تأليف : محمد السويسي
هل تخلت أمريكا عن مليشيا داعش الإرهابية التكفيرية ؟ سؤال قد يبدو طرحه غريباً للوهلة الأولى . ولكن مع عودتنا قليلاً إلى الوراء ، الى المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض من أب الماضي من العام 2014 ، فقد أعلن عن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام "المعروفة بداعش ، معترفاً بها كدولة أمر واقع على أجزاء كبيرة ممتدة من وسط العراق حتى وسط سوريا في تقسيم جديد معلناً إنتهاء العمل بإتفاقية سايكس بيكو وتقسيماتها الى غير رجعة لصالح تقسيمات مستجدة يفرضها واقع المنطقة التي تقتضي تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ، إحداها الدولة الكردية في الشمال ، وأخرى سنيّة داعشية في الوسط ، وثالثة شيعية تمتد من جنوب بغداد حتى البصرة مما أثار الإستغراب والدهشة .
إلا أن الحيرة كانت أكبر عندما أعلن أوباما قبل فترة عن تكوين تحالف أمريكي أوروبي عربي لضرب مقرات داعش التي اضحت خطراً على مصالح أمريكا والغرب ودعوة العرب الى تشكيل قوة مشتركة لمواجهة داعش ؟! .
فما الذي تغيّر لتُغير أمريكا موقفها من دولة داعش التكفيرية ولمّا يمض أشهر على إعترافها بها ، رغم أنها تتطابق ومخططات الإحتلال الأمريكي في تقسيم العراق وتمزيقه وتقويض جيشه وأمنه واقتصاده بما يتلاءم والمصالح الأمريكية وأمن إسرائيل .
إذن لنبحث الظروف التي أدت الى تشكيل تنظيم داعش والأسباب التي دعت أمريكا الى الإعتراف به كدولة أمر واقع به ومن ثم سحب اعترافها منه والدعوة الى استئصاله ؟!.
إن من أهداف أمريكا في إحتلال العراق كما اسلفنا أعلاه هو تجزئة العراق الى ثلاث دول ، كردية وسنية وشيعية ، إلا أنها عجزت عن ذلك مع تصاعد المقاومة والفوضى والمشاكل التي كانت تثيرها المليشيات المذهبية الشعوبية الموالية لإيران في أعمال الإبادة والقتل والتهجير ضد العرب المسلمين ، ومحاربة جيش الإحتلال الأمريكي بهدف إخراجه من العراق للإستفراد به وجعله ولاية إيرانية .
إلا أن إصرار واشنطن على تقسيم العراق وخلق دولة عربية سنية في وسطه جعل طهران تلجأ الى حل أشبه بالإنتحار وهو إقامة تنظيم مليشاوي إرهابي يدين بالإسلام برأس عربي مغيب غير منظور سوى بالإعلام ، يكون موالياً لها ومتمماً لمليشياتها الشعوبية الإرهابية التكفيرية . فكان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا المعروف بداعش ، الذي تم تشكيل نواته بأوامر مباشرة من طهران الى حكومة نوري المالكي الموالية لإيران بإطلاق سراح آلآف المساجين من المجرمين الخطرين في سجون بغداد شرط التحاقهم بداعش في سوريا ، عقب جلاء الإحتلال الأمريكي من العراق نهاية العام 2011 ، حيث تم استلحاقهم فوراً بعناصر من المخابرات الإيرانية معظمهم من مواطني عربستان الذين يجيدون العربية ، بالإضافة لمرتزقة من بعض الدول الأفريقية والأوروبية والأمريكية من اللصوص وعتاة المجرمين ، الى حد الإستعانة بعاهرات الغرب وبيوت الدعارة لارسال بناتها للإلتحاق بداعش والتزوج من أمرائها للعيش حياة مرفهة بأفضل من وضعهم المذل ، مما اعطى دفعاً لخريجي السجون والعاطلين عن العمل في معظم أنحاء العالم للإندفاع نحو سوريا والعراق للإلتحاق بداعش في سبيل وضع مالي ومعيشي افضل بما في ذلك من سلطة ونفوذ وتعدد للزوجات ، عدا التمتع بالنساء من السبايا والكافرات وفق الفقه الداعشي .
إلا أن إيران كانت تفضل ، عدا مواطنيها ، المجموعات الشيشانية والروسية نظراً لعمق تحالفها مع روسيا التي كانت تسهل لها هذا الأمر ، حيث استحضرت أخطر المجرمين ليعملوا وفق فقه العقيدة الإيرانية التي تتيح قتل المسلمين العرب الكفرة كيفما اتفق .
ومن هنا كانت جرائم مليشيا داعش متممة لأعمال المليشيات الإيرانية والحرس الثوري في العراق وسوريا في أعمال القتل والإبادة والحرق والتهجير الطائفي والمذهبي وتدمير المدن والقرى واستباحة النساء وتكفير جميع العرب والمسلمين .
وعليه فإن حكومة نوري المالكي بعد إطلاق سراح السجناء العراقيين عمدت فوراً الى تسليح داعش بأحدث الأسلحة الحربية بأن أمرت بعض قادة الجيش العراقي بالإنسحاب من الثكنات وتسليمها مع كل آلياتها العسكرية الى تنظيم داعش ، خاصة في ولاية الموصل تحت حجة العجز عن مقاومتها . فحصلت دولة داعش بذلك على مئات الدبابات والمدرعات والاليات العسكرية والمدافع ، مما جعلها أقوى مما تبقى من الجيش العراقي النظامي ، لتقوم أمريكا بإلقاء المزيد من السلاح اليها من الجو دعماً لها من قبل أن تقرر محاربتها والتخلص منها .
لقد نشأ تنظيم داعش بتعاون بين المخابرات السورية والإيرانية والعراقية بداية العام 2012 تحت عنوان اسلامي سني زوراً لمواجهة الجيش الحر والثورة السورية بتكفير كل مشارك فيها ، إذ ان قادتها من عناصر المخابرات السورية والإيرانية الملثمين الذين استباحوا كل المحظورات الدينية والأخلاقية في قتل المدنيين الأبرياء في عملية استحضار من ظلامية التاريخ لممارسات القرامطة والخوارج ضد المسلمين والعرب .
ولكن وفق المثل السائر فإن حساب الحقل قد لايتطابق دائماً مع حساب البيدر عند الحصاد ، وهذا ماحصل مع إيران وأمريكا مع تنامي تنظيم داعش وتوسعه. إذ أن أمريكا كانت قد وافقت طهران على إقامة هذا التنظيم التكفيري بعد وساطة بريطانية ، ليكون بديلاً للعشائر العربية لإقامة دولة إسلامية وسط العراق بعد تقسيمه وذلك بعد ان تعهدت إيران وأكدت بولاء داعش لها نظراً لانها هي من كونته واستقدمت المرتزقة اليه ومولتهم وسلحتهم وعينت قادته من المليشيات الشعوبية العراقية الموالية لها .
وامريكا بتفاهم وإقناع بريطاني أمِنت للمخططات الإيرانية وإن لم تأمن لحكام طهران في إنشاء تنظيم داعش والإعتراف به نظراً الى أن مهماته متممة لأعمال المليشات الشعوبية الإرهابية الإيرانية في العراق وسوريا بكل سلبياتها ضد العرب والمسلمين ، مما يمكن أمريكا أن تجعل من دولة داعش ، الممتدة على اراض من سوريا والعراق ، منطلقاً لتفتيت العالم العربي بأسره وتقسيمه وتدمير جيوشه ، بديلاً عن النظام الإيراني بمليشياته الشعوبية بعد تصاعد أعماله الإجرامية المذهبية مما جعله مكشوفاً ومرفوضاً من العرب كما إسرائيل ، بعد كشف توجهاته ضد الأمة العربية .
لذا لجأوا الى واجهة سنية ولكن ضمن النفوذ الأمريكي نفسه والرعاية الإيرانية ذاتها في معاداة العرب والمسلمين ، بما يحفظ أمن إسرائيل واستمرارها ، كما ويسىء لسمعة العرب والمسلمين في بلاد الغرب الذين يجهلون المخططات الصهيونية الأمريكية في هذا المضمار ، بحيث يمكن مواجهة تمددهم المؤسساتي المالي والعقاري والإعلامي في أوروبا وأمريكا ، لأن هذا التمدد العربي قد يشكل خطراً على مصالح الصهيونية العالمية والشركات الأمريكية مستقبلاً إن ظل على هذا المنوال في أسواق البورصة ، خاصة في اسواق وول ستريت في نيويورك التي هي مصدر قوتهم وسيطرتهم على القرارات السياسية الأمريكية والغربية وصناعتها .
إلا أن المشكلة التي واجهت أمريكا هو فشل إيران في السيطرة على داعش ، كما سبق أن تعهدت ، التي اضحت موئلاً للقاعدة ووعاء للمجرمين والخارجين عن القانون من كافة انحاء العالم الذين خرجوا اصلاً على دولهم ومجتمعاتهم ودينهم لاختلال في عقولهم وضعف إيمانهم وحب التسلط والسيطرة والقتل كما عادة كل المجرمين على مدى التاريخ ، فكيف يمكن ان يدينوا لإيران أو أمريكا او اي دولة أخرى بعد أن اصبح لهم مواقع سلطة ونفوذ وآبار نفط بهمة أمريكا وإيران ؟!.
لقد سبق لامريكا أن أنشأت تنظيم القاعدة لإجلاء الروس عن افغانستان ثم فقدت سيطرتها عليه ليصبح عدواً لها مع توقفها عن تمويله وتسليحه ودعمه ، كما حال النظام الإيراني الذي أضحى على عداء معها رغم أنها أقامته على حساب الشاه وأدخلته العراق ووهبته له . إلا أن طهران سعت الى تطويع أمريكا لإرادتها بمحاولة إبتزازها أثناء تواجدها في العراق ، إذ أنها تطمع في المزيد من السيطرة على العالم العربي إلى حد انها تهدد أمريكا بين فترة واخرى بإثارة القلاقل في وجهها ، كما وتهدد بمحو حليفتها إسرائيل من الوجود إذا لم تستجب واشنطن لرغباتها وأطماعها في السيطرة على العالم العربي وصناعة القنبلة الذرية ؟
وحال أمريكا ، عندما أوكلت أمر العراق لإيران ، كحال صاحب الغنم الذي أوكل أمر رعاية قطيعه للذئب لينهش فيها كما يشتهي وفق طبيعته التي لايمكن تغييرها في عدوانيته التي جبل عليها.
ومن هنا فإن فقدان إيران السيطرة على تنظيم داعش بدأ بعد تمدده من سوريا إلى العراق الذي وجد في العشائر العربية وبقايا الجيش البعثي العربي العراقي المعارض للحكومة العراقية ، مدخلاً للثورة ضد النفوذ الإيراني في العراق واسترجاع السلطة والحكم ، فأتخذت من داعش بعد تحالف الضرورة معها غطاء مالبث ان توسع في أعمال التفجير في العاصمة بغداد بما شكل خطراً على الحكومة العراقية الموالية لأمريكا وبالتالي تهديد إيران عسكرياً في عمق دارها في محاولة للتمدد نحو معارضة الداخل الإيراني والتنسيق معها لقلب الحكومة الإيرانية مما ادخل الذعر في قلوب الأمريكان .
إذ أن واشنطن لازالت تأمل ب"جزرتها "العراقية من الإستمرار بإحتواء إيران والتمسك بها من خلال بريطانيا كنظام هش كما الرجل المريض ، لاستعمال مليشياتها الشعوبية في الداخل العربي لتقويض الأنظمة العربية وتفتيت دولها وتشتيت جيوشها كما حصل مع جيوش العراق وسوريا وليبيا واليمن بما يريح إسرائيل ويحفظ أمنها حاضراً و مستقبلاً.
لذاسارعت أمريكا منتصف العام الماضي الى العودة سريعاً للعراق دعماً لنفوذ طهران فيه ودفعاً للخطر عن النظام الإيراني الذي لم تنته الحاجة إليه مع توجهه العدواني ضد الأمة العربية خاصة دول الخليج ، ومقاومة وعرقلة اي تحركات عربية حدودية ضد إسرائيل التي تنعم بالأمن والسلام بأفضل من اي دولة عربية وفق توصيف الأمين العام لحزب الله اللبناني في الرسالة التي حمّلها للمبعوث الروسي بوغدانوف الى نتنياهو وأعلنها في الصحف من اجل حصول موافقة إسرائيل على دخول سوريا لمشاركة الحرس الثوري والمليشيات الشعوبية العراقية وداعش والنصرة في قمع الثورة الجماهيرية للشعب والجيش ضد النظام الذي سلم أمور البلاد لإيران كما هو حاصل في العراق .
لذا فإن استهداف الطيران الأمريكي وطيران التحالف لمواقع دولة داعش ، إنما هو استهداف لإعادة تحجميها وتطويعها للمخابرات الإيرانية والعراقية في أعمال الإرهاب المخطط لها في سوريا والعراق وعدم تجاوز حدود دولتها ، التي رسمها لها الرئيس أوباما في مؤتمره الصحفي الشهير عقب اعترافه بها ، مع محاولتها التمدد خارج حدودها المعترف بها الى حدود الدولة الكردية ومدنها وقراها لضمها اليها ، إذ تُعتبر الدولة الكردية خطاً أحمر بالنسبة لأمريكا وروسيا والغرب يمنع تجاوزه او التعرض له حتى من إيران أو العراق أو اي دولة أخرى .
ولكن المشكلة أن داعش اضحت دواعش عدة أي عصابات ومافيات مسلحة ومجرمين جاؤوا من دول عدة عديدة ، من ادنى الأرض ومشارقها ومغاربها الى العراق وسوريا من اجل السرقة والتسلط والنهب بحيث ضاعت داعش الإيرانية الأمريكية الأساسية وبالتالي فقدت السيطرة عليها من قبل إيران ومن ثم تخلي ثورة الجيش العراقي الصدامي عن تحالفه مع داعش بعد أن شعر ان قياداته مستهدفة منها مع اكتشافه لعناصر مخابراتية إيرانية وأمريكية وبريطانية وإسرائيلية متغلغلة بقوة داخل تنظيم داعش الذي لم يعد يُعرف اصله وفصله مع تعدد التنظيمات الداعشية في العالم العربي .
إذ اضحى داعش ، كما القاعدة عنواناً لكل عصابة في سوريا والعراق ، الذي اضحى تعدادها يفوق الألف عصابة ، كلها تتخذ من اسم داعش تعريفاً لها . إلى حد تمددها الى خارج الحدود حيث اتخذت بعض التنظيمات الإرهابية الليبية شعار داعش واعلامها عنواناً لها للتعريف عن نفسها بعد أفول نجم "القاعدة"التي تخلت عنها أمريكا وإعلان زوالها بمقتل زعيمها بن لادن لتعترف بتنظيم داعش كبديل عنها .
لذا يصعب السيطرة على هذا التنظيم مادامت أمريكا تدعم النظام الإيراني في إنشاء جيش عراقي من 120 ألف عنصر كمرحلة أولى ، معظمه من المليشيات الهمجية الإرهابية الإجرامية الشعوبية بحجة أنها أمر واقع ، التي لم تكن المنطقة لتعرفها لولا ا لوجود الإيراني في العراق .
لذا فإن خلاف أمريكا مع داعش هو خلاف إعلامي مخادع وإلا لما انشأتها وسلحتها من خلال إيران .وطيران التحالف لايستهدف داعش ، بل يستهدف التنظيمات الموازية لها وفق إحداثيات يرسلها تنظيم داعش الموالي لطهران ويمنعها من التمدد خارج حدودها المعلنة من أمريكا .