إصلاحات دينية مؤثرة على حركة التاريخ
أثر تيار الإصلاح الديني الأوروبي فى القرنين السادس عشر والسابع عشر تأثيرا كبيرا فى تاريخ العالم ولعل هذا التأثير قائم حتي اليوم.
لمعرفة أبعاد هذه القضية لابد للمرء أن يعود إلى العصور الوسطي ليتعرف على طبيعة تقسيم القوي بين الدولة ممثلة أولا فى الملك ثم الأمراء ثم اصحاب الأراضي من ناحية، والكنيسة الكاثوليكية من ناحية أخرى. فالقوة ليست فقط عسكرية كما يعتقد البعض، ولكنها فى الأساس قوة إقتصادية حيث أن هذا النوع من القوة هو الذى يفرض السلطان الأقوي من سلطان الأديان.
وهذه الخصيصة من خصائص الحياة الأوروبية فى القرون الوسطي ومنذ الإدعاء بالعهدة القنستنتينية، نتج عنها أن الكنيسة كانت تتمتع – على الأقل فى المناطق الجنوبية من أوروبا - بقدر هائل من الثروة الممثلة فى الاراضى ومن عليها وما عليها. فالكنيسة كانت أكبر مالك للأراضى فى العالم سواء كان ذلك فى إسبانيا أو إيطاليا أو فرنسا. بينما لم يكن هذا الوضع ماثلا فى شمال أوروبا فى دول مثل السويد أو إنجلترا أو الدنمارك.
ومنذ أن قام مارتن لوثر بالإعلان عن موضوعاته التي يطلب فيها محاججة الكنيسة ونقاشها فى تلك الموضوعات نشأت حركة مغالية فى معارضته إلى جانب حركة مغالية فى تاييده مما أدي إلى حدوث حالة من الإستقطاب نتج عنها حروب دينية كبيرة أشهرها حرب الثلاثين عاما على أرض ألمانيا والتي تصارعت فيها قوى ممتدة من السويد إلى إسبانيا.
كما نتج عن هذه الإصلاحات أن إختلف الملك هنري الثامن مع البابا على موضوع طلاق الأول من زوجته لكي يتزوج حبيبته فخرج الملك عن المذهب الكاثوليكي ودخل إلى المذهب البروتستانتي ونصب نفسه إلى جانب منصبه الملكي رئيسا للكنيسة الأنجليكانية فتوحد بذلك شخص الملك مع شخص البابا أو من يقوم بوظيفة البابا.
ونفس هذه الخطوة قام بها الملك السويدي جوستاف الذى كان قد أرهق ماليا بسبب الضرائب التي كان يدفعها للكنيسة فى روما مما جعله ينتهز الفرصة ليخرج أيضا عن سلطة روما وينشىء كنيسة السويد البروتستانتية اللوثرية التي يراسها هو شخصيا مع إعلان شطب ديون الكنيسة المستحقة على السويد حيث أن السويد منذ هذه اللحظة لم تعد تؤمن بالمذهب الكاثوليكي!!
ونفس الشىء قام به ملك الدنمارك.
وهكذا أصبح هناك فى شمال أوروبا وضع جديد يتمثل فى قطع كامل للعلاقة مع الفاتيكان بكل ما يحمله من رموز وفكر، وماضي بالطبع أيضا.
وهذا الإنقطاع جعل الفكر السياسي فى هذه الدول يعيد التفكير فى نظرته الأيديولوجية للعالم والتي إستبدل بها نظرة جديدة لا تحمل أثقال الماضي الكاثوليكي وهذا الماضي يشمل من ضمن ما يشمل الموروث الصليبي القائل بكفر المسلمين لأنهم خرجوا عن الروح المسيحية الحقة.. وهذه النظرة ترى العالم بأسره مجالا لعملها سواء فى التجارة أو البحث عن إستعمار اراضى بعيدة دون الدخول فى حلبة الصراع العقائدي.
وهكذا بدأت الحركة الإستعمارية القائمة على فكرة نشر التنوير والتمدن، بدلا من فكرة نشر كلمة الرب على الطريقة الكاثوليكية الإسبانية والبرتغالية.
وعند هذه النقطة كان دور إنجلترا فى تطوير هذا المفهوم دورا محوريا أثر على الفكر السياسي لكل العالم ولا يزال يؤثر حتي اليوم..
فانجلترا أثرت فى الفكر السياسي والإقتصادي للعالم كله كما لم تؤثر أمة أخري..
كيف؟