تأليف : محمد السويسي
داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية أعلن ولادتها واعترافه بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، بتاريخ السابع من آب /أغسطس 2014 من البيت الأبيض ك"دولة أمر واقع"وحدد حدودها الممتدة من وسط سوريا حتى مشارف بغداد بحيث جاء هذا الإعتراف الوحيد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بهكذا تنظيم إرهابي مفاجأة غير متوقعه أذهلت العالم أجمع .
إلا أن تاريخ أمريكا عريق في تأليف هكذا تنظيمات إرهابية متطرفة في معظم انحاء العالم لإقلاق راحة الدول المعارضة لسياساتها أو التي كانت تدور في فلك الإتحاد السوفياتي البائد .
مما يعني ان لأمريكا دوراً في إنشاء هذا التنظيم الإرهابي التكفيري كعملية توازن بين المليشيات الموالية لإيران وبين المقاومة الوطنية في صراع على النفوذ ، لتكون لأمريكا اليد الطولى بمواجهة النفوذ الروسي الإيراني المتنامي في العراق وسوريا الذي يعتمد على تصفية أخصامه السياسيين على أسس عنصرية وقومية ومذهبية شعوبية بطرد العرب السنة وتهجيرهم من بغداد وما حولها ومن المناطق والأحياء ذات الأغلبية الشيعية ومن سائر انحاء العراق بجرائم ومذابح إرهابية منذ بداية الإحتلال الأمريكي للعراق وخلال ولاية رئيس الوزراء نوري المالكي الموالي لإيران بما شاب هذا النظام في عهده من فساد سياسي ومذهبي عنصري .
ومن هنا نطرح السؤال كيف ومتى نشأت داعش ؟.إلا أنه لايمكن طرح السؤال بهذا الشكل المحدد ، إذ ان تنظيم داعش ليس إلا واحد من عشرات التنظيمات التكفيرية ومئات العصابات الإرهابية التكفيرية التي نشأت منذ احتلال العراق وبداية مايعرف بالربيع العربي بتمويل وتسليح من إيران بتعاون مع النظام السوري .
ومع ذلك سنعود في السياق لنتكلم عن تنظيم داعش بشكل خاص ، ولكن ليس للإشارة عن اعماله منعاً للتكرار الممل بما أن ممارساته أضحت معروفة للجميع ، بل عن تركيبته والظروف التي ادت لظهوره .
وهنا يعاد طرح السؤال بطريقة مغايرة ، وهو لما اشتهر هذا التنظم رغم وجود مئات التنظيمات على الساحة ، وكيف برز عن غيره ؟!
سؤال في محله يدفعنا للعودة قليلاً الى بداية الغزو السوفياتي لأفغانستان لنتعرف الى دور الولايات المتحدة بشكل أفضل عن إنشائها لهكذا تنظيمات إرهابية وهدفها منها .
غزا الإتحاد السوفياتي افغانستان لعشر سنوات بدأت في العام 1979 استخدمت خلالها امريكا كل وسائل التحريض الإعلامي لإنهاء هذا الإحتلال إلا انها فشلت ، فعمدت عندها الى إنشاء مقاومة محلية لمحاربته دون جدوى . عندها لجأت الى فكرة إعلان الجهاد من خلال مليشيا مسلحة بتعاون وتمويل من الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة السعودية . وقد تعاونت المملكة مع باكستان لتجنيد قوى محلية أفغانية وخليجية لمحاربة القوات الروسية المحتلة تحت شعار تنظيم "القاعدة" الذي كان يتمتع بالحماية الأمريكية ودعم واشنطن .
ولكن مع زوال الإحتلال السوفياتي فإن أمريكا تخلت عن "القاعدة"بعد ان انتفت الحاجة إليها لعدم جدواها في مخططاتها ، إذ اقتصرت على التعاون مع المخابرات الباكستانية بعد إنشاء حكومة افغانية محلية تضم جميع القوى السياسية والعسكرية مالبث ان دب النزاع بين أطرافها وانقسمت البلاد بحيث تعذر على باكستان الإصلاح والتوفيق بين أطرافها مع تزايد النفوذ الإيراني من خلال قوات الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود الموالي لإيران .
فكان إنشاء تنظيم طالبان من الأكثرية العشائرية البشتونية الأفغانية من قبل المخابرات الباكستانية ليجتاح أفغانستان نهاية التسعينات ويطيح بكل القوى السياسية باستثناء الموالية لأحمد مسعود لصمودها ، مما دفعها الى اغتياله في التاسع من أيلول من العام 2001 ، أي قبل يومين من تفجير برجي نيويورك مما سرع الإجتياح الأمريكي لأفغانستان وبالتالي احتلال العراق بتنسيق مع إيران .
وقد تكرر هذا الأمر في العراق إذ ان القوات الأمريكية الغازية واجهت مشاكل عدوانية من حليفها الإيراني إثر غزو العراق . إذ سعت طهران بعد ان رسخت وجودها في بغداد وجنوب العراق إلى إفتعال المشاكل من خلال مليشياتها الشعوبية في وجه القوات الأمريكية باعمال التفجير والقنص والقتل الى حد استعانتها بمرتزقة من لبنان وسوريا لمساعدتها في هذا الأمر بهدف إزعاج الأمريكيين ودفعهم لمغادرة العراق للإستحواذ عليه والحاقه بإيران الى حد ان طهران قد اعلنته محافظة إيرانية إثر جلاء القوات الأمريكية عنه بعد عشر سنوات من الغزو .
وللتوضيح فإن أمريكا عندما استعانت بإيران عند غزوها العراق ليس لحاجتها لها عسكرياً ، بل لإطلاق أهداف الإحتلال بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لما لإيران من نفوذ على المرجعيات الشيعية في العراق ، إلا أنه لم يدر بخلدها أن تعمد طهران الى عمليات إبادة للعرب السنة من خلال المليشيات الشعوبية المذهبية الموالية لها ومحاولة تهجيرهم من العراق بما يتعارض وخطط الرأسمالية الأمريكية التي كان تهدف من الإحتلال الى أمرين :
1- تقسيم العراق بهدؤ الى ثلاث دول لكل منها إدارة مالية مستقلة ضمن إتحاد فدرالي مركزه بغداد التي يمسك الأمريكان بها وبحكومتها بقوة من خلال سفارتهم الضخمة .
2- وضع حد للتلاعب بأسعارالنفط التي كان ينتهجها العراق ببيعه البرميل بأقل من الأسعار العالمية بما أضر بمصالح الشركات الأمريكية وأربكها ، على أن يتم رفع البرميل من 28 دولاراً الى 200 دولار للتعويض عن تكاليف غزوالعراق ولتمكين إيران من تمويل أعمال مليشياتها الحربية .
استغلت إيران وجودها في العراق بحماية أمريكية لتعمل على وضع الخطط لتصدير ثورتها الى مختلف انحاء العالم العربي في تطلع نحو المملكة العربية السعودية وكافة الدول الخيليجة مستغلة بعض الطائفة الشيعية بالرشوات المالية وفق نهجها العراقي في إنشاء المليشيات زادت عليها بالدعوة الى التشيع وفق أسلوب النظام الأمريكي العلماني بالتبشير الكنسي السياسي بهدف التجنيد المخابراتي .
وقد تطلعت نحو سوريا لتكون منطلقاً لها نحو الدول العربية الى جانب بالعراق ، فكان أن ورطت النظام السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 ، بهدف إخراجها من لبنان لإتاحة الفرصة لحزب الله الموالي لها لوضع يده على لبنان لملء الفراغ السوري .
وقد نجحت في خطتها إذ استغلت علاقتها مع المحتل الأمريكي في العراق لتضغط واشنطن على سوريا بالتهديد والتهويل للخروج من لبنان مما اضطرها الى مغادرته لبنان خوفاً من ان تلقى مصير العراق .
إلا ان ردة فعل الشعب اللبناني على مختلف طوائفه كان عنيفاً وغاضباً لمقتل الرئيس رفيق الحريري متهماً سوريا وحزب الله بارتكاب هذه الجريمة الشنعاء ،من قبل ان تؤكدها تحقيقات المحكمة الدولية ، التي دفعت فيها سوريا ثمناً غالياً انهى ثلاثة عقود من هيمنتها على لبنان الذي تحول فيها الوجود السوري الى احتلال فعلي على كل الصعد ،فلا تعينات او توظيفات او مقررات حكومية او رئاسية إلا بأمرها وأوامرها . وبالتالي أضحى المسؤولين اللبنانيين من نواب ووزراء وقيادات وأحزاب سياسية مجرد دمى بأيدي ضباط المخابرات السورية بالترهيب والترغيب .
إلا أن حزب الله لم يستطع ان يملأ الفراغ السوري مع تصاعد الحملة ضد سلاحه ، فعمد الى التحرش بإسرائيل بخطف جنديين لإشغال اللبنانيين عنه وإظهار بطولته ووطنيته امام المواطنين الرافضين لسلاح وولائه لإيران . إلا ان حساباته كانت خاطئة كما حسابات السوريين إذ ادى تحرشه بإسرائيل الى هجومها و تدمير معظم البنى التحتية والجسور والمصانع في لبنان والتسبب بسقوط 1200 شهيد من المدنيين لاذنب لهم سوى التخطيط الفاشل لطهران ليخرج امين حزب الله ليقول أنه لم يكن يعلم بأن رد الفعل الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم ؟!
هذا العدوان الإسرائيلي زاد من غضب الشعب اللبناني على حزب الله لما تسبب به من دمار لاستخفافه بمصالح اللبنانيين وقد زاد إصراره على نزع سلاحه . فما كان من الحزب و قد خرجت سوريا التي كانت تحميه وترعاه في لبنان ،إلا أن اجتاح بيروت على الطريقة الإسرائيلية في أعمال الإرهاب والتخريب والإعتقال وتكميم أفواه الإعلام المعارض وإغلاق قنواته وترويع اهالي بيروت ومحاصرة منازل بعض الزعماء اللبنانيين من خلال مليشياته بقمصان عناصره السوداء مما زاد من النقمة عليه والدعوة العلنية الشعبية بنزع سلاح "الغدر "لديه ، وفق تعريف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لهذا السلاح .
ورغم انه لم يفلح الأمر ، إذ لازال حزب الله على سلاحه بدعم إيراني سوري امريكي برغبة إسرائيلية لحماية حدود إسرائيل من الهجمات الفلسطينية حيث تعتبر حدود إسرائيل الأكثر امناً في العالم العربي بفضل سهر حزب الله عليها . ومع ذلك فإن الشعب اللبناني مازال مصراً على استقلاله وتحرره من اي تدخل اجنبي في تطلع نحو عودة الدولة المغيبة من قبل حزب الله . ولايزال الصراع قائماً حتى الآن اعتراضاً على عرقلة الحزب إعادة تشغيل معظم مرافق الدولة المعيشية والإدارية ، خاصة معرض طرابلس الدولي ومصفاة النفط ومطار القليعات ومحطة الكهرباء في طرابلس والسكة الحديد والنقل المشترك ، وتعويق إقرار البطاقة الصحية للمواطنين كما وتعطيل اي مجهود من الدولة لتحسين المعيشة بإقرار ضمان الشيخوخة او اي من الضمانات الإجتماعية لعجز الحكومات المتعاقبة عن اتخاذ اي قرار إلا بأمره وموافقته والا عطلها واجبرها على الإستقالة .
إذ ان الحزب يتوخى ويسعى بحمله السلاح رغما عن إرادة الشعب مع وجود الجيش ، إلى انهيار الدولة اللبنانية ومؤسساتها طمعاً في وضع يده على لبنان لصالح طهران بما يملك من وفرة مالية إيرانية هائلة للإنفاق على مخططاته بوضع يده على الدولة .
تبين مع سياق الأحداث في سوريا والعالم العربي بأن إيران كانت تعد حزب الله ليكون منطلقاً للتمدد في العالم العربي والتدخل في شؤونه بما كان له من رصيد سابق في مواجهة إسرائيل فقده مع اغتياله للرئيس رفيق الحريري واجتياحه بيروت في العام 2007 وقد سبق رفضه تسليم سلاحه للجيش اللبناني بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب ، مصراً على أنه لن يلقيه إلا بعد تحرير فلسطين ، بينما يمنع على المقاومة الفلسطينية الإقتراب من الحدود الإسرائيلية أو إقتحام مستعمراتها ، الذي كانت تمارسه قبل مجيئه ووضع يده على الحدود ، ويرفع السلاح بوجهها لمنعها من ذلك ؟!.
هذه المقدمة كان لابد منها للإنتقال الى الوضع السوري وتداعياته المتفاقمة منذ اربع سنوات وحتى الآن دون أفق بفعل التدخل الإيراني باعتماد طهران على حزب الله في دحر الثورة السورية لاعتقادها انه رامبو عصره الخارق الذي يستطيع محاربة العالم العربي بأجمعه . وقد وقعت في سؤ حساباتها بما قد يؤدي الى زعزعة نظامها وعدم استقراره بالتالي زواله إزاء رد الفعل العربي على مممارساتها ضدهم في سوريا والعراق وتمددها نحو اليمن لصنع حزب الله آخر من خلال الحوثيين بدعم من الجيش اليمني الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح ، كما دعم الجيش السوري لحزب الله في لبنان وفي معاركه ضد الشعب والثورة السورية .
إن عدم خبرة الرئيس بشار الأسد بالعمل السياسي وضعف ثقافته التاريخية والإقتصادية واصول ممارسة السلطة والحكم هو الذي أودى بسوريا الى ماآلت اليه.إذ انه بعد ان ورث السلطة سلك سلوكاً ديكتاتورياً متعالياً بممارساته . وقد تلاعب به الإيرانيون جيداً ، إذ سلمهم زمام أمره وأمر بلده بأن سمح لهم بإطلاق حملات التشيع لولاية الفقيه في جميع انحاء سوريا ، دون اي ضوابط ، ضد إرادة الأكثرية السنية من شعبه التي لم يقم لها أي اعتبار وطني او مراعاة رغم سمعة إيران السيئة بتحالفها مع امريكا على احتلال العراق ودماره .
ودون ان يدرك ان هذا التشيع ذو طابع سياسي سيودي به في النهاية وبنظامه ، إذ كان يجب ان ينتبه انه لامعنى لهذا التشيع على المستوى الديني طالما ان جميع أصحاب المذاهب مسلمون ، لولا الغايات السياسة البعيدة المدى لإيران لإيجاد مواقع موالية لها في سوريا والعالم العربي . وقد اغروه باستثمارات تجارية إيرانية في سوريا اشركوه بها من خلال بعض اقربائه مع بعض الهبات النفطية الإيرانية . هذه الإستثمارات التي كانت في حقيقتها مجرد رشوة بمليارات الدولارات الى حد انه اقتطع من سوريا مساحة سبع قرى على الحدود السورية اللبنانية الموازية للبقاع وهبها للإيرانيين، وعناصر حزب الله يدخلون منها ويخرجون دون اذن مسبق وكأنها جزء من لبنان استعلمها الحزب للتدريب وللإنطلاق داخل سوريا في اعمال التشيع السياسية التجسسية وقتال الشعب السوري وثورته .
ولو كان ألأسد ملماً بالعمل السياسي لكان لاحظ بأن والده لم يكن ليسمح بالتشيع أو بنفوذ فارسي ضمن سوريا لما في ذلك من سلبيات على نظامه العلماني العروبي الذي كان يتسع لجميع القوى والأطراف طالما انهم لايسعون للإنقلاب على نظامه .
هذا التمدد المذهبي السياسي والتجاري الإيراني أغضب الشعب السوري على جميع مستوياته وفئاته بما ادى الى انفجار التظاهرة الطلابية من ريف دمشق في درعا وتوسعها غضباً نحو كافة انحاء سوريا التي حاول الأسد إحتوائها ومعالجتها شخصياً. وكاد الأمران ينجح لولا النفوذ الإيراني في اجهزة المخابرات السورية وتدخلها ، حيث رأت طهران في هذا الإنفجار فرصة ذهبية ممتازة لتصعيد الوضع وتأزيمه تمهيداً لوضع يدها على سوريا نهائياً بإحكام قبضتها وضمها الى فلك الوهم الإمبراطوري الفارسي الذي كان يسوق له قادة طهران بصورة ملحة طالبين اعتراف امريكا بهم كإمبراطورية عظمى ؟!.
لذا عرقلت طهران اي مجهود للرئيس بشار الأسد في احتواء مشكلة درعا في ربيع العام 2011 بأن عمدت الى تجنيد مليشيات طائفية شعوبية من الداخل بما يعرف بالشبيحة بالتعاون مع ماهر الأسد وأغدقت عليهم المال والسلاح ، كما عمدت الى تجنيد مرتزقة من العراق ولبنان عمدوا الى قتل المتظاهرين والتنكيل بهم وتهجيرهم على اسس طائفية مذهبية بما يشبه اعمال الإبادة لقمع التظاهرات السلمية مما ادى الى انفجار الوضع بشكل نهائي مع إنشقاق الجيش احتجاجاً على الهيمنة الإيرانية على قطاعي الجيش وقوى الأمن وإدارات الدولة بأمر من بشار الأسد الذي لجأ لإيران لقمع الثورة السورية ضد ممارسات نظامه دون ان يدري ان إيران هي التي كانت تغذي هذه الكراهية ضد نظامه لإسقاطه في حضنها . وقد نجحت في مخططاتها مع استكمالها قتل جميع مساعديه العسكريين المقربين بما يعرف بخلية الأزمة وما تلاها ، مع تصاعد الفوضى بحيث اختلط عليه الأمر بعد ان اضحى سجين قصره برقابة وحماية إيرانية .
وقد يكون الأسد قد عرف متأخراً حقيقة النيّات الإيرانية ضد نظامه ، ولكن فات الوقت وقد اضحى وحيداً لايستطيع مقاومة نفوذ طهران التي هيمنت على البلاد وأضحت الحامي الوحيد له مع انفراط الجيش وتفسخ النظام والدولة .
هذا التفسخ وتنامي الثورة دفع إيران الى تجنيد المزيد من المرتزقة الشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان وتركمانستان وروسيا وجميع الدول التي تدور في فلك الروس بحيث وصل عدد المرتزقة الموالين للنظام السوري تحت إمرة إيران الى مئة ألف مقاتل او يزيد بما فيه مقاتلي الحرس الثوري وحزب الله .
هذا التجنيد للمرتزقة من الخارج لم تكن إيران او النظام السوري قادران على استيعابهم والتحكم بهم مع تزايد الصراع في سوريا والعراق بحيث تشظوا بعد عامين من الصراع ضد الثورة الشعبية كمناصرين للنظام السوري في مقاتلة الجيش الحر والقضاء على المعارضة ، الى حد دفعهم نحو الحدود العراقية لقتال العشائر العربية لدحرهم والهيمنة عليهم في محاولة لوضع حد للمعارضة العراقية المناوئة لحكومة بغداد الإيرانية الهوى .
كان دفع هؤلاء المرتزقة نحو العراق خطأ جسيماً ارتكبته إيران ، إذ كانوا يضمون عراقيين كثر مالبثوا ان انضموا الى الثورة العراقية التي كانت تضم نخب الجيش العراقي المنحل الذي لم يعد لديه سوى القتال لتحصيل لقمة عيشه بعد ان حل الحاكم الأمريكي "بريمر "جيش البعث بأكمله برغبة من طهران ليصبحوا في خدمة الثورة العراقية ضد الإحتلال الإيراني المليشياوي في سوريا والعراق .
مع هذا التوسع والإنفلاش تملصت المليشيات المأجورة من النفوذ الإيراني والسوري بتحريض من عناصر مخابراتية امريكية وبريطانية وعربية خليجية وتركية اندست بين تنظيم داعش بعشرات الآلآف ودعتهم ان يستقلوا بأنفسهم عن دمشق وطهران مع تزويدهم بالمال والسلاح بافضل مما كانوا يتلقونه من إيران الذي انتهى دورها بالنسبة لأمريكا والغرب في تفكيك سوريا وللعراق وتهديمهما ، إلا ان معظمهم مارس نشاطه تحت اسم داعش لإرهاب الناس وإخفاء ولائه لسوريا وإيران .
وبعد ان نحج هذا الإنقلاب بنقل البندقية من إيران وسوريا الى أمريكا ، اعترف البيت الأبيض بداعش في مؤتمر صحفي عقده الرئيس اوباما في السابع من آب/ أغسطس من العام 2014 راسماً حدودها من وسط سوريا نحو وسط العراق حتى حدود بغداد واطلق عليها اسم "دولة العراق والشام الإسلامية "بدلاً عن داعش التي هي مختصر لأسمها المركب ، معلنا بأنها دولة أمر واقع ؟ .
إنفجار الثورة السورية واستعمال القوة العسكرية المفرطة والمليشيات الطائفية المذهبية لقمعها بوحشية بدعم من طهران خارج القانون والمساءلة أدى الى انفجار الوضع بشكل واسع على صعيد البلاد والى تفكك الجيش بشكل متصاعد مع تصاعد التدخل الإيراني وتسلطه على السلطة والحكم مع تسليم الأسد سوريا لإيران لتفعل بها ماتشاء مقابل إخماد الثورة وتثبيته في مركزه .
إلا أنه لم يدرك محاذير ذلك بان إيران وفقاُ لخطابها القومي المعلن انما تسعى لوضع يدها على العالم العربي وسوريا دون ان تقيم له وزناً عندما يضحى الوقت ملائماً للتخلص منه ، إذ انها اسيرة الوهم لاعتقادها بأنها دولة عظمى تائهة في حالة شيزوفرانيا سياسية لاشفاء منها .
مع استقدام طهران لطوابير الإرهابيين والقتلة المأجورين من الخارج كان من الطبيعي مع سيادة الفوضى ان يتسلل بين هؤلاء القتلة والطامحين للسلطة والنفوذ ، العناصر العسكرية المخابراتية من مختلف انحاء العالم ، خاصة امريكا وأوروبا وإسرائيل وروسيا دون الإفصاح عن ميولهم . وبالتالي تشرذم الثورة التي اضحت تضم المئات من عصابات الأحياء المسلحة وعشرات التنظيمات العسكرية بحيث ان أكثرها اضحى يقاتل تحت عنوان داعش والقاعدة والنصرة لكسب الهيبة والتوسع مع تعذر الوحدة والتوافق بينهم في مواجهة الإحتلال الإيراني لسوريا والعراق من خلال مليشياته المسلحة التي يعلو سلاحها على صوت الدولة المحتلة وحكوماتها .
إلا أن هذه الحرب بتداعياتها بإطلاق يد طهران بها منذ احتلال العراق تتم وفق سيناريو امريكي صهيوني معد سلفاً بخداع القيادة الإيرانية واستغلال حماسها الديني الغيبي ، التي لازالت تعتقد حتى الآن ان مايجري في سوريا والعراق ولبنان واليمن إنما يجري لصالحها دون ان تقيّم الربح والخسارة من هذه الهيمنة المخادعة وقد استنزفت مواردها واقتصادها ومجتمعها الذي يعاني الفقر والجوع من حروب عبثية لاطائل منها على مدى عقود .
ومع ذلك لازالت طهران تأمل بانتصارها في مواقع هي مراكز استثمار للرأسمالية الغربية التي لن تسمح ابدأ بتخطيها أو فقدانها .وكل ماتفعله إيران ،عن غير وعي منها ، هو تدجين هذه الدول لاستثمارات جديدة لصالح امريكا مع تخريب إقتصادها وتدميرها ، كما وتفتيت جيوشها التي يشكل تماسكها وقوتها خطراً على الكيان الإسرائيلي مستقبلاً ، كبديل عن حرب عالمية محدودة في المناطق التي اضرمتها إيران بحروب لاجدوى منها لقصر نظر حكامها وقد دفعت تكاليفها من اموال شعبها ونمو اقتصادها عوضاً عن أمريكا وإسرائيل والغرب .
وقد تضررت إيران إقتصادياً ومالياً بمقدار هذه الدول التي خاضت حروبها الإرهابية الطائفية المذهبية والعنصرية ضدها بل وأكثر. ومع ذلك لازالت على عنادها بتحريض غير معلن من الرأسمالية الغربية الى حين استيفاء اغراضها منها . وعندها يتحول الربيع الحار نحو إيران في الوقت المناسب لإثارة الفوضى وتقسيم إيران كما تقسيم كل من سوريا والعراق واليمن ضمن اتحاد فدرالي او كونفدرالي على اسس طائفية ومذهبية بحيث يستحيل بناء جيوش وطنية وقوية من خلال هذه التقسيمات حفاظاً على مستقبل إسرائيل وامنها ، وبما يخلق مناخاً ملائماً للإستثمارات الغربية لإعادة البناء ، ولكن بدماء شعوب سوريا والعراق واليمن .
وهذه النهاية للممارسات الإيرانية متوقعة مع السنة الأخيرة لولاية الرئيس باراك اوباما التي سبق الإشارة عنها لمرات عدة. وقد بدأت تباشير الربيع الإيراني بتحرك الأكراد للإستقلال عن إيران التي تحاول طهران قمعهم بشده باعمال الإعدامات للمتظاهرين لبث الإرهاب بينهم وإخافتهم . وبذلك خطت خطوة مميته باتجاه إعطاء المبررات لتسلح الثوار الأكراد لمقاتلة النظام والتسبب بتسريع سقوطه . وقد استعانت طهران بحزب الله للمساعدة بخبرته على قمع ثورة الشعب الإيراني الذي يسعى للتحرر من نظامه لوقف هدر امواله في تصدير الثورة العبثي لإعادة بناء إيران الجديدة على اسس اقتصادية مالية وصناعية .
بدأت تظاهرات الشعب الإيراني وتحركه ضد نظامه في الأهواز العربية ومهاباد الكردية منذ مطلع مايو/ ايار من العام 2015 . ولكن قد لا يستعر هذا التحرك ويتفاقم قبل الخريف المقبل ، مع استغناءعن خدمات النظام الإيراني وحزب الله ، حيث سينطلق بقوة الى ان تتحرر المناطق الكردية التي سبق ان استعمرتها إيران وضمتها اليها بداية القرن الماضي والى ان تتحرر الأهواز العربية من الإستعمار الفارسي الذي طال أمده .
وهذا ماتخطط له الرأسمالية الأمريكية التي جاءت بالنظام الإيراني الى السلطة في خطة جهنمية لبث الإرهاب في محيطها وبالتالي تحميلها مسؤوليته و تقسيمها الى ثلاث دول بحيث ستشرب من نفس الكأس الذي سقته لكل من العراق وسوريا واليمن والفلسطينيين باعاقة وحدتهم ومنع قيام وطن فلسطيني مستقل ، بعد ان اشبعت العالم العربي والعالم اجمع بالكراهية ضد إرهابها .
وقد عرّفها الرئيس باراك اوباما في تصريح له للصحافة بتاريخ 15/5/2015 بأن إيران "دولة راعية للإرهاب ""والخليجيون محقون في القلق منها "..
مما يعني تخلي الأمريكان عن خدماتها ورفع الغطاء عن حماية نظامها ، وقد دعا في نفس الوقت الدول العربية للدفاع عن نفسها من الخطر الإيراني .
ولم يتخل أوباما عن الإرهاب الإيراني إلا بعد استبداله بإرهاب مليشيا داعش التكفيرية تحت يافطة اسلامية سنية المخادعة ، لايقل خداعاً عن يافطة الثورة الإيرانية الإسلامية الشعوبية المذهبية الأكثر خداعاً .