Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

أمريكا واحتكار البذور الزراعية في العالم

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية رائدة تصنيع البذور المعدلة وراثياً ، أو المحسنة كما يفضلون أن يطلقوا عليها ، وأهمها بذور العدس والقطن والحمص و القمح ونباتات فول الصويا وفق سياسية إحتكارية خطيرة ، إذ أنها تهدف من هذا التعديل الوراثي الى احتكار زراعة البذور في العالم أجمع ، إذ ان هذا التعديل لايهدف في مضمونه إلى تحسين النوعية والإنتاج ، كما تسوق لذلك الحكومة الأمريكية ومنظمة الفاو في دعاياتها ، بل الى عقمنة هذه الحبوب أي جعلها عقيمة بحيث ان المزارع الذي يستورد هذه الحبوب لايستطيع أن يحتفظ بكميات  منها بعد الحصاد كبذور للزراعة للموسم القادم لأنه قد تم تعديل جيناتها لتصبح عقيمة الإنتاج ، كما وانها بتكوينها بعد المعالجة تحتوي على مضاد للحشرات ، وهذه المضادات قد تقضي على انواع عدة من انواع الحشرات  الضرورية للتوازن البيئي ،  كما قد تؤدي الى قتل انواع من الحيوانات التي تتغذى على هذه النباتات المعدلة وراثيا .

ومن هنا فإن الشركات الأمريكية مع اتباعها  سياسة احتكار البذور الزراعية فإنها عمدت الى التوسع في بلدان عديدة لإنتاج البذور أهمها استراليا والهند وتركيا ، كما تمتد الى معظم دول العالم من خلال التنظيمات الدولية كالفاو وامثالها وما تفرع عنها لدراسة التربة والزراعات والبذور في الدول الأخرى ليرفع لها التقارير في النهاية بشكل سري حيث تختار الأصلح لترسل فريقاً تجارياً للشراء أو لاستثمار أراض زراعية لإنتاج البذور في هذه الدول وشحنها لأمريكا أو لمراكز قريبة لها في تركيا أو استراليا لتعقيمها وإعادة بيعها  لدول العالم بأسعار مرتفعة ، لا بل إنها قد تعمد إلى استبدال البذور المحلية لمزارعين مغفلين بالبذور المحسنة دون أن يدري المزارع المسكين بعقمها إلا في وقت متأخر مما يضطره إلى الشراء مجدداً بذوراً معقمة نظراً لمردودها العالي بالنسبة للبذور المحلية حيث انها مقاومة  للحشرات ، إلا انها تتسبب بضرر كبير للأرض مستقبلاً مع فقدانها مناعتها لمرزوعات أخرى من حشرات ضرورية لمكافحة أمراض قد تلحق النبات والأرض من هوام وغيرها .

 إلا أن فارق السعر بين البذور المحلية المنتجة من الحقل وتلك المشتراة يظل عالياً ، عدا خسارة المزارع  لموسم كامل الى أن توصل الى حقيقة عمل هذه البذور . لذا فإن هذه الشركات تتعرض لحملة من الدول النامية حيث يقود مزارعي الهند حملة المعارضة ضد منظمة التجارة العالمية وضد الشركات الأمريكية التي تتجه لاحتكار حق ملكية البذور المحسنة  Patenting Seed .

وفي المؤتمر السنوي لمجلس الحبوب العالمي الذي سبق أن  عقد في لندن تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لهجوم شديد من الهند لقيامها بتسجيل ملكية إنتاج نوع معين من الأرز البسمتي تمت معالجته جينياً، ويعطي إنتاجية عالية، واحتكار زراعته.

وقال وزير الغذاء الهندي أمام ممثلي العالم إن إعطاء احتكار إنتاج الأرز المعالج جينياً لشركة أمريكية ، يجعلها تتحكم في إنتاجه وتسويقه، وهذا مثال للقرصنة الاقتصادية، وينبئ عن انتكاسة كبيرة للجهود الهادفة إلى خلق ظروف مواتية لتجارة عالمية نزيهة وعادلة.

لذا فإن أن الشركات الأمريكية التي تعمل في هذا الحقل تتمتع بدعم غير محدود من الحكومة الأمريكية وكذلك الشركات الكبرى التي تستثمر في المجال الزراعي، باعتبار أن هذه التقنية ستمكن الشركات الأمريكية من احتكار إنتاج الغذاء على مستوى العالم.  وهي تمضي متسلحة بهذا الدعم غير مكترثة بالاحتجاج والرفض الذي تواجهه في كل مكان.

