حصلت ألمانيا على ناميبيا وتنجانيقا وتوجو وثبت الوضع البلجيكي فى الكونجو وكانت إنجلترا قد سبقت الجميع كالعادة وحصلت على مصر والسودان ومعظم شرق أفريقيا المطل على المحيط الهندي ومن قبل كل ذلك إستولت علي عدن فى الجهة المقابلة وذلك لتأمين مواصلاتها البحرية إلى الهند، وفرنسا مستقرة فى شمال وغرب أفريقيا.
ثم أن الإمبراطورية الألمانية الجديدة بدأت حياتها بفرض تعويضات قاسية على فرنسا المهزومة فى معركة سيدان عام 1870 بلغت 5 مليار فرنك ذهب مما جعل ألمانيا أغني إقتصاد فى العالم. وفى عام 1888 إرتقى القيصر الشاب فيلهلم الثاني عرش البلاد فى سن الثلاثين خلفا لوالده فريديش الثالث الذى مات قبل أن يتم مائة يوم على العرش.. ويجمع المؤرخون أن القيصر الجديد كان نزقا متسرعا لا يقدر للأمور قدرها الواجب إذ أنه بمجرد توليه العرش عمل علي تقليل نفوذ المستشار الخبير بأمور السياسة الدولية أوتو فون بسمارك والذى كان دائما يريد تحاشي محنة الحرب علي جبهتين شرقا وغربا وكانت سياسته باستمرار مبناها التوازن حتي لا تضطر ألمانيا المحشورة جغرافيا إلى تشتيت مجهودها الحربي على جبهتي روسيا وفرنسا. وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه القيصر فيما بعد ذلك بربع قرن وهو ما أدي إلى نهاية حكمه بالكامل.. وكان القيصر الشاب منبهرا بالتجربة الإنجليزية البحرية (كانت الملكة فكتوريا هي جدته لأمه) وأراد أن يكون لبلاده أسطول بحري قوي يحمي خطوط تجارتها ويشكل عماد قوتها العسكرية كما تفعل بريطانيا وهنا بدأت المشاكل تتصاعد. فانجلترا كانت قلقة للغاية من تصاعد القوة البحرية الألمانية، وكان الوزراء البريطانيون يسعون إلى إقناع القيصر فيلهلم عن طريق عائلة أمه فى قصر باكنجهام بالتخلي عن طموحاته البحرية، وظهرت أيامها مقولة الأمم البحرية (بريطانيا) والأمم الارضية (ألمانيا).
وزاد من التوتر أن ألمانيا إتجهت للصناعة بكل قوة فأصبحت منافسا قويا جدا للمنتجات البريطانية التي كانت سمعتها عالميا فوق الممتازة. وقامت فى ألمانيا نهضة كبيرة سواء فى القوانين أو فى التنظيم الإجتماعي أو فى التعليم والبحث العلمي أو على الأرض فى صورة موجة عمرانية هائلة حولت برلين إلى مدينة عالمية كبري. ورويدا رويدا أصبحت برلين منافسا للندن فى كل شىء تقريبا، من المتاحف والمعارض إلى التجارة والتمويل إلي النفوذ العسكري والسياسي.
وفي ظل هذه الأوضاع المتسارعة ظهر عجز الصفوة فى المجتمعات الأوروبية عن فهم ما يحدث حولهم فى العالم وظهر عفنها على السطح حيث إعتقد كل ملك أو إمبراطور أن حكمه إنما هو بتفويض من الله (ماعدا جورج الخامس ملك بريطانيا ووالده إدوارد السابع حيث أنهما ملوك دستوريون) واعتقدت الحاشية المحيطة بهؤلاء الملوك أنها قادرة علي إنفاذ ما تراه إرادتها القومية لأن أوهام العظمة قد لعبت بالرؤوس فأضاعت العقول.فإمبراطور النمسا كان رجلا عجوزا فى ثمانينات العمر عندما تم إغتيال ولي عهده ولم يكن قادرا على فهم التحولات الكبري التي صاحبت التصنيع المكثف فى المانيا والذي نتج عنه حركة عمالية إشتراكية لا تعترف بالسلطة المقدسة. وقيصر روسيا نيكولا الثاني كان أيضا ممن يعتقدون فى الحق الإلهي والتميز الفريد لشخص الحاكم بل أنه لم يتعظ من قيام ثورة علي حكمه فى عام 1905 كادت أن تودي بالعرش بأسره، إضافة لهزيمة عسكرية ساحقة على يد القوات اليابانية. وقيصر المانيا فيلهيلم الثاني كان كما شهدنا رجلا طامحا طامعا لا يعي دروس التاريخ ولا يريد أن ينتظر حتي تتحول بلاده إلى قوة عالمية عن طريق البناء الممتد فى الزمان فأراد إختصار الزمن وإنجاز ذلك فى جيل واحد، وطاوعته صفوته وحاشيته ولم يقم أحدهم بنصحه كما ينبغي. أما ثالثهم فى الحرب هو الملك جورج الخامس (جورجي)إبن خالهم.. وهو جد الملكة إليزابيث الحالية وحفيد الملكة فكتوريا التي هي جدة الأبطال الثلاثة فى الحرب الأولي، فقد فيها (نيكي) فى روسيا عرشه وحياته بالثورة البلشفية وفقد (ويللي)فى ألمانيا العرش فقط بالثورة العمالية وإعلان الجمهورية وبقي الثالث (جورجي) ملكا لأنه كان ملكا دستوريا ليست له سلطات حقيقية،
نعود الآن إلى أوضاع ما قبل الحرب مباشرة