Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

ورد في الأثر (2)

$
0
0

فقد أدى حادث ووترجيت إلى إهتزاز الثقة عموما فى المؤسسة الديموقراطية الغربية البيضاء وبالذات فى أمريكا وتزامن ذلك مع بدء ظهور الجيل الثانى من أبناء المهاجرين إلى الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية وهم فى العادة ممن يجيدون الإنجليزية بالإضافة إلى بعض بقايا من  لغة الآباء ويفهمون ثقافة البلاد التى هاجر  منها آباءهم أفضل من أى أمريكى آخر.. وبما أنهم ممن تلقوا تعليما مدرسيا وجامعيا أمريكيا فهم يصلحون لتولى مناصب فى الإدارات الأمريكية المختلفة بدءا من عهد كارتر وحتى اليوم.. وهكذا أصبحنا نسمع عن هسبانيك وعرب وباكستانيين وهنود وأوروبيين شرقيين يدخل أبناؤهم فى خدمة الدولة الأمريكية وبالذات الخارجية ومراكز البحث السياسى والإستراتيجى بالإضافة إلى كليات الدراسة السياسية والقانونية.. وقد أدت تلك الظاهرة إلى تقارب أمريكى مع الثقافات الأخرى، وعلى سبيل المثال لا ننس أن فكرة "المظلة العربية"التى خرجت بها إدارة جورج بوش على العالم للتغطية على الحملة الأمريكية على العراق عام 1990 كانت من إختراع السيد/ فيليب حبيب لفظا وتنفيذا، وهو من أصل لبنانى..

 

وقد تزامن ذلك أيضا مع إدارة الرئيس ريجان الذى كان على ما يبدو يؤمن بالمثل الإنجليزى القديم

 

 All is fair in love and war  أى انه فى حالات الحب والحرب يصبح كل شىء مشروعا ومبررا.. وأمريكا كانت فى حالة حرب يقودها رئيس جعل شعاره منذ بدء أول حملاته الإنتخابية "لنعيد إلى أمريكا مجدها من جديد"وهو ما يعنى الإستعداد للدخول فى أى مواجهة لإثبات قدرة أمريكا على تحقيق المجد وعلى الإحتفاظ به..

 

وتزامن كل ذلك مع غزو أفغانستان كما نعلم جميعا ومع الفرصة السانحة التى لمحتها أمريكا فى هذا الغزو لكى تستنزف قدرات العدو إقتصاديا وبشريا.. ولم تجد الولايات المتحدة سلاحا يخدم هذا الغرض افضل من توظيف الدين الإسلامى.. وكانت قد قررت أيضا توظيف الدين المسيحى الكاثوليكى بالذات فى أوروبا الشرقية عن طريق تحالف البابا البولندى يوحنا بولس الثانى مع المخابرات المركزية الأمريكية لجعل "الغطاء الدينى"هو نقطة الإنطلاق لاستنزاف الإتحاد السوفيتى فى بلد تحظى فيه الكنيسة الكاثوليكية بأرضية صلبة للغاية بل وربما أصلب من أرضيتها فى إسبانيا، إنه بولندا

 

والذى يهمنا هنا هو أن أمريكا فى سعيها هذا لاستغلال الدين، سواء إسلامى أو مسيحى، قد حالفها الحظ ونجحت فى الحالتين فى الإيقاع بالخصم والفوز بالغنيمة... ولكن..

 

ولكن هناك دائما رد فعل لكل فعل..

 

ولا أريد هنا تكرار الحديث عن الحادى عشر من سبتمبر وأفغانستان وكل هذه الأمور المعروفة، ولكننى أريد أن أتناول  قوة أمريكا أمام حلفائها أو بمعنى أصح هيبتها.. فالحليف الرئيسى لأمريكا وهى دول أوروبا الغربية من إنجلترا إلى ألمانيا إلى هولندا إلى بلجيكا إلى إسبانيا لا ترتاح لهذا الإتجاه الإستغلالى للمشاعر الدينية لأن الإتحاد الأوروبى يقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة كلما أمكن ذلك.. ففى المحاكم الأوروبية لا يوجد مثلا قسم قبل أداء الشهادة كما هو الحال فى المحاكم الأمريكية.. والحد المسموح به فى أوروبا (عدا إيرلندا الجنوبية) لتداخل الدين مع الحكم وشئون السياسة هو حد متدنى جدا وليس مفتوحا على مصراعيه كما هو الحال فى أمريكا.. وأوروبا تسمح للملحدين بتولى المناصب الوزارية وما تحتها وكذلك للشواذ جنسيا ولا يسأل أحد فى هذه الأمور، خلافا لما جرى عليه العرف الأمريكى..

 

أضف إلى هذا أن ممارسات جورج بوش الإبن قد جعلت الأوروبيين يتأففون كلما فكروا فى إحتمال مجىء رئيس جمهورى من هذا الطراز المتدين إلى سدة الحكم..

 

كما أن الجانب الآخر المتبقى من أوروبا والمتمثل فى الشرق، حيث الموارد الطبيعية الكبيرة، لا يرتاح بطبيعته لوجود أمثال هؤلاء المتطرفين بلا عقل فى البيت الأبيض.. وهذا هو سبب ترحيب كل أوروبا بحلول رئيس جديد فى البيت الأبيض عام 2008 حتى وإن كان من أصول سوداء، فكابوس جو ماك كين وسيناريو مجيئه إلى قيادة العالم الحر كان يشكل هما على صدور القادة الأوروبيين..

 

والصين طبعا والهند وأمريكا الجنوبية (التى أصبحت فى معظمها إشتراكية) كلها من المناطق التى لا ترحب كثيرا بأمثال هؤلاء الرؤساء..

 

وهنا تتلخص معضلة أمريكا، ليس فى بن لادن وليس فى القاعدة ولا حتى فى حادث نيويورك والبرجين، ولكن فى كون التيار الدينى الذى يجتاح كثيرا من العقول الأمريكية يجعل من قيادة أمريكا للعالم الحر محلا  لكثير من الشكوك .. إن التعارض ليس فقط مع مصالح أمريكا الخارجية، ولكنه تعارض بين المصلحة الأمريكية والمزاج الإنتخابى العام لمؤيدى هذا التيار، وهم ليسوا قليلين..

 

وقد لاحظت أنا شخصيا أن أمرا خطيرا كالحزمة التحفيزية للإقتصاد الأمريكى بمبلغ 700 مليار دولار والتى أراد لها جورج بوش أن تجاز فى الكونجرس لم تجز إلا فى فترة رئاسة أوباما.. فماذا يعنى هذا؟

 

إن هذا يعنى باختصار أن غالبية كبيرة من أعضاء الحزب الجمهورى اصبحت لا تفكر سوى فى إعفاءاتها الضريبية وتميزها المالى وكيف تحافظ عليه ولا يهمها فى سبيل ذلك أن يجىء الطوفان.. فالحزمة التحفيزية للإقتصاد كانت مطلوبة لأمريكا بقدر أنها مطلوبة لبقية العالم، حيث أن العالم بأسره كان يعتبر سندات الخزانة الأمريكية هى أضمن الأوعية الإستثمارية على سطح الكوكب، فإن أفلست الولايات المتحدة فهو ما يعنى قيام الساعة !!

 

وقد نشأت حزمة موازية للإقتصاد فى كل من ألمانيا واليابان لإدراك هذين البلدين أن مسئولية القوة الإقتصادية الكبرى لا تحدها حدود الدولة الإقليمية، بل تتخطاها ولا تعترف بها من الأصل..

 

وهذا التسويف وتلك المماطلة فى الكونجرس حتى تم تمرير الحزمة كان مما أثار غضب الأوروبيين على طريقة الولايات المتحدة فى التعامل مع مشاكل كانت هى سبب خلقها الأساسى ولما حلت ساعة المواجهة مع المشاكل أراد أعضاء الكونجرس من الجمهوريين التنصل من عبء الحل..

 

 

 

لقد ساعدت ضربات نيويورك عام 2001 على خلق تحالف دولى ضد القاعدة وضد الإرهاب، ولكنه كان تحالفا قائما على الذعر والتخوف من ضربات الإرهاب، أى على العاطفة.. ولكن غزو العراق بلا مبرر وتشريد مئات الآلاف من أهله وإهدار ثروته الثقافية والمالية كانت كلها أخطاء من جانب الإدارة الجمهورية لم تجد لها نصيرا فى أوروبا سوى السياسيين الباحثين عن البقاء فى الحكم بأى ثمن مثل بلير وبيرلوسكونى وآثنار.. والخطر الكامن فى أوروبا والذى لا تريد أمريكا أن تتفهمه يقع فى أن العامل المحفز للحروب والذى يسمى فى أمريكا دينا يعادل فى أوروبا الفاشية !!

 

وهذه لا يريد الأوروبيون أن يعودوا إليها حتى لو كان الثمن فسخ التحالف مع العم سام.. فالفاشية مدمرة لكل من يعيش فى أوروبا، وهذه هى التجربة التاريخية التى إستخلصها مستودع الخبرة الأوروبي خلال القرون الثلاثة الماضية..

 

 

 

فالشعوب الأوروبية التى ثارت على الحكم الدينى عدة مرات لا تريد أن تعترف بإضافة أشياء "وردت فى الأثر"إلى الدين المسيحى الذى هو فى الأساس ليس قويا فى أوروبا.. وما يفتتح به أحيانا بعض الضباط الأمريكيين أحاديثهم من أنهم يؤمنون بيسوع وأنهم مسيحيون مخلصون طيبون هو مما قد يوقع الضابط الأوروبى فى حرج بالغ إن هو قال ذلك أيضا.. فالدين لا محل له فى العمل..

 

كما أن الأوروبيين يدركون بحسهم التاريخى أن العالم قد تغير والإنسانية قد تبدل حالها عما كانت عليه منذ قرن أو قرنين من الزمان.. فلا الحروب الإستعمارية لها جدوى الآن ولا الإحتلال العسكرى له قيمة إقتصادية، ولا الشعوب الأوروبية نفسها مستعدة لدفع ثمن "المجد وسيادة التاج"كما كان أسلافهم يدفعونه دما ومجازر وعارا فى القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين قبل الحرب العالمية الثانية..

 

كما أن هناك الآن قوتان صاعدتان لا يمكن إهمال وزنهما وأثرهما فى السياسة العالمية وهما الهند والصين، وليس أدل على ذلك من عجز مجلس الأمن عن التدخل فى سوريا بالرغم من التكتل الغربى الخليجى ضد هذه الدولة، فروسيا والصين لا يريدان منطقة أمريكية ممتدة من الخليج للبحر المتوسط بلا إنقطاع..

وهكذا فإن السلاح الأمريكى الذى ربما قد كان ناجحا فى الإيقاع بالسوفيت، قد أصبح بالتأكيد كابحا لمقدرة أمريكا على الإحتفاظ بزعامة العالم الحر كما يسمونه


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles