تعلن إدارة القوات البحرية عن صرف متأخرات الرواتب للجنود العائدين من السفن بعد إعلان وقف إطلاق النار وذلك فى المبني رقم كذا فى شارع كذا فى برلين يوم كذا فى تمام الساعة كذا..
كان هذا هو نص إعلان نشر فى الصحف وأثمر عن تجمع حوالي مائة من جنود البحرية فى الموعد المضروب.
وكانت البحرية هي أول سلاح أعلن العصيان على القيصر وحالة الحرب اللا نهائية التي إستمرت لأكثر من أربع سنوات رغم أن البحرية لم تحارب تقريبا أي معركة بسبب فرض حصار بحري على ألمانيا من جانب إنجلترا فى بداية الحرب، والسفن القليلة التي كانت وقت إعلان الحرب خارج ألمانيا قد تم إغراقها أثناء سير العمليات القتالية. وكان سلاح البحرية يميل فى كثير من جنوده للتمرد وبالتالي كانت النظرة إليه نظرة تشكك خصوصا وأن جنوده قد نزلوا إلى ميناء كيل عقب إعلان وقف إطلاق النار وتظاهروا معلنين عصيانهم، وهو ما تم تفسيره على أنهم مناصرون للحركة الشيوعية.
والآن وقد جاء بعض هؤلاء الجنود البحارة إلى الموعد أملا فى تقاضي باقي رواتبهم، فوجئوا بقوات الجيش تحاصرهم ثم تطلق عليهم النيران فى فناء المبني الواسع لتقتلهم جميعا وتدفنهم وذلك بمقتضي قانون صدر عن الحكومة المؤقتة التي أعتبرت نفسها مسئولة عن الحكم بعد خروج القيصر. فلم تكن الحكومة مستعدة لأي تنازل مع من تري أنه يستهدف هدم الدولة. وكان أن قتلت قوات الجيش 1200 شخص فى برلين فقط فى أسبوع واحد وفقدت القوات فى هذه العمليات 70 جنديا من صفوفها..كما نص القانون علي حرمان القتلي بهذه الطريقة من المعاش سواء كانوا من البحارة أو المدنيين حيث أنهم إعتبروا مخربين يقاومون سلطة الدولة ويشهرون السلاح فى وجهها.
وهكذا هي تلك الكيانات الإعتبارية التي تسمي الدولة، لا تتساهل أبدا إزاء حقها فى الوجود الكامل بكل سلطتها..
بما أن الدولة الألمانية هي التي طلبت وقف القتال بسبب تردي الأوضاع علي الجبهة الغربية رغم إنتهاء الأعمال الحربية على الجبهة الشرقية بخروج روسيا من الحرب بصلح منفرد فى بريست ليتوفسك، وبما أن حلفاءها الآخرين النمسا والدولة العثمانية وبلغاريا قد خرجوا من الحرب فقد أدرك الحلفاء أن الموقف الالماني جد ضعيف فاستغلوا فرصة التقدم بالطلب لكي يضعوا ألمانيا فى موقف تفاوضي سيئ.
بدأت الإهانات بأن رفض قائد الجبهة الفرنسي المارشال فوش أن يلتقي بالوفد المدني الألماني، بل تركه يتحدث مع ضباط أقل درجة. كما أن المداولات والمفاوضات بين الحلفاء بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية إستغرقت مدة شهر حتي سمح للالمان بالمجئ إلى مقر مقر قديم للقيادة الفرنسية كان عبارة عن عربة سكة حديد علي خط مهجور.
وكان القدر المسموح من حرية الحركة للمفاوضين الألمان ضيقا للغاية، إذ أن الحلفاء أدركوا أن ألمانيا قد جاءت مرغمة بحكم وقائع القوي بالذات عقب دخول الولايات المتحدة الحرب ونقل حوالي 2 مليون جندي أمريكي بأسلحتهم عبر المحيط فى مدة شهرين أو ثلاثة.
كانت النقاط الأساسية للإتفاق قاسية على الألمان، فقد تضمنت الإنسحاب من جميع الأراضي التي يحتلها الجيش الألماني فى بلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج خلال 15 يوما بالإضافة إلى إحتلال قوات التحالف للضفة الغربية لنهر الراين مع رؤوس جسور علي الضفة الشرقية داخل المدن الألمانية كولن وكوبلينز وماينز، بالإضافة إلي تسليم سفن الأسطول الألماني جميعها إلى الحلفاء مع 1700 طائرة و5000 مدفع و25 ألف بندقية آلية و5000 قاطرة و150 ألف عربة قطار، بالإضافة إلى إلغاء إتفاقية بريست ليتوفسك مع روسيا وإعتبارها كأن لم تكن.
إلا أنه من الملحوظ أن إتفاق وقف إطلاق النار لم يتضمن أي بند يشير إلى المسئولية عن قيام الحرب.
وقد حاول المفاوض الألماني ماتياس إرتسبرجر أن يحصل على شروط أفضل إلا أن المارشال فوش أبلغه عن طريق ضباطه المفاوضين أن الإتفاق لا يمكن تعديله وإما يقبل كله أو يرفض كله. وقد جاءت التعليمات من برلين بعد سؤال قيادة الجيش بالقبول حيث أن الوضع كان ينبئ بكارثة لو إستمر القتال.
وهكذا وقع إرتسبرجر الإتفاق وكان توقيعه بمثابة شهادة وفاته لأنه اغتيل بعد ذلك بسنوات قليلة علي يد منظمة القنصل المتطرفة والتي تؤمن بنظرية طعنة الخنجر.
وبعد فهذه هي خلفية الأحداث التي إنعكس تأثيرها على الجبهة الداخلية فى ألمانيا.