ولدى هذه الشركات آلاف الأمتار المربعة  المزروعة بمحاصيل ومنتجات زراعية معالجة جينياً في قارات العالم الأربع.

وتستخدم الولايات المتحدة نفوذها في منظمة التجارة العالمية لاستصدار قرار بالموافقة على تسويق المنتجات البايوتكنولوجية، وذلك بإلغاء تصنيف المنتجات الزراعية إضافة إلى إلغاء الدعم الذي تقدمه الحكومات الأجنبية للمزارعين وخفض التعريفات الجمركية أو إلغائها وإلغاء نظام الكوتات بما يتوافق مع مصالح شركاتها لترويج منتوجاتها التي تحتكر أكثر من 70 % من بذور العالم حالياً ، مع تعدد وكلائها في معظم أنحاء العالم بما فيها الدول العربية .

ولكن أسوأ مافي الشركات الأمريكية هو إنتهاجها  خطوات عداونية في احتكارها لبذور الحبوب ، إذ حاولت قبل عقدين من الزمن إلى إقامة دعاوى على جميع الدول التي تعمد إلى إنتاج بذور زراعية من غلاتها بدلاً من شراء البذور المحسنة من عندها لأنواع معينة  كالفاصوليا والعدس والحمص ، بحجة أن هذه الحبوب من أصول أمريكية وإسترالية وأنه لايحق لمزارعي الدول الأخرى زراعتها تحت طائلة الملاحقة ؟!.

 إلا أن جهودها المخادعة تلك باءت بالفشل مع رفض دول أمريكا اللاتينية لهذه المحاولات العقيمة التي عدوها نوعاً من العدوان الإستعماري الأمريكي المرفوض .

إلا أن الهدف من كل هذه الجهود الأمريكية الإحتكارية هو تصدير فائض الإنتاج الأمريكي  الزراعي الوفير الذي يعتمد على توفر الرأسمال والمياه وخصوبة الأرض .

مع تعثر جهود الشركات الأمريكية في فرض بذورها الزراعية العقيمة على دول العالم أجمع لجأت الحكومة الأمريكية الى تدابير شديدة الوطأة إذ ألزمت دول العالم بإتفاقية منظمة التجارة العالمية لتسويق المزروعات الأمريكية من حبوب وخضار وفواكه وأسماك التى تنص على الغاء الرسوم الجمركية نهائياً عن المنتجات الزراعية الأمريكية المستوردة تحت حجة المعاملة بالمثل ؟!

ولكن اي معاملة بالمثل بين قوي وضعيف ، إذ ماذا تحتاج أمريكا من زراعات من دولة فقيرة زراعياً مثل لبنان الذي يعتمد  على معظم مستورداته من الحبوب من الخارج باستثناء الفواكه والخضراوات .ورغم فائض التفاح الذي يعاني المزارع اللبناني من كساده  فإننا نرى التفاح الأمريكي ومختلف أنواع الفواكه المستوردة من عندهم متواجدة في السوق بكثرة مما يدعو الى الأسف والحيرة بما ألحقت من أضرار بمنتوجات المزارع اللبناني المشابهة ، لأن إدخالها محمي بإتفاقيات أضحت دولية .

يظل هذه الأمر هيناً امام التخطيطات الأمريكية العدوانية ضد الشعوب الأخرى لصالح شركاتها الزراعية إذ أنه في وقت ما  ، قبل عقد من الزمن ،  اظهرت الولايات المتحدة غضبها على المملكة العربية السعودية لتوسعها في زراعة القمح وتصديره ،  التي تعتبر زراعة استراتيجية لحفظ أمن البلاد في حال الحروب كما وحرية القرار السياسي الخارجي ، إذ اعتبرت أمريكا ان إقدام المملكة على زراعة القمح والشعير فيه إهدار للمياه الجوفية ، مما اجبر المملكة على وقف زراعة القمح نهائيا والإعتماد على الإستيراد بنسبة مئة بالمئة اعتباراً من العام القادم بعد ان كانت دولة مصدرة له  .

وكلام امريكا في هذا الشأن مجافي للحقيقة تماماً إذ أن الري الحديث بالتنقيط ليلاً لايستهلك الكثير من المياه ، كما يمكن استعمال المياه المنزلية الفائضة للري ، من غيرالمياه المبتذلة طبعاً ، وذلك في معالجتها بإعادة تصفيتها من مواد التنظيف بتكلفة بسيطة اقل كثيراً  من تكاليف تحلية المياه المالحة المستخرجة من البحر ، وهذا النمط متبع في لبنان رغم  توفر المياه فيه ، وهو ناجح رغم أنه لاتصفى مياهه من صابون المفاسل والجلي لضآلة نسبته . كما وأن المياه متوفرة جداً في المملكة إن استجرت من الطائف أو جنوبي البلاد من حدود اليمن أو حتى من باطن الصحراء حيث يوجد مخزون مائي بأضعاف اضعاف النفط ، إلا أن أمريكا لاتشجع على التوظيف في هذا القطاع مطلقاً .

ورغم معارضة امريكا لزراعة القمح السعودي تحت حجة الحرص على عدم هدر المياه الجوفية فإنها لم تعترض مطلقاً على مشروع الرئيس معمر القذافي عندما أقدم ، مطلع ثمانينات القرن المنصرم ، على هدر المياه الجوفية بما لاحاجة له بها وقد سأله احدهم ، لما استجررت المياه الجوفية الثمينة من الصحراء إلى الساحل مع عدم الحاجة الملحة لها لتوفر المياه بما يكفي حاجة السكان للشرب والزراعة ؟

فكان جوابه أنه قد استحدث من هذه المياه بحيرة واسعة في جوف الصحراء قبل نقلها للساحل  من أجل الدفاع عن الثورة من خطر خارجي مستقبلاً بما يمكنه من الإنتقال الى هناك والدفاع عنها ، إلا أنه أنه لم يخطر في باله مطلقاً ان الثورة ستأتي من الداخل قبل أن يتدخل الخارج بطيرانه ،  ومع ذلك لم ينتقل الى داخل الصحراء كما كان قد صرح  من قبل .

ولو توسعنا قليلاً في الشرح فإن أمريكا تلاحق الخليج والمملكة خطوة خطوة لعرقلة اي مشاريع زراعية في البلدان القريبة منها ، ولكنها لاتمانع في الإستثمار في أمريكا بما تنتفي الحاجة لذلك إذ يظل الإستيراد أفضل من الإستثمار هناك لبعد المسافة وتكاليف الزراعة والسكن  . لذا حاولت المملكة منذ عقود ، الإستثمار الزراعي  في مصر والسودان والعراق لخصوبة اراضيها ووفرة مياهها ، إلا أن المؤامرت الأمريكية تصاعدت على هذه البلدان لمنع اي استثمار زراعي فيها لحصر  تلك البلدان بالإستيراد من الخارج فقط مما يعطي حصة كبيرة لأمريكا منها .

وما السد الذي تسعى أثيوبيا الى إنشائه  إلا إحدى المخططات الأمريكية لتقنين  كميات المياه المتدفقة الى مصر دون قيود فعلية لجريانها ، المستهلكة وفق الحاجات الزراعية المتزايدة عاماً بعد عام مع التوسع السكاني الطبيعي لإجبار مصر على الإستيراد الزراعي من الغرب بشكل أوسع ولجم توسعها في الإنتاج الزراعي مستقبلاً .

من اجل هذا يسعون الى ضبط كميات  المياه من خلال السد في اثيوبيا للضغط على مصر مستقبلاً  وإجبارها على استيراد منتوجاتهم من الحبوب كما إعاقة دول الخليج من الإستثمار الزراعي في مصر لعدم وجود فائض من المياه ، والعرب في عجز عن الرد بإسلوب إسرائيل المدعومة امريكياً وغربياً عندما دمرت معدات إنشاء سد على نهر الأردن في ستينات القرن الماضي بناء لقرار القمة العربية ، دون أي رد فعل من الدول العربية ، ليتوقف المشروع نهائياً من حينه و حتى الآن .

لذا فإن مصر عندما تعجز عن قصف استعدادات ومعدات بناء السد الأثيوبي من قبل ان يشرع البناء به ، فإنه من المستحيل تدميره بعد انتهاء العمل منه وتشغيله لان تدميره عندها  سيؤدي الى كارثة إنسانية لايمكن تحمل عواقبها إلا من دول عظمى كأمريكا وروسيا  اللتان  تستطيعان الدفاع عن نفسيهما بآلتيهما الحربية  الجبارة ضد اي عدوان خارجي .

لذا يجب على العرب ان يسعون الى البحث عن المياه في جوف اراضيهم والزراعة بجانبها دون جرها إن  كانت الأرض  صالحة للزراعة والبحث عن دول مجاورة للزراعة فيها كتركيا وليس أمريكا أو أوروبا ، ليدركوا في الغرب ان مخططاتهم فاشلة ويكفوا عن محاولاتهم المؤذية .

 

 

 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles