هناك عدة أفكار تقدمت بها جمعية الإخوان إلي المجتمع، يمكن تلخيصها فيما يلي
1.
فكرة الزعيم صاحب الأمر والنهي.
2.
مفهوم الفصل بين الحق والباطل.
3.
فكرة العمل المباشر.
وفكرة الزعيم صاحب الأمر والنهي هي فكرة أصبحت مشتركة بين جميع التنظيمات الإسلامية علي تباينها وتنوعها. ويكاد المرء يعدم أن يجد تنظيما إسلاميا لا يعمل علي أساس منها. وهي تتلخص في ذوبان إرادة الفرد العضو في إرادة التنظيم بطريقة مغالي فيها، إذ أن ما يطلق عليه في علم الأحزاب السياسية الإلتزام الحزبي هو كيان شبيه بكيان الزعيم صاحب الأمر والنهي، إلا أن المفهوم الإسلامي يتشدد جدا ويغالي في تطبيق هذا الإلتزام بحيث يصعب علي صاحب الراي المخالف أن يصرح به. أما مفهوم الفصل بين الحق والباطل فهو من أخطر الأفكار التي نجحت في ظل الجهل العام وتحت جناح الدكتاتورية السياسية التي تعيشها مصر منذ 70 عاما، نجحت في خلق فكر يحمل صفة الإسلامي وينهض علي التميز والسمو لاصحابه علي كل من عداهم. ومن هذه الفكرة التمييزية وعلي اساسها نشأت منظمات كثيرة مثل التنظيمات الجهادية والتكفير والهجرة والكتائب المختلفة. وهذا السمو يجعل أي شىء قليل القيمة أو عديمها إلي جانب إرادة التنظيم التي يجب لها النفاذ. وهذه كلها افكار نشأت في مصر وقال بها مصريون ضاقت بهم أرض مصر فغادروها ونشروا افكارهم في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي بل ووصلوا إلي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض الأحيان وجدت صدي في تلك المجتمعات بالذات بين صغار السن والمحرومين ماليا وتعليميا في الطبقات الدنيا.
أما العمل المباشر وعدم الإلتفات للظروف المجتمعية فهي الصفة التي نري تطبيقها حاليا في كل مكان، أـن يري شخص أو تنظيم مهما صغر أن ساعة العمل قد حلت فينفذ ما يحلو له سواء كان ذلك تحرشا بمعارضيه أو سرقة محلات الذهب المملوكة لغير المسلمين أو حتي القتل الإرادي والتفجير.
فكلنا نعرف تنظيم التكفير والهجرة، وهو قائم علي النظر للمجتمع علي أنه مجتمع الكفار الذي يجب ألا يخالطه المسلم الحق، وبالتالي فهو يهجره ويخرج منه، ولكن الذي لا يقال هو الجزء الثالث من الفكرة، وهي العودة من الهجرة لفرض إرادة التنظيم، فإسمه المعبر عن حقيقة فكره ينبغي له إذن أن يكون التكفير والهجرة ثم العودة.وهي أفكار مصرية صميمة لم يعرفها سوي المصريين.
وهكذا بعد أن كانت مصر مركزا للفكر الديني المتصالح مع البيئة من حوله والراغب في العيش بسلام أصبحت مصر هي أيضا المركز الرئيسي للفكر الجهادي المحبذ للعنف والقائل بالعمل المباشر والتغيير الإجباري.
في تقرير لإدارة حماية الدستور في ألمانيا، وهي المعادل للمباحث في شأن الأنشطة الهدامة وهي تراقب كل من يعتقد فيه أنه يحمل فكرا معاد للدستور والديموقراطية، في تقرير حديث جاء أن المراهقين والشباب من الألمان أو الألمان من أصل عربي ممن يعتنقون فكر الجهاد وينتوون السفر إلي سوريا للمشاركة في الحرب إلي جانب تنظيم داعش، جزءا كبيرا منهم قد زار مصر بعد ثورة يناير وقبل إنهاء حكم الإخوان المسلمين وعادوا جميعا من مصر مستعدين لممارسة الجهاد.
وكانت نتيجة هذه الأفكار الواردة من مصر وبالا علي كل من ينتمي للإسلام، سواء علي أرض الإسلام أو في الخارج.
وكل هذه "الإنجازات"هي صناعة مصرية خالصة لم يشارك المصريين أحد في إنتاجها.
وزاد الطين بلة أن المؤسسة القديمة التي كان لها صوت مسموع حتي منتصف القرن العشرين قد ضعفت للغاية وأصبح تأثيرها شبه منعدم في مجتمعات الفساد التي عاشتها مصر خلال العقود السبعة الماضية. بل أصبح عجزها متبديا في أسلوب إختيارها لميدان المعركة التي تخوضها، فبدلا من الحديث في قضايا المجتمع الحادة والحالة مثل الحريات وتوزيع الثروة وأخذ التطورات الديموجرافية في الحسبان، نسمع هذه المؤسسة تتحدث في حقوق البخاري علي الناس وأهمية الحفاظ علي تراث السلف مهما جاء مخالفا للعقل !! وعلي الجانب الآخر لا ننس تصريح رأس الكنيسة بأنه يؤيد رئاسة إبن الرئيس رغم أنه لم يرشح نفسه بعد !! لقد أخطأت المؤسستان الدينيتان بشدة في تعاملهما مع الواقع السيء لمصر.
ثم جاءت ثالثة الاثافي من خلال الخطاب العام في بيانات الحكومات المتعاقبة وترديدات الإعلام التي تقوم دائما بوضع اللائمة علي "مؤثرات غريبة عن البيئة المصرية"مثل الفكر الوهابي وفكر الخوارج. وهي حجج واهية لا تصف الداء وبالتالي لا تعرف كيف تصل للدواء. فالاساس الفكري لكل هذه الأعمال هو أساس مصري سواء جاء قديما أو حديثا. ونسبة المكون الأجنبي سواء جاء وهابيا أو حروريا خوارجيا هي نسبة ضئيلة للغاية حيث أن المكون الأصلي مصري خرج من بلد هو صاحب أقدم تاريخ ديني في كل العالم.
وهذا الفكر المصري يقع سببه في عدة عوامل منها التاريخ الطويل للمؤسسة الدينية في مصر وشعور المصريين العاطفي وحبهم للإستئثار بالدين وسوء الأحوال السياسية وتردي أوضاع الإقتصاد وثبوت تلاعبات أجنبية وقصر نظر (أو سوء غرض) من ينشرون هذا الفكر.
نعم نحن في مصر نحتكم علي قوة عالمية عظمي في مجال الفكر الديني، ولكننا للأسف قد أخرجناها من وضع القوة العظمي البناءة إلي وضع القوة العظمي المخربة الهدامة، إذ ينعدم وجود منظمة إسلامية عنيفة في أي بقعة من العالم لا يحتل أحد المصريين أو بعضهم مركزا مرموقا في إدارتها ولا يشكل الفكر المصري المطبوع أو المسموع العمود الفقري لمنهاجها.