Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

المغنيّة الملتحية وجندي "ويكيليكس"الأنثى: تحدي الدول بالجنس

$
0
0
كونشيتا فورست
بعد هنيهة خاطفة من اهتزاز أميركا بتأثير محاكمة المجنّد/ المجندّة تشيلسي ماننغ، اهتزّت روسيا تحت وطأة فوز "السيدة الملتحية"كونشيتا ورست بالمسابقة 59 من "يوروفيجن"المخصّصة للغناء الشبابي.
وأثناء محاكمتها، بيّنت تشيلسي ماننغ (التي حضرت الى القضية بوصفها الجندي برادلي ماننغ صاحب الميول المثلية)، أن تسريب مئات الآلاف من الوثائق الرسمية لوزارة الخارجية الأميركية، جرى بتأثير إيمانها/ إيمانه بالحرية. هل شكّل الجسد الملتبس للمغنيّة النمساوية كونشيتا ورست (سابقاً المغني توم نيورث) "وثيقة"بالجسد، فكان جسد كونشيتا المزدوج جنسيّاً، وثيقة متحديّة تكفي لهزّ روسيا ودول حليفة، وهي دولة كبرى كالولايات المتحدة؟ لم تُسرّب كونشيتا وثائق سياسية، لكنها هي "تسرّبت"كوثيقة متحدّية بالجسد، عبر عيون 180 مليوناً تابعوا في 45 دولة، ممن تابعوا أغنية "إنهض كطائر الفينيق" Rise Like a Phoenix.
 
أوكرانيا وكونشيتا وتعدّد الهويّات
 
الآنسة حنفيفي لحظة فوز كونشيتا، بدت أوروبا في انقسام واضح حيال جسد تداخلت فيه الهويات الجنسية.
 
إذ ساد الترحيب معظم دول الاتحاد الأوروبي، وبدرجات متفاوتة. فحتى في فرنسا، لم تنس الشوارع التظاهرات الضخمة ضد حقوق مثلي الجنس هذه السنة. ومن المهم ملاحظة هذا التفاوت والتخبّط والتصارع، وهو يفيد لتجنّب الغرق في طوباوية فكريّة تقع في تعميم يوصل إلى رؤية أيديولوجية، تعمّم الحرية ومواصفاتها على طرف وجغرافيا ودول، ولا ترى إلا عكسه في المقلب الآخر. ربما تكون الأشياء أكثر تعقيداً من هذا التبسيط المفرط.
 
ولا يمنع ذلك من القول بأنه مقابل فرح واسع في غربي أوروبا التي لم تخرج من أضخم أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، ساد توتر وعدم ترحيب في دول أوروبا الشرقية وروسيا. وربما يحتاج الأمر إلى بعض المبالغة (وهي ممكنة بتحفّظ) للقول بأن الانقسام على جسد كونشيتا يشبه الانقسام على الجسد الجغرافي لأوكرانيا. وفي ذلك الصراع، سعت أوكرانيا إلى جسد يجمع الشرق بالغرب في مصالحة تاريخية تمضي لمصلحة التحرّر. ولم ترق المصالحة لنظام ما زال ميّالاً إلى الاستبداد في موسكو، وكذلك الحال بالنسبة لدول كثيرة لم تتعمّق فيها ثقافة التسامح سياسياً وجنسيّاً.
 
وأبرزت كونشيتا هذا المعنى بوضوح عندما خاطبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً قانونه المعادي "للترويج للمثلية الجنسية"، بالقول: "لا أعرف إن كان يشاهدنا لكن إذا كان الامر كذلك، كنت واضحة لا شيء يمكن أن يوقفنا".  
 
وانفجر صراع متعدّد الأبعاد بفعل سعي أوكرانيا لامتلاك هويّات متداخلة في الجغرافيا السياسية، مع وجوب ملاحظة كثير من الالتباسات خصوصاً بالنسبة لحقوق فعلية للأقليات المتمرّدة على كييف الميّالة للغرب في أوكرانيا. وأدى الجسد الأوكراني "المتداخل"إلى تفجّر صراعات شتّى.
 
وكذلك تفجّرت مشاعر متعدّدة المنابع، مع التباسات لا تحصى أيضاً، في طول أوروبا وعرضها بعد فوز الجسد المتداخل- المتصالح جنسيّاً، لكونشيتا في مسابقة "يوروفيجن". وفي خط التحفّظ على تبسيط الانقسام، تهاطلت رسائل الخليوي المؤيّدة لكونشيتا من دول أوروبا الشرقيّة، في نفس الوقت الذي تكاثرت فيه على الانترنت عرائض تندّد بها من جمهور الشبكات الاجتماعية في أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا.
 
مستقبل المصالحة التاريخية
 
مثّلت كونشيتا النمسا في مسابقة "يوروفيجن"، فكانت أول نمساوية تفوز بها منذ العام 1966، عندما كانت المسابقة في عقدها الأول.
في لحظة فوزها، ملأت النمساوية كونشيتا المسرح بفستان منسدل على جسد رقيق، منتعلة حذاءً رياضيّاً بكعب عالٍ، فيما امتدت رموش اصطناعيّة من موضة "رموش الفراشة"على العينين. ومع لحية سوداء، أعطى مظهر كونشيتا لصاحبته لقب "ملكة التعمّد".وتعمّدت كونشيتا عدم إخفاء الازدواج في هويتها الجنسيّة، بل اجمتعت هويتها كذكر سابق مع ميلها إلى امتلاك جسد امرأة.
 
