ولد الأخضر الإبراهيمي بتاريخ 1/1/1934م في بلدة عزيزة جنوب العاصمة الجزائر. ودرس القانون والعلوم السياسية في الجزائر وفرنسا. بدأ نشاطه السياسي ممثلاً لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية في أول مؤتمر لمنظمة عدم الانحياز في باندونج, وممثلاً لها في جنوب آسيا في جاكرتا من عام 1954م وحتى عام 1961م. واظب على زيارة القاهرة كونها أكبر دولة عربية تدعم جبهة التحرير الوطنية الجزائرية. وبنى صداقات مع كثير من المصريين كمحمد حسين هيكل واحمد بهاء الدين ومحمد سيد أحمد ولطفي الخولي وجميل مطر وبطرس بطرس غالي. ثم عين ممثلاً للجزائر في جامعة الدول العربية, ثم سفيراً لبلاده في بريطانيا, ومستشارا دبلوماسياً للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. وأميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية. ومبعوثاً خاصاً للجنة الثلاثية للجامعة العربية في لبنان. و وزيراً لخارجية الجزائر بين 1991م و1993م. وعضواً في المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري الذي قرر إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، وفرض حالة الطوارئ، وحظر جبهة الإنقاذ الإسلامية؛ وتعيين بوضياف رئيساً للجزائر خلفاً للشاذلي بن جديد. بعض المراقبين اعتبروا الإبراهيمي أحد عرابي مرحلة الفراغ الدستوري والرئاسي في كانون الثاني 1992م. فتح القدر للسيد الابراهيمي باب الأمم المتحدة على مصراعيه في عهد أمينها العام بطرس بطرس غالي, والذي تربطه بعلاقة صداقة قوية مع غالي حين كان الابراهيمي اميناً عاماً مساعداً في الجامعة العربية. فبفضل غالي وهو فضل يحفظ الإبراهيمي له فيه اليد، خطا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل التي جالت به العالم يطارد الأزمات والحروب وتعقيدات السياسة والاستراتيجية. والتي جعلت منه أحد الدبلوماسيين العرب الذين تتردد اسمائهم في وسائط الاعلام. كلف الأخضر الإبراهيمي بمهام خاصة في الأمم المتحدة. حيث أعد تقريرا للأمين العام للأمم المتحدة عام 2000م، عرف بـتقرير الإبراهيمي حول عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في العالم. وكشف التقرير فشل المنظمة الدولية السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات. ثم عين ممثلاً أو مبعوثاً للأمم المتحدة في جنوب افريقيا وهايتي وافغانستان والعراق وسوريا.
والإبراهيمي عضو في مجموعة حكماء العالم التي تضم بعض أبرز الزعماء في العالم, والتي أنشئت للمساعدة في إيجاد حلول سلمية للأزمات. وعام 2010م حصل من مؤسسة شيراك التي أسسها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لنشر السلم العالمي على جائزة الحكام الخاصة لتفادي النزاعات. وأخيراً تم تعيينه عضوا في لجنة العقلاء للاتحاد الأفريقي. وإبنة الابراهيمي ريم عملت مراسلة لشبكة CNN خلال الغزو الأميركي للعراق 2003م، وهي زوجة الأمير علي شقيق الملك الأردني عبد الله. ويحظى الأخضر الإبراهيمي بسمعة دولية كبيرة, نتيجة شبكة علاقات دولية نسجها من خلال مهامه المختلفة سواء في الخارجية الجزائرية أو لدى هيئة الأمم المتحدة. بعض من يعرفون الابراهيمي يقولون عنه: الابراهيمي رجل طموح لا يسمح لليأس بأن يطرق تفكيره، عنيد, وله قدرة كبيرة على تحمل الصبر, مثابر عنيد على النجاح بكل مهمة تسند إليه. شعاره إن أصبت نجاحاً فخيراً، وإلا فعذراً. يترك الأمر لتقويم عمله للعارفين من معاونين، وهؤلاء يلذون بالصمت. وهكذا تتراكم التفاصيل وتُطمس الحقائق، ويُجهّل الظالم والمظلوم، ويتماهى القاتل مع القتيل. فيما يخص بلاده، لا يلجأ إلى سبك الكلام الذي فيه من الأدب الديبلوماسي الذي لا يفيد محاوريه. صحيفة الحياة نشرت مقابلة لمراسلها عزت صافي عام 1992م,مع الابراهيمي, وجاء فيها: قلت للوزير الإبراهيمي في ديوانه في مقر وزارة الخارجية القريب من قصر الرئاسة الرابض على أطراف ساحة المرادية في العاصمة: لديكم الآن 188 نائباً من الجبهة الإسلامية للإنقاذ فازوا في الجولة الأولى من الانتخابات بأكثر من 80% من مقاعد المجلس الجديد. لم يدعني الوزير الإبراهيمي أكمل سؤالي. فقد قاطعني وقال: ليس عندنا نواب لجبهة الإنقاذ، ولا لغيرها. قلت له: ألا تسمّي هؤلاء الفائزين نواباً؟ أجابني الابراهيمي: أبداً ليسوا نواباً. قلت له: إذاً ماذا تسمّيهم؟ رد قائلاً: سمّهم مواطنين جزائريين لا أكثر ولا أقل. قلت له: لكنكم أجريتم انتخابات، فكيف ستتخلصون من نتائجها في جولة أولى؟ أجابني قائلاً: ألغيناها كما ألغينا موعد الجولة الثانية انتهى الأمر. قلت له: هل هذا القرار يستند إلى دستور أو قانون؟ أجابني قائلاً: نعم إنه دستوري وقانوني. وقبل أن أطرح سؤالاً آخر، قال لي الوزير الإبراهيمي: اسمع يا أخي إذا كنت تصر على الغوص في هذا الموضوع فيسعدني أن أستقبلك كضيف زائر، أما كصحافي، فلا مقابلة معي، ولا مقابلة مع الرئيس بو ضياف.
دخل الأخضر الإبراهيمي المعترك السياسي كفرد من جيل الثورة الجزائرية وصديق قادتها وممثلاً دبلوماسياً لها, فأتقن مهامه حتى أنها صارت في مرتبة مهنته وهوايته. فبات خبيراً بأزمات العالم العربي. ولعله فضّل الابتعاد عن بلاده إلى حيث تتوافر له فرص القيام بمهام إقليمية ودولية، لتوظيف خبراته بهدف إحلال السلام والأمان والوفاق بين الأنظمة والشعوب. وهو يقدم عليها بهمة الواثق من نفسه ومن النجاح بمهمته، متسلحاً بما يملكه من الخبرة والمعرفة والقدرة على التواصل والحوار، وتفهّم الفرقاء، واللغة والأسلوب، وطاقة صبر لا تنضب ولا تعرف الكلل أو الملل.
ثانياً- الشأن السوري
يبدو أن الأزمة السورية أتعبته وفشل في إيجاد حل لها, ودفعته لطلب إعفائه من مهمته, وهو حتماً آسف وحزين، لأنه حين غامر بمسك الملف السوري قبل ثلاث سنوات ربما لم يكن يدرك حينها خطورة كرة النار وهي تلتهب بين يديه. حاول أن يستعين بكل الدول المعنية بالشأن السوري، وبقدراتهم على المساعدة. فنظم مؤتمر جنيف 1 وجنيف 2، وبحضور الدول الخمس العظمى. والابراهيمي تحدث عن الشأن السوري وعن الربيع العربي وعن كثير من مهماته الشاقة والصعبة. ومواقفه حددها بتصريحاته التالية:
- النظام السوري يعتبر ما يحدث مجرد مؤامرة خارجية من واجبه أن يحاربها ويفشلها.
- المعارضة ومعها من يدعمها في المنطقة والعالم، مصممة على أنه لا حل إلا بإسقاط النظام. كان المعارضون يقولون: لا يمكن أن نتكلم مع أحد من النظام إلا بعد سقوطه. وكنت أجيبهم: لماذا تتكلمون معهم إذا كان النظام قد سقط؟
- القضية السورية إن أهملت فإنها تصبح كالجرح الملتهب، وإن لم تقم بما يلزم لعلاجه فإنه سيستمر بالانتشار، ليس داخل البلد فحسب بل سيملأ أرجاء المنطقة.
- أبلغت مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وشركاءه منذ تشرين الثاني 2013م بقدرات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأنه أكثر نشاطاً عشر مرات في العراق عما هو في سوريا. وأضاف قائلاً: أن تصرفات من سماهم الجهاديين في العراق مبنية على خلفية الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة. وتابع قائلاً: أن السنة سيدعمون الجهاديين ليس لأنهم جهاديون، ولكن لأن عدو عدوي هو صديقي.
- سوريا ستتحول إلى صومال ثانية. ولن نشهد تقسيما للبلاد كما يتكهن كثيرون، بل إن سوريا ستتحول إلى دولة مفككة يسود فيها أمراء الحرب. وأضاف: على الأمد البعيد المنطقة بأسرها ستنفجر، إذا لم يتم التوصل إلى حل. وأضاف: هذا النزاع لا يقف عند سوريا، إنه يزعزع أصلا استقرار لبنان. وأضاف: داعش ناشطة في العراق وسوريا، والأردن يعاني للحفاظ على تماسكه والأمر ذاته بالنسبة لتركيا. وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة نفذت داعش 100اعتداء في سوريا وألفا في العراق.
- الاستقالة الطريقة الوحيدة للاعتراض على إهمال المجتمع الدولي والإقليمي للوضع في سوريا. وأحذر الحكومات الغربية من مخاطر هذه الحرب عليها، وهناك ما بين 500 و600 فرنسي والعدد ذاته من البريطانيين، وآلاف غير السوريين يحاربون هناك.
- الكثير من الدول أساء تقدير الأزمة السورية حيث توقعوا انهيار حكم الأسد مثلما حدث مع بعض الزعماء العرب الاخرين وهو خطأ تسببوا في تفاقمه بدعم جهود الحرب بدلا من جهود السلام.
- قارن تحذيراته الحالية بتلك التي أطلقها قبل تفجيرات 11 أيلول، حين قال: هذا ما كنت أحاول إيصاله في سبتمبر/أيلول عام 1999م لكن لم يستمع إلي أحد، وفي عام 2001م فهم الناس ما كنت أحاول قوله.
- أقدم اعتذاري مرة الأخرى للسوريين لأننا م نتمكن من مساعدتهم بقدر ما يستحقون وبقدر ما كان ينبغي أن نفعل، أقول لهم إن المأساة في بلادهم ستحل، لقد أظهروا مرونة لا تصدق، ويجب أن يتابعوا العمل.
- الغالبية العظمى من السوريين تريد السلام والاستقرار مع المحافظة على حقوقها، وأنا متأكد من انهم سيحصلون عليها.
- الانتخابات السورية ستجري، وبيان جنيف سيبقى محور المحادثات بشأن سوريا.
- الأميركيين دمروا العراق وحطموه، وإن بلدان المنطقة هي التي سترث هذا الدمار، وإن إنقاذ العراق لن يكون إلا من خلال تعاون الدول العربية ودول الجوار. ولكن تلك الدول ترفض ذلك لأن واشنطن تريد منها أن تساعدها في تنفيذ سياستها العفنة.
- الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا واحدا سليما منذ غزوها العراق في آذار 2003م.
- أسباب الغضب التي فجّرت الثورات العربية، أو ما يعرف بالربيع العربي، موجودة منذ زمن طويل. فالحاجة إلى التغيير كانت معروفة ولا تزال، وكذلك الرغبة فيه والإلحاح عليه. لكن هل يمكننا الحديث عن ثورة أو بالأحرى عن ثورات، كل واحدة وليدة مجتمع معين أم أنها مرتبطة بحكمها قائمة في وطن عربي واحد؟ جل التساؤلات المطروحة اليوم تتعلق بتوقيت هذه التحولات وما يترتب عنها واحتمال ولادة شرق أوسط جديد ما تزال ملامحه غامضة.
- ما حصل في ليبيا فضح التقصير العربي، إذ كان من الأجدر بالدول العربية أن تتدخل لتسوية الوضع بدل من ترك المجال مفتوحاً أمام حلف شمال الأطلسي. وأضاف: نحن بالتالي مسؤولون جزئياً عن التدخل العسكري الأجنبي في بلد عربي وعن كون وزيرة الخارجية الأميركية أول مسؤول دولي يزور ليبيا.
- من الناحية النظرية يمكن للحكام الحاليين أن يقودوا التغيير المنشود. لكن المشكلة تكمن في عدم ثقة المواطنين بحكوماتهم. الوقت محدود وإذا لم يتجاوب الحكام بسرعة مع مطالب الشعب سيفقدون مصداقيتهم.
- الحرب على العراق كانت جريمة يتعين محاسبة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير على ما حدث في العراق.
- الغرب لا يفهم الربيع العربي، لكن نحن أيضاً لا ندرك ماهيته وعواقبه وإمكانياته وأيضاً مخاطره. الربيع العربي خلق وضعاً جديداُ، وعلينا الآن أن نجعل منه نافذة للخروج من حالة التردي الذي تعيشها منطقتنا.
- عدم تحرك الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية يعتبر تخاذلا. وأداء الجامعة مقارنة بأداء هيئات دولية تأسست بعدها يبقى هزيلاً.
- سياسة إسرائيل الأمنية العنيفة والقمعية وتصميمها على احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية عرقلت المهمة في العراق, وتدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى خطر أكبر.
- الخطأ الرئيسي كان مطالبة العرب بفرض منطقة حظر جوي في ليبيا من دون تقييم هذا الإجراء ومدى قابليته للتنفيذ.
- لا حديث عن مغرب عربي موحد دون حدود مفتوحة بين الجزائر والمغرب.
وهنالك من يوجه الاتهامات للإبراهيمي بخصوص عمله السياسي. ومن أهم هذه التهم:
- الموفد الدولي الإبراهيمي يشجع الإرهاب. وأنه يكن يوما وسيطاً نزيهاً بل كان باستمرار طرفاً وموظفاً في مشروع تدمير الشرق الأوسط وتفتيته. (صحيفة الوطن).
- الأخضر الإبراهيمي يحمل أجندة قومية عربية، وبالتالي يجب أن لا يمنح أي دور في تحديد مستقبل العراق. (أحمد الجلبي).
يمكن إيجاز فشل مهمة الإبراهيمي في سوريا بهذه السطور: علق المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي أمله بنجاح مهمته على توافق دولي وإقليمي وعربي, وعلى الأخص توافق أميركي روسي, وعلى أن القضية السورية دولت. وهو يعلم بأن الجهة التي تستطيع أن تملك ورقة حدود جنوب لبنان مع إسرائيل تملك ورقة التحكم بمستقبل منطقة الشرق الأوسط. وأن تاريخ منطقة الشرق الأوسط مكتوب بالدم، وبالنزاعات الطائفية والمذهبية والعرقية والنفطية. وكي لايتهم بأنه يحابي طرفاً سورياً على حساب طرف سوري آخر, حمّل كأفة الأطراف المسؤولية عما حصل ويحصل في سوريا ولكن بنسب مختلفة ومتفاوتة. ولكنه لم ينتبه هذه المرة رغم مرور سنوات ثلاث على مهمته أن بعض دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية يعوّلون على روسيا بمساعدتهم بفرض حل سياسي في سوريا يضمن لهم مصالحهم. وأنهم يبيعون السوريين والعرب وشعوب العالم والابراهيمي تصريحات وبيانات ومواقف ووعود فارغة. وأن رموز الادارة الأميركية بتصريحاتهم تعمدوا إحباط جهوده وإفشال مهمته, وخاصة ترويج الادارة الأميركية وبعض الساسة الغربيين وبعض ضباط المخابرات الأميركية لمقولة إن لا أحد يمتلك مفتاح الحل في سوريا، وأن الازمة ستطول لعدة سنوات. وهذه الأمور توصل إليها كوفي عنان خلال فترة قصيرة فأنسحب وأعتذر عن الاستمرار في مهمته. بينما أستمر السيد الأخضر الابراهيمي يعوّل على نجاح مهمته ويقاوم اليأس والفشل. إلا أن النتيجة كانت صفراً في حساب النجاح، وخلفت ركاماً عالياً من الكوارث الإنسانية والوطنية, أسأت إليه وشوهت كل نجاحاته السابقة. فأضطر مكرهاً أن يطلب من الأمين العام اعفائه من مهمته.