Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

إسبانيا والفاشية

$
0
0

 

 

لم تكتف الفاشية بالتدمير المادى للمدن والتدمير الفكرى للعقول وإنما إمتد أثرها إلىتدمير الروابط الأسرية أيضا..

فإسبانيا واقعة الآن فى مأزق أخلاقى لا مثيل له فى التاريخ الحديث حيث تم إكتشاف شبكة عاملة منذ الأربعينات وحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين كانت تتاجر فى الأطفال الرضع بأن تستولى على الرضيع فور ولادته وتخبر الأبوين أنه قد مات ثم تبيعه لمن يدفع الثمن المطلوب..

وقد بدأت أحداث هذه المأساة الأخلاقية عقب نهاية الحرب الأهلية الإسبانية وتولى الجنرال فرانكو حكم البلاد بطريقة فاشية كطريقة كل من هتلر وموسولينى، إلا أنه كان أذكى من أن يدخل معهما الحرب فظل على الحياد، رغم أن الطائرات الألمانية هى التى كانت تساند قواته أثناء الحرب الأهلية التى وضعت أوزارها قبل بداية الحرب الثانية.. وقد خلد السيد/ بيكاسو الرسام العالمى هذه المذبحة التى جرت بيد ألمانية فى لوحته الشهيرة جورنيكا على إسم القرية التى قام سلاح الجو الألمانى بقصفها لكونها معقلا للثوار..

المهم هو أن الجنرال فرانكو إعتلى حكم البلاد وأعطى نفسه لقب الكاودييو بالعناية الإلهية

 

El Caudillo de Espana por la Gracia de Dios

 

وهو اللقب الذى كان يعنى مساندة الكنيسة الكاثوليكية له على طول الخط، والسبب طبعا معروف وهو الخوف من الشيوعية..

وقد نتج عن تلك الحرب الأهلية عدد هائل من الضحايا إما قتلا فى المعارك أو تصفية بعد نهاية الحرب وعلى ذلك نشأ جيل كامل من الأطفال الذين فقدوا أهليهم وأصبحوا بلا عائل، فقرر الجنرال فرانكو عام 1941 أثناء إنشغال العالم بالحرب العالمية أن يصدر قانون يسمح بالتبنى مع إطلاق إسم الابوين بالتبنى على الطفل فى شهادة ميلاد لا ذكر فيها للأب والأم الحقيقيين.. وهذه مخالفة صريحة بل جريمة فى حقوق الأطفال لأن قوانين التبنى توجب ذكر أسماء الأبوين الحقيقيين مع بيان أن الطفل هو بالتبنى وليس بحق الدم.. وبالتالى تحالفت الدولة الإسبانية مع الكنيسة الكاثوليكة على إلحاق هؤلاء الأطفال بأسر من الفاشيين حتى ينشأوا على الولاء للنظام الفاشى بدون حتى أن يعرفوا أنهم أطفال متبناة..

إلا أن الممارسة الكنسية لهذا الدور قد تخطت مرحلة الأطفال الناتجين عن الحرب إلى مرحلة التجارة الصريحة فى الأطفال ممن لهم أهل موجودين وراغبين فى ممارسة الأبوة والأمومة ولكن عن طريق الخداع كانت الراهبات تخبرن الأهالى من البسطاء وقليلى الحرص أن الرضيع قد ماتمنذ عدة أيام وقمنا بالفعل بدفنه ثم يقومون ببيع الرضيع لأسر قادرة على دفع ثمن عالى سواء كانت هذه الأسر من داخل إسبانيا أو من خارجها..

وقد بدأت أبعاد هذه المؤامرة القذرة تتكشف عندما وصل بعض من هؤلاء الأطفال إلى سن ما بعد المراهقة وبدأوا يشاغبون الآباء على طريقة الشباب وفى ساعة غضب أو نوبة مصارحة كان الأب أو الأم يكشف الحقيقة للإبن أو البنت.. ولكن المصيبة تقع فى كون مستندات التبنى قائمة على التزوير الذى أشرت إليه آنفا فلم يكن من الممكن الحصول على الأسماء الحقيقية للأب والام الجسديين.. ولما تعددت الحالات لجأت بعض الأسر إلتى قيل لها خلال الستينات والسبعينات بل والثمانينات أن أطفالها قد ماتوا، لجأوا إلى فتح المقابر والكشف عن محتوياتها فلم يجدوا سوى تزويرا، ففى مرة كانوا يجدون مقبرة خاوية وفى مرة وجدوا عظاما مسروقة من جثة لشخص بالغ لا يمكن أن يكون رضيعا وفى مرة يجدون جثة لطفلة أنثى بينما المسجل على المقبرة طفل ذكر وهكذا..

ولما ثارت ثائرة الناس على ذلك الوضع القذر المهين اصدرت الدولة حديثا جدا قانونا يسمح بتتبع تلك الجرائم بل وعينوا مفوضا أو منسقا عاما لتولى هذه المهمة وقادت الخيوط فى النهاية إلى الكنيسة الكاثوليكية التى كانت راهباتها يقمن بهذه التجارة.. بل ووصلوا إلى راهبة يصل عمرها الآن إلى 85 عاما كانت هى همزة الوصل بين المستشفيات والراغبين فى الشراء..

ولا يزال التحقيق مستمرا

والحقيقة أن تلك الممارسات قديمة وترجع لما قبل العصور الوسطى، فالتاريخ ملىء بالأطفال الناتجين عن المعارك الحربية والغزوات وهؤلاء كان القائد المنتصر يسبيهم ويحولهم إلى عبيد ومماليك فى إدارته بعد أن يقوم بتربيتهم على طريقته حتى ينشأوا على الطاعة والإخلاص للدولة أو للنظام وبالتالى يأمن لهم القائد أو خلفاؤه من بعده.. وقد كانت النظام الإدارى للدولة العثمانية قائما على هؤلاء الأسرى الصغار الذين يدخلون فى الإسلام وتتم تربيتهم فى مدارس خاصة تعلمهم القتال والقراءة والكتابة أحيانا لكى يصبحوا مسئولين تحت السلطان مباشرة لكى يصلوا إلى أعلى المناصب بما فيها الصدر الأعظم أى رئيس الوزراء أعلى سلطة فى الدولة بعد السلطان..

كذلك كان هتلر قد أسس منظمة أسماها  Lebensborn  الهدف منها هو إمداد عائلات ضباط ال S S  بالأطفال من ذوى الأصول الآرية ممن كانوا ينتجون عن المعارك وتثبت آريتهم أو كانوا يؤخذون من الملاجىء. إلا أننى لا أعرف أن النظام الألمانى كان يسمح بتسجيل اسماء الآباء المتبنين على أنهم آباء جسديين لهؤلاء الأطفال بحيث يندثر كل أثر للىباء والأمهات الحقيقيين كما كان الوضع فى إسبانيا، وهذا موضوع ربما يحتاج إلى بحث منفصل..

ولعل آخر نظام كان يمارس تلك الرذيلة كان نظام شاوشيسكو فى رومانيا حيث كان يقوم بتدريب أطفال الملاجىء على أعمال الأمن والحراسة وحفظ النظام وكان ولاؤهم الأول للرئيس شاوشيسكو وزوجته وليس للدولة ذاتها وهم من كانوا يشكلون عماد جهاز الأمن القوى SECURITATE   الذى ظل يحاول قمع الثورة حتى النهاية فى عام 1989 وفشل فى مهمته..

 

 

ثم قام نظام آخر بعد ذلك بممارسة تلك الجريمة فى يوجوسلافيا السابقة فى نهاية التسعينات حيث أخذ الأطفال البوسنيون من الصرب بعد فناء أهلهم وتم تنصيرهم ووضعهم فى ملاجىء أو تبناهم صرب لكى يربونهم على المسيحية والقومية الصربية كنوع من الإنتقام لما فعله العثمانيون بالأطفال المسيحيين فى القرون الغابرة.. هكذا جاء الإنتقام عبر القرون حيث أن الغل لم ينته بين الأطراف..


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles