كان تخلي القيصر عن الحكم هو الشرارة التي اشعلت ثورة فى قطاعات كبيرة من البلاد فقد أعلن بعد ذلك مباشرة المستشار ماكس فون بادن الذي سلمه القيصر الحكم أنه مستقيل وأنه سيشكل مجلس مفوضين تتمثل فيه الأحزاب التي لها وجود فى البرلمان وبالتلي نشأ هذا المجلس بقرار وليس بانتخابات. وكان أعضاؤه من الحزب الإشتراكي أساسا وقد قرروا إجراء الإنتخابات بعد شهرين بالضبط أى في بناير من عام 1919 وإشراك المرأة فى العملية الإنتخابية لأول مرة.
وهذه الروح المجددة أو التحديثية كان لها أثر كبير بحيث أصبحت الطبقات العاملة تري فى وجود الثورة سببا كافيا فى المطالبة بتعديل جذرب فى الأمور وبجعل شروط العمل أكثر إنسانية فى مجال التنقيب عن الفحم الذى كان وقتها المحرك الرئيسي لكل الصناعة ومصدر الطاقة. وهكذا تجمعت سحب الثورة الإجتماعية وبدأت موجة من الإضرابات شلت الحياة الإقتصادية تقريبا فى المانيا وكان علي رئيس الوزراء الإشتراكي الجديد الذي فاز حزبه بالإنتخابات الحرة أن يتصرف.
وهنا نشأت محنة قاسية، مفادها أن رئيس الوزراء الإشتراكي عليه أن يوقف الحركة العمالية التي كان دائما ينادي بحقوقها، يوقفها عن الإضراب ويعيد العمال إلى مواقعهم قبل حدوث خراب كبير فى البلاد.
وكان الجيش قد تمزقت وحداته وخرج كثير من الجنود من الخدمة وكان الوضع سيئا للغاية فى أوائل عام 1919.
توجد منذ أيام الحروب النابليونية جماعات يطلق عليها التنظيمات الحرة، وهي جماعات تتشكل من المواطنين المتطوعين شبيهة بالميلشيات مهمتها الاساسية الدفاع وحماية المنشآت الإقتصادية والممتلكات الخاصة للمواطنين في أوقات الخطر. وهذه الجماعات يطلق عليها Freikorpsوهي مسلحة. وهي فى أغلبها تتبع تنظيما صارما مبناه الطاعة والفكر المحافظ بل وربما الأكثر محافظة من غيره.
وهي تبني علي أساس من الروح الوطنية وليست جماعات من المرتزقة التي تبيع مجهودها لمن يدفع الثمن. وفى العادة تتكون من الجنود المسرحين والأهالي المهتمين بشئون الدفاع والحماسيين والطلبة وخلافهم من أصحاب الميل العسكري النظامي. وقد لعبت هذه التشكيلات دورا فاعلا فى هزيمة نابليون بونابرته الكاسرة فى معركة لايبزج عام 1813، والتي كانت حتي وقوع معارك الحرب العالمية الأولي بعد ذلك بمائة عام أعنف معركة عرفها التاريخ الإنساني.
وفي ظل الإنهيار التام فى الحالة الأمنية العامة والسياسية فى ألمانيا المهزومة لم يجد شايدمان رئيس الوزراء الإشتراكي من يعينه علي إخماد الثورة إلا هذه التنظيمات المسلحة التي كانت تقمع مظاهرات العمال وتنهي الإضرابات مع وجود قناة أخري تفاوضية مع النقابات لكي تبحث مع الحكومة شئون الأجور وتعديلها وساعات العمل وما إلى ذلك. وهذا الوضع الشاذ كان كفيلا بدفع الشيوعيين إلى القول بعدم شرعية الدولة التي تستخدم هذه التنظيمات لأنها حتي عاجزة عن توفير الأمن بقواتها الخاصة، ولذلك وجب إسقاطها وإنشاء دولة المجالس العمالية التي بشر بها كارل ماركس.
(وهذا الوضع يشابه بعض الشىء لجوء بعض الحكومات العربية فى ايام أزمتها بثورة الربيع العربي، لجوئها إلى مجموعات المواكنين المسلحين بالعصي والهراوات وهم من يطلق عليهم الإعلام البلاطجة، كما أن منطق الحركة الشيوعية يشابه منطق بعض الحركات السياسية الحالية فى الدول العربية والتي ترفض وجود الدولة على هذا الأساس أيضا).
وقد ظلت هذه الإضرابات والثورات مستمرة إلى عام 1924 وكانت هي المتسببة فى التضخم الهائل الذي إجتاح ألمانيا. وفي بعض الأحوال تبدلت الإضرابات إلى ثورة سياسية تمثلت في حركات إنفصالية متعددة فى أكثر من مقاطعة. ولهذا حديث لاحق..