تأليف : محمد السويسي :
إن صندوق النقد الدولي عند تأسيسه العام 1944 جاء كحاجة ضرورية ملحة عقب الحرب العالمية الثانية لإصلاح الخراب والدمار النازي الذي أصاب أوروبا ودمر اقتصادها على كل الصعد فكانت بحاجة للإعانات الفورية لإعادة نهوضها وقد أفلست وشارفت على الهلاك .
ولكن الممارسات التي انتهجها الصندوق خارج أوروبا مع الدول النامية جعلت توجهاته متماشية ومتلائمة مع المصالح الأمريكية بل وخاضعة لها مما أفقده دوره المحايد ورسالته المفترضة في مساعدة الشعوب . وقد تجلى ذلك في موقفه من مصر العام 1956 عندما نكث بوعده في تمويل السد العالي استجابة لرغبة أمريكا لخلافها مع مصر على صفقة الأسلحة التشيكية بما لا يعني صندوق النقد فيما لو كان على الحياد وفقاً للمبادئ التي قام عليها.
لقد كان رأي البريطانيين عقب انفجار الأزمة المالية العالمية ضرورة إلغاء صندوق النقد والبنك الدوليان لانتفاء الحاجة إليهما مع تنامي العولمة واتساع رقعتها بشكل غير محدود، إلا أن نتائج اجتماع قمة العشرين مطلع نيسان 2009 وماتلاها كانت مغايرة للتوجه الأوروبي المسبق بما سارت عليه خلال الاجتماعات في دعم الصندوق بما يتماشى والرغبات الأمريكية، بحيث أنها قد وافقت على تمويل صندوق النقد بخمسمائة مليار دولار لمساعدة الدول المتعثرة الموقعة على اتفاقية منظمة التجارة العالمية لحفز اقتصادها والتعويض عليها ؟!
وإن تعثر دول العالم الثالث الموقعة على إتفاقية منظمة التجارة أمر طبيعي لأن بعض بنودها تنص على رفع كل القيود الجمركية عن سلع 152 دولة موقعة عليها، وبالتالي تضحى خزينة الدول غير الصناعية أو المنتجة، وفقاً لمضمون هذا البند وتدابيره، خالية الوفاض من المورد الأساسي لدخولها من الرسوم الجمركية مع استبدالها بالضريبة على القيمة المضافة التي تعد ضريبة داخلية على القدرات الشرائية للمواطنين، لا تمس المطارح الملائمة لها من المستوردات الخارجية من البضائع، إلا أنها لا تفي بحاجات الخزينة ومتطلباتها كما الرسوم الجمركية، وبذلك تضحى الدولة بحاجة لإعانات وقروض خارجية تتراكم على مدى الزمن بحيث يتعذر سدادها، وتصبح مهمات الحكومات أكثر تعقيداً في القيام بواجباتها والحياة المعيشية لمواطنيها أكثر صعوبة كما حال اليونان ومعظم أوروبا اليوم ، وهنا يأتي دعم الصندوق الدولي كمخدر للاستمرار في تلك السياسات بما يمنع النهوض الاقتصادي مع زيادة أعباء الديون .
لذا دعت الكثير من دول العالم إلى إلغاء بند الحمائية المجحف من عقد منظمة التجارة العالمية ، بل إلغاء المنظمة ككل بصفتها وجه جديد من وجوه الاستعمار البائد، خاصة وأن الولايات المتحدة التي تلزم به الدول الأخرى لا تلتزم به إلا بما يلائم مصالحها خاصة بالنسبة للبضائع الصينية.
لذا فإن مهمات صندوق النقد أضحت منذ إنشاء منظمة التجارة العام 1995 وسيلة أمريكية سلبية لتسهيل فتح أسواق لسلعها الزراعية، مع عجزها عن منافسة الأسعار الإغراقية للبضائع الصينية، فعملت على رفع أسعار النفط والغذاء في وقت سابق إلى مستوى غير محتمل، للتعويض عن تراجع أسواقها مما دفع بزعماء اليابان والإتحاد الأوربي إلى مطالبة دول العالم بالتصدي لمشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط الذي قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة الفقر ويقوض الاقتصاد العالمي، وفق ما جاء في البيان الذي أصدروه بعد قمة جمعتهم في العاصمة طوكيومطلع العام 2009:
"إن ارتفاع الأسعار قد يبطئ نمو الاقتصاد العالمي وتكون له آثار سلبية على الدول النامية والمتطورة على حد سواء". لذا كان مستغرباً أن تصر أمريكا على السير في مسألة صندوق النقد ودعمه رغم فشله في تحقيق رغباتها في فتح أسواق لها للنهوض باقتصادها الزراعي الذي يعاني من أزمة لديها كما القطاعات الأخرى على مدى عقد ونصف تقريباً .
لذا كان من الأوفق إلغاء صندوق النقد أو تصويب مهماته لفشله المزمن في حياده وبالتالي تعطل واجباته الأساسية، كما إلغاء منظمة التجارة الدولية والأخذ بوجهة نظر الدول الأوروبية بالاكتفاء بالاتفاقات الثنائية بين الدول لأنها بعد التجربة أكثر نفعا وجدوى.