وللحظة، بدا ذلك الجسد قريباً من أغنيتها الفائزة "إنهض كفينيق". وكطائر الفينيق الأسطوري، نهض جسد الأنثى الذي كان مختفيّاً في الذكر الذي كانته سابقاً. نهض جسد كونشيتا من موته الرمزي ليعلن حياته مجدداً. وبطريقة نبيلة كليّاً، لم يقتل جسد الأنثى العائد من الغياب، جسد الذكر (المغني نيورث)، بل تصالح معه تماماً عبر لحية رجال.
 
وفي هذا السياق، صنعت كونشيتا فارقاً عن حالات مشابهة كثيرة. ومثلاً، في حال ماننغ، حُسِم الصراع بين هويتي الأنوثة والذكورة على الجسد، لمصلحة الأولى، بمعنى أن المجنّد السابق تحوّل أنثى. أما في حال كونشيتا، فهناك ميل إلى المضي خطوة أبعد للوصول إلى نوع من "مصالحة تاريخية"بين هويتين جنسيتين بينهما صراع تاريخي مديد. وإذ جمعت كونشيتا في جسد واحد هويتين ظُنّ طويلاً أنهما متنافرتان، بل متعاديتان، رسمت آفقاً لحل آخر بين هويتين يجمع بينهما هوية أساسيّة: الكائن الإنساني. الأرجح أن شيئاً كثيراً من هذا المعنى تشي به كلماتها عقب فوزها باللقب الموسيقي "بالنسبة لي، هناك حلم تحقّق. أما بالنسبة لمجتمعنا، فهذا يظهر أن هناك أناساً يريدون المضي قدماً إلى المستقبل، من دون تراجع، ولا الغرق في الماضي".
 
من إسماعيل يسن إلى فغالي
 
أفيش فيلم الآنسة حنفيمن يذكر كتاب المفكر جورج طرابيشي "شرق- غرب: رجولة- أنوثة"، يعرف أن التوازي بين الغرب والأنوثة عميق تماماً، في ثقافة العرب. وفي البلدان العربية، تجاوب جيل مع موضة الهيبز وأغاني البيتلز، فوصف بأنه يقلّد الأنثى والغرب. وراج وصفه بالتخنيث وتبني "الأفكار المستوردة"، بل أن التهمتين سرتا على ليبرالية اليمين واشتراكية اليسار، سواء بسواء. في الغرب، سارت المثلية الجنسية إلى صعود تدريجي، امتد من الالتباس المتحدي للمثليين المهمشين ثقافيّاً في فيلم "توتسي" (داستن هوفمان- 1982) إلى مثلية متآلفة مع الثقافة السائدة، في أفلام كـ"بروكباك ماونتن" (هيث لادجر-2005) و"بيهايند كانديلبرا" (مات ديمون- 2013) و"دالاس بايرز كلوب" (ماثيو ماكونهي وجارِد ليتو- 2013) وغيرها.
 
وفي تجربة الحداثة على الطريقة الناصرية، ظهر فيلم "الآنسة حنفي"لإسماعيل يسين. وفي الفيلم صورة تسخر من الذكورية، وتصوّر تحوّل الأخ الكبير إلى أنثى، مع انقلاب تفكيره في المجتمع والجنس والأسرة. سرت في الفيلم حداثة مملؤة بسذاجة سعيدة، عبر ميل إلى المصالحة مع حرية المرأة في تبسيط مُسطّح تماماً. ومثلاً يصعب انكار أن مظهر إسماعيل يسين كذكر حامل، يحمل كثير من التحدي لثقافة الذكورة العربية، مهما قيل في سطحية تلك المشهدية. ولاحقاً، امتصّت ثقافة الذكورة العربية ذلك الميل الحداثي (عبر تخلّف الثقافة والمجتمع)، فصارت جزءاً منها، على غرار ما حدث مع حداثة التجربة الناصرية عموماً.
 
وسرعان ما صار ظهور الممثل- الذكر في مظهر الأنثى، نوعاً من "الكيتش"الكوميدي المشبّع بذكورة متخلّفة. وعندما يجري ذلك التحوّل، يترافق معه صفات نمطية تعطيها ثقافة الذكور للإناث. وصار ذلك "الكيتش"الفارغ جزءاً من الفن في مصر، بل معظم البلدان العربيّة.
في لبنان حاضراً، تلفت تجربة الالتباس الجنسي عند باسم فغالي. وعلى رغم أنها يفترض أن تعطي بعض القوة لحقوق مثليي الجنس، إلا أن إفراط فغالي في المظهرية والمبالغة في تقديم الصفات النمطية التي تعطيها الثقافة الذكورية السائدة للمرأة ومثليي الجنس، جعل من تجربة فغالي سلبيّة تماماً، بل أنها مؤذية للمثليين.
 
في غير مجلة غربية، جرى الحديث في السنوات الأخيرة عن تجربة استوديو "مدني"في صيدا، وأنه درج خلال ستينات القرن الماضي وخمسيناتها (زمن الحداثة المتحرّرة والمتخبّطة عربيّاً) على تصوير الناس بحسب رغباتهم. واحتوى ارشيفيه على صور تبرز المثلية الجنسية لدى الذكور والإناث، سواء بسواء. ولكن، من الصعب القول أن المثلية الجنسية هي لبنانياً وعربياً، في حال قبول ثقافي، بل أنها لم تصل إلى درجة أن تكون "هامشاً"فعليّاً، بالمعنى الفكري، للثقافة الذكوريّة السائدة. وللحديث صلة. 
الآنسة حنفي

Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles