الإنساني سمته نحو التفكير كما هي عادته فيما يختص وراء هذه السلسلة الطويلة من قصد، وهل كانت متجهة بكل ما فيها من الصور لأن تنتهي بالإنسان على أنه القصد الأخير منها؟ "
"أما الثابت حتى اليوم فليس مما يرضي التفاؤل في مصير الإنسان، ولست أدري لماذا لا يشارك الإنسان الحيوانات في نهايتها المحزنة ما دام يشاركها في بداياتها الجميلة" (١)، وينتهي تأثره بداروين إلى قوله:
"اكتفت الأديان بالقول بأن الغاية من خلق الإنسان والجن هي أن يعبدوا الفه، فكرة حسنة ولكنها غير صحيحة (! ) إذ لو صح هذا إذن لاعتقد بجانبه بأن الله في حاجة لأن يعبده الإنس والجن (! ) ولظهر النظام الكوني في مجموعه بمظهر شيء ما خلق إلا ليعضد الحياة الإنسانية التي يجب أن تسخر لعبادة الله، وهذا في معتقدي أبعد الأشياء عن أن يكون الغاية من وجود الإنسان" 
.والحق إن إسماعيل مظهر لم يكن إلا نموذجا لكتاب كثيرين يتفاوتون في درجة التصريح بما يعتقدون لكنهم متساوون في المنطلق والغاية مثل منصور فهمي ولطفي السيد وأمين الخولي وطه حسين وأخيرا صادق العظم (صاحب كتاب نقد الفكر الديني)، وآخرين ممن لا تأويل لما يكتبون إلا الخروج على الإسلام غير أن بعضهم تخفى تحت أقنعة البحث العلمي أو التمذهب الأدبي حتى لا يصدم مشاعر الجماهير فتنصرف عن إنتاجه" (١).


* إسماعيل مظهر، نصير السفور، عدو الحجاب:
جمع إسماعيل مظهر شبهاته وآراء غيره ونسقها في كتاب أسماه "المرأة في عصر الديمقراطية"جاء فيه:
"ومضى الكثيرون متعامين عن الحق الواضح الجلي قائلين بأن قضية المرأة قضية محلولة وأن الزمن القديم قد وضع لها القواعد وفصل الفصول وأتم الفروع، مؤتمين في ذلك بنظريات وأقوال أبلاها الزمن وناء عليها الدهر، فأصبحت مهلهلة فضفاضة بادية العورات، ولكنهم يحاولون ستر عوراتها بالثرثرة الفارغة كقولهم: "المرأة للبيت"وقولهم: "الرجل قوام على المرأة"وقولهم كما قيل من قبل: "المرأة ليس لها نفس" ... " (٢).
وفيه: "لقد اتخذ الرجعيون الذين يرهبون التطور فرقا من أوهام سلطت عليهم أو رغبة في بسط سلطانهم على النساء .. من بضعة نصوص أشير بها إلى حالات قامت في عصور غابرة سبيلا إلى استعباد النساء استعبادا أبديا، لقد حضت المرأة في ذلك العصر أن تقر في بيتها، وأن لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى" (٣)، ثم أخذ يناقش كلا الدليلين.  ."إن المعنى الذي يستخلصه أصحاب الرجعية من حض المرأة على أن تقر في البيت معنى غامض كل الغموض في هذا العصر. وبالرغم من ذلك الغموض الذي يكتنفه فإنهم لا يريدون أن يفسروه حتى تتحدد المعاني القائمة في نفوسهم منه.
أما إذا أرادوا أن تكون المرأة سجينة البيت فكيف يوفقون بين هذا المعنى وبين حاجات الحياة الضرورية؟ وإذا أرادوا أن يكون تفسيره أن تقر المرأة في البيت إذا لم يكن لها ما يشغلها خارجه، فذلك هو الواقع في حياتنا الحديثة" (١).
" .. ولكن المصيبة التي أصابنا بها أولئك المستغرقين (كذا) في النظر في الحياة بمنظار القبلية البدائية، أنهم يعتقدون أن كل تجمل تبدو به المرأة هو تبرج وأنه تبرج الجاهلية الأولى، ذلك في حين أن كلمة "التبرج"ليس لها حدود التمرينات الرياضية، وفي حين أنه لم يصلنا عنهم وصف شامل لتبرج الجاهلية الأولى!! ".
" .. فغالب الظن بل الأرجح تغليبا أن المقصود به (أي التبرج) عادة ألفت في الأزمان الأولى كانت في نشأتها شعيرة من شعائر الوثنية، أي شعيرة دينية، فإن البغاء على ما يعرف الآن من تاريخه وتطوره قد نشأ في أوله نشأة دينية، فكان شعيرة من شعائر التقرب من الآلهة .. ".
ثم يقول:
"فلما جاء الإسلام .. عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المتشرعين"، " .. غير أن خمسة عشر قرنا من الزمان كافية.  .في الواقع لأن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة .. ".
"ومن هذه الناحية لا أرى ما يمنع مطلقا من أن ترفع المرأة إلى منزلة المساواة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية: في الميراث وفي قبول الشهادة وفي العمل وفي الاستقلال الفكري والاقتصادي، وبالجملة في جميع الأشياء التي تكمل بها إنسانيتها، ذلك بأنها إنسان" (١).


* ولي الدين يكن نصير السفور:
مر ذكره من قبل، قال ناصرا للسفور:
"أزيلي الحجاب عن الحسن يوما
وقولي مللتك يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني .. فرح ذاهبا هأنا ذاهبه" (٢)


* إسماعيل أحمد أدهم والدعوة إلى الإلحاد:
انتشر الإلحاد في العصر الحديث -أو على الأقل الشك واللا أدرية- وشكل ظاهرة بين المفكرين والمثقفين.
و"كان من ضمن القائمين بهذه الحركة (إسماعيل أحمد أدهم) الذى جاء إلى مصر (من تركيا بعد إعلان العلمانية) وحاول نشر الأفكار الإلحادية بين أهلها. وقد ألف رسالة صغيرة عنوانها:"لماذا أنا ملحد؟ "وطبعها في مطبعة التعاون بالإسكندرية ومما جاء فيها: "أسست جماعة نشر الإلحاد بتركيا، وكانت لنا مطبوعات صغيرة أذكر منها: ماهية الدين، قصة تطور الدين ونشأته، العقائد، قصة تطور فكرة الله، فكرة الخلود"، "وبعد هذا.   .فكرنا في الاتصال بجمعية نشر الإلحاد الأمريكية، وكان نتيجة ذلك تحويل اسم جماعتنا إلى "المجمع الشرقي لنشر الإلحاد"، وكان صديقي البحاثة إسماعيل مظهر في ذلك الوقت -١٩٢٨ - يصدر مجلة العصور في مصر وكانت تمثل حركة معتدلة في نشر حرية الفكر والتفكير والدعوة للإلحاد" (١)


* الزنديق جميل صدقي الزهاوي الملحد، عدو الحجاب:
ملأ الملحد جميل صدقي الزهاوي الشاعر العراقي ديوانه بالأفكار الإلحادية التي لا تخرج في جملتها عن نظرية داروين أو نظرية هيكل الأثيرية التي هي في الواقع امتداد للداروينية، من ذلك قوله:
إني أفكر في الطبيعة فاحصا ... فيعد تفكيري من الإلحاد
... ووجدت أن الكائنات سلالة ... لا فرق بين خفيها والبادي
أما الزمان فإن في دورانه ... ما يربط الآزال بالآباد (٢)
وقوله:
ما حياة قديمها غير باد ... لك إلا تطور في جماد
إنها تتبنى لها في نظام ... كل ما يقضي حاجتها من عتاد (٣)
(كذا)
ومن رباعيته:
ما نحن إلا أقرد ... من نسل قرد هالك
فخر لنا ارتقاؤنا ... في سلم المدارك (٤)
.بل نجده يهجو المخالفين لنظرية داروين من معاصريه:
إن الذين عن الأقراد قد بعدوا ... لم يجحدوا أنهم منهن قد ولدوا
وناصر حركة "تحرير المرأة"المشبوهة، وكان نصيرا للسفور فقال:
هزأوا بالبنات والأمهات ... وأهانوا الزوجات والأخوات
هكذا المسلمون في كل صقع ... حجبوا للجهالة المسلمات
سجنوهن في البيوت فشلوا ... نصف شعب يهم بالحركات
منعوهن أن يرين ضياء ... فتعودن عيشة الظلمات
... إن هذا الحجاب في كل أرض ... ضرر للفتيان والفتيات (١)
 
* درية شفيق زعيمة حزب بنت النيل وصلتها بالغرب والدوائر الصليبية واليهودية
"لما كان عامل المنافسة بين العاملات المأجورات لترويج الحركة النسوية في مصر من دواعي السرعة لبلوغ المراد عند الاستعمار، فقد عمل على انشاء حزب نسائي جديد سنة ١٩٤٥ أطلق عليه "الحزب النسائي"ولم يخرج هذا الحزب قليلا أو كثيرا في أهدافه عن أهداف الاتحاد النسائي، وإن كان المعلوم بالضرورة أن إنشاء هذا الحزب كان لمجرد التجديد في وسائل الإغراء والفساد.
وعلى هذا النمط قام الحزب النسائي الثالث باسم حزب بنت النيل الذي تتزعمه درية شفيق ..
وقصة إنشاء هذا الحزب ترتبط بقصة زعيمته، وتعطي صورة ناطقة.   لحقيقة النوع المختار من النساء لإشعال نار الفتنة، للإتيان على كيان الأسرة المسلمة من القواعد.
ولعل كثيرا من الناس يجهلون كيف نشأت هذه السيدة نشأة غامضة، فقد انتسبت للجامعة في مستهل عهدها بقبول الفتيات طالبات فيها إلى جانب الفتيان، حيث استطاع لطفي السيد أن يتحدى الرأي الإسلامي بقوة واقتدار، معلنا ذلك للملأ بقوله بالنص: "ويتصل بخطأ الجماهير في فهم رسالة الجامعة وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام. وفي هذا المقام يسرني أن أؤكد لكم أني لم أتعرض إلى جزئية من الجزئيات تجعلني أندم ولو
وقتيا على ما شرعته الجامعة من هذه الخطة من غير أن تستفتي العرف العام".
ومن خلال هذا التحدي الجامعي كانت السيدة وهي طالبة تبالغ في إبراز فتنتها وجمالها حتى لقد كان يتألم من مظهرها الأساتذة والطلاب، ومع ذلك فقد واصلت دراستها حتى تخرجت، ثم سافرت -وحدها بالطبع- إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه التي كان موضوعها مرتبا بما تعلقه على نفسها من المساهمة في سبيله في مستقبل أيامها .. لقد كان موضوعها يتعلق بموقف الإسلام من المرأة .. وبالطبع موقف الإسلام الذي تفهم حضرتها من سماحته ما لا يتعارض مع فسوق أو فجور .. ومن خلال رحلتها تزوجت بمصري معروف يرأس اليوم تحرير إحدى الجرائد الكبرى، وكان هو الآخر طالبا هناك حينئذاك إلا أن الزواج لم يطل أكثر من شهر لأسباب غير معلومة. وعادت إلى مصر فاجتهدت في أن تدرس بالجامعة، ولكن الجامعة وقفت دون رغبتها؛ لأنه كان في الغالب فرق بين قبول أمثالها طالبة وبين قبولها كمدرسة للجيل .. أيا كان هذا الجيل ..
وهناك بدأ يزداد الغموض في حياتها .. فمن شقة متواضعة إلى شقة مترفة وأثاث ورياش إلى ظهور في المجتمعات والحفلات إلى رحلات متعددة.   بين مصر وأوربا، وفي خلال بضع سنوات تزوجت من أحد مدرسي الجامعة الشبان الذين ما لبثوا أن صاروا من أساتذة الجيل.
وفي سنة ١٩٤٩ - أي بعد فترة وجيزة من هذا التصريح- فوجئ الشعب بإنشاء حزب نسائي جديد ترأسه المرأة الغامضة .. ولم يمض قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ ثلاث مجلات تطبع في حجم كبير وعلى ورق مصقول، اثنتان منها باللغة العربية والثالثة باللغة الفرنسية عدا المطابع المجهزة، والسيارات الفاخرة ..
وأخذ الناس يتساءلون عن موارد السيدة الغامضة، ومن أين لها هذا الخطر، ولكنها لم تمهلهم حتى أمطرتهم بوابل من القذائف الرائشة على الدين والأخلاق، لتشغلهم عن نفسها بالأخذ والرد والجذب والشد ..
 
* ترحيب الصحف البريطانية:
وفي خلال أشهر من تكوين الحزب سافرت حضرتها إلى إنجلترا فقوبلت بحفاوة عظمى قيل: أنه لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها، ورحبت بها الصحف البريطانية بدون استثناء ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده .. أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
ونحن نكتفي بالإشارة إلى عينة من أحاديثها هناك وكان مع مراسل جريدة "ذى سكتشمان"الذي كتب يقول:
"إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق: منح المرأة حق الأقتراع وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر"وتقول: "إن الطلاق في مصر بوضعه الحالي أمر يسير.  جدا فالزوج المسلم له الحق في أن يطلق زوجته بمجرد قوله: أنت طالق أما فيما يتعلق بتعدد الزوجات، فإنه لا يزال شائعا بين الطبقات الفقيرة".
 
* انكشاف المستور:
وبلغ التوتر مبلغه ونهض رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق على قلب رجل واحد يجابهون الاستعمار في شخص هذه السيدة أمام أعظم حصن من حصون الإسلام وهو الأسرة المسلمة، ووقف الاستعمار بأمواله ونفوذه .. وانكشف بعض المستور حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة. ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة، وكم كانت الدهشة كبيرة، وإن لم تكن مفاجئة بطبيعة الحال، إذ
علم أنه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنويا، عدا الورق المصقول وغيره فضلا عن تقديم المشورة والتوجيه.
على أن هذه الاستقالة لم تكن وحيدة في ذاتها وفي أسبابها، بل لقد تبعتها وسبقتها استقالات أخرى وأنه كان مما يلفت النظر منها، استقالة السيدة درية جمعة من كبيرات نساء الحزب، وهي الاستقالة التي نشرتها جريدة الأهرام، وعلق عليها رئيس تحريرها في الصفحة الأولى في ذلك الوقت، حيث اعترفت السيدة المذكورة بفساد الأصول التي يقوم عليها مجتمع نسائي كهذا، واكتفت بالإشارة إلى خطورة هذا الفساد بقولها ما نصه: "وإني لا أدري الحكمة من اشتراك الرجال في حزب نسائي، لذلك أقدم استقالتي"، وكان تعليق رئيس التحرير وهو من أعلم الناس بالزعيمة المحترمة طبعا، إذ زاد على ذكر الرجال فقرر عن أن الكثيرين منهم من الشباب ومن الشباب الأعزب بالذات. 
   * وزيرة الشئون البريطانية تتفقد الهيئات النسائية في مصر:
ومن هنا أيضا لم يدهش الشعب المصري لزيارة وزيرة الشئون الاجتماعية البريطانية مسز "سمر سكيل"حيث تفقدت الأحزاب النسائية في مصر، وعقدت الكثير من الاجتماعات مع زعيماتها وفي مقدمتهن هذه السيدة الغامضة، وختمت زيارتها بحديث من محطة الإذاعة المصرية تقول فيه للمصريين ما نصه: "إنني أتحدث إليكم كامرأة وامرأة متزوجة وكمصلحة اجتماعية وكطبيبة فأقول لكم كامرأة: إن الرجال وحدهم لا يستطيعون الفوز في هذا الصراع الذي يشن من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، ولن تكسبوا هذه الحركة إلا إذا اشتركت المصريات مع المصريين في الكفاح الوطني على قدم المساواة".
نعم إنه لعجيب حقا أن تتحرق الوزيرة البريطانية غيرة على نجاح مصر في كفاحها من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، وتتحدث عن الكفاح الوطني الواجب لمصر من أجل الحرية والسيادة، في الوقت الذي كانت تنكر فيه الحكومة البريطانية مطالب مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل!.
 
* توجيهات الاستعمار:
ومن ذلك التاريخ نحت رئيسة بنت النيل في ظل من الحماية الأجنبية منحى جديدا في بابه، استغله أذناب المستعمر في الأحداث الوطنية التي حدثت قبل إلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦ وبعدها فكان الهدف هو إشغال الرأي العام بقضية المرأة في مصر، عن التفرغ لقضية الوطن!.
ففي إبريل سنة ١٩٥١، خرجت مظاهرة، من قاعة أيوارت بالجامعة الأمريكية ذات التاريخ الطويل في التبشير -قوامها بضع عشرات من الفتيات الكاسيات، تتقدمهن زعيمة الحزب المذكور. وبعض الشباب من أصدقاء.  حزبها وأنصاره .. إلى أين؟! إلى دار البرلمان، هاتفات بالحقوق السياسية المزعومة!!
ولقد اعترفت الزعيمة المحترمة بمقابلة الوزيرة البريطانية وتحريضها لها فنشرت حديثا بجريدة البلاغ بعد ذلك بيومين تبين أثر المقابلة في عزمها على "ترك المقالات والمناقشات والمجادلات، والاتجاه إلى المظاهرات واقتحام أبواب البرلمان"، وذلك تمشيا طبعا مع مغزى الكفاح الوطني المزعوم الذي ترمي إليه الوزيرة البريطانية، والذي تشترك فيه المرأة مع الرجل على قدم المساواة .. !
وهكذا لم يكن عجيبا أيضا أن تبرق جمعية سان جيمس الإنجليزية إلى الزعيمة المذكورة بتهنئتها علي نجاحها في اتجاهها الجديد نحو المظاهرات وتعلن تأييدها لها حتى تنال المرأة المصرية على يديها الحقوق السياسية، تحت قبة البرلمان وفوق كراسي الوزارة.
 
* مؤتمر أثينا النسائي الدولي .. وسياسة التسلح الدفاعي:
وفي إبريل سنة ١٩٥١ عقد مؤتمر نسائي دولي في أثينا، لبت دعوته الزعيمة باسم المرأة المصرية -زورا وبهتانا- ومع أن المؤتمر في ظاهره يدعو إلى حقوق المرأة المزعومة، فإن قراراته كشفت عن أنه مؤامرة استعمارية بعيدة المدى، فقد جاء في أحد هذه القرارات: "الموافقة على سياسة التسليح الدفاعي"، ومع أن مصر كانت وما زالت بطبيعة الحال ترفض أي ارتباط دولي في شئون الدفاع، فإن الزعيمة المصرية كانت في مقدمة المؤيدات للقرار تأييدا حارا، حتى أن مندوبتي إنجلترا واليونان ظلتا تصفقان للقرار تصفيقا شديدا طويلا!.
ولعل أبلغ ما قوبلت به الزعيمة المحترمة على إثر عودتها من هذا المؤتمر، كان من بعض سيدات الأحزاب النسائية الأخرى "سيزا النبراوي"إذ كتبت في جريدة المصري الصادرة يوم ٩ أبريل سنة ١٩٥١ تقول: "لعل. المندوبة المصرية قد أدركت خطورة هذا القرار على مطالبنا الوطنية، فإن الاحتلال البريطاني يتذرع بهذه الحجة عينها "حجة التسلح الدفاعي"للبقاء في أرض الوطن ورفض الجلاء الذي نناضل من أجله، إن هذا القرار في الحق لا يقاوم الحرب، وإنما يؤيد الاحتلال، لذلك رأينا المندوبة البريطانية مصفقة له مرحبة به".
 
* مؤتمر ستوكهلم .. وتثبيت دعائم إسرائيل:
على أنه قد أثبتت الحوادث فوق ذلك أن هذه الحركة النسائية المصرية لم يقف تواطؤها مع الاستعمار الغربي عند حد تثبيته في مصر والشرق فحسب، بل إننا لا نغالي إذا قلنا عنه أنه كان يسخر لتثبيت دولة إسرائيل المزعومة، لتظل شوكة قوية في ظهر الدول العربية والإسلامية وقد اتضح ذلك بجلاء حين اشتركت المندوبة المصرية في المؤتمر النسائي الدولي الذي أقيم في استوكهلم وجاء من ضمن قراراته الاستعمارية قرار يقضي بمطالبة وزير داخلية السويد -التي عاصمتها ستوكلهم طبعا- بإنزال أشد العقوبات على مسيو "انيرابر"الصحفي السويدي المعروف، لمواصلته أعمال الدعاية ضد الصهيونيين في السويد".
وقد كتب مسيو انيرابر على أثر ذلك إلى الجامعة العربية والحكومة المصرية، يستنكر موقف مندوبات مصر في ذلك المؤتمر لموافقتهن على هذا القرار ..
 
* زعيمة هندية تعلن استغلال الاستعمار الغربي للحركات النسائية:
هذا وقد كان من أثر جلاء الغاية التي يسعى إليها الاتحاد النسائي الدولي بمؤتمراته الخطيرة في استغلال مندوبات الدول الواقعة تحت النفوذ الاستعماري الغربي لتثبيت دعائم الاحتلال في هذه البلدان .. أن هبت. الزعيمة الهندية "كاميلا ديفي"في وجه هذا الاتجاد وهي عضو أصلي فيه، وأعلنت استقالتها منه. وأذاعتها في كثير من الصحف العالمية، ونشرتها لها جريدة المصري هي الأخري في ٢١ أبريل سنة ١٩٥١ حيث قالت هذه الزعيمة: إنها تعلن استقالتها من الاتحاد النسائي الدولي؛ لأنه واقع تحت سيطرة الدول الغربية الاستعمارية، ويعارض مجهودات السلام، وخاصة وقف الحرب في كوريا.
ولعل أبلغ دليل على أن زعيمة النيل .. المصرية كانت ترتبط بتعليمات أجنبية معادية، هو ما أيدته الوقائع من خلال الفترة التي ألغيت فيها المعاهدة المصرية الإنجليزية وقامت فيها الأمة قومة رجل واحد لحرب الإنجليز في القتال، وترويع أمنهم وقطع المئونة عنهم، وانسحاب العمال المصريين من معسكراتهم، حتى قيام حركة الجيش وما بعدها .. فقد حدث أن سقطت وزارة الوفد على إثر حريق القاهرة المعروف، وجاءت على إثرها وزارة علي ماهر حيث تنفست الزعيمة الصعداء وقويت شوكتها، خاصة بعد أن أعلن عدم اعتراضه لطريق الداعيات لحقوق المرأة لأنهن -علي حد تعبيره- نصف أمة الذي لا يجوز أن يشل .. ثم لم تلبث وزارة علي ماهر أن سقطت هي الأخرى وجاءت على إثرها وزارة الهلالي وحل البرلمان وفكرت الحكومة في تعديل قانون الانتخاب، وهناك ظهر نفوذ الاستعمار لصالح الزعيمة حينما رفعت الصوت من خلال هذه الأحداث الوطنية على خطرها منادية بحق المرأة في الانتخاب والترشيح وبضرورة إيجاد نص في القانون يجعل النساء سواسية مع الرجال إزاء هذا الحق المزعوم ..
 
* الزعيمة تستنجد ببريطانيا:
وإني أذكر أننا قابلنا المسئولين في وزارة نجيب الهلالي لنحول دون النص فطلب إلينا أن نعبئ الأمة للمقاومة وإلا نجحت الهيئات النسائية في.    بلوغ مرادها بكل قوة! فلما قامت قومة رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق بحملتهم الناجحة التي أحبطت كيد الاستعمار وأذنابه وأسندت ظهر الحكومة أمام الخطر، اضطرت الزعيمة إلى الاتصال بإنجلترا رأسا، فلجأت على الفور إلى مندوب الإذاعة البريطانية في مصر مستر باتريك سميث ليرفع إلى بلاده شكوى عميلتها من الحكومة المصرية.
ولذلك لم يعجب هؤلاء الذين استمعوا إلى المذيع البريطاني المذكور حينما تكلم إلى بلاده حينذاك فقال في رسالة ما ملخصه: "جاءتني الدكتورة درية شفيق زعيمة حزب بنت النيل، وقد شكت إلي من أن الجهات المسئولة في مصر تعارض بشدة مطالبتها بحقوق المرأة السياسية وكفاحها لأجل تمثيل المرأة داخل البرلمان المصري، وطلبت مني أن أناشد الصحف البريطانية كي تؤازرها بكل ما تستطيعه، وأن تضغط على الدوائر المصرية حتى تكف عن معارضتها القائمة، ثم أوصى حضرته في رسالة بضرورة مؤازرة هذه الزعيمة في دعوتها إلى تحرير المرأة المصرية، عملا بميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي تحتكم إليه الزعيمة والذي ينص على تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية بين الرجال والنساء في الدول الأعضاء التي بينها مصر".
 
* الزعيمة في مؤتمري لندن ونابلي:
وفي مستهل العهد الجديد وفي وزارة علي ماهر الأخيرة على وجه التحديد ومن خلال تلك المرحلة الحاسمة التي كان يتقرر فيها مصير الحركة، وينساق كل مشبوه سياسي إلى مكان بعيد عن مسرح الثورة لكي تأمن شرورهم في الداخل والخارج على حد زعمها، فوجئ الشعب بسماح علي ماهر لهذه الزعيمة بالسفر إلى لندن لحضور المؤتمر النسائي الدولي هناك ثم انتقالها بعد ذلك على الفور لحضور انعقاده في نابلي بصحبة مندوبة إنجلترا لأنها عضو أصلي به على خلاف الدكتورة درية شفيق التي كانت مندوبة زائرة   فقط تسعى للحصول على صفة العضوية الأصلية بواسطة المندوبة الإنجليزية المذكورة ..
وقد استقبلت الصحف البريطانية جميعها على عادتها قدوم الزعيمة استقبالا حارا علقت عليه بعض الصحف المصرية -في دهشة- بأنه استقبال لم يحدث له مثيل، وهناك أدلت الزعيمة بتصريحات خطيرة قالت في إحداها - ما نشرت جريدة الديلي اكسبريس: "إن نظام الحكم الحاضر -الذي كان يتزعمه محمد نجيب- يوفر الحياة الحرة لكل فرد من مواطنيه ولذلك فقد يكون الوقت قد حان لنا نحن النساء لكي نتمتع ببعض حقوقنا القانونية بعد زمن طويل".
وفي خلال الأسبوع الذي أقامته في إنجلترا كانت محل عناية خاصة دون غيرها من وفود الدول الأخرى، وقابلها المسئولون هناك مقابلات خاصة متصلة متكررة رسمت فيها من الاتجاهات ما كان له أثر كبير في تقوية أملها في بلوغ الأهداف التي يدفعها إليها أعداء الإسلام ..
 
* الزعيمة .. وإسرائيل:
ومن ثم اتجهت إلى روما بصحبة المندوبة الإنجليزية سالفة الذكر ومندوبة إسرائيل أيضا مدام "تبهيلا مانمون"حيث كان همها كما قلت: أن يقبلها المؤتمر عضوا أصليا كي يكون لها قوة الأشتراك دي توجيه السياسة النسوية الاستعمارية لا في مصر وحدها، بل في مختلف الدول الأعضاء وليكون لها بحكم هذا الوضع مساهمة فعالة من حيث وضع إسرائيل كدولة يدخل تثبيت قواعدها في نطاق عمل المؤتمر .. كما سيتبين بعد.
فمع أن الدول العربية قد أصدرت تعليماتها إلى مندوبيها في المجتمعات والمحافل الدولية وإلى سفرائها ووزرائها المفوضين في مختلف الدول كي يقاطعوا مقاطعة تامة شاملة، كل الأوساط التي تجمع الدبلوماسيين.  الإسرائيليين، وكي يصدروا عن حزم وعزم في احتقارهم وعدم الأعتراف بوجودهم، حتى لقد أنشأت الجامعة العربية في جلسة اللجنة السياسية المنعقدة بالقاهرة في ١٨ مايو سنة ١٩٥١ مكاتب أقليمية في الدول العربية ينسق جهودها مكتب رئيسي في مقر الجامعة لمكافحة التعامل أو الأتصال بأي صورة بإسرائيل أو رعاياها، بل إن حركة الجيش قد عززت هذا المكتب، وأعطته أهمية كبرى لمضاعفة جهوده في الحيلولة دون أي اتصال من هذا القبيل، وقرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في ١٨ ديسمبر الماضي إنشاء مكتب أقليمي مدعم بجوار مكتب الجامعة العربية، وأهاب بكل مصري وكل مواطن كريم إن يبادر مشكورا بموافاة المكتب بأية معلومات في هذا الصدد كي ينهض برسالته ويحقق المقاطعة المرجوة على أكمل وجه، وبالرغم من ذلك كله فقد كانت أول خطوة خطتها زعيمة بنت النيل في روما أن انتهزت فرصة حضورها المؤتمر كزائرة فاتصلت بوفد إسرائيل ورئيسته المذكورة، طوال الأيام التي مكثتها هناك، ونشرت الصحف الأوربية، وبعض المجلات النسوية المصرية الصور الكثيرة التي بدت فيها الدكتورة درية شفيق في أحاديث هامة وأوضاع شتى مع هذه الإسرائيلية الخطيرة مما يدل دلالة قاطعة على أن الزعيمة كانت مسخرة في هذه المقابلات الجريئة وما صاحبها من التصريحات الخطيرة التي ما لبثت أن افتضحت مراميها واتجاهاتها لا على لسان الصحف الأوربية فحسب، بل الصحف الإسرائيلية في تل أبيب أيضا .. !
ولقد أشارت المجلة المصرية سالفة الذكر إلى اتصالات درية شفيق وتصريحاتها ونقلت أنباءها ونصوصها .. وقد جاء فيها كما نشرته الصحف الإيطالية ما نصه:
"إن السيدة درية شفيق وجهت خطابا خطيرا لقائد القوات المسلحة -محمد نجيب- حيث قالت: إنها بوصفها ممثلة لجميع نساء مصر في سنة. ١٩٥٢ تطالب بشرف الخدمة العسكرية، وأن القائد محمد نجيب لم يبتسم لهذا الطلب فحسب بل وعد بالاهتمام به .. ".
ولعل أخطر تلك التصريحات المجنونة، ذلك التصريح الذي نشرته مجلة الايبوكا الإيطالية حيث قالت:
"إن السيدة درية شفيق مشحونة بالظرف، وذات نظرات خطيرة وجاذبية باريسية، وأنها الصديقة المسموعة الكلمة لدى الجنرال محمد نجيب الذي وعد الحركة النسوية بالتأييد والتقدير".
وبطبيعة الحال إن هذا التصريح من هذه الجريدة الأجنبية لم يكن إلا للتوريط، ولكنها معذورة أمام تقرير درية شفيق بأنها تمثل نساء مصر على الإطلاق! ومع ذلك لقد فاتها أن مصر هي زعيمة العالم الإسلامي وموطن الأزهر، ومهبط طلبة العلم الديني، ولكنها الحروب الصليبية التي لن تضع أوروبا كافة أسلحتها بغية القضاء على الإسلام مستغلة أمثال هذه الأذناب من الخارجين والخارجات ..
 
* المندوبة الإسرائيلية تهنئ نفسها بصحبة درية شفيق:
والأخطر من هذا كله ذلك التصريح الذي أصدرته ممثلة إسرائيل ونشرته الصحف الإيطالية والإسرائيلية تعقيبا على تصريحات الدكتورة درية شفيق حيث أعلنت المندوبة الإسرائيلية المذكورة ارتياحها لاتصالها بالمندوبة المصرية بلندن ومصاحبتها لها إلى نابلي حيث قالت: "إنني أهنئ نفسي بهذا الاتصال الذي ربط بيني وبين السيدة درية شفيق، وإنني أعلن لعضوات المؤتمر السادس عشر في نابلي أني عقدت آمالي على الزعيمة المصرية لحل جميع المشاكل بين البلدين إسرائيل ومصر".
* الباريسيات أنفسهن .. يتهكمن .. !!
على أنه كان مما يلفت النظر بهذه المناسبة أن الوفد النسائي الفرنسي في المؤتمر علق على حركات ومظاهر السيدة درية شفيق في أوروبا بقوله كما نشرته بعض الصحف الإيطالية حيث قال: "إذا كانت السيدة درية شفيق هي النموذج الصحيح لنساء مصر، فقد أدركنا الآن السر في أن نساء الشرق المسلمات .. "والباقي مفهوم ..
هذا وقد نشرت المجلة النسوية المصرية سالفة الذكر بجوار ذلك كله الصور المختلفة لدرية شفيق مع رئيسة وفد إسرائيل نقلا عن الصحف الإيطالية، كما نشرت صورة زنكغرافية لمقال نشرته بعض الصحف الإسرائيلية الصادرة في تل أبيب باللغة العبرية، وكانت صورة درية شفيق وهي تحادث مندوبة إسرائيل تزين المقال المذكور، وقد جاء في هذا المقال بعد ترجمته: "إن تل أبيب تتوقع أن الحوادث المقبلة ستزيد مكانة درية شفيق شأنا ورفعة" (١).


* علي عبد الرازق يهدم مفهوم الإسلام بوصفة دينا ودولة في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"وهذا الكتاب كاتبه الحقيقي هو المستشرق اليهودي مرجليوث:
"كانت القوى الأجنبية قد تآمرت على إسقاط الخلافة الإسلامية في دورة طويلة تكاتفت فيها الصهيونية والغرب الاستعماري وجماعة الاتحاديين الذين أسقطوا السلطان عبد الحميد واستولوا على الحكم في الدولة العثمانية تمهيدا لتسليم فلسطين إلى الصهيونية العالمية، وجاء دور مصطفى كمال أتاتورك بعد انتهاء الحرب العالمية التي دخلتها الدولة العثمانية وهزمت فيها،


وكان لسقوط الخلافة رنة أسى وتطلع ضخم إلى هذا الحدث الذي أصبح من بعد عهدا من عهود حركة اليقظة الإسلامية بإعادة الخلافة.
في هذا الجو المضطرب -الذي انحل فيه عقد الجامعة الإسلامية وبرزت دعوات الإقليمية والقومية وتمزيق العالم الإسلامي إلى قوى محلية- صدر كتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"الذي كان بمثابة صيحة تغريبية جائرة تحاول أن تقضي على مفهوم الإسلام الجامع دينا ودولة بإثارة شبهة ماكرة لئيمة خادعة هي القول بأن الإسلام دين عبادي وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في ذات الوقت حاكما أقام دولة.
وقد صدر الكتاب في مجال معارضة الخلافة الإسلامية لأسباب سياسية كانت بريطانيا والنفوذ الأجنبي تؤازرها وكانت تعمل دون عودة هذا النظام الإسلامي الجامع.
ولكن الخطر الحقيقي وراء كتاب الشيخ علي عبد الرازق كان هو: هدم مفهوم الإسلام بوصفه دينا ودولة ونظام مجتمع ومنهج حكم جامع.
ولقد اهتزت دوائر الأزهر والعالم الإسلامي لهذا الكتيب المزور وأعلنت هيئة كبار العلماء فساد المنهج الذي قام عليه، وأن المؤلف قد أخطأ خطأ بالغا حين "جعل الشريعة الإسلامية روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا، مع إن الدين الإسلامي على ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقائد وعبادات ومعاملات هي لإصلاح أمور الدنيا والآخرة، وإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله يشتملان على أحكام كثيرة في أمور الآخرة.
كما أشار حكم هيئة كبار علماء الأزهر إلى أن المؤلف:
أولا: زعم أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين.

ثانيا: زعم أن نظام الحكم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان موضع غموض  .وإبهام أو نقص موجب للحيرة.

ثالثا: زعم أن مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت بلاغا للشريعة مجردا من الحكم والتنفيذ.
رابعا: أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وعلى أنه لا بد للأمة من يقوم بأمرها في الدين والدنيا.
خامسا: أنكر أن القضاء وظيفة شرعية، وقال: إن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعا من الخلافة.
سادسا: زعم أن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده -رضي الله عنه- كانت لا دينية. وهذه جرأة لا دينية.
صدر كتاب الإسلام وأصول الحكم عام ١٩٢٥ سابقا لكتاب الشعر الجاهلي لطه حسين، وقد كشفت الأيام من بعد كيف أن هذا الكتاب من تأليف المستشرق اليهودي مرجليوث المقيم في لندن وأنه أهداه لعلي عبد الرازق عندما زارها دارسا (١).
وقد ظل هذا السر محجوبا إلى وقت قريب حين كشف عنه الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه "الإسلام والخلافة في العصر الحديث"الذي صدر عام ١٩٧٢ تقريبا وكان المظنون خلال أكثر من خمسين عاما أنه من تأليف الشيخ عبد الرازق، وقد عد هو وكتاب طه حسين عن الشعر الجاهلي من الأسس التغريبية التي اعتبرها الشيوعيون والعلمانيون مرجعا لخطتهم وأهدافهم في هدم مفهوم الإسلام في السياسة والأدب، وقد قوبل الكتاب عند صدوره بمعارضة شديدة وألفت كتب كثيرة في الرد عليه وكتبت

.فصول عديدة في الصحف ومن ذلك كتاب "الفاضل بن عاشور"، ومحمد بخيت ورشيد رضا وكثيرون.

* وجد المنحرفون ضالتهم:
ولقد كان كتاب "الإسلام وأصول الحكم "لعنة على الشيخ علي عبد الرازق فقد أصاب حياته بالظلام والغربة ولاحقته لعنته مدى حياته حتى أنه عندما أراد الماركسيون إقناعه بإعادة طبعه قال لهم: إن هذا الكتاب أثار عليه متاعب كبيرة، ومع ذلك فإن بعض الماركسيين أعاد طبعه وقدم له، رغبة منهم في تأكيد مفهوم فاسد لا يقره الإسلام، ويتخذ الكتاب الماركسيون -المعارضون لمفهوم الإسلام بوصفه دينا ودولة- من هذا الكتاب خطة عمل توالي بث سمومها في الصحف والمؤلفات والمؤتمرات، ويولي كبر ذلك أمثال محمد عمارة ومحمد أحمد خلف الله وحسن حنفي وعبد الله العروي وسيكون هذا الكتاب لعنة عليهم كما كان لعنة على علي عبد الرازق، فمات الكتاب قبل أن يموت صاحبه، وانطوت صفحته وصاحبه حي".
ومع الأسف فقد كان صدور مثل هذا الكتاب مما تلقفه المستشرقون ليثيروا به دعوى عريضة بأن في الإسلام مذهبين: أحدهما: أن الإسلام دين ودولة والآخر يقول: أن الإسلام دين روحي ويضعون على عبد الرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول، والواقع أنه ليس في الإسلام غير رأي واحد، وهو الرأي الأول، وأن ما ذهب إليه علي عبد الرازق عام ١٩٢٥ م لم يكن من الإسلام في شيء، ولم يكن علي عبد الرازق إماما مجتهدا، وإنما قاضيا شرعيا تلقفته قوى التغريب فاصطنعته تحت اسم "التجديد"حيث دعي إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وهدم مقوماته، وأهدى أصل هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجما إلى اللغة العربية وطلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص.  العربية التي يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فكان من تأليف قزم من أقزام الاستشراق وداعية من دعاة الصهيونية واليهودية العالمية هو المستشرق مرجليوث الذي شاءت الصدف أن يكون هو نفسه صاحب الأصل الذي نقل منه كتاب الأدب الجاهلي والذي أطلق عليه الأستاذ: محمود محمد شاكر "حاشية طه حسين على بحث مرجليوث"، ويمكن أن يطلق الآن اسم "حاشية علي عبد الرازق على بحث مرجليوث"، وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم "الإسلام والخلافة في العصر الحديث".
وهكذا تجد أن السموم المثارة في أفق الفكر الإسلامي توضع أساسا من رجال التغريب، ثم تختار لها أسماء عربية لتحمل لواءها وتذيعها إيمانا بأن الأسم العربي أكبر تأثيرا وأبعد أثرا في خداع الجماهير.
ولقد طالما تحدث التغريبيون عن كتاب "الشعر الجاهلي"و"الإسلام وأصول الحكم"على أنهما دعامتان للنهضة "التغريبية في الفكر الحديث".
ومع أن حركة اليقظة الإسلامية واجهت كتاب علي عبد الرزاق المنحول وفندت فساد وجهته وأخطاءه فإن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه مع مقدمات إضافية يكتبها شعوبيون يخدعون الناس بألقابهم وأسمائهم، وهم يجدون في هذه الرحلة التي يرتفع فيها صوت تطبيق الشريعة الإسلامية والدعوة إلى الوحدة الإسلامية مناسبة لنفث السموم مرة أخرى ولن يجديهم ذلك نفعا فإن كلمة الحق سوف تعلو وتنتشر وتدحض باطل المضللين مهما
تجمعوا له وقدموه في صفحات براقة مزخرفة وأساليب خادعة كاذبة.
إن أول من كشف حقيقة الكتاب هو الشيخ محمد بخيت الذي رد على الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"، وهو واحد من الكتب التي صدرت في الرد عليه حيث قال:    
"لأنه علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له منه إلا وضع اسمه عليه فقط، فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار وألبسوه ثوب الخزي إلى يوم القيامة.
وقد علق علي عبد الرازق على هذا المعنى بأن هذا الكتاب كان شؤما عليه، وقد ألصق به كثيرا من المتاعب والشبهات، والحقيقة أنه بعد أن طرده الأزهريون من هيئة العلماء ظل منفيا ومهجورا وعاش بقية حياته منقطعا عن الحياة العامة بالرغم من أن محاولات جرت لإسقاط الحكم وضمه إلى مجمع اللغة العربية وجعله وزيرا، فقد كان الكتاب أشد شؤما على حياته من كل ما ألم به.
ومن هذا الخيط الرفيع الذي ألقاه الشيخ محمد بخيت بدأت محاولة الدكتور ضياء الدين الريس فاستطاع أن يصل إلى الحقيقة وهي أن كاتب الكتاب هو المستشرق مرجليوث اليهودي الأصل، وهو أول من شن الهجوم على الخلافة لأن بلاده "بريطانيا"كانت في حرب مع دولة الخلافة، وقد أعلن الخليفة العثماني الجهاد الديني ضدها، والنصوص في الكتاب قاطعة بأنه كان موجها ضد الخلافة العثمانية فإنه يذكر بالاسم "السلطان محمد الخامس"الخليفة في ذلك الوقت الذي كان يسكن في "قصر يلدز"وهناك نص على "جماعة الأتحاد والترقي، وهي التي كانت تحكم تركيا: أي دولة الخلافة طوال أعوام الحرب العالمية الأولى.
ويقول الدكتور الريس: إن الاتحاديين تلاميذ الماسونيين وقد تربوا في محافلهم واعتنقوا شعارهم ومفاهيمهم وقاموا بدور مسموم وهو فتح باب فلسطين أمام اليهود المهاجرين، وكان السلطان عبد الحميد قد رفض عروضهم، وكانوا هم (أي الاتحاديين) أداة الصهيونية العالمية في إسقاط هذا السلطان المناضل.  ورجح الدكتور الريس أن مرجليوث اليهودي الذي كان أستاذا للغة العربية في جامعة أكسفورد ببريطانيا هو كاتب الكتاب؛ لأن أراء الكتاب هي آراؤه التي كتبها من قبل عن الدولة الإسلامية، وفندها الدكتور الريس في كتابه. "النظريات السياسية في الإسلام"وأثبت خطأها وبطلانها بالأدلة العلمية، وهو يكتب عن الإسلام بنزعة حقد شديد، ويتسم أسلوبه بالمغالطات والمعلومات المضللة والقدرة على التمويه، كما يتصف بالالتواء، وهذه الصفات كلها تظهر في هذا الكتاب المنسوب إلى الشيخ علي عبد الرازق، ومعروف أن الشيخ ذهب إلى بريطانيا وأقام فيها عامين فلا بد أنه كان متصلا بالمستر مرجليوث، أو تتلمذ عليه، وكذلك توماس أرنولد الذي يشير إليه الشيخ ويصفه بالعلامة فقد ألف كتابا عن الخلافة بشكل عام والعثمانية بوجه خاص، وقد نقدناه.
يقول الدكتور الريس في كتابه: "النظريات السياسية الإسلامية":
والقصة تتلخص في أنه إبان الحرب العالمية الأولى والحرب دائرة بين الخليفة العثماني وبريطانيا أعلن الخليفة الجهاد الديني ضد بريطانيا ودعا المسلمين أن يهبوا ليحاربوها، أو يقاوموها، وكانت بريطانيا تخشى غضب المسلمين الهنود بالذات، أو ثورتهم عليها، في هذه الفترة كلفت المخابرات البريطانية أحد المستشرقين الإنجليز أن يضع كتابا يهاجم فيه الخلافة وعلاقتها بالإسلام ويشوه تاريخها ليهدم وجودها ومقامها ونفوذها بين المسلمين.
وقد أستخدمت السلطات البريطانية هذا الكتاب في الهند وفي غيرها، وبعد أن انتهت الحرب كان الشيخ عبد الرازق قد اطلع على هذا الكتاب أو عثر عليه، هذا إن لم يفترض أن هذا كان باتفاق بينه وبين هذا المستشرق الذي اتصل به حينما كان في إنجتلرا أو في بعض الجهات البريطانية التي.  كانت تعمل في الخفاء على هدم فكرة الخلافة، أو التي تحارب الإسلام، فأخذ الكتاب فترجمه إلى اللغة العربية أو أصلح لغته إن كان بالعربية، وأضاف بعض الأشعار والآيات القرآنية التي يبدو أنها لم تكن في أصل الكتاب وبعض الهوامش والفقرات، وأخرجه للناس على أنه من تأليفه ظنا منه أنه يكسبه شهرة، ويظهره باحثا علميا، ومتفلسفا ذا نظريات جديدة، غير مدرك ما في آرائه أو في ثناياه من خطورة، ولا يستغرب هذا لأنه لم يدرك أن إنكار القضاء الشرعي هو إنكار لوظيفته نفسها وعمله، وإلغاء لوجوده وكانت هذه البدعة السائدة في ذلك الوقت بين كتاب "السياسة"جريدة من أسموا أنفسهم "حزب الأحرار الدستوريين"، وهذا هو الذي فهمه الأستاذ الجليل أمين الرافعي فكتب في جريدة الأخبار أنه لم يستغرب أن يقدم الشيخ علي عبد الرازق على إصدار هذا الكتاب لما عرفه عنه من الضعف في تحصيل العلوم والإلحاد في العقيدة، ثم قال: هذا الى أنه انغمر منذ سنين في بيئة ليس لها من أسباب الظهور سوى الافتيات على الدين وتقمص أثواب الفلاسفة والملحدين وصار خليقا باسم "الأستاذ المحقق"، والعلامة الكبير.
ولم يعرف الأستاذ أمين الرافعي أن المؤلف الحقيقي ربما كان غير الشيخ على عبد الرازق، ولكن كلامه يكاد يكون إثباتا لذلك وهناك قرائن أخرى أوردها الدكتور الريس:
أولا: ذكر اسم كتاب مترجم عن التركية طبعة ١٩٢٤ بينما هناك فقرة تنص على أن تاريخ التأليف قبل عام ١٩١٨ وأنها ذكرت اسم السلطان محمد الخامس وقيل في الهامش أنه كتب في عهده وأقرب تفسير لذلك أن الكتاب ليس من تأليف شخص واحد.
ثانيا: يتحدث المؤلف عن المسلمين كأنه أجنبي عنهم وهم منفصلون.    عنه، فيذكرهم بضمير الغائب ولا يقول: "عندنا"أو "العرب"أو نحو ذلك كما يقول المسلم ذلك.
ثالثا: يكرر الشيخ عبد الرازق "عيسى وقيصر مرتين"ويكرر هذه الجملة التي يسميها الكلمة البالغة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"مع أن مسلما صحيح الإسلام لا يمكن أن يؤمن بهذا التعبير، وأن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
رابعا: يتعاطف مع المرتدين الذين خرجوا على الإسلام وشنوا الحرب على المسلمين فيدافع عنهم في نفس الوقت الذي يحمل على رأي أبي بكر الصديق المسلم الأول بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينكر خلافته، ويقول: أن محاربته لهؤلاء المرتدين لم تكن حربا من أجل الدين، ولكن كانت نزاعا في ملوكية ملك ولأنهم رفضوا أن ينضموا لوحدة أبي بكر وما هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر والإسلام؟
أليست هي وحدة المسلمين، ويقول: "حكومة أبي بكر"، أوليست هي حكومة الإسلام والمسلمين، ويتكلم عن أبي بكر هكذا بغير احترام أو تبجيل، كأنه رجل عادي أو كما يتكلم عدو.
هل هذا هو أسلوب المسلم، فضلا عن تهافت الشيخ في الكلام عن الصحابة وهم أفضل الناس وأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخير من دافعوا عن الإسلام وجاهدوا في سبيل الله عز وجل.
وخامسا: أن الأسلوب الذي كتب به الكتاب أسلوب غريب، ليس مألوفا في الكتب العربية، فهو أسلوب مناورات ومراوغة ويتصف بالالتواء واللف والدوران، فهو يوجه الطعنة أو يلقى الشبهة. ثم يعود فيتظاهر بأنه ينكرها ولا يوافق عليها ويفلت منها ثم ينتقل ليقذف شبهة أو طعنة أخرى.  
على طريقة "اضرب واهرب"وحين يهاجم يصوغ عبارته في غموض وهذا يدل على أسلوب رجل سياسي متمرن في المحاورة والخدعة، وهو أشبه بالأسلوب الأفرنجي. وأسلوب الدعايات السياسية أو الدينية التبشيرية وليس هذا أبدا أسلوب العربي الصريح، فضلا عن أسلوب أحد الشيوخ المتعلمين في الأزهر وهذا مما يغلب الرأي بأنه كتاب مترجم.
سادسا: لم يعرف عن الشيخ علي عبد الرازق -من قبل- أنه كان كاتبا تمرس في الكتابة ومرن على التأليف فيكتب بهذا الأسلوب ويتعمد الطعن في الإسلام وتاريخه وعظماء رجاله، ولم يعرف للشيخ كتاب أو مقالات قبل هذا الكتاب "أي في السياسة والتاريخ"بل ما كتب من قبل كان "كتيبا"في اللغة أو في علم البيان، وهذا كل إنتاجه في أربعة عشر عاما بعد تخرجه من الأزهر، ثم بعد أن كتب هذا الكتاب ظل أربعين عاما لم يكتب كتابا آخر في نفس موضوعه أو مثله ولم يحاول أو لم يستطع حتى أن يدافع عن نفسه ويرد على خصومه بكتاب آخر.
سابعا: هناك من القرائن والأدلة العديدة ما يدعو العقل إلى أن يرجح صحة الخبر الذي رواه فضيلة المفتي الشيخ محمد بخيت، نقلا عن كثيرين من أصحاب الشيخ علي عبد الرازق المترددين عليه من أن مؤلف الكتاب شخص آخر من غير المسلمين، وقد غلبنا نحن أنه أحد المستشرقين، ولكننا نقيد هذا الخبر بأن الشيخ قد أضاف بعض فقرات وتعليقات، وأنه هو الذي أورد الآيات من القرآن.
والظاهر أنها محشورة حشرا مجموعات في كل مكان، وأبيات الشعر التي استشهد بها، كما كتب المقدمة التي زعم فيها أنه بدأ البحث في تاريخ القضاء منذ ١٩١٥ وذلك ليغطي المقارنة الظاهرة بين وضع الكتاب ووقت صدوره، فإنه من غير المعقول أن يستغرق تأليف كتيب لا يزيد عن مائة   صفحة عشر سنوات.
وفي مثل هذه المسائل بالذات فإن هذه الحالة أسهل؛ لأن النقل أو الترجمة من كتيب مجهول، أو كانت المسالة بتصريح أو اتفاق لخدمة غرضين فالطرف الأول يريد نشر آرائه لغايات سياسية ودينية، والطرف الثاني له مأرب سياسي ولكن الدافع الذاتي أنه يريد الشهرة أو الظهور أو الغرور، "وقد انتفعنا في هذا البحث بدراسة الدكتور الريس وبحث مجلة المجتمع الكويتية وكتاب المعارك الأدبية".
الحقيقة أن كتاب "الإسلام وأصول الحكم"من الأعمال التغريبية والاستشراقية الخطيرة التي أريد بها هدم القاعدة الأساسية للإسلام وهي قاعدة أن الإسلام دين ودولة في محاولة تنصير الإسلام وجعله مشابها للنصرانية التي هي بمثابة دين قائم على الوصايا وليس له تشريع؛ لأن تشريعه في اليهودية، وهذه القضية هي مفتاح الغزو الفكري الذي واجه به النفوذ الاستعماري بلاد المسلمين من أجل هدم هذه القاعدة وحصر الإسلام في المساجد وفي الصلاة والصوم وفرض الأيدلوجيات الغربية في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية، ومن هذا فتح الطريق أمام القانون الوضعي وكسر الحدود التي وضعها الإسلام والقضاء على محرمات الإسلام: الربا والزنا والسرقة والاختلاس والميسر، وإباحتها وجعلها في نظر الناس مشروعة، ومن وراء ذلك إمبراطورية الربا التي ترمي إلى تحطيم الضوابط والحدود وذلك للسيطرة على الاقتصاد الإسلامي وهدم المجتمع الإسلامي وإذاعة روح التحلل والترف وتغليب مفهوم المجتمع الاستهلاكي القائم على الشهوات واللذات والإباحيات، وهدم قاعدة "أخلاقية المجتمع وهدم مفهوم المسئولية الفردية للإنسان والتزامه الأخلاقي في بناء المجتمع الرباني في الأرض.  
وهكذا نصل إلى أن هذا العمل كان من المؤامرات الخطيرة والتي ما تزال تتخذ سورا يقذف منها الإسلام على أيدي خصومه والراغبين في هدم شرعته.
وبالجملة فإن كتاب الشيخ علي عبد الرازق أحدث شرخا استغله خصوم الشريعة اعتمادا على أن كاتبه رجل من الأزهر ومن علماء الإسلام وليس الأمر كذلك في الحقيقة وإنما هي المؤامرة الشعوبية الضخمة التي قام بها التبشير والاستشراق لاحتواء أمثال علي عبد الرازق وطه حسين وهي مؤامرة مآلها الهزيمة والفشل بإذن الله .. " (١) اهـ.


* أحمد أمين صاحب فجر الإسلام يشكك في أحاديث البخاري والكتب الصحيحة ويطعن في أبي هريرة وعدالة الصحابة، وفي "فجرالإسلام"و"ضحى الإسلام"طوام لا يجوز السكوت عليها:
يقول الدكتور مصطفى السباعي في بحث مطول نشره في مجلة الفتح (في ١٤ حلقة) إن كتابي "فجر الإسلام"و"ضحى الإسلام"للأستاذ أحمد أمين (عميد كلية الأداب بالجامعة المصرية) ١٩٤٠م، من أشهر الكتب الحديثة المؤلفة في تاريخ العلم والثقافة في عصور الإسلام الأولى.
ومع أن المؤلف معروف لدى الأوساط العلمية بغزارة العلم ودقة البحث وحب التأليف، فقد وقعت له في هذين الكتابين أخطاء، لا أحب أن أصفها، حتى لا أتهم بالمبالغة، وحسبي أن أقول: إنها مما لا يجوز السكوت عليها بحال من الأحوال.
ولما رأيت أن السكوت عن تلك الأخطاء والتحريفات جناية في حق. .الدين والعلم فقد أسرعت بكتابة هذا البحث، في نقد فصل واحد من كتاب "فجر الإسلام"وهو فصل (الحديث) .. وسيرى القارئ أن الأستاذ أحمد أمين:
أولا: تأثر إلى درجة كبير ببحوث المستشرقين وكتاباتهم في علم الحديث.
ثانيا: تأثر بآراء رءوس المعتزلة وطوائف الشيعة ممن يتشيع لبعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهم.
ثالثا: استنتج من عنده بعض آراء ليس لها أساس علمي ولا مستند تاريخي صحيح.
رابعا: لم يلتزم الأمانة ولا الدقة فيما نقله من النصوص والآثار.
خامسا: لم يعتمد في تاريخ الحديث على كتب علوم الحديث، بل اعتمد على كتب الأصول، وخاصة كتاب "مسلم الثبوت"وشرحه، ومن هنا أورد كثيرا من الأحاديث، منها ما لم يعثر له على أصل في كتب السنة، ومنها ما جاء بأسلوب مغاير لما في تلك الكتب.
وقد كان يستطيع الرجوع في معرفة هذه النصوص إلى مراجعها الحقيقية، لولا أنه يسعى إلى غرض معين فهو يتصيد الأدلة من هنا وهناك من غير تحقيق ولا تدقيق.
وللأستاذ أحمد أمين أسلوب خاص في بث آرائه التي يخالف بها الجمهور، متبعا فيها بعض ذوي الأهواء من المسلمين أو ذوي الأغراض من المستشرقين، ومن خصائص هذا الأسلوب أنه يأتي بالفكرة فلا يلقيها إليك في كتابه دفعة واحدة ولا يظهرها لك على أنها رأي لمبتدع أو لمستشرق، ولكنه يوزع شيئا منها هنا وشيئا هناك متلطفا في الأسلوب، متظاهرا بالبحث.  والتحقيق، ولا ينسى أن يستند في خلال ذلك إلى نص محرف أو حديث ضعيف أو رأي هزيل أو ينسب إلى العلماء قولا لم يقولوه، وإلى بعض المذاهب آراء لم يذهبوا إليها، فلا يكاد ينتهي من بحثه حتى يكون قد أحكم بث الفكرة في ثنايا كتابه من غير إزعاج للقارئ ولا استفزاز لشعوره.
وبهذا الأسلوب استطاع الأستاذ أن ينجو مما لحق بزملائه من سخط الجمهور وأن ينال ثقته بإخلاصه وتجرده للحق والعلم.
وكم كان الأستاذ أحمد أمين بارعا في التشكيك في أحاديث السنة، مما يدل دلالة قوية على أنه يشك فيها جملة -كما يقول كثير من المستشرقين- وكما قال من قبل بعض رؤساء المعتزلة والفرق الضالة والمبتدعة.
ومما يؤكد هذه الدلالة أن أحد المنتسبين إلى الإسلام في مصر، ممن تلقوا علومهم في جامعات روسيا الشيوعية (يقصد: إسماعيل أدهم أحمد) قام منذ سنين بوضع رسالة عن تاريخ السنة، انتهى به البحث فيها إلى أن هذه الأحاديث التي بين أيدينا، مشكوك في صحتها على العموم، ومن مزاعمه أن ما ذهب إليه قد وافقه عليه: فلان وفلان، والأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه.
وانتظرنا من الأستاذ أن يكذب هذا الأتهام الفظيع الذي نسبه إليه تلميذ الشيوعيين فلم يفعل، بل قرئ له في بعض المجلات الأسبوعية ما يفيد تألمه مما حصل لصاحبه، وعد ذلك محاربة لحرية الرأي، وحجر عثرة قي سبيل البحوث العلمية الخالية من كل تعصب وهوى.
قال أحمد أمين: ويظهر أن الوضع في الأحاديث حدث في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحديث: "من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زور فيها على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. اهـ.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن هذا الذي استظهره أحمد أمين لا سند له في التاريخ، ولا في سبب الحديث المذكور، أما التاريخ فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أحدا من الناس زور عليه كلاما، ورواه على أنه حديث من أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، ولو وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفظاعته، كيف وقد كان حرصهم شديدا على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -
أما الحديث المذكور فقد اتفقت الكتب والسنة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى ما بعدهم. وظاهر من الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد علم أن الإسلام سينتشر، وسيدخل فيه أقوام من أجناس مختلفة فيه بصورة قاطعة حث على وجوب التحري في الحديث عنه، وتجنب الكذب عليه بما لم يقله.
وليس في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذ الحديث قيل لوقوع تزوير على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال أحمد أمين: وحسبك دليلا عن مقدار الوضع، أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يصح عنده منها شيء، قد جمع فيها آلاف الأحاديث، وأن البخاري وكتابه يشمل على سبعة آلاف حديث، منها نحو ثلاثة آلاف مكررة، قالوا: إنه اختارها وصحت عنده من ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره. اهـ.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن كثرة الوضع في الحديث مما لا ينكره أحد، ولكنه عندما أراد أن يستدل على مقدار الوضع فاستشهد بشيئين: أحاديث التفسير وأحاديث البخاري - وظاهر عبارته في أحاديث التفسير أنه يشك فيها كلها، إذ ينقل عن الإمام أحمد أنه قال: "لم يصح منها شيء"مع أنهم قد جمعوا فيها آلاف الأحاديث.  والإمام أحمد لا يخفى مكانته في السنة. فإذا قال في أحاديث التفسير "لم يصح منها شيء"كان ما روي فيها مشكوكا بصحته إن لم يحكم عليه بالوضع، أليست هذه نتيجة منطقية لكلام الأستاذ.


* الصحيح صحيح دون شك:
أما أحاديث التفسير، فلا يخفى على من طالع كتب السنة أنها أثبتت شيئا. كثيرا منها بطرق صحيحة لا غبار عليها، وما من كتاب في السنة إلا وقد أفرد فيه مؤلفه بابا خاصا لما ورد في التفسير عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة -رضي الله عنه - أو التابعين.
وقد اشترط علماء التفسير على أن ما يفسر كتاب الله عز وجل أن يعتمد فيه على ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.
وقد جعلوا التفسير بين منقول وغير منقول، وأوجبوا على المفسر أن يرجع إلى الأول ويعرفه لو لم يصح منه شيء، بل لو لم يصح منه شيء كثير، لما فعلوا ذلك.
أما ما نقله عن الإمام أحمد، فهو يشير بذلك إلى ما روي عنه من قوله: "ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي"والكلام في هذه العبارة من وجوه:
أولا: أن في النفس من صحتها شيئا، فإن الإمام أحمد نفسه قد ذكر في "مسنده"أحاديث كثيرة في التفسير، فكيف يعقل أن يخرج هذه الأحاديث، ويثبتها عن خيرة شيوخه في "مسنده" .. ثم يحكم بأنه لم يصح في التفسير شيء؟!
وأيضا فمقتضى هذا العبارة: أن يكون كل ما روي عن أخبار العرب، ومغازي المسلمين مكذوبا من أصله، وليس هناك من يقول بهذا.  ثانيا: أن نفي الصحة لا يستلزم الوضع، والضعف، وقد عرف عن الإمام أحمد خاصة نفي الصحة عن أحاديث وهي مقبولة، وقالوا في تأويل ذلك أن هذا اصطلاح خاص به.
ثالثا: إن الإمام أحمد لم يقل أنه لم يصح في أحاديث التفسير شيء، وإنما قال: "ثلاثة ليس لها أصل، ولا يخفى ما بين العبارتين من فرق، إذ يحتمل أن يكون مراده نفي أن يكون للتفسير كتاب مأثور.
ولا يلزم فيه نفي صحة شيء من أحاديث التفسير.
رابعا: يحتمل أن يكون مراد الإمام أحمد ما صح من التفسير قليل بالنسبة لما لم يصح.


* والكلام في أحاديث البخاري:
وننتقل إلى أحاديث البخاري وقد زعم الأستاذ أحمد أمين أنهم قالوا: إن البخاري اختار أحاديث كتابه وصحت عنده من ستمائة ألف حديث، ولا أدري من قال هذا القول؟!
أما علماء الحديث ورجال المصطلح، فقد ذكروا أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده، فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يخرج كل ما صح عنده يكون ما نقله الأستاذ أحمد أمين عنهم نقلا غير صحيح.
وحاول الأستاذ أحمد أمين التشكيك في عدل الصحابة فقال: الذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث -وخاصة المتأخرين منهم- على أنهم عدلوا كل صحابي ولم يرموا أحدا منهم بكذب ولا وضع وإنما جرحوا من بعدهم.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: مما اتفق عليه التابعون ومن بعدهم، من جماهير المسلمين ونقاد الحديث قاطبة: "تعديل الصحابة".  وتنزيههم عن الكذب والوضع، هذا هو الواقع والمعروف في هذه المسألة.
ولكن المؤلف لغرض في نفسه -سبق التنبيه إليه- يريد أن يشكك في هذه الحقيقة فزعم أولا أن (أكثر) النقاد عدلوا الصحابة، مع أن النقاد قاطبة عدلوهم لم يشذ في ذلك أحد.
وزعم ثانيا: أن قليلا منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، مع أن هؤلاء الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث، ولكنهم من ذوي الأهواء والفرق المعروفة عند المسلمين، بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.
وزعم المؤلف ثالثا: أن هذا التعديل كان من أكثر نقاد الحديث، وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يؤثر عن أحد من المتقدمين من أهل العلم -من التابعين فما بعدهم- أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، أو وضعه في ميزان الجرح والتعديل.
وهناك ثلاثة مزاعم يأتي بعضها إثر بعض، ليس من ورائها إلا تهوين القول بعدالة الصحابة على الإطلاق، وتجرؤ ذوي الأهواء في حقهم، إذ روي عن أولئك الأصحاب ما يخالف أهواءهم، مع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم حماة الدين ونقلة السنة أمناء الشريعة.
لم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعما آخر تأكيدا لما رمى إليه، وتقريرا له في نفس القارئ، حيث قال بعد ما تقدم:
"ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد وينزلوا بعضهم منزلة أسمى من بعض .. إلخ".
وحاصل كلامه في هذا الموضوع أن الصحابة -رضي الله عنه- كان يشكك بعضهم في صدق بعض ويضع بعضهم بعضا موضع النقد. وما ذكره أحمد أمين من أن الصحابة كان بعضهم يضع بعضا موضع النقد، مع أن كل ما كان يقع.  من الصحابة من رد بعضهم على بعض، إنما هو نقاش علمي محض مبني على اختلاف أنظارهم وتفاوت مراتبهم في الاستنباط أو الاجتهاد، أو على نسيان أحدهم حديثا وتذكر الآخر له، وليس ذلك ناشئا عن شك أو ريبة أو تكذيب واحد لآخر.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن الأستاذ أحمد أمين كان لبقا في توجيه المطاعن نحو (أبي هريرة) -رضي الله عنه- ومجاراة المستشرقين والنظام ومن شايعه من المعتزلة في التحامل على هذا الصحابي الجليل، لقد وزع طعونه في مواضع متفرقة من بحثه، كان حديثه عنه حديث محترس متلطف، يحاذر أن يجهر بما يعتقد في حقه من سوء.
ولكن أسلوب الأستاذ وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة -رضي الله عنه-، وحرصه على التشكيك في صدقه وتصديق الصحابة له، كل ذلك قد نم على سريرة الأستاذ، وأزاح الستار عن خبيئة نفسه قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أسر سريرة ألبسه الله رداءها".
ومن الإنصاف أن نقول: إن الأستاذ أحمد أمين لم يكن أول من أساء الظن بهذا الصحابي الجليل، ولا أول من حرف تاريخه، بل هو مقلد لأساتذته من المستشرقين، المتعصبين الذين دأبوا على تشويه الحقائق.
وعندما ترجم أحمد أمين لأبي هريرة: "اقتصر على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه وأشار إلى ما روي من دعابة أبي هريرة ومزاحه.
وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن يذكر لنا مكانته بين الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، وثناءهم عليه وإقرارهم له جميعا بالحفظ والضبط والصدق.
ولكن الأستاذ أحمد أمين لم يفعل شيئا من هذا بل تعرض لأمور يسيء ظاهرها لأبي هريرة -رضي الله عنه- جد الإساءة فكانت محاولة مستورة للطعن فيه تمشيا.  مع جولد زيهر وأضرابه من المستشرقين.
وقد اقتصر المؤلف على ذكر الشك في حفظ أبي هريرة -رضي الله عنه- من بعض الصحابة، دون أن يذكر لنا إقرار جمهورهم بحفظه وتثبيته، ودون أن يذكر لنا ثناء أهل العلم عليه من التابعين من بعدهم، واعترافهم له بأنه أحفظ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرواهم للحديث، وهذا دليل واضح على أنه لم يقصد بمقالته إلا الطعن الخفي في صدقه والتشكيك القوي في أحاديثه ومروياته وقد اعتمد المؤلف على دائرة المعارف الإسلامية في هذا الاتجاه.
إذا تذكرت أن الأستاذ أحمد أمين تابع جولد زيهر (اليهودي) في تجريح أبي هريرة -رضي الله عنه- واتهامه، علمت السر في توخي الأستاذ لهذه المسألة هنا وتتبع خطرات جولد زيهر، ثم رأيت إلى أي حد يكون التلاعب بالحقائق في سبيل الأهواء.
ماذا يضر أبا هريرة أن ينحله الواضعون أحاديث كثيرة، ثم كيف يكون الكذب عليه داعيا للشك في أحاديثه كلها، لو أن العلماء لم يميزوا الثابت عنه من المنتحل، لكان هناك عذر في التشكيك بأحاديثه كلها، أما وأن أئمة الأحاديث ميزوا الصحيح عن الموضوع وبينوا ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مما لم يثبت، بطرق هي غاية في الدقة والتحري، فلا عذر لأحد أن يتشكك في أحاديثه جملة، إلا أن يكون صاحب هوى وغرض يتلمس لنشر هواه كل طريق ملتو معوج.
ولعل القارئ أدرك من كل ما كتبنا، أن الأستاذ أحمد أمين تابع المستشرقين المتعصبين في التحامل على ذلك الصحابي الجليل ومنزلته في الحديث.


* بماذا يفتخرون:
والأستاذ مغرم جدا بمحاكاة المستشرقين ونقل أقوالهم، ومن ذلك قول.  زكي مبارك عنه:
إن أحمد أمين لا يهمه أن يرد الحقوق لأربابها إلا في موطن واحد، هو الموطن الذي يقول فيه: أنه استأنس بأراء المستشرقين ليقال: أنه يطلع على أقوال المستشرقين.
والغرض الأول من نشر هذا البحث هو لفت أنظار الباحثين وخاصة علماء الأزهر الشريف إلى ما في كتاب "فجر الإسلام"و"ضحاه"من أخطاء يعتبر السكوت عليها بعد الإحاطة بها جناية في نظر الدين والعلم، وحتى لا ينصحوا تلاميذهم باتخاذ هذا الكتاب وغيره مرجعا أساسيا (١).


* ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية الزائفة:
"عرب نعم، إسلام لا: أنا لا ييك (أي علماني أو لا ديني):
سقطت نظرية ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية؛ لأنها قامت على أساس التفسير الغربي للتاريخ، ففصلت العروبة عن الإسلام وهو أول من جعل العنصرية والعرق والدم بديلا لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني، وهو أول مسئول عن التعليم العالي التركي في الوزارة التي شكلها الاتحاديون بعد سقوط الخلافة مباشرة وأول من صرح بأنه قومية إسرائيل تقوم على الدين، وأن الإسلام دين تعبد وينكر أنه نظام حياة ومجتمع، والحقيقة أنه ما ذنب العروبة والإسلام إذا كان ساطع الحصري غربي الفكر والذوق أعجمي النطق يتجاهل أن لغتنا لغة فكر وعقيدة وأن ديننا يجمع بين المادة والروح وبين العقل والقلب وبين الدنيا والآخرة.
حدثني الدكتور مختار الوكيل مدير مكتب الجامعة العربية في جنيف، وهو رجل صادق مؤتمن، أنه في خلال عمله زار الأستاذ ساطع الحصري في.  .سويسرا ورأى السيد عبد الفتاح حسن السفير المصري دعوته إلى طعام للغداء فلما قدم مع الدكتور الوكيل حياه السفير المصري فقال:
مرحبا بالمناضل الكبير في خدمة العروبة والإسلام، وقد عجب الرجلان من ساطع الحصري الذي رد في عنف وحدة:
"عرب نعم .. إسلام لا .. أنا لا ييك".
وكلمة"لا ييك"تعني أن صاحبها علماني أو لا ديني.
وقد أحرز ساطع الحصري شهرة وافرة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتباره فيلسوف القومية العربية، حيث روج لنظرية خطيرة كانت بعيدة الأثر في حجب العروبة الأصيلة المرتبطة بالأسلام فكرا وعقيدة، وبالعالم الإسلامي تكاملا وإخاء .. لقد كان دعاة حركة اليقظة في البلاد العربية يرون أن الجامعة الإسلامية قائمة بين العرب والمسلمين (فرسا وتركا) بعد زوال الدولة العثمانية. ولكن ساطع الحصري كان من أوائل الدعاة إلى فصل العرب عن المسلمين بمفهوم القومية الغربي الوافد الذي طرحه في أفق الفكر السياسي العربي. وهذا يرجع إلى أن ساطع الحصري كان ثمرة من أنضج ثمار المدرسة الاتحادية التركية، وأكبر الدعاة الذين نقلوا مفهوم القومية الطورانية التركية إلى أفق العروبة التي كانت ترتبط بمفهوم الإسلام في العلاقة بين الشعوب التي جمعها التوحيد والقرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والفكر الإسلامي الأصيل.
لقد كان ساطع الحصري مديرا للتعليم في الدولة الاتحادية التي حكمت تركيا بعد إسقاط السلطان عبد الحميد بمفهوم العلمانية والطورانية.
وقد تعلم في مدرسة الاتحاديين، وآمن بفلسفتهم، ونقل فكرهم ومضامينهم إلى العرب، وذلك في سبيل تمزيق الوحدة الإسلامية الجامعة عربا وتركا وفرسا، وخلق أسلوب القوميات والإقليميات التي تقوم على.  الصراع والاستعلاء بالجنس والعنصر.
وهو أول من حمل لواء العنصرية والعرق والدم بديلا لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني. وقد كان فلاسفة الفكر القومي التركي من الاتحاديين: تلاميذ الفلسفة الوضعية متشبعين بالنزعة الطورانية العدوانية. وقد استمد ساطع الحصري مفهومه للعروبة من مفهوم القومية الغربية، والنظرية التي طبقها الأتحاديون في تركيا. فقد ركز على اللغة والتاريخ وعزلهما عن الفكر الإسلامي الجامع ككل كما ركز طه حسين على الأدب وعزله عن وحدة الفكر الإسلامي.
ونظرية ساطح الحصري التي روجت لها بعض الأحزاب السياسية العربية قد أثبتت خلال أكثر من ثلاثين عاما فشلها الذريع، وعجزها عن العطاء؛ لأنها فرغت مفهوم العروبة من قيمه وتاريخه وعناصره الأخلاقية الروحية وجعلته مفهوما ماديا خالصا.
وقد اعترف ساطع الحصري بأن إسرائيل قومية تقوم على الدين ورفض اعتبار الإسلام مقوما بوصفه دينا (بمفهوم اللاهوت). ذلك أن مفهوم ساطع الحصري للإسلام ناقص، فهو يراه دينا لاهوتيا وليس دينا ومنهج حياة ونظام مجتمع على النحو الذي يؤمن به دعاة العروبة الإسلامية.
لقد فهم الإسلام على أنه "دين عبادي"كما فهم الأوربيون المسيحية، ولم يفرق بين الدين بعامة والإسلام، ولم يفرق بين العصر والبيئة والجذور الثقافية التي يختلف فيها عن مفهوم القومية في أوربا.
ولقد كان مفهومه للعروبة ناقصا. فلم يصل الى مفهوم العروبة المترابط مع الإسلام، هذا الترابط الجذري الذي لا سبيل للانفكاك عنه.
ويرى كثير من الباحثين أن ساطح الحصري لم يعايش المناخ العربي قبل أن يضع مجموعة آرائه، وأنه استهدى بمناخ البلقان والنظرية الألمانية في.  حركته القومية التي رفع فيها شعار اللغة في مواجهة الدولة العثمانية للتحرر منها، وأنه كان حاقدا على الترك حقد المحافل الماسونية التي احتضنت الاتحاديين ووجهتهم وجهتها، ودفعتهم إلى الدعوة إلى الذئب الأغبر كرمز لها بديلا للقرآن.
وقد كان أكبر أساتذته في مفهوم القوميات "ماكس مولر"و"نوردو"وهما فيلسوفان يهوديان قصدا من وراء نظرية اللغة إلى إحياء القومية اليهودية.
وقد اعتبر ساطع الحصري اللغة أساس القومية، وعارض نظرية الأرض التي دعا إليها أنطون سعادة دون أن يتنبه إلى أن الفكر لا اللغة هو مصدر الوحدة.
وقد أجرى ساطع الحصري الجدل حول عديد من النظريات الأوربية في القومية دون أن يواجه جوهر المفهوم العربي الإسلامي المصدر والجذور: هذه الجذور التي تجعل من العسير فصل اللغة عن الفكر واعتبارها مقوما منفصلا، أو الاعتماد على نظرية بقاء اللغة أو ضياع اللغة مع أن الأساس هو بقاء العقيدة والفكر الذي يحمي وجود الأمة الحقيقي.
والواقع أن ساطع الحصري كان غربي الفكر أساسا بل وغربي الذوق أعجمي النطق، وأن تركيبه الثقافي والاجتماعي يحول بينه وبين نظرية عربية إسلامية أصيلة مستمدة من واقع الأمة الإسلامية وكيانها، وذاتيتها التي لا تنفصل فيها اللغة والتاريخ عن الفكر نفسه. وفي ذلك مغالطة أو جهل. ذلك أن اللغة العربية ليست لغة أمة فحسب ولكنها في نفس الوقت لغة فكر وعقيدة، فإذا كان العرب وهم مائة مليون يتحدثون بها فإنها لغة العقيدة والفكر لألف مليون من المسلمين يرتبطون بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وذلك التراث الضخم من الفقه والعلم والتاريخ. وأن اللغة لا تنفصل عن.   الفكر وأن تاريخ العرب لا ينفصل عن تاريخ الإسلام.
ومرجع ذلك إلى أن ساطع الحصري نشأ -كما ذكرنا- في بيئة الاتحاديين الأتراك الذين كانوا صنائع للفكر الغربي، والذين نشأوا في أحضان المنظمات الماسونية، وحملوا لواء الإيمان بالفصل بين الدين والمجتمع، وفهموا الإسلام فهما غريبا على أنه دين لاهوتي.
وعلى هذا الفهم الخاطى القاصر قامت نظرية ساطع الحصري التي لمعت سنوات تحت تأثير الخداع والأهواء حتى أن بعض دعاة الماسونية في العالم العربي راح يفسر عن طريقها تاريخ الإسلام كله فيرى أنه تاريخ قومي عنصري عربي. ومن ثم وجهت غارات الحقد والخصومة إلى الأمة الإسلامية وهذه هي الثمرة الحقيقة التي تهدف إليها حركة الغزو الثقافي التغريبي من طرح هذه النظرية القومية، الأقليمية الضيقة العدوانية الوافدة. بديلا عن المفهوم الأصيل "العروبة في إطار الإسلام"كما كان يفهمه شكيب أرسلان ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحسن البنا ومصطفى السباعي ومحمد المبارك.
هذه النظرية المضطربة التي خدع بها ساطع الحصري الكثيرين، التي سايرها كثير من المثقفين قبل أن يعرفوا سمومها العميقة. فلما عرفوها هاجموها وكشفوا زيفها.
والنظرية مضطربة من أساسها. ولو كان ساطع الحصري حسن النية لصحح موقفه من فهم الدين فهما غربيا لائكيا وفهم الإسلام بمعناه الجامع بين العقيدة ونظام المجتمع. لقد اعتمد أساس نظرية مفهوم الدين اللاهوتي بمفهوم أوربا والغرب للدين، ولذلك عجزت النظرية عن أن تنجح في إطار الفكر الإسلامي، بل إن كل العناصر التي عالجها كانت عناصر البيئة الغربية في مواجهة الصدع بين الجامعة المسيحية الأوربية وبين القوميات الإقليمية.  والتي كانت وراءها اليهودية الصهيونية لتمزيق هذه الوحدة والسيطرة على كل قطر على حدة. وهو نفس ما أرادته بالنسبة للجامعة الإسلامية التركية التي وقفت أمام دخول الصهيونيين إلى فلسطين وموقفهم من السلطان عبد الحميد واضح معروف.
إن كل التحديات التي تعالجها نظرية القومية الوافدة لا توجد أساسا في المناخ الإسلامي هذا فضلا عن اختلاف مفهوم (العروبة) عن مفهوم القومية في الغرب فضلا عن اختلاف مفهوم الإسلام عن مفهوم الدين بصفة عامة.
ومصدر خطأ ساطع الحصري أنه عجز عن فهم أبعاد الفكر الإسلامي وأعماقه، وعلاقة العرب بالإسلام، وعاش في مؤلفاته خادما لنظرية القومية الأوربية الوافدة التي قدمها النفوذ الأجنبي من بين ما قدم ليحطم الوحدة العربية الإسلامية الجامعة بعد أن عجز عن فرض الإقليميات القائمة على التاريخ القديم كالفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية.
وذلك أنه لما رأى هذه المحاولات تتهاوى ورأى أن العرب يتجهون إلى الوحدة أراد أن يفرغ هذه الوحدة من مضمونها العقائدي الجامع بين الروح والمادة والعقل والقلب والدنيا والآخرة إلى مفهوم اقتصادي مادي صرف، وبذلك فشلت نظرية القومية الوافدة كما فشلت مناهج التعليم الغربي، والقانون الوضعي وأسلوب التنظيمات السياسية الليبرالية وغيرها.
ولقد وقف ساطع الحصري في وضوح موقف الخصومة والحقد والتعصب على الإسلام كلما عرض له، وقد تجاهله طويلا في أبحاثه كأن العرب لم يعرفوه خلال تاريخهم الطويل. وكانت محاولاته للفصل بين اللغة العربية والفكر الإسلامي من ناحية. وبين تاريخ العرب وتاريخ الإسلام محاولة ساذجة. ثم كشف نفسه وأسقط مكانته كاملة حين اعترف بالقومية اليهودية القائمة على الدين، بينما عارض عنصر الدين في فهم القومية العربية.  وإن كانت كلمة (دين) لا تؤدي معنى الإسلام حين يكون البحث حول العروبة.
وقد ثبت أن ساطع الحصري قد خدم بدعوته وفكره مفاهيم الماسونية والنظرية القومية الوافدة التي كان النفوذ الغربي حريصا على تلقينها للعالم العربي. وهي ليست إلا صورة من مفهوم الإقليمية اللبنانية والمعروف أن ساطع الحصري كان من أعمدة وزارة المعارف في تركيا منذ أوائل حكم الاتحاديين في تركيا العثمانية إلى أن انتهت الحرب الأولى. وإنه كان من أخطر الموجهين للبرامج التربوية والتعليمية في العراق. حيث عمد إلى فصلها عن الإسلام فصلا تاما. وكان دوره أشبه بدور الدكتور طه حسين في التعليم المصري.
لقد حاول ساطع الحصري أن يقيم (فكرا عروبيا إقليميا) منفصلا عن الإسلام في روحه ومضامينه وشريعته. ولقد تجاهل أعمق أثر تركه الإسلام في الفكر والثقافة، واللغة والتاريخ وتجاهل أثر القرآن الكريم في اللغة العربية وفي العرب، ومدى ترابط ذلك إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة بالأمة الوسطى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فربطت هذا العالم الوسط (عالم العرب والإسلام) بروابط تاريخية وثقافية عميقة دعمتها الأديان السماوية التي نزلت في أرض الرافدين، وختمتها رسالة الإسلام العالمية التي نزلت في الجزيرة العربية.


* عجز الحصري عن فهم الفارق بين الكتلة الإسلامية والقومية الغربية وبين العروبة والإسلام:
أشار وليام ل. كليفلاند في كتابه "ساطع الحصري من الفكرة العثمانية إلى العروبة"إلى ما لتربية الحصري (غير الإسلامية) من أثر في توجهه.  القومي فيما بعد مؤيدا في ذلك فلسفة الحصري التي نسبت إلى التربية خطرا عظيما في تكوين الآراء والأهواء والاتجاهات فالحصري تعلم في المدرسة الملكية في إستانبول ولم يستظهر القرآن مثلما كان يفعل معظم تلاميذ السلطة العثمانية في عصره.
ويركز كليفلاند على هذا الفعل في حياة الحصري ويرى أنه هو السبب في أن ظهر في كتاباته بصورة المعادي للإسلام لا لسبب واضح إلا أن النمط القومي الأوربي معاد للكثلكة لسبب تاريخي أوربي خاص.
فالدين في أوربا أخفق فعلا في منع اتحاد أولئك الذين قدر لهم الارتباط بأسباب تتعدى الدين، كما يقول كليفلاند: لكن الإسلام استطاع أن يوحد شعوبا لم تكن العوامل الأخرى قادرة على توحيدها.
لقد أشار كليفلاند إلى تأثير الحصري بموقفه المتناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا وهو ما ليس له مثيل في المجتمعات الإسلامية بل إن كليفلاند يرى أن موقف الإسلام من القوميات يختلف عن موقف المسيحية في الغرب.
ويرى أن الإسلام كان قادرا على التوحيد الحضاري الذي يقوى على الزمن، حيث ينزع الباحثون إلى اتخاذ عروبة القرآن نموذجا على عوامل التوحيد الحضاري وإن كان الإسلام أحدث نتاجات حضارية أخرى فأنشا تراثا غنيا استطاع أن يوحد مجتمعات لم تكن جميعها مسلمة بالضرورة فالفتوحات الإسلامية دفعت المسلمين إلى دراسة الجغرافيا والعلوم العسكرية وتدوين الوقائع والتاريخ وتنظيم الإدارة وتطوير النظم الضريبية والرياضيات والموسيقى والعمارة، وهذه جميعها شكلت حضارة إسلامية ذات سمة خاصة وهي سمت الإنسان المنتمي إليها أيا كان دينه أو مذهبه (١).

.أما الإنتاج الحضاري في أوربا في عصر ظهور القوميات فسلك مسالك مختلفة أهم ما فيها اللغات العامية هي التي عبرت عن هذا الإنتاج الحضاري فكان لا بد من أن تثور القوميات الناشئة على السلطة الاسمية التي كانت تمثلها الكثلكة، في مؤسساتها وسلطانها، أما الإسلام فلم يكن له يوما تلك المؤسسة الدنيوية المركزية الكهنوتية ولا احتكرت فيه التشريع جهة من الجهات وكانت له في المقابل لغة واحدة لجميع المسلمين. اهـ.

هذه هي الفوارق العميقة بين الإسلام والعروبة وبين المسيحية والغرب والقوميات التي عجز ساطع الحصري عن فهمهما حين حاول أن يطبق النموذج الغربي في العلاقة بين المسيحية والقوميات على الإسلام والعروبة.
ومن هنا كان فشله وسقوط نظريته وعجزها عن الاستجابة الحقيقية، على هذا النحو الذي كشف عنه وليام كليفلاند في كتابه عن ساطع الحصري.
ويقول كليفلاند: إن الإسلام لم ينقض العروبة بل أغناها وأمدها بكابحات حضارية جعلتها صفة وسمة خاصة بين الأمم، وأمكنها من أن ترث مهمة مقارعة الغرب التي حملها الفرس على عاتقهم عشرة قرون منذ ما قبل الإسكندر، وأصبحت هذه الحضارة الإسلامية عند العرب من سمات قوميتهم وملامحهم المميزة أيا كانت عقيدتهم الدينية.
وغاية ما يقول كليفلاند: أن التناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا لا نجد له مثيلا في المجتمعات الإسلامية، وهذا هو سر موقف الحصري الجاف من الإسلام غير أن البعض يرى: أن ساطع الحصري انتقل من مفهوم الاتحاديين حول القومية الطورانية إلى العروبة أو نقل مفهوم الاتحاديين إلى العروبة أو حاول تقديم المفهوم العلماني الذي تجمع حول فكر الطورانية الذي قدمه أعداء الإسلام وأصحاب الولاء الغربي، حيث حاول تقديم هذا الفكر.  في قضية الإسلام والعروبة ومن هنا كانت تجاوزاته ومحاذيره" (١) اهـ.


* سلامة موسى الكاره للإسلام .. الدجال .. كالشجرة التي تنبت مرا، لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر:
"محاولة إعادة سلامة إلى الحياة محاولة خاسرة وقد باءت بالفشل الذريع. سلامة موسى الرجل الذي لم يعرف له في تاريخه الطويل موقف يدعو فيه لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني وقد سقطت جميع آرائه وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
لقد كانت كل كتابات سلامه موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره ولقد عرف أن سلامة موسى كان يلفظ الإسلام والمسيحية معا وهو الذي أضاف إلى قائمة الرسل والأنبياء: فرويد وماركس ودارون ولينين.
كان السؤال الهام في الندوة عن الظاهرة الخطيرة التي حاولت بها بعض الجهات طرح كتب سلامة موسى في السوق مرة أخرى بأعداد كبيرة، ونشرت عديدا من كتبه ما عدا كتابه "اليوم والغد"الذي قال بعض أصحاب الولاء: أنهم لن يعيدوا طبعه والسر أن هذا الكتاب يكشف حقيقة سلامة موسى، ودعوته المسمومة، والشعوبية والماركسية جميعا.
والحق إن كتابات سلامة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمثل أي عطاء ثقافي بعد أن سقطت كل هذه الدعاوي التي روجها الاستشراق والتغريب في الثلاثينات والأربعينات .. شأنه في هذا شأن طه حسين ومحمود عزمي وعلي عبد الرازق ومن تبعهم أمثال حسين فوزي وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.   والواقع أن النفوذ التغريبي لا يهمد ولا يتوقف عن غاياته وإن بدا أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالا جديدة بتلك السموم التي قدمها على أيدي عملائه ثم تكشف زيفها.
دعا سلامة موسى إلى استعمال العامية وهدم العربية وجدد الدعوة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية "وجدد الدعوة بعده كثيرون ولم يصلوا إلى شيء.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية، وجدد الدعوة إلى إبطال حكم من أحكام الدين وذلك بشأن ميراث المرأة، وقد لقنه الباحثون درسا قاسيا مريرا.
دعا سلامة موسى إلى الماركسية وقد كشفت الأيام زيف دعوته وفساد وجهته.
والحقيقة أن سلامة موسى لم يكن إلا رجل يحمل التراب فيذروه في وجه الناس حقدا وكراهية لهذه الأمة أن يتحقق لها امتلاك إرادتها وخدمة لكل التيارات الحاقدة عليها والكارهة لها. ولقد كان الكاتب في هذه الفترة يعترف بأنه ماركسي أو غربي أو داعيا لفرنسا أو إنجلترا ولكن سلامة موسى كان يعمل لكل هذه الجهات عن طريق الماسونية والمخطط الصهيوني الذي كان يحتضن كل فكر هدام .. فكان ينثر من كتابته مقتطفات عن (دارون) ومذهبه، وعن (فرويد) ومذهبه، وعن إقليمية مشوبة بالفرعونية، وعن العامية مشوبة باللاتينية ويحتضن كل كتاب هذه السموم من (ولكوكس) إلى (ماركس) ويدعي! ويناقض دعوته بمدح الخديو إسماعيل، وموالاة الاستعمار البريطاني ولا ريب فقد تخرج سلامة موسى من مدرستين:
من مدرسة تربية أبناء العرب الذين يقعون في فخاخ القوى العظمى فقد.  .دار الهلال البرهان القاطع على تلونك وغدرك".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. فقد أرسل خطابا (نشرت صحف دار الهلال) صورته الزنكغرافية موجها إلى الأستاذ حسين شفيق المصري في ٣ نوفمبر ١٩٣٠ هذا نصه:
عزيزي حسين:
بعد التحية: تعرف الخصومة بيني وبين السوريين (أي أصحاب دار الهلال) فأرجوك أن ترسل لي خطابا على لسان سوري وقح يشتمني فيه بإمضاء إسكندر مكاروس أو غيره من الهكسوس. وأنا في انتظار الخطاب.
أخوك سلامة موسى
وقد علق الأستاذ حسين شفيق المصري على هذا يقول:
كان يريدني أن أزور خطابا، وأن أفتري على أمة، وأن أنزل إلى الدرك الأسفل من النذالة بالكيد لقوم ليس بيني وبينهم غير الصداقة والمودة.
هذا اللعب من لعب الصبيان فعجيب أن يكون منه وهو ينادي بأنه فيلسوف من علماء النفس، أغفر له كل شيء إلا أن يظن بي ما ظن من الجهل والحمق. وهو يدعوني إلى كتابة ذلك الكتاب الذي أشتمه فيه بتوقيع رجل بريء لا ذنب له إلا أن في الدنيا رجالا لا يحاسبون ضمائرهم، ولا يرون أبعد مما بين أنوفهم وجباههم".
بل ويذهب سلامة موسى إلى أبعد من ذلك فيقول:
"ومما يدل على أن حركتنا الوطنية بأيدي ناس غير قادرين على الاضطلاع بها أن الحركة التي قامت في العام الماضي وكانت غايتها اصطناع القبعة قاومها زعماؤنا وقتلوها في مهدها. فأثبتوا بذلك أنهم لا يزالون آسيويين في أفكارهم، لا يرغبون في حضارة أوربا إلا مكرهين. وقد أدرك مصطفى كمال الذي لم تنجب بعد نهضتنا رجلا مثله ولا ربعه ولا يعرف.  مقدار ما للقبعة من القيمة والإعلان بالانسلاخ عن آسيا، والانضمام إلى أوربا، ولم يمنع استعمال السيف في هذا".
ويقول: هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا وجهرا فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق .. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية.
ويقول: وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب، وبعثرة لقواهم. وكيف يمكننا أن نعتمد على جامعة دينية بينما في العالم نظرية تقول: أن الإنسان لم يكن راقيا فانحط كما تقول الأديان. بل هو كان منحطا فارتقى تعني بها نظرية التطور بل كيف يمكن لإنسان مستنير قرأ تاريخ السحر والعقائد أن يطلب منه أن يخدم جامعة دينية. إن الجامعة الدينية في القرن العشرين وقاحه شنيعة".
ويقول: "لا عبرة بما يقال من أن الإسلام أمر بالشورى فإن خطب جميع الخلفاء تثبت أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم نظرا بابويا بل البابا نفسه إذا قيس إليهم في بعض الأشياء يعد دستوريا".
ويقول: "إن أكبر تجربة اجتماعية رآها العالم هي الشيوعية الروسية الحديثة وظهور الشيوعية هو بمثابة حاجز بين الماضي والمستقبل فهي تفصل الاثنين فصلا واضحا وهي على ما فيها من نقائض اليوم وعلى ما ينال الناس البعيدين عنها من الرعب، فإنها ستكون بذرة لجملة أنظمة اجتماعية في المستقبل".
وهكذا تحوي كتابات سلامة موسى كل السموم التي علموه أن يثيرها في أفق العرب والمسلمين يوما بعد يوم، علموه أن الاشتراكية هى الهدام.  الأكبر للمسلمين وازدراء كل ما هو عربي، والدعاية الشيوعية، وكذلك الدعاية للإباحية.
يقول سلامة موسى: "ليس من مصلحة الإنسان أن يعيش في قفص من الواجبات الأخلاقية، يقال له هذا حسن فاتبعه وهذا سيئ فاجتنبه".
وعلموه الدعوة إلى التبعية للغرب وللاستعمار.
يقول سلامة موسى أيضا: "أجل يجب أن نرتبط بأوربا، وأن يكون رباطنا بها قويا نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها من اكتشافات واختراعات وننظر للحياة نظرها، ونتطور معها تطورها الصناعي، ثم تطورها الأشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجري وفق أدبها بعيدا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها".
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره، هذا الفكر الذي تجاوزه المسلمون والعرب اليوم وإن كانوا قد خدعوا به هناك يوم كان دعاة التغريب تعوي كتاباتهم بالسموم!!
إن ما قدمه سلامة موسى عن الماركسية والفرويدية والدارونية هي كلمات مجمعة قد جاوزها البحث العلمي الآن، وكشف زيفها فقد ظهر الآن فساد ما دعا إليه دارون وتبين أن وراء إذاعة دعواتها ونشرها كانت التلمودية التي تريد أن تقول: أن الإنسان حيوان لتمهد لفرويد اليهودي نظريته في الجنس وكانت الماركسية والفرودية والداروينية من أدوات الفكر الصهيوني، الذي حاول أن يؤسس مدرسة في البلاد العربية والإسلامية. كما دعا إلى البهائية التي عرفها في لندن سنة ١٩١٠ عندما اتصل بجماعة الدهريين ولم يدع كتابا من كتبهم لم يقرأه وكانت معظم مؤلفاتهم في نقض الأديان السماوية -على حد تعبيره- ولا بد أنه اتصل بمحافل الماسونية، وتعلم فيها فإن كل اتجاهه كان ماسونيا تلموديا ولم تعرف حقيقته إلا بعد أن ترجمت.  بروتوكلات صهيون إلى اللغة العربية عام ١٩٤٨، وأن كل محاولاته وخططه كانت ثمرة هذه التبعية الماسونية التلمودية وقد أشار كثيرون إلى أنه لم يكن مسيحيًا صادقًا وإنما كان ولاؤه لفرويد وماركس.
وقالوا: الشجرة الفاسدة تثمر ثمرًا رديئًا، وكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار.
ولا ريب أن دعوة سلامة موسى إلى وحدة الأديان هي من مفهوم البهائية، وأن اهتمامه بالسلطان "أكبر"الهندي الذي أجرى هذه التجربة داخل في دعوته، كذلك دعوته إلى وحدة الوجود، ومذهب (سيبونزا) في وحدة المادة والقوة والروح والجسد هي من طريق خطه الواضح وكذلك فهو يرى أن حرق جثمان الميت أطهر وأنظف!!
وقد تمنى سلامه موسى أن يحرق جسمه بعد موته، وقد عمل على نشر آراء تولستوي وغاندي؛ لأنها تحاول مواجهه مفهوم الإسلام الجامع ومفهوم الجهاد وحتى ديانته المسيحية فإنها لم تسلم من هجومه وهو يعتقد أنها حجبت عن عقول الناس نور الثقافة اليونانية وحريتها، وأن هذا الحجب والحجر ظل ألفًا وخمسمائة سنة حتى بدأت بشائر النهضة الأوربية التي كان أساسها الخروج عن سلطان الكنيسة وإطباقها على النفس والعقل البشريين، والعودة إلى أسس الثقافة اليونانية وحريتها.
وقد بشر بدين جديد دعا إليه ودخل هذا الدين في عقيدته أنه (دين البشرية) كما يسميه، وهو ما دعا إليه (أوجست كونت)، ويرى أن دين البشرية بذرة من ديانة بوذا وهو دين لا يدعو إلى الإيمان بالله، أو الخلود في العالم الثاني، ولا ريب هذا الاتجاه الذي استكمله بأنبياء آخرين آمن بهم هم ماركمس وفرويد بوحي بماسونيته وولائه التلمودي الصريح، كذلك فإن دعوته إلى العالمية هي دعوة الصهيونية العالمية التي تريد هدم الأمم. المسلمة في.  مرحلة ضعفها واحتوائها للسيطرة عليها وتذيبها في أتون الأمية.
ولا ريب أن حملة سلامة موسى على اللغة العربية الفصحى، والشعر والأدب العربي هو دعوة مبطنة للحملة على الإسلام والقرآن وهي الدعوة التي حمل لواءها لويس عوض من بعد وتؤكد دعوته في مجموعها موالاة الدعوة الشعوبية التي ترمي من وراء القضاء على العرب وكيانهم إلى القضاء على الإسلام باعتبار أن تلك هي قاعدته الأساسية.
لقد كانت أصدق كلمة لباحث معاصر أنه لم يعرف لسلامه موسى مقال وطني واحد دعا فيه إلى تحرير مصر من الاستعمار البريطاني.
إن محاولة إعادة سلامة موسى إلى الوجود محاولة باطلة فقد سقطت آراؤه جميعًا وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.


* ما هو رأي مصطفى صادق الرافعي في سلامة موسى؟
يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
رأيي في سلامة موسى معروف. لم أغيره يومًا. فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مرًا. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر، ما زال يتعرض لي منذ خمس عشرة سنة، كأنه يلقي عليَّ وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية، فأخزاه الله على يدي، وأريته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب ساقط لا قيمة له.
وفي اللغة دعي لا موضع له، وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عن هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنيء من ناحية أخرى، فقام يدعو إلى (الأدب المكشوف) فأخزاه الله مرة أخرى ولم.  يزد بعمله على أن انكشف هو، فلما خاب في الناحيتين، اتجه إلى الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن، وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنًا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية، وانفتح الباب المغلق الذي حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه (كمبيالة) تحت إذن وأمر (سلامة موسى) إذا محيت العربية أو غير المسلمون دينهم أو أبطلوا قرآنهم، فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية؛ ليقطع المسلمين عن تاريخهم، وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم، ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، الوطنولوجيا، ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال.
ويقول الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تحت عنوان:
سلامة موسى ليس بشيء إن لم يكن دجالاً!!
بضاعته بضاعة الحواة المشعوذين وله حركاتهم وإشاراتهم وأساليبهم.
يزعم نفسه أديبًا، وتعالى الأدب عن هذا الدجل، ويدعي العلم، وجل العلم أن يكون هذا دعاؤه، ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب، والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب، ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضة، وأن يقصوا عن مجاله هؤلاء الواغلين الذين.   يتخدون أسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولاً لهم، ويتذرعون بالتهجم على الدين -على دين واحد في الحقيقة- وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس، ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم".


* سلامة موسى: دارون ونظرية التطور:
حاولت قوى التغريب دفع أفكار سلامة موسى إلى أبعد مدى بعد أن هلك، ولكن لم يكن ذلك ليجد أي صدى، فقد تقادم العهد الذي كانت كتاباته تملأ نفوس الشباب ببريق خاطف، وتبين فساد النظريات الثلاث التي دافع عنها وسقوطها:
ا- نظرية اللادينية والعلمانية، وهذه قد تداعت في داخل المجتمعات التي دعت إليها وظهرت بها.
٢ - نظرية داروين التي تكشفت الأخطاء عن فسادها وزيفها.
٣ - نظرية التحليل النفسي لفروديد وقد اعتورها زيف كبير ونكشف عن أنها نظرية تلمودية تستهدف تدمير الإنسان وتحطيم وجوده.
يقول الأستاذ لمعي المطيعي: أن سلامة موسى وجه سهم قلمه مباشرة إلى عقيدة المصريين جميعًا، حيث ترجم في وقت باكر كتاب "نشوء فكرة الله"لجرانت إليه، فهم يؤمنون إيمانًا راسخًا بالخالق (خالق السموات والأرض) فلماذا يأتي هذا الكاتب ليعرض عليهم هذه الأفكار وما مدى اقتناعه هو نفسه بها سيما وإن كان قد تتلمذ على أفكار شبلي شميل وكتب عن الدارونية ونظرية التطور ودعا إلى العلمانية.
وقال: الانطباع الأول هو الانطباع الأخير.
لقد غفل الكاتب عن حقيقة جوهرية، وهي أن الأمة العربية تحرص. 
على التطور والتقدم والتحديث من خلال المحافظة، على العقيدة وليس عن طريق التناقض معها أو مواجهتها إذ أن الشعوب العربية تؤمن بأن العقيدة لا تتناقض مع العلم بل إنها تدعو إليه.
ومن أعماله أنه طالب باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية في الكتابة على زعم أن الكتابة بالحروف اللاتينية أيسر، فثار أهل العربية -على حق- ضد هذه الدعوة ووجدوا منها سندًا جديدًا على اتجاه الكاتب: (المعادي لعقائد الناس ولغتهم).
وقد تتلمذ سلامة موسى على أفكار لطفي السيد وفرح أنطون ويعقوب صروف".
ويقول نعمان عاشور الذي كان يحضر مجالسه الخاصة: إن آراءه واتجاهاته كانت تجنح في معظمها للتطرف الجارف والخروج عن المألوف، وكان يخفي نزعته الطائفية وراء ستار رقيق من العلمية، ولكنه اضطر أن يكشفها في مقالاته في جريدة مصر، وكان يكشفها لتلاميذه في اجتماعاته الخاصة مع دعواه الدائمة في كتاباته إلى نبذ التعصب وإبعاد الدين عن الخلافات السياسية والمذهبيات الاجتماعية والتطلعات الوطنية والقومية.
وقد دعا إلى الفرعونية، وكتابة العربية بالحروف اللاتينية، وكانت له نظرات محددة في معالجة الجنس فضلاً عن النظرة الاشتراكية.
وقد عمل سلامة موسى في جمعية الشبان المسيحية، ما وصفه نعمان عاشور بأنه "حدبة على الشباب"وندواته ومحاضراته ومناظراته التي كان يشترك فيها وملتقى كبير من الشباب المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يؤمنون بما يعتقده.
ا- الاتجاه إلى المذاهب الاشتراكية.
٢ - الإيمان بالغرب.
٣ - كراهية الإسلام.
وكان يوزع على الجالسين ورقة صغيرة يكتب كل منهم رده على ما سيوجه إليهم من أسئلة كشباب ليعطوها له في آخر الجلسة حيث يقوم بعمل حصر ميداني لمشاكل الشباب.
وقال: أنه صودر في حملة عام ١٩٤٦ مع زكي عبد القادر وعصام الدين حفني ناصف.
وكان قد أقام في لندن أربع سنوات تأثر فيها بالحركة الاشتراكية الفابية وكان معجبًا ببرنارد شو وتتلمذ على يعقوب صروف وفرح أنطون، وكان له دوره في مجلة الهلال".
ولا ريب أن كتابة "نعمان عاشور"تكشف الكثير وتلقي الضوء على الخطة التي كانت تقوم عليها جمعية الشبان المسيحية في الثلاثينات بالاشتراك مع الجامعة الأمريكية من ناحية أخرى في التبشير واجتذاب الشباب، ومع الدور الذي كان يقوم به طه حسين في كلية الآداب، ومدرسة السياسة (محمود عزمي وعلي عبد الرازق) في حزب الأحرار الدستوريين.
وذلك مخطط مدروس كشفنا عنه في كثير من الدراسات وهو نمو طبيعي لمدرسة سعد زغلول ولطفي السيد في التعليم والصحافة والأحزاب الموالية لكرومر والاستعمار.
ولو أفصح الأستاذ نعمان عاشور لقال: أن سلامة موسى كان يجتمع بالشباب بعد اختباره والتعرف عليه في غرفة مغلقة في جمعية الشبان المسيحية وكان يتناول أخطر المسائل بالنسبة للإسلام والقرآن بعد التأكد من أن الحاضرين عليه يحتقرون الإسلام ويسخرون منه، وكان ذلك كله مددًا لمعهد شارع المناخ الذي كان يديره (هنري كوريل) اليهودي الميسور الذي أنشا في مصر خلايا الشيوعية وأحزابها والذي ينتسب إلى التلمذة عليه عدد كبير من.  الأسماء اللامعة الآن في مجال اليسار والشيوعية.
- وعندما تطالع مواد العدد الأول من المجلة الجديدة (ديسمبر ١٩٢٩) التي أصدرها سلامة موسى بعد أن فصل من دار الهلال تجد أنه أراد أن يسجل برنامجه التغريبي كاملاً فأورد هذه الموضوعات:
- العلم وحده (محمود عزمي).
- المجددون يقولون بالتطور (سلامة موسى).
- دارون، الفرعونية، الإغريق.
- الصراحة في المسائل الجنسية.
- البهائية، الرجعية، الوطنية والعالمية.
- التجديد في تركيا.
- الشرق شرق والغرب غرب.
- المصريون أمة غير شرقية.
- دين البشرية.
- الأزمة الدينية في العالم.
- اللغة العربية.
- المادية.
- العقل وحده، غاندي.
- السفور في العالم الإسلامي.
- فولتير، هافلوك إليس، نيتشه.
- البشرية دين جديد.
- التعليم.
- السلفيون والمجددون.
- أرايت أيها القارئ المسلم هذه الموضوعات: هل غادرت قضية واحدة. 
من قضايا التغريب، ما أحوجنا إلى بحث جامع في الرد على العدد الأول من المجلة الجديدة!
واليوم وبعض أبناء سلامة موسى يجددون تراث أبيهم تراهم يخافون طبع كتابه "اليوم والغد"؛ لأنه يكشف خطته ومؤامرته على العروبة والإسلام واللغة العربية (وهو كتاب قرأته وأنا في السابعة عشرة)، لكنهم يطبعون كتاب "الثورات"الذي هو خدمة أساسية للفكرة الماسونية التي تعمل على تحطيم الأنظمة الروحية والاجتماعية والأخلاقية في العالم الإسلامي، معليًا من شأن الثورة الفرنسية على أساس أنها قمة الثورات، وإعلان، الإعجاب بها مع عدم تعمق الفهم للدوافع والغايات التي أحاطت بها، وأنها هي ثورة الماسونية الحقيقية التي أخذت تعدلها منذ عصر فولتير، ورسو، وديدرو والتي غيرت وجه أوربا كله في سبيل تمكين اليهود للخروج من الجيتو وإحلال الانتماء الوطني بديلاً للانتماء الديني، والقضاء على التنظيمات المسيحية التي حاولت وقف خطرهم وسيطرتهم، وتحطيم وحدة الجامعة المسيحية في أوربا، بل إن البروتستانتيين كما يبين من بعد كانوا في خدمة أهداف الماسونية والصهيونية وأنهم حتى الآن هم المؤيدون لفكرة وجود اليهود في إسرائيل".
- وبعد فإن مفتاح شخصية سلامة موسى هو كراهيته للإسلام والعمل في كل معسكر معادٍ له، ويبدو أن سلامة موسى حين ذهب إلى لندن جندته الماسونية العالمية بذكاء خارق واستغلت نحلته على النحو الذي اسُتُغِلّ به شبلي شميل في مهاجمة الدين بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة" (١) اهـ.
وذهب شبلي شميل وسلامة موسى إلى مزبلة التاريخ مع الدّجالين الذي تلعنهم السموات والأرضون والناس أجمعون.
 
* توفيق الحكيم ينكر رؤية الله في الآخرة ويخوّل لنفسه أن يتكلم باسم الله:
"منذ أن بدأ توفيق الحكيم كتاباته الأولى كان واضحًا أنه مغرب وأن أمانته للفكر لغربي أكبر من أمانته للفكر الإسلامي العربي وعندما كتب أكبر أعماله: أهل الكهف وسليمان الحكيم، اعتمد على التوراة مصدرًا للقصة، وبذلك جار على مفهوم الإسلام الذي قدمه القرآن الكريم وهو في مختلف القضايا الكبرى المثارة أخذ جانب التغريب (رأيه في العرب، الفن للفن، لا يوجد اليوم شرق، القبعة) وهو الذي عاش في كنف النفوذ الاستبدادي مؤيداً ومساندًا حتى إذا تغير الوضع أعلن موقفًا جديدًا ثم هو الموالي لكل تيار: الاشتراكية، لوجودية، اللامعقول، الفرعونية، اليونانية، وفي القصة انتقل من الواقعية إلى الرمزية، إلى اللامعقول وفي آخر حديث له قال: إن كل أعمالي التي تبت العمر فيها لا قيمة لها، ضيعت حياتي في كتب كان يخيل إلي أن لها قيمة، ربما كانت لها قيمة في الثلاثينات والأربعينات ولكن بعد الخمسينات لا أظن.
ولم يكن توفيق الحكيم إلا ناقل فكر غربي من مختلف مدارس المسرح والقصة وكان للمسرح والقصة اليونانية والغربية بهرًا في مطالع المرحلة، ولكن ثقافة الأمة وذوقها قد تحول، وبدأت أشياء جديدة تأسر العواطف والمشاعر.
أما موقفه من العرب، هذا الموقف الكاره الذي يقوم على انتقاص الأمة التي أختيرت لحمل رسالة الإسلام، بعد أن تهاوت أمانة الرسالة لدى أمم أخرى، فهو موقف مبني من الأمم الحاقدة التي لها ولاء خلف الإغريق والوثنيات، يقول توفيق الحكيم: في مسرحية "شهر زاد"صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية. كانت الفلسفة.  الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون، وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما قال نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الالحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد صدم هذه العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد".
- وتوفيق الحكيم الذي يعترف بأولياته ومصادره على هذا النحو هل استطاع أن يتحرر منها بأن يعود إلى أصالته أم أنه مضى منطلقًا في هذا الطريق الذي شقه ومن قبله العلمانيون التغريبيون أمثال طه حسين، ومحمود عزمي، الواقع أن توفيق الحكيم لم يغير طريقه وإنما مضى فيه إلى أبعد الحدود حين وصل إلى الحوار مع الله في السنوات الأخيرة والسخرية من ملائكة الله، ومن ملك الموت على وجه الخصوص في عديد من كتاباته وأحاديثه.
- أما وقائع حياته فهي تكشف عن تبعية واضحة للفكر الغربي فهو من أوائل الدعاة إلى القبعة الأوربية واتخاذ الحضارة الغربية منطلقًا للعرب والمسلمين، وهو الداعي إلى الإقليمية المصرية ذات الطابع الفرعوني الكاره للعرب والمسلمين، وهو صاحب التبعية للنسق الغربي في الأدب والولاء للصهيونية العالمية والتلمودية، وقد تساقطت دعاواه ومذاهبه ومنطلقاته على مدى الأيام حتى أعلن ذلك صراحة في السنوات الأخيرة، ولكن المرحلة الجديدة من أحوال مصر والبلاد العربية جددت فيه الأمل مرة أخرى إلى التشكيك وإثارة البلبلة واقتحام مجالات لا يحسنها، وعرفت عنه تقلباته المتوالية، فبعد أن نعم بالعصر الناصري، عاد فأعلن هجومه عليه، ثم فعل كذلك مع السادات.   مصرًا على ما كتب غير مقتنع بأنه أخطأ وقال بالنص: إني لم أرتكب خطأ؛ لأن كلامي مع الله كان صريحًا، وليكن الأسلوب ما يكون ولكني لن أغير كلمة واحدة منه وقد جاء في مقالاته تجاوزات خطيرة:
أولاً: الاجتراء على مقام الله تعالى حيث لا يجوز لمسلم أن يتخيل حديثًا مع الله فهذا اجتراء على مقامه.
ثانيًا: التشكيك في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثًا: قوله: إن الأديان نسبية ودعوته إلى التسوية بين الأديان السماوية.
رابعًا: الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة.
خامسًا: ادعاؤه أن العلماء التجريبيين غير المسلمين يدخلون الجنة.
سادسًا: مهاجمته للغة العربية ودعواه أنه لا يُنتفع بها وأن عصرها قد انتهى.
- كشف توفيق الحكيم عن نفسه في كتاب "زهرة العمر"فقال:
إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا، كل آلامي مرجعها هذا التناقض في حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة (١٩٤٣).
والحقيقة أن مراجعات الحوار مع توفيق الحكيم التي أجراها العلماء عام ١٩٨٣م، وبعد أربعين سنة تحتاج إلى هذا النص حتى يمكن تفسيرها وتوضيحها.
وإذا كان توفيق الحكيم يزعجه أن يواجه بأخطائه مما لم يحدث لطه حسين وغيره فإن عليه أن يعلم أن هذا ليس نفوذ علماء الإسلام بل هو طبيعة الصحوة الإسلامية فقد مضى العهد الذي كان التغريبيون يخوضون في الأمور ما ليس من حقهم ثم لا يجدون من يواجههم ويكسر منطلقهم الباطل،. وقولته: "إن علماء الدين يريدون أن يكونوا لهم وحدهم حق تشكيل عقلية الأمة على أساس العلم الديني الذي درسوه في الكتب المعتمدة وطبقًا للنصوص التي قرأوها وأقروها وحدهم دون أن يقبلوا تطورًا في أصولها أو أي شيء من المعارف التي تصل إلى تفكيرهم بالحياة على النحو الذي يعيش عليه الجزويت".
- إن هذا النص يوحي بأن توفيق الحكيم لم يستطع خلال أكثر من أربعين سنة أن ينظر إلى اليقظة الإسلامية وما زال غارقًا في بحيرة الجزويت ومفاهيم المسيحية الغربية، ونحن نقول له: إن المواجهة التي يلقاها ليست مواجهة علماء الدين ولكنها هي تصحيح لمفهوم الإسلام الأصيل الذي هو وحده الذي يشكل عقلية الأمة، وليس هو العلم الديني بمفهوم اللاهوت الغربي، ولكن بمفهوم العلم الإسلامي الجامع المتكامل الذي يمثل حقيقة المنهج الصحيح للفكر والثقافة والذي يواجه كل فكر وثني تغريبي مادي علماني يحاول أن يدخل ساحة الفكر الإسلامي متسللاً على النحو الذي يقوم به توفيق الحكيم والتطور في الوسائل وليس منهج الإسلام الذي يجمع بين الثوابت والمتغيرات والقابل للمتغيرات والتحويلات وليس بمفهوم التطور الذي يطبقه توفيق الحكيم على الأيدلوجيات والأديان البشرية.
- من أخطائه في هذه الأحاديث: أنه ليس من حق أي إنسان أن يقول: أنه يفهم الدين كما يشاء، فقد تفهم الفلسفات والأيدلوجيات، أما الدين السماوي الإلهي فيجب أن يفهم كما فهمه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن خيانة الأمانة أن يفسر أحد مهما بلغ من الثقافة العصرية أن يفسر الدين بعقله، وأن أمور الدنيا يمكن أن تفكر فيها بالعقل، ولكن الدين تفكر منه بعقلية عصر النبوة، وأن القول: بأن كل واحد ما دام قد تعلم وتنور وقرأ كتبًا وصحفًا فله أن يفهم الدين كما يشاء، هذا قول مردود، والدين لا يكون دينًا إلا من.   مدرسة النبوة، من النبع.
- أما مسألة التخيل في الحوار فإن ذلك مخالف للقرآن والسنة والشريعة وكذلك خطأه في القول بنسبية الأديان، وخاصة الدين الإسلامي، وبقوله: أنه لا يشترط لدخول الجنة شهادة: "أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله"أما دعوى الاجتهاد فإنه لا اجتهاد مع النص، بمعنى أنه إذا وجد الحكم فيها وإلا فإنه لا يصح إلا للعلماء المتخصصين في الدين أن يجتهدوا، وهو ما لا يصح له.
أما دعواه بأنه اعتمد على القرطبي، فإن الكتب فيها مسائل خلافية كذلك لا يؤخذ المعنى من هذه الكتب مبتورًا أو يؤخذ من غير سياقه أو يقرأ على غير وجهه، فإنه يأخذ ما يأخذ ويدع ما يدع، وإذا كان لكل إنسان أن يفكر كما يشاء فإن ما يقدم للناس يجب أن يكون بعيدًا عن ما يثير الشكوك والشبهات.
وعندما دُعي إلى أن يعتذر إلى الله وأن يخرج من مقام الندية لله أصر على ما كتب، وقال: أنه يعبر عن شعوره الداخلي، إذا كان ما قال يعزى إلى تصوفه فإن التصوف لا يمكن أن يكون خروجًا على الإسلام، أما حكمه على العلماء غير المسلمين بأنهم يدخلون الجنة فحكم باطل؛ لأنهم ما لم يقولوا: لا إله إلا الله؛ فلا يدخلوها.
- وقد كشف العلماء له أنه استخدم عبارات غامضة ومجازات بعيدة من شأنها أن تشكك الناس في أمر دينهم، وأن المناجاة لا بأس بها، ولكن التأليف والتخيل على لسان الله تبارك وتعالى فإنه يدخل تحت باب قوله تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}؛ لأن التأليف والتخيل غير حق.
- وقال الشيخ الشعراوي: أنه نزع صفة كلام الله الأزلية، وأعطاها. صفة البشرية الزائلة التي تنقض غدًا أو بعد غد، ولكنه قيد مراد الله تبارك وتعالى في إرادته هو فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته، ذلك لأنك عندما تنقل كلاما على لسان الله تبارك وتعالى فكأنك قيدت إرادة الخلق بإرادتك أنت أيها المخلوق.
- أما عن دفاع الأدباء عن توفيق الحكيم فهو عن غير حجة تلزم من يقرأها ولكن عن عاطفة، وعلى الذين يخافون على توفيق الحكيم الحي الآن أن يغاروا على توفيق الحكيم حين يلقى الله فيجنبوه أهوال هذا اليوم بالنصيحة وبالحكمة بدلاً من أن يزينوا له طريقًا لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
- وقال الشيخ الشعراوي: أما ادعاؤه بأن اللغة لا ينتفع بها وأن عمرها قد انتهى كيف يمكن أن ينقل العالم نتائج ما يحدث في معمله إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن يقرأ أي إنسان ويستوعب ما فات إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن ترث البشرية كلها حضارة عن حضارة عن حضارة، إلا باستخدام اللغة.
إن اللغة التي يسخر منها توفيق الحكيم هي الأساس لكل شيء وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى، لتأخذ البشرية حضارتها جيلاً بعد جيل وترتقي وتتقدم ومن المستحيل على البشرية كلها أن يرث جيل الجيل الذي قبله في العالم إلا باللغة".
أما نسبية الأديان فيقول الشيخ الشعراوي: لا يمكن لأي إنسان أن يدعي أن الدين الخالص لله له حكم مع واحد وحكم مع آخر فالأحكام على كل خلق الله بلا تفرقة، فالأديان كلها من الله، وكيف تكون الأديان من الله سبحانه وتعالى ثم تنطبق عليها النسبية وهي شيء متغير، هل النسبية بالنسبة.   للمصدر أم أن الله سبحانه وتعالى هو وحده مصدر كل هذا، لا أعتقد أن هناك دينًا قد جاء من السماء يقول: لا إله إلا الله ودينًا آخر يقول غير ذلك فالدعوة إلى عبادة الله تبارك وتعالى لم تتغير من بدءِ البشرية وإلى نهايتها فلا يوجد حكمان يتناقضان بالنسبة للشيء الواحد حتى يمكن أن نقول: أنها نسبية، ونسبية الأديان التي يقول بها توفيق الحكيم معناها أن الله متغير والله سبحانه وتعالى ثابت لا يتغير والعقيدة لم تتغير منذ آدم حتى الآن ولا يوجد أي تناقض أو تقابل والعقيدة في كل الأديان سواء، وكل نبي جاء بدين يؤكد ما قبله ولا يلغي ما قبله بل يضيف إليه ويصحح ما حرفته البشرية إرضاء لأهوائهم".
- من يتابع المحاورات التي دارت بين توفيق الحكيم وعلماء الإسلام يحس بأنه مراوغ كبير، وفيه خبث شديد، وفيه سذاجة في الفهم إلا من كلمات ملقنة يرددها، وهو بالطبع قد رحب بنشر هذه الأحاديث عملاً بنصيحة المبشرين، أن يردد كلمات مسمومة في وسط الأحاديث من شأنها أن تثير الشبهات في نفوس الذين يقرأونها، وكل الخيوط التي تجمعها هذه الأحاديث توحي بسخرية شديدة بالوقائع فضلاً عن استشهاده بالأحاديث التي لم تثبت ومحاولة القول: بأن هذه الأحاديث نشرتها الأهرام من غير إذنه وقد تحدث كثيرون عن الربط بين نشر هذه الأحاديث وبين إسلام جارودي، وحضوره في مهرجان الأزهر والأمور في نظر توفيق الحكيم محددة بالحدود المادية الصرفة، وبالعصر الحالي وحده، فهو ليس بقادر على أن يستشرف الآفاق التاريخية أو المقبلة بالرغم من دعواه بأنه قصاص متخيل، وتوحي أحاديثه بأنه يعيش مرحلة اليأس المنكفئ على النفس، وقد ذهب كل ما قدمه، كحصاد الهشيم، دون أن يبقى منه شيء، وأن الفكر الإسلامي في الصحوة القائمة قد بدد كل نظرياته التي قدمها عن الفن للفن وحرية الكاتب
والقصاص في أنه يقول كل شيء دون تقدير مفهوم الإسلام بتقديم الأخلاقي على الجمالي، وبأن للفن في عالم الإسلام وجهة تختلف، وكأنما يرى توفيق الحكيم إزاء الصحوة الإسلامية، وهو يجيش بالكمد والكراهية. ولا ريب أن قصوره على الفن في ثقافته يجعله عاجزًا عن استيعاب النظرة الشاملة الكلية للمفاهيم الإسلامية، ويجعل رأيه ساقطًا في مجال التوجيه والتجربة لأنه عاش حياة المسرح وهو أبو المسرح الحديث الفاسد على حد تعبير تلاميذه، ولقد كان المسرح في الأفق الإسلامي لقيطًا فاسدًا أحضره اليهودي يقعوب صنوع وغذته الصهيونية والماركسية التي اعتبرته بديلاً عن الكنيسة والمعبد، ومن ذلك دعواه إلى معارضة إدخال الدين في المدارس كمادة أساسية بحجة أن المسئولين عن التعليم لا يختارون في المقرر الديني إلا أصعب الآيات لغة ومضمونًا.
ولا ريب أن نظرة "الإيمان بالفن"تمثل التبعية الكبرى للفن الغربي الوثني الإغريقي الضال المتجدد في دوائر اللامعقول وغيرها وقصوره على الفن يجعله محدود الفكر ويجعل رأيه في مجال المجتمع والعقائد والشباب جزئيًا غير مُكمَّل.
أما وصف الصحف له بالعملاق والشموخ، وعمق الفكر والريادة فهذه كلها كلمات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، فهو مغرب، غريب على الفكر الإسلامي، متداخل فيما لا يحسنه، عاجز عن الأصالة. ولو أن الصحيفة التي يكتب فيها فتحت الباب أمام الذين يراجعونه لانكشف زيفه ولسقطت تلك الهالات الكاذبة التي يسيغها عليه دعاة التغريب".
ولا يزال توفيق الحكيم يكرر علينا أن أوربا هي العقل وبلادنا هي النفس (ففي مصر الروح والنفس وفي اليونان المادة والعقل) وهو في هذا لا يمدحنا بقدر ما يهجونا فنحن في القسم الذي ليس فيه العقل، وهذه ظلامة. 

 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles