Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

من المسئول؟

$
0
0

فيلي برانت راكعا

ودخلت هذه الركعة الرمزية – وربما الإنسانية أيضا – التاريخ تحت إسم ركعة برانت فى وارسو.

المكان: مدينة وارسو عاصمة بولندا

الزمان: أحد أيام الربيع فى عام 1970

الموقع: النصب التذكاري لضحايا التمرد الذى قام به السكان اليهود فى جيتو وارسو ضد حكم النازية أثناء الحرب العالمية الثانية والذين تم سحقهم بقوة هائلة..

الأشخاص: المستشار الألمانى الغربي فيللي براندت الذى يزور بولندا كأول مسئول ألماني رفيع منذ نهاية الحرب قبل 25 عاما فى محاولة لتحسين العلاقات مع بولندا التي عانت الأمرين اثناء الحرب ودمرت بالكامل، ومن خلال تحسين هذه الروابط يحاول تحسين العلاقات المتوترة بين الشرق والغرب الألمانيين وأيضا الشرق والغرب السياسيين والمذهبيين.

وقف فيللي براندت وقفة فيها نوع من الخشوع الذى حرص على إظهاره ثم تقدم وحده كرئيس الوفد الألماني الغربي إلى حيث وضع جنديا حرس الشرف باقة الزهور عند شاهد النصب التذكاري لانتفاضة جيتو وارسو ثم وصل إلى موقع النصب التذكارى وقام بالحركة الشهيرة من إعادة وضع الباقة لكي يظهر وأنه هو من أشرف على وضعها النهائي ثم تراجع خطوتين للخلف فى إحترام بالغ وتوقف لفترة طويلة نسبيا دامت دقيقتين على الأكثر وكاميرات المصورين تلمع بدون إنقطاع تصور هذا الحدث الذى يعادل إعترافا ألمانيا بالندم على ما فعل بعض من أبنائهم بهذا الشعب وعلى أرضه.

وتتتابع لقطات المصورين وفيللي براندت واقف لا يتحرك كالتمثال ينظر فى أسي واضح على وجهه إلى موضع شاهد النصب التذكاري، وفجأة وقع ما لم يكن فى الحسبان..

شهد العالم بأجمعه، وكانت تلك المناسبة منقولة على الهواء فى زمن لم يكن فيه النقل المباشر قد اصبح سهلا كما هو اليوم، شهد العالم بأجمعه فيللي براندت مستشار ألمانيا الغربية الذى يحكم أكبر إقتصاد أوروبى ويمسك بيده مقادير أقوي عملة موجودة وقتها بعد الدولار الأمريكي، شهده العالم يثني ركبتيه ببطء ثم تنهار مقاومة عضلاته للحركة البطيئة فينزل بالكامل بسرعة على ركبتيه ملامسا بهما سطح الأرض لكي يعبر عن إحترامه لذكرى هؤلاء القتلي الأبرياء ولكي يظهر للعام وللبولنديين أيضا أنه نادم على فعلة بعض من بني وطنه بهؤلاء الضحايا.

وبالطبع خلبت المفاجأة ألباب الصحفيين وتسارعت أضواء الفلاش تبرق ثم تبرق ثم تعيد التصوير مرة ومرة ومرات وقد فتح كثير من أعضاء الوفد الألماني الغربي المرافق للمستشار براندت افواههم من الدهشة حيث أن ذلك لم يكن متفقا عليه ولم يكن أبدا يصلح محلا للإتفاق عليه إذ أن المستشار لا يمثل شخصه وإنما يمثل دولة وشعب ولا يصح أن يكون الرمز هو أن الشعب الألماني يجثو على ركبتيه أمام هؤلاء البولنديين، خصوصا وقد إنتهت الحرب باقتطاعهم لأجزاء كبيرة من الاراضي الألمانية المتحدثة باللغة الألمانية جزاءا على بدء ألمانيا الحرب بدون إستفزاز من جانب بولندا..

بعد حوالى دقيقة ونصف بدا المستشار فى عملية النهوض من جديد ثم وقف وألقي نظرة أخيرة على الشاهد واستدار إلى الوفد الألماني والصحفيين واستكمل برنامج الزيارة فى صمت وكانت صيحات الإستغراب منذ بداية هذه الوقفة ثم السقوط على ركبتين ثم القيام لا تتوقف بل تزيد عمقا وتعبيرا وصخبا..

ودخلت هذه الركعة الرمزية – وربما الإنسانية أيضا – التاريخ تحت إسم ركعة براندت فى وارسو..

إنتهت الزيارة بعد ذلك وعاد براندت إلى المانيا ليجد الجحيم فى إنتظاره..


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles