وهنا لابد من وقفة أمام بعض العناصر الغير مفهومة من الصورة.
كانت مخابرات ألمانيا الشرقية من الأجهزة الأقدر فى العالم. وقد نجحت هذه المخابرات عدة مرات فى إختراق مراكز القوة الغربية بسهولة لا يحلم بها أي شخص يعمل فى هذا المجال.
فى عام 1963 كانت الفتاة الشابة إيلين روميتش تعيش مع والديها فى واشنطن حيث يعمل والدها فى المكتب الحربي التابع لسفارة ألمانيا الغربية لدي الولايات المتحدة. وكانت هذه الأسرة قد نزحت من شرق ألمانيا إلى غربها قبل ذلك بحوالي 9 سنوات. وقد تداخلت روميتش مع المجتمع العسكرى الأمريكي وكانت تغشي النوادي الخاصة بالضباط ونجحت فى التعرف علي شخصيات عسكرية كبيرة وانتهي بها المطاف إلى التعرف على الرئيس جون كيندي شخصيا. وكان الرئيس يدعوها إلى حفلات البيت الأبيض الخاصة وإلى إستعمال حمام السباحة الخاص بالرئيس ونشأت بينهما علاقة حميمة أقلقت رجال مكتب المباحث الفيدرالي الذى كان يرأسه أحد الخصوم السياسيين للرئيس وهو إدجار هوفر. واكتشف الأمريكيون أن روميتش علي علاقة بجهاز المخابرات الألماني الشرقى وتم إبلاغ المدعي العام روبرت كيندي، المشرف على عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي بالأمر وكادت رئاسة كيندي أن تنتهي بفضيحة وعزل من المنصب لولا أن كيندي الشقيق قد تصرف بسرعة وأمر بترحيلها إلى ألمانيا لأن إقامتها قد إنتهت.
وفى عام 1974 إضطر المستشار الألماني الغربي فيللي براندت إلى الإستقالة من المنصب بسبب ثقته الغير محدودة فى أحد مساعديه ويدعي جونتر جيوم الذى كان أيضا قد نزح من الشرق إلى الغرب مع زوجته وإبنه قبل حوالي 20 عاما ونجح فى الصعود علي التدرج التنظيمي للحزب الإشتراكي الألماني بحيث أنه إقترب من براندت وأصبح مساعدا له بعد توليه منصب المستشارية وكان يسرب كل مقابلاته وأخباره إلى الشرق. وقد كان براندت مولعا بالنساء ويقال أن جيوم عرف هذا الضعف وكان يحاول دائما إستغلاله لمصلحته حتي يظل قريبا من المستشار.
كانت المخابرات الشرقية بالفعل ناجحة فى رصد كل حركة فى غرب ألمانيا وكانت مسيطرة على الدولة الشرقية بالكامل وقد بلغ عدد العاملين بها من مكشوفين ومستترين أكثر من 150 ألف رجل وامرأة ومراهق. وقد إتبعت المخابرات الألمانية الشرقية نظاما لا إنساني فى جمع المعلومات حيث كانت ترسل شبابا يقيمون علاقة غرامية مع سكرتيرات وعاملات فى الأجهزة الحساسة فى الدولة الغربية ويقنعوهن بالزواج والحياة معهم وبعد أن يحصلوا منهن على المطلوب من الوثائق والأسرار يختفون فجأة ويعودون إلى ألمانيا الشرقية لممارسة الحياة الأصلية هناك حيث لهم زوجات وأولاد وحياة كاملة ويتركون الزوجة الأخري فى الغرب حتي ولو كانت حاملا أو أما لطفل. وكان يطلق على هذه الطريقة أسلوب روميو، أى العاشق المحب. وهو إسم مقتبس من مسرحية روميو وجوليت الشهيرة.
وفى جميع الحالات كانت تقارير هؤلاء الجواسيس تذهب إلى إدارة العمليات الخارجية بوزارة أمن الدولة التي كان يقودها إريش ميلكه وزير أمن الدولة. وكانت إدارة العمليات الخارجية واقعة فى يد السيد/ ماركوس فولف. وماركوس فولف شخصية غامضة تكاد تكون أسطورية تجمع بين الأضداد وتحار فى فهمها النفوس.
فهو ألماني يهودي من عائلة عالية الثقافة وقد بدأ حياته صحفيا وقام بتغطية أحداث محكمة نورنبرج عام 1945 و1946 مكلفا من جانب سلطات الإحتلال السوفيتية فى القطاع الشرقي.
وبعد ذلك إختفى لفترة ولم يكن أحد يعلم أنه هو العقل المدبر خلف كل تلك الضربات الأمنية للغرب.
وعندما تم إلتقاط صورة له فى ستوكهولم فى منتصف ثمانينات القرن العشرين عرفت ملامحه للمخابرات الغربية لأول مرة، إذ أن كل ما كان معروف عنخ هو إسم كودي فقط. وهذه الصورة الملتقطة أدت إلى أن يستقيل من منصبه.
وفى أعقاب إنهيار الشيوعية وقعت ملاحقات قضائية للمسئولين عن قتل الهاربين من الدولة الشرقية إلى الدولة الغربية لألمانيا ولم يجد المحققون دليلا واحدا مكتوبا ضد هونيكر بأنه أمر بإطلاق النار على من يحاول الهرب. وتمت محاكمة الجنود الصغار الذين قاموا بالفعل بإطلاق النار بأنفسهم ولكن أحدا من الكبار لم يحاكم بطريقة جدية.
وهناك ثلاثة من الشخصيات الألمانية الشرقية كان لكل منهم مصيرا يختلف عن مصير الآخرين.
رئيس الدولة هونيكر.
وزير أمن الدولة ميلكه.
رئيس العمليات الخاصة فولف.