في ذكرى الصحافي المناضل السيد صادق الأعرجي
مقدمة
تصادف هذه السنة الذكرى الخمسون لوفاة والدي، الكاتب الصحافي المناضل السيد صادق الأعرجي. فمنذ مطالع القرن العشرين كافح هذا الشاعر العروبي بعناد وبسالة ، ضد الحكم العثماني، ولاسيما ضد سياسة "التتريك"التي اتبعتها الدولة العثمانية ضد العرب . وذلك من خلال افتتاحياته الملتهبة التي ينشرها في جريدته "الرصافة"، فيتلقفها مريدوه وقراؤه بنهم شديد . فأغلقها الوالي المستبد جمال باشا الملقب بالسفاح. ولكن الأعرجي بقيّ ملتزما بعهده تجاه الأمة العربية وقرائه البغدادين، فلم يتوقف بل ركب أصعب مركب، إذ أصدر صحيفة أخرى باسم "الصاعقة"لتكون صاعقة على الوالي والحكم العثماني. فأمر الوالي بسجنه على ذمة التحقيق لأجل غير مسمى. ومع ذلك لم يَرف للأعرجي جـَفنٌ ، بل ظلّ يكافح من داخل السجن. فيعمد بمساعدة أعوانه، إلى تهريب مقالاته النارية ، ضد الوالي خصوصاً، والحكم العثماني عموما ً. فتنشر في اليوم التالي في الصحف المحلية البغدادية على نطاق واسع. حاول الوالي قتله داخل السجن. فتعمّد اختيار بعض المجرمين الأكراد الذين لا يعرفون الأعرجي ولا يتعاطفون مع القضية العربية أصلاً، ممن يواجهون حكم الاعدام . أقنعهم بقتل الأعرجي مقابل وعد بإبدال الحكم بالاعدام إلى السجن. و يكون ذلك بعد تدبير مشادة تتطور إلى معركة بين السجناء، يَعمَدُ خلالها هؤلاء بقتله أثناء الهرج والمرج. ولكن أعوان الأعرجي من السجناء اكتشفوا المؤامرة، فتسللوا إلى زنزانة الأكراد، بعد رشوة الحراس، مع بعض من رجال الدين من داخل السجن، وأقنعوهم أن أية مؤامرة يشاركون فيها، يمكن أن تؤدي إلى مقتل الأعرجي ستؤدي بهم إلى عذاب جحيم الآخرة الأبدي . مستندين بذكاء إلى أن الأعرجيّ سيِّـدٌ من آل بيت الرسول محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم. وهكذا اقتنع هؤلاء الأكراد الطيبون بهذه الحجة، ففشلت المؤامرة . طلبه الوالي، وكانت مقابلة مثيرة تحدى خلالها الأعرجي جمال السفاح بشجاعة نادرة ،بشهادة بعض المقربين من الوالي، ممن حضر تلك المقابلة التاريخية، التي تحتاج إلى مقالة خاصة. بعد ذلك حُكم على والدي بالاعدام . ولكنه استطاع أن يهرب من السجن بتدبير مُحكم من أعوانه الكُثر من خارج السجن، وعلى رأسهم السيد عبد الرزاق الخياط، والد المرحوم الأستاذ كامل ، والد الأستاذ معتز، المقيم اليوم في كاليفورنيا.
وبمناسة المولد النبوي، الذي يصادف اليوم 24/1/2013 رأينا أن نتبرك بنشر قصيدته العصماء:
ذكرى محمد، ورد في صحيفة "لواء الاستقلال"الصادرة في بغداد بتاريخ 23/1/1949 ما يلي:
"هي ذي قصيدة سعادة الأستاذ السيد صادق الأعرجي الرائعة التي ألقيت في الاحتفال بذكرى مولد النبي الأعظم الذي أقيم في جامع المصلوب في بغداد، مساء 16/1/ 1949":
كلَ يوم ذكراك تُـتلى وتُـنشدْ، في لـُهى الخلقِ آيُها يَتـَجًدَدْ
يانبيَّ الهُدى وخيرَ رسولٍ ، أيدَ المرسلين حين تأيدْ؟
إن يوماً ولـِدت فيه لعيدٌ ، هو أسنى من كلِ عيدٍ وأسعدْ
كلُ قطرٍ في الأرضِ يُسمعُ فيه، لك ذكرٌ مُـطيَّبٌ ليسَ ينفد ْ
إنْ تُرتـَـلْ آياتـُـــه بيِّـناتٍ ، فلإعجازِها يُقـــامُ ويُـقعـــدْ
خَرِسَ الناطقون بالضاد لمَّا، سَمِعوا ناطقاً بِـدُرٍّ مُنـَضدْ
نُورُهُ قد أضاءَ في كلِ أرضٍ، فهدى كلَّ ذي ضلالٍ وأرشد
وغدا فيه مُبْصِراً كلُّ أعمى، وغدا فيه قائمــاً كلُّ مُـقْـعَـدْ
لك يا خيرَ شاهــد ورقيب، معجزاتٌ بفضــلها الله يشهد
* * *
كلُ صقعٍ لطائرِ اسْمِكَ فيه، وِكرُ مجد ٍغنى عليه وغـَـردْ
ملأ الكونَ منك نورٌ ورشدٌ، وعلا الشهبَ منك مًجدٌ وسؤدد ؟
حَمِدَ الشانئون َ مِنكَ سجايا، سوف تُطرى مدى الزمان وتُحمد
* * *
أنت للمجدبين َ أجودُ خِصبٍ، أنـــتَ للمُدلِجين أنـــورُ فرقد
لك خُلـْقٌ نسيجُ وحدِكَ فيه ، ومُقامٌ بيــنَ الخليقةِ أوحد
ما خلا من نداك وادٍ وناد ٍ ، لك في كلِ تُـربةٍ أخصبتْ يـَدّْ
* * *
أنت لُغزُ الحياةِ إذْ كلُ معنىً ، من مَعانيكَ نيّرٌ ومجدد
أنتَ ذاتٌ تجردتْ لمزايا، سامياتٍ، بل أنت عقلٌ مجردْ
أنتَ انتَ الدنيا ولولاكَ لم يُعْـبـَدّْ بها الله لا ولا كان مَعبَدْ
* * *
أيدَ اللهُ دينَه بمُحمَدْ ، فهو في الأرضِ والسماءِ مؤيَّد
دينُه فاقَ كلَ دِينٍ قديم ٍ ، فلِـذاكُمْ حديثـُه جاء مُسْنَـدْ
صَقلـَـتُه عبادةُ اللهِ لما ، سارَ للحقِ في طريقٍ مُعَبَد
عبدَ اللهَ وحده ضمن وادٍ، فيه غيرَ الطاغوتِ ما كان يُعبد
خير داعٍ للفضل لولا هُداه ، لتداعى ركنُ الفضيلة وانهدّْ
كلُ أفعالِهِ تُرى مُعجِزات ٍ ، عندما تُـنْـتَقى فِعَالٌ وتُنْـقَد
جاء بالعلم هادياً فلهذا ـ عبـّدَ الطُرقَ للعلوم ومهّـد
قد شدا باسم مجده كلُ من قـَدْ ، سبـَّح اللهَ من منيبٍ ومَجَد
* * *
بسنى نظرةٍ ولمحةِ فكر ٍ، قلبَ الكونَ والنواميسَ جَدَد
* * *
آلـُهُ الطيبون هم خيرُ آلٍ، طابَ جدٌ منهم وطابَ لهم جدّْ
فرض الله وِدَهُمْ في البرايا، فلهم كلُ مُسلِم ٍ يتودد
فصلاةٌ عليهمُ وسلامٌ ، ما شـــدا طائرٌ بأيـــكٍ وغرد
* * *
أيها المسلمون َ قوم َ محمدْ ، قوِّموا حزبـَكم فقد كادَ يـَنهَـدّْ
قوّمُوهُ قبل السقوطِ وإلا ، فهو فانٍ وبابُه سوف يَـنْسَدّْ
وحدوا القولَ وحدوا الرأيَ فيه، إن أقوى الأحزاب حزبٌ تَـوَحَد
* * *
يا بني العُربِ مجدَكُم جددوه، واجعلوا مثل ما مضى ما تجدد
فبسيفٍ، لا مدفعٍ، قد ملكْـتـُمّْ ، وبه قامَ مُلكُـكُـمْ وتوطد
حطموا اليوم خصمَكُمْ بعتادٍ وامرِدوهُ من قبل أن يتمرد
واجعلوا حِليِـة السماءِ دُخاناً ، من لظى الحرب عندما تتوقد
أين كانتْ قنابِل الذَرِّ لما ، أنْ هدمتـُمْ للشرِك كلَ مُشيـَدْ
هل عِـلمتـُمْ ، لا عِشتمُو، إن ضعِفْتُمْ، إن عيش الضعيف عيش مُنـَكـَدْ؟
علاء الدين الأعرجي
محامي وباحث مقيم في الولايات المتحدة