بقلم: م/يحيى حسن عمر
(1)
إذا كان عنوان المقال قد طال فلا بأس....فإن الليل أطول.....وأطول منه شعاع نور يقطعه من أوله إلى آخره.
(2)
وتتواصل مسيرة الشهداء – بإذن ربهم – يوم 23 يناير تسقط (سندس أبو بكر) شهيدة بإذن ربها في الإسكندرية، وفي اليوم التالي تسقط (شيماء الصباغ) في القاهرة، وردتان تسقيان الروح الوطنية المصرية من جديد.
(3)
مهما طالت السنون وبقي من العمر بقية فإن تلك الصورة ستظل محفورة في الذاكرة لن تنمحي، صورة يعجز عنها أي رسام مهما علا شأنه، صورة الفتاة المصرية البطلة (شيماء) هي تموت واقفة، تنظر في أسى والدماء تنزف من وجهها، ويأتي شاب ليحملها ليسرع بها مسعفًا، فتأتي اللقطة وكأنه يتشبث بها لتظل واقفة !، أو كأنه يحتمي بها من قسوة الزمان وهي النازفة ذات النظرات الحزينة، ومن وراءهم في خلفية الصورة يظهر الجنود الذين أطلقوا النار عليها، بزيهم وسلاحهم الأسود، يشاهدون تداعيات جريمتهم !.
(4)
ويريد الله لهذ الصورة أن تكون أكثر تعبيرًا، فيظهر في الصورة إثنان من (كبار رجال) – وما هم بكبار ولا رجال - الحزب الذي وثقت فيه وإنتمت له شيماء، كلاهما على بعد خطوات منها، أما الأول فيدخن سيجاره وهو يخطو مبتعدًا ببطئ وكأنه لا يرى ما يحدث على الإطلاق، لدرجة أنني شككت في البداية أنها صورة مركبة !!، وأما الآخر فيخطو مبتعدًا خوفًا على نفسه وهو يختلس النظر إلى شيماء فتاة حزبه وكأنه يقول: نفسي نفسي !، وأعجب ما فيه تلك اللحظة أن الصور تظهر يدها اليمنى مازلت قابضة على اللافتة الورقية الصغيرة التي تحملها، فهي تتشبث برسالتها حتى آخر لحظة في حياتها.
(5)
ما كان لمشهد أن يكون معبرًا عن حالة مصر الآن مثل هذه الصورة، صورة تلخص واقع مصر كله في هذه اللحظة، كأن مصر تحتضر وتموت على يد الظلمة وجنودهم، لكنها حتى في اللحظات التي تصارع فيها الموت فإنها واقفة، لأن أنبل من فيها يتشبثون بها لتظل واقفة تقاوم، وهم في ذات الوقت يحتمون بها، يحمونها وتحتمون بها، يحملونها ويتحملونها، بينما فئة أخرى من أدعياء الثورة والذين أقسموا ألا يتخلوا عنها، أما ينظرون في بلادة ويدخنون كأن الأمر لا يعنيهم، أو يبتعدون متسللين من الخوف.
(6)
ومع أن الصور التي تظل عالقة في الذاكرة صورًا لا تأتي في العادة إلا كل عدة سنوات، إلا أن صورة أخرى من تلك النوعية من الصور سبقت صورة شيماء بيوم واحد فقط، لبطلة شهيدة أخرى، من الأسكندرية هذه المرة، سندس، لم تلتقط الكاميرا لحظة رحيلها، ولكن إلتقطت صورة لوجهها وهي في أكفانها البيضاء، يا الله، وجه مضئ هادئ فيه نور الإطمئنان لا ترى فيه أثر الموت !!!، من أين لها بنومة العروس هذه ؟!!، وكيف للموت أن ينبض بالحياة هكذا ؟!!، وبقدر ما ارتسم على وجهها من الهدوء بقدر ما ارتسم عليه من التصميم !!، كأنها رسالة للإحياء قبل الرحيل، أن الموت حياة للأبطال، والحياة موت للأنذال !!، وجه سندس مضئ، فلا نامت أعين الجبناء، وجه سندس نابض بالحياة وهي ميتة، بينما وجوه تتحرك وتتنفس وعليها غبرة الموت وكلاحته وإصفراره، (الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء).
(7)
وهكذا تعوض بعضًا من فتيات مصر ونساءها النقص الحالي في الرجال !!.
(8)
لقد علمتنا سندس أن الموت حياة، وأن الرحيل يمكن أن يكون بجمال العرس وبعظمة الملكات، وعلمتنا شيماء أن الموت يمكن أن يكون وقوفًا.
(9)
وقد وضعت بوستًا على الفيسبوك به صورة شيماء ومكتوب فيه تعليقًا عليها (إما أن تموت وأنت واقف....أو أن تعيش وانت راكع)، فعلق أحد الأصدقاء وقد رأي فيه إحتمالان كلاهما مر، فقال (ألا يمكن أن نحيا واقفين) ؟!، ففكرت وكتبت ردًا عليه: سألت نفسي هذا السؤال، لعل هذه المرحلة تأتي كمرحلة ثالثة، لابد أولًا أن يموت أناس وهم واقفون، فيقف لموتهم بعض الراكعين، ثم يقفون تباعًا، ساعتها سيظل هناك من يحيا واقفًا !